[52]

7 ـ النابغة الجعدي: (قيس بن عبدالله العامري)، توفّي سنة 50 هـ.

ونرى من الضروري ذكر شيء عن حياة بعضهم ونماذج من شعرهم.

أبو طالب : (رضي الله عنه)

اسمه: عبدمناف بن عبدالمطّلب بن هاشم، أمّا عمران فقد ذكر في الكتب القديمة، وهو اسم عبري غير عربي، وقد لُقّب بشيخ البطحاء، والبطحاء أرض مكّة. إذن هو سيّد الحجاز، وزعيم القوم بعد أبيه عبدالمطّلب، حيث استلم مسؤولية الكعبة وخدمة الحجّاج وحماية مكّة والحرم.

لقد اعتبرت بعض الفئات المتعصّبة بأنّ أبا طالب كافر ـ والعياذ بالله ـ بالرغم من وجود بعض المنصفين من أهل السنّة الذين يعتبرون أبا طالب مسلماً، وعندما ندرس التاريخ وبالأخصّ ما ذكره ابن عساكر في تاريخه، نلاحظ أنّ مكّة اُصيبت بقحط شديد، فقال القوم: يا أبا طالب، أقحَطَ الوادي، فهلمّ واستسقي، فذهب أبوطالب إلى الكعبة ومعه غلام كأنّه الشمس، فأسند ظهره بالكعبة ولاذ باصبعه حوله، فأقبل بوجهه إلى السماء، وأخذ يدعو، فأقبل السحاب((1))، في الحال من هنا وهناك. وانفجر الوادي ونزل المطر، وبدعاء أبي طالب وبشفاعة هذا الطفل الصغير الكبير استجابت السماء، حيث يقول(رضي الله عنه) في هذا المقام:

وأبيضُ يُستَسقى الغَمامُ بوجهِهِ ***** ثمالُ ((2)) اليتامى عِصمةٌ للأراملِ((3))

ــــــــــــــــــــ

(1)ديوان شيخ الأباطح أبي طالب / جمع: أبي هفان المهزمي: ص30. الغدير / الشيخ عبدالحسين الأميني: ج7، ص46.

(2)ذكر «ربيع اليتامى» بدل «ثمال اليتامى» في معجم الشعراء / الدكتور عفيف عبدالرحمن: ص134، وكذلك فيالبحار: ج18، ص3، وكذا في ديوان شيخالأباطح أبيطالب: ص30.

(3)شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد: ج3، ص311. الجوهرة في نسب النبيّ / ï ًمحمّد بن أبي بكر: ج2، ص37. الدرّة الغرّاء / جمع وتحقيق: باقر قرباني زرّين: ص125. الغدير: ج7، ص466. أبوطالب مؤمن قريش / عبدالله الخنيزي: ص412. إيمان أبي طالب / نجار بن معد الموسوي: ص315. السيرة النبوية لابن هشام / تحقيق: مصطفى السقّا: ج1، ص276.

[53]

يلوذُ به الهلالُ من آلِ هاشم ***** فهم عنده في نعمة وفواضلِ

بميزان قسط لا يُخِسّ شَعيرة ***** لهُ شاهدٌ من نفسه غير عائلِ((1))

فأيّده ربّ العباد بنصره ***** وأظهرَ ديناً حقّهُ غيرُ باطل((2))

ثمّ نلاحظه في الليلة التي وُلد فيها عليّ، أشرقت الأرض، فخرج أبوطالب وهو يقول: «أيّها النّاس، وُلد في الكعبة وليّ الله». فلمّا أصبح دخل الكعبة وهو يقول:

أيّها الناس:

ياربَّ هذا الغسقِ الدُجيّ *****ِوالقمرِ المُنبَلِجِ المُضيِّ

بَيِّنْ لنا من أمرِكَ الخفيِّ ***** ماذا ترى في إسم ذا الصبيِّ

وممّا يثبت أنّ قلبه طافح ممتلئ بالإيمان بالنبيّ(صلى الله عليه وآله) أنّه قال:

إنّ عليّاً وجعفراً ثقتي ***** عند ملَم الزمان والنُّوَب

لا تخذلا وانصرا ابن عمّكما ***** أخي لاُمّي من بينهم وأبي

إنّ أبا معتب قد أسلمنا ***** ليس أبو معتب بذي حَدَب

والله لا أخذل النبيّ ولا ***** يخذله من بنيّ ذو حَسَب

حتّى ترون الرؤس طائحةً ***** منّا ومنكم هناك بالقضب

نحن وهذا النبيّ اُسرته ***** نضرب عنه الأعداء كالشهب

ــــــــــــــــــــ

(1)عائل: الحائل.

(2)السيرة النبوية لابن هشام: ص299. شعر أبي طالب وأخباره / عبدالله المهزمي: ص26. أبو طالب كفيل الرسول / سعيد عسيلي: ص196.

[54]

إن نلتموه بكلّ جمعكم ***** فنحن في الناس الأم العرب((1))

لذلك نلاحظ الإمام ابن أبي الحديد المعتزلي قال:

اختلف الناس في إيمان أبي طالب، فقالت الإمامية وأكثر الزيدية: ما مات إلاّ مسلماً، وقال بعض شيوخ المعتزلة بذلك، منهم الشيخ أبو القاسم البلخي وأبو جعفر الإسكافي وغيرهما.

من هذا نتمكّن أن نقول: إنّ أبا طالب يعتبر المظلوم الأوّل في الإسلام، نظراً لتضحياته وجهاده في سبيل الإسلام. توفّي رضوان الله عليه في النصف من شهر شوّال في السنة العاشرة من مبعث الرسول(صلى الله عليه وآله) وسمّي بعام الحزن أي قبل الهجرة بثلاث سنين، أي في سنة 619 ميلادي((2)).

كعب بن زهير :

يعتبر كعب بن زهير بن أبي سلمى أحد فحول المخضرمين، وكانت له المكانة العالية والحظّ المرموق في الشعر والشهرة.

ولمّا ظهر الإسلام تأخّر كعب عن الدخول فيه، وعندما انتشر الإسلام دعاه رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى الإسلام فلم يُجبْه بالرغم من أنّ بُجير بن زهير أخا كعب استجاب لنداء الإسلام. نتيجةً لذلك غضب كعب على أخيه وهجاه، وهجا الإسلام

ــــــــــــــــــــ

(1)أبو طالب كفيل الرسول: ص213. تاريخ الأدب العربي / السيّد جعفر باقر الحسيني: ص329. أبو طالب مؤمن قريش: ص155.

(2)نهاية الارب / أحمد النويري: ج1، ص277. السيرة الحلبية / علي برهان: ج1، ص466. سيرة الذهبي / محمّد الذهبي: ص235. الكامل في التاريخ / ابن الأثير: ج1، ص507. السيرة النبوية لابن هشام: ج2، ص57. حياة النبيّ / الشيخ محمّد قوام الوشنوي: ج1، ص163.

[55]

والرسول(صلى الله عليه وآله)، فأهدر النبيّ(صلى الله عليه وآله) دمه، فراح يستجير بالقبائل، وما من مجير، ولـمّا ضاقت عليه الأرض في وجهه بعد أن استيأس من المجير والنصير جاء وتوسّل إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله)وآمن بالدين الجديد وأنشد قصيدته «بانت سعاد» المعروفة بالبردة، والتي تتكوّن من 58 بيتاً، حيث تناولها العلماء والشعراء فشرحوها، منهم ابن دريد والتبريزي وابن هشام والباجوري. وقد طبعت أكثر من مرّة في برلين وباريس والقسطنطينيّة، وكذلك في بيروت، وتُرجمت كثيراً إلى اللاّتينيّة والفرنسية والألمانية والإنكليزية والإيطالية.

إنّ قصيدة البردة يمكن تقسيمها من حيث الأغراض إلى ثلاثة أقسام:

1 ـ مقدّمة غزلية، كما هو عادة الشعراء الجاهليّين.

2 ـ وصف الناقة.

3 ـ الاعتذار ومدح رسول الله والمهاجرين، حيث ذهب إلى حسن التوسّل والتذلّل ووصف الجزع.

لاحظ عزيزنا القارئ كلمات هذا الشاعر الجذّابة، وهو يقول:

بَانَتْ((1)) سُعَادُ فقلْبِي اليومَ مَتْبُولُ((2))***** مُتَيّمٌ ((3)) إثْرَهَا لم يُجْزَ مَكْبُولُ((4))

وما سُعَادَ غَدَاةَ البَيْن إذ عَرَضَتُ ***** إلاّ أَغَنّ((5)) غَضِيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُ((6))

وما تَدُومُ على العَهْدِ الذي زَعَمَتْ ***** إِلاّ كما تُمْسِكُ الماءَ الغَرَابِيلُ

ــــــــــــــــــــ

(1)بانت: فارقت.

(2)متبول: الذي ضعفه الحبّ.

(3)متيّم: الذي استولى عليه الهوى.

(4)مكبول: المقيّد.

(5)اغنّ: الذي في صوته غنّة.

(6)المكحول: من كان فيه كحل.

[56]

كانَتْ مَوَاعِيدُ عُرْقُوب لها مَثَلاً ***** وما مَوَاعِيدُه إلاّ الأباطيلُ

نُبِّئتْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ أَوْعَدَني ***** والعَفْوُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ مَبْذُولُ((1))

مَهْلاً هَدَاكَ الذي أَعْطَاكَ نَافِلَةَ الــ ***** ــقُرْآنِ فيها مواعيظٌ وَتَفْصِيلُ

لا تأْخُذَني بأَقْوَالِ الوُشاةِ، ولم ***** اُذْنِبْ ولو كَثُرَتْ فيَّ الأَقاويلُ

فلمّا بلغ قوله:

إنّ الرَّسُولَ لَنُورٌ يُسْتَضاءَ به ***** وصارمٌ من سُيُوفِ اللهِ مَسْلُولُ((2))

في عُصْبَة من قُرَيْش قال قَائِلُهُمْ ***** بِبَطْنِ مَكَّةَ لَمَّا أَسلَمُوا: زُولُوا((3))

زَالُوا، فما زالَأَنْكَاسٌ((4)) ولا كُشُفٌ((5)) ***** يَوْمَ اللِّقَاء ولا سُودٌ مَعَازِيلُ((6))

وقال في النصيحة:

لا تُفْشِ سِرِّكَ إلاّ عند ذي ثِقَة ***** أوْ لاَ، فأَفْضَلُ ما اسْتَوْدَعْتَ أَسرارا

صَدْراً رَحِيباً وقَلْباً واسِعاً صَمِتاً ***** لم تَخْشَ منه لِمَا اسْتَوْدَعْتَ إِظْهاراً ((7))

ــــــــــــــــــــ

(1)في: الاشعاع القرآني في الشعر العربي: ص12. في الأدب الديني: ص151. الوسيط في الأدب العربي وتاريخه / الشيخ أحمد الاسكندري ومصطفى عناني: ص153 «مأمول» بدل «مبذول».

(2)مسلول: منتزع.

(3)زولوا: زال يزول ذهب.

(4)النكس: الضعيف.

(5)الكشف: الذين ينهزمون عند أوّل صدمة.

(6)الأساس في السُّنّة / سعيد حوي: ج2، ص954. دراسات تطبيقيّة في الشعر العربي / الدكتور عبده بدوي: ص63. شعراء الرسول / وليد الأعظمي: ص299. ديوان كعب بن زهير / وضعه: الحسن بن الحسين السكري: ص12. تاريخ الأدب العربي: ج1، ص284. شرح ديوان كعب بن زهير / الحسن بن الحسين السكري: ص6. معازيل: الذي لا سلاح له.

(7)ديوان كعب بن زهير: ص188.

[57]

توفّي كعب بن زهير سنة 26هـ.

الخنساء :

هي تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد الملقّبة بالخنساء. وُلدت سنة 575م.

قُتل أخوها معاوية وصخراً في الجاهلية فحزنت عليهما حزناً شديداً، وجزعت عليهما وأخذت برثائهما وبالبكاء عليهما، وقد خصّت أخاها صخراً بدموعها السخيّة لما تحلّى به من الشجاعة والكرم والوفاء وبذل المال.

عاشت الخنساء ولها من العمر 89 سنة، واعتنقت الإسلام، حيث وفدت على رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأنشدته من شعرها، وأسلمت بين يديه، هي وقومها مع بنيها، وقدّمت أولادها الأربعة في سبيل الإسلام، وحرّضتهم على الثبات في القتال حتّى قُتلوا. وعندما وصلها خبر مقتلهم هتفت: «الحمد لله الذي شرّفني بقتلهم، وأرجو من ربّي أن يجمعني بهم في مستقرّ الرحمة»((1)). ويُذكر أنّها سُئلتْ عن عدم رثاء أولادها الأربعة ورثائها المستمرّ لاخوانها فقالت: أولادي أحسبهم عند الله، أما اخوتي فسيذهبون إلى النار. وممّا جاء في رثائها لصخر:

الا ما بعينيك أم مالها ***** لقد اخضلّ الدمع سربالها

ساحمل نفسي على خطّة ***** فأمّا عليها وأمّا لها

فإن تصبر النفس تلق السرور ***** وان تجزع النفس أشقى لها((2))

ــــــــــــــــــــ

(1)تاريخ الأدب العربي: ص260.

(2)تاريخ آداب اللغة العربية / جرجي زيدان: ج13، ص225. المجاني الحديثة / شرح: لجنة من الأساتذة: ج2، ص11. جمهرة أشعار العرب / محمّد بن أبي الخطّاب القرشي: ج2، ص789.

[58]

للخنساء ديوان شعر أكثره رثاء، طبع في بيروت، وتُرجم إلى الفرنسية، وطبع عدّة مرّات. وأخيراً طبع كتاب شرحه عدد من العلماء بعنوان «أنيس الجلساء في شرح ديوان الخنساء»((1)).

ويُذكر أنّه قيل لجرير: «من أشعر الناس؟ قال: أنا لولا الخنساء»((2)).

كانت الخنساء تتذكّر صخراً عند طلوع الشمس وغروبها، فإذا طلعت تذكّرها بغارات صخر وعند غروب الشمس تذكّرها بضيافة صخر، حيث تقول:

يذكّرني طلوع الشمس صخراً ***** وأذكره لكلّ غروب شمس

وقد بلغت عاطفتها حدّاً كادت تؤدّي بحياتها لولا كثرة الباكين حولها على إخوانهم حيث قالت:

لولا كثرة الباكين حولي ***** على إخوانهم لقتلت نفسي

فلا والله ما أنساك حتّى ***** اُفارق مهجتي وينشقّ رمسي((3))

من هذا يتبيّن أنّ شعر الخنساء يجمع بين صور الشعر الجاهلي وصور الشعر الإسلامي((4))، والذي يمتاز بالسهولة واللين لأنّه فيه اُسلوب العاطفة الهائجة وحرارة الثورة والتي تنطلق من غير تكلّف، ونتمكّن من القول بأنّ شعر الخنساءهو شعر عاطفة فحسب.

توفّيت الخنساء سنة 24هـ.

ــــــــــــــــــــ

(1)تاريخ الأدب العربي / عمر فرّوخ: ج1، ص319.

(2)أعلام النساء / عمر كحالة: ص360.

(3)شرح ديوان الخنساء / أبو العباس ثعلب: ص12. جواهر الأدب / السيّد أحمد الهاشمي: ج2، ص141. تاريخ الأدب العربي / عمر فرّوخ: ج1، ص318. الخالدات / محمود درويش: ص59. الأساس في تاريخ الأدب العربي: ص172.

(4)الخنساء في مرآة عصرها / إسماعيل القاضي: ج2، ص98.

[59]

حسّان بن ثابت :

هو حسّان بن ثابت بن المنذر الأنصاري الخزرجي، وُلد في المدينة في سنة 65 قبل الهجرة، وكان منصرفاً إلى اللهو، فوصف مجالس اللهو والخمر والغزل، وقد دافع عن قومه وافتخر بأمجادهم. وعندما ظهر الإسلام أسلم مع الأنصار فمدح الإسلام والنبيّ(صلى الله عليه وآله)، وقد دافع عن الدين الجديد ونظّم قصيدةً بمناسبة الغدير.

وقد ذكره المرحوم العلاّمة الأميني في كتابه «الغدير»، واستشهد بشعره الفصيح وأبياته البليغة، ومن شعره:

وأحسن منك لم تَرَ قطُّ عيني ***** وأحسن منك لم تلد النساءُ

خُلقتَ مبرءً من كلّ عيب ***** كأنّك قد خُلقتَ كما تشاءُ((1))

وقد أجاد في وصف النبيّ والرسالة الجديدة حيث يقول:

نبي أتانا بعد يأس وفترة ***** من الرسل والأوثان في الأرض تُعبدُ

فأمسى سراجاً مستنيراً وهادياً ***** يلوح كما لاح الصقيل المهنّدُ

وأنذرنا ناراً وبشّر جنّةً ***** وعلّمنا الإسلام فالله نحمَدُ

مع المصطفى أرجو بذلك جواره ***** وفي نيل ذاك اليوم أسعى وأجهد((2))

توفّي قبل سنة 40هـ، وقيل: سنة 50هـ، وقيل: سنة 54هـ، وهو ابن 120 سنة((3)).

ولا يخفى أنّ هناك عشرات الشعراء المخضرمين اكتفينا بذكر من ذكرنا منهم.

ــــــــــــــــــــ

(1)ديوان حسّان بن ثابت / شرح: عبد أ. مهنّا: ص21.

(2)الموجز في الأدب العربي وتاريخه: ج1، ص460. ديوان حسّان بن ثابت: ص54.

(3)تاريخ الصحابة / محمّد البستي: ص68. مشاهير علماء الأمصار / محمّد البستي: ص19. تقريب التهذيب / العسقلاني: ص161. تهذيب تهذيب الكمال / صفي الدين الخزرجي: ص306. مشاهير الشعراء والاُدباء / عبد أ. عليّ مهنّا وعلي نعيم خريس: ص13.