[41]

وقوفاً بها صَحْبي عَليَّ مَطِيَّهُمْ ***** يَقُولونَ لا تَهْلِكْ أَسىً وَتَجَمَّلِ

فَدَعْ عَنْكَ شَيْئاً قَدْ مَضَى لِسَبِيْلِهِ ***** وَلكِنْ على ما غَالَكَ اليْوْمَ أَقْبلِ

وَقَفْتُ بِها حَتَّى إذا ما تَرَدَّدَتْ ***** عَمايَةُ مَحْزُون بِشَوْق مُوكَّلِ

وَإنَّ شِفَائي عَبْرَةٌ إِنْ سَفَحْتُها ***** وَهَلْ عِنْدَ رَسْم دارس مِنْ مُعَوَّلِ((1))

وقد يجمع امرؤ القيس في غزله وبوقت واحد المناجاة والعتاب والرجاء والذلّة والعزّة والرقّة، كما في قوله:

أفاطم مهلاً بعد هذا التَّدلّل ***** وإن كنت قد أزمعتِ صرمي فأجملي

أعزّكِ منّي أنّ حبكِ قاتلي ***** وأنّك مهما تأمري القلبَ يفعلِ

فقالت: يمين الله ما لك حيلةٌ ***** وما إن أرى عنك الغوايةَ تنجلَي((2))

أمّا شعره في الخيال والطبيعة يقول:

وليل كموج البحر أرخى سدوله ((3))***** عليَّ بأنواع الهموم ليبتلي((4))

فقلتُ له لما تمطّى بصلبه((5)) ***** وأردف إعجازاً((6)) وناءَ بكلكلِ((7))

ألا أيّها الليل الطويل ألا انجلي ***** بصبح وما الإصباح منك بأمثل

فيا لك من ليل كأنّ نجومه ***** بأمراسِ كَتَّان إلى صُمِّ جَندَلِ((8))

ــــــــــــــــــــ

(1)الموجز في الأدب العربي وتاريخه / حنّا الفاخوري: ج1، ص78.

(2)المصدر المتقدّم: ص186. أغاني الأغاني / جمع: الخوري يوسف عون: ص290.

(3)سدول: ستائر.

(4)ابتلاه: اختبره وجرّبه.

(5)تمطّى بصلبه: مدّ ظهره.

(6)إعجاز: مؤخّرة الجسم.

(7)بكلكل: الصدر.

(8)الموجز في الأدب العربي وتاريخه: ص183. تاريخ الشعر العربي / نجيب محمّد: ص95. أغاني الأغاني: ص290.

[42]

فامرؤ القيس في حياته وبعد مماته يُعدّ من كبار شعراء العرب وزعيم الشعر القديم.

ونلاحظه يصف الحياة بقوله:

مِكَرٍّ مِفرٍّ((1)) مُقبل مُدبر معاً ****** كجلمودِ صَخْر خَطَّهُ السَّيلُ من عَلِ((2))

عمرو بن كلثوم :

عمرو بن كلثوم بن مالك، من بني تَغلُب، اُمّه ليلى بنت المهَلهَل الشاعر.

وُلد عمرو بن كلثوم في مطلع القرن السادس للميلاد، وقيل: إنّه عاشمائة وخمسين عاماً، وكان فارساً شجاعاً معجباً بنفسه حيث «إنّه قَتلَ عمرو بن هندملك الحيرة في عام 570م، العام الذي وُلد فيه نبيّنا(صلى الله عليه وآله)»((3))، وقيل: إنّه مات قبل الإسلام.

عمرو بن كلثوم شاعر مطبوع يقال: إنّ معلّقته كانت تبلغ مائة بيت، وكانت تدور على الحماسة والفخر والهجاء والمدح والغزل وذكر الخمر ومخاطبة الحبيبة ووصفها، حيث إنّه اشتهر بمعلّقته نظراً لحسن لفظها وانسجام عبارتها وغلوّ فخرها.

شرح معلّقته الزوزني والتبريزي، وطبعت سنة 1819م، وقد تُرجمت إلى اللاّتينيّة والألمانية والإنكليزية والفرنسية.

المختار من معلّقته:

مطلع المعلّقة في الخمر والغزل:

ألا هُبّي بصبحكِ فاصبحينا ***** ولا تُبقي خمور الأندرينا((4))

ــــــــــــــــــــ

(1)مكر مفر: سريع الكرّ والفرّ.

(2)تاريخ الأدب العربي: ج1، ص119. الموجز في الأدب العربي وتاريخه: ص180.

(3)تاريخ الأدب العربي: ص142.

(4)الأندرينا: قرية بالشام.

[43]

قفي قبل التفرّق يا ظغينا ***** نخبركِ اليقين وتُخبرينا((1))

وله في مخاطبة عمرو بن هند بالوعد والوعيد والفخر:

أبا هند، فلا تعْجَلْ علينا ***** وأنظرنا نخبرْكَ اليقينا

بأنّا نُورد الراياتِ بيضاً ***** ونُصْدِرهنّ حُمْراً قد روَينا

وأيام لنا غُرٍّ طوال ***** عَصَيْنا المَلْكَ فيها ان نَدينا

وَرِثْنا المجدَ قد علمت مَعَدٌ ***** نُطاعن دونَه حتّى يَبِينا

وأنّا المانعون لما أردنا ***** وأنا النازلون بحيث شيناً * * *

ونشرب، إن وردنا الماء صفواً ***** ويشرب غيرنا كدراً وطيناً

على آثارنا بيضٌ حسانٌ ***** نحاذر أن تُقَسّم أو تهونا

تُهدّدنا وتوعدنا رُويداً ***** متى كُنّا لاُمّكَ مُقتوينا

ألا لا يجهلنّ أحدٌ علينا ***** فنجهل فوق جهل الجاهلينا((2))

ومن شعره في الخيال الملحمي، حيث يتّخذ الاُسلوب القصصي والتصوير الحسن حيث يقول:

ملأنا البرّ حتّى ضاق عنّا ***** وظهر البحر نملأه سفينا

لنا الدنيا ومن أضحى عليها ***** ونبطش حين نبطشُ قادرينا

ــــــــــــــــــــ

(1)شعر عمرو بن كلثوم / إعداد: طلال حرب: ص23. ديوان عمرو بن كلثوم: ص51.

(2)تاريخ الأدب العربي: ص145. شعر عمرو بن كلثوم: ص26. الجاهلية / الدكتور يحيى الجبوري: ص26. صناعة الكتابة / الدكتور رفيق خليل عطوي: ص114. الأساس في تاريخ الأدب العربي / أساتذة من الاُدباء: ص48.

[44]

إذا بلغ الفِطامُ لنا صبيٌّ ***** تخرّ له الجبابر ساجدينا((1))

توفّي عمرو بن كلثوم عام 570م((2))، وقيل 600((3)) للميلاد.

زهير بن أبي سُلمى :

ولد زهير في الحاجر سنة 520م، وعمّر 90 عاماً، وقيل 97 عاماً، قضاها رزيناً حليماً ناصحاً بما فيه الخير والسلام محبّاً للحقّ.

وقد ذهب المؤرّخون بأنّه كان نصرانياً لما رأوا في شعره من النزعة الدينية والإيمان بالبعث والحساب، وأكثر من ذلك الموعظة للكفّ عن الأخطاء والرجوع عن سفك الدماء.

وتوفّي زهير بن أبي سُلمى قبل مبعث رسول الله(صلى الله عليه وآله)، أي قبل عام 610م.

أجمع النقّاد بأنّه لم يمدح أحداً إلاّ بما فيه، وبرعَ بالمديح، حيث امتاز مدحه بالصدق، وكثرت الحكمة في شعره. كما وتتّصف قصائده بالتنقيح والتهذيب، حتّى زعموا أنّه كان ينظم القصيدة في أربعة أشهر، وينقّحها في أربعة أشهر، ثمّ يعرضها على أصحابه في أربعة أشهر. فيتمّ قصيدته في حَوْل (عام كامل)، لذلك عُرفت قصيدته بالحوليّات.

المختار من شعر معلّقته:

فأقسمتُ بالبيت الّذي طافَ ***** رجالٌ بَنَوهُ من قريش وجُرهُمِ

ــــــــــــــــــــ

(1)ديوان عمرو بن كلثوم: ص71. تاريخ الأدب العربي: ص145. شعر عمرو بن كلثوم: ص26. المنهاج في الأدب العربي وتاريخه / عمر فرّوخ: ص24.

(2)شعر عمرو بن كلثوم: ص42.

(3)الجامع في تاريخ الأدب العربي: ص198.

[45]

يميناً لَنِعمَ السيّدان وُجدْتُها ***** على كلّ حال من سَحيل((1)) ومُبرمِ((2))

لقد نشبت حرب عُرفت بحرب داحس والغبراء دامت طويلاً، فقد حذر الفريقين (بنو أسد وغطفان) من شرِّ الخيانة وإضمار الحرب ووصف نتائجها المشؤومة، فيقول:

الا أبلغ الأحلاف عنّي رسالة ***** ًوذبيان: هل أقسمتم كل مُقسَمِ

فلا تكتمن الله ما في صدوركم ***** ليخفى ومهما تكتم الله يعْلم

وما الحرب إلاّ ما علمتم وذُقتمُ ***** وما هو عنها بالحديث المرجّمِ

متى تبعثوها تبعثوها ذميمةً ***** وتَضرّ إذا ضربتموها فتضرمِ((3))

وممّا جاء في الحكمة:

ومن يجعل المعروف من دون عِرضه ***** يَفِرْهُ ومن لا يتّقِ الشتم يُشتم

ومن يجعل المعروف في غيرِ أهلهِ ***** يكُن حمدُهُ ذمّاً عليه ويَندمِ

لسانُ الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤاده ***** فلم يبقَ إلاّ صورةُ اللحمِ والدمِ((4))

هكذا كان زهير، كان قاضي صلح، يصدر أحكامه شعراً، فهو يصِفُ صديقاً إلى غايته، وهو وصّافاً ماهراً، حيث تأخذ قصيدته بالمقدّمة وبالموضوع والخاتمة.

وقد شرح ديوانه مرّات، وفي عدّة أقطار من العالم.

ــــــــــــــــــــ

(1)سحيل: الخيط الواحد ضدّ المبرم، وهو الخيط المفتول، ويستفاد من الأوّل الرخاء والضعف، والثاني الشدّة والقوّة.

(2)ديوان زهير بن أبي سُلمى / تحقيق: كرم البستاني: ص79.

(3)تاريخ الأدب العربي / الدكتور عمر فرّوخ: ج1، ص198.

(4)المصدر المتقدّم: ص199. شعر زهير بن أبي سُلمى / تحقيق: الدكتور فخرالدين قباوة: ص29.

[46]

توفّي ابن أبي سلمى سنة 627 للميلاد.

طرفة بن العبد :

ولد طرفة بالبحرين سنة 543م. اشتهر بالوصف ـوخاصّة وصف الناقةـ بالاضافة إلى الهجاء والعتاب والشكوى والغزل والحكمة.

كان طرفة أقصر فحول شعراء الجاهلية عمراً، حيث قُتل وهو دون الثلاثين، ولطرفة أبيات في الحكمة يصوّر ظلم قومه كالسيف القاطع حيث يقول:

وظلم ذوي القربى أشدُّ مضاضةً ***** على المرء من وقع الحسام المُهنَّدِ

ستُبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ***** ويأتيك بالأخبار من لم تُزوّدِ((1))

ومن جيّد شعر طرفة في الهجاء:

وأعلمُ علماً ليس بالظنّ أنّه ***** إذا ذلّ مولى المرء فهو ذليلُ

وأنّ لسان المرء ما لم تكن له ***** حَصاة((2)) على عوراته((3)) لذليلُ((4))

عنترة بن شدّاد :

ابن شدّاد العبسي، أحد فرسان العرب ممّن يضرب به المثل في الشجاعة

ــــــــــــــــــــ

(1)أشعار الشعراء الستّة الجاهليّين / يوسف بن سليمان الشنتمري: ج1، ص57. تاريخ الأدب العربي / الدكتور عمر فرّوخ: ج1، ص140. صناعة الكتابة / الدكتور رفيق عطوي: ص37.

(2)حصاة: عقل.

(3)عوراته: الواحدة عورة، كلّ أمر يستحيا منه.

(4)ديوان طرفة بن العبد / تحقيق: كرم البستاني: ص81.

[47]

والنجدة. وُلد عنترة في نجد سنة 525م، واشتهر بالفخر والوصف والحماسة والغزل العفيف والمدح والرثاء، ومن آثاره ديوان شعره الذي يحتوي حوالي 1500 بيت، وفي معلّقته وصف ملحمي جميل بين الحبّ والحرب، وأشهر ما في معلّقته البالغة 79 بيتاً والتي مطلعها:

هل غادر الشعراء من مُتردّمِ ***** أم هل عَرَفْتَ الدار بعد توهُّمِ

ولقد ذكرتك والرماح نواهلٌ ***** مني وبيض الهِنْدِ تقطُرُ من دمي

فوددتُ تقبيلَ السيوف لأنّها ***** لَمَعَتْ كبارقِ ثغركِ المُتَبَسِّمِ((1))

وله واصفاً شخصيّته:

إنّي امرؤٌ سمحُ الخليقة ماجدلا أتبع النفسَ اللجوج هواها((2))

وعندما سُئل عن عبلة قال:

ولئن سألتَ بذلك عبلةَ خَبَّرتْ ***** أنْ لا اُريدُ من النساء سواها((3))

ــــــــــــــــــــ

(1)تاريخ الأدب العربي / الدكتور عمر فرّوخ: ج1، ص210.

(2)أشعار الشعراء الستّة الجاهليّين: ص163.

(3)المصدر المتقدّم: ص164.

[48]

[49]

الفصـل الرابع

أهم الشعراء المخضرمين

ـ أبو طالب(رضي الله عنه)

ـ كعب بن زهير

ـ الخنساء

ـ حسّان بن ثابت

[50]

[51]

المخضرمون

جمع مخضرم، وهم من أدرك العهدين الجاهلي والإسلامي((1))، ويمتاز بتلك النفحة الدينيّة الذي تلمس به ارتياحاً شديداً إلى نعيم الآخرة، حيث استخدم الشاعر ألفاظاً لم تكن مألوفة من قبل على حقيقتها ومعانيها الأصلية، كما واكتسب الشعر نوعاً جديداً وهو الهجاء السياسي.

أشهر الشعراء المخضرمين:

1 ـ أبوطالب، : سيّدنا ومولانا شيخ البطحاء وسيّد الحجاز بعد أبيه، توفّي قبل الهجرة بثلاث سنين أي في آخر السنة العاشرة من مبعث الرسول(صلى الله عليه وآله).

2 ـ كعب بن زهير: بن أبي سلمى، توفّي سنة 26هـ.

3 ـ الخنساء، تماضر: بنت عمرو، توفّيت سنة 24هـ.

4 ـ لبيد بن ربيعة : بن مالك العامري، المتوفّى سنة 41هـ.

5 ـ الحُطيئة: (جرول بن أوس بن مالك العبسي)، المتوفّى نحو 45هـ، والذي لم يتأثّر بالإسلام كثيراً.

6 ـ حسّان بن ثابت : (شاعر الرسول(صلى الله عليه وآله))، توفّي سنة 50هـ.

ــــــــــــــــــــ

(1)إتحاف الأمجاد: ص65.