[340]

قلت: أليس كان يحدثنا أنه سيأتي البيت ويطوف به (1) ؟ !.
قال: فأخبرك أنه يأتيه (2) العام ؟ قلت: ل.
قال: فإنك آتيه وتطوف به (3).
وزاد الثعلبي في تفسيره عند ذكر سورة الفتح وغيره من الرواة: أن عمر ابن الخطاب قال: ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ (4).
ثم قال رحمه الله (5): فهذا (6) الحديث يدل على تشكيك عمر والانكار على رسول الله (7) صلى الله عليه وآله فيما فعله بأمر الله، ثم رجوعه إلى أبي بكر حتى أجابه بالصحيح، وكيف استجاز عمر أن يوبخ النبي صلى الله عليه وآله ويقول له - عقيب قوله صلى الله عليه وآله: إني رسول الله ولست أعصيه، وهو ناصري - أليس (8) كنت تحدثنا إنا سنأتي البيت ونطوف به ؟ !.
160 - ثم قال قدس سره (9): في الجمع بين الصحيحين (10) في مسند عائشة
(1) في المصد ر: إنا سنأتي البيت ونطوف به.
(2) في كشف الحق: إنك تأتيه.
(3) في المصدر: ومطوف به.
أقول: أورده السيوطي في الدر المنثور 6 / 76، وتفسير الخازن 4 / 168، والتاج الجامع للاصول 4 / 336، وغيره.
(4) الكلام للعلامة في نهجه، وذكر ما ذكره السيوطي في الدر المنثور 6 / 76، وتفسير الخازن 4 / 148، وتاريح الخميس 1 / 241، وغيرهم.
(5) قاله العلامة - رحمه الله - في نهج الحق وكشف الصدق: 337.
(6) في المصدر: وهذ.
(7) في المصدر: النبي، بدلا من: رسول الله صلى الله عليه وآله.
(8) في كشف الحق: وألست.
(9) في نهج الحق وكشف الصدق: 337 - 338.
(10) الجمع بين الصحيحين، للحميدي، ولا نعلم بطبعه.

[341]

من المتفق على صحته أن رسول الله صلى الله عليه وآله أعتم (1) بالعشاء (2) حتى ناداه عمر: الصلاة (3) ! نام النساء والصبيان، فخرج (4) ! وقال: ما كان لكم أن تبرزوا (5) رسول الله صلى الله عليه وآله على الصلاة، وذلك حين صاح عمر بن الخطاب (6) وقد قال الله تعالى: * (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون) * (7) فجعل ذلك محبطا للعمل، وقال: * (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون * ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم) * (8).
161 - وقال رحمه الله (9): وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي (10) في مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب: أنه لما توفى عبد الله بن أبي سلول (11) جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وآله (12) فقام رسول الله صلى الله عليه وآله
(1) قال في نهاية ابن الاثير 3 / 181: اعتم الشئ وعتمه: إذا أخره، وقال في الصفحة السابقة: حتى يعتموا: أي يدخلوا في عتمة الليل، وهي ظلمته.
(2) في المصدر: إن عائشة قالت: أعتم رسول الله صلى الله عليه وآله بالعشاء (3) في كشف الحق: بالصلاة.
(4) في المصدر: فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله.
(5) في نهج الحق: وما كان لكم أن تنذرو.
(6) إلى هنا جاء في صحيح مسلم 1 / 241، وصحيح البخاري 1 / 141.
(7) الحجرات: 2.
(8) الحجرات: 4 - 5.
وجاء في الهامش من النهج: إنه قد روى غير واحد أنها نزلت في أبي بكر وعمر، منهم البخاري في صحيحه 6 / 171، والسيوطي في الدر المنثور 6 / 184، ومنصور علي ناصف في التاج الجامع للاصول 4 / 239. . والنسفي في تفسيره المطبوع في هامش تفسير الخازن 4 / 176، والآلوسي في تفسيره 26 / 123.
وغيرهم.
(9) في نهج الحق وكشف الصدق: 338.
(10) الجمع بين الصحيحين، للحميدي، ولا نعلم بطبعه.
(11) في المصدر: بن أبي بن سلول.
(12) هنا زيادة جاءت في المصدر: فسأله أن يصلي عليه.
(*)

[342]

ليصلي عليه، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: يا رسول الله (ص) ! أتصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه ؟ !.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: انما خيرني (1) الله تعالى قال: * (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة.
) * (2) وسأزيد على السبعين.
قال: إنه منافق.
فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله.
وهذا رد على النبي صلى الله عليه وآله (3).
163 - وقال رحمه الله (4): وفي الجمع في الصحيحين (5) من مسند عائشة، قالت: كانت (6) أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله تخرجن (7) ليلا إلى ليل قبل المصانع، فخرجت سودة بنت ذمعة (8) فرآها عمر وهو في المجلس، فقال: عرفتك يا سودة ! فنزل آية الحجاب عقيب ذلك (9).
وهو يدل على سوء أدب عمر حيث كشف ستر (10) زوجة النبي صلى الله عليه وآله ودل عليها أعين الناس وأخجلها، وما قصدت بخروجها ليلا إلا الاستتار عن الناس (11) وصيانة نفسها، وأي ضرورة له (12) إلى تخجيلها حتى أوجب ذلك نزول
(1) في المصدر: خبرني، وهو سهر.
(2) التوبة: 80.
(3) وأورد القصة أكثر من واحد، كما جاءت في صحيح البخاري 2 / 92 و 115 باب ما يكره من الصلاة على المنافقين، وباب الكفن في القميص من أبواب الجنائز، و 6 / 85، وغيره.
(4) نهج الحق وكشف الصدق: 338.
(5) الجمع بين الصحيحين، ولم نعلم بطبعه مع كل ما سألنا عن ذلك.
(6) في المصدر: كان.
(7) في كشف الحق: يخرجن.
(8) في (س): ذمغة، وفي المصدر: زمعة.
(9) وقد جاءت في صحيح البخاري 1 / 48، وصحيح مسلم 2 / 6.
(10) في المصدر: سر.
(11) جاء في كشف الحق: أعين الناس.
(12) لا توجد: له، في (س).

[343]

آية الحجاب.
أقول: أورد قدس الله روحه كثيرا من مطاعنهم تركناها اختصارا وسنعيد الكلام بذكر تفاصيل مثالبهم وإثباتها بما هو متداول بينهم اليوم من كتبهم التي لا يمكنهم القدح في روياتها وبسط القول فيها اعتراضا وجوابا ليتم الحجة على المخالفين ولا يبقى لهم عذر في الدنيا ولا في يوم الدين.
ونرجو من فضله تعالى أن لا يحرمني أجر ذلك، فإنه لا يضيع عنده أجر المحسنين.
163 - يل (1): البراء بن عازب، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله جالسا (2) في أصحابه إذ أتاه وفد من بني تميم، منهم (3) مالك بن نويرة، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله ! علمني الايمان ؟.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأني رسول الله، وتصلي الخمس، وتصوم شهر (4) رمضان، وتؤدي الزكاة، وتحج البيت، وتوالي وصيي هذا من بعدي - وأشار إلى علي (ع) بيده - ولا تسفك دما، ولا تسرق، ولا تخون، ولا تأكل مال اليتيم، ولا تشرب الخمر، وتوفي بشرائعي، وتحلل حلالي وتحرم حرامي، وتعطي الحق من نفسك للضعيف والقوي والكبير والصغير.
حتى عد عليه شرائع الاسلام.
فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله ! أعد علي فإني رجل نساء، فأعادها عليه فعقدها بيده، وقام وهو يجر إزاره وهو يقول: تعلمت الايمان ورب الكعبة، فلما بعد عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال صلى الله عليه وآله: من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا الرجل.
فقال أبو بكر وعمر: إلى من تشير يا رسول الله (ص) ؟ !.
فأطرق إلى الارض
(1) الفضائل، لابن شاذان: 75، خبر مالك بن نويرة.
(2) في المصدر: جالس - بالرفع - وهو أولى.
(3) لا توجد: منهم، في المصدر.
(4) لا توجد لفظة: شهر، في المصدر.

[344]

فاتخذا (1) في السير فلحقاه، فقالا له (2): البشارة من الله ورسوله بالجنة، فقال: أحسن الله تعالى بشارتكما إن كنتما ممن يشهد بما شهدت به، فقد علمتما ما علمني النبي (3) صلى الله عليه وآله، وإن لم تكونا كذلك فلا أحسن الله بشارتكم.
فقال أبو بكر: لا تقل ذلك (4) فأنا أبو عائشة زوجة النبي صلى الله عليه وآله.
قال: قلت: ذلك فما حاجتكما ؟.
قالا: إنك من أصحاب الجنة فاستغفر لن.
فقال: لا غفر الله لكما، أنتما نديمان لرسول الله صلى الله عليه وآله صاحب (5) الشفاعة وتسألاني أستغفر لكما ؟ ! فرجعا والكآبة لائحة في وجهيهما، فلما رآهما رسول الله صلى الله عليه وآله تبسم، وقال: في (6) الحق مغضبة ؟ !.
فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله ورجع بنو تميم إلى المدينة ومعهم مالك بن نويرة، فخرج لينظر من قام مقام رسول الله صلى الله عليه وآله، فدخل يوم الجمعة - وأبو بكر على المنبر يخطب الناس - فنظر إليه وقالوا (7): أخو تيم ؟.
قالوا (8): نعم.
قال: ما (9) فعل وصي رسول الله صلى الله عليه وآله الذي أمرني بموالاته ؟.
قالوا: يا أعرابي ! الامر يحدث بعد الامر الآخر.
(1) في المصدر: فجد.
وهو الظاهر.
(2) في كتاب الفضائل: لك، بدلا من: له.
(3) في المصدر: النبي محمد (ص).
(4) لا توجد: ذلك، في المصدر.
(5) جاء الجملة في المصدر: تتركان رسول الله (ص) صاحب.
(6) في المصدر: أفي.
- بهمزة الاستفهام -.
(7) في كتاب الفضائل:.
بالناس فنظر إليه وقال.
وهو الظاهر.
(8) نسخة في مطبوع البحار: قال، بدلا من: قالو.
(9) في المصدر: فم.

[345]

قال: تالله (1) ما حديث شئ وإنكم لخنتم (2) الله ورسوله، ثم تقدم إلى أبي بكر وقال له (3): من أرقاك هذا المنبر ووصي رسول الله صلى الله عليه وآله جالس ؟ !.
فقال أبو بكر: أخرجوا الاعرابي البوال على عقيبه من مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله !.
فقام إليه قنفذ بن عمير وخالد بن الوليد فلم يزالا يكذان (4) عنقه حتى أخرجاه، فركب راحلته وأنشأ يقول شعرا (5): أطعنا رسول الله ما كان بيننا * فيا قوم ما شأني وشأن أبي بكر إذا مات بكر قام (6) عمرو أمامه (7) * فتلك - وبيت الله - قاصمة الظهر يذب (8) ويغشاه العشار كأنما (9) * يجاهد جما (10) أو يقوم على قبر فلو طاف (11) فينا من قريش عصابة * أقمنا ولو كان (12) القيام على جمر قال: فلما استتم الامر لابي بكر وجه خالد بن الوليد وقال له: قد علمت
(1) في المصدر: بعده الامر قال: بالله.
(2) في كتاب الفضائل: قد خنتم.
(3) لا يوجد: له، في المصدر.
(4) في المصدر: يلكذان.
والظاهر أنها: يلكزان - بالزاء المعجمة -.
قال في المصباح المنير 2 / 766: لكزه لكزا - من باب قتل - ضربه بجمع كفه في صدره، وربما أطلق على جميع البدل، ومثله في مجمع البحرين 4 / 33.
وأما الكذ، فقد جاء في القاموس 1 / 358: كذ: خشن.
(5) لا توجد: شعرا، في المصدر.
(6) في (س): وقام.
(7) في المصدر: مقامه.
(8) في كتاب الفضائل: يدب.
(9) في (س): الغشا وكأنم.
(10) لا توجد: جما، في (س).
(11) جاء في المصدر: فلو قام.
(12) في كتاب الفضائل: ولكن، بدلا من: ولو كان.

[346]

ما قال على رؤوس الاشهاد، لست (1) آمن أن يفتق علينا فتقا لا يلتام، فاقتله، فحين أتاه خالد ركب جواده وكان فراسا يعد بألف فارس (2)، فخاف خالد منه فآمنه وأعطاه المواثيق ثم غدر به بعد أن ألقى سلاحه فقتله، وعرس (3) بامرأته في ليلته وجعل رأسه في قدر فيها لحم جزور لوليمة عرسه (4) لامرأته (5) ينزو عليها نزو الحمار.
والحديث طويل.
بيان (6): العشار - بالكسر -: جمع العشراة، وهي الناقة التي مضى لحملها عشرة اشهر (7).
والجم - جمع الجماء -: وهي الشاة التي لا قرن لها (8).
والاجم: الرجل بلا رمح (9)، ولعل تشبيه القوم بالعشار لما أكلوا من الاموال (10) المحرمة وطمعوا من الولايات الباطلة، ونفي (11) كونها جما تهديد بأنه وقومه كاملوا الارادة والسلاح.
(1) في المصدر: ما قاله مالك على رؤوس الاشهاد ولست.
(2) لا توجد: فارس، في المصدر.
(3) في كتاب الفضائل: وأعرس.
(4) في (س): عرس.
(5) في المصدر: وبات ينز، ولا توجد فيه: لامرأته.
(6) في (س) كلمة: بيان، يوجد فراغ وبياض.
(7) كما صرح به في مجمع البحرين 3 / 403، ولسان العرب 4 / 572، والصحاح 2 / 747.
(8) قاله في تاج العروس 8 / 233، والصحاح 5 / 1891، ومجمع البحرين 6 / 30.
(9) نص عليه في لسان العرب 12 / 108، والصحاح 5 / 1891، وغيرهم.
(10) في (س): الاحوال.
(11) كذا، والظاهر: وفي.

[347]

164 - إرشاد القلوب (1): من مثالبهم - لما (2) ما تضمنه خبر وفاة الزهراء عليها السلام قرة عين الرسول وأحب الناس إليه مريم الكبرى والحوراء التي أفرغت من ماء الجنة من صلب رسول الله صلى الله عليه وآله، التي قال في حقها رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله يرضى لرضاك ويغضب لغضبك.
وقال عليه وآله السلام: فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني.
وروي أنه لما حضرتها الوفاة قالت لاسماء بنت عميس: إذا أنا مت فانظري إلى الدار فإذا رأيت سجفا من سندس من الجنة قد ضرب فسطاطا في جانب الدار فاحمليني (3) وزينب وأم كلثوم فاجعلوني (4) من وراء السجف وخلوا (5) بيني وبين نفسي، فلما توفيت عليها السلام وظهر السجف حملناها وجعلناها وراءه، فغسلت
(1) أقول: إلى هنا اعتمدنا في تخريجنا على إرشاد القلوب (في الحكم والمواعظ) لابي محمد الحسن بن أبي الحسن محمد الديلمي، الذي هو من منشورات دار الفكر - بيروت -، بتصور أنه هو المصدر، إلا أنه قد ظهر لنا بالتتبع وفقد بعض الموراد التي نقلها صاحب البحار ولم نجدها فيه، ولنقله عن صاحب البحار في أكثر من مورد كما في قوله في المجلد الثاني صفحة: 91: ذكره المجلسي رحمه الله في المجلد التاسع من كتاب بحار الانوار. . والسيد البحراني في كتاب مدينة المعاجز بتغير ما، فمن أراده فليراجعه.
وغيرها من الموارد، أنه ليس هو الذي اعتمده صاحب البحار، كما أن من الملاحظ عليه أنه في المجلد الاول من المطبوع يقول: قال مصنف الكتاب.
أو: يقول العبد الفقير إلى رحمة الله ورضوانه أبو محمد الحسن بن أبي الحسن أبي محمد الديلمي جامع هذه الآيات من الذكر الحكيم.
1 / 9، 1 / 11، وغيرها أن المجلد الاول غير الثاني، إذ لا نجد مثل هذا هناك، وهذا الذي ذكرناه ألفينا المرحوم ثقة الاسلام الشهيد التبريزي في كتاب مرآة الكتب 2 / 31 - 32 قد تفطن إليه والى امور تؤيده حرية بالملاحظة.
ولا حظ ما ذكره شيخنا الطهراني في الذريعة 1 / 517.
هذا ولعل المجلد الثاني المطبوع من إرشاد القلوب ما هو إلا تلخيص له مع إضافات منه وهو للشيخ شرف الدين يحيى بن عز الدين حسين بن عشيرة بن ناصر البحراني نزيل يزد، كما حكى عنه في رياض العلماء.
وعلى كل، فإنا لم نجد هذا الحديث في إرشاد القلوب مع كل ما تفحصنا فيه وراجعناه أكثر من مرة.
(2) أي كثيرا مع كونها مجتمعة، كما في النهاية 4 / 273، خط عليها في (ك)، وهو الظاهر.
(3) في (س): فاحليني.
(4) كذا، والظاهر: فاجعلنيني.
(5) كذا، والظاهر: خللن.

[348]

وكفنت وحنطت بالحنوط، وكان كافور أنزله جبرئيل عليه السلام من الجنة في ثلاث صرر، فقال: يا رسول الله ! ربك يقرؤك السلام ويقول لك: هذا حنوطك وحنوط ابنتك وحنوط أخى علي مقسوم أثلاثا، وإن أكفانها وماؤها وأوانيها من الجنة.
وروي أنها توفيت عليها السلام بعد غسلها وتكفينها وحنوطها، لانها طاهرة لا دنس فيها، وأنها أكرم على الله تعالى أن يتولى ذلك منها غيرها، وإنه لم يحضرها إلا أمير المؤمنين والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وفضة جاريتها (1) وأسماء بنت عميس، وأن أمير المؤمنين عليه السلام أخرجها ومعه الحسن والحسين في الليل وصلوا عليها، ولم يعلم بها أحد، ولا حضروا وفاتها ولا صلى عليها أحد من ساير الناس غيرهم، لانها عليها السلام أوصت بذلك، وقال: لا تصل علي أمة نقضت عهد الله وعهد أبي رسول الله صلى الله عليه وآله في أمير المؤمنين علي عليه السلام، وظلموني حقي، وأخذوا إرثي، وخرقوا صحيفتي التي كتبها لي أبي بملك فدك، وكذبوا شهودي وهم - والله - جبرئيل وميكائيل وأمير المؤمنين عليه السلام وأم أيمن، وطفت عليهم في بيوتهم وأمير المؤمنين عليه السلام يحملني ومعي الحسن والحسين ليلا ونهارا إلى منازلهم أذكرهم بالله وبرسوله ألا تظلمونا ولا تغصبونا حقنا الذي جعله الله لنا، فيجيبونا ليلا ويقعدون عن نصرتنا نهارا، ثم ينفذون إلى دارنا قنفذا ومعه عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد ليخرجوا ابن عمي عليا إلى سقيفة بني ساعدة لبيعتهم الخاسرة، فلا يخرج إليهم متشاغلا بما أوصاه به رسول الله صلى الله عليه وآله وبأزواجه وبتأليف القرآن وقضاء ثمانين ألف درهم وصاه بقضائها عنه عدات ودينا، فجمعوا الحطب الجزل (2) على بابنا وأتوا بالنار ليحرقوه ويحرقونا، فوقفت بعضادة الباب وناشدتهم بالله وبأبي أن يكفوا عنا وينصرونا، فأخذ عمر السوط من يد قنفذ - مولى أبي بكر - فضرب به عضدي
(1) في (ك): وجاريتها - بزيادة الواو -.
(2) قال في النهاية 1 / 270: حطبا جزل.
أي غليظا قوي.

[349]

فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج، وركل (1) الباب برجله فرده علي وأنا حامل فسقطت لوجهي (2) والنار تسعر وتسفع (3) وجهي، فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني، وجاءني المخاض فأسقطت محسنا قتيلا بغير جرم، فهذه أمة تصلي علي ؟ ! وقد تبرأ الله ورسوله منهم، وتبرأت منهم.
فعمل أمير المؤمنين (ع) بوصيتها ولم يعلم أحدا بها فأصنع (4) في البقيع ليلة دفنت فاطمة عليها السلام أربعون قبرا جدد.
ثم إن المسلمين لما علموا بوفاة فاطمة ودفنها جاؤا إلى أمير المؤمنين عليه السلام يعزونه بها، فقالوا: يا أخا رسول الله (ص) ! لو أمرت بتجهيزها وحفر تربته.
فقال عليه السلام: قد وريت ولحقت بأبيها صلى الله عليه وآله وسلم (5).
فقالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون، تموت ابنة نبينا محمد صلى الله عليه وآله ولم يخلف فينا ولدا غيرها، ولا نصلي عليها ! إن هذا لشئ عظيم.
فقال عليه السلام: حسبكم ما جنيتم على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وعلى أهل بيته ولم أكن - والله - لاعصيها في وصيتها التي أوصت (6) بها في أن لا يصلي عليها أحد منكم، ولا بعد العهد فأعذر، فنفض القوم أثوابهم، وقالوا لا بد لنا من الصلاة على ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله، ومضوا من فورهم إلى البقيع فوجدوا فيه أربعين قبرا جددا، فاشتبه عليهم قبرها عليها السلام بين تلك القبور فصح الناس ولام بعضهم بعضا، وقالوا: لم تحضوروا وفاة بنت نبيكم ولا
(1) الركل: الضرب برجل واحدة، كما في مجمع البحرين 4 / 385.
(2) الظاهر زيادة: لوجهي.
(3) أي تضرب وتلطم، كما في القاموس 3 / 38.
(4) في (س): فاضع.
(5) من كلمة: إلى أمير المؤمنين عليه السلام.
إلى هنا لا توجد في (س).
(6) في (س): أوصفت، وفي (ك): أوضعت، والظاهر ما أثبتناه.

[350]

الصلاة عليها ولا تعرفون قبرها فتزورونه ؟.
فقال أبو بكر: هاتوا من ثقات المسلمين من ينبش هذه القبور حتى تجدوا قبرها فنصلي عليها ونزورها، فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام، فخرج من داره مغضبا وقد احمر وجهه وقامت عيناه ودرت أوداجه، وعلى يده قباه (1) الاصفر - الذي لم يكن يلبسه إلا في يوم كريهة - يتوكأ على سيفه ذي الفقار حتى ورد البقيع، فسبق الناس النذير، فقال لهم: هذا علي قد أقبل كما ترون يقسم بالله لان بحث من (2) هذه القبور حجر واحد لاضعن السيف على غائر (3) هذه الامة، فولى القوم هاربين قطعا قطع.
ومنها: ما فعله الاول من التآمر على الامة من غير أن أباح الله له ذلك ولا رسوله، ومطالبة جميعهم بالبيعة له والانقياد إلى طاعته طوعا وكرها، وكان ذلك أول ظلم ظهر في الاسلام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله، إذ كان هو وأولياؤه جميعا مقربين بأن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله لم يولياه ذلك ولا أوجبا طاعته ولا أمرا ببيعته.
وطالب الناس بالخروج إليه مما كان يأخذه رسول الله صلى الله عليه وآله من الاخماس والصدقات والحقوق الواجبات.
ثم تسمى بخلافة رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد علم هو ومن معه من الخاص والعام أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يستخلفه، فقد جمع بين الظلم والمعصية والكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد قال صلى الله عليه وآله: من كذب علي متعمدا فليتبوء مقعده من النار، ولما امتنع طائفة من الناس في دفع الزكاة إليه وقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يأمرنا بدفع ذلك إليك، فسماهم: أهل الردة، وبعث إليهم خالد بن الوليد رئيس القوم في جيش،
(1) في (ك): قباء.
(2) لا توجد كلمة من، في (س).
(3) كذا، والظاهر: غابر - بالباء الموحدة -.

[351]

فقتل مقاتلهم، وسبى ذراريهم، واستباح أموالهم، وجعل ذلك فيئا للمسلمين، وقتل خالد بن الوليد رئيس القوم: مالك بن نويرة، وأخذ امرأته فوطأها من ليلته تلك (1) واستحل الباقون فروج نسائهم من غير استبراء.
وقد روى أهل الحديث جميعا بغير خلاف عن القوم الذين كانوا مع خالد أنهم قالوا: أذن مؤذننا وأذن مؤذنهم، وصلينا وصلوا، وتشهدنا وتشهدوا، فأي ردة ها هنا ؟ ! مع ما رووه أن عمر قال لابي بكر: كيف نقاتل قوما يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله (ص): فإذا قالوها حقنوا دماءهم وأموالهم ؟ !.
فقال: لو منعوني عقالا مما كانوا يدفعونه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله لقاتلتهم - أو قال: لجاهدتهم -، وكان هذا فعلا فظيعا في الاسلام وظلما عظيما، فكفى بذلك خزيا وكفرا وجهلا، وإنما أخذ عليه عمر بسبب قتل مالك بن نويرة، لانه كان بين عمر وبين مالك خلة أوجبت المعصية (2) له من عمر.
ثم رووا جميعا أن عمر لما ولي جمع من بقي من عشيرة مالك واسترجع ما وجد عند المسلمين من أموالهم وأولادهم ونسائهم، ورد ذلك جميعا عليهم.
فإن كان فعل أبي بكر بهن خطأ فقد أطعم المسلمين الحرام من أموالهم وملكهم العبيد الاحرار من أبنائهم (3)، وأوطأهم فروجا حراما من نسائهم، وإن كان ما فعله حقا فقد أخذ عمر نساء قوم ملكوهن بحق فانتزعهن من أيديهم غصبا وظلما وردهن إلى قوم لا يستحقونهم بوطئهن حراما من غير مباينة وقعت ولا أثمان دفعت إلى من كن عنده في تملكه، فعلى كلا الحالين قد أخطئنا جميعا أو أحدهما،
(1) لا توجد: تلك، في (س).
(2) كذا، والظاهر: العصبية.
(3) كذا، ولعل العبارة حقها أن تكون كذا: وملكهم الاحرار من أبنائهم عبيدا، ويحتمل زيادة كلمة: العبيد.
أو تكون: وملكهم العبيد والاحرار من أبنائهم.
فغضبت الناس، في (ك).

[352]

لانهما أباحا للمسلمين فروجا حراما، وأطعماهم طعاما حراما من أموال المقتولين على دفع الزكاة إليه، وليس له ذلك على ما تقدم ذكره.
ومنها: تكذيبه لفاطمة عليها السلام في دعواها فدك، ورد شهادة أم أيمن، مع أنهم رووا جميعا أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: أم أيمن امرأة من أهل الجنة، ورد شهادة أمير المؤمنين عليه السلام وقد رووا جميعا أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار، وأخبرهم (1) أيضا بتطهير علي وفاطمة من الرجس عن الله تعالى، فمن توهم أن عليا وفاطمة يدخلان - بعد هذه الاخبار من الله عزوجل - في شئ من الكذب والباطل فقد كذب الله، ومن كذب الله كفر بغير خلاف.
ومنها: قوله في الصلاة: لا تفعل (2) خالد من أمره، فهذه بدعة يقارنها كفر، وذلك أنه أمر خالد بقتل أمير المؤمنين عليه السلام إذا هو سلم من صلاة الفجر، فلما قام في الصلاة ندم على ذلك وخشي إن فعل ما أمر به من قتل أمير المؤمنين عليه السلام أن تهيج عليه فتنة لا يقومون له.
فقال: لا يفعلن خالد ما أمر.
قبل أن يسلم، والكلام في الصلاة بدعة، والامر بقتل علي كفر.
ومنها: أنهم رووا - بغير خلاف - أنه قال - وقت وفاته -: ثلاث فعلتها وددت أني لم أفعلها، وثلاث لم أفعلها ووددت أني أفعلها، وثلاث غفلت عنها ووددت أني أسأل رسول الله صلى الله عليه وآله عنها، أما الثلاث التي وددت أني (3) لم أفعلها، فبعث خالد بن الوليد إلى مالك بن نويرة وقومه المسمين بأهل الردة، وكشف بيت فاطمة (ع) وإن كان أغلق على حرب.
واختلف أولياؤه في باقي الخصال فأهملنا ذكرها وذكرنا ما اجتمعوا عليه.
فقد دل قوله: أني لم أكشف بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه
(1) في (س): أخبر بهم.
(2) خ.
ل: لا يفعل.
(3) لا توجد: أني، في (س).

[353]

وآله.
أنه أغضب فاطمة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك، فقد أوجب بفعله هذا غضب الله عليه بغضب فاطمة.
وقال صلى الله عليه وآله: فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله، فقد لزمه أن يكون قد (1) آذى الله ورسوله بما لحق فاطمة عليها السلام من الاذى بكشف بيتها، وقد (2) قال الله عزوجل: * (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والاخرة) * (3)، وأما الثلاثة التي ود أن يسأل رسول الله عنها فهي: الكلالة ما هي ؟ وعن الجد ما له من الميراث ؟ وعن الامر لمن بعده ؟ ومن صاحبه ؟.
وكفى بهذا الاقرار على نفسه خزيا وفضيحة، لانه شهر نفسه بالجهل بأحكام الشريعة، ومن كان هذه حاله كان ظالما فيما دخل فيه من الحكومة بين المسلمين بما لا يعلمه: * (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) * (4).
وقوله: ووددت أني أسأل رسول الله صلى الله عليه وآله لمن الامر بعده ؟ ومن صاحبه ؟ فقد أقر وأشهد على نفسه بأن الامر لغيره، وأنه لا حق له فيه، لانه لو كان له حق لكان قد علمه من الله عزوجل ومن رسوله صلى الله عليه وآله، فلما لم يكن له فيه حق لم يعلم لمن هو بزعمه، وإذا لم يكن فيه حق ولم يعلم لمن هو فقد دخل فيما لم يكن له، وأخذ حقا هو لغيره، وهذا يوجب الظلم والتعدي، وقال الله تعالى: * (ألا لعنة الله عليه الظالمين) * (5).
وأما ما وافقه عليه صاحبه الثاني: فمنها (6): أنه لما أمر أن يجمع ما تهيأ له من القرآن أمر مناديا ينادي في
(1) لا توجد: قد، في (س).
(2) خط على: قد، في (ك).
(3) الاحزاب: 57.
(4) الشعراء: 227.
(5) هود: 18.
(6) أقول: كل ما ذكر هنا من مثالب للخليفة ستأتي مصادره مفصلا بإذن الله، ونشير لبعضها هنا = = مجملا، انظر: صحيح البخاري، باب جمع القرآن 6 / 98 - 99، كنز العمال، باب جمع القرآن 2 / 361، ومنتخب كنز العمال - هامش مسند احمد بن حنبل - 2 / 43 - 52، وغيرها مما سيأتي في محله.

[354]

المدينة: من كان عنده شئ من القرآن فليأتنا به، ثم قال: لا تقبل من أحد شيئا إلا بشاهدي عدل.
وهذا منه مخالف لكتاب الله عزوجل إذ يقول: * (لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرءان لا يأتون بمثله) * (1) فذلك غاية الجهل وقلة الفهم، وهذا الوجه أحسن أحوالهما، ومن حل هذا المحل لم يجز أن يكون حاكما بين المسلمين فضلا عن منزلة الامامة، وإن كانا قد علما ذلك من كتاب الله، ولم يصدقا إخبار الله فيه، ولم يثقا بحكمه في ذلك، كانت هذه حالا توجب عليهما ما لا خفاء به على كل ذي فهم، ولكن الائمة من أهل البيت عليهم السلام قالوا: إنهما قصدا بذلك عليا عليه السلام فجعلا هذا سببا لترك قبول ما كان علي عليه السلام جمعه وألفه من القرآن في مصحفه بتمام ما أنزل الله عزوجل على رسوله منه، وخشيا أن يقبلا ذلك منه، فيظهر ما يفسد عليهما عند الناس ما ارتكباه من الاستيلاء على أمورهم، ويظهر فيه فضائح المذمومين بأسمائهم وطهارة الفاضلين المحمودين بذكرهم، فلذلك قالا: لا نقبل القرآن من أحد (2) إلا بشاهدي عدل، هذا مع ما يلزم من يتولاهما أنهما لم يكونا عالمين بتنزيل القرآن، لانهما لو كان يعلمانه لما احتاجا أن يطلباه من غيرهما ببينة عادلة، وإذا لم يعلما التنزيل كان محالا أن يعلما التأويل، ومن لم يعلم التنزيل ولا التأويل كان جاهلا بأحكام الدين وبحدود ما أنزل الله على رسوله، ومن كان بهذه الصفة (3) خرج عن حدود من يصلح أن يكون حاكما بين المسلمين أو إماما لهم، ومن لم يصلح لذلك ثم دخل فيه فقد استوجب
(1) الاسراء: 88.
(2) لا توجد في (س): من أحد.
(3) الكلمة في مطبوع البحار مشوشة، ولعلها تقرأ: الضفة.

[355]

المقت من الله عزوجل، لانه من لا يعلم حدود الله يكون حاكما بغير ما أنزل الله، وقال سبحانه وتعالى: * (ومن لم يحكم بمآ أنزل الله فأولئك هم الكافرون) * (1).
ومنها: إن الامة مجتمعة (2) على أن رسول الله صلى الله عليه وآله ضمه وصاحبه مع جماعة من المهاجرين والانصار إلى أسامة بن زيد وولاه عليهما، وأمره بالمسير فيهم، وأمرهم بالمسير تحت رايته، وهو أمير عليهم إلى بلاد من الشام، ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: لينفذوا جيش أسامة.
حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضه ذلك، وأنهما لم ينفذا وتأخرا عن أسامة في طلب ما استوليا عليه من أمور الامة، فبايع الناس لابي بكر - وأسامة معسكر في مكانه على حاله خارج المدينة - والامة مجتمعة، (3) على أن من عصى رسول الله صلى الله عليه وآله وخالفه فقد عصى الله، ومن أطاع الرسول فقد أطاع الله، بنص الكتاب العزيز (4)، والامة أيضا مجمعة على أن معصية الرسول بعد وفاته كمعصيته في حياته، وأن طاعته بعد وفاته كطاعته في حياته، وأنهما لم يطيعاه في الحالتين، وتركا لهما بالخروج، ومن ترك أمر رسول الله صلى الله عليه وآله متعمدا وخالفه وجب الحكم بارتداده.
ومنها: أنه لما حضرته الوفاة جعل ما كان اغتصبه وظلم في الاستيلاء عليه لعمر من بعده، وطالب الناس بالبيعة له والرضا به كره في ذلك من كره ورغب من رغب، وقد أجمعوا في روايتهم أن الغالب كان من الناس يومئذ الكراهية، فلم يفكر في ذلك وجعله الوالي عليهم على كره منهم، وخوفوه من الله عزوجل في توليته، فقال: أبا لله تخوفوني ؟ ! إذا أنا لقيته قلت له: استخلفت عليهم خير أهلك !.
فكان هذا القول جامعا لعجائب من المنكرات القطعيات، أرأيت لو
(1) المائدة: 44.
(2) في (س) نسخة بدل: مجمعة.
(3) في مطبوع البحار على الكلمة نسخة بدل: مجمعة.
(4) النساء: 80.

[356]

أجابه الله تعالى، فقال: ومن جعل إليك ذلك ؟ ومن ولاك أنت (1) حتى تستخلف عليهم غيرك ؟ ! فقد تقلد الظلم في حياته وبعد وفاته.
ثم إن قوله: تخوفوني بالله.
! إما هو دليل على استهانته بملاقاة الله تعالى، أو يزعم أنه زكي عند الله برئ من كل ذلة (2) وهفوة، وهذا مخالفة لقوله تعالى، فإنه قال: * (فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) * (3).
ثم إنه لم يكتف بذلك حتى شهد لعمر أنه خير القوم، وهذا مما لا يصل إليه مثله ولا يعرفه.
ثم إنه ختم ذلك بالطامة الكبرى أنه أمر وقت وفاته بالدفن مع رسول الله صلى الله عليه وآله في بيته وموضع قبره وجعل - أيضا - بذلك سبيلا لعمر عليه، فإنه فعل كما فعله، وصيرت العامة ذلك منقبة لهما بقولهم: ضجيعا رسول الله (ص)، ومن عقل وميز وفهم علم أنهما قد جنيا على أنفسهما جناية لا يستقيلانها أبدا، وأوجبا على أنفسهما المعصية لله ولرسوله والظلم الظاهر الواضح، لان الله سبحانه قد نهى عن الدخول إلى بيوت النبي صلى الله عليه وآله إلا بإذنه، حيث يقول: * (يا أيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم) * (4) والحال في ذلك بعد وفاته كالحال في حياته، إلا أن يخص الله عزوجل ذلك أو رسوله، فإن كان البيت الذي فيه قبر رسول الله صلى الله عليه وآله للرسول خاصة فقد عصيا الله بدخولهما إليه بغير إذن الرسول صلى الله عليه وآله، وختما أعمالهما بمعصية الله تعالى في ذلك، وإن كان البيت من جملة التركة، فإما أن يكون كما زعموا أنه صدقة أو يكون للورثة، فإن كان صدقة فحينئذ يكون لسائر المسلمين لا يجوز أن يختص واحد دون واحد، ولا يجوز أيضا شراؤه من المسلمين ولا
(1) ولعل كلمة: أنت، زائدة، أو تأكيد، أو بدلا عن الضمير.
(2) كذا، والظاهر أنها بالزاء لا الذال المعجمة، وهي بمعنى الهفوة، فيكون عطف تفسير.
(3) النجم: 32.
(4) الاحزاب: 53.

[357]

استيهابه، وإن كان ميراثا، فلم يكونا ممن يرث الرسول صلى الله عليه وآله.
وإن ادعى جاهل ميراث ابنتهما من الرسول (ص) فإن نصيبهما تسعا الثمن لان الرسول صلى الله عليه وآله مات عن تسع نسوة وعن ولد للصلب، فلكل واحدة منهما تسع الثمن، وهذا القدر لا يبلغ مفحص قطاة.
وبالجملة، فإنهما غصبا الموضع حتى تقع القسمة على تركة الرسول ولا قسمة مع زعمهم أن ما تركه صدقة.
وأما صاحبه الثاني فقد حذا حذوه، وزاد عليه فيما غير من حدود الله تعالى في الوضوء، والاذان والاقامة.
وسائر أحكام الدين.
أما الوضوء، فقد قال عز من قائل: * (يا أيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلوة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين) * (1) فقد جعل سبحانه للضوء حدودا أربعة، حدان منها غسل، وحدان منها مسح، فلما قدم الثاني بعد الاول جعل المسح على الرجلين غسلا وأمر الناس بذلك، فاتبعوه إلا الفرقة المحقة، وأفسدوا على من اتبعه وضوءه وصلاته لفساد الوضوء لانه على غير ما أنزل الله به من حدود الوضوء، وأجاز أيضا (2) المسح على الخفين من غير أمر من الله تعالى (3) ورسوله.
وأما الاذان والاقامة، فأسقط منهما وزاد فيهما، أما الاذان فإنه كان فيه على عهد النبي صلى الله عليه وآله: (حي على خير العمل) بإجماع العلماء وأهل المعرفة بالاثر والخبر، فقال الثاني: ينبغي (4) لنا أن نسقط: (حي على خير العمل)، في الاذان والاقامة لئلا يتكل الناس على الصلاة فيتركوا الجهاد، فأسقط ذلك من
(1) المائدة: 6.
(2) في (س) زيادة: على، وخط عليها في (ك).
(3) لا توجد كلمة: تعالى، في (ك).
(4) في (ك): لا ينبغي، وهو غلط.

[358]

الاذان والاقامة جميعا لهذه العلة بزعمه، فقبلوا ذلك منه وتابعوه عليه، ويلزمهم (1) أن يكون عمر قد أبصر من الرشد ما لم يعلمه الله عزوجل ولا رسوله صلى الله عليه وآله، لان الله ورسوله قد أثبتا ذلك في الاذان والاقامة ولم يخافا على الناس ما خشيه عليهم عمر وقدره فيهم، ومن ظن ذلك وجهله لزمه الكفر، فأفسد عليهم الاذان بذلك أيضا، لانه من تعمد الزيادة والنقيصة في فريضة أو سنة فقد أفسده.
ثم انه بعد إسقاط ما أسقط من الاذان والاقامة من (حي على خير العمل)، أثبت في بعض الاذان زيادة من عنده، وذلك أنه زاد في أذان صلاة الفجر: الصلاة خير من النوم، فصارت هذه البدعة - عند من اتبعه - من السنن الواجبة لا يستحلون تركها، فبدعة الرجل عندهم معمورة متبعة معمول بها يطالب من تركها بالقهر عليها، وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله عندهم مهجورة مطرحة يضرب من استعملها ويقتل من أقامه.
وجعل أيضا الاقامة فرادى، فقال: ينبغي لنا أن نجعل بين الاذان والاقامة فرقا بينا، وكانت الاقامة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله سبيلها كسبيل الاذان مثنى مثنى، وكان فيها: (حي على خير العمل) مثنى، وكانت أنقص من الاذان بحرف واحد، لان في آخر الاذان: (لا إله إلا الله) مرتين، وفي آخر الاقامة مرة واحدة، وكان هذا هو الفرق فغيره الرجل وجعل بينهما فرقا من عنده، فقد خالف الله ورسوله، وزعم أنه قد أبصر من الرشد في ذلك وأصاب من الحق ما لم يعلمه الله تعالى ورسوله، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، ولا شك انه كل من ابتدع بدعة كان عليه وزرها ووزر العامل بها إلى يوم القيامة.
وأما الصلاة، فأفسد من حدودها ما فيه الفضيحة والهتك لمذهبهم، وهو إنهم رووا أن: تحريم الصلاة التكبير وتحليلها التسليم، وان الصلاة المفروضة على
(1) في (ك): فيلزمهم.

[359]

الحاضرين الظهر أربعا، والعصر أربعا، والمغرب ثلاثا، والعشاء الآخرة أربعا، لا سلام إلا في آخر التشهد في الرابعة، وأجمعوا على أنه من سلم قبل التشهد عامدا متعمدا فلا صلاة له، وقد لزمه الاعادة، وأنه من سلم في كل ركعتين من هذه الصلوات الاربع عامدا غير ناس فقد أفسد صلاته وعليه الاعادة، فاستن الرجل لهم في التشهد الاول والثاني ما أفسد صلاتهم وأبطل عليهم تشهدهم، فليس منهم أحد يتشهد في صلاته قط ولا يصلي من هذه الصلوات الاربع التي ذكرناها، وذلك انهم يصلون ركعتين ثم يقعدون للتشهد الاول فيقولون عوضا عن التشهد: التحيات لله، الصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإذا قالوا ذلك فقد سلموا أتم السلام و (1) أكمله، لانه إذا سلم المصلي على النبي وعلى نفسه وعلى عباد الله الصالحين لم يبق من هؤلاء من يجوز صرف التسليم إليه، فإن عباد الله الصالحين يدخل في جملتهم الاولون والآخرون والجن والانس والملائكة (2) وأهل السماوات والارضين والانبياء والاوصياء وجميع المرسلين من الاحياء والاموات ومن قد مضى ومن هو آت، فحينئذ يكون المصلي منهم قد قطع صلاته الاربع ركعات بسلامه هذا، ثم يقول بعد: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، والتشهد هو الشهادتان، فالمصلي منهم يأتي بالشهادتين بعد التسليم الذي ذكرناه منهم، فلزمهم أنه ليس منهم أحد يتشهد في الصلاة إذا كان التسليم موجبا للخروج من الصلاة، ولا عبرة بالتشهد بعد الصلاة.
ثم أتبع ذلك بقوله: آمين، عند الفراغ من قراءة سورة الحمد، فصارت عند أوليائه سنة واجبة، حتى أن من يتلقن القرآن من الاعاجم وغيرهم وعوامهم وجهالهم يلعنونهم (3) من بعد قول ولا الضالين: آمين، فقد زادوا آية في أم
(1) في (س): أو.
(2) في (س): وأهل الملائكة.
(3) كذا، والظاهر بل الصحيح: يلقنونهم.