دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 253

يتمكن من مواصلة البقاء بيها ، وذلك لأن والده قد رحل من الدنيا في 18 من شهر جمادي الأولى عام 1363هـ ، وطلب منه أهالي تبريز ملء الفراغ الذي خلفه رحيل والده ، فرجع إلى بلاده ملبياً طلب المؤمنين واشتغل بالمهام الاجتماعية والدينية ومارس التدريس بها ، فكان يدرس الفقه والأصول والعقائد والتفسير وعلوم الأدب ، حيث كان ضليعاً باللغة العربية وآدابها ، كان كثير الحفظ للأشعار العربية والفارسية ، كما كان حافظاً لمقامات الحريري ، وكانت له مقدرة هائلة في الاستشهاد بالشعر والنصوص الأدبية ، وكان ينظم الشعر بالعربية حتى كون ديواناً ولم يذكر مترجموه أنه نظم بالفارسية ، وله العديد من المؤلفات منها في الفقه كما له كتاب تحفة الأخبار في علائم آخر الأعصار إلى جانب حاشية على كتاب المطول(1) وكتاب المغني(2) ، ومن مؤلفاته أيضاً كتاب التفسير الوجيز ، وكتاب اللطائف الأدبية .
انحرفت صحته فنقل إلى العاصمة طهران ، إلا أنه توفي بها بنوبة قلبية في التاسع من شهر رجب عام 1381هـ ، ونقل جثمانه إلى مدينة قم فدفن بها ورثاه جمع من الشعراء باللغتين العربية والفارسية ومن القصائد العربية التي رثي بها قوله ـ من الكامل ـ :
جزعاً لقد أبت الخطوب هدونا وعد الدموع تفيض منك شجونا

إلى أن يقول :
من للإمامة والصلاح وللتقى وغدا الإمام لدى المنون(3) رهينا

= عام 1361هـ ، من أعلام الإمامية وفقهائها البارزين من مؤلفاته : مقالات الأصول ، شرح التبصرة .
(1) كتاب المطول في البلاغة والمعاني والبيان وصفه مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازاني (712 ـ 791هـ) وهو شرح على تلخيص المفتاح لمحمد بن عبد الرحمان القزويني الدمشقي (666 ـ 739هـ) .
(2) كتاب مغني اللبيب عن كتب الأعاريب في النحو وضعه عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري (708 ـ 761هـ) .
(3) المنون : الموت .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 254

من للمساكين العفاة وقد غدى رهن الردى(1) من لم يخب مسكينا
من ذا يداني في السيادة معشرا ورثوا العلـى عن جدهم ياسينا(2)
دفنـوا وأيّ يتيم دُرٍّ غـادروا تحت الجنـادل(3) مطبقاً محزونا
هيهـات يأتيك الزمـان بمثله أنـى وجدت به الزمان ضنينا(4)

وقد أقيمت له مجالس التأبين في كل من قم وطهران وتبريز تخليداً لذكره وأبّنه العلماء ورثاه الخطباء والشعراء .
ومما وصلنا من شعر قصيدة ـ من الكامل ـ يستنهض الإمام المهدي عليه السلام ويتوسل به إلى الله سبحانه وتعالى في أحداث تبريز وأذربيجان :
يا حجة الرحمـان يابن العسكـري يا من بيُمْنِ وجوده رزق الورى
يـا مـن به السبع الشداد(5) تشيّدت والأرض قـد قرت وما تحت الثرى
والله قد طال النوى(6) بعد المدى(7) ضـاق الصدر وغـار صَبرٌ يُصبرا
من للشريـعـة والهدى ومـن الذي نشكـو إليه سـواك يا خير الـورى
العروة الوثقـى قد انفصمت وحبـ ـل الدين منقطع وما اعتصم العرى
أحكـام ديـن الله فيـنـا عطلـت شـرع النبـي محمـد قـد غيـرا
قُـرآنـكـم قـد ضيعتْ أحكـامه ويُبـدَّل المعـروف مـنـه منكـرا
أركان دين المصطـفـى هُدمت فلا عيـن بقـتْ مـنـه ولا أثـر يُرى
وجه البسيطة(8) مُمْتـلـي ظلما وقد بـانَ اغبـرار الأفق مما قـد نرى

(1) الردى : الهلاك .
(2) ياسين (يس) : من أسماء الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ومنه قوله تعالى : «يس * والقرآن الحكيم * إنك لمن المرسلين» [يس : 1 ـ 3] .
(3) الجندل : الصخر العظيم .
(4) الضنين : البخيل .
(5) السبع الشداد : هي السماوات السبع ، ومن قوله تعالى : «وبنينا فوقكم سبعاً شداداً» [النبأ : 12] .
(6) النوى : البعد .
(7) المدى : الغاية والمنتهى .
(8) البسيطة : الأرض .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 255

يا أيهـا المـلك الـعزيز المقتدر عجل بنا ضاق القضاء فما جرى
الله أكبــر أيُّ أمـرٍ قـد جلا سبحان ربي من قضـاء قـدرا

إلى آخر القصيدة(1) .
هذا وله قصائد في الإمام الحسين عليه السلام أوردناها في محله .

(1) راجع كنجينة دانشمندان : 6/52 .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 256

(28)
إبراهيم بن محمد جواد
1356 ـ ....هـ = 1937 ِـ ....م

هو الشاعر إبراهيم بن محمد آل جواد .
ولد في الفوعة(1) عام 1356هـ ونشأ بها والتحق بالمدارس الرسمية وأكمل الثانوية الصناعية عام 1377هـ(2) والثانوية العامة الفرع الأدبي عام 1382هـ وتخرج في كلية الشريعة ـ جامعة دمشق ـ عام 1388هـ ، ومنذ عام 1381هـ توظف في شركة المحروقات .
أما عن علاقته بالشعر فيقول الشاعر : «كنت منذ الصغر مغرماً بسماعه مولعاً بإنشاده ، ومهما نسيت فلن أنسى ذلك اليوم الذي وجدت نفسي فيه على منبر عال ألقي قصيدة ترحيبية صغيرة من نظم أخي الأكبر الأديب الشاعر الشيخ جواد(3) محمد جواد بين يدي الشيخ حبيب آل إبراهيم(4) الذي استحسن إلقائي ورباطة جأشي فتقدم إلي وصافحني واحتضنني مقبلاً وجنتي»(5) .

(1) الفوعة : قرية تابعة لمحافظة ادلب السورية .
(2) الموافق لعام 1957م .
(3) جواد : الشيخ من مواليد قرية الفوعة عام 1341هـ ، درس على يد أستاذه الشاعر أحمد رشيد مندو ، والسيد حسن اللواساني والشيخ حبيب آل إبراهيم والسيد عبد الصاحب العاملي ، وهو إمام وواعظ مسجد الحي الشرقي في الفوعة .
(4) آل إبراهيم : هو ابن محمد بن الحسن المهاجر العاملي ، ولد في قرية حنوية من توابع صور ، من علماء الإمامية وأدبائها ، كان مفتي الديار البعلبكية ، له مصنفات منها (منهج الحق) مات سنة 1384هـ .
(5) رسالة الشاعر إلى المؤلف .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 257

بمثل هذه التشجيعات تمكن الشاعر أن يبرز بين أقرانه ليكون شاعراً ومؤلفاً . ويضيف الشاعر عن تاريخ بدايات نظمه وانطلاقه الأدبية قائلاً : «إنني لم أحاول جاداً أن أجرب حظي مع نظم في مراحل الشباب التي تلت ، وفي المرات القليلة التي حاولت فيها بعد ذلك ـ خلال دراستي الجامعية وبعدها ـ كان الفشل حليفي في كل مرة الى أن تفجر هذا النبع فجأة ودون توقع وبلا بذل جهد كبير ، ليس من شك في تعدد وقدم العوامل التي لعبت الدور الأساسي ومنها المطالعة المستمرة الهادفة التي كونت المخزون الفكري والأدبي ومنها التعلق الشديد بقراءة الشعر بشكل مبكر» .
كانت انطلاقته هذه بعد عام 1409هـ ، وكوّن خلال هذه الفترة ثلاثة مجاميع شعرية تحت العناوين التالية : 1 ـ عرس الشهادة ، 2 ـ واستمر النشيد ، 3 ـ قيثارة الولاء ، مضافاً إلى ديوان شعر حر باسم : من خارج الشعر .
وله من المؤلفات كتاب خطوط رئيسية في الاقتصاد الإسلامي(1) وكتاب فاطمة الزهراء صوت الحق و صرخة الصدق ، وكتاب زينب بنت الرسالة ولسان الثورة ، وله مقالات في عدد من المجلات مثل الثقافة الإسلامية(2) وجريدة كيهان العربي(3) ، ومن بدايات نظمه قصيدة تحت عنوان : وكذلك الدنيا ـ من الكامل ـ :
حسنـاء زانـتها دواعـج(4) لُمَّعُ وبمقلتيهـا نظرة تـتـمـنـَّعُ
برزت تجرب داءهـا ودواءهـا وتموجت فـي الخافقين الأدمعُ
والـبـارقـات الموعدات بثغرها يوحين لي أن تستجيب الأضلعُ
أعرضت عنها إذ عرفت خصالها فهـي الدَّنيَّـةُ والوباء الأشنـعُ
وكـذلك الدنيـا زعـافٌ ناقـعٌ ويتوج الأخرى الدواء الأنجـعُ

إلى أن يقول :

(1) مجلة الموسم : 13/379 .
(2) مجلة الثقافة الإسلامية : تصدر عن الملحقية الثقافية في سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في دمشق .
(3) جريدة كيهان العربي : تصدر في طهران عن مؤسسة كيهان للمطبوعات .
(4) دعجت العين : صارت شديدة السواد مع سعتها فصاحبها أدعج .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 258

فـاقنع من الدنيا أخيُّ بِبُلْغـةٍ تروي الأصول فتستقيم الأفرعُ
واعمل لذاك اليوم دون تهاونٍ تحصد به ما كنت فيها تزرع(1)
حتى إذا قام الحساب فنعم ما مـهـدَتْ لنفسك خاشعاتٌ رُكَّعُ
ونَعِمْتَ في جنات عدنٍ خالداً فيـهـا وقد طاب النعيم الأوسع

وفي ختامها يقول :
فـالقـلـب ينظر للجليل مكبراً والـروح في أحـلـى صلاةٍ تَشْرَعُ
وتذوب في الوجه الكريم تخشعاً وتروح تسبح في الجمال(2) وتَمْرَعُ(3)

وله قصيدة في المرأة وحجابها تحت عنوان : الحسناء والجلباب يقول فيها ـ من الوافر ـ :
عروسٌ قد تهادت في بهاها وفاقت في الحلاوة منتهـاها
غطاها صانها من كل عين وسرُّ الصون للأنثى غطاها
وأخفـى من مفاتنها رموزاً تُتَيِّمُ كـلَّ قـِسٍّ لـو يراها
وللصُّيّاغ في دهري حصونٌ لإخفاء الجواهر فـي حماها
وصندوقٌ عن السُّرّاق أخفى بـأقفـال يواقيـتـاً حَواها
ليحميهـا من الأشرار فينـا وعن أخيارنا حجزتْ لظاها

إلى أن يقول :
ورغم الحجب والأستار طرّاً تعدّى الوامقون(4) إلى صباها
وأنظار المراهق طامـحـاتٌ لكـل صبيـة بـانت يداهـا
وللعـشـاق فـي ظُلم الليالي خـيـالاتٌ تحيل الجبَّ فـاها
وللشـعـراء إن بانت سعادُ(5) مقـولات عجيبـاتٌ وراهـا

(1) البيت إشارة إلى قول الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام العالم من عرف قدره ، وكفى بالمرء جهلاً أن لا يعرف قدره وأن أبغض الرجال إلى الله العبد وكّله الله إلى نفسه جائراً عن قصد السبيل سائراً ، إن دُعي إلى حرث الدنيا عمل ، وإلى حرث الآخرة كسل ، كان ما عمل له واجب عليه ، وكأنّ ما ونى فيه ساقط عنه .
(2) مَرِعَ الرجل ، تنعَّم ، والمكان أخصَبَ .
(3) واستمر النشيد : 69 .
(4) الوامقون : المحبّون .
(5) قوله «بانت سعاد» : إشارة إلى بردة كعب بن زهير بن أبي سلمى ومطلعها (بانت سعاد فقلبي اليوم متبول) .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 259

فنـظـرة عينهـا شمسٌ أضاءت شموع الوجد في قلب رآها
وضَوْعُ(1) العطرِ من أعطاف ليلى رمى قيساً وإن لم يُبْدِ آهـا
بسهـم من سهـام الحـب أدمـى شـرايينـاً وأكباداً فراهـا

إلى أن يقول في آخرها :
فما غرَّ المليحة شعر قيس ولكن شرعُ طه قد براهـا
تسبَّـحُ ربَّها سراً وجهراً وتشكرُ خالقاً نِعماً عطـاها
فـإن الله ألهمـهـا هداها وبالإيمان والتقوى حباها(2)

وله قصيدة ـ من الكامل ـ أنشأها في ذكرى ميلاد الإمام الصادق عليه السلام(3) يقول فيها :
زكت البطون وطابت الأصلاب إذ لـم تخالط طهرها الأوشابُ(4)
مـن قبل آدم شعشعت أنـواركم وبفضلهـا اكتحلتْ لـه أهدابُ(5)
لتمجِّـد الله العظـيـم حفـيـّةً والعرس منتصباً هو المحـرابُ
يـا آل طـه قـد رنوتُ لمدحكم عجـز البيانُ وقصر الاعـرابُ
هل في الكواكب من سما لمكانكم هل طـأطـأت لسواكم الأقطابُ
يا آل بـيـت(6) محمد من مثلكم والفضل ما شهدت به الأغراب(7)

(1) ضاع المسك : انتشرت رائحته .
(2) واستمر النشيد : 15 .
(3) الصادق : جعفر بن محمد بن علي عليهم السلام وهو الإمام السادس من أئمة أهل البيت الاثني عشر عليهم السلام ، ولد سنة 83هـ ، واستشهد سنة 148هـ ، دفن في البقيع .
(4) الأوشاب : وأحدها الوِشْب : أخلاط الناس وأوباشهم .
(5) في فضائل الخمسة من الصحاح الستّة للفيروز آبادي : 1/203 ، عن الرياض النضرة : 2/164 روى سلمان قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله تعالى قبل أن يخلق آدم عليه السلام بِأربعة عشر ألف عام ، فلما خلق الله آدم عليه السلام قسم ذلك النور جزأين ، فجزء أنا وجزء علي ، وفيه قال : أخرجه أحمد في المناقب (أقول) وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال : 1/235 نقلاً عن ابن عساكر في تاريخه مسنداً عن سلمان .
(6) من الأغلاط الشائعة آل البيت عليهم السلام والصحيح أهل البيت ، وآل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، لأن للبيت أهلاً وللرجل آل .
(7) وفي المثل : «والفضل ما شهدت به الأعداء» .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 260

إلى أن يقول :
يا سـادس الأمنـاء أنت وليَّنـا وأمامُ وحدتـنـا وفيك نثابُ
لولا جهادك ما استقامت شرعةٌ لولا جوابك ما استقام جوابُ
لولا بيانك ما سمت أفـهـامنـا لولا لسـانـك سدت الأبواب
لولا عزائمك الكريمة ما ازدهت أمـجـادنـا وتزاحم الخُطّاب
أنت الـذي أبقيت دين محـمـد حيّـاً فلا نُصُبٌ ولا أربـاب
فلطـالمـا ناديت فيهم قـائمـاً ولطالما قعدوا وكـان عتاب
ولطـالـمـا هاديتَ فيهم قاعداً ولطالما قاموا فكان شغابُ(1)
طرب الذين تَثَفَنَتْ(2) جبهاتهـم وتحررت أفهـامهـم فأجابوا
أمـا العبيدُ فليـس يطربهم ندى إن العبيد فقاعةٌ(3) وهبابُ(4)
لا زال صوتُكَ هاتفاً مستنهضـاً همم الرجـال لينقذ المحرابُ
يـا أمـة الإسـلام أنتم قـدوةٌ الخـيـر في أعطافكم وثابُ

إلى أن يقول في خاتمتها :
تلكم ترانيم النبوة صاغهـا للشعـر قلبٌ ملؤه استعـذاب
يا رب آجرني على إنشادها ولمـن يؤمِّنْ أجـره وثـوابُ
يا رب جللني بسترك إنـني يا ربَّ جعفرَ(5) عبدُك الأوّاب
واقبل دعائي يـا إلهي تائباً وارحم مشيبي فاسمك التواب(6)

هذا كل ما تمكنا اختياره من شعره وذلك لأن أكثر نظمه جاء في المناسبات الخاصة التي نتجنبها عادة .

(1) شغب العَوم : هيج الشر عليهم .
(2) تَثَفَّنت : غلظت من كثرة السجود .
(3) الفقاعة : نفّاخ تعلو الماء أو الخمر ، والجمع فقاقيع .
(4) الهباب : الريح السريعة والزائلة ، ولعله تصحيف عن الحباب : وهي الفقاقيع التي تعلو الماء والخمر .
(5) إشارة إلى الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام .
(6) مجلة الثقافة الإسلامية ، العدد : 45/ الصفحة : 68/ التاريخ 1413هـ .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 261

(29)
إبراهيم بن محمد حسن حاوي
1330 ـ ....هـ = 1912 ـ ....م

هو الشاعر إبراهيم بن محمد حسن حاوي العاملي .
ولد في مزرعة مشرف(1) عام 1330هـ(2) ، جبل على الطيب ونشأ بها على حب الأدب والشعر ثم دخل الكتّاب بمسقط رأسه وتلقى دروسه الأولى بها ولم يتمكن من الالتحاق بالمدارس الحديثة إلا أنه تمكن بفطانته أن يبني مستقبله الأدبي ، ويذكر المباني الأولى لتعليمه في قوله ـ من الكامل ـ :
يا سائلاً عني وعن شعري وعن علمي وما أحرزتُ من آداب
علمـي الحياة وطولها ومراسها وثقافتـي الأولى مـن الكتّاب

ولا ننسى هنا الحاج علي وزني(3) الذي زرع فيه حب الأدب والشعر الذي دعمه وواكب مسيرته الأدبية إلى أن تمكن وهو في الخامسة عشرة من النظم وبدأت قريحته منذ ذلك الوقت تتفتح ، فأنشأ عن الطبيعة ونظم في المناسبات .
عاش الشاعر حياتين حياة الوطن وحياة الاغتراب التي صقلت نفسيته

(1) مَزرعةُ مُشْرف : قرية في ساحل صور شمالي وادي عاشور على قمة الجبل منسوبة إلى الشيخ مشرف من أمراء آل علي الصغير الذي كان في زمن الأمير بشير الشهابي .
(2) حيث يذكر الأستاذ محمد كامل سليمان في مقدمة ديوان الشاعر «لوافح ونوافح» المؤرخة في 15/8/1982م أن عمره بلغ السبعين ـ ديوان لوافح ونوافح : 12 .
(3) علي الوزني أحدُ أعيان مسقط رأسه ، كان على علاقة بالشاعر .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 262

الأدبية وخلقت فيه مشاعر الحنين إلى الوطن إلى جانب الغربة التي قد تكون مدعاة لبناء شخصيته المعطاءة ، ويحدثنا عن تلك الغربة ويقول ـ من الخفيف ـ :
تائهاً في مجاهل الأرض دوماً نازحاً عن ذويـه مثل الشريد
يتـغـنـى لسـانـه بنشيـد كـان سلـواهُ وهو خير نشيد
نحن قوم لنا المهاجر مـأوى وَدْنانا(1) في الكـون كل بعيد
نحن بالجسم في المهاجر لكن تخفق الروح في ربوع الجدود

إذاً اغترب كغيره من أبناء عاملة إلى السنغال بأفريقيا وبدأ حياته الثانية هناك إلا أنه لم يفترق عن الشعر طول حياته حتى كوّن ديواناً كبيراً سماه ديوان لوافح ونوافح باعتبار أن قسماً منه كان من وحي الاغتراب والذي عبر عنه باللوافح ، والقسم الآخر كان من وحي الوطن فسماه بالنوافح ، والملاحظ من شعره أنه بين لفحة(2) الغربة ونفحة(3) الوطن وفيها الكثير من القصائد والمقطوعات التي يحن فيها إلى وطنه ويتذكر بيته المطل على البحر من جهة وعلى الوادي من جهة أخرى ويصفه وصفا رائعاً ويقول ـ من الكامل ـ :
بيتي المعمر فوق كتف الواد بيت الهوى والشعر والإنشاد
ملئت زواياه الدواري ضجّة ما بين زقـزاق وطير شاد
ولقد تخيّر وحدةً عن جيرة فغدا مَمَراً للنسيم الهـادي(4)

ويقول من قصيدة ـ من الوافر ـ تحت عنوان : افتش عن شبابي :
رأتني ذات يـوم في اكتئاب أهرول في الذهاب وفي الإياب
فقالت : ما دعاك لمثل هذا فقلـت لها افتش عـن شبابي
افتش عن شباب مَـرَّ حلماً وعمـر طولُه مَـرَّ السحـاب

(1) الدندانة : ما اسود من نباتٍ أو غيره لقدمه ، كناية عن الأصالة والقدم .
(2) اللفح : هبَّة ريح حارّة .
(3) النفح ِ: هبّة ريح باردة .
(4) راجع مقدمة ديوان لوافح ونوافح : 7 ـ 12 .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 263

أفـتش عـن زمان كنت فيه وديعاً ساذجاً غض الاهاب(1)
أُفـتش عـن ليال كنت فيها غريراً لا أبالي بالصـعـاب
فيسعدني مـن الأيام قـوتٌ يقيتُ وفي سواه لست عـابي
وأحـلام وآمـالٍ عـراضٍ أعيش بـهـا بظاهرة السَّراب
كـذلك لـذّةُ الـدنيا دوامـاً تـحـسُّ بها لحيظاتِ الغياب
ألا مِـن مُـرجع أيام عُـمرٍ ذهبن وباللُيَيْلات(2) العِذاب(3)

وله قصيدة ـ من الوافر ـ أنشأها عام 1377هـ في دعاة الرمز في الشعر الحداثي من :
دعـاة الرمز ما هذا العـراك وما هذا الكـلام المستـلاكُ
فهل هذا الذي تنـشـون شعراً أم الشعر الـذي فيه انفكـاك
وهذا النثر إذ سميـت شعـراً أليس لحرمة الشعـر انتهـاك
تعالى الشعر عن سخف وهذر وقول في مـعـانيه ارتبـاك
فأين الفن في سبك الـقـوافي إذا ما الشعر أعوزه انسبـاك
واين العزة المثـلـى لـروح تهيم بفـنِّ قـافيـة تـحـاك
وأين الوزن في سحر المعاني له قِدماً مع الروح اشـتـراك
عـجـزتم عن مواتاة القوافي فـخـابت بين أيديكم شبـاك
فتهتم في محـاكاة الفرنجـي ولكـن غيـر قشر لم تحاكوا
لشعر من طرازك يا رميـزي فـإن مصيـره حتمـاً هلاك
عدمت قريضك الخاوي قريضاً سخيف القصـد فحواه المحاك
فروض الشعـر أطيار وأيـك وروضك لا طيور ولا أراك(4)

وله في الجنوب اللبناني قصيدة ـ من السريع ـ تحت عنوان بنت الجنوب :
أحببت فيها من مزايا الصِّبا عذوبة اللفظ وسحرَ العيون

(1) الإهاب : الجلد .
(2) اللييلات : جمع لييلة تصغير ليلة .
(3) ديوان لوافح ونوافح : 304 .
(4) ديوان لوافح ونوافح : 204 .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 264

وبسمة ظلت على ثغـرها ترمز بالوعد لمن يعشقـون
حتـى إذا أغرتهم أنشـأتْ هيهات هيهاتَ لما توعدون(1)
أحببت فيها من مزايا الصِّبا رشاقةَ القدِّ وثنْـيَ الغصون

ثم ينتقل إلى المتقارب فيقول :
وروحاً تشـفُّ عـن المغريـات لمـن يفقهـون لمـن يُبصرون
ووجـهاً بـه جاذب المغنطيس(2) لقلـب المتيـم فـيـه الشجـون
وأحببـت فـيها مـزايا الصِّبـا وداعـة قلـب الجنـوب الحنون
وفـتنـةَ كـحـلاء ريـفـيـةٍ تُخـلّـي الفؤاد أسيـر الجفـون
أحـبُّ الـجـنـوب وأبـنـاءَه وجنـات غـزلانـه والعـيـون
أحـب الـجـنـوب ووديـانـه وتلعـات هضبـاتـه الحـزون
وأهـوى جـبالاً بـه شامخـات واغرق في الحب حتى الجنون(3)

ويتحـدث عـن الاغتراب في قـصيدة ـ من الوافر ـ وهو في السنغال عام 1382هـ :
اقض بمضجعي ونفـى رقادي حديث للتغرب عن بـلادي
فقمـت أشدّ للترحـال عزمـاً بعيد القـصد في نيل المـراد
ركبـت البحر معسول الأماني وبـالإيمـان معموراً فـؤادي
وآمالي العريضة رأس مالـي وعـوني همَّتي والصبر زادي
هناك وفـي بلاد صرت فيها قليل الصحب موفور الأعادي
حططت بساحة الأبطال رَحلي واشحـذتُ الـعزيمة للجهـاد
فقاومت الطبيعة وهـي خصم له بـأس مُلـحُّ فـي العنـاد
وفي حالاتـهـا كيّفتُ حالـي وهمتُ لعيشهـا في كـلِّ واد
فعمَّرتُ القصور بفضل جـدّي وشدتُ بأرضهـا ذات العماد
ولـي وطـن يعاودنـي هواه ويكثر من تذكـرة سُـهـادي

(1) استعارة قرآنية من : سورة المؤمنون ، آية : 23 .
(2) المغنطيس : لغة في المغناطيس (يونانية) معدن فيه قوة تجذب الحديد وبعض المعادن الأخرى .
(3) ديوان لوافح ونوافح : 310 .
دائرة المعارف الحسينية -معجم الشعراء الناظمين في الحسين - 1 265

اتخذت هدى أمانيه سبيلاً لكشف ملمة ولدفع عادي

إلى أن يقول في آخرها :
وإني مـن بلاد العرب جزءٌ وبضعتها متـى نادى المنادي
سأبقى مـا حييت فتىً كريماً حميد الـذكر مشكورالأيـادي
سأترك سيرة الأخلاق تروى لمـن بعـدي وتعمر كل نادي
سـأرفـع عالياً بالفخر رأسي إذا ذكـرتْ أنـاسٌ بـالسداد
طـريقـاً عبَّدْتـه لي جـدود سـأجعلـه سبيـلاً للرشاد(1)

وله بيتان ـ من السريع ـ عن فتاة معجبة بجمالها :
قالت وقد راحت بإعجابها تنظر في المرآةِ أحلى الصُورْ
أحسب أنّ الله ما صاغني إلا لأبقـى فـتـنـة للبشرْ(2)

وله مقطوعة ـ من البسيط ـ تحت عنوان : من ذكريات الصبا :
حبيبتي هل ذكرت نشوة العـيد يوماً وهل غبت عن تلك المواعيد
أيام كُنّا وسـفـح الواد يجمعنا رغماً عن الناس من حب وموجود
وللربيع ثغور الزهر قد بسمت تفـتـرُّ عـن كل منثور ومنضود
وللنسيم على الإغصان هينمةٌ(3) يتلـو حـديث التصابـي بالأسانيد
وللعصافير في الغابات زغردة تطيح بالسمع عن ناي وعـن عود
نهيم والبلبل الصَّداح(4) ينشدنا لحـن الطبيعـة في مزمـار داود
فننتشي وعُقار(5) الإنس يتركنا صرعـى الترنح من تلك الأناشيد
ونجتني قبلاتٍ من حرارتـهـا يثير في القلب وجد غير محدود(6)

ومن حكمياته ـ من الكامل الأخذّ ـ :

(1) ديوان لوافح ونوافح : 96 ـ 97 .
(2) ديوان لوافح ونوافح : 306 .
(3) الهينمة : الصوت الخفيف .
(4) صدح الرجل : رفع صوته بالغناء .
(5) العُقار : الخمرة .
(6) ديوان لوافح ونوافح : 147 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي