دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 83

كأنَّهـا جَـرَتْ تـَحـُثُّ الخُطـى وَيْـلـيَ مـمـا شَمَّـرَت فـي مضاءْ
قـد عاجَلَتْنـي ، والنـَّوى محـنةٌ قـاسَـيتـُهـا وللـيالـي قــضـاء
وَيْـحَ الـثمـانين جـَلَبْـنَ البِلـى وهـو سلـيل الشـرِّ تِـرْبُ الـبـلاء
دَعْـهـا وجـاوزْها لخيـرٍ مَضى لـم يُبْـتـَذَلْ بــزُخـرفٍ أو طـلاء
غـنَّيـتُ فـي أمسي عـلى فقره ونالـنـي مـنـه وفـيـرُ الـسخـاء
غـنَّيتُ ما قـد جاءني مـن غناءْ بـعـض قـوافٍ غَــنِـيـَتْ بالأداء
ما كنـتُ أسعـى لجميـل الـثناء بل رحٌت في وَجـْديَ أبـغي النـقـاء
فلـم أكـن بالفـقر فـي وحشـةٍ بـل كنت أُلغـي فيـه بعـضَ الثـراء
وكان لـي مـا كان مـن سمْحـهِ مـمّـا تبـيَّنـتُ بـه مـن عـطـاء
يـا رحمـةَ الله عـلـى فـائـتٍ مـن زُهــرِ أيـّامٍ مــِلاء ظِـماء
سالَمـتُهـا ومـِلْتُ عن بعضهـا وقـد يـشين الـصفو بـعضُ الـغُثاء
مـا ضَـرَّني مـن زَبَـدٍ أو جُفاء إن كنـتُ في حـصانـةِ مـن فـتاء
وكان لـي صفـوة صخبٍ بهـم أنـيَ عـن وَعْث(1) القَذى(2) في وِقاء
قـد كنتُ أُغـضي عن هِناتٍ بما يـضـيـع منـها فـي ثـنايا الصفاء
ويـحَ الثـمانين وقـد جـئتُهـا مُحـاصَـراً وليـسَ لـي مـن نجـاءْ
قـد وَهَـنَ العظمُ(3) وبي كَبْـرَةٌ أقسـو علـيهـا بـكـريـم الإبــاء
وافَــتـْنـيَ الأيــام لا أدَّري سِهـامُهـا وهـي تـجـيد الـرِّمـاء
وكـم يُـطيق المُـرَّ ذو غُربـةٍ يلقـى بمـا يَصـلاه بـعضَ العـزاء
طـوبـى لمقهـورٍ خبــا نورُه فـعـاثَ فـي جــُرحٍ بـه أيّ داء
فأيـن ممـا فـيه بعض الـدواء فـهــل لــه أن يَتَحـرَّى الشفـاء
طـوبى لمـن جُرِّد عـن أمـسِه وذيـدَ عـنـه كــلُّ رَحـْبٍ فضاءْ

(1) الوعث : من كل شيء مكسوره ، العسر الغليظ ، كلما يدعو إلى المشقة .
(2) القذى : التراب المدقق ، ما يقع في العين فيؤذيه ، ويقال فلان «يغضي على القذى» أي يحتمل الضيم ولا يشكو ، ومنه المثل المعروف أيضاً : «يبصر أحدكم القذى في عين أخيه ويعمى عن الجذع في عينه» ، وقال علي عليه السلام : «وفي العين قذى وفي الحلق شجى» .
(3) وجاء في سورة مريم الآية : 4 «قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً» .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 84

ويـا أسى المنزوعِ عـن غرسه قـد ديـسَ غـرسٌ وعداكَ انتمـاء
ويـا أخـا العُمـر وُقيتَ النوى صَنَعتَ خيراً ، هـل أصبْتَ الجزاء ؟
أمسُـكَ ضاحٍ(1) بشميم الضحى رَفَّ(2) الشذى(3) في صبحه والمساء
أنِلْنـي النجـوى تعـيـد الهوى وكيـف داري ورحـيـب الفِنـاء ؟
يـا صاحبي البعيد هل من حمىً أصبْـتَـه مغـتـرِبـاً فـي جَفـاء
تَـغَـيَّـرت بعـدكَ أيـّامـنـا فحـالُنـا مـن كـل همسٍ خواء(4)
يا صاحبي الغريب هل من رجاءْ طـالَ بنـا الليـلِ فأين الرجـاء ؟
إنـا نَسيـنـا خادعـاتِ المُنـى بمـا نسينـا مـن نعيـم الرخـاء
أفـي الثمـانيـن يعانـي الأسى مـن باتَ لا يعـرف إلا العَفـاء ؟
كـأنّ في الـدار التـي جئتُهـا مـا يعتـريني مـن نجـيّ الخلاء
أُجيل(5) طرْفي فـي بعيـدٍ دَجا كأنَّـنـي أرمـي بـه فـي العَراء
فـلا الرياضُ الحاليات الـذُّرَى تـأخذنـي ولا المنـيـف البنـاء
إنّ الثمـانـيـنَ أمـا أخلَفـَتْ لا بوركَتْ ، فكيف نُجري الدعاء ؟
إنّـي لأعنيهـا ببعـض الرثاء إنْ لـم يكـنْ منـّي نشيجُ البكـاء
دجـا أمامـي كـلُّ مـا يغتلي من ريبـة لم تبـدُ لـي مـن وراء
يـا صاحبي البعيـد هـل نبأةٌ نبيلـةٌ أستـَفُّ(6) منها الرُّواء(7)؟
فمـا أرانـا بعـد طول الشقاء إلاّ الأُلـى قـد آمنـوا بالـوفـاء
إنّـا لَنَـنْـمـى لكـرامٍ أبـَوا مـن العـراق السَّمـْح إلاّ الـوَلاء
يا صاحبـي البعيد لـي حاجة أطـمـح فيهـا أن تجيـبَ النتداء
إنـي لأرجو منك بعضَ الوفاء وقـد دعانـي منـك طـيفُ اللقاء

(1) ضاح : مزج .
(2) رف : أحدق .
(3) الشذى : قوة ذكاء الرائحة .
(4) الخواء : الفارغ والخالي .
(5) أجال : أدار .
(6) استف : من سَفَّ بمعنى نسج يقال : اسف الشيء إذا ألصق بعضه ببعض ، واسف الأمر : إذا قاربه ، واسف النظر : إذا حدده .
(7) الرُّواء : بالضم ، حسن المنظر ، ماء الوجه .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 85

أتُسمِـعُ الموجِعَ مـن صـيحـتي فيمـا اعتـراني مـن وجيع الغِناء
حـبَوتُهـا نفسي وصُنتُ الحيـاءْ وكـان فيـهـا لـي بعضُ الغَنـاء
أخي البعـيد الدار ، لو صِرتَ لي ممـن يـمُـدّ اليـوم حبـلَ الإخاء
لكـنـتَ أوفـى بالذي جـَنّ بـي فـي أضلـعٍ بالـوجد منـّي رِواء
لكنّـنـي أمسَيـْتُ فـي عـالـمٍ سُـوِّدَ فـيـه كـلُّ نخْـبٍ هـواء
يـا بـؤس مَن يحمل زَيْف اللواءْ يسعـى إلـى الذروة يبغي العـلاء
ساءَلْتُ نفسي كـيف كيفَ الهدى وقد تحـدَّى العصـرَ أهـل الغباء
ولـم يكـن للعلـم فـينـا هَوىً وقـد طَـوى البساط أهـل الذكـاء
قـد كـانَ مـا كـان فإنا إلـى غـدٍ ويبـدو فيـه دَرْبُ الفـَنـاء
قـد كان من ذا بعـضُ ما قالَ لي أخٌ قَضـى مع رفقـةٍ فـي الخفاء
تَخَـلَّ عـن ذا واستفـدْ حـكمةً يوشـك ان يقضـي عليهـا الهُراء
ويـحَ الثـمانيـن جلَبـْنَ الـذي ضقتُ به ، لو كان بعضُ «البَداءْ»(1)

وجاء تاريخها كما في مجلة الموسم : 29/9/1996م (21/5/1417هـ)(2) ويبدو أنه يعاني الغربة كثيراً رغم أنه على جوار من وطنه العراق ويعيش في بلد يشترك مع وطنه بالعقيدة واللغة ، ولكن الغربة غربة حتى إذا ابتعد المرء عن ربع أهله وهي أعزته فكيف به إذا بلغ الثمانين وهو يعيش على بوابة وطنه بأمل أن يعود إلى تلك الربوع بأسرع ما يمكن ، إنه يسلي نفسه بكلمة قالها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في أمثاله : «طوبى للغرباء» حيث ورد

(1) البداء : في اللغة تجدد الرأي ، ظهور الرأي ، وعند المتكلمين لا يجوز نسبة هذا المعنى إلى الله جل وعلا . نعم من قال بأنها تعني النسخ فلا إشكال وهو من باب المجاز ، وهناك من أجازه بالشكل التالي أن هناك لوحان : اللوح المحفوظ والذي لا يقبل التغيير ، لأن ما فيه جاء بعد القدر فقضى به ولوح المحو والإثبات والذي فيه مقدرات كل شيء أيضاً إلا أن فيها خيارات بمعنى أن المرء وضعه معين فإذا عمل ما يناقضه تحول إلى الأوفى وإن عمل ما يؤاتيه فيتحول إلى الأعلى ، وفي هذا اللوح لا توجد النتائج كما في اللوح المحفوظ لأنه تعالى يعلم النتائج إلا أنه احتجبها عن ملائكته لطفاً بعباده ، فعليه إذا أريد بالبداء ما في اللوح الثاني فهذا جائز وأما بالنسبة إلى اللوح المحفوظ فلا يعقل ذلك في حقه ، والله العالم .
(2) مجلة الموسم الهولندية : 32/ الصفحة : 289 .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 86

في رسالته إلى صديقه عبد الغني الخليلي :
«تحية طيبة وبعد : فكيف أقول وأنا أتسلم سلاماً غريباً ، أقول ما قاله الرسول الكريم : طوبى للغرباء ، أخي أهديك قصيدة لي وقد بلغت الثمانين وأنا أطوي رحلة العمر...» .
وفي الختام نهديه هذا البيت ـ من البسيط ـ :
ليس الغريب غريب الأهل والوطن بل الغريب غريب العلم والأدب

دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 87

(5)
إبراهيم بن حسن التوبلي
القرن 13 ـ القرن 14هـ = القرن 19 ـ القرن 20م

هو الشيخ إبراهيم بن حسن بن علي التوبلي البحراني ، ولد في توبلي(1) في القرن الثالث عشر وتوفي في القرن الرابع عشر الهجري حسب ما يستفاد من سيرة معاصريه .
وصفه التاجر(2) : بالعالم الفقيه والفاضل النبيه والأديب البارع والكامل الكريم المؤتمن ، وقال : رأيت له منظومة نواحة طويلة في رثاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وغير ذلك من القصائد ، في رثاء أهل البيت عليهم السلام .
ومن المؤسف ، أن الذين ترجموه ، اقتصروا على جوانب بسيطة من شخصيته ولم تنجح محاولاتنا الحثيثة في البحرين وغيرها في العثور على نتاجاته ، ولا زلنا نأمل في الحصول على أشعاره وسيرته .

(1) تُوبلي : بالضم قرية تقع شمال مدينة عيسى على بعد نحو سبع كيلومترات من جنوب المنامة عاصمة البحرين .
(2) التاجر : هو محمد علي بن سلمان بن أحمد بن عباس التاجر أسس مكتبة تجارية باسم المكتبة العباسية في البحرين عام 1339هـ ، وكان عضواً إدارياً في المدرسة الجعفرية عندما تأسست عام 1365هـ ، وكان من مؤسسي دائرة الأوقاف الجعفرية ، ودائرة أموال القاصرين ، ومن المساهمين في بناء مدرسة الهداية الخليفية ، وكان من العلماء الأدباء ، له كتاب عقد اللآل في تاريخ أوال ، ولا يخفى أن سلمان بن أحمد ـ كما سيأتي في ترجمة إبراهيم بن محمد آل نشرة ـ ولد عام 1307 وتوفي عام 1342هـ .
(3) موسوعة شعراء البحرين : 1/3 عن منتظم الدرين في أعيان الاحساء والقطيف والبحرين : 1/4 ، له ترجمة في أعلام الثقافة الإسلامية في البحرين : 3/461 .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 88

(6)
إبراهيم بن حسن قفطان(1)
1199 ـ 1279هـ = 1785 ـ 1862م

هو الشاعر الشيخ إبراهيم بن حسن بن علي بن عبد الحسين بن نجم السعدي الرباحي ، ولد في الحسكة(2) عام 1199(3)هـ ونشأ بها في ظل والده وأخذ مبادئ العربية والإسلامية من فضلائها وتتلمذ على الشيخ على

(1) القفطان : قيل أنها كلمة أعجمية تعني الجبة البيضاء ولكن لم يثبت أعجمتها ، نعم جاء في المنجد «الخفتان» بالفتح نوع من الثياب وهي فارسية ، ولعلها تحرفت ، ويقول دهخدا : إن كلمة قفطان لم تستخدم في العربية قبل القرن 16 الميلادي (بدأ القرن الميلادي هذا عام 906هـ) إلا أن ابن بطوطة المتوفى عام 779هـ قال في رحلته : 93 «وكنت أرى ـ أبو عبد الله الخليل ـ لابساً بيضاء قصيرة من ثياب القطن المدعوة بالقفطان» ولا يخفى أن القمي ذكرها في الكنى والألقاب مضمومة القاف فإذا كان أصلها خفتان حرفت حركاتها وحروفها ، ووجه النسبة ان جدهم الأعلى كان يلبس هذا ألنوع من الجبة فقيل له أبو قفطان ولقب أولادهم بها كما يذكر الأمين في الأعيان : 2/125 نقلاً عن بعض أحفاده ، وأما في لسان العرب : 11/257 ، فيقول إن القفط هو شدة لحاق الرجل بالمرأة أي شدة احتفازه ، والنسبة إليه قفطي بالفتح وهو الكثير الجماع ، ولم يذكر لها تثنية بالمعنى الذي ذكروه ، وربما كان القفط بمعنى المكافأة ، والله العالم .
(2) الحسكة : بكسر الحاء ، وسكون السين وهي منطقة واسعة في وسط الفرات الأوسط بالعراق تبتدئ من غرب الديوانية وتمتد إلى السماوة شرقاً وإلى عفك شمالاً ، وتقلب إلى الحسچة ولنا في ذلك كلام أوردناه في مقدمة الشعر الدارج فليراجع .
(3) ماضي النجف وحاضرها : 3/96 ، وهناك من ذكر أنه ولد في النجف وليس بصحيح .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 89

ابن جعفر كاشف الغطاء(1) وأخيه الشيخ حسن(2) وعلى الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر(3) كما حضر على الشيخ مرتضى الأنصاري(4) .
وتخرج على علماء النجف شاعراً أديباً وكاتباً قديراً وعالماً فاضلاً ، له من المؤلفات كتاب الرهن في الفقه ، وكتاب أقل الواجبات في حج التمتع ، وكتاب حلية المتعة ، وكتاب قاطعة النزاع في أحكام الرضاع(5)، وديوان شعر جمعه بخطه(6) .
قال عنه كاشف الغطاء(7) : كان أديباً حسن الخط له إلمام بالعلوم الدينية ، وله مراجعات ومطارحات مع شعراء عصره كعبد الباقي العمري(8)

(1) كاشف الغطاء : هو علي بن جعفر بن خضر المالكي المتوفى عند مرقد الإمام الحسين عليه السلام عام 1253هـ والمدفون في النجف فقيه أصولي وقد درس عنده الشيخ مرتضى الأنصاري له مؤلفات منها الخيارات .
(2) الشيخ حسن : هو ابن جعفر بن خضر آل كاشف الغطاء المالكي (1201 ـ 1262هـ) من فقهاء الإمامية وأعلامها وقد تتلمذ عليه الشيخ مرتضى الأنصاري وله مؤلفات عديدة منها أنوار الفقاهة .
(3) صاحب الجواهر : هو الشيخ محمد حسن بن باقر بن عبد الرحيم النجفي المتوفى في النجف عام 1266هـ مؤلف كتاب جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام الذي اشتهر به ، وعرف نسله بالجواهري نسبة إلى كتاب الجواهر هذا ، وكان من فقهاء الإمامية وأعلامها .
(4) الأنصاري : هو الشيخ مرتضى بن محمد أمين (1214 ـ 1281هـ) ولد في مدينة دزفول الإيرانية ودرس في كربلاء والنجف وتوفي في النجف ، كان من أعلام الإمامية اشتهر بكتابيه الرسائل في الأصول ، والمكاسب في الفقه .
(5) الكرام البررة : 1/62 .
(6) شعراء الغري : 1/28 عن عبقات الأنوار للكهنوي في ترجمة الشيخ علي بن جعفر كاشف الغطاء .
(7) كاشف الغطاء : هو علي بن محمد رضا بن موسى (1268 ـ 1350هـ) ولد في النجف وتوفي بها ، من علماء الإمامية وأجلائهم ، له مؤلفات قيمة منها : النوافح العنبرية ، نهج الصواب .
(8) العمري : هو عبد الباقي بن سليمان بن أحمد ، شاعر ولد في الموصل بالعراق سنة 1204هـ ، وتوفي عام 1279هـ ، له ديوان شعر سماه الباقيات الصالحات ، وقد قرظه القفطان بقصيدة ـ من الكامل ـ مطلعها :
لله در نظام عبد الباقي هو سلك دره حلية الأعناق
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 90

وغيره ومدائح ومراث لعلماء عصره(1) .
وقال عنه النقدي(2) : شعره من الطبقة الوسطى(3)، وأما الأمين فقد قال : له شعر كثير في التهاني ومدائح ومراثي علماء النجف وأدبائها ، وله أيضاً في مراثي الأئمة عليهم السلام ومدائحهم كثيرة ، في اللغتين الفصحى والعامية ، وقد برع من أقسام الشعر العامي بالمواليا ومدح به الشيخ جعفر كاشف الغطاء كثيراً(4) .
ولما بلغ من العمر ثمانين عاماً توفاه الله في النجف عام 1279هـ كما في التكملة(5)، وقال الجعفري(6) أنه توفي عام 1271هـ(7) والاول هو المشهور ، وقد ذكر ابن الأمين(8) تعليقاً على كلام والده بأنه ولد عام 1199هـ وتوفي عام 1279هـ «إنه ذكر في المستدركات أن هذا التاريخ لأبيه وأن المترجم مجهول تاريخ الولادة والوفاة»(9)، ولكن من ترجمه من أبناء النجف أثبتوا ما أثبتناه .
ومن شعره هذه الموشحة ـ من الرجز ـ التي نظمها على غرار موشحة القزويني البغدادي(10) .

(1) الحصون المنيعة : 9/177 .
(2) النقدي : هو جعفر بن محمد (1303 ـ 1369هـ) ولد بالعمارة وتوفي بالكاظمية من قضاة الإمامية وشعرائها ، سكن كربلاء والنجف والحلة ، له مؤلفات منها منن الرحمان ، الدروس الأخلاقية ، الحجاب والسفور .
(3) الروض النضير : 363 .
(4) أعيان الشيعة : 2/126 .
(5) تكملة أمل الآمل وعنه ماضي النجف وحاضرها : 1/98 .
(6) الجعفري : هو حسن بن جعفر كاشف الغطاء (1201 ـ 1062هـ) من علماء الإمامية وفضلائها الأصوليين ، له كتاب أنوار الفقاهة ، الإمامة ، الزكاة .
(7) نبذة الغري وعنه ماضي النجف وحاضرها : 1/98 .
(8) ابن الأمين : هو حسن بن محسن بن عبد الكريم العاملي ولد عام 1326هـ ، كاتب لبناني معاصر وباحث قدير ، له دائرة المعارف الإسلامية الشيعية ، الغزو المغولي ، الموسوعة الإسلامية .
(9) هامش أعيان الشيعة : 20/125 .
(10) البغدادي : هو السيد صالح بن مهدي بن رضا القزويني ولد في النجف سنة
=
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 91

ولتهن يا صالح يا ذا السؤدد وسيداً قـد فاق كـل سيّد
وحصن عـزّ للعلى مـشيّد ونجـم علم بهداه نهتـدي
نال بجديه فـريد الشـرف فالنظم في عدّ علاه لا يفي
أعظم به من سؤدد ومفخر
أولى الوفود مـن جميـل رفده وأصل كل مفخر من عنده
حـاز العلـى بجّـده و جَـدّه من أمر الباري الورى بوده
كم نسجت كفاه أسنى مطرف(1) لعالـم وناظـم ومعتفـي(2)
فكم حشى آذاننا مـن ذرر(3)

وسكن لفترة الحلة فراسل الشيخ محمد بن جعفر كاشف الغطاء(4) عام 1244هـ بالأبيات التالية ـ من الوافر ـ :
ربـوع الجامعـين استـوقفيني سقاك مضاعف الغيث الهتون(5)
أُجـدّد للهوى عهـداً واقضـي على رغم العذول(6) بها شؤوني
يحركني الهـوى شـوقاً إليهـا فيمسي فـي معاهـدها سكونـي
ألا مـن مبلـغ منـي سلامـاً إلـى حـي بجـانـبهـا قطيـن
أَنِسْـتُ بأهلهـا و أقمت فيهـم زمـانـاً أتـقيـه ويـتـقينـي
وأطعمني الهوى شهداً(7) وغنّت به ورق السرور على الغصـون

= 1208هـ ، كان من فقهاء الإمامية وشعرائها ، تتلمذ على يد الشيخ محمد حسن صاحب جواهر الكلام ، توفي في بغداد سنة 1306هـ ، ودفن في النجف .
(1) المطرف : بفتح الميم وكسرها ، والجمع مطارف : رداء من خز ذو أعلام .
(2) المعتفي : من ينفق الفضلة من ماله .
(3) شعراء الغري : 1/30 عن مجموعة الشيخ إبراهيم بن صادق العاملي .
(4) كاشف الغطاء : هو الشيخ محمد بن جعفر بن خضر (1195 ـ 1247هـ) تأتي مرتبته في العلم والفضيلة بعد أخويه الشيخ موسى والشيخ علي ، وقد سكن الحلة إلى أن توفي بها بالطاعون فحمل جثمانه إلى مسقط رأسه النجف .
(5) الهتون : تتابع المطر وانصبابه ، وقيل هو المطر فوق الهطل .
(6) العذول : الكثير العذل ، الملامة .
(7) الشهد : بضم الشين وفتحها ، ومنه الجمع شهاد : العسل ما دام لم يُعصر من شمعه .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 92

أهيم إذا سمعت حنين ليلي إلي فأبلغوا ليلي حنيني(1)

وكان الشاعر رغم أدبه وفقهـه يمتهن الكتابة والخـط للارتزاق كأخيه الشيخ أحمد(2) وتوجد آثاره في خزائن الكتب في النجف ، وعلى ذكر أخيه فإنه نقل عن الشاعر بأنه نزل أبو الدبيغ(3) لزيارة نسيبه السيد عسكر فوجدها خلية من الأنيس وغير مسكونة ، فكتب إلى صديقيه الأخوين السيد محمد(4) وحسين(5) الزوين بهذه الأبيات من ـ الوافر ـ :
شكوتُ لسيدي مقـام أرض تجنب أهلهـا العيش الرغيد
نزلـت أبا الدبيـغ فأنْدبغنا به مذ كظنا(6) البرد الشديد
ترى سبخاء أو بيضاء ملحاً وأوجهنا من الدخان سود(7)

ومن غزلياته هذه القصيدة ـ من المتدارك ـ :
يـا قـلبي كـم تهـوى ذعـراً إن رمت لـه وصلاً نفـرا
قـد ضن(8) فأضناني(9) جسداً وألـم فـألـمنـي سهـرا
لـو كنـت تشاهـد طرتـه(10) ما السمع كـمن بالعين يرى
مـا كنـت أرى أن الأصبـاح بجنب اللـيل ترى طررا(11)

(1) ماضي النجف وحاضرها : 3/98 .
(2) أحمد : هو ابن حسن بن علي بن نجم السعدي الرباحي النسب ، المعروف بقفطان ، ولد في مدينة النجف سنة 1217هـ ، وتوفي فيها سنة 1293هـ ، وهو من أدبائها ومشاهيرها .
(3) أبو الدبيغ : من ضواحي الجعارة في الفرات الأوسط من العراق .
(4) محمد : هو ابن حسن بن حبيب الزوين ، كان والده السيد حسن من فضلاء النجف وله ثلاثة أبناء محمد هذا والسيدين حسين وشريف .
(5) حسين : هو ابن حسن بن حبيب الزوين المتوفى بعد عام 1251هـ كان من فضلاء الأسرة وخلف من الأبناء السيد جعفر الزوين المتوفى عام 1307هـ .
(6) كظّ : لازم .
(7) أعيان الشيعة : 2/125 ، عن مجلة الحضارة ، عن مجموعة الفاضل الشبيبي .
(8) الضنّ : البخل .
(9) أضنئ : إضناءً المرضُ فلاناً : أثقله ، والرجل : لزم الفراش من الضنئ .
(10) الطرّة : الجبهة ، الناصية ، طرف كل شيء وحرفه .
(11) الطرر : مفردها طرّة .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 93

ويزيـد الصب(1) أسى وشجى(2) دمع مـن ذوب القلب جـرى
فـأهـيـم إذا مـا مـر صبـا يصبـو العشاق لـه سحـرا
ويـشـوق الـقلـب ولا عجـب برق من نحو الخيف(3) سرى
يـولـي الوادي خصبـاً سفـرا ويـزيـن النادي إذ حضـرا
ويريـك إذا مـا الجـام(4) بـدا شفة كالصبح إذا(5) سفـرا(6)

وله أيضاً من قصيدة ـ من الرمل ـ :
يـا فتاة الحي هل مـن لفتة بوصـال أو خـيـال لفتـاك
تحملين الـعذر في الهجر له وهو لا يصغي إلى غير لقاك(7)

وكان الشيخ مهدي كاشف الغطاء(8) يهديه كل سنة عباءتين عباءة شتائية في الشتاء تقيه البرد ، وعباءة خاچية(9) في الصيف ، فتأخرت الهدية الثانية فخاطبه بالأبيات الثلاثة ـ من الرمل ـ :
دخلت باحورة(10) الصيف التـي كنت قد أجّلت (بشتي)(11) عنده

(1) الصبّ : العاشق وذو الولع الشديد .
(2) الشجى : الحزن .
(3) الخيف : كل هبوط وارتقاء في سفح الجبل ، أو : ما ارتفع عن مسيل الماء .
(4) الجام : فارسية الأصل ، وتعني الكأس .
(5) سفر الصبح : أضاء وأشرق .
(6) شعراء الغري : 1/46 .
(7) أعيان الشيعة : 2/126 .
(8) كاشف الغطاء : هو ابن علي بن جعفر ، ولد سنة 1226هـ ، من فقهاء الإمامية وأعلامها ، له مؤلفات عديدة منها كتاب في الخيارات ، توفي سنة 1289هـ ودفن في مقبرة العائلة في النجف .
(9) خاچية : كلمة دارجة في جنوب ووسط العراق تطلق على العباءة الرقيقة المصنوعة من الصوف ، وتعتبر من أحسن العباءات وأثمنها ترتدى في الصيف ، وهي محرّفة أصلها خواجية نسبة إلى خواجه وهي كلمة فارسية بمعنى الشيخ المحترم والرجل العظيم .
(10) الباحور : شدة الحرّ .
(11) بشت : كلمة دخيلة ودارجة في جنوب ووسط العراق ، تطلق على العباءة الشتوية السميكة المصنوعة من الصوف .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 94

فـإذا جـاء الـشتــاء تبدلـه بـعبـاء كـي تـقـيـني بـرده
وهـلـم الأمـر جـرا كـلمـا جـاء وقـت قلـت فيما بعـده(1)

وله قصائد يمدح فيها أهل البيت عليهم السلام ويرثيهم منها ما هو في الإمام الحسين عليه السلام فقد نقلناها في ديوان القرن الثالث عشر ، ومن تلك قصيدة يمدح فيها الإمامين العسكريين(2) حين توجه إلى زيارتهما في سامراء يقول فيها ـ من الكامل ـ :
يـا راكباً تطـوي المهامه عيسه(3) وتجـوب كل تنوفة(4) ومكان
يقتادها الشـوق الملح على السرى بأزمة فضلاً عـن الأرسان(5)
فكأنـه كالبـدر بيـن نجـومـه فـي فتية مـن أكرم الفتيـان
ومسافـر نحـو الزيارة قاصـداً هلاّ مننت على المسيء الجاني
ورحمـت حـال متيم قعدت بـه إذ قمتـم يـد دهـره الخـوان
بـبلـوغ مألكـة(6) إلـى ساداته خيـر البريـة إنسهـا والجان
لعلـي الهادي المكـرم وابنـه(7) والقائم(8) الخلف العظيم الشان

(1) شعراء الغري : 1/42 .
(2) العسكريان : هما علي بن محمد الهادي وابنه الحسن بن علي العسكري ، وهما الإمامان العاشر والحادي عشر من أئمة الشيعة الإمامية ، ولد الهادي عام 212هـ واستشهد سنة 254هـ وولد العسكري سنة 232هـ ، واستشهد سنة 260هـ .
(3) العيس : الواحد أعيس والواحدة عيساء : الابل البيض يُخالط بياضها سواد خفيف وهي من كرام الإبل .
(4) التنوفة : البرية لا ماءُ فيها ولا أنيس .
(5) الأرسان : واحدها : الرسن حبل يوضع على رأس الدابة .
(6) المألكة : الرسالة .
(7) ابنه : إشارة إلى الإمام الحسن بن علي العسكري عليه السلام .
(8) القائم : إشارة إلى حفيده الإمام محمد بن الحسن المهدي المنتظر عليه السلام ، وهو الإمام الثاني عشر من أئمة الشيعة الإمامية وهو حي ينتظر خروجه ليملأ الأرض قسطاً وعدلا بعدما تملأ ظلماً وجوراً ، ولد سنة 255هـ .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 95

خزان(1) علم الله أبواب الهدى ركـن الولاء معالم الإيمان(2)

وله في التقى والصلاح ـ من الطويل ـ :
تمسكت بالتقـوى لـدى كـل مطلـب ومـن يتـق الله استتمت مطالبـه
وكـم هـددتنـي بالليـالـي جحافـل من العسر تعدو بالشتات سباسبه(3)
وحكت على عزمي كلاكل(4) روعها(5) وقـد كاد أن ينقض منـه جوانبه
فعـارضهـا ثـبـت الجـنان بصارم من العزم ماض لا تفل مضاربـه
أقـول لهـا والحرب قامـت قناتـه(6) وبالصـبر يستدني السلامة صاحبه
حـذارك مـن بأس امرئٍ لا تروعـه على الدهر من قبل العظام نوائبه(7)
تعـوّد مـسّ الضرّ في الدهر مذ نشأ(8) فما الرعب لو دارت عليه مصائبه
إليك عـن القـرم(9) الهجان(10) الذي له يد البطش تدميراً على من يغالبه(11)

وله من أبيات ـ من الطويل ـ نقلها الأمين :

(1) خزّان : قال الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام في وصف أهل البيت عليهم السلام : «هم ولاة أمر الله وخزّان وحي الله وورثة كتاب الله وهم المصطفون بسرّ الله والأمناء على وحي الله ، هؤلاء أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة...» (بحار الأنوار : 26/251) .
(2) ماضي النجف وحاضرها : 3/99 .
(3) السباسب : مفردها سبسب ، وهي المفازة ، الأرض البعيدة المستوية .
(4) الكلاكل : واحدها كلكل : الصدر أو ما بين الترقوتين ، والكلاكل : الجماعات .
(5) الروع : الفزع .
(6) القناة : العصا ، الرمح ، القامة .
(7) النوائب : واحدها النائبة وهي المصيبة .
(8) نشا : شبَّ .
(9) القرم : الفحل إذ تُرِك عن الركوب والعمل ، ويطلق على السيد تشبيهاً بالقرم من الإبل لعظم شأنه وكرمه ، والقرم : العظيم .
(10) الهجان : من كل شيء خيارُهُ وخالصه ، ومن الإبل : البيض الكرام ، ورجل هجان : كريم حسيب .
(11) شعراء الغري : 1/34 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي