وقال راثيا عبد اللّه بن شبيب البغدادي، ومعزِّيا أخاه محمدا:
يـا رواق الـعُلى فـقدت iiوقورا ألـف الـحلمَ واصـطفاه iiسميرا
فـيك قـد أسكت الردى منه iiفحلا طـالما قـد مـلا الـندىَّ iiهديرا
وأرانـا الـفتورَ فـي جفن iiصلٍّ حـين أرخـى الجفونَ منه فتورا
إنـما أنـت غـابُ عّزٍ iiأصابت أسـهمُ الـحتف منك ليثا iiهصورا
قـد تـخّلى سـرادقُ المجد iiممّن تـخـذ الـعزَّ حـاجبا iiوخـفيرا
قـبروا منه في الصعيد أخا iiالسي يـف لسانا عضبا وعزما iiطريرا
وغــدا يـنشرون مـنه iiمـزايا كـلُّ نـادٍ بـها يـضوع عـبيرا
يـا لـها عـثرة جـنتْها الـليالي عـاد جـدُّ الـفيحاء فيها iiعثورا
نـكـبةٌ صـغَّرت جـميعَالرزايا كـان ذنـب الـزمان فيها iiكبيرا
قــلْ لـفـيحاء بـابلٍ iiكـابديها لـوعةً فـي القلوب تبقى iiدهورا
واطـيلي الـعويلَ حزنا على iiمَن ردَّ بـاعَ الايـام عـنك iiقـصيرا
كـان فـيه بـك الـهجيرُ iiأصيلا فـأعيدي لـه الاصـيلَ iiهـجيرا
بـزفيرٍ يُـحمى بـه التربُ iiحتى تـطأ الـتربُ مـن لـظاه سعيرا
يـا دفـينا عـلى ثـراه iiالمعالي تـركت قـلبها يـكوس iiعـقيرا
وسّــدوا خـدَّك الـكريم iiبـلحدٍ عـاد فـي طـيبه ثـراه عطيرا
حـقَّ لي فيكَ أن اعزِّي القصورا واهـنّـىبك الـثرى iiوالـقبورا
هــذه أظـلمتْ لـفقدك iiحـزنا وغـدت تـلك فـيك تشرق iiنورا
قـد عـددناك فـي الجبال iiولكن لـم نـخل قبل سيرها أن iiتسيرا
بـك لـم يـرفعوا سـريرَك iiإلاّ ولـك الـحورُ قد نصبن السريرا
لـم أخـل قـبل ان أراك iiدفـينا ان مـلـحودةً تــوارى ثـبيرا
إن تـفـرغت لـلبلى iiفـلعمري مـن أعـاديك قد ملات iiالصدورا
أو طـواك الـردى فـذكرك iiباقٍ لـيـس يـنفكُّ طـيبا iiمـنشورا
لـك لـولا ((مـحمدٌ)) أيُّ iiثـلمٍ فـي الـعُلى سـدُّه يكون iiعسيرا
قـطبُ مـجدٍ كفاه إنَّ رحى iiالحمد عـلى غـير قـطبها لـن iiتدورا
كـم جـلا لـلعيون طـلعة iiوجدٍ طـبعت فـي السما الهلالَ المنيرا
أســر الـحـلمُ نـفسه iiوسـواه لـهوى الـنفس لا يـزال iiأسيرا
مـاجـدٌ يـنـقل الـمكارمَ لـكنْ وارث لا كـغـيـره iiمـسـتعيرا
فـهـو يـروي مـرشحا لـبنيه عــن أبـيه حـديثها iiالـمأثورا
ألـمـعيُّ بـغـوره سـبر iiالـده رَ ومـا كـان غـورُه iiمـسبورا
ولـكم راض صـعبةً لـو iiسواه راضـها رأيـه لـزادت iiنـفورا
حـلَّ دارا لـلمجد لـم تلد iiالعليأُ فـيـها إلاّ الابــيَّ iiالـغـيورا
لـكِ يـا دار مـا وجـدنا iiنظيرا زدتِ فـضلا عـلى الديار iiكثيرا
شـادكِ الـماجدُ الاغرُّ ii((شبيبٌ)) لـلمعالي وفـيك أسـنى الحبورا
وبـك اسـتودع الـنهى من iiبنيه أرحب الناس في الخطوب صدورا
فـاخرى الـزهرَ كـلَّها iiبـوجوهٍ زهـرت فـي العُلى فكانت iiبدورا
واسـتطيلي عـلى الاثـير iiبقومٍ شـرفا صـيَّروا ثـراك iiالاثـيرا
مـعـشرٌ كـلُّهم عـرانين iiمـجدٍ يـنشر الـحيُّ مـنهم iiالـمقبورا
فـلهم مـن ((محمدٍ)) شمسُ فخرٍ كـلما اسـتحجبت تـزيد iiسفورا
يـا قـريع الـزمان عزما iiوحزما وذكـا الـمجد بـهجةً iiوسـفورا
وقال راثيا أحدهم وقد سأله بعض الاشراف:ـ
أأحـبـابنا هــل عـائد بـكم الـدهرُ طـواكم وعـندي مـن شـمائلكم iiنشرُ؟
ســلامٌ عـلـى تـلك الـمحاسن إنـها مـضت فـمضى في إثرها الزمن النضرُ
لـعمري لـئن قـد أقـفر الـجزعُ iiمنكم فـربع الاسـى مـن بـعدكم طـللٌ iiقفر
أشــاق الـيـكم كـلـما عـنَّ iiبـارقٌ وآيــةُ شـوقي أنَّ دمـعي لـه iiقـطر
ولا أنــشــق الارواحَ إلاّ iiغــلالـة لـتبردَ أحـشائي وهـل يـبرد iiالجمر؟
وكـنت أعـدُّ الـهجرَ لا شـيء iiفـوقه إلـى أن أتـى مـا هان من دونه iiالهجر
فـأصـبحت لا أعـلامُ سـلع iiتـشوقني ولا يـتصبّاني بـها مـا حـوى iiخـدر
وكـيـف وفـقـدان الـشباب iiفـقدتكم؟ وتـلـك حـيـاةٌ لا يُـحبُّ لـها iiعـمر
ولـمـا تـجـاذبناكمُ أنــا iiوالــردى رجـعت بـرغمي عـنكم ويـدي صفر
وكـم مـنكم مـن واضح الوجه ادرجتْ لـه صـورةٌ فـي الـبُرد لم يحكها iiالبدر
وكـافورةٍ لـلحسن أضـحت iiبـزعمهم تـعـطَّر بـالكافور وهـي لـه عـطر
لـي اللهُ بـعد الـيوم مـن لـي iiبقربكم وأبـعدُ غـادٍ مـن أتـى دونـه iiالـقبر
قـفـوا زوِّدونــا إنـما هـي iiسـاعةٌ ووعـد الـتلاقي بـيننا بـعده iiالـحشر
رحـلتم وقـلبي شـطرُه فـي iiظـعونكم ولـلوجد بـاقٍ مـنه فـي أضلعي iiشطر
وشـيَّـعتكم والـدمـع يــومَ نـواكـم غـريـقان فـيه خـلفكم أنـا iiوالـصبر
وأعـهدُ خـصرا يـشتكي ثـقلَ ردفـه فوا رحمتا تحت الرشا(759) لك يا خصر
ولـمـا وقـفـنا لـلـفراق iiوقُـرِّبـت حـمـولةُ بـيـنٍ لا يـكلُّ لـها iiظـهر
ربـطت بـكفيَّ الـضلوع عـلى iiحـشا تـكـاد خـفوقا أن يـطيرَ بـها الـذعر
كــأنَّ نـياط الـقلب شـدَّت iiحـمولكم بـه، وبـكم عـنّي مـذ انـفصل iiالسفر
فـكم خـلفكم لـي أنـةٌ مـا لـوت iiبكم عـلى أنـها قـد لان شجوا لها iiالصخر
سـأبكيكم مـا نـاح فـي الـوكر iiطائرٌ فـطـائرُ قـلـبي بـعدكم مـاله iiوكـر
___________________________________
759 هكذا وجد بالاصل، والبيت لم يثبت في المطبوع.
وقال راثيا الشيخ محسن مصبِّح ومعزيا ولده الشاعر الشيخ حسن(760) مصبّح:ـ
بـكيت لـمحمولٍ إلـى القبر فى iiنعشِ سرى حاملوه في الثرى وهو في العرش
نـعاكَ لـي الـناعي فـقلت حشاشتي عـليها انطوت أنياب أفعى من iiالرقش
وقـد كـنت أرجـو أن اهـنِّيك iiبالشفا فـأصبحت انـشي في رثائك ما iiانشي
ومـا خـلتُ أنّ الـدهر فـيك iiمخاتلي يـراصـدني سـرا بـغائلة iiالـبطش
إلـى أن رأت عـيني سريرَك iiوالعُلى عـلى إثـره تـكلى وتـعلن iiبالجهش
فـلم أرَ لـي مـن حـيلة غـير iiأنني نـظرتُ الـيه مـذ نأى نظر iiالمغشي
كـأنّ الـذي بـالافق نـعشُك iiسـائرا وطـرفي الـسهى والحاملون بنو iiنعش
مـشت خـلفك الـتقوى تشيّعُ iiروحها ومـن غـير روح من رأى ميتا iiيمشي
بـكتك وظـفرُ الـوجد يـخدش iiقلبها فـمدمعها الـمحمرُّ مـن ذلـك iiالخدش
لـئن كـنتَ فـيما تـبصر العينُ iiثاويا بـدار الـبلى فـي ذلك الجدث iiالوحش
فـانّـك عـنـد الله حــىُّ iiمـنـعَّمٌ لـديه عـلى تـلك الـنمارق iiوالفرش
ولـولا ابـنُك الـزاكي لادمـي iiتأسفا عـليك الـتقى كـفيه بالعضِّ iiوالنهش
ولـكـن رأى والـحـمد لـلّه iiبـاقيا له ((حسنٌ)) فاختار ما اختار ذو iiالعرش
فـتىً حـنيت مـنه عـلى قلب iiخاشعٍ جـوانحُ ذي نـسكٍ سـلمن من iiالغش
فـما يـنطق الـفحشأَ مـذودُ iiفـضله ولا سـمعُ تـقواه يـعي قـولة iiالفحش
تـعاهد غـيثُ الـعفو مرقد ((محسنٍ)) يـبلُّ ثـرىً واراه رشـا عـلى iiرشِّ
___________________________________
760 هو الشيخ حسن بن محسن بن حسين الشهير بمصبح الخلي، من مشاهير شعراء عصره، ولد
في الحلة عام 1246 هـ وتوفي بها عام 1317ه ترجمت له في كتابي ((شعراء الحلة)) ج 1
ص 288 ـ 320، ط 1، وص 350 ـ 403، ط 2.
وقال راثيا الحجة الاكبر الشيخ مرتضى الانصاري(761) ومعزيا العلامة السيد مهدي
القزويني:ـ
مَـن حـطَّ هضبتك iiالرفيعه وأبـاح حـوزتك iiالـمنيعه؟
وطــواك والـتقوى iiبـقبرٍ ضــمَّ جـسمك iiوالـشريعة
وأعــاد مـلَّـة ii((أحـمدٍ)) ثـكلى وذات حـشا iiوجـيعه
تـنـعاك واضـعـةٌ عـلى ظـهرٍ أجـبَّ يـدا قـطيعه
يــا راحـلا بـالعلم iiتـن قـله عـن الـدنيا iiجـميعه
ومـوسَّـدا فــي iiتـربـةٍ بـات الـصلاحُ بها iiضجيعه
كـنـت الـذريـعة iiلـلهدى والـيـوم بـعدك لا iiذريـعه
إن الــورى فــي iiفـترةٍ عـمياء لـيس لـها iiطـليعه
تـرتـاد مـثـلكَ iiسـابـقا بـين الـحسيرة iiوالـضليعه
مـا كـان أحـوجها iiلـطبّك أيـهـا الـراقـي iiالـلسيعه
فـاذهب فـلم تـصلحْ iiلمث لـكَ هـذه الـدنيا iiالخدوعه
فـلها دخـلتَ وأنـت محمو دُ الـسـجـيّة iiوالـطـبيعه
وصـحـبـتها iiبـجـوارحٍ عـصمت لـخالقها iiمـطيعه
وخـرجت مـنها طـاهر iiال أبــراد مـشكور الـصنيعه
فـلـتبك مـفـقدكَ iiالـورى يـا نـيّرا فـقدت iiطـلوعه
ولـنـستر الـهـلاكُ iiخـلَّ تـهـا ولا تـشكو iiالـقطيعه
قـد فـاتها الـعينُ iiالـبصير ةُ مـنـك والاُذن iiالـسـميعه
كـانت تـرى بـك مـن iiأما مـك غـرَّ أوصـافٍ iiبديعه
قــد راض نـفسك زهـدُه فـغـدت بـقرصيه iiقـنوعه
وبـلـبس طـمريه iiاكـتفت فـاستشعرت بـهما iiخشوعه
وصـنعتَ إذ كـنت iiالامـين عـلى الـحقوق بـها صنيعه
ورأيــتَ فـيـها iiرأيــه لـما لـديك غـدت iiوديـعه
فـلـذا بـها سـاويتَ iiعـا لـية الـنفوس مع iiالوضيعه
والان قـد ضـاقت iiلـرزئ ك في الورى الارض الوسيعه
عــادت كـيـوم iiوفـاتـه لــك ذات أحـشأٍ iiصـديعه
هــذي الـفـجيعةُ جـددتْ أحـزانـها تـلـك الـفجيعه
خـفض عـليك أخـا iiالعزاء وسـكّن الـنفسَ iiالـجزوعه
فـالدينُ ((بـالمهديِّ)) iiكـف كـف فـي تـسليّه iiدمـوعه
هـذا إمـامُ الـعصر مـفزع كــلِّ ذي كـبـدٍ iiمـروعه
هـو صـارعُ الاعـداء iiنـا عـش كلّ ذي نفسٍ iiصريعه
إنْ تــدعُــه iiلـمـلـمَّةٍ جــاءت كـفايتُه iiسـريعه
فـتراه يـكتمه ويـأبى iiالـلّ هُ إلاّ أن يـــذيـــعــه
يــا مـن يـساميه iiوراءك عــن مـعـاليه iiالـرفيعه
أتـعبت نـفسك فـي iiتـكل ف مـا الـذي لـن iiتستطيعه
مـولىً هـو الـبحرُ iiالمحيط بـكـل مـكـرمةٍ iiبـديـعه
نـشـأت بـنـوه iiسـحائبا أضـحت بـها الـدنيا مريعه
فـاذا ثـرى الارض اقـشع رَّ أديـمـه كـانـوا ربـيعه
ولـدتـهـمُ امُّ iiالـفـخـار بــدارة الـحسب iiالـرفيعه
(نـسـبٌ عـقـدن اصـوله بـذوائـب الـعليا iiفـروعه)
يـا أيـها الـخلفُ iiالـمشيّد لـلـهدى فـيـنا iiربـوعـه
والـمـسـتجار iiبـركـنـه فــي كـلِّ نـازلةٍ iiفـظيعه
فـلانت بـعد ii((المرتضى)) نـعـم الـبـقيّة iiلـلشريعه
وحــدا نـسيمُ الـعفو iiسـا جـمُ غـيثه فمري iiضروعه
وسـقى ثـرى جـدثٍ iiأقـا م مـجـاورا فـيـه شـفيعه
___________________________________
761 هو العلم الجهبذ الشيخ مرتضى بن محمد أمين بن مرتضى بن شمس الدين الانصاري،
أشهر مشاهير فقهاء عصره، واليه انتهت رئاسة الدين ورجع اليه الملايين من المسلمين.
وكان مضرب المثل في الزهد والورع، والتقى ومعرفة اللّه عزّ وجلّ. ولد عام 1214 هـ
وتوفي 18 جمادي الثانية 1281 هـ، ورثاه الكثير من شعراء عصره، ومنهم الشيخ أحمد بن
صالح البحراني، والشيخ صالح الكواز، والشيخ علي الجاسم الحلي، والشيخ محمد الملا
الحلي.
|