[230]

وتهدّ من قلبي الجميل ***** فهل لقلبي من ذنوب

وإذا سالت لِمَ الوجود ***** وكلّه هم مذيب

قالت نواميس السماء ***** قضت وما لك من هروب ((1))

وقال من قصيدة «إلى الشعب» يدعوه إلى الطموح:

أين يا شعب قلبك الخافق ***** الحسّاس أين الطموح والأحلام

أين يا شعب روحك الشاعر ***** الفنّان أين الخيال والإلهام

أين يا شعب فنّك الساحر ***** الخلاّق أين الرسوم والأنغام((2))

قلنا إنّه نظم قصائد في مختلف الأغراض، ولكنّ قصائده الوطنية كانت لها الصدارة في ديوانه.

اشتهر شاعرنا بقصيدته «إرادة الحياة» والتي تمتاز بقوّة الانفعال والثورة على الظلم والاستعمار، ولا تزال شدّة ومتانة الكلمات التي وردت في القصيدة تؤدّي إلى الاندفاع والثورة في فتح الطريق أمام الشعوب نحو التحرّر لكسر القيود وتقرير المصير وتمجيد الإرادة الإنسانيّة إيماناً بقوّة الشعب.

الشابي كان على أمل بالغ بالغد المشرق لشعبه الذي حكم عليه القدر مدّة طويلة تحت أنياب المستعمر الظالم الذي أذاقه الظلم والتشريد والاضطهاد.

وممّا جاء في قصيدته «إرادة الحياة»:

إذا الشعبُ يوماً أرادَ الحياةَ ***** فلا بُدَّ أنْ يستجيبَ القَدَر

ولا بُدَّ لِلَّيلِ أنْ ينجلي ***** ولا بُدَّ للقيدِ أن ينكسِر

كذلكَ قالتْ لي الكائنات ***** وحدّثني روحُها المُسْتِتر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1)الشابي / الدكتور عمر فرّوخ: ص109.

(2)الأعلام الشرقية / زكي محمّد مجاهد: ج2، ص760.

[231]

ودَمْدَمَت ((1)) الرِّيحُ بينَ الفِجاج ((2)) ***** وفوق الجِبالِ وتَحْتَ الشجر

* * *

«إذا ما طَمِحْتُ((3)) إلى غاية ***** لَبِسْتُ المُنى وخَلَعْتُ الحَذَر

ولم أَتَخَوَّفْ وُعورَ الشِّعاب((4)) ***** ولا كُبَّة((5)) اللَّهَبِ المُسْتَعِر

ومن لا يُحِبُّ صعود الجِبال ***** يعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بينَ الحُفَر»

فعَجَّتْ بِقَلْبي دِماءُ الشَّباب ***** وضجَّتْ بِصَدْرِي رِياحٌ اُخَر

* * *

«اُبارِكُ في النّاسِ أهلَ الطُّموحِ ***** ومن يستلذُّ رُكوبَ الخَطَر»

وفي ليلة من ليالي الخرِيفِ ***** مُثَقَّلَة بالأسى والضَّجَر((6))

سَأَلْتُ الدُّجى((7)): هَلْ تُعِيدُ الحياة ***** لمن أذْبلَتْهُ رَبِيْعَ العُمُر؟

فلمْ يتكلَّمْ فؤاد الظَّلامِ ***** ولمْ تترنَّمْ ((8)) عَذارى السَّحَر ((9))

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1)دمدم: صوت الريح الشديد.

(2)الفجاج: الطريق الواضح بين جبلين.

(3)طمحت: تطلّعت.

(4)الشِّعاب: الطريق في الجبل، مسيل الماء.

(5)كبَّة: ستره الشيء صير منها، ألقيته على وجه.

(6)الضجر: التبرُّم والمَلَل.

(7)الدجى: الظلام.

(8)تترنّم: طرّبت صوتها.

(9)الشابي شاعر الحبّ والحياة / الدكتور عمر فرّوخ: ص127. شعب وشاعر / نعمان أحمد فؤاد: ص72. أبو القاسم الشابي شاعر الحياة والموت / إيليا الحاوي: ج1، ص84. شعراء عرب معاصرون / نجيب البعيني: ص282. أبو القاسم الشابي / الدكتور عبدالمجيد الحرّ: ص149. أبو القاسم الشابي / ريتا عوض: ص43. الشابي أبو القاسم / محمّد كرد: ص199. دراسات عن الشابي / محمّد كرد: ص135.

[232]

ثمّ نلاحظ استنكار وحقد أبو القاسم الشابي على وحشية الظالمين وجرائمهم البشعة حيث يخاطب المستعمر الظالم في كلّ بقعة من بقاع العالم ويقول: إنّك لن تفلت من عقاب الشعوب بسبب قتلك للنّاس وحصدك الرؤوس الطاهرة، لقد سُقيتْ الأرض من دموع اليتامى والأرامل والمعذَّبين، فإنّ الدماء التي سفكتها ستتحوّل سيلاً يجرفك وناراً تحرقك لذا فإنّ الشابي يجسّم هذه الصورة بقوله:

تأمّل هنالك أنّي حصدتَ ***** رؤوس الورى ((1)) وزهورَ الأملْ

وروَّيتَ بالدم قلب الترابِ ***** وأشربْتَهُ الدمع حتى ثملْ ((2))

سيجْرِفُكَ السيلُ سيلُ الدماء ***** ويأكلكَ العاصف ((3)) المشتعلْ ((4))

وفي مكان آخر يصوّر المرحلة التي تعقب هزيمة الشعوب الضعيفة فيصيبها السكون بعض الوقت وتبدو خاضعة، وبعد فترة من الزمن تجمع طاقاتها لإعلان ساعة الصفر، فنلاحظ الشابي يحذّر من سوء العاقبة ويخاطب المستعمر الظالم ويقول: إنّ وراء هذا السكون والهدوء الموقّت صوت تنطلق منه الثورة الجبّارة ويصوّر هذه الصورة بأيّام الربيع وجمال الطبيعة وصفائها وكيف تتغيّر الأحوال ويتلبّد الجوّ بالغيوم وتعصف الرماح، كذلك ستهبّ النار وتحرق الطغاة المستعمرين فمن يبذر الشوك لا يجني إلاّ الجراح والألم.

رُويدَك ((5)) لا يَخدعَنْكَ الربيعُ ***** وصحُو الفضاءِ وضوءُ الصباحْ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1)الورى: الخَلق.

(2)ثمل: المراد امتلأ.

(3)العاصف: الريح (لهيب الثورة).

(4)الصورة الشعرية عند أبي القاسم الشابي / مدحت سعد الجبّار: ص257.

(5)رويدك: تمهّل.

[233]

ففي الاُفق الرَّحب ((1)) هولُ الظلام ***** وقصفُ الرعودِ وعصفُ الرياحْ

حذارِ فتحتَ الرمادِ اللهبُ ***** ومن يبذرِ الشوكَ يَجْنِ الجراحْ ((2))

توفّي أبو القاسم الشابي في ريعان شبابه سنة 1934 عن عمر يناهز الثامنة والعشرين.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1)الرحب: الواسع.

(2)شعراء عرب معاصرون: ص283. الصورة الشعرية عند أبي القاسم الشابي: ص259.

[234]

[235]

الفصـل الرابع عشر

ـ جمال الدين الأسدآبادي

ـ حافظ إبراهيم

ـ السيّد رضا الموسوي

ـ عبدالحسين الاُزري

ـ علي محمود طه

ـ محمّد مهدي الجواهري

ـ أحمد الوائلي

[236]

[237]

ملحق اُدباء عصر النهضة

السيّد جمال الدين الأسدآبادي (الأفغاني)

مولده ونشأته:

وُلد محمّد بن صفدر الحسيني في سنة 1254هـ/1839م من اُسرة شريفة يصل نسبها إلى الحسين بن عليّ((1))(عليهما السلام).

اختلف الباحثون في موطنه الاُمّ ومذهبه، فمثلاً ذهب تلامذته وأصحابه إلى التأكيد بأفغانيّته، منهم الشيخ محمّد عبده((2))، كما أيّد هذا الرأي بعض الباحثين والكتّاب العرب((3)) إضافة إلى بعض المؤرّخين الايرانيّين((4)) والأفغان، كما نصّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1)تراجم مشاهير الشرق / جرجي زيدان: ج2، ص71. جمال الدين الأفغاني / عبدالرحمن الرافعي: ص5. تاريخ الاُستاذ الإمام / السيّد محمّد رشيد رضا: ص27. جمال الدين الأفغاني / الدكتور محسن عبدالحميد: ص13. جمال الدين الأفغاني / الدكتورة رحاب خضر عكاوي: ص15.

(2)الثائر الإسلامي جمال الدين الأفغاني / الشيخ محمّد عبده: ص16.

(3)الإسلام في القرن العشرين / عبّاس محمود العقّاد: ص142. جمال الدين الأفغاني المفترى عليه / الدكتور محمّد عمارة: ص132. أشهر مشاهير اُدباء الشرق / محمّد عبدالفتّاح: ج2، ص34. دائرة معارفالقرنالعشرين / محمّد فريد وجدي: ج3، ص163.

(4)الكنى والألقاب / الشيخ عبّاس القمّي: ج2، ص155. قصص من عظماء الإسلام / ï ًمحمّد علي الاستآني: ص9.

[238]

على أفغانيّته عدد من الباحثين الغربيّين((1)) الذين أكّدوا أنّه من بلدة أسعد آبادبافغانستان.

كما ذهب آخرون وادّعوا بأنّ السيّد جمال الدين ينحدر من اُسرة ايرانية وأنّه وُلد في اسد آباد إحدى قرى همدان.

لقد أشار المستشرق بروكلمان أنّ جمال الدين ايراني أخفى ايرانيّته لأسباب سياسية((2))، كما أيّد هذا الرأي بعض الباحثين الايرانيّين((3)) والعرب((4)).

إنّ لِكلا الرأيين دلائل تدعم أقوالهم بالرغم أنّنا نؤيّد الرأي الأوّل، ولكن في الوقت نفسه لا يهمّنا موطن السيّد بقدر اهتمامنا بدراسة شخصيّته وعبقريّته البارزة في إيقاظ الشرق من غفوته.

أساتذته وتلاميذه:

درس السيّد جمال الدين النحو والصرف وفقه اللغة والعرفان والمنطق والفلسفة والرياضيات، فكان من أشهر أساتذته المجتهد الكبير الشيخ مرتضى الأنصاريوالفيلسوف الكبير حسين الهمداني((5)).

لقد استطاع السيّد أن يؤثّر تأثيراً كبيراً في نهضة العالم الإسلامي لذلك نرى أنّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1)الإسلام والتجديد في مصر / تشارلز آدامس: ص7. حاضر العالم الإسلامي / لوثروب ستودارد: ج1، ص9.

(2)جمال الدين الأفغاني بين دارسيه / علي شلش: ص31.

(3)مجلّة الحوزة: العدد 60 الخاصّ بالذكرى المئوية لجمال الدين، ص120، قم.

(4)لمحات اجتماعيّة من تاريخ العراق الحديث / الدكتور علي الوردي: ج4، ص266. أعيان الشيعة: ج4، ص216. دائرة المعارف الإسلامية الشيعية / حسن الأمين: ج6، ص166. جمال الدين الأفغاني بين دارسيه: ص48.

(5)الحركات الإسلاميّة في القرن الرابع عشر / مرتضى المطهّري: ص38.

[239]

الشيخ محمّد عبده ((1)) (مفتي الديار المصرية آنذاك) قد تأثّر بآرائه ولازم مجلسه ودروسه ويعتبر من ألمع تلاميذه.

أهدافه وأثره على الأدب العربي:

لقد أيقظ السيّد جمال الدين النفوس الهاجعة وبعث فيها الثقة والأمل والإيمان، فكانت أهدافه محاربة الاستعمار ومناهضة الاستبداد((2)) وإشاعة وتركيز الوعي وتنقية الفكر الإسلامي من الشوائب وتوحيد المسلمين، وبما أنّ الأدب يعتبر ظاهرة من مظاهر الحياة فالنهضة الاجتماعية التي أشعلها السيّد أثّرت على الأدب وسارت مسار النهضة; لأنّ النهضة الأدبية لا تنفصل عن النهضة العامّة.

لو طالعنا رسائله وخطبه لرأينا أنّ كلماته تحوّلت إلى رصاصات في صدر الاستعمار الغادر لذلك نجد صيحاته لأهل الشرق: «أيّها النائمون تيقّظوا»، «ألا أيّها الغافلون تنبّهوا»، «يا أهل الشرق والناموس، يا أرباب المروءة والنخوة، يا اُولي الغيرة الدينية والحمية الإسلامية...» ((3)).

آثاره:

كان السيّد جمال الدين طموحاً، واسع الاطّلاع((4)) في العلوم العقلية والنقلية، وكان يجيد اللغات: «الأفغانية والفارسية والعربية والتركية والفرنسية بالإضافة إلى الانكليزية والروسية»((5))، كما ترك بعض الآثار والتأليفات أهمّها:

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1)الإمام محمّد عبده إمام التجديد والاصلاح الديني (نوابغ العرب): ص45.

(2)زعماء الاصلاح / أحمد أمين: ص106. الاتّجاه الغربي من منظار اجتماعي / الدكتور عليّ محمّد النقوي: ص98. وحي الرسالة / أحمد حسن الزيّات: ج3، ص55.

(3)جمال الدين الأفغاني / محمود أبو ريّة: ص105.

(4)في الأدب الحديث / عمر الدسوقي: ج1، ص345.

(5)تراجم مشاهير الشرق: ص83. جمال الدين الأفغاني / الدكتورة رحاب عكاوي: ص14.