ديوان صالح الكواز

 
 

الحماسة والشكوى والعتاب

قال يشكو الزمان ويتخلص لندبة الامام المهدي (ع).

بـكى جـزعاً مـما بـه من iiزمانه      فـما  لـكما فـوق الاسـى iiتعذلانه
تـوهمتما ان هـاجه ذكـر اهـيف      يـميل  بـاكناف الـحمى ميل iiبانه
أو ان الصبا من أرض كاظمة iiسرى      عـليلا لـه فـاعتل مـن سـريانه
نـعم كـان فـي عهد الصبا iiوأوانه      يـؤرقـه ذكـر الـحمى iiوحـسانه
وقـد كـان يصبي قلبه البرق iiلامعاً      فـيحيى الـدجى شـوقا الى iiلمعانه
يـبهجه  الروض الانيق بذي iiالغضا      فـتصلي  الغضا أحشاه من iiأقحوانه
فـأصبح  يـلهيه عـن اللهو هـمه      ويـشغل  شـانيه الـدموع iiلـشانه
دعـاه  وما يلقى من الضر iiوالجوى      اذا  لــم تـكونا ويـكما iiتـنفعانه
لـعل  ابـن خـير المرسلين iiيغيثه      فـيـنقذه مــن كـربه وامـتحانه
أقول لنفسي هوّني الخطب وأصبري      يـهن أو يزل بالصبر صرف هوانه
ولا  تجزعي من جور دهر وان iiغدا      يـروعك  مـا يـأتي بـه مـلوانه
فـعندي مـولى ضـامن مـا iiأخافه      وعـنـدي يـقين كـافل iiلـضمانه
وكـيف تـخافين الـزمان ومفزعي      الـى الـقائم الـمهدي مـن iiحدثانه
لـئـن خـوفتني الـنائبات فـانني      لـجـأت  لـسامي عـزه iiوامـانه
وان  ضـقت ذرعـاً بـالحياة iiلفاقة      فـلي  سـعة مـن فـضله وامتنانه

وقال:

أدعـوك لـلكرب الـتي لـم iiتفرج      ونـوائب ألـممن فـي قلبي الشجى
ولـفافة لـو شـئت يـوماً iiسـدَّها      لـسـددتها  ولـفتح بـاب iiمـرتج
لـما رأيـت الامـر ضاق عليَّ من      كـل  الـجهات ولم أجد من iiمخرج
ذكـروك  لـي وأن الـعليم iiبـانك      الـمولى  الـمبلغ عـبده ما iiيرتجى
فـأتيت  قـبرك قـاصداً iiيـقتادني      حسن  الرجا ويسوقني القلب iiالشجي

وقال هذه القصيدة في احدى زياراته الى كربلا معاتباً فيها السيد أحمد الرشتي إذ لم يلق في بيته من الحفاوة مثلما كان يلقاه في عهد ابيه السيد كاظم وذلك سنة 1286 ه‍‍ .

وقـوفي تـحت الغيث ما بلّني iiالقطر      وعـمت بلج البحر ما علَّني iiالبحر...
ورحـت  بـما في معدن التبر iiطامعاً      فـعدت وكفي وهي من صفرها iiصفر
وكـنت قد استنصحت في الامر iiرائداً      فـقال  هو الوادي به العشب iiوالزهر
فـلما  حـططت الـرحل فيه iiوجدته      وأمـواهـه نـار وأزهـاره iiالـجمر
فــوالله مـا أدري أأخـطأ iiرائـدي      أم  أكـذبني عـمداً أم أنـعكس الامر
وكـم اطـمعتك الـغانيات iiبـوصلها      فـلما  تـدانى الـوصل آيسك iiالهجر
وذلـك مـن فـعل الـنساء iiمـحبّب      ولـكنه مـن غـيرها خـلق iiوعـر
عـلى انـه يـنمى الـى العيلم iiالذي      تـمد  الـبحار الـسبع أنـمله iiالعشر
فـتى كـاظم لـلغيظ ما ضاق iiصدره      إذا ضاق من وسع الفضا بالاذى صدر
إذا  حـسـن الـبشر الـوجوه فـانه      لـمولى  مـحياه بـه يـحسن iiالبشر
ومـا هـو فـي حسن المناقب مكتس      فـخاراً  ولـكن فـيه يـفتخر iiالفخر
اخـوالعلم  إمـازج فـي الغيب iiفكره      الـى مـاوراء الـستر يلقى له iiالستر
وذو مـعجزات قـال مـن لا iiيطيقها      كـما قـيل فـيمن جاء من قبله سحر
أضـاءت بـه الدنيا زمانا ومذ iiمضى      اضـاء  بـنوري نـيَّريه لـنا iiالدهر
هـما (الحسن) الزاكي النجار iiوصنوه      الـفتى  أحمد الافعال يعزى له iiالشكر
لـقـد جـريا يـوم الـرهان iiلـغاية      فـجاءا مـعاً مـا حـال بـينهما فتر
هـما رقـيا في المجد ما ليس iiيرتقي      بـاجـنحة نـسر مـا حـلّهُ iiالـنسر

وله أيضاً:

رعى الله فكري كم يقرب لي فكري      بـعيداً  كأن عنقاء مغرب في iiوكر
وكـم  لـي من آمال نوكى iiبمعشر      أرانـي  غـنياً بت منهم على iiفقر
فهل نظرت عيناك مثلي في iiالورى      فـتى هـو فـي أيامه معدم iiمثري
وكـم  من محال ظلت ازعم iiممكناً      كمن  راح نحو البحر ملتقط iiالجمر
أرى  الناس عاشوا بادعاء iiفضيلتي      فـما لـي محروم وما لحقوا iiاثري
بـلينا  بـقوم كـالسباع ضـوارياً      تصول فما تبقي من الصيد في iiالبر
اذا افـترسوا لا يـتركون لـلاعق      دمـاً  لا ولا فرثا الى جعل iiيسري
فـانـيابهم مـشـغولة بـفـريسة      وأعينهم  ترنو الى الصيد في iiالقفر
كـأن  كـل فرد منهم الحوتة iiالتي      رأى شـبعها عياً سليمان في iiالبحر

قال متحمساً ومعرضاً بشاعري بغداد في عصره العمري والاخرس:

وشـاعر  مـلا الاوراق قـافيةً      ويحسب الشعر في تسويد أوراق
وظـل يزري على شعري iiلقلته      وتـلك  لسعة جهل ما لها iiراقي
اما  رأى لا رأى جمّ الكواكب لا      تغني عن البدر في اهداء أشراق
ولـو  رآني بعين من قذى حسد      بـاتت خـلية أجـفان iiوأمـاق
لـقال لي وبديع القول يشهد iiلي      بـمذود بـبليغ الـنظم iiنـطاق
اخـرست اخرس بغداد iiوناطقها      وما تركت لباقي الشعر من iiباقي

ومن شعره في صباه:

قـالوا تركت نظام الشعر قلت iiلهم      لـذاك  ذنـب عـليكم غير iiمغتفر
لم ألق منكم سوى من بات ينظرني      بـاعين الـجسم لا في أعين الفكر
تـستعظمون  عـظيم الذقن عندكم      كـان  شـعر الفتى آت من الشعر

وله أيضاً:

قـل  للزمان لينقص أو يزد iiنوباً      فـما يـزلزل من أطواد iiأحلامي
اما الحياة فان طالت وان iiقصرت      فـلا  أراها سوى أضغاث iiأحلام
وكيف  استكثر الاحدات في iiزمن      قـلـت  لـديه لـياليّ iiوأيـامي
لو أكرم الدهر من قبلي الكرام لما      قـنعت  مـن زمني إلاّ iiباكرامي

وقال عند قدومه لزيارة الامام علي (ع):

زرنا أمير المؤمنين وفوقنا     عب‌ء من الارزاء ليس يطاق

حتى اذا جئنا رفيع جنابه     سقطت كما تتساقط الاوراق

وقال حين جاء لزيارة الكاظمين (ع):

تقول لي النفس التي سد دهرها     عليها كما تبغي جميع المناهج

أيعييك بعد اليوم ادراك حاجة     وقد جاء فيك الحظ باب الحوائج

وقال يندب الامام المهدي (ع):

أبا القاسم المدعو في كل شدة     يزج بها المقدار أدعى نوائبه

اليك من الدهر العنيد شكايتي     ولا غرو أن يشكى الزمان لصاحبه

وقال:

أترضى بما قد قال زيد معاكساً     لقولي لما ان خلوت به يوما

طلبت فطوراً منه اذ انا صائم     فادبر عني قائلا تبتغي صوما

وكتب الى العلامة السيد ميرزا جعفر القزويني وقد قاربه شهر رمضان:

لقد صام كيسي صوم (الوصال)     فلا من حرام ولا من حلال

اترضى بان يغتدي صائماً     وأنت جدير برؤيا الهلال

وكتب في صدر رسالة بعث بها الى العلامة السيد ميرزا صالح القزويني يستنجده لدفع ملمة نزلت به(68).

(أبا حسن ومثلك من ينادي)     اذا أخذ العنا بيدي وجيدي

فما عددت غيرك في البرايا     (لكشف الضر والهول الشديد)

__________________________________

68 واصلهما بيت واحد شطره الكواز وهو مطلع قصيدة في مدح امير المؤمنين علي (ع) للسيد محمد شريف بن فلاح الكاظمي من شعراء القرن الثاني عشر للهجرة.

وقال:

حـتى  م امـكث أمـراً بين iiأمرين      لا راحـة الـقرب تدنيني ولا iiالبين
اعـلل الـعين فـي رؤيـاكم سحراً      فيضحك الصبح من كذبي على عيني
ان الـمنى مـثل ديـن عـند طالبه      لاشـعب لـيس ذا يـأس من iiالدين

وله في الخوف من اللّه تعالى:

لا فخر في الايام إلاّ الى     فتى يبيت الليل حلف السهاد

ريان نبت الهدب من عبرة     منهلة الاجفان خوف المعاد

وله في الشيب:

قلبي خزانةَ كلِّ علمٍ     كان في عصر الشباب

واتى المشيب فكدتُ     أنسى فيه فاتحة الكتاب

وله في قصة اتفقت له في الحلة من الاخرس الشاعر البغدادي ذكرناها في مقدمة الديوان:

فلو ان لبسي قدر نفسي لاصبحت     تحاك ثيابي من جناح الملائك

ولو كان فيما استحق مجالسي     نصبن على هام السماك ارائكي

وكتب الى معاصره الاديب الشيخ محمد التبريزي الحلي:

محمد اني كلما كظنى الجوى     أتيتك اشكو ما أجن من الحزن

فمالك لم تسعد ومالك لم تعن     ومالك لم تنجد ومالك لم تغن

فاجابه:

اذ امكن الاسعاد أسعدتُ منجداً     ولكنني أصبحت مثلكَ في الحزن

فمالك لم تصبر ومالك لم تعن     ومالك لم تكتم ومالك لم تثن

وكتب الى أخيه الشيخ حمادي من عشيرة آل مسافر الى الحلة:

ببيت التمر والعسل المصفى     وصالح في بيوت من بواري

كأن الاقتباس بكم ينادي     (احلوا قومهم دار البوار)

النسيب والتشبيب

وقال متغزلا:

تـجلى  والـفؤاد لـه ii(كليم)      فاصعقني وحلمي (طور سينا)
بـوجه كـلما عـاينت iiفـيه      يـزيدك فـي مـحاسنه iiيقينا
يـكـلم  بـالفهاهة لا iiلـعيّ      ولـكن  كـي نزيد به iiجنونا
صـحبناه زمـانا مـا iiعرفنا      لـه مـن سـائر الاديان دينا
وآخـر  مـثله وأشـد iiمـنه      عـلينا قـسوة امـا iiشـجينا
يـمرّ فـيشرئب كشبه iiضبي      رأى حـول الورود iiالقانصينا
كـان  بـقلبه شـيئا iiعـلينا      يـكتمه حـذار iiالـشامتينا...
قـنعنا  بـالسلام وقـبل iiكنا      بـما  فـوق الاماني iiطامعينا
وانّـى نـرتضي مـنه ملالاً      وكـنا مـن دلالٍ iiسـاخطينا
جـعلتُ لـه شفيعا من iiثقاتي      فـما أغـنى كـلام iiالشافعينا

ومن ملحه ونوادره هذه الابيات التي أنشدها للمرحوم السيد ميرزا جعفر القزويني:

بأبي  الذي مهما شكوت iiوداده      طـلب الشهود وذاك منه iiمليح
قـلت الدموع فقال لي iiمقذوفةً      قلت الفؤاد فقال لي ii(مجروح)
قـلت اللسان فقال لي iiمتلجلج      والجسم قلت فقال ليس صحيح

فقال له السيد أحسنت ولكن يجب أن تكون القافية (صحيح) منصوبة لانها خبر ليس والجسم المتقدم اسمها فقال الكواز قد قلت قبل مولاي (ليس صحيح) ثم غيرها حالا فقال (والجسم قلت فقال ذاك صحيح)(69).

__________________________________

69 ولقد سبقه الى معنى ابياته عماد الدين محمد بن عباس الدبستري المتوفى سنة 686 كما في الفوات:
وقلت شهودي في هواك كثيرة     وأصدقها قلبي ودمعي مسفوح
فقال شهود ليس يقبل قولهم     فدمعك مقذوف وقلبك مجروح

وله:

وربة ضبية من آل موسى     أرتني باللحاظ عصى ابيها

وغرّتها تفوق سنى الدراري     كأن يمينه البيضاء فيها

وله أيضا:

الـطرف يزعم لولا القلب ما رمقا      والقلب يزعم لولا الطرف ما عشقا
هـذا  يـطالب في لبّ له iiاحترقا      وذا يـطالب فـي دمـع له iiاندفقا
مـا  بين هذا وهذا قد وهى iiجلدي      من  ادّعي وهما بالقول ما iiاتفق
ا(70)

___________________________________

70 ولقد ظن الدكتور محمد مهدي البصير في محاضرته التي دوّنها عن صاحب الديوان في كتابه (نهضة العراق الادبية) ان هذه الخصومة التي نسبها للكواز الى طرفه وقلبه والنتيجة التي انتهت اليها هذه الخصومة وهي حيرته المطبقة بسبب اختلاف الخصمين معنى لم يسبقه اليه أحد 10 ه‍‍ .
قلت قد سبقه العباس بن الاحنف في تشكيله خصومة طريفة عقدها بين طرفه وقلبه فقال:
اذا لـمت عـينيّ الـلتين iiاضرتا      بـجسمي فـيكم قـالتا لي لم القلبا
فـان  لمت قلبي قال عيناك iiهاجتا      عليك  الذي نلقى ولي تجعل iiالذنبا
وقـالت  لـه العينان أنت iiعشقتها      فـقال نـعم أورثـتماني بها عجبا
فـقالت له العينان فاكفف عن iiالتي      من البخل ما تسقيك من ريقها عذبا
فـقال فـؤادي عنك لو نرك iiالقطا      لـنام وما بات القطا يخرق iiالشبها
وجاء بعده ابو العلاء فشكل مثل هذه الخصومة ما بين نفسه وجسمه حيث قال من أبيات أوردها ابن ابي الحديد في شرح النهج ج 4 ص 323.
نفسي  وجسمي لما استجمعا iiصنعا      شـراً إلـي فـجلّ الواحد iiالصمد
فـالجسم  يعذل فيه النفس iiمجتهداً      وتـلك تـزعم ان الـظالم iiالجسد
اذا هـما بعد طول الصحبة iiافترقا      فـان  ذاك لاحـداث الـزمان iiيد
وأصبح الجوهر الحساس في محن      مـوصولة  واستراح الاخر iiالجمد
والاصل فيه قول دعبل بن علي الخزاعي:
لا تأخذا بظلامتي أحداً     قلبي وطرفي في دمي اشتركا

وله أيضا:

أعـاتبه  فـيصبغ iiوجـنتيه      بـلون الـعندم القاني iiعتابي
ويـرمقني فيكسو حُرّ iiوجهي      مخفافة  سخطه صفر iiالثياب
وأطنب في السؤال بغير iiداعٍ      وما قصدي سوى ردّ الجواب

وقال:

أنت علمتني الهوى فاجتهدت      فـلهذا  الـعذول مـا iiقلّدت
فـانا الـيوم في الغرام iiإمام      ولـه كـلُّ مـقتد iiارشـدت
عـلماء  الهوى إذا iiباحثوني      لا يـطيقون ردّ مـا أوردت
وتـجردت  لـلغرام iiلامسي      عـاملاً  فيه والزمان زهدت

وقال أيضا:

وليلةً بتُّ والمحبوب معتنقي     وللتقى والهوى في القلب معترك

فقلت للنفس مهلاً ان من يطع     الهوى حمار ومن يعصي الهوى ملك

وله:

يـا حـبيباً وأنـت لـلحب أهل      والـهوى كـله بـغيرك iiجـهل
أنـت أولـى بـان تحب iiواولى      بـالذي قـالت الـمحبون iiقـبل
أكـثر  الـمدح في الجمال iiقديماً      هـو فـي حـسنك الحديث iiأقل
عـجباً  تـزهد الـجنان انـاس      وبـاعلى قـصورها لـك مـثل
ليت شعري أهل جبينك في الافق      هـلال لـلناسِ حـين اسـتهلوا
يـا غزالا حلّت به الخمر iiعندي      وهـي  لـولا وجـوده iiلاتـحل
رعف الزق في الكؤوس فقل iiفي      ذهـب بـات فـي لـجين iiيُحلُّ
أنـت  لـما سقيتني لست iiأدري      هـي خمرٌ أم دبّ في العظم iiنمل
مـذ  بـسطنا يد الوصال iiوأيدي      الـهجر عـنا بـالرغم منه iiتغل
وعـذول قـد جاء يطلب iiردعي      ويـله كـيف يردع الصب iiعذل
قـال  لـي والهوى يداه iiبسمعي      كـم  الى كم في حب اسماء تغلو

 
الصفحة السابقةالفهرسالصفحة اللاحقة

 

طباعة الصفحةبحث