![]() |
![]() |
![]() |
إذا أوجعتك سياط الغريب ***** فعون القريب له أوجع ((1))
ويعتدل الاُزري في رأيه أكثر من الشعراء الذين دعوا السفور أو مخالفيهم ومن تبعهما ويطلب من السافرة إذا صمّمت على السفور أن تراعي السنن التي تحفظ لها قيمتها كامرأة إذ يخاطبها ويقول :
صوني جمالك بالحياء ***** إذا تحدّيتِ الحجابا
وإذا سُئِلتِ فأجملي ***** بالردّ واقتضبي الجوابا ((2))
وقد تطرّق الشاعر الاُزري إلى قول الظلم، حيث قال :
علوُّكُمْ حيثُ تَعْلُو منكُم الهِممُ ***** وعزُّكم قَدرُ ما في أنْفِكُم شَمَمُ
المجدُ ليسَ بَمقصُور عَلى أحد ***** مِنْ دونِكم فلَهُ مِقدارُ ما لكُم
أمامَكُم لو تَحلُّونَ الحُسبَى فُرَصٌ ***** فَراقبُوها من الأيّامِ واغْتَنِموا
* * *
والمكرُماتُ تُلبِّي كلَّ داعِيَة ***** تَمْشِي لكم ما مَشَتْ منكم لها قَدَمُ
لا عَدلَ في الأرضِ إلاّ والحُسامُ لَهُ ***** مِنْ خَلْفِهِ سَنَدٌ مِنْ خَلْفِهِ أَجُمُ
ولا مَناصَ لعاف من ظُلامتِهِ ***** والظُّلُم في النّاسِ لو لاحَظتَه نقَمُ
لو يُسألُ الدَّهرُ عَن قَوم أَضرَّ بهم ***** ذُلُّ المَقامِ لقالَ المُذْنِبونَ هُمُ
لا يَعتِبنَّ عَلى الدُّنيا امرؤٌ ولَه ***** كما لكلِّ سِواهُ ساعِدٌ وفَمُ
* * *
إنَّ الحياةَ كمِضمار تَفوزُ بها ***** عِندَ السِّباقِ كرامُ الخَيلِ لا النَّعَمُ
لا تأمَلوا مُنْصِفاً مِن غَيركم لَكُم ***** ما دامَ ليسَ لكم مِن أهلِكُمْ حَكَمُ
أَوْ تَرقَبُوا أيُّ عَدل في قضِيَّتِكم ***** ما لَم يكُنْ جَيشُكمْ بالذَّودِ يَزْدَحِمُ
ضَلَّ الطَّريقَ ضِعافُ الرأي فاعتَقدوا ***** أنّ المَعاليَ ما بَينَ الوَرى قِسَمُ
كأنّهم جَهِلُوا أنّ الزَّمانَ قَضَى ***** بأنّ كلَّ ضعيف في المَلا عَدَمُ
* * *
فاسْتَصْعَبُواالسَّهلَ مُذ خارَتْ عَزائمهُمْ ***** مِنهم ولَو شَعَرُوا بالعَزْمِ ما وَجَموا
وكذَّبوا صَلَفاً ما قد جَنَتْ يدهُم ***** واللهُ يَعلمُ أنَّ الكاذِبينَ هُمُ
وكيفَ يَنْصَبُ من في غَيره نَصَبٌ ***** وكيفَ يألَمُ مَن في غَيرهِ الألمُ
وكيفَ يَقنَعُ من في نَفسِهِ شَرَهٌ ***** وكيفَ يَشْبَعُ مَن في طَبْعِهِ النَّهَمُ((1))
فقد نظم قصيدة رثى ولده الذي توفّي بصورة فجائية فقال :
بينَ نَشرِ الدُّجَى وطيِّ النَّهارِ ***** سَبَقَ الشَّمسَ لِلمَغيبِ هَزاري
فَرَّ مِن وَكْرِهِ وقَدْ حَضَنَ اللَّيــ ***** ــلُ ذَواتِ الأطْواقِ في الأوْكارِ
أيُّها الطَّائِرُ المُغَرِّدُ في الدَّا ***** رِ صَباحاً كعادَةِ الأطْيارِ
ليتَ شِعْري ماذا أهاجَك حتّى ***** رُحْتَ لم تنْتَظِرْ ضِياءَ النَّهارِ؟
بَينما كنتَ بَينَنا باسِمَ الثَّغْــ ***** ـرِ وَخَدَّاكَ زَهْرَتا جُلَّنارِ
* * *
فاجأتْكَ المَنُونُ والعَينُ مِنَّا ***** تَرقَبُ الاُفْقَ ساعَةَ الإفطارِ
كسِراج لمَّا تَلاْلاََ نُوراً ***** أطْفَأتهُ عَواصِفُ الأقْدارِ
لم تُصدِّقْ هَولَ الفَجِيعَةِ نَفْسِي ***** واخْتِلاسَ الحِمامِ قُمْرِيّ داري
وإذا فُوجيءَ امْرُؤٌ بِمُصاب ***** مالَ للشَّكِّ فيهِ والإنْكارِ
ما ظَنَنَّاكَ أنْ تَمرَّ عَلينا ***** كمرورِ النَّسيمِ في الأسْحارِ
أو كَفَصْلِ الرَّبِيعِ قد أَبْهَجَ العَيْــ ***** ـنَ بأيّامِهِ اللِّطافِ القِصارِ
غَدَرَ الدَّهرُ بي عَليكَ فَلمّا ***** لُذْتُ بالصَّبْرِ خَانَني إصطِباري
أيُّها الحامِلُونَ لِلقَبْرِ دُرْجاً ***** مِن عُطُور أوْ باقَةً مِن بَهارِ
كفِّنوهُ بالوَرْدِ فهوَ أخُوهُ ***** واجْعَلُوا القَبْرَ سَلَّة من نُضارِ
لا تُهِيلُوا على الأقاحِي تُراباً ***** فَحرامٌ تَعَفُّرِ الأزْهارِ((1))
للاُزري قصيدة ميميّة يصف الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله) جاء فيها :
عُلاكَ يَقصُرُ عَن إدْراكِهِ الكَلِمُفَلا اللِّسانُ له حَولٌ ولا القَلَمُ
لم تَشْهدِ الأرضُ والأجْيالُ مِن قِدَم ***** إلاَّكَ مُعجِزَةً دانَتْ لَها الاُمَمُ
ولَم تَجِدْ آيةً كُبرَى سِواكَ بَدَتْ ***** لِلنَّاسِ في طَيِّها الأسْرارُ والحِكَمُ
تَمضي الدُّهُورُ ويَمضِي في تَعاقُبِها ***** جِيلٌ فَجيلٌ وأنتَ المُفرَدُ العَلَمُ
ما إنْ تَفكَّرتُ في ما نِلْتَ مِن عِظَم ***** إلاّ وشَطَّ بِفِكري ذلِكَ العِظَمُ
* * *
تَهيَّبَتْكَ القَوافي السّائراتُ مَعي ***** لِذا تَراها عَصَتْني وهيَ لي خَدَمُ
يا لَيلَةً قَرَّتِ الدُّنيا بِمَوْلِدِه ***** لَولاكِ ما لِلَّيالي القَدْرِ مُسْتَنَمُ
أسْفَرْتِ عَن خَيرِ مَوْلُود تَشرَّفَ في ***** مِيلادِهِ البَيْتُ والأرْكانُ والحَرَمُ
زانَ الوُجُودَ مُحَيّا منه فيك بدَا ***** وكانَ مِن قَبلِهِ الأوْلَى بهِ العَدَمُ
وَطلْعَةٌ كانَتِ الأيّامُ تَرْقُبُها ***** بِها اسْتَنارَ الدُّجَى وانْجابَتِ الظُّلَمُ
* * *
تَوَسَّمَتْ كلَّ سَعد فيهِ اُسْرَتُه ***** ولِلسَّعِيدِ عَلاماتٌ ومتَّسَمُ
فأكبَرَتْهُ لُؤَيٌّ وهوَ مُرْتَضِعٌ ***** وأعظَمَتْهُ قُرَيشٌ وهو مُنْفَطِمُ
وعادَ فِيهِمْ جليل القدرِ وهو فتىً ***** يَرُوقُهم مِنه حُسْنُ الخُلْقِ والشِّيَمُ
دَلَّت عَلى صِدقهِ فِيهمْ أمانتُهُ ***** وقلَّ مَن حدَّثَتْ عَن صِدْقِهِ الذِّمَمُ((1))
وعندما توفّي السيّد الأميني صاحب كتاب أعيان الشيعة((2)) رثاهُ الاُزري بقوله :
فقد الناس فيك ثبتاً إماماً ***** فلْيُعزّوا بفقدك الإسلاما((3))
فقدوا نفس مُصلح فيك حُرٍّ ***** لم يَدِنْهُ الثّنا ولم يخشَ ذاما
وأمين على الشريعةِ آلَى ***** قَدْرَ ما اسْتطاعَ أن يقيها السِّهاما
أيُّها المصلح العظيم وداعاً ***** مِثلما ودَّعَ الرَّبيعُ الغماما
شيَّعتْكَ القلوبُ حرَّى وكانتْ ***** مِن شجاها أن تستحيلَ ضِراما((4))
* * *
ومشتْ خلفك الجموعُ كسيل ***** ضاق عَرضُ الفضاءِ فيه ازْدِحاما
غَلبَ الصَّمتُ والخشوعُ عليهمْ ***** ومِن الصَّمتِ ما يفوقُ الكلاما
كان يحوي الإباءَ نعشُك والإخــ ***** ـلاصَ والزُّهدَ والتّقى والذِّماما
رفعوه أمامهم كلواء ***** أو كما في الصلاةِ كُنتَ الإماما
طوّقوه كأنّه الحجرُ الأسْــ ***** ــعدُ حَفَّ الحجيج فيه استِلاما
* * *
لستُ أنساك قابعاً في ظلام اللَّيــ ***** ــلِ والناس هاجعين نياما
وإذا بارك الإله حياة ***** زادها الشيب قوّة واعتزاما
واُقيمت مآتم لك فيه ***** سوفَ تحيي ذكراك عاماً فعاما
وسلاماً من مخلص لك يهديه ***** ولو بِتَّ في التراب رِماما((1))
توفّي الاُزري عام 1954 للميلاد.
وُلد في مصر سنة 1902م.
لو تحرّينا حياة الشاعر علي محمود طه يتبيّن لنا أنّ شخصيّته الأدبيّة ترجع في جوهرها إلى ملكاته أكثر ممّا ترجع إلى قراءاته، مع العلم أنّه «دخل مدرسة الفنون التطبيقيّة وتخرّج مهندساً»((2)).
وتعلّم اللغة الإنكليزية بالإضافة إلى اللغة الفرنسية.
يميل شعره إلى التجديد والتنويع للقافية في قصائده وفي استخدامه لنظام المقطوعة. إنّ أوّل دواوينه التي نشرها هو «الملاّح التائه»، ثمّ أخرج كتابه «أرواح شاردة»، وبعدها أصدر ديوانه «زهر وهجر» و«الشوق العائد»، وآخر دواوينه صدر بعنوان «شرق وغرب»، والذي خصّص قسماً منه للأحداث السياسية والقضايا الوطنية منها قصيدة «نداء الفداء».
لقدأطلق شاعرنا هذه الصيحة الغاضبة بعد ان أخرج العرب من ديارهم في فلسطين ليهبّوا من هذا السبات الذي شارك في صنع المحنة. لذلك استصرخهم لنجدة فلسطين حيث استخدم الشاعر عبارة «أخي» ليلفت انتباه سامعيه إليه، ثمّ يخبرهم بنبرة الاحتجاج والغضب بتجاوز الظالمين للحدّ، بعدها يُهيب سامعيه طالباً منهم أن يُترجموا هذا الجواب عملاً وكفاحاً، حيث يقول بقصيدته: «فجرّد حسامك من
غمده». فالدكتور طه حسين يصفه بكتابه بأنّه «شاعر مجيد، حلو الاُسلوب، جزل الألفاظ، وهو يحسن الوصف والتصوير»((1)).
بعكس الدكتور شوقي ضيف الذي يزعم «بأنّ عليّ محمود طه لم يكن صاحب نزعة فلسفيّة، وإنّما هو صاحب لغة شعرية تبعث الثورة في نفس سامعيه بألفاظها البرّاقة»((2)). وممّا جاء في قصيدته «نداء الفداء» حيث غليان المشاعر التي تمتزج فيها العاطفة والحميّة ثمّ تقديم النفس، فأمّا الحياة مع العزّ وأمّا الممات، فيقول :
أخي، جاوزَ الظَّالمونَ المَدَى ***** فحقَّ الجهادُ، وحَقَّ الفِدا
أتتركهُمْ يَغْصِبونَ العُروبةَ ***** مجدَ الأبوَّةِ والسؤددا؟
وليسوا بِغَيْرِ صليلِ السيوفِ ***** يُجيبونَ صوتاً لنا أو صدى
فجرِّدْ حسامَكَ من غمدِهِ ***** فليسَ لَهُ، بَعْدُ، أن يُغمدا
أخي، أقبلَ الشرقُ في اُمَّة ***** تردُّ الضَّلالَ وتُحيي الهُدى
* * *
أخي، أيُّها العربيُّ الأبيُّ ***** أرى اليومَ موعدَنَا لاالغَدَا
أخي، إنّ في القدسِ اُختاً لنا ***** أعَدَّ لها الذابحونَ المُدى
صبرنا على غَدْرهِمْ قادرينَ ***** وكنّا لَهُمْ قَدَراً مُرصدا
طَلَعْنا عليهمْ طلوعَ المنونِ ***** فطاروا هَباءً، وصاروا سُدَى
أخي، قُمْ إلى قبلةِ المشرقَيْنِ ***** لنحمي الكنيسةَ والمسجدا
* * *
يسوعُ الشهيدُ على أرضها ***** يعانقُ، في جيشهِ، أحمدا
أخي، إن جَرَى في ثراها دمي ***** وأطبقتُ فَوْقَ حصاها اليدا
ففتِّشْ على مهجة حُرَّة ***** أبَتْ أن يَمُرَّ عليها العِدا
وَقَبِّلْ شهيداً على أرضها ***** دعا باسمِها اللهَ واستشهدا
* * *
فلسطينُ يَفْدي حِماكِ الشبابُ ***** وجلَّ الفدائيُ والمُفتدى
فلسطينُ تحميكِ منّا الصدورُ ***** فإمّا الحياةُ وإمّا الرَّدى((1))
وُلد الشاعر محمّد مهدي الجواهري سنة 1903م في مدينة النجف الأشرف.
نظم الشعر في سنّ مبكر ثمّ أصدر جريدة الفرات ثمّ اُغلقت، وأصدر جريدة الرأي العام. دعاه الدكتور طه حسين إلى مصر سنة 1950، وقد ألقى قصيدته :
يا مصر تستبق الدهور وتعثر ***** والنيل يزخر والمسلّة ((2)) تزهرُ ((3))
الجواهري يعود إلى اُسرة عريقة في العلم والأدب والشعر، اكتسب شهرتها من باني مجدها العلمي الشيخ محمّد حسن صاحب كتاب جواهر الكلام.
ومن آثاره ديوانه (الجواهري) بأجزائه الضخمة، والتي طبعت عدّة مرّات،
والذي يحتوي على جميع الفنون والأغراض الشعرية، فأجاد في جميعها. كما ولُقِّب بشاعر العرب; ففي ديوانه كلّ ما تشتهيه الأنفس من ضروب الشعر وفنونه. فلو تصفّحنا ديوان الجواهري رأينا أنّ الشاعر يذكر منزلة الشهيد وكيف يكون شامخاً على مرِّ الأجيال، لذلك نرى قصيدة «يوم الشهيد» المثقلة بالجراح حين يقول :
يوم الشهيد تحيّة وسلام ***** بك والنضال تؤرّخ الأعوام
بك والضحايا العزيز هو شامخاً ***** علم الحساب وتفخر الأرقام
بك والذي ضمّ الثرى((1)) من طيبهم ***** تتعطّر الأرضون والأنام
بك يبعث الجيل المحتم بعثه ***** وبك القيامة للطغاة تقام
في كلّ منعطف تلوح بلية ***** وبكل مفترق يدبّ حمام((2))
وله قصيدة بعنوان «شكوى وآمال» تطرّق فيها إلى الهموم واللوعات التي كان يقاسيها فيقول فيها :
اُعاتب فيكَ الدهرَ لو كان يسمعُ ***** وأشكو الليالي، لو لشكوايَ تسمعُ
أكلُّ زماني فيك همٌّ ولوعة ***** وكلُّ نصيبي منك قلب مروَّع
ولي زفرة لا يُوسع القلبُ ردّها ***** وكيف وتيارُ الأسى يتدفع
أغرَّكَ منّي في الرزايا تجلُّدي ***** ولم تدرِ ما يُخفي الفؤاد الملوَّع
خليلي قد شفَّ السُّها فرطُ سُهْدها ***** فهل للسها مثلي فؤاد وأضلع
كأنّي وقد رمت المواساةَ في الورى ***** أخو ظمأ منّاهُ بالورد بلقع((3))
كأن وُلاةَ الأمر في الأرض حَرَّمت ***** سياستُهم أن يجمع الحرّ مجمع
كأنّ الدراري حُمّلت ما اُبثّه ***** إلىالليل من شكوى الأسى فهي ضُلَّع ((1))
كذلك له قصيدة «يا شعب» جاء فيها :
زَعَموا التَّطرُفَ في هواكَ جهالة ***** أكذا يكون الجاهل المتطرّفُ
هذا فؤادي للخطوب دريئة((2)) ***** وأنا المعرَّض فيكُمُ فاستهدفوا
أمّا هواكَ فذاك مِلءُ جوانحي ***** تحنو على ذكراك فيه وتكلّف((3))
يا شعر نُمَّ على الشعور فكم وكم ***** نمَّت على زُمَرِ العواطف أحرف((4))
ألقى الجواهري قصيدته «آمنت بالحسين» قبل نصف قرن تقريباً كُتب خمسة عشر بيتاً منها بالذهب على الباب الرئيس الذي يؤدّي إلى الرواق الحسيني، جاء فيها :
فِداءً لَمثواكَ مِنْ مَضْجَعِتَنوَّرَ بالأبلَج الأروَعِ((5))
بأعبقَ من نَفحاتِ الجِنا ***** نِ رَوحاً، ومن مِسكِها أضوعَ((6))
ورَعياً ليومِكَ يومِ الطُّفوفِ ***** وسَقياً لأرضِكَ مِن مَصرَع((7))
وحُزناً عليك بحَبْسِ النُّفوسِ ***** على نهجِكَ النَّيرِ المَهْيَع((1))
وصَوتاً لمجِدكَ مِنْ أنْ يُذالَ ***** بما أنتَ تأباهُ مِن مبدَع((2))
فيا أيُّها الوِتْرُ في الخالديــ ***** ــنَ فَذّاً، إلى الآنَ لم يُشْفَع
* * *
ويا عِظَةَ الطَّامحينَ العِظامِ ***** لِلاهينَ عن غَدِهمْ قُنَّع
تعاليتَ مِن مُفْزِع للحتُوفِ ***** وبُورك قبرُكَ مِن مَفْزَع
تلوذُ الدُّهُورُ فمِنْ سُجَّد ***** على جانبيه ومِنْ رُكَّع
شَممتُ ثَراكَ فهبَّ النسيمُ ***** نسيمُ الكرامةِ مِن بَلقع
وعفَّرتُ خدّي بحيثُ استرا ***** حَ خدِّ تفرَّى ولمْ يَضرَع
وحيثُ سنابِكُ خيلِ الطُّغا ***** ةِ جالتْ عليهِ ولم يَخشع
* * *
تعاليتَ مِنْ صاعِق يلتظي ***** فإنْ تَدْجُ داجيةٌ يَلمع
تأرّمُ((3)) حِقداً على الصاعقاتِ ***** لم تُنْءِ ضيراً ولم تَنْفَعِ
كأنّ يداً من وراء الضريــ ***** ــح حمراء مبتورة الاصبع
تمدُّ إلى عالم بالخنو ***** ع والضيم ذي شرق مترع
فيابنَ «البتولِ» وحَسْبي بها ***** ضَماناً على كلّ ما ادَّعي
ويابنَ التي لم يَضَعْ مِثُلها ***** كمِثلِكَ على كلّ ما أدَّعي
* * *
ويابنَ التي لم يَضَعْ مِثُلها ***** كمثِلِكَ حَملاً ولم تُرْضِع
ويابنَ البطينِ بثلا بطنة ***** ويابن الفتى الحاسرِ الأنزَع((1))
و يا غُصْنَ «هاشِمَ» لم ينفَتِحْ ***** بأزهرَ منكَ ولم يُفْرِع((2))
ويا واصِلاً مِن نشيدِ «الخُلود» ***** خِتامَ القصيدةِ بالمطلع
تَمثَّلتُ يومَكَ في خاطري ***** وردَّدت صوتَكَ في مَسمعي
ومَحَّصتُ أمركَ لم «اُرتَهبْ» ***** بنقلِ «الرُّواة» ولم أخدَع
* * *
وقلتُ: لعلّ دويَّ السِنين ***** بأصداءِ حادِثِكَ المُفْجِع
وما رتَّلَ المُخلِصُونَ الدُّعا ***** ةُ مِن «مُرسِلينَ» ومن «سُجَّع»
اُريدُ «الحقيقةَ» فى ذاتِها ***** بغيرِ الطبيعةِ لم تُطْبَع
وجدتُكَ في صُورة لم اُرَعْ ***** بأعظَم منها ولا أرْوَع
وماذا! أروعُ مِنْ أن يكو ***** نَ لحمُكَ وَقْفاً على المِبْضَع
وخيرَ بني «الاُمّ» مِن هاشم ***** وخيرَ بني «الأب» من نُبّع
* * *
وخيرَ الصَّحاب بخيرِ الصدو ***** رِ، كانوا وِقاءكَ، والأذْرع
وآمنت إيمان من لا يرى ***** سوى العقل في الشكّ من مرجع
بأنّ (الإباء)، ووحيَ السماء ***** وفيضَ النبوَّةِ، مِن مَنْبع
تجمَّعُ في (جوهر) خالص ***** تَنَزَّهَ عن (عَرَضِ) المَطْمَع((3))
![]() |
![]() |
![]() |