[221]

الانكليز على العراق، دستور مزيّف وعَلم الدولة مزيّف هو الآخر، وحتّى المجلس الذي يسمّى بمجلس الاُمّة أيضاً كان مزيّفاً، ثمّ نلاحظ الشاعر الرصافي يصرخ ساخراً ويقول:

يا قوم لا تتكلّموا ***** إنّ الكلام محرّمُ

ناموا ولا تستيقضوا ***** ما فاز إلاّ النُّوَّمُ

وتأخّروا عن كلّ ما ***** يقضي بأن تتقدّموا

ودعوا التفهُّم جانباً ***** فالخيرُ أن لا تفهموا

أمّا السياسة فاتركوا ***** أبداً وألاّ تندموا ((1))

وبعد برهة من الزمن شُكّلت الوزارة من قِبل حكومة الانتداب فقام مخاطباً تلك الوزارة المنقادة لتنفيذ أوامر أسيادهم حيث يقول:

بالله يا وزراءنا ما بالكم ***** إن نحن جادلناكم لم تنصفوا

هذي كراسيّ الوزارة تحتكم ***** كادت لفرط حيائِها تتقصفُ

أنتم عليها والأجانب فوقكم ***** كُلُّ بسلطته عليكم مُشرفُ

أيُعَدّ فخراً للوزير جلوسه ***** فَرِحاً على الكرسي وهو مُكتَّفُ((2))

فلشاعرنا الرصافي مشاهد كثيرة في الحِكَم والأوصاف والأقاصيص الحزينة التي تُظهر بؤس وفقر الاُمّة ومقاومتها للاستبداد وظلم الأجنبي، بالاضافة إلى آرائه الحدِّيَّة في السياسة وانتقاد السلطة، فهو يدعو إلى الثورة الاجتماعية والسياسية ليعمّ الرخاء ولتنعم البلاد بالحرّية والمساواة.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1)معروف الرصافي / نجدة فتحي صفوة: ص28. معروف الرصافي / رؤوف الواعظ: ص236. ديوان الرصافي: ج3، ص122.

(2)ديوان الرصافي: ص173.

[222]

هذه نظرة موجزة ألقيناها عن حياة هذا الشاعر إذ أصبح أصدق مترجم عن آلام شعبه وأحزانه.

توفّي الرصافي سنة 1945م((1)).

إيليا أبو ماضي

ولد إيليا أبو ماضي في لبنان سنة 1889، ثمّ هاجر إلى مصر، وبعدها إلى الولايات المتّحدة.

آثاره:

ـ ديوانه تذكار الماضي.

ـ الجداول.

ـ الخمائل.

ويعتبر إيليا أبو ماضي أهم شعراء المهجر في أمريكا الشمالية. ومن المميزات في اُسلوبه الشعري هي وحدة الموضوع وشدّة الارتباط بين أجزائها وعناصرها بالإضافة إلى الفكرة الموحّدة، لذلك وضع عناوين لقصائده تناسب ما تناولته القصيدة، فنلاحظ قصيدته في فلسفة الحياة فنجده يقول:

أيهذا الشاكي ((2)) وما بِكَ داء ***** كيفَ تغْدُو ((3)) إذا غَدوتَ عليلا

إنّ شرّ الجناة في الأرض نفسٌ ***** تتوقّى ((4)) قبل الرحيلِ الرَّحيلا

وترى الشوكَ في الورُودِ وتغمى ***** إن ترى فوقها النّدى إكليلا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1)الأعلام: ج7، ص268.

(2)أيهذا الشاكي: أي هذا أيّها الشاكي.

(3)تغدوا: تصبح.

(4)تتوقّى: تتحذّر.

[223]

هُو عِبءٌ على الحياةِ ثقيلٌ ***** مَنْ يظنُّ الحياةَ عِبءً ثقيلا

والذي نفسُهُ بِغيرِ جمال ***** لا يرى في الحياةِ شيئاً جميلا

فتمتّعْ بالصُّبحِ ما دُمتَ فيهِ ***** لا تخفْ أنْ يزولَ حتّى يزولا

أيهذا الشّاكي وما بِكَ دَاءٌ ***** كُن جميلاً تَرى الوُجودَ جميلا((1))

وهناك طائفة من أشعاره في أغراض مختلفة تبيّن منهجه الشعري، ففي قصيدته «لستُ أدري» التي تتطرّق إلى التفكّر في الحياة والتأمّل في الكون وفي الخير والشرّ، نلاحظ إيليا أبو ماضي يقول في قصيدته المسمّاة بــ (الطلاسم):

جئتُ لا أعلم من ***** أين ؟ ولكنّني أتيتُ

ولقد أبصرتُ قُدّا ***** في طريقاً فمشيت

وسأبقى سائراً إنْ ***** شئتُ هذا أم أبيت

كيف جئتُ كيف أبصرتُ طريقي ***** لستُ أدري

* * *

أجديدٌ أم قديم ***** أنا في هذا الوجود

هل أنا حُرٌّ طليق ***** أم أسيرٌ في القيود

هل أنا قائدُ نفسي ***** في حياتي أم مَقُود

أتمنّى أنّني أدري ولكن ***** لستُ أدري

* * *

وطريقي ما طريقي ***** أطويلٌ أم قصير

وهل أنا أصعد أم ***** أهبط فيه أم أغور

أأنا السائر في الدرب ***** أم الدرب يسير

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1)أدب عصر النهضة / الدكتور شفيق البقاعي: ص224.

[224]

أم كلانا واقفٌ والدرب يجري ***** لستُ أدري ((1))

وعلى هذا النحو ظلّ أبو ماضي حائراً قلقاً لا يستطيع فهم الوجود ولا فهم الكون من حوله، وله قصيدة بعنوان «كم تشتكي» حيث يقول:

كم تشتكي وتقول إنّك معدم ***** والأرض ملكك والسماء والأنجمُ

ولك الحقول وزهرها وأريحها ***** ونسيمها والبلبل المترنمُ

والماء حولك فضّة رقراقة ***** والشمس فوقك عسجد يتضرّمُ

انظر فما زالتْ تطلّ من الثرى ***** صورٌ تكاد لحسنها تتعلّم

عيون ماء دافقات في الثرى ***** تشفي السقيم كأنّما هي زمزم((2))

توفّي أبو ماضي في نيويورك سنة 1958م.

أحمد شوقي

ولد شوقي في القاهرة سنة 1868 من أبٍّ كردي واُمّ تركية، وبعد تخرّجه من الثانوية التحق بمدرسة الحقوق ثمّ مدرسة الترجمة، وبعدها سافر إلى فرنسا لمتابعة دروسه.

لُقِّب أحمد شوقي بأمير الشعراء، ويعتبر من أكابر الشعراء، وقد مدح الاُمراء وبعض الأعيان، بالإضافة إلى أنّه مدح الرسول(صلى الله عليه وآله) والإسلام والمسلمين، ومن آثاره كتاب «أسواق الذهب» وكتاب «دول العرب وعظماء الإسلام» وديوانه «الشوقيّات» في أجزائه الأربعة.

واشتهر بقصيدته «وُلِدَ الهُدى» حيث مدح الرسول والإسلام، وممّا جاء فيها:

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1)الجداول / إيليا أبو ماضي: ص7. درس اللغة والأدب / محمّد محمّدي: ج2، ص199.

(2)الخمائل / إيليا أبو ماضي: ص111.

[225]

وُلِدَ الهدى، فالكائناتُ ضِياءُ ***** وفمُ الزَّمانِ تبسُّمٌ وثَنَاءُ

الرُّوحُ ((1)) والملأُ ((2)) الملائِكُ حوْلَهُ ***** للدِّين والدُّنيا به بُشَرَاءُ

والعرشُ يَزْهُو ((3))،والحظيرة ((4))تَزْدَهِي ***** والمُنتهى، والسِّدْرَةُ العَصْماءُ

يا خيرَ من جاءَ الوجودَ، تحيّة ***** مِنْ مُرسَلين إلى الهدى بكَ جاءوا

* * *

بكَ بشَّرَ اللهُ السماءَ فزُيِّنَتْ ***** وتضوعتْ((5)) مسكاً بك الغبراء((6))

فإذا سخوتَ بلَغْتَ بالجُودِ المَدَى ***** وفعلتَ ما لا تفعلُ الأنواءُ

وإذا عَفَوْتَ فقادراً، ومُقدَّراً ***** لا يستَهين بعفوكَ الجُهلاءُ

وإذا رَحِمْتَ فأنْتَ اُمٌّ، أو أبٌ ***** هذانِ في الدُّنيا هما الرُّحَماءُ

* * *

وإذا غضِبْتَ فَإنّما هِيَ غَضَبةٌ ***** في الحقِّ، لا ضِغْنٌ ولا بَغْضَاءُ

وإذا رضِيْتَ فذاكَ في مَرْضَاتِهِ ***** ورِضَى الكثير تحلُّمٌ ورِياءُ

وإذا خطبْتَ فلِلْمَنابِرِ هِزَّةٌ ***** تَعرو((7)) النَّدِيَّ((8))، وللقُلُوبِ بُكاءُ

وإذا قضيْتَ، فلا ارتيابَ، كأنّما ***** جاءَ الخصومَ مِنَ السَّماءِ قَضَاءُ

وإذا أخذتَ العهدَ، أو أعطيته ***** فجميعُ عَهدِكَ ذِمَّةٌ ووفاءُ((9))

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1)الروح: هو الروح الأمين، لقب جبريل.

(2)الملأ: أشراف القوم.

(3)يزهو: يفتخر، هنا بشرف.

(4)الحضيرة: الجنّة.

(5)تضوّعت: انتشرت.

(6)الغبراء: الأرض.

(7)تعرو: تُلم به وتصيبه.

(8)الندى: المجلس.

(9)ديوان أحمد شوقي / تحقيق: الدكتور إميل أكبا: ج1، ص85. الشوقيات: ج1، ص34.ï ًتاريخ الأداب العربية / رشيد يوسف عطا الله: ص412. شوقي وقضايا العصر والحضارة / الدكتور حلمي عليّ مرزوق: ص321. السيرة النبويّة في ضوء القرآن والسنّة / الدكتور محمّد بن محمّد أبو شهبة: ج1، ص176.

[226]

وقد اعتبر أحمد شوقي رسالة المعلّم تكاد تكون سماوية وهي أشرف الأعمال وأنبلها، وذلك بقصيدته العلم والتعليم، وممّا جاء فيها:

قُمْ للمعلّمِ وفُه التبجيلا ***** كاد المعلم أن يكون رسولا

أعلمتَ أشرف أو أجلّ ما الذي ***** يبني ويُنشيء أنفساً وعقولا

أرسلتَ بالتوراةِ موسى مرشداً ***** وابن البتول((1)) فعلم الإنجيلا

وفجَّرتَ ينبوع البيان محمّداً ***** فسقى الحديث وناول التنزيلا

إنّ الشجاعة في القلوب كثيرةٌ ***** ووجدتُ شُجعان العقول قليلا

لقد أحبّ شوقي وطنه فكان وطنياً مخلصاً فنظم الأناشيد الوطنية وهو القائل:

يا وطني لقيتك بعد يأس ***** كأنّي قد لقيت بك الشبابا

ابتسمت لشوقي الحياة فضحك لها. ثمّ ساهم في المسرح بشعره الروائي، كما ذلَّلَ شوقي الشعر العربي في المسرح; وذلك بتأليفه مسرحيّات عدّة أهمّها مصرع كليوباترا، عنترة، وقمبيز ملك الفرس، مجنون ليلى.

هذا وقد نشأ أحمد شوقي في أحضان النعمة وعاش مترفاً منعّماً، وكان لهذه الحياة أثر في خيالاته واتّجاهاته الشعريّة، ومن ذلك نجده يصف الجزيرة ويقول:

وخميلة ((2)) فوق الجزيرة مسّها ***** ذهبُ الأصيل حواشياً ومتونا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1)البتول: لقب السيّدة مريم(عليها).

(2)الخميلة: الشجر الكثير الملتفّ.

[227]

كالتبرِ ((1)) اُفْقاً والزبرجدِ رَبوة ***** والمِسْكِ تُرْباً، واللَّجين ((2)) معينا

وقف الحبّ من دونِها مستأذناً ***** ومَشى النسيم بظلّها مأذونا

وجرى عليها النيل يقذف ***** نثراً ويكسر مرمراً مسنونا

كما أكثر من الحديث عن الأخلاق ورآها إحدى الدعائم التي تبنى عليها قوّة الاُمم، فمن ذلك قوله:

وإنّما الاُمم الأخلاق ما بقيت ***** فإن همُ ذهبَتْ أخلاقهم ذهبوا

وقد ورد من لفظ الأخلاق في معان اُخرى، ومنها ما يجري مجرى الأمثال، وحسبك شاهداً ما يقول:

وَإنّما الاُمَمُ الأخلاقُ ما بَقِيَتْ ***** فإنْ تَوَلَّتْ ، مَضَوا في إثرِها قُدُما

* * *

كذا الناسُ بالأخلاقِ يبقى صَلاحُهم ***** ويَذَهبُ عنهم أمرُهم ، حينَ تذهبُ

* * *

تَرْكُ النفوسِ بلا عِلْم ولا أدَب ***** تَرْكُ المَرِيضِ بلا طِبٍّ وَلا آس

* * *

وَإذا مَا أصَابَ بُنْيَانَ قَوْم ***** وَهْىُ خُلْق، فَإنَّهُ وَهْيُ أَسٍّ

* * *

وَإذا اُصِيبَ القَوْمُ في أخلاقِهِمْ ***** فأقِمْ عَلَيْهِمْ مَأْتَماً وَعَوِيلا

* * *

وَلَوْ زَادَ الحَيَاةَ النّاسُ سَعْياً ***** واَخلاصاً ، لَزَادَتْهُمْ جَمَالا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1)التبر: الذهب.

(2)اللّجين: العلف المتّخذ من الورق المدقوق المخلوط بالشعير.

[228]

مؤلّفاته:

ـ الشوقيّات، أربعة أجزاء .........................ـ أسواق الذهب.

ـ عظماء الإسلام .................................ـ. رواية لإدياس.

ـ رواية ورقة الآس ................................ـ علي بك الكبير.

ـ مذكّرات بنتاؤر .................................ـ مصرع كليوباترا.

ـ مجنون ليلى .....................................ـ قمبيز.

ـ عنتر ...........................................ـ أميرة الأندلس.

ـ السيّدة هدى ....................................ـ البخيلة.

ـ كشكول ، جامع لقصائد لم تنشر وقصائد سهلة للأطفال وأغان في ثلاث مجلّدات مخطوط.

ـ نهج البردة ، قصيدة مشهورة قالها في التوسّل ومدح النبيّ صلوات الله عليه.

توفّي أحمد شوقي سنة 1932م في القاهرة، ودفن في مقبرة السيّدة نفيسة(رضي الله عنها)، وأوصى أن يكتب على قبره هذان البيتان من قصيدة نهج البردة:

يا أحمد الخير لي جاه بتسميتي ***** وكيف لا يتسامى بالرسول سمي

ان جلَّ ذنبي عن الغفران لي أمل ***** في الله يجعلني في خير معتصم

أبو القاسم الشابي

محمّد بن أبي القاسم الشابي، وُلد في سنة 1906م في قرية الشابية بتونس، نالَ شهادة الحقوق عام 1930م.

ظهر نبوغه في الشعر مبكّراً حيث كان قوي البديهيّة، رقيق العاطفة، سريع الانفعال،حادّ الذهن، يحبّ الفكاهة والأدب.

عالج الشابي في موضوعاته فلسفة البؤس والشقاء والألم والحزن والحبّ والحياة

[229]

والقوّة والثورة، وكان ثائراً على كلّ قيود عصره في الشعر والحياة.

آثاره الأدبية:

ـ ديوانه.

ـ الخيال الشعري عند العرب.

ـ المقبرة ، رواية.

ـ ديوان الأشواق التائهة.

ـ رسائل الشابي.

ـ يوميّات الشابي.

ـ الهجرة المحمّدية ((1)).

يتضمّن ديوان الشاعر الأغراض الأدبية المختلفة، لكنّ القارئ لديوانه يحسّ أنّه يتضمّن حنين وبكاء ونشيد ووجوم ويقظة وهجود وسلام وابتسامة وسرور وظلام ونور ونجوم وضباب وسراب وشجون وبهجة; لذلك فإنّ ديوانه حافل بهذه الأغراض لأنّه قطعة من وجود إنسان((2)).

كان في نظمه للشعر يدعو المستعبدين أن يرفعوا رؤوسهم إلى السماء لأنّه كان يرى وطنه تونس نهباً للاستعمار.

وبنفس الوقت كان الشابي محبّاً لبلاده، صادقاً في وطنيّته ومخلصاً لها.

لقد عاش أبو القاسم البؤس، فقد تحمّل أعباء الحياة التي أثقلت ظهره لذلك لم نستغرب عندما يقول:

ما لي تعذّبني الحياة ***** كأنّني خلق غريب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1)الأعلام الشرقيّة / زكي محمّد مجاهد: ج2، ص761.

(2)شعب وشاعر / نعمات أحمد فؤاد: ص87.