[11]

الرسالة» لتعلو كلمة الحقّ خفّاقةً. من هذا نحن نعلم أن أفضل كلمة كلمة حقّ عند سلطان جائر، فالشعر يأتي ضمن رسالة الكلمة، فما أحوجنا في عصرنا هذا أن نأخذ من مدرسة الإمام الحسين(عليه السلام) ليضمد جراحاتنا، لهذا كلّه كتبت الفصل السابع والذي يشمل أدب الطفّ، حيث استندتُ فيه إلى نصوص قالها سيّد الشهداء الإمام الحسين بن علي(عليهما السلام) وأهل بيته وأصحابه، في مقابلها نصوص قيلت من قِبل أفراد وقادة معسكر العدوّ، بالإضافة إلى نصوص قيلت بعد واقعة الطف إلى يومنا هذا.

ثمّ تطرّقنا في الفصل الثامن للشعر السياسي الديني الذي يشمل شعر الشيعة والخوارج وبعض الأمثلة من الشعر الاُموي.

وخصّصنا الفصل التاسع والعاشر والحادي عشر للبيئة الاقتصادية، وأهمّ المراكز الأدبية لحكم بني العبّاس، مع ذكر أهمّ اُدباء وكُتّاب وفلاسفة هذا العصر، وذكر المذاهب السياسية وكتب الحديث والمؤلّفات التاريخية التي ظهرت في العصر نفسه.

بعد الازدهار الذي حصل في الميادين الأدبية والعلمية المختلفة انتابت البلاد موجة الغزو المغولي والتي تمخّضت عن الدمار وسفك الدماء وحرق الكتب ولحوق الخراب بأكثر المدن والقرى الإسلامية بسبب تواني المسلمين عن التمسّك بدينهم القويم، وهذا ما دوّنّاه في الفصل الثاني عشر، حيث أضفنا إليه مقتطفات من أدب تلك الفترة المظلمة.

ثمّ تطرّقنا في الفصل الثالث عشر والرابع عشر لأهمّ مظاهر أدب عصر النهضة وأهمّ الاُدباء الذين برزوا مع مختارات من قصائدهم.

واختتمنا هذا الكتاب بالبحث عن النثر الفنّي وأنواعه وأساليبه.

لقد كان للطريقة التي ابتكرناها والتي طبّقناها في تدريسنا في عدّة جامعات من هذا القطر الأثر في تذليل الصعوبات بالنسبة لأبنائنا الجامعيّين، ولا نزعمُ أنّنا قد بلغنا حدّ الكمال، أو أنّ هذا التأليف هو تاريخ شامل أو واف لأدبنا; فإنّ ذلك طموح يصعب الوصول إليه، كذلك لا يمكننا أن نقول إنّا كشفنا كلّ الحقائق ولا كلّ الوقائع، ولكن حسبُنا أن نتقبّل من ذوي الخبرة في هذا المجال كلّ ملاحظة نافعة ونقد بنّاء.

[12]

ختاماً، نرجو أن تحقّق تجربتنا أهدافها. والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات وهو الهادي إلى سبيل الرشاد، وما توفيقنا إلاّ بالله عليهتوكلّنا ومنه السداد.

المؤلّف

[13]

الفصـل الأوّل شبه جزيرة العرب

أصلُ العرب

الحياة الاجتماعية والسياسية

الثروة الحيوانية والنباتية

سكّان الجزيرة

اللغة وأصلها

الأدب

الجاهلية

عناصر الأدب

تطوّر الأدب العربي وأطواره والتأريخية

مراحل الأدب العربي

[14]

[15]

شبه جزيرة العرب :

تبلغ مساحتها ثلاثة ملايين كيلومتر مربّع، وهي بلاد أكثرها صحارى، وأهمّ أقسامها اليمن وحضرموت والحجاز، وقد سمّيت بشبه الجزيرة لإحاطة البحار والأنهار بها((1))، وكان سكّانها من العرب.

أصلُ العرب:

العرب من الشعوب السامية، وفي تأريخهم يوجد مصطلح العرب البائدة والعرب الباقية.

1 ـ العرب البائدة: كعاد وثمود وطسم وجويس، وهؤلاء لم يصل إلينا شيء عن آثارهم وأخبارهم إلاّ ما ذكره القرآن الكريم.

2 ـ العرب الباقية: وهم القحطانيّون، ويسمّون العرب العاربة، والعدنانيّون يسمّون العرب المستعربة((2)).

الحياة الاجتماعية والسياسية:

يعيش سكّان شبه جزيرة العرب عيشة قبائل تسود فكرة العصبية. أمّا ديانتهم

ــــــــــــــــــــ

(1)صفة جزيرة العرب / الحسن بن أحمد الهمداني: ص84.

(2)في التاريخ الإسلامي / الدكتور شوقي أبو خليل: ص13.

[16]

فكانت ضعيفة ولا تتعدّى الصنمية، حيث انتشرت اليهوديّة في يثرب، والنصرانية في نجران والحيرة((1))، وقد كانوا يدينون بالوثنية التي ترتكز على تقديس الحجارة والينابيع والأشجار والأصنام (اللاّت والعزّى)، والتي كانت أكثر شيوعاً عند سكّان شبه الجزيرة العربيّة.

من ناحية أخلاقهم فقد كانت لأهل البادية صفات خاصّة ترعرعت مع حياتهم وهي وليدة الصحراء والتي علّمته أن يكون طليقاً وقنوعاً وصبوراً على الشقاء والعناء. كذلك جعلته أن يكون شجاعاً وعفيفاً، كما أنّه حافظ على فكرة الضيافة والكرم والوفاء بالوعد فهم أقوام يؤثرون الضيف على النفس، والكرم عندهم سجية متأصّلة في نفوسهم، وكانوا يكرمون حتّى عدوّهم.

والمتتبّع لثقافة سكّان هذه المنطقة يلاحظ أنّ لهم الشعر والقصص والأمثال، والذي يعكس تأريخهم وبيئتهم التي كانوا يعيشون بها، وبنفس الوقت فقد تسرّب إليهم شيء من علوم الفرس وآدابهم، بالإضافة إلى علوم اليونان والرومان وآدابهم، وذلك بسبب الصلات التجارية بالرغم من أنّ للعرب معرفة بالأنساب وأخبار الاُمم والطب، وبنفس الوقت كان يعوزهم التعمّق والاستقصاء.

الثروة الحيوانية والنباتية:

لقد عني الأدب العربي لا سيّما الجاهلي بوصف الإبل والخيل، فحيوانات الجزيرة العربية منها الأليفة كالإبل والأغنام والأبقار والخيول والحمير والبغال، ومنها الوحشية كالأسد والنمر والفهد والذئب والضبع والثعلب، كما يكثر الجراد أحياناً فيقضي على الأخضر واليابس في الجزيرة، فنلاحظ أنّ الجمل أقدم الحيوانات، فهو سفينة الصحراء وأعزّها عند سكّان الجزيرة، فبعدد الإبل يقدّر

ــــــــــــــــــــ

(1)مع المصطفى / الدكتورة عائشة عبدالرحمن: ص19.

[17]

مهر الفتاة وتفضّ الخصومات بين القبائل; فالجمل رفيقه ولا تصلح الصحراء بدونه، حيث يعينه على الرحيل من مكان إلى آخر، ويغذّي البدوي بلحمه ولبنه بالإضافة إلى أنّ خيمته تحاك من وبره، أمّا الأغنام والأبقار فالبدوي يعيش على ألبانها ولحومها وجلودها ويلبس من صوفها; لأنّه يتّصف بالصبر وقوّة الإرادة واحتقار الصناعة والزراعة.

بالنسبة للخيول فعقيدة البدوي الذي يعتبر «عزّه بالإبل وشجاعته بالخيل»((1))، والتي تمتاز بالسرعة في الكرّ والفرّ وإلحاق الأذى بالعدوّ هي التي جعلته يحسّ بالحاجة إليها، كما أنّها استخدمت للتسلية واللهو، وانّ القرآن الكريم ذكرها من مصادر القوّة يرهب بها المسلمون أعدائهم بالاضافة إلى الحمير فهي أوّل واسطة للركوب عند الحضر. أمّا البغال فإنّها من الحيوانات المعروفة بتحمّلها للمشاقّ وقدرتها على السير في المناطق الوعرة.

هذا بالنسبة للثروة الحيوانية، أمّا بالنسبة للثروة النباتية فللزراعة شأن في بعض الحواضر الشمالية كالطائف ويثرب وخيبر ووادي القرى((2))، «والتي كانت تشتهر بأنواع الأشجار والمزروعات كالخضر والفواكه»((3)); فقد كانت القبيلة ترحل بإبلها وأغنامها في طلب العُشب والكلأ.

لقد اشتهرت اليمن والمناطق المحيطة بأشجار الصنوبر والطيب والبخور، كما اشتهرت حديثاً بأشجار البُن «لخصوبة أرضها»((4)) كذلك اشتهرت الطائف بالكروم

ــــــــــــــــــــ

(1)تاريخ الأدب العربي / ر. بلاسير: ص35. مجتمع المدينة قبل الهجرة / الشيخ حسن خالد: ص51.

(2)اُدباء العرب / بطرس البستاني: ج1، ص26.

(3)السيرة النبوية / الدكتور محمّد بن محمّد أبو شهبة: ج1، ص45.

(4)العلاقة بين العرب والفرس / الدكتور مصطفى فتحي أبوشارب: ص121.

[18]

والنخلة اُمّ الأشجار بالاضافة إلى وجود أشجار الحنظل والسدر.

إذن كانت مكاسبهم وحياتهم المعيشية موقوفة على الأمطار، حيث نشطت الزراعة في المناطق التي فيها الأمطار وتتوفّر المياه خاصّة قرب العيون والآبار((1)).

سكّان الجزيرة:

ينقسم سكّان الجزيرة العربيّة إلى قسمين:

1 ـ الحضر: فهم سكّان القسم الجنوبي من الجزيرة العربية، وقد اشتغلوا في التجارة والزراعة والصناعة، وأشهر مدنهم مكّة والطائف ويثرب، وكانت متاجرهم من فارس والحبشة واليمن إلى الشام والعراق ومصر.

2 ـ البدو: وهؤلاء انتشروا في شمال الجزيرة، فاحتقروا الصناعة والزراعة وعاشوا تحت الخيام، وقد رحلوا من مكان لآخر، ولجأوا إلى الغزو طلباً للكلأ والماء.

اللغة وأصلها:

اللغة وسيلة للتعبير ـبالحركات والإشارة والأصواتـ عن العواطف والمفاخر والأفكار، وبعبارة اُخرى فهي أداة للتعبير عن النفس، وواسطة للتفاهم بين الناس. فهي غنية في مفرداتها والتي تتفوّق على جميع اللغات الحيّة بالإضافة إلى أنّها غنيّة في صيغ قواعدها.

أصل اللغة العربية: لغة سامية ـالآرامية والآشورية والبابلية والعبرية والكنعانية والسريانية والفينيقية والكلدانية والحبشية والتدميرية((2))ـ نسبة إلى سام بن نوح(عليه السلام)، وتنقسم اللغة العربية إلى قسمين:

ــــــــــــــــــــ

(1)الطبيعة في الشعر الجاهلي / الدكتور نوري حمودي القيسي: ص74.

(2)مقدّمات ومباحث في حضارة العرب والإسلام / عمر رضا كحالة: ص16.

[19]

1 ـ لغة الجنوب اليمنية.

2 ـ لغة الشمال، وهي لغة الحجاز.

تطوّر لغة الحجاز: لقد تطوّرت هذه اللغة حتّى وصلت إلى الحالة التي رأيناها في الأدب العربي الجاهلي، وكان من أهمّ أسباب تكوين هذه اللغة:

1 ـ الأسواق، كسوق عكاظ الذي كان ينعقد فيأوّل ذيالقعدةإلىالعشرين منه.

2 ـ مؤتمر للخطابة في الحسب والنسب والكرم والفصاحة والجمال والشجاعة وإقامة مسابقات الخيول وتبادل عروض التجارة.

الأدب:

هو مَلكة أو براعة راسخة في النفس، كما أنّه سجّل لتراث الاُمّة من علومها ومعارفها عبر عصورها، معروفة باُسلوب جميل مشرق.

وقد استعملت لفظة «الأدب» على مجموعة من الآثار المكتوبة التي يتجلّى فيها العقل الإنساني بالإنشاء والفنّ الكتابي. ويمكن القول بأنّ الأدب هو مجموع الكلام الجيّد المروي نثراً وشعراً.

وكانت كلمة «الأدب» تدلّ على معان متعدّدة في العصر الجاهلي، هي: دعوة الناس إلى مأدبة أو الدعاء إلى المأدبة، كما دلّت في العهدين الجاهلي والإسلامي على الخُلق النبيل، ثمّ اُطلقت لفظة أدب على تهذيب النفس وتعليم المرء على المعارف والشعر.

وفي القرن الثاني عشر استعملت لفظة «أدب» في الشعر والنثر وعلم العروض والنقد الأدبي.

الجاهلية :

تطلق كلمة «الجاهلية» على أحوال العرب قبل الإسلام لتفشّي الوثنيّة

[20]

والعداوات، وقد تطرّق القرآن الكريم لكلمة «الجاهلية» في قوله: )أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْم يُوقِنُونَ(((1))، المراد هنا هو الجهل التوحيدي الديني لا الجهل بعلم من العلوم، والله اعلم.

وذكرت دائرة المعارف والكتب الاُخرى بأنّ اليهوديّة أطلقت كلمة الجاهليّين على الأقوام الذين سبقوا ظهورها. كما وأنّ النصارى أطلقوا هذا المعنى أيضاً، إضافة إلى أنّ بعض المستشرقين يحدّدون فترة الجاهلية بقولهم: «تطلق كلمة الجاهلية على الفترة التي خلت من الرسل، أي بين الرسولين العظيمين السيّد المسيحوالرسول الأعظم(عليهما السلام)((2))ـ من اُولي العزم».

عناصر الأدب:

يتألّف الأدب من أفكار وأخيلة وعواطف يخضع للذوق السليم ويعبّر بالكلام الفصيح.

تطوّر الأدب العربي وأطواره التاريخية:

يرى بعض كتّاب الأدب أنّ الفترات الأدبية تكون طبق تطوّر التاريخ، فقسّموا العهود الأدبية إلى خمسة أقسام، والقسم الآخر يذهب إلى أنّ الأدب العربي قديم، حيث وصلت نصوصه عن عمر لا يزيد على ألف وستمائة سنة، هذه السنوات قسّمت إلى ثلاثة حُقب وهي الأدب القديم، والأدب الُمحْدَث، والأدب الحديث. كما وتوجد فئة اُخرى من الاُدباء قسّموا أعصر الأدب طبقاً للأعصر السياسية في التاريخ.

وعلى هذا أرى بالإمكان تقسيم مراحل الأدب العربي إلى ستّة فترات هي:

ــــــــــــــــــــ

(1)المائدة: 50.

(2)دائرة المعارف الإسلامية / إبراهيم زكي وجماعته: ج6، ص264.