ديوان السيد حيدر الحلي- الجزء الثاني

 
 

عـذُبـت  مـقـالتها iiفـمـا      أحـلـى الـغـداة iiمـذاقـها
إنّــى  رأيـتُ ii((مـحمدا))      فـضُـلَ الانــام iiوفـاقـها
فــات  الافـاضـلَ iiلاحـقا      حـتـى  شــأى iiسـبّـاقها
ورقـى  مـعارج مـا iiامتطى      أحـــدٌ ســواه iiبُـراقـها
مـا زال يـخرق مـن iiسـما      وات الـعـلـوم iiطـبـاقـها
حتى  لقد
(822) ضربتْ iiعلى      الـسـبع الـطـباق iiرواقـها

وغــدت لـخدمة سـعده iiال      جــوزا  تـشـدُّ iiنـطـاقها
هــذا  الـذي راقـته iiأبـكا      رُ الــعــلاء iiوراقــهـا
بـمـنـاقبٍ غــرّ iiأهــلّ      تــهـا  أمــنَّ iiمـحـاقها
زهرت  سمأُ الفضل
(823) iiلم      ّا  زيَّــنــت آفــاقـهـا
يــا مــن لـحلبة iiفـضله      أجــرى يــروم لـحـاقها
[قـف  حـيث أنـت iiوخـلّ      مـحـرزة الـمدى iiوسـباقها

قــد أحـرز الـغايات iiمَـن      أجــرى  لـهـنَّ عـتـاقها
فـإلـيك  عـن لـججٍ iiنـهي      ينَك أن تخوض عماقها]
(824)
هــذي  رسـائـله فـقـف      مـتـصـفـحا iiأوراقــهـا
تـرَهـا  عـقـائل iiفـكـرةٍ      أخــذ  الـنـهى iiمـيـثاقها
وحـدائـقا  فـيـها iiالـمـعا      لــي نـزَّهـت iiأحـداقـها
وشــدت  بـها ورقُ iiالـثنا      مـذ
(825)  شـاهدت iiايراقها
وتـلـذذ الــذوقُ iiالـسـليم      بــهـا  عـشـية iiذاقـهـا

___________________________________

822 وفي مخطوطة الاصل:
حتى له ضربت بأفـ     ـنية النجوم رواقها
823 في مخطوطة الاصل: العلم.
824 الابيات الثلاثة لم تثبت في المطبوع.
825 في المطبوع: اذ.

ولعمري إن هذه الرسائل، المزرية بنورَ الخمائل، كلها آيات فضلٍ مبهره، قد تنزلت من سماء فكرةٍ نيّره، أينما تليت فهي تشهد، أنها معجزات من هو كاسمه محمد، ولا ملامة، إن قلت: ختم به العلم أفاضله وأعلامه، فإنه علامّة العصر بل نسيج وحده، وزينة جيد الدهر بل واسطة عِقده، ومركز دائرتي المناقب والمآثر، وجمّاع سلسلتي المحامد والمفاخر، ولقد حلّ من أفاضل الزمن، محل الروح من البدن، وكفى بمؤلفاته الاخذة بأطراف الفضل، شاهدا وناهيك بها شاهد عدل، فلنمسك عنان المقال عن الثناء عليه، ببنان الدعاء له في نموّ أغراس نعم اللّه لديه، فالشمس غنيَّة بإشراقها، وحسب الحمائم زينة بأطواقها، (وهل ينفع التحجيل من هو أشهب).

وقال مقرظا (الرحلة المكية) منظومة العلامة الشيخ محمد حسن كبه:

طـرح  الـدهرُ في حمى المجد iiرحله      عـنـد  مـولىً يـميرُه الـيوم iiكـلَّه
ولـدتـه الـعُـلى وآلــت بـأن iiلا      تـلدَ الـدهرُ فـي بـني الـدهر iiمثله
سـيـفُ عّــزٍ لـقد تـقلَّده iiالـمجدُ      وبـالـجود  أحـسن الـفخر iiصـقله
مـلـكٌ  تـطلِع الـعُلى مـنه iiبـدرا      فـي عـيون الـحواسد اشـتبَّ iiشعله
أفـرشـته  الـخـدود مـنهم iiولـكن      حـسـدت فـوقـها الـكواكبُ iiنـعله
لـم يـعب مـن خـصاله الـغرّ iiشيٌ      غير بشرِ ينسي
(826) به الضيف أهله
خـفـر الـناسُ ذَّمـة الـجود iiلـكن      حـسنُ  الـفعل قـد رعـى اليوم iiألّه
وحَّــد الـمدح مـنه لـلفضل iiربَّـا      والـثـنا فـي سـواه يـحمد iiعـجله
درجـت فـي الـعُلى أمـاجدُها iiالـغ      رُّ  وكـانـوا شـيخ الـعلاء iiوكـهله
ثـمّ أبـقت ((مـحمدا حـسن)) iiالفعل      عـلـى فـخـرها بـهـا مـسـتدّله
ولـعـمري لا يـكمل الـفخرُ iiحـتى      يـصف  الـفرع طـيبا لـك iiأصـله
فــي  لـسان الـثناء رحـلة نـدبٍ      كـلُّ يـومٍ لـه إلـى الـفخر iiرحـله
وصـفَ  الـبيد كـيف أنضى المطايا      فـطـوى رحـبـها لـينشر iiفـضله
يـا  مـباري الـصَبا بـصُغرى iiبنانٍ      بـالـعـطايا  سـمـاؤها iiمـسـتهلَّه
عـجبا يـبتغي عُـلاك ابـنُ iiنـقصٍ      مـا حـوى مـن خصالك الغرّ iiخصله
رفـعـت  قــدركَ الـمعالي iiعـليه      فـلـها  أنـت عـمدةٌ وهـو iiفـضله
وقـــوافٍ مـنـظـومةٍ iiلـقـبوها      رحـلةً  حـطَّ عـندها الـشعر iiرَحله
مـنـك ألـفـاظها مـجـاجة iiمـسكٍ      مُـزجـت حـلـوةً بـشـهدة iiنـحله
كـم  جـلت لامـريٍ عـقيلة iiمـعنىً      أمـهـرتها يــدُ الـتـعجب iiعَـقله
لـيـت مـن مـقلتي بـدت iiبـسوادٍ      فـي بـياضٍ لـكن بـخط (ابن iiمقله)
كـلماتٌ فـي وصـف حـجّكَ iiجاءت      كـعـطاياك فــي الـمكارم iiجـزله
قــد  روتــه لـنـا فـناديت iiأرّخ      (حـيّ حَّـجا يـتلو مـساعٍ iiبـرحله)

___________________________________

826 في المطبوع: ينمي.

وقال مقرظا كتاب العلامة الميرزا محمد الهمداني:

هـو  طِـرسٌ أم خـدُّ عذراء iiتُجلى      خـطَّ فـيها الابـداعُ مـا كان iiأملى
وسـطـورٌ  تــلالات أم ثـغـورٌ      مـن  غـوانٍ يـبسمن زهـوا iiودلاّ
بـل  كـتابٌ ((مـحمدٌ)) جـاء iiفيه      بـلسان  الاعـجاز فـي الناس iiيُتلى
لا تُـشـبّـه عـقـوده iiبـفـصولٍ      نـاعـماتُ  الـصـبا بـه iiتـتحلَّى
فـمـن الــدرّ نـظم كـلٍ ولـكن      دّر هذي الفصول أحلى وأعلى
(827)
إن تـصـفّـحته بـعـقلٍ iiتـجـده      كـيف  يـهدي لـمن تـفهّم iiعـقلا
يـا  صـناع الـيراع بل يا إمام iiال      حـرمين اسـتطل على الناس iiفضلا
إنَّ مـن بـعض مـا بـنانك iiخطّت      ه  كـتـابا حـوى الـمحاسن iiكـلا
ولـدتـه رويّــة لــك iiيـقـظى      إنـها لـم يـلد لـها الـدهرُ iiمـثلا
غـير بـدعٍ اذا تـحلّى بـه iiالعصرُ      فـأنت الـسيفُ الـصقيل iiالـمحلّى
بــل ذكـاء الـهدى واقـسمُ حـقا      بـنـهارٍ  لـلـفضل مـنك iiتـجلّى
إن هــذا الـكـتاب روض فـنونٍ      يـجتنى مـثمرا كـنانا iiونبلا
(828)
ظــلُّ أوراقــه الـنهى iiفـتصفح      نـا  عـليها مـنثور لـفظك iiطـلا
فـنـظمنا لــه وقـد راق iiحـسنا      عـقد مـدحٍ وكان للمدح iiأهلا
(829)
فـشـممنا  ريـحـانة الـنُقل مـنه      وهـجـرنا ســواه إذ كـان iiبـقلا

___________________________________

827 في المخطوطتين: أعلى، كما في المطبوع أيضا، ولعلها: أغلى.
828 في المطبوع: كمالا ونبلا.
829 في مخطوطة الملا: أحلى.

متفرقات

قال رحمه اللّه هاجيا:

اكرّر الطرف(830) لا أرى أبدا      إلاّ غـبـيّـا أنــى iiتـلـفَّتُ
مـن  كـل مَـن ذقُنه ii(كعانته)      والـفـمُّ مـنـه كـأنه iiاسـتُ
ومـعـجبا كـلُّ مـشيه مَـرجٌ      ومـتـرفا كـلُّ أكـله iiسـحتُ

___________________________________

830 في المطبوع: اكرر طرفي فلا أرى أبدا.

وقال:

وحشٌ من الانس من يعلق بصحبتم     يكنْ كمستبدلٍ سقما بصحته

كأنني بينهم مسكٌ أحاط به     ريحُ البطون فأخفى طيبَ نفحته

وقال:

كم تراني أستولد الاوقاتا     فرجا في انتظاره الصبرُ ماتا

واذا هبَّت الحظوظ فحظّي     يقطعُ الليلَ والنهار سباتا

وقال يهجو أهل زمانه:

ما أكثر الناس لولا أنهم بقرٌ     تأتي المثالب أفواجا اذا ذكروا

لو شام آدم بعضا من فضائحهم     لما أحبَّ له أن ينسبَ البشرُ

وقال:

إن يبلغنَّك عن جود امرى‌ء خبر     فكذَّب السمعَ حتى يشهد البصرُ

ولا يغرُّك إن راقت ظواهره     فربَّ دوحٍ نضيرٍ ماله ثمر

وقال هاجيا بعض الناس:

أفلان لا تبغي الثناء فما     لكَ في الثنا من نعمةٍ تُجزى

إن الذي يثنى عليكَ كمن     دون المهيمن يعبد الرجزا

وقال هاجيا بعض الشعراء:

فويلُ القريض لقد أصبحتْ     به أغبياء الورى تدَّعى

بقيةُ عارٍ دنىِّ الهجاء     ترفَّع عن قدرها الاوضع

وقال مشيرا إلى زيارة أحد أصدقائه في ليلة هبت فيها عواصف ورياح(831):

سعدت من عشيّة زار فيها     قمرُ المجد ربعنا فأضاءا

وأظن الرياح قد حسدتنا     فهي وجدا تنفسَّ الصعداءا

___________________________________

831 لم يثبت البيتان في المطبوعتين.

وقال يصف خيمة ضربت لمأتم الامام الحسين (ع) والفرش في دار العلامة السيد مهدي القزويني في العشرة الاولى من شهر المحرم:

أهـذا  نـبيُّ الـهدى iiأحمدُ      وهـذا  الذي ضمَّنا iiالمسجدُ
مـن الـدمع محمرَّةٌ iiأرضه      وسـقف  الـسماء به iiأسودُ
وجبريل إذ قام ينعى الحسين      وتـبكي  الـملائك إذ iiتنشدُ
نـعم  وأبـيك بـها iiأحـمد      وأمـلاك ربّ الـسما iiتشهدُ
فـما عذر عينكم في iiالجمود      وعـين الـملائك لا تـجمد

وقال وقد التمسه بعض الرؤساء أن يعمل تلغرافا إلى النقيب وهو في استانبول:

ليت منّي نياط قلبي إلى قسطنط      يـن يـمتدُّ من أقاصي iiالعراق
فـيؤدي الـيك أضـعاف ما أدَّ      يـت  بـالتلغراف من iiأشواقي
أنـت بدر العُلى فما برحت iiفي      ك الـيـنا مـضـيئة iiالافـاق
فـعلى الـبدر نـالنا منك ما ن      لـنا  على البعد منك iiبالاشراق

وقال في كتاب كتبه لبعض الاكابر:

قــل لـلـنسيم وقـد iiسـرى      سـحـرا  بـأنـفاسٍ iiرقـيـقه
يــا مـشـبها عـندي ii((أبـا      مـحمود)) فـي طـيب iiالخليقه
إحــمـل الــيـه iiرسـالـة      تـحـكي سـجـاياه iiالانـيـقه
مــن شـيِّق فـي لـجة الاش      واق مـهـجـتـه iiغـريـقـه
ولانــت والـبـرقُ iiازويــا      عــن  قـلب وامـقه iiخـفوقه
شـوقـا  لـحـضرته iiالـتـي      كــل الـنفوس لـها iiمـشوقه
هـو  فـرع أصـلٍ قـد iiغدت      يثرى
(832) على الجوزا عروقه
مـن  دوحـةٍ فـي ريّ ماء iiال      مـكـرمات  غــدت iiوريـقه
يـا مـن تـمنّى الـنجم iiحـين      سـمـا إلــى الـعليا iiلـحوقه
مَــن ذا لـمـجدك iiيـرتـقى      وسـواك  لـم يـسلك iiطـريقه
إنَّ الـكـرام هــم iiالـمـجاز      وأنــت  لـلـكرم iiالـحـقيقه

___________________________________

832 كذا جاء في المخطوط. وفي المطبوعتين: بثرى، وفي المعنى التباس.

وقال في رسالة لبعض الاشراف:

سـلامٌ بـرقَّته قـد iiحـكى      ونـفـسك رقَّـة iiأخـلاقِها
حـباك  بـه مغرمٌ iiأحكمت      مـودّتـه صـدق iiمـيثاقها
تــرفُّ  بـمهجته iiدائـما      الـيـك نـوازع iiأشـواقها
رآك  تـفرّعت مـن iiدوحةٍ      زكا في العُلى طيب iiأعراقها
وأيـكة  مـجدك قد iiغرَّدت      حـمامُ  الـثناء على iiساقها
وغرُّ مساعيك في iiالمكرمات      تـطـول بـزينة iiأعـناقها
وفخرك لم تحك شمس السما      سـنـاه  بـباهر إشـراقها
فـأهدي كأخلاقك الزاهرات      الـيـك تـحـية مـشتاقها

وقال في وصف خيمة ضربوها في دار العلامة السيد مهدي القزويني في شهر المحرم قد بطنت في بياض:

الـيوم قد صوّت ناعي iiالهدى      يـفصحُ  بـالنعي ولا iiيـكنى
يـنعى قـتيل الطف عند iiابنه      الـمهديّ  مولى الانس iiوالجن
وقـائلٍ  ذا الـسقف مـا iiباله      ابـيضُّ وعـهدي فيه iiكالدجن
قلت: رأى المهدي مستشعر ال      سـواد  حـزنا بـاكي iiالجفن
فـصـار عـينا كـله iiلـلبكا      فـها  هـو ابيضَّ من iiالحزن

وقال رحمه اللّه:

خذي قلبي اليك فقلبّيه     ترى لا موضعا للصبر فيه

وهل للصبر منزلة بقلبي     باسهمها النوائب تدَّريه

الرّسائل .. (مدح، رثاء، عتاب)

1 ـ قال مقرظا كتاب (الرحلة المكية) للحاج محمد حسن كبه:

أيها الرائد خميلة الاداب، الماخض ثميلة الافكار والالباب، إمعن سير رواحل فكرك، في شعاب هذه الرحلة، وذق بذوقك السليم في استعذاب هذه النحلة، واعرف كيف يُجتنى الوردُ، وبأي عين يرادُ، وكيف يجتنى الشهد، ومن أين يشتار ويستجاد. فلقد بهرني هذا الكامل، الذي ما كشفتْ عن مثله ذيولها الحواضنُ من العقائل؛ ولا علقتْ بمثله من النطف الغر أرحام الحوامل؛ ولا اتفقت ألسنة المدح إلاّ على فضله، ولا قلَّب الدهر أجفان حائرٍ قبل هذا في مثله. فابعث رائد نظرك في نجمع شمائله، ولمع مخائله؛ وقلَّبْ أجفان التوسّم، والحظْ كيف جمع بين التبذخ في معاليه، وبين التواضع في شرف التكرُّم، وتصفحّه بعين الفراسة، وتعجبْ من ماجدٍ كملت في شرخ شبابه فيه معاني السؤدد والرياسة؛ فأصبح كعبة الفتوّة، ومروة الاحسان والمروّة؛ تتعرف للناس عرفاتُ جوده ونداه، فما دعا طائف الرجاء به إلاّ ولبّاه، فكل أيامه ولياليه نحرٌ وتشريق، وكل آناته مباهلةٌ بالجود وتصديق؛ قد جمع في حجه بين مشعر الحرم، ومشعر الجود والكرم؛ في رحلة شرفٍ راقتْ منه بأميرها، ونحلة ظرفٍ شاقتْ منه بابن أثيرها، تارةً تجدُه ابنَ مفازة، وتارة ملكا جعل إلى العليا على النجوم مجازه؛ يتنقَّل في تلك الاودية، وتخفق عليه تلك الرايات والالوية؛ في فلوات مجاهل عميِّة الايضاح، خرساء صدى الصحاري والبطاح؛ يتلون خرِّيتها تلون آلها، ويمور من الهجير مور أنقائها، أوقبَّ صلالها؛ وتارة يصف لك تلك المنازل، وما حوتْ رياضها من المها الخواذل، والجواري المطافل؛ فيدعُك آنسا بتلك الخمائل، كأنك بينها نازل، وينعت لك شقائقَ وردٍ كأنه أبو قابوسها؛ ويأخذ في نشر حديث أزهارها كأنه وشيُ حلية طاووسها، ويحدّث عن مناهل كان ابن فراتها، وعن صواهل كما قيل: كأنما نتجتْ تحتهُ قياما، أو كأنه ولد على صهواتها، وعن إبلٍ ما اعجب ما وصف به رواحلها، كأنه لا سواه نتج قادحها وبازلها، ثمّ يذكر في أثناء ذلك مساءه وصباحه، وغدوَّه ورواحه، وعشيَّه وأبكاره، وأصيله وأسحاره، بمنطق عذبٍ، وكلامٍ أرقِّ من خدِّ المحبوب وحشاشة الصب، ويتنقل في خلال ذلك في وصف طلوع الشمس وغروبها، وبزوغ الكواكب ومغيبها، ويتشوق إلى أحبته، وأهل مودته، إلى غير ذلك مما اشتملتْ عليه أبيات تلك الرحلة. وكلمات هذه النحلة، في نظمٍ كالذهب الابريز، اخلصه السبك، أو كالؤلؤ الرطب، تتوالى فرائده‌في أحسن سلك، وحيث راقني بها الاعجاب، وأخذك مني ما تأخذه محاسنُ بارعة الجمال من القلوب والالباب، قرضتُ كعابها، وقرطتُ من أبياته أترابها، فحليتُها بهذا الوقف، وشنّفتها بهذا الرعاث والشنف، وذلك قولي فيها، وفي منشي‌ء معانيها:

طرح الدهرُ في حمى المجد رحله     عند مولىً يميره اليومَ كلَه(833)

اقول ولعمري أين يقع هذا التقريض، من مدحه على هذا النظم، الذي عادت به حياة القريض؛ وإني لاحمدُ اللّه على ما أولانا من عظيم المنن، إذ رُفع يتمُ الشعر في هذا الزمن، بخلف آبائه الحسن، وحقيقٌ أن أقول فيه، وإن لم اوفّه من المدح حقَّ معانيه(834):

ما حليةُ الدنيا سوى أمجادها      يـزهرُ  فـي بـهائم iiنديّها
واليوم قد زينتْ ومن iiمحمدٍ      لا مـن سـواه حسن iiحليُّها
قـد  نسج الفخر له iiمطارفا      مـطرزٌ  بـصنعه iiبـهيُّها

___________________________________

833 تقدمت في حرف اللام.
834 وفي المطبوع: معاليه.

فلا أدري أوسط الزوراء، أم قمرٌ توسط منها فلكا، تباع جواهرُ الحمد، وتجلَّت لطائمُ الثناء، أعبق من لطائم المسك والند، إلى عالمٍ منه بأثمانها، وخبيرٍ بتفاوت حسنها وإحسانها.

***

2 ـ قال وقد كتب بها إلى الحاج محمد حسن كبه جوابا على رسالةٍ وردت منه:

ما عقدَ الحمدُ خنصره، ولا فتح المجدُ بصره، على أنضر عود مكارمٍ، وأزهر طلعةٍ لشائم، من أبلج بسّام العشيّة في الزمن البهيم؛ سيماء الشرف الوضّاح على قسمات وجهه الكريم؛ يسفرُ للجود عن محيّا أنور من بدرٍ تم، يقرأ الوافدُ عنوان صحيفته هذا قبلة الكرم:

وجـهٌ  كـأنَّ البدر iiشا      طره  الضيأَ أو iiالنجوما
لـو قـابل الليلَ iiالبهيم      لـمزَّق  الـليل iiالبهيما
يجلو الهموم وربَّ وجهٍ      إن  بـدا جلب iiالهموما

 
الصفحة السابقةالفهرسالصفحة اللاحقة

 

طباعة الصفحةبحث