11 ـ وقال رحمه اللّه، مقرِّظا على (الروض الخميل) في ذكر آل جميل:
هذا الروض الخميل، المتضوِّعُ في نشر ذكر آل جميل، تزهو به كلُّ زهرة، ما رُئي
مثلها على صفحتي نهر المجرّة، وتتمنى رعىَ نرجسه الغزالة ويودُّ المشتري أن يبتاع
حلة وشيه بالنثرة، وأنّى له:
روضٌ بدا بين الانام أثرا لسحب جودٍ بالنهى تدبجه
فزهرهُ نعوت أخلاقهم ووصفُ طيب الاصل منه أرجه
كأنما نُثرتْ فيه، أو نظمتْ في سلك قوافيه، كلُّ حبّة قلب، فهو إلى كل قلبٍ محبَّب،
فما (دمية القصر) بين الاتراب، تنشد الاغاني في منازل الاحباب، وتعاطي نداماها
السلافة ممزوجة بالغيث الذي انسجم، مشفوعة لهم بمستطرف النعم، ولا (يتيمة الدهر)
مجلوّةً في المعاهد، حاليةً بدرر القلائد، وغرر الفرائد(871)، بأزهى من أوانس فقره،
وأبهى من عرائس أشطره، ولعمري ليجب على كل من هو مسلمٌ اذا نظر فيه، يكون مع صريع
غوانيه، فيثني مطربا، وينشد متعجبا:
هذا كتابٌ أم حديقة روضةٍ تتنزّه الاحداق في أورادها(872)
***
___________________________________
871 في المطبوع: بدرر الفوائد، وغرر القلائد.
872 ذكرت في باب التقاريظ.
13 ـ وقال رحمه اللّه، وقد كتب بها إلى ابراهيم بك عن لسان بعض الاجلاء:
سلامٌ أشفي من رقية(873) الوصل، وأضفي من ريقة النحل، وأحلى من سلافة العنقود،
وأبهى من نظام العقود، من محبٍ يطبق الارضَ ثناء، ويملا السماء دعاء، إلى مَن هو
أرقُ من النسيم شيما، واغزر من البحر كرما، سلالة طينة الشرف التي خدمتها الكفاة،
ودوحة الكرم التي اجتنت ثمرتها العفاة، ذو المناقب(874) المسطورة على صفحات الدهر،
والسجايا الفائقة على طرائف الزهر، ومن لم يفتح ناظر الزمان على أبلغ منه مقالة،
وأتم جلالةً وجزالة، وأندى بنانا وأوفر إحسانا، وأكرم سجيةً وطبيعة، وأجلب للشكر
صنيعة، فكأنه لا يزال، ناظرا إلى قول مَن قال:
الحمد أكرمُ ما حوته حقيبةٌ والشكر أكرمُ ما حوته يدانِ
واذا الكريم بكى وولى عمرهُ كفلَ الثناء له بعمر ثان
أعني به الماجد الذي تبلَّج به عمر الدهر، عن فلق البشر، الاشيم ابراهيم بك
المحترم. لا زال في نعمة من اللّه ضافية اللباس، نامية الاغراس، رافلا من الالطاف
المستفادة، في أبهى حلل الفوز والسعادة، وسجال السلامة مفاض عليه، وظلال الكرامة
ممدود عليه.
***
___________________________________
873 في المخطوط: من رقيقة.
874 في المطبوع: ذي المناقب.
13 ـ وقال رحمه اللّه: وقد كتب بها إلى العلامة الشيخ حسن بن المرحوم الشيخ أسد
اللّه يقول:
سلامٌ أبهى من وشيِ صنعاء، وأزهى من روض ميثاء، وثنأٌ تتفتح أكمام الرياض عن مثل
زهره، ولم تتحدث أنفاس الصَبا عن مثل نشره، ودعأٌ ترمقه أكفُّ الابتهال، إلى حضرة
ذي الجلال، محفوفا بالاخلاص والانابة، مقرونا من اللطيف بسرعة الاجابة.
دعأُ إخلاصٍ اذا رفعتُه قال الحفيظان معي آمينا
من محبٍ محضَ الولاء، وعقد المودة بأوثق عرى الاخلاص والصفاء، ومشوقٍ لو لم يتداوَ
من حرارة البعد بنسيم الذكرى، لقضى لاعج وجده على كبده الحرّى ، إلى الحضرة التي
عُقدتْ بكف الثريّا أطنابها، وسمَت على الشعرى العبور أعتابها، إذ هي حضرة قطب
العلياء المدار عليه فلكَ الحمد والثناء، ربّيتْ مناقبه في حجور المآثر، ورضعت درَّ
المكارم والمفاخر، علامة الزمن، الذي هو من العلم بمنزلة الروح من البدن، قد أسعد
اللّه به جدود الافاضل، وورَّد بنور مزاياه خدود الفضائل، وعمرَ أفنية الشريعة،
ورفع قواعد(875) الملة المنيعة، فله الرأي البصير بالعواقب، والمجد المنيف على
النجم الثاقب، والهمة التي اختلقت(876) على قمة الجوزاء مرفوعة، والنفس التي
اختلقت(877) على اكتساب العلوم مطبوعة، قد أحرزت شرفا بسقتْ على النجوم شرفاته،
وفضلا تعرّفت لاهل الفضل عرفاته:
ملان من شرف السجية نفسه يحوي الفضائلَ من جميع جهاتها
___________________________________
875 في المطبوع: أعمدة.
876 وفيه: التي هي على.
877 وفيه: التي خلقت.
ذاك قمرُ المجد الذي بهر الناظرين لالاؤه، وطفح بالفضل مكياله وإناؤه، علمُ
الاسلام، وحجة اللّه في الانام، حضرة الاكرم، شيخنا الشيخ حسن المحترم، لا زال
مؤيدا من اللّه بعنايته، ومكلؤّا بعين رعايته، ولا برح سمكُ مجده ثامن الافلاك
ارتفاعا، وقمر فخره ثالث القمرين شعاعا، ولا انفكت شمس شرفه تملا الدهر بإشراقها،
ما دامت أطواق الحمام بأعناقها.
أما بعد: فانَّ الداعي لمجدكم بالتخليد، ولعزّكم بالبقاء والتأييد، لا يزال على بعد
شقّة المزار، ما اختلف الليل والنهار، حليفَ غرام، وأليف هيام، ونديم اشتياق، إلى
تلك الحضرة(878) السامية الرواق، التي تودُّ الكواكب تقبيل أعتابها، ولثم ترابها؛
أحمد اللّه الذي أهَّلني لولائها، وجعلني في نظم أودَّائها وأحبائها، ولعمري لو كنت
أملك أمري لما استنبتُ إهداء التحية في كتاب، عن الحضور للتشريف(879)
بذلك الجناب،
فأحظي بلثم أنامل ريحانتيك، وأسعد بمطالعة صحيفة غرَّتيْ قمريك، اللذين هما للفضل
فرقدان، ولهما في المجد المحلَّ السامي على كيوان، ولديك المرشح كلُّ منهما لرئاسة
الدين، حضرة الامجدين الشيخ باقر والشيخ أمين، جعلكم اللّه أبدا للمخوف عصمة،
وللملهوف غياثا ورحمة.
***
___________________________________
878 في المخطوط: تلك الساحة.
879 في المطبوع: للتشرف.
14 ـ وقال رحمه اللّه، وقد كتب بها إلى بعض الاكابر والامراء:
إن أزهي من روضةٍ ضحكَ الزهر فيها(880) لبكاء الغمام، ونظم فيها لؤلؤَ الطلّ نسيمُ
الصَبا عقودا رائقة النظام، فحلّي بها عواطلَ أجياد الاقاح، وفرثَ في أرجائها عيابَ
الطيب نوافحُ الرياح، وأبهى ما اقتطفته أكفُّ الافهام، من أزاهير بدايع النثر
والنظام، سلامٌ رسمه قلم الاشتياق، وحملته رواحل الاشواق، من محبٍ لم يشبْ بالقطيعة
صفوَ الوداد، ومحبته لا تزيد ولا تنقص في القرب والبعاد، إلى مَن رضع ثديَ المعالي
طفلا، وساد الانام يافعا وكهلا، وما الدهر عنده إلاّ يومان، يوم ندىً ويوم رهان،
فيحكّم السؤال في أمواله، ويحكم الاسياف في الارواح قبل سؤاله، ومَن كفل له النصر
بخذلان أعدائه وأشار المجد إليه ببنانه، وأثنى عليه بلسانه:
كـريمٌ وقـي مـاله iiعرضَه فـلست تـرى فيه شيئا iiيعابُ
سـوى أن مـا جـمعت iiكفُّه لـوفـاده مـغـنمٌ أو iiنـهاب
كـأنّ عـليه صـلات iiالوفود واجـبة نـصَّ فـيها iiالكتاب
أفـيه يـقاس الـسحاب iiومنه تـعلَّم كـيف يـجود iiالسحابُ
وعـنـد عـطاياه أو حـلمه يقل الحصى أو تخفُّ الهضاب
لـه صـولةٌ تملا الدهر iiرعبا وبـأسٌ شـديدٌ وعـزمٌ iiمهاب
___________________________________
880 وفيه: ضحك فيه الزهر.
الاعزُّ الامجد، إنسانُ عين الزمان (محمد) لا زال ظلُّ عدله ومعاليه، لا يزيله
الدهر باختلاف أيامه ولياليه.
أما بعد: فيا مَن تردّى بالفخر والكمال، واستمدتْ بحار الارض من جوده النوال، قد
وردت الينا رسالةٌ منكم دلَّت على زيادة المودّة والاختصاص، تسألنا فيها أن لا
تنقطع منا ومنكم(881) الانباء، في تحرير كتبٍ تتضمن الافصاح عن أحوالنا وسلامتنا من
طوارق الاسواء، فنحن بحمد اللّه من نعمه في اوفر نصيب، ومن الصحة نتردّى في كل يوم
برداء قشيب، غير أن قلوبنا من نار بعادكم في احتراق، وحسراتنا تكاد تزيل رضوى لشدة
الاشتياق، فعسى اللّه أن يقضي لنا بالتلاق، بعد طول هذا الفراق، فيصبح منا روض
الانس مونقا غضّا، يملا قلوبنا سرورا بلقاء بعضنا بعضا، إنه على كل شيٍ قدير،
وبالاجابة جدير.
***
___________________________________
881 في الديوان المطبوع: منا عنكم الابناء ولعله الاصح.
15 ـ وقال رحمه اللّه، وقد كتب بها إلى بعض الاشراف:
ما روضةٌ نسجت من وشيِ الزهر برودها، ونظمتْ من نثار الطلّ عقودَها، وفلّت أنامل
القطر وفرة ريحانها، وسرّحت ماشطة النسيم أصداغ آسها بين غدرانها، وتحدّثت ذات
طوقها تملا صبابة شوقها، فترنحت قامات باناتها مرحا، وتثنَّت معاطف أغصانها فرحا،
ولا طفلة غضة الشبيبة، تخطر في بردة محاسنها القشيبة، كأنما صافية ريقتها، من فرط
عذوبتها ممزوجة بسلافة الصهباء، أو بجّني نحلةٍ بيضاء، بأحلى من سلامٍ أخذ الرقة
ممن طبع مَن يُهدي اليه، والعبقة من أخلاق مَن يُنشر لديه، قد جانس نثره مآثره لا
أنجم النثرة، وحكى ثاقبُ نظمه شعري مفاخرَه لا شعري المجرّة، من حليف صبوة، وعديم
سلوة، ونديم ذكر، وأليف فكر، قد اتقدتْ في وسط حشاشته نار شوقه وصبابته، حتى كادت
تُنضج نخاعه، وتأكل شعلتها أضلاعه، فهو يبكي بشررها الساطع، لا بجمر المدامع، فما
أحقَّه بمقالة، من وصف حاله:
ظنَّ العذول أدمعي تناثرت حمرا لعمري غرّة ما يُبصرهُ
وإنما يقدح زند الشوق في قلبي ومن عيني يطير شررُه
فما ابن ورقاء ذكر إلفه بالعشيّ، فتنبه الغرام على قلبه الشجيّ، وحركت الذكرى ساكنَ
شوقه، فتنفّس حتى كاد ينفصم منعقد طوقه وبات يحي ليله هديلا، ويميت نهاره صبابة
وغليلا:
ولا امُّ خشفٍ ظلَّ عنها iiفغودرت بـشرقيِّ نـجدٍ وهو بالغور iiراتعُ
تبيت بأعلى الرمل تنصب iiسمعها لتبلغها منه(882) البغامَ iiالمسامع
وتضحى بعيدا تطرح اللحظ بالفلا وتـكتمه عـن ناظريها الاجارع
بـأشوقَ نـفسا من حليف iiصبابةٍ بـأحشائه لـلشوق تـهفو iiنوازع
___________________________________
882 في المخطوط: منها.
إلى مَن تفرّع من دوحة النبوّة، وسمتْ به أعراق الامامة والفتوّة، وتضوّع بعطفه
أرجُ السيادة، ولاح بطلعته عنوان اليمُن والسعادة، ووري باقباله زندُ النجابة،
وعُرِفتْ من مواقع رأيه مواضع الاصابة، وانتهت محاسن الفضل اليه، فدعاه لسان
الانشاء وأثنى عليه:
يا ابن الالى غرُّ ملوك الورى تشرَّفتْ في لثم أعتابها
محاسنُ الفصل إليه انتهت وأنتَ من غيركَ أولى بها
ذلك نسيج وحده. وعديمٌ نظيره وندُّه، من ضربت عليه العلياء رواقها، وعقدتْ لخدمة
سعده الجوزاء نطاقها، فهو غرَّة جبين الدهر، وثمينة قلادة نحر الفخر، سلالة الفخر
وسلسالة الكرم، فلان المحترم، نشر اللّه لواء جدّه، وطوى حواسد مجده، وأسبغ عليه
ظلَّ عنايته، وأفاض عليه سجلَ كرامته، ما استلقى السعدان، وتعاقب الفتيان، بمحمد
خلاصة الوجود، وصحبه خلاصة الموجود.
أما بعد: فبينما أنا في مجلس التذكار، ومنادمة الافكار، تعاطيني الاشواق والكآبة،
مدام الغرام والصبابة، إذ ورد عليَّ في أسعد وقتٍ من الاوقات، وأيمن ساعة من
الساعات، كتابٌ شريف، محتوِ على خطاب لطيف، كأن ألفاظه الزهر، وبيانه السحر، تستوقف
ديباجةُ وشيهِ النظر، ممن سرَّح في رياضها الفكر، بين منثور لؤلؤٍ ساقطه الطل،
ومنظوم جمان كالعقد المفصَّل، وغرائب استعارات هُنَّ زهرة الاداب، ونزهة القلوب
والالباب، قد سمحتْ به قريحةٌ دائمة الانتاج، ورويَّةٌ لم يغلق عليها أبواب المعاني
رتاج، وأعملتُها في تنسيقه وترصيفه، وتدبيجه وتفويفه، فكرةُ من كتب محاسنه في صحيفة
وجه الدهر، فمحت محاسنَ من تقدمَه من جميع أهل الفخر، وفتحتْ به مقفلات المسائل،
وختمت به أهل الفضل والفضائل، كما قيل فيه وأنا القائل:
ببهاكَ أحمدَ في النهى ختُمت ذوو الرتب المنيعه
ونسختَ ذكرهم به نسخ الشرائع للشريعه
هذا وقد اتحفْتني بثلاث تحف، وصلت منك إليَّ مع هذا المشرّف، قد حسنَ لديَّ
مصطنعها، ولطفَ عندي موقعها، وسُرّت بإهدائها نفسي، وردّت في أسمائها ومسَّمياتها
روّيتي وحدسي، فتفاءلتُ بالرحلة
لترحال الهم، عن قلبي المتيم، وبالسكين بسكون نفسيَ الفرح، وقطعها أسباب الكآبة
والترح، وفي القاموس بإغراق أعدائي بقاموس البلاء، واستغراقي من اللّه بقاموس النعم
والالاء، ثمّ أنشأتُ هذه
البديعة، مكافأةً لك بالشكر على هذه الصنيعة:
نفسي بحبل ولاء أحمد أمسكت مذ اُحِكمت بنياط قلبي عقدهُ(883)
___________________________________
883 ذكرت في باب المدائح.
الفصل الثاني في الرثاء
15 ـ قال رحمه الله وقد التمسه السيد ميرزا صالح القزويني أن يعمل مقدمة لكتاب
(الاشجان في مراثي خير إنسان):
قـامت عـلى الدنيا iiنواعيها إذ نُـعيت نـفس العلى iiفيها
والارض قد مادت بمن فوقها واهـتز قـاصيها ودانـيها
زلـزلها فـقدانُ مَن لم iiتنبْ عـن حـمله فيها iiرواسيها
واستغرق الاقطار منها iiالبكا وأظـلمت حـزنا iiنـواحيها
إلى الورى أنعى حياةَ iiالورى فـلـتبكِ مـا درّت iiمـآقيها
بلى ومَن تركها غرقى بالمدامع، لا ترقى غروبَها ما ناحت على فروعها السواجع، فلقد
طرقها بغتةً طارقُ القدر، فنزل العمى من عيونها منزل البصر، بساعةٍ كأنما وردتْ
بزلزلة الساعة وأهوال يوم الوعيد، فغادرتْ الناس سُكارى وما هم بسكارى ولكن ألم
المصاب شديد، قد أقبل فيها على المجد، ثمّ وقف واستوجد، واستعظم حالها وأنشد:
ما للورى دهشتْ أقام المحشرُ أم قد دهى الثقلين خطب أكبرُ؟
أجلْ أيها المستفظع لهذا الحال، المتمثل بهذا المقال، اقترب للناس حسابهم قبل يوم
القيامة، فأدمت أكفهم الانياب قبل يوم الحسرة والندامة، وعطُّوا الاكباد، قبل
الجيوب والابراد، ونضحوا القلوب، قبل الاجفان والغروب، ومثلوا متماسكين من الوجوم،
متهافتين على جمرة الاحزان وجذوة الهموم:
فمن واقفٍ في جفنه الدمع واقفٌ ومن سائلِ في خده الدمع سائلُ
لغداةٍ بكَّر فيها بنفوس جائشة، وعقول من الدهشة طائشة، بين ذاهبٍ ولا يفطن أين
يتوجَّه، وآتٍ لا يأتي بشيٍ سوى أن يتزفّر أو يتأوَّه، وحرّان لا حيلة له غير عضِّ
اليدين، وحيران لا يملك إلاّ استدارة العينين، فاذا سأل سائلٌ، أو قال لمن بجنبه
قائلٌ: هل أتاك حديث الغاشية، ولمن قامت رنةُ تلك الواعية، واولئك عمَّ يتساءلون،
وعلى من عدت العاديات، وماذا نزعت النازعات، عبس وتولّى، ثمّ التفت اليه وقال: افض
غروب(884) عينيك سجلا فسجلا، فلقد دُكَّ طود الحلم، وهوى نجم الهداية والعلم،
ونُزِعَ من كف المعروف بنانها، واستُلَّ من عين العلياء إنسانها، وذوت من المكارم
رياضها الخضر، وتسلَّبت شجرات المعروف من ورقها النضر، ونُقِل إلى الاجداث قبلةُ
الشكر والحمد، ومصلّى العفاة والوفد، وحُمل (ابن جلا) إلى عرصة البلى:
ولفقده هذي النوائحُ جاوبتْ فوق السماء نوائحَ الاملاكِ
ملكٌ على الافلاك علياه سمتْ فالسمكُ منها ثامن الافلاكِ
___________________________________
884 وفي المطبوع: دموع.
حتى اذا رستْ أعواده على أكتاف الرجال اجتذبته اليها الرغائبُ والامال، آخذة بقوائم
سريره، ماسكة على فضول كفنه وأطراف حبيره، وصرخ مرمل الرجاء، إلى أين عنّا بأخي
الشتوة الغبراء:
إلى أين عنّا بزاد المقلِ ورىّ صدى حائمات الاماني
به أنشب الموتُ أظفاره فمن ذا يقلّمُ ظفرَ الزمان
وعند مَن يلتمس الضيف قِراه، ولديَ مَن يعرّس السفرُ بطلاح رزاياه، أم من يبسط
للمجد بين كفا كريما، أرطب وأندى من السحاب أديما، ويجلو على الوفود، محيّا تجلى
بطلعته السعود، ومَن ذا يعلق منه الخائف بأوثق العصم، ويأمن في حماه كما يأمن
الحَمام في الحرم، فرويدكم يا حامليه، قفوا ليتزوَّد المجدُ من أخيه، ويودّعه
الرجاء، ثمّ تشيّعه المكارم والعلياء، فامهلوا قليلا، ريثما اروّح في وداعه
قلبا(885) عليلا:
وإن لم يكن إلاّ تعللُ ساعةٍ قليلا فانَّي نافعٌ لي قليلها
___________________________________
885 في المطبوع: فؤادا.
فآهاَ ثمّ آه، ولا قوة على الصبر إلاّ باللّه، ماذا لقيَ المجد، ساعة ودَّع أخاه من
برحاء الوجد، وقد ادرجَ منه في الكفن، من كان الروح المدبّرة لهذا الزمن، فيا أعلام
العلم وأقطاب الممالك، ويا أرباب الاسرَّة والارائك، ويا رؤساء العشائر والقبائل،
ويا خطباء المنابر والمحافل، ويا عترة الشرف والاحساب، واسرة الكمال والاداب، ويا
رائدي المعروف، ومنتجعي الرفدَ في الزمن العسوف، هلمُّوا إلى النبأ العظيم والفادح
الجسيم، الذي جدَع مارن الدين، وقصم ظهر الاسلام والمسلمين، فطامِنوا لهذا الحادث
رؤوسكم، لقد استُلِب عزَّكم وناموسكم، رزيتم واللّه بمن جُمعت له الرتبة العليا،
بين رئاسة الدين والدنيا، قد ترشح لها بين النبوة والامامة، واقتعد بها من الشرف
الرفيع غاربه وستامه، وتوالت في المجد مناقبه الغرر، فملاتْ من الدهر السمع والبصر،
خلّدها على جباه الاعصار مسطوره، وبألسن الثناء في ألسنة المدن والامصار مرويَّة
ومأثوره، تتغّنى بها الحداةُ في الفلوات، وتتناقلها الرواة، على تعاقب السنين في
جميع الاوقات، تنبئُ عن حضرة سامية القدر رفيعة الرواق، آهلة الافنية بكثرة الضيوف
والطرّاق، جليلة الشأن والخطر، جميلة العيان والاثر، قد جاس رائدُ صيتها خلال
الارض، وفنيت مواقيتها وثمائن يواقيتها في أداء المعروف نافلةً وفرض، فلذكر ربه ـ
تغمده اللّه برحمته ورضوانه ـ النباهة، ولجاهه ـ أعلى اللّه مقامه ـ الوجاهة،
ولقدره ـ طاب ثراه ـ التنويه، ولذاته قدّس سرُّه التنزيه، لقد نشر بيد الفخر في
الخافقين أعلامه، وطوى على المكارم لياليه وأيامه، ورحل عن الدنيا إلى اللحود، وكان
لها كاسمه (جعفر) فضلٍ وجود، قد أحبَّت روحه الطاهرة، أن تتحول عن هذه الدار إلى
نعيم دار الاخرة، فانتقل اليها بعد أن شحن الاولى ببرّه، وطبَّق أقطارها بفخره،
وحمل من رواق مجده، ودفن في رواق جدّه، فصكَّت له الاشراف الجباه، عندما نفضتْ
بأكفّها الصبرَ على ثراه، ثمّ انصرف الجميع، والعلياء خلفهم تقرع سمع بني عبد منافٍ
بما أنشأته من هذا التقريع:
عودي بطرفكِ يا قريش كليلا وبعزمك امتلات ظُباه فلولا(886)
___________________________________
886 ذكرت في باب المراثي.
واقيمت مآتمُ العزاء، فناحت فيها حتى أملاك السماء، وندبتْ فيها الشعراء، بقوافٍ من
الشعر ثواكل، تتناشدها ذوو الاحزان في المناحات والمحافل، ثمّ عزّ وافيها أباه، فرع
الاراكة الهاشمية، ومنار الشريعة المحمدية، رئيس المحققين (محمد المهدي) بن الحسن
معزّ الدين:
علم الامة علامتُها صبحُها مصباحها نور هداها
قلبُها قلَّبها حوَّلها عضبُها بيضتُها حامي حماها
وجروَا عنه متساجلين في تسليته عنه بأخوته، وكفى سلوة عنه بأكبرهم أخيه الصالح لسد
ثلمته، وبالمعدِّ لتشييد بيت الحسب والمجد، أخيهما أبي القاسم (محمد) وبأخيهم
الحسين الذي حلّ من الزمن محل الروح من الجسد، والواسطة من العقد المنضّد، فهم
وأبيهم، كما قلتُ فيه وفيهم:
قمرُ السماء أبوهمُ شرفا وهم والشهبُ اخوَهْ
بل كما أقول: وإنْ رُغمتْ معاطس، وازورَّتْ من الحنق نفوسٌ ليست عند العلياء
بنفائس:
إنما هاشمٌ لباب قريشٍ وهمُ صفوُ هاشمٍ واللبابُ
فئةٌ منصبُ الامامة فيها وسواها ومجدُها الانصاب
لعمري لئن(887) فقد منها شخصٌ لم تفقد مزاياه، وطوى الموتُ عنها عيانَ مَن لم تطق
الايام والليالي مكارمه وعلياه، فلقد كفل أخوه الصالح لمجده، بنشره لمّا قام مقامه
من بعده، في ندىِّ فخره، ويليق بهذا المحلّ، أن أرسم من نظمي هذه الابيات التي جاءت
كالعقد المفصل:
أقـول لـلقلب وقـد أرسلتُه دمعا على ذاك الصفيح iiيقطرُ
يـا والجا كافورة القدس iiالتي بـالامس قد اوُدع فيها iiالكوثر
صـلْ جعفرا وحيّه عنّي وقلْ بوركَ مَن قد صرتَ فيه تحبر
اعـيذُ أحشاءك أن تنزو iiعلي رواق عـليائك فـيها iiالخدر
تـصدَّر اليوم (أبو iiالهادي)به فـلم تـغبْ كـأنك iiالمصدر
فـقرَّ عـينا فالعُلى تلك العُلى والـمفخرُ الباهر ذاك iiالمفخر
وجـعفرٌ للمكرماتِ ii(صالحٌ) وصـالحٌ لـلمكرمات iiجعفر
___________________________________
887 في مخطوطة الملا: لقد فقد.
وحيث أطلقنا عنان أدهم القلم، وبلغ هذا المقام وأحجم، فلنفتح حلية المراثي بنظم
أميرها، وفارس ميدان منظومها ومنثورها، الناشئ في حجر(888) الرسالة، والراضع درَّ
الوحي وبلغ بنور عصمة الامامة لكن عما يشينه فصاله، ومثل في مجهل الزمان علم، وطلع
في افق العلياء أنور من بدرٍ تم، ذاك (أبو الهادي)، وإن شئتُ قلتُ أبو الحسن
الصالح، لان يصبح وقد أصبح ذلك مقتدى الزمن، فلقد أنبأ عن مضاضة وجده بنظم بديع، لا
يليق غيره بشأنه الرفيع، فبلغ الغاية، بقوله في رثاء اخيه، وبه للعلياء عنه
كفاية(889).
يقول منشيء هذا التحرير، وموشّي بردة هذا التحبير، الفقير إلى ربه الغنيَّ، حيدرُ
الحسينيُّ الحلي: إنَي إنْ أثبتْ مرثيتي أول المراثي، لا طلبا للتقدم لها بل
لمناسبتها، لنظم هذا السيد الجليل، الذي تقدَّم قبلها أنه قد وصف ما هو عليه من
الوجد، وحكيتُ الحال التي نحن عليها من رزيِّة هذا المصاب والفقد، على انّي نحتُ
فيها بقوافٍ كأنَّ منها كلَّ قافية ورقاء، أو كأنها الخنساء، إذ هي لو ردَّدت
نياحها على صخرٍ لارتكهُ كيف على نياحتها يتفطَّر، فتصفحُ الفاظها ومعانيها، وأعرف
صحة قولهم: لو أعطيتُم القوسَ باريها:
قد خططنا للمعالي مضجعا ودفنّا الدين والدنيا معا(890)
***
___________________________________
888 في المطبوع: بحجر الرسالة.
889 إلى هنا اثبت في المطبوعتين، وهذه الزيادة الاتية لم توجد فيهما.
890 ذكرت في باب المراثي.
16 ـ وقال رحمه اللّه وقد كتب بها معزيا لبعض الاكابر والاشراف:
ممن صدعتْ صفاة صبره قوارعُ الارزاء، فأذال مصون دمعه بتنفسّ الصعداء، وألبسه عظيمُ
المصاب، ثيابَ الاكتئاب، وحنى على جذوة الوجد منه الضلوع، ونافر لعظيم(891) ما
عراهُ طيبَ الهجوع، وكيف يلتذُ بهجوعه، أو تجفُّ مجاري دموعه، وقد فاجأه نعيُ من
كان مصباح ليله وسراج نهاره، إذ عثر فيه الدهرُ فلا لعا لعثاره:
نعوه على ضن قلبي به فللّه ماذا نعي الناعيان
رضيعُ صفأٍ له شعبةٌ من القلب مثل رضيع اللبان
___________________________________
891 وفي المطبوع: لعظم.
إلى مَن لا يستخفُ حليمها تفاقمَ الخطوب، ولا تغيّرُ طبيعتها في المكارم مقاساة
الكروب، الاعز الامجد، سلالة الشرف الواضح (محمد) قطب دائرة الفخر والكمال، ومحطّ
الوفود وبحر النوال، ومَن هدرتْ يداهُ دم الاموال لحقن دم المكارم، وعجز عن احصاء
فضله كلُّ ناثر وناظم، وحيد دهره وفريد عصره، طالب العزّ من مستقرَّه، المستضاء
برأيهما في سواد الخطوب، والمستجار بظلهما في كل نائبة تنوب، ومن أساء اليهما
الزمان بفقدان انسان عين الفخر، محمد عليِّ القدر، وجوهرة الدهر، وفريد العصر،
وواسطة عقد الفخر، ومن ليس له في الفضل مثلٌ ولاندّ، وكان من أهل زمانه بمنزلة
الواسطة من العقد، ومن طلبتْ وصفه عقولُ ذوي النهي، وجاوزتْ في طلبها الجوزاء
والسهى ، فلم تقفْ له على غايةٍ ومنتهى، وحين رجعت منه صفر الكف، وقد بعد شأوه
بدورها في الخسف، وشموسها بالكسف، طائشةً حيرى، راهبةً ذعرا، تنشد شعرا:
طلبتْ وصفه العقولُ iiولكن لم يكن ممكنا اليه الوصولُ
وتعدَّت غاياتها ثمّ iiطاشتْ حيث لم تدرِ فيه ماذا iiتقول
وأقرَّت هناك بالعجز iiعنه وتساوى عليمها iiوالجهول
فيا له من رزِ يقل الحزنُ بجنبه، ولو أن كل منا كان فيه انقضأُ نحبه، ولو افضنا له
النفوس من المآقي بدل الدموع لقلتْ، ولو وُزنتْ به رواسي الجبال لخفّتْ:
الان هوّن كلَّ نازلةٍ جللٌ أمال دعائمَ الفخر(892)
___________________________________
892 ذكرت في باب المراثي.
فيا مَن ألقى الزمان لكفيهما خطام القياد، وسارت شواردُ أوصافهما مسير الشمس في
جميع البلاد، إن من العجز أن تجزعا لعظم المصاب، وإن حسن العزاء مما يتضاعف به عند
اللّه الثواب، وشأنُ مَن وقَّرته روابع كل مهمة، أن يتدرَّع قلبه بالصبر لمكابدة كل
ملمة، ومن الحزم أن يتزر بثوب التجلد لابصار العباد، لئلا يعلموا بتململكما فتشفى
منه الحساد، وان من عظُمَ عليكما فقده، وبرَّح بكما بعدُه، قد ورد حوضا كلُّ الخلق
واردوه، وسلك طريقا كلهم سالكوه، وكلُّ شيٍ هالكٌ إلاّ وجهه.
***
17 ـ قال رحمه الله وقد كتب بها إلى السيد سلمان النقيب معزيّا له بموت أبيه عن
لسان العلامة السيد مهدي القزويني:
نعى الناعون للشرف المعُلى فتى الاشراف سيدَها النقيبا(893)
___________________________________
893 ذكرت في باب المراثي.
يُنشر على طيِّ الايام ذكره، ويُجدد ويا حاشاه من الدروس على تعاقب الاعوام علاؤه
وفخره، ويجلو من محاسنه الغرِّ، على صفحات وجه الدهر، ما يفصِّله لسال الحمد فريدا،
وتتهاداه الليالي لنحورها عقودا، فهو حيُّ بتلك المناقب، وإن قامتْ عليه النوادب،
إذ ليس الميتُ ورزؤه الذي ترك الالباب مطاشة، إلاّ ميت المآثر لا الحشاشة، ولعمري
لئن قصدَ المنون بصائبةٍ تلجُ على الليث المشبل مغارَه، وتنفذ على الافعوان الصلِّ
وجارَه، فلقد قضى من الدنيا كرائمَ وطره، ورحل عنها فرحل المجد على أثره، بمهجةٍ
حسيرة، قد نضخها على قبره عقيرة، وكأنّي بركب الثناء، وقد وقف فقلَّب على ذلك الجدث
جفون الرجاء، ثمّ رفع عقيرته بجنبه، وأنشده ما أنشاه في استطابة تربه:
أقول وقد وقفتُ على ضريحٍ كأنَّ نسيمه أرجُ الغوالي
لئن أنشقتني يا قبرُ طيبا فذاك الطيب من عبق المعالي
وليت شعري وهل أبقتْ شعورا طارقة هذا القدر، أيعلم الدهرُ لا أقاله اللّهُ عثاره
بمن عثر؟ ارتحلَ وأيم اللّه عن الانام بربيعها، وعن الايام بقريعها، حادثٌ جذَّ من
العزّ أنفه، ومن الكرم ساعده وكفَّه، وأغصَّ فمَ الدنيا بجرعةٍ ثكُل عميدها،
فعددَتْ بلسان الدهر حتى كلّ ولم ينشط في محفل النياحة لتعديدها، وكيف ينشط منها
اللسان، أو يتسع لها نطاق البيان، في حصر تلك المناقب، التي كاثرت وأجلها عن قولي
الحصى عداد الكواكب، أليست هي مناقب من ضمنَ في ملاث أزار عظمته جميع كرامها، فطوى
منه الموتُ بردة فخرٍ أدرج في أثنائها بقية أيامها:
قد علمنا فقرَ العفاة اليه أفكان الردى من الفقراء(894)
___________________________________
894 ذكرت في باب المراثي. وفي المطبوع: فقر الزمان.
أجل أيتها التي تردّدُ المقالة وتنعى، خفضي عليك ولا تضيقي بما لديك(895) ذرعا، إن
الموت لم يطوِ غاربَ بحرك ذلك الزاخر، إلاّ بعدما بدتْ منه على نحر الزمن عقد هذه
الجواهر، فحلّي بها عاطل جيده، وأعدَّها(896) نفائس موجودة:
قـد كـان في موت عليِّ iiالذرى مـاتت بـنو الـمجد iiوعـلياها
لـكـنْ بـإذن الله روحُ iiالـنهى قـــام فـأحـياه وأحـيـاها
قد طويتُ لولا ((أبو المصطفى)) يـنشر فـي الـدهر iiمـزاياها
نـعـمَ زعـيم الـقوم iiمـقدامها فـي الـحزم طـلاّعٌ iiثـناياها
مـظـفرُ الاراء مــا أخـفقتْ فـي طـلب الـرأي iiسـراياها
إن خـاصم الاكـفاء في iiمجمعٍ أضـحـكها مـنـه iiوأبـكـاها
ريـاسةٌ مـوروثةٌ فـي iiالـعُلى يــأرجُ فـي عـطفيه iiريّـاها
___________________________________
895 وفي المخطوط: بذلك.
896 وفي المطبوع: واعتدها.
فأكرمْ به وارثا للمجد، قد ترك ألسنة الثناء والحمد ترتلُ آيات فضله ترتيلا، وتهتف
في الانام بكرةً وأصيلا، هكذا فليكن الكرم، ولترقَ إلى هنا عاليات الهمم، وليعرِّسْ
بمثل هذه الغابة، مَن خطب إلى الشرف عقيلة النقابة، هيهات هيهات لا توصَل الراحةُ
إلاّ بنانها، ولا تبصر العينُ بغير إنسانها، فيا أحلم من (أحنف) وله أطريتْ، ويا
أذكى من (أياسٍ) وعليه أثنيتْ، إنّي ما استرعيتُ سمعك هذا المقال، ولا استوقفتُ
نظرَك على ما ضربته من هذه الامثال، استزيدك في حلمك ركانه، أو أدلكَ على مكان
الصبر فأنت من الصبر بمكانة، بل تلك مقالةٌ في التعزية مرادة، وعلالة جرتْ بمثلها
العادة، إذ جميع هبات الدنيا معادة فمرتجعة، والتسلية عنها سيرةٌ متبعة، وما
استبقائي منك الصبر على هذه الرزية، إلاّ كاستقائي(897) سحاب الرحمة لتلك التربة
الندَّية، إذ من العبث التماس حصول ما حصل، وطلبُ المءر من اللّه أن يفعل ما كان
فعل:
للّه في نفسك نفسُ العُلى قد اوجب اللّهُ لها حفظها
لا تجعل الحزن لها شاغلا في أخذها من فخرها حظها
ولا حدتني خفةٌ في أمرك(898)، ولا دعتني استضاقةٌ لصدرك، وإنما هي من المحبِّ نفثةٌ
الصدر، وقولة يقولها اشفاقا على مَن أحبَّ اذا فدح الامر، فكلاهما في الحصول شرعٌ
سواء، بغير شكٍ ولا مراء، نسأل اللّه أن يعرِّفكم أجرَ هذه الرزية على مقدارها، وأن
يكمل لكم ثواب الصبر على معيارها.
***
___________________________________
897 في المطبوع: كاستسقائي سحائب.
898 في المطبوع: جفة بأمرك.
|