ليْلَةُ عاشُورَاءْ

 
 

ليْلَةُ عاشُورَاءْ

في

الحديث والأدب

تَأليفُ

الشَّيخْ عَبْدِ اللهِ الحَسَنْ

الصفحة 4

بسم الله الرحمن الرحيم

( مِّنَ المُؤمِنينَ رِجـالٌ صَـدَقواْ مَـا عَـاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِفَمِنهُم مَّن قَضَى نَحبَهُ ومنهُم مَن يَنتظرُ وَمَا بَدَّلُوا تبدِيلاً )

الاحزاب : 23

صَدَقَ اللهُ العَليُّ العَظيمُ

الصفحة 5

الإهداء

إليـكِ أيتُهــا الطاهــرة النقيــة والراضيــة المرضيــة إلــيكِ يــا كريمــة أهل بيــت العصمــة عليهم السلام إليكِ يامن تحتضنين برعايتك عُشّ آل محمد صلى الله عليه وآله إليكِ يافاطمــة بنت باب الحوائج موسى بن جعفر عليه السلام أقــدم بيــن يديك هــذا المجهــود المتــواضع ملتمساً بــذلك شفــاعتك فــي المحشــر فــان لك عنــد الله شأناً من الشَّأن *

المؤلف

الصفحة 7

مقدمة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلَّى الله على أشرف الانبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين

وبعد :

فإن وقائعَ وأحداثَ الطف الدامية استأثرت باهتمام المؤرخين وأصحاب السير مُنذ الايام الاُولى لواقعة الطف ، حتى قيل إنه كان في معسكر عمر بن سعد مَنْ كانت مهمتُه مقتصرةً على تسجيل تلك الوقائع ، ومن هنا استوعبتها الكثير من كتب التاريخ والسيرة ، ومعظم المؤرخين ذكروا هذه الواقعة الاليمة جملةً وتفصيلاً ، واهتموا بدراستها واستكشاف دوافعها وأسبابها وما فيها من دروس وعبر وما تركته من آثار ونتائج على مختلف الاصعدة ، واعتبروها أهمَ حدث جرى منذ عام 61 هـ بل أعظم حدث مأساوي في تاريخ الاُمة الاسلامية حيث مقتل ابن بنت نبي الاُمّة محمد ( صلى الله عليه وآله ).

ومن خلال نظرة عابرة إلى كثرة ما اُلف في سرد وقائع هذه الحادثة الاليمة من الكتب المعنية بدراستها فقط ككتب المقاتل ، وما أعطته الكتب التاريخية العامة وكتب الحديث لهذا الفصل من تاريخ الاسلام من أهمية ، ناهيك المقاتل المخطوطة التي لم يُقدر لها حتى الان أن تطبع وتنشر ، تبدو الاهمية الكبرى لهذه الواقعة في أنظار الباحثين والمؤرخين وأصحاب السير والتراجم.

ومن الملاحظ أن أصحاب السيّر والمؤرخين ذكروا جُلَّ وقائع هذه الحادثة الاليمة ، منذ خروج الامام الحسين (عليه السلام) من المدينة المنورة في شهر رجب إلى يوم العاشر من محرم الحرام والاحداث التي تلت المقتل ، ولم يتناسوا الليلةَ

الصفحة 8

الاخيرة من حياته (عليه السلام) وسجلوا ما أمكنهم من وقائعها وأحداثها ، وإن كان بعض المؤرخين أهملها أو ذكرها في غاية الاختصار.

فاسترعى ذلك اهتماميَ الشديد في أن أعطي هذه الليلة بعض حقّها من عَرض وقائعها وحوادثها وما يرتبط بها بشيء من التفصيل ، ولما في هذه الليلة من أحداث ومواقف يجدر الوقوف عندها ودراستها بإمعان ، إذ هي الليلة الاخيرة من حياة الامام الحسين (عليه السلام) وأصحابه الاوفياء ، وليلة في منتهى الخطورة ، وليلة قُدّر لها أن تبقى خالدةً بما فيها من عِبَر ودروس ومأساة ومواقف مشرقة ، فيجدر الاهتمام بالبحث والتمحيص في وقائعها وأحداثها والمعرفة الكاملة بما جرى في طياتها ، ولذا لا ننسى هنا تأكيد الائمة الطاهرين (عليهم السلام) الشديد في إحياء هذه الذكرى الاليمة والنظر إليها بعين الاعتبار.

ومن هنا قمت بجمع ما وسعني جمعه وإعداده من وقائع وحوادث هذه الليلة العظيمة وتنظيم تسلسل أحداثها وما جاء فيها من مواقف مُشرّفة ، وما جاء فيها من الاحاديث الشريفة وما يرتبط بها ، وتناولت أيضاً جَانباً دراسياً عن أبعادها الدينية والاخلاقية وغيرهما من المواقف والابعاد والتي يَجدُر الوقوفُ عندها والتأمل فيها والاستفادة منها ، فكان هذا هو القسم الاول : ( ليلة عاشوراء في الحديث ) والذي يشتمل على الاُمور التالية :

1 ـ الوقائع والاحداث

2 ـ أعمال ليلة عاشوراء

3 ـ الابعاد المستوحاة من ليلة عاشوراء

وبما أنّ كتابنا هذا قد خُصّ بذكر ليلة عاشوراء في الحديث رأيت من الضرورة بمكان أن أتناول ليلة عاشوراء في الادب ، ولذا قمت بجمع ما تسنّى لي جمعه من قصائد وأشعار في ما يخصها ويرتبط بها ، كما إني التمست من إخواني

الصفحة 9

الادباء والشعراء المشاركة بما تجود به قرائحهم الوقّادة بما يناسب هذه الليلة حدثاً وموقفاً وتسليط الاضواء عليها ـ تخليداً لهذه الذكرى الاليمة ـ وقد رتبت تسلسل القصائد عليى حسب الحروف الهجائية لأسماء الشعراء الأولى ، مع دراسة نقدية ايضاً حولها بقلم الاستاذ ثامر الوندي وذلك لاهمية مثل هذه الدراسات ، فكان هذه هو القسم الثاني ( ليلة عاشوراء في الادب ) والذي يشتمل على الأمور التالية :

1 ـ من خصائص الأدب الشيعي وميزاته.

2 ـ أهمية النقد الأدبي الموضوعي.

3 ـ مرايا ليلة عاشوراء ( دراسة نقدية ).

4 ـ القصائد في ليلة عاشوراء.

وكما لا يفوتني أن أقدم جزيل شكري وامتناني لكل أديب بارع وشاعر مبدع استجاب معي في المشاركة في هذا العمل الحسيني.

كما آمل أني قدمتُ بذلك خدمة متواضعة للمكتبة الحسينية إذ لا زلنا في حاجة ماسة إلى الاطلاع الواسع في هذه الواقعة الاليمة ، والمعرفة التامة على أبعادها ونتائجها ، والارتباط الشديد بها وإحيائها وعدم إغفالها في أي زمان ومكان ، وليتحقق بذلك إحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام) إذ هو وظيفة على عاتق كل من يُدين بالولاء الصادق لهم ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلاته وسلامه على عباده الذين اصطفى.

عبداللّه الحسن

الجمعة | 9 | 11 | 1416 هـ

الصفحة 10

الصفحة 11

القِسْمُ الأَوَّلُ

ليْلَةُ عاشُوراءْ

في الحديث

1 ـ الوَقَائِعُ وَالأَحْدَاثُ

الصفحة 12

الصفحة 13

تَمْهِيد

في أحداث يوم التاسع

الخيل والرجال تحاصر الحسين (عليه السلام)

جاء في حديث عن الامام أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) عن يوم تاسوعا ، قال : تاسوعا يومٌ حوصر فيه الحسين (عليه السلام) واصحابه ـ رضي الله عنهم ـ بكربلاء ، واجتمع عليه خيل أهل الشام وأناخوا عليه ، وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها ، واستضعفوا فيه الحسين صلوات الله عليه واصحابَه وأيقنوا أنّه لا يأتي الحسين (عليه السلام) ناصر ، ولا يمدَّه أهل العراق ، بأبي المستضعف الغريب...(1)

حديث الأمان

روى أصحاب السير أن عُمر بنَ سعد نهضَ إلى الحسينِ (عليه السلام) عشيةَ الخميسِ

____________

(1) الفروع من الكافي للكليني : ج4 ،ص147 ، بحار الانوار : ج45 ،ص 95.

الصفحة 14

لتسع مضينَ من المحرم ، وجاء شمرٌ حتى وَقفَ على أصحابِ الحسين (عليه السلام) فقال : أينَ بنو أختِنا؟ فَخرجَ اليه العباسُ وجعفرٌ وعبدالله وعثمان بنو عليّ (عليه السلام)

فقالوا له : مالكَ وما تريد؟ قال : أنتم يا بني أختي آمِنون ، قال له الفتية : لعنكَ اللهُ وَلعنَ أمانَكَ ، لئن كُنتَ خالنَا أتؤمِنُنا وَابن رسولِ اللهِ لا أمان له ؟

الحسين يرى جده (صلى الله عليه وآله)

قال : ثُمَّ إن عُمرَ بنِ سعد نادى : يا خيلَ الله اركبي وَأبشري فركب في الناسِ ثُمَّ زَحفَ نَحوهم بعدَ صلاةِ العصرِ وحسينٌ (عليه السلام) جالسٌ أمامَ بيتهِ مُحتبياً (1) بسيفهِ إذ خفقَ برأسه على ركبتيه ، وسمعت أخته زينب الصيحة فدنت من أخيها ، فقالت : يا أخي أما تسمع الاصوات قد اقتربت.

قال : فرفع الحسين (عليه السلام) رأسه فقال : إني رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في المنام فقال لي : إنك تروح إلينا ، قال : فلطمت أخته وجهها وقالت : يا ويلتا ، فقال : ليس لك الويل يا أختي ، اسكني رحمكِ الرحمن.

وفي رواية السيد ابن طاووس ـ عليه الرحمة ـ قال : وجلس الحسين (عليه السلام) فرقد ثم استيقظ ، فقال : يا أختاه إني رأيتُ الساعةَ جدي محمد (صلى الله عليه وآله) وأبي علياً وأُمي فاطمة وأخي الحسن (عليهم السلام) وهم يقولون : يا حسين إنك رائح الينا عن قريب ، وفي بعض الروايات غداً (2).

____________

(1) احتبى الرجُلُ : جمع ظهرَهُ وساقيهِ بثوب أو غيره المصباح المنير للفيومي : ص 120.
(2) اللهوف لابن طاووس : ص39 ، بحار الانوار : ج44 ، ص391.

الصفحة 15

العباس (عليه السلام) يكلم القوم

وقال العباس بن علي (عليه السلام) : يا أخي أتاك القوم ، قال : فنهض ، ثم قال : يا عباس اركب بنفسي أنت يا أخي حتى تلقاهم فتقول لهم : مالكم وما بدا لكم ؟ وتسألهم عما جاء بهم ؟

فأتاهم العباس (عليه السلام) فاستقبلهم في نحو من عشرين فارساً فيهم زهير بن القين (1) وحبيب بن مظاهر (2) ، فقال لهم العباس : ما بدا لكم وما تريدون ، قالوا :

____________

(1) هو : زهير بن القين بن قيس الانماري البجلي ، كان رجلاً شريفاً في قومه ، نازلاً بالكوفة ، وشجاعاً له في المغازي مواقف مشهورة ومواطن مشهودة وقد كان في بادىء أمره عثمانياً ، انضم إلى الحسين (عليه السلام) في الطريق من مكة إلى العراق بعد أن كان كارهاً للقائه ، وكان في المسير ، إذا سار الحسين تخلف زهير وإذا نزل الحسين تقدّم زهير إلى أن اجتمع معه في منزل واحد بغير اختياره ، ثم أرسل إليه الحسين يدعوه وكان على الطعام فبقي كأن على رأسه الطير فقالت له زوجته دلهم بنت عمرو : أيبعث إليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه سبحان الله لو أتيته فسمعت من كلامه. ثم ذهب للحسين فما لبث أن جاء مستبشراً ، قد أسفر وجهه ، فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعه ، فقوض وحمل إلى الحسين ثم قال لزوجته أنت طالق الحقي بأهلك فإني لا اُحب أن يصيبك بسببي إلاّ خير ، ثم لحق بركب الحسين ، واستشهد زهير (عليه السلام) بعد صلاة الخوف وأبلى بلاءً حسناً.
راجع إبصار العين للسماوي : ص 95 ـ 99 ، انصار الحسين لشمس الدين : ص 88.
(2) هو : حبيب بن مظهر بن رئاب بن الاشتر بن جخوان بن فقعس بن طريف بن عمرو بن قيس بن الحرث بن ثعلبة بن دودان بن أسد أبو القاسم الاسدي الفقعسي ، كان صحابياً رأى النبي(صلى الله عليه وآله) ، نزل إلى الكوفة ، وصحب أمير المؤمنين (عليه السلام) في حروبه كلها ، وكان من خاصته وحملة علومه ومن

الصفحة 16

جاء أمر الأمير بأن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو ننازلكم ، قال : فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبدالله (عليه السلام) فأعرض عليه ما ذكرتم ، قال : فوقفوا ثم قالوا : القه فأعلمه ذلك ، ثم القنا بما يقول ،قال : فانصرف العباس راجعاً يركض إلى الحسين (عليه السلام) يخبره بالخبر.

ووقف أصحابه يخاطبون القوم ، فقال حبيب بن مظاهر لزهير بن القين : كلم القوم إن شئت وإن شئت كلمتهم؟ فقال له زهير : أنت بدأت بهذا فكن أنت تكلمهم ؟

فقال له حبيب بن مظاهر : أما والله لبئس القوم عند الله غداً قوم يقدمون عليه قد قتلوا ذريّة نبيه (صلى الله عليه وآله) وعترته وأهل بيته (عليه السلام) وعباد أهل المصر المجتهدين بالاسحار ، والذاكرين الله كثيراً (1).

فقال له عزرة بن قيس : إنك لتزكي نفسك ما استطعت !؟

فقال له زهير : ياعزرة إن الله قد زكاها وهداها فاتق الله يا عزرة فإني لك من الناصحين ، أنشدك الله يا عزرة أن تكون ممن يعين الضلاَّل على قتل النفوس الزكية

____________

شرطة الخميس ، وكان أحد الزعماء الكوفيين الذين كتبوا إلى الحسين(عليه السلام) وأخذوا البيعة له ، ولما نزل الحسين(عليه السلام) كربلاء سار إليه مختفياً والتحق به ، وكان معظماً عند الحسين وأهل بيته ، وذلك لجلالة قدره وعلو منزلته ، وقد حاول جهده في استقدام أنصار من بني أسد إلاّ أن الجيش الاموي حال دون وصولهم إلى معسكر الحسين ، وقد جعله الحسين على ميسرة أصحابه عند التعبئة للقتال ، وجاهد (عليه السلام) مستميتاً إلى أن قُتل ، واحتز رأسه التميمي فهدّ مقتله الحسين ووقف عليه وقال : عند الله أحتسب نفسي وحُماة أصحابي.
راجع : إبصار العين للسماوي : ص 57 ـ 60 ، تاريخ الطبري : ج 4 ص 336 ، أنصار الحسين لشمس الدين : ص 81 ـ 82.
(1) وفي الفتوح لابن الاعثم : الذاكرين الله كثيراً بالليل والنهار وشيعته الاتقياء الابرار.

الصفحة 17

قال يا زهير : ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت إنما كنت عثمانياً.

قال : أفلست تستدل بموقفي هذا أني منهم ؟ أما والله ما كتبت إليه كتاباً قط ، ولا أرسلت إليه رسولاً قط ، ولا وعدته نصرتي قط ، ولكن الطريق جمع بيني وبينه ، فلما رايته ذكرت به رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومكانه منه وعرفت ما يقدم عليه من عدوه وحزبكم فرأيت أن أنصره ، وأن أكون في حزبه وأن أجعل نفسي دون نفسه حفظاً لما ضيَّعتم من حق الله وحق رسوله (صلى الله عليه وآله) قال : وأقبل العباس بن علي (عليه السلام) يركض حتى انتهى إليهم.

فقال : ياهولاء إن أبا عبدالله (عليه السلام) يسألكم أن تنصرفوا هذه العشية حتى ينظر في هذا الامر ، فإن هذا أمرٌ لم يجر بينكم وبينه فيه منطق فإذا أصبحنا التقينا إن شاء الله فإما رضيناه فأتينا بالامر الذي تسألونه وتسومونه أو كرهنا فرددناه وإنما أراد بذلك أن يردهم عنه تلك العشية حتى يأمر بأمره ويوصي أهله فلما أتاهم العباس بن علي (عليه السلام) بذلك ، قال عمر بن سعد : ما ترى يا شمر؟ قال : ما ترى أنت ؟ أنت الامير والرأي رايك.

قال : قد أردت ألا أكون ثم أقبل على الناس ، فقال : ماذا ترون ؟ فقال عمر بن الحجاج بن سلمة الزبيدي : سبحان الله والله لو كانوا من الديلم (1) ثم سألوك هذه المنزلة لكانَ ينبغي لَكَ أن تُجيَبهُم إليها.

وفي رواية السيد ـ عليه الرحمة ـ فقال عمرو بن الحجاج الزبيدي : والله لو أنهم من الترك والديلم وسألونا مثل ذلك لاجبناهم ، فكيف وهم آل محمد (صلى الله عليه وآله) ؟!

____________

(1) الديلم : القسم الجبلي من بلاد جيلان شمالي بلاد قزوين ، وهي من قرى أصبهان بناحية جرجان. مراصد الاطلاع : ج2 : ص580 ، المنجد في الاعلام : ص296.

الصفحة 18

فأجابوهم الى ذلك (1)

وَقال قيسُ بن الاشعث : أجبهُم إلى مَا سألوكَ فَلعمري ليصبِحنكَ بالقتالِ غدوةً فقال :واللهِ لو أعلمُ أنْ يفعلوا ما أخرتهم العشية.

قال : وكانَ العباسُ بن عِلي (عليه السلام) حينَ أتى حسيناً بما عرضَ عليه عمرُ بن سِعد قال : ارجعْ إليهم فإنْ استطعت أن تؤخرهم إلى غدوةَ ، وتَدفعهُم عند العشيةِ لعلنا نُصلي لربِّنا الليلةَ وَندعوه وَنستغفُره ، فهوَ يَعلم أني قد كنتُ اُحبُ الصلاة لَه وَتلاوةَ كتابهِ وَكثرةَ الدعاءِ وَالاستغفارِ.

فاستمهـل السبـط الطغـاة لعله      يدعو إلـى الله العلي ويضـرع

فـأقـام لـيلتـه ينـاجي ربّـه      طوراً ويسجد في الظلام ويركع

وَرويَ عن الامام علي بن الحسين (عليه السلام) قال : أتانا رسول مِنْ قِبل عُمر بن سَعد فقامَ مثلَ حَيثُ يُسمعُ الصوتُ فقال : إنا قَد أجلناكم إلى غد فإن استسلمتم سَرحنا بكُم الى أميرِنا عُبيدِاللهِ بن زياد وَإنْ أبيتُم فَلسنا تاركيكُم (2).

حديث زينب مع أبي الفضل العباس (عليهما السلام)

وذكر البعض حديثا جرى بين العباس و بين اخته زينب (عليه السلام) وذلك بعد رجوعه من محادثة الشمر ، وقد انكر عليه رافضا أمانه الذى جاء به له و لاخوته !

____________

(1) اللهوف لابن طاووس : ص39.
(2) تاريخ الطبري : ج 4 ، ص 315 ـ 317 ، نهاية الارب للنويري : ج20 ، ص332 ـ 334 ، الارشاد للمفيد : ص 230 ـ 231 ، بحار الانوار : ج44 ، ص391 ـ 392 ، العوالم للبحراني : ج17 ، ص 243.

الصفحة 19

قال : ورجع ابو الفضل العباس (عليه السلام) يتهدرس كالاسد الغضبان استقبلته الحوراء زينب (عليها السلام) وقد سمعت كلامه مع الشمر ، قالت له أخي ان أحدثك بحديث ؟ قال : حدثي يا زينب لقد حلا وقت الحديث !

قالت : إعلم يا بن والدي لما ماتت امنا فاطمة (عليها السلام) قال أبي لاخيه عقيل : اُريد منك ان تختار لي امرأةً ، من ذوي البيوت والشجاعة حتى اصيب منها ولداً ينصر ولدي الحسين بطف كربلا ، وقد ادخرك ابوك لمثل هذا اليوم ، فلا تقصر ياأبا الفضل!

فلما سمع العباس (عليه السلام) كلامها تمطى في ركاب سرجه حتى قطعتهما ، وقال لها : أفي مثل هذا اليوم تشجعينني وأنا ابن أمير المؤمنين (عليه السلام) ؟! فلما سمعت كلامه سرّت سروراً عظيماً (1).

بطل إذا ركب الـمطهم خلتـه     جبلاً أشّم يخف فيـه مـطهـم

بطل تـورث من أبيه شجاعةً      فيها انوف بني الضلالة تـرغم

وقد أجاد السيد محمد رضا القزويني حيث يقول :

قـرت  لـها عـين الـكريمة iiزينب      لـتراك اهـلاً أن تـصون iiخـباءها
فـمـضت تـقـص عـلـيك iiدورا      عاصفاً فيك الشهامة ما اعتزمت فدائَها
فـي لـيلة طـاب الحديث الحلو iiمن      اخـت و أنـت عـلى الجواد إزاءها
تـروي  مـصاهرة الـكرام iiبـقصة      قـد انـجبتك و لـم تـرد iiاخـفاءها
فـهززت سـيفك أن تُـطمئن قـلبها      بـيـد  تـلقت فـي غـد iiجـذاءها
 

____________

(1) ثمرات الأعواد : للسيد علي الهاشمي : ج1 ،ص167 ـ 168.

الصفحة 20

فـتصاعدت بـيضاء تـدعوا iiربّـها      ألا  يَـخـيبَ الـسـائلون iiرجـائَها
فـتـحَّدث  الـتـاريخُ عـنها iiأنَّـها      مـلئت بـأسخى الـمكرُمات iiعطائَها

حديث زهير مع أبي الفضل العباس (عليه السلام)

ومثل هذاالحديث حديث أخر جرى بين زهير بن القين مع أبي الفضل العباس (عليه السلام) كما في أسرار الشهادة للدربندي ـ عليه الرحمة ـ قال : أتى زهير إلى عبدالله بن جعفر بن عقيل قبل أن يقتل ، فقال له : يا أخي ناولني الرّاية.

فقال له عبدالله : اوفيَّ قصور عن حملها؟! قال : لا ، ولكن لي بها حاجة ، قال : فدفعها إليه ، وأخذها زهير وأتى فجأة العباس بن علي (عليه السلام) وقال ! يابن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، أريد أن احدثك بحديث وعيته ، فقال : حَدّث ، فقد حلا وقت الحديث.

فقال له : اعلم يا أباالفضل ، إنَّ أباك أمير المومنين (عليه السلام) ، لما أراد أن يتزوج بإمِك اُم البنين ، فبعث إلى أخيه عقيل ، وكان عارفاً بأنساب العرب ، فقال (عليه السلام) : يا أخي ، اُريد منك أن تخطب لي امرأةً من ذوي البيوت والحسب والنسب والشجاعة ، لكي اُصيب منها ولداً يكون شجاعاً وعضداً ينصر ولدي هذا ، وأشار الى الحسين (عليه السلام) ليواسيه في طفّ كربلاء ، وقد ادّخرك أبوك لمثل هذا اليوم ، فلا تقصر عن حلائل أخيك وعن إخوانك ؟ !

قال : فارتعد العباس وتمطى في ركابه حتى قطعه ، قال : يازهير ، تشجعني في مثل هذا اليوم ؟ والله لأريَّنكَ شيئاً ما رأيتَه قط (1)

____________

(1) أسرار الشهادة للدربندي : ج2 ، ص497 ، معالي السبطين للحائري : ج1 ، ص434 ، مقتل الحسين للمقرم : ص209 بتفاوت.

ليلة عاشوراء

الأستاذ جواد جميل

آه يـا لـيلةَ الاسـى iiوالدموع      اطفئي في دم الطفوف iiشموعي
ودعيني أعيش في ظلمة الحزن      فـعمري شـمسٌ بـغيرِ طلوع
وانثري في عيوني الجمرَ iiوقاداً      وخـلي اللهيـبَ بين iiضلوعي
وأمسحي  بالسواد لونَ iiوجودي      فـلقد  كـفّن الـرمادُ iiربـيعي

الشيخ مهدي المصلي

ليلةٌ أسهـرت عيـون الليـالـي     لتُـرينــا عـزائـمَ الأبطـالِ

وتُرينا الشمـوسَ تفتـرسُ الليـ     ـلَ لتمحو عصرَ الليالي الطوالِ

وتُرينا الإنسانَ يسمو على النجـ     ـمِ منـاراً ورجلُـهُ في الـرمالِ

الأستاذ جاسم الصحيّح

يـا ليلةً كسـتَ الـزمانَ بغـابة     من روحهـا قمريـة الادغـال

ذكـراكِ ملحمـةٌ توشَّحَ سِفـرُها     بـروائع نُسجت مـنَ الاهوال

فهنا الحسين بخيطُ من أحلامـه      فجرينِ فجرَ هوىً و فجرَ نِضال

الصفحة 22

الأستاذ يقين البصري

يا ليلة يامخاض الـدهر يـاحقباً      قدسيةً يـانضالاً مـورقاً ذهبـا

يا ليلة مـن عـذابات مطـرزة       بالكبرياء شطبت المحل والجدبا

الأستاذ فرات الأسدي

جنهم فـي الطـفِ ليلٌ وهـمُ      بالحسين الطهر قد جنّوا خبالا

فاشهـدي يا ليلة الضوء هوىً      نضراً يبتكـر الرؤيـا جمالا

السيد مدين الموسوي

يا ليلةً وقـفَ الزمـانُ بهـا    وجلاً يُدونُ أروع الصـور

وقف الحسين بها ومن مـعه     جبلاً وهم كجنادل الحجـر

الشيخ عبد الكريم آل زرع

أليلةَ عاشـوراءَ يـا حلكاً شَبَّـا     حنينك أدرى من نهارك ما خبّا

وما خبّأ الآتي صهاريج أدهـُرٍ     بساعاتِه قـد صبّ صاليَها صبّا

الشيخ علي الفرج

أنت يـا ليلة انخسـاف المرايـا     في وجـوه السنيـن والأحقاب

غُرست فيك آهتـي واحتضاري     ونمت فيك صـرختي واغترابي

الصفحة 23

الحسين عليه السلام يخطب في اصحابه

ويأذن لهم بالتفرّق عنه

روي عن الامام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام قال : جمع الحسين عليه السلام اصحابه بعدما رجع عمر بن سعد وذلك عند قُرب المساء ، قال : فدنوت منه لاسمع وأنا مريض فسمعتُ أبي وهو يقول لاصحابه : أُثني على الله تبارك وتعالى أحسنَ الثناء وأحمدَهُ على السّراء والضراء أللهم اني أحَمَدُك على أن أكرمتنا بالنبوّة ، وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين ، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدةً ، فاجعلنا من الشاكرين.

أما بعد فإني لا أعلمُ أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي ولا أهل بيت أبرَّ ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكُم الله عني جميعاً خيراً ، ألا وإني أظنُ يوَمنا من هؤلاءِ الاعداءِ غداً إلاّ واني قد أذنتُ لكم ، فانطلقِوا جميعاً في حل ليس عليكم حَرجٌ منّي ولا ذمام هذا الّليلُ قد غشيّكم فاتّخذوه جَمَلا (1).

____________

(1) جاء فى المثل : اتخذ الليل جملا ، وهو يضرب للرجل يجد فى طلب الحاجه ، يقال : شمر ذيلا وادرع ليلا هكذا قال بعضهم ، وقال اخرون : معناه ركب الليل فى حاجته ولم يَنمْ حتى نالها
وقولهم : الليل أخفى للويل ، اذا اردت ان تاتى بريبةٍ فأتها ليلاً فإنَّهُ أسترلها ، وكتب عبدالله بن طاهر إلى ابنه ، وقد بلغه عنه اقبال على اللهو :
فبادر الليل بما تشتهى * فانما الليل نهار الاديب

الصفحة 24

وليأخُذ كلُ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ، وتفرّقوا في سَوادِكم ومدائنكم حتى يُفرجَ الله ، فإنَّ القومَ إنما يطلبوني ولو قد أصابوني لَهوا عن طلب غيري.

جواب بني هاشم والانصار للحسين عليه السلام

فقال له إخوتُه وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبدالله بن جعفر : لِم نفعل ؟ لنبقى بعدَكَ! لا أرانا الله ذلك أبداً ، بدأهم بهذا القولِ ، العباسُ بن علي عليه السلام ثم إنهم تكلموا بهذا أو نحوه....

وفي رواية أخرى : فقام اليه العباس بن علي أخوه عليهما السلام وعلي ابنه ، وبنو عقيل ، فقالوا له : معاذ الله والشهر الحرام ، فماذا نقول للناس إذا رجعنا إليهم ، إنا تركنا سيدنا ، وابن سيدنا وعمادنا ، وتركناه غرضاً للنبل ، ودريئةً للرماح ، وجزراً للسباع ، وفررنا عنه رغبةً في الحياة ، معاذ الله ، بل نحيا بحياتك ، ونموت معك !! فبكى وبكوا عليه ، وجزاهم خيراً (1)

فقال الحسين عليه السلام : يا بني عَقيل ، حَسبُكم من القتلِ بمسلِم ، اذهبوا قد أذِنتُ لكم !.

قالوا : فما يقولُ الناس ؟ يقولون : أَنا تركنا شَيخَنا وسيدَنا وبني عمومتِنا خيرَ الاعمام ، ولم نرْم معَهم بسهم ، ولم نطعن معهم برمح ، ولم نضرب معهم بسيف ، ولا

____________

وقال بعض العرب و انشدني بالحجاز فتى من هلال :
فلـم ار مثل الليل جنه هارب * ولا مثل حد السيف للمرء صاحبا
راجع : كتاب جمهرة الامثال لابي هلال العسكري : ج1ص 88 ج2 ص 181 ـ 182.
(1) مقاتل الطالبيين لابي فرج الاصفهاني : ص112.

الصفحة 25

ندري ما صنعوا ! لا والله لا نفعل ، ولكن تفديك أنَفسُنا وأموالنُا وأهلونا ونقاتلُ معك حتى نردَ مورِدَك فقبحَ اللهُ العيشَ بعدَك !.

فقام إليه مسلمُ بنُ عوسجة الاسدي (1) فقال : أنحنُ نخلي عنك ولمّا نعذر إلى الله في أداء حقِك ؟ أما واللهِ حتى أكسر في صدورِهمْ رمحي وأضربَهمْ بسيفي ما ثبت قائمُه في يدي ولا أُفارقُكَ ولو لم يكنْ معي سلاح أقاتُلهم به لَقذفتُهم بالحجارة دونَك حتى أموت معك.

وقال سعد بن عبد الله الحنفي (2) : واللهِ لا نخليكَ حتى يعلمَ اللهُ أنا قد حفظنا

____________

(1) هو : مسلم بن عوسجة بن سعد بن ثعلبة بن دردان بن أسد بن خزيمة ابو حجل الاسدي السعدي ، كان رجلاً شريفاً عابداً متنسكاً ، قال ابن سعد في طبقاته : وكان صحابياً ممن رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكان فارساً شجاعاً له ذكرٌ في المغازي والفتوح الاسلامية ، وكان ممن كاتب الحسين ـ عليه السلام ـ في الكوفة ووفى له ، وومن أخذ البيعة له عند مجيء مسلم بن عقيل إلى الكوفة ، وهو أول قتيل من أنصار الحسين بعد قتلى الحملة الاُولى ، وقد جاء في الزيارة المنسوبة للناحية المقدسة في مسلم بن عوسجة : وكنت أول من شرى نفسه وأول شهيد من شهداء الله قضى نحبه ، ففزت ورب الكعبة ، شكر الله لك استقدامك ومواساتك إمامك إذ مشى إليك وأنت صريع فقال : يرحمك الله يا مسلم بن عوسجة وقرأ : ( منهم مَن قضى نَحبَه وَمِنهمْ مَنْ يَنتظِرُ وَمَا بَدّلوا تبديلا ) لعن الله المشتركين في قتلك عبدالله الضبابي وعبدالله بن خشكارة البجلي ، وفيه يقول السماوي :
ان امــرءاً يمشـي لمصـرعه      سبـط النبـي لفـاقـد التـرب
أوصـى حبيبــاً ان يجـود لـه      بـالنفس مـن مقة ومـن حب
اعزز علينا يـا بـن عـوسجـةٍ      من ان تفـارق سـاعة الحرب
عـانقـت بيضهـم وسمـرهـم       ورجعت بعـد معـانق التـرب
ابكـي عليـك ومـا يفيـد بكـا      عيني وقـد أكل الاسـى قلبـي
راجع : بحار الانوار : ج 45 ص 69 ، أبصار العين للسماوي : ص 61 و 64.
(2) هو : سعد بن عبدالله الحنفي ، وذكر في كتاب الحسين عليه السلام إلى أهل الكوفة باسم سعيد ، أما بعد فإن

الصفحة 26

غَيبةَ رسول اللهِ صلى الله عليه وآله فيك ، واللهَ لو علمتُ أني أقتلُ ثم أحيا ثم أحرقُ حيَّاً ثم اذرُّ يُفعلُ ذلك بي سبعين مرةً ما فارقتُك حتى ألقى حِمامي دونَك ، فكيف لا أفعل ذلكَ وإنما هي قتلةٌ واحدةٌ ، ثمَّ هيَ الكرامةُ التي لا انقضاء لها أبداً !.

ثم قام زُهير بن القين (1) وقال : واللهِ لوددتُ أني قُتلتُ ثم نُشرتُ ثم قُتلتُ حتى أقتلَ كذا ألف قتلة ، وأن اللهَ يدفعُ بذلكَ القتلَ عن نفسِك وعن أنفُس هؤلاءِ الفتيةِ من أهل بيتك !.

وتكلم جماعةُ أصحابهِ بكلام يشبهُ بعضه في وجه واحد ، فقالوا : واللهِ لا نُفارِقُكَ ، ولكن أنفُسنا لكَ الفداء ! نَقيكَ بنحورِنا وجباهِنا وأيدينا ، فإذا نحنُ قُتِلنا كُنا وفَينا وقضينا ما علينا (2).

____________

سعيداً وهانياً قدما عليَّ بكتبكم ، وذكر باسم سعد كما في زيارة الناحية ، كان من وجوه الشيعة في الكوفة ، وذوي الشجاعة والعبادة فيهم ، وهو أحد الرسل الذين حملوا رسائل الكوفيين إلى الحسين عليه السلام وبعثه مسلم بن عقيل بكتاب إلى الحسين وبقي معه حتى جاء معه كربلاء ، وروى أبو مخنف : أنه لما صلّى الحسين الظهر صلاة الخوف ، اقتتلوا بعد الظهر ، فاشتد القتال ، ولما قرب الاعداء من الحسين عليه السلام وهو قائم بمكانه ، استقدم سعيد الحنفي أمام الحسين ، فاستهدف لهم يرمونه بالنبل يميناً وشمالاً ، وهو قائم بين يدي الحسين يقيه السهام طوراً بوجهه ، وطوراً بصدره ، وطوراً بيديه ، وطوراً بجنبيه ، فلم يكد يصل إلى الحسين عليه السلام شيء من ذلك ، حتى سقط الحنفي إلى الارض وهو يقول : اللهم العنهم لعن عاد وثمود ، اللهم أبلغ نبيك عني السلام وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح فإني أردت ثوابك في نصرة نبيك ، ثم التفت إلى الحسين ، فقال اوفيت يا بن رسول الله ، قال : نعم أنت أمامي في الجنة ، ثم فاضت نفسه النفيسة.
راجع : إبصار العين : ص 125 ـ 126 ، أنصار الحسين لشمس الدين : ص90 ـ 91.
(1) تقدمت ترجمته.
(2) تاريخ الطبري : ج 4 ، ص 317 ـ 318 ، نهاية الارب للنويري : ج20 ص434 ، الكامل في التاريخ

الصفحة 27

الحسين عليه السلام يأذن للحضرمي (1) بالانصراف لفكاك ولده

وقيلَ لمحمّدِ بن بشر الحضرمي في تلكَ الحال : قد أُسرَ ابنُك بثغر الرّي (2) فقال : عندَ اللهِ احتسبه ، ونفسي ما كُنتُ اُحب أَن يُؤسرَ وأن أبقى بعده !

فَسمِعَ الحسين عليه السلام قولَه ، فقال : رَحِمك َ اللهُ ، أنت في حل من بيعتي ، فاعملْ

____________

لابن الاثير :ج4 ، ص57 ـ 58 ، مقتل الحسين للخوارزمي : ص 246 ـ 247 ، اللهوف : ص 39 ـ 40 ، الارشاد للمفيد : ص 231 ، اعلام الورى للطبرسي : ص 237 ـ 239 ، امالي الصدوق : ص 133 ، بحار الانوار : ج 44 ، ص 316.
(1) هو : بشر بن الاحدوث الحضرمي الكندي ، ذُكر في زيارة الناحية باسم بشر ، وذكر في الزيارة الرجبية باسم بشير ، وذكره السيد الخوئي ( قدس سره ) مردداً بين بشر وبشير ، وقال الشيخ شمس الدين : ومن المؤكد أنه هو : محمد بن بشير الحضرمي الذي ورد ذكره عند السيد ابن طاووس بقرينة ذكره لقصة ابنه وقد وردت القصة في الزيارة مقرونة باسم بشر أو بشير على اختلاف النسخ. وكان بشر من حضرموت وعداده في كندة ، وكان تابعياً وله أولاد معرفون بالمغازي ، وكان بشر ممن جاء إلى الحسين عليه السلام أيام المهادنة ، وهو أحد آخر رجلين بقيا من أصحاب الحسين قبل أن يقع القتل في بني هاشم ، والاخر هو سويد بن عمرو بن أبي المطاع ، وقتل بشر في الحملة الاُولى.
راجع : ابصار العين : ص 103 ـ 104 ، أنصار الحسين لشمس الدين ص77 ـ 78 ، معجم رجال الحديث للسيد الخوئي ( قدس سرّه ) : ج 3 ص 314.
(2) الثغر : بالفتح ، ثم السكون ، وراء كل موضع قرب من أرض العدو وسميّ ثغراً من ثغرة الحائط ، لانه يحتاج أن يحفظ لتلا يأتي العدوّ منه.
والرَّيّ : بفتح أوله ، وتشديد ثانيه : مدينة مشهورة من أمهات البلاد واعلام المدن ، كثيرة الخيرات ، قصبة بلاد الجبال ، على طريق السابلة وبين طهران نحو فرسخ. مراصد الاطلاع ج1 ، ص 597 ، و ج2 ، ص 651 و ص 899.

الصفحة 28

في فكاكِ ابنِك ؟!

فقال : أكلتني السّباعُ حيّاً إ نْ فارقتُكَ !

قال : فاعطِ ابنَكَ هذهِ الاثواب البُرُود ، (1) يستعينُ بها في فداء (2) أخيهِ ، فأعطاه خَمسةَ أثوابَ قيمتُها ألف دينار (3).

ولله درّ السيد رضا الهندي ـ عليه الرحمة ـ إذ يقول في هذه الصفوة الانجاب :

صيداً إذا شبّ الهياج وشابت ال      ارض الـدما والطفل رعباً iiشابا
ركزوا  قناهم في صدور عداتهم      ولـبيضهم  جعلوا الرقاب iiقرابا
تجلو  وجوههم دجى النقع iiالذي      يـكسو  بـظلمته ذكـاء نـقابا
وتـنادبت لـلذب عـنه عصبة      ورثـوا  الـمعالي أشيباً iiوشبابا
مـن يـنتدبهم لـلكريهة iiينتدب      مـنهم ضراغمة الاسود iiغضابا
خفوا لداعي الحرب حين iiدعاهم      ورسوا  بعرصة كربلاء iiهضابا
أسـدٌ  قد اتخذوا الصوارم iiحلية      وتـسربلوا حـلق الدروع iiثيابا
تـخذت عيونهم القساطل iiكحلها      وأكـفّهم فـيض النحور خضابا
يـتمايلون كـأنما غـنى iiلـهم      وقـع  الـضبا وسـقاهُمُ أكوابا

____________

(1) البرود : مفرده بُرد بالضم فالسكون ، و هو : ثوب مخطَّط ، و قد يُقال لغير المخطَّط أيضاً ، وجمعه بُرُود وأبرادٌ وأبرُد ، و منه الحديث : الكفن يكون بُرداً ، فإن لم يكُن بُرداً فاجعله كله قطناً ! و البُرودَة : كساءٌ أسود مربّع فيه صغر يكتسيه الاعراب ، وفي المنجد انه كساء من الصوف الاسود يلتحف به ، انظر : مجمع البحرين للطريحي : ج3 ، ص 13 ، المنجد : ص33.
(2) الفداء : بكسر أوله يُحدّ ويقصر وإذا فتح فهو مقصور ، والمراد به فكاك الاسير واستنقاذه بالمال ، يقال : فداه من الاسر تفدية إذا استنقذه بمال. مجمع البحرين للطريحي : ج 1 ص328.
(3) اللهوف : ص 40 ، بحار الانوار : ج 44 ، ص394 ، العوالم : ج17 ، ص244 ، أسرار الشهادة للدربندي : ج2 ، ص221 ، ترجمة الامام الحسين ( من تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ) ص221 ، ح202.

الصفحة 29

بـرقت سيوفهم فـأمطرت الطلا     بدمائهـا والنقـعُ ثـار سحابا

وكـأنهـم مـستقبلون كواعبـاً      مستقبلـيـن أسنـةً وكعـابـا

وجدوا الردى من دون آل محمد      عذبـاً وبعدهـم الحياة عذابـا

ودعاهـم داعي القضـاء وكلُهُم      ندبٌ إذا الداعي دعاه أجابا (1)

الامام الحسين عليه السلام لا يأذن بالشهاده لمن كان عليه دين

روي عن موسى بن عمير ، عن أبيه قال : أمرني الحسين بن علي عليه السلام قال : نادِ أَنْ لا يُقتل معي رجلٌ عليه دَينٌ ، وناد ِبها في الموالي فإنّي سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله يقول : من مات وعليه دين اُخذ من حسناته يومَ القيامة (2)

و بمضون آخر وردت أيضاً عن موسى بن عمير الانصاري ، عن أبيه ، قال : أمرني حسين بن علي عليهما السلام فقال : نادِ في الناس أنْ لا يقاتلِنَّ معي رجلٌ عليه دينٌ ، فإنَّهُ ليس من رجُل يموتُ و عليه دينٌ لا يَدعُ له وفاءً إلا دخلَ النَّار !!

فقام إليه رجلٌ فقالَ : إنَّ امرأتي تكفّلت عنّي ؟

فقال : و ما كفالَةُ امرأة ، و هل تقضي امراةٌ (3).

وذكرها الذهبي أيضاً : عن الثوري عن أبي الجحَّاف ، عن أبيه : أن رجلاً قال للحسين عليه السلام : إنَّ عليَّ ديناً.

قال عليه السلام : لا يُقاتلُ معي مَنْ عليه دين (4)

____________

(1) رياض المدح والرثاء للقديحي : ص94 ـ 95.
(2) إحقاق الحق : ج 19 ص 429 ، موسوعة كلمات الامام الحسين : ص 417
(3) احقاق ألحق : ج 19 ، ص 429 ، موسوعة كلمات الامام الحسين ، ص 417 ـ 418 ، حياة الامام الحسين للقرشي : ج3 ، ص171 ، المعجم الكبير للطبراني : ج 3 ، ص 132 ، ح6872.
(4) سير أعلام النبلاء للذهبي : ج 3 ، ص 301.
 
الفهرسالصفحة اللاحقة

 

طباعة الصفحةأعلى