[400]

والتقية - وأي ضرورة في أن ينصب إلى أئمتهم في زمان الخوف والتقية ما يصير سببا لتضررهم من المخالفين، ولتضاعف خوفهم، ووقوع الجرائم والقتل والنهب عليهم ؟.
ولم لم يمنعهم أئمتهم من تدوين أمثال ذلك في كتبهم في مدة مديدة تزيد على ثلاثمائة سنة، وأكثر تلك الكتب قد دونت في زمانهم ؟ ولم يتبروا منهم كما تبروا من الغلاة كأبي الخطاب وأضرابه ؟ وهل هذا مثل أن يقال لم ير أحد من أصحاب الائمة الذين دونوا أسماءهم في رجال الشيعة أحدا من الائمة عليهم السلام ولم يسمعوا منه شيئا بل كانوا يفترون عليهم ؟ أو يقال لم يكن جماعة موسومون بتلك الاسامي، بل وضعت الشيعة تلك الاسامي من غير أصل ؟ وتقول اليهود والنصارى لم يبعث رجل مسمى بمحمد بأمثال تلك الخرافات ؟.
وبالجملة، لا ريب في أن مذاهب الناس وعقائدهم إنما يؤخذ من خواصهم وأحبائهم دون المنحرفين عنهم والمنخرطين في سلك أعدائهم، وهذا من أجلى الواضحات.
ولعمري كيف لا يكذبون أصحاب أبي حنيفة والشافعي ومالك وأضرابهم فيما ينسبون إليهم، ويكذبون أصحاب أئمتنا عليهم السلام في ذلك ؟ !.
وأعجب من ذلك أنهم يعتمدون على أصولهم المشحونة بالاباطيل والاكاذيب المروية عن جماعة من المنافقين ظهر على الناس فسقهم وكذبهم، ولا يلتفتون إلى ما يرويه أفاضل الشيعة في أصولهم مع كونهم معروفين بين الفريقين بالورع والزهد والصدق والديانة ؟ وهل هذا إلا لمحض العصبية والعناد ؟ !.
فقد روى مسلم في صحيحه (1)، بإسناده عن عمرو بن العاص، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله - جهارا غير سر - يقول: ألا إن آل أبي طالب ليسوا لي أولياء، وإنما وليي الله وصالح المؤمنين (2).
(1) صحيح مسلم 1 / 197، باب 93، كتاب الايمان، حديث 366 (215)، ولكن حذف فيه: آل أبي طالب، وهناك حاشية في ذيل الصفحة حرية بالملاحظة.
ومثله في مسند احمد 4 / 203.
(2) كما رواه ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة 11 / 42.

[401]

وقد حكى ابن أبي الحديد (1)، عن أبي جعفر الاسكافي - وهو من مشايخ المعتزلة - كلاما في المنحرفين عن علي عليه السلام والمبغضين له.
وعد منهم عمرو ابن العاص، فروى الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما مسندا متصلا بعمرو بن العاص (2)، وذكر الحديث، فيظهر من كلامه (3) الاعتراف بوجود (4) الخبر في صحيح البخاري أيضا (5).
ثم لما رأى بعض العامة شناعة تلك الرواية (6) غيروا في كثير من النسخ لفظ أبي طالب بلفظ أبي فلان.
وروى مسلم (7)، عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لا تكتبوا عني غير القرآن ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.
ولا ريب في أن تحريم الكتابة عن الرسول صلى الله عليه وآله باطل باتفاق أهل الاسلام.
ونقل ابن أبي الحديد (8) أيضا، عن الاسكافي: أن معاوية وضع قوما من الصحابة وقوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي عليه السلام، يقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم جعلا يرغب في مثله، فاختلقوا ما أرضاه، منهم: أبو هريرة، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير.
(1) في شرحه على النهج 4 / 63.
(2) شرح النهج لابن أبي الحديد 4 / 64.
(3) في (س): في كل أمة.
(4) جاءت في (س): بوجوه.
(5) لا توجد كلمة: أيضا، في (ك).
(6) في (س) الروايات.
(7) صحيح مسلم 4 / 2298، باب 16، كتاب الزهد، حديث 3004.
(8) في شرحه على النهج 4 / 63 - 64.

[402]

روى الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، قالت: كنت عند رسول الله إذ أقبل العباس وعلي، فقال: يا عائشة ! إن هذين يموتان على غير ملتي، أو قال: ديني.
وروى عبد الرزاق، عن معمر، قال: كان عند الزهري حديثان عن عروة عن عائشة في علي عليه السلام، فسألته عنهما يوما، فقال: ما تصنع بهما وبحديثهما ؟ ! الله أعلم بهما، إني لاتهمهما (1) في بني هاشم.
قال (2): أما الحديث الاول فقد ذكرناه، وأما الحديث الثاني فهو: ان عروة زعم أن عائشة حدثته، قالت: كنت عند النبي صلى الله عليه وآله إذ أقبل العباس وعلي، فقال: يا عائشة ! إن سرك أن تنظري إلى رجلين من أهل النار فانظري إلى هذين قد طلعنا، فنظرت فإذا العباس وعلي بن أبي طالب.
انتهى.
ومع وجود أمثال تلك الروايات في أصولهم الفاسدة يعتمدون عليها اعتمادهم على القرآن، ويفرون من روايات الشيعة المتدينين البررة * (كأنهم حمر مستنفرة * فرت من قسورة) * (3)، وأي نص قاطع دل على انحصار المحدثين ورواة الاخبار في البخاري ومسلم ومن يحذو حذوهما في التعصب وإخفاء الحق وطرح ما يخالف أهواءهم من الاخبار، كما يظهر للفطن البصير مما حكاه ابن الاثير (4)، قال: قال البخاري: أخرجت كتابي الصحيح من زهاء (5) ستمائة ألف حديث.
وقال (6) مسلم: صنفت المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة.
(1) في (ك): لا أتهمهما، وهو اشتباه ظاهر.
(2) القائل هو الزهري،، والعبارة لابن أبي الحديد، وفي الشرح: فام.
(3) المدثر: 50 - 51.
(4) جامع الاصول 1 / 109 [تحقيق الارناووط 1 / 186]، وفيه: خرجت كتاب الصحيح.
(5) جاء في حاشية (ك): وقولهم: هم زهاء مائة.
أي قدر مائة.
صحاح.
انظر: الصحاح 6 / 2371.
(6) أي قال ابن الاثير في جامع الاصول 1 / 110، قال.
[تحقيق الارناووط: 1 / 188].

[403]

وقال أبو داود (1): كتبت عن رسول الله صلى الله عليه [وآله] خمسمائة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب - يعني كتاب السنن - أربعة (2) آلاف حديث وثمانمائة.
وإنما تأخذ الشيعة أخبار دينهم عمن تعلق بالعروة الوثقى التي هي متابعة أهل بيت النبوة الذين شهد الله لهم بالتطهير، ونص عليهم الرسول صلى الله عليه وآله بأنهم سفينة النجاة، ولا يأخذون شطر دينهم عن امرأة ناقصة العقل والدين مبغضة لامير المؤمنين عليه السلام، وشطره الآخر عن أبي هريرة الدوسي الكذاب المدني، وأنس بن مالك - الذي فضحه الله بكتمان الحق وضربه ببياض لا تغطيه العامة - ومعاوية، وعمرو بن العاص، وزياد المعروفين عند الفريقين بخبث المولد وبغض من أخبر النبي صلى الله عليه وآله الامين بأن بغاضه آية النفاق.
وأضراب هؤلاء، لكن التعصب أسدل (3) أغطية الغي والضلال على أبصارهم إلى يوم النشور، * (ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) * (4).
* * * * *
(1) جامع الاصول 1 / 112 [تحقيق الارناووط 1 / 190].
(2) في المصدر: جمعت فيه أربعة.
(3) في (س): أسدد.
أقول: أسدد من السد.
أي جعل التعصب أغطية الضلال موثوقة على أبصارهم.
(4) النور: 40.

[405]

[20] باب آخر في ذكر أهل التابوت في النار

1 - ج (1): سليم بن قيس الهلالي، عن سلمان الفارسي، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام في يوم بيعة أبي بكر: لست بقائل غير شئ واحد أذكركم بالله أيها الاربعة - يعنيني والزبير وأبا ذر والمقداد - أسمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن تابوتا من نار فيه اثنا عشر رجلا، ستة من الاولين وستة من الآخرين في جب في قعر جهنم في تابوت مقفل، على ذلك الجب صخرد إذا أراد الله أن يسعر جهنم (2) كشف تلك الصخرة عن ذلك الجب فاستعاذت جهنم من وهج (3) ذلك الجب، فسألناه عنهم وأنتم شهود، فقال النبي صلى الله عليه واله: أما الاولون: فابن آدم الذي قتل أخاه، وفرعون الفراعنة، والذي حاج ابراهيم في ربه، ورجلان من بني إسرائيل بدلا كتابهما وغيرا سنتهما (4)، أما أحدهما فهود

(1) الاحتجاج 1 / 105 - 106، وجاء متن الحديث في الصفحة: 112 - 113 من طبعة النجف [وفي طبعة منشورات الرضي: 80، والحديث صفحة 86] باختلاف يسير.
(2) في المصدر: نار جهنم.
(3) جاء في القاموس 1 / 211: وهج النار يهج وهجا ووهجانا: اتقدت، والاسم الوهج - محركة -.
(4) في الاحتجاج: كتابهم.
سنتهم - بضمير الجمع -، وهو الظاهر.

[406]

اليهود، والآخر نصر النصارى، وإبليس سادسهم، الدجال في الآخرين، وهؤلاء الخمسة أصحاب الصحيفة الذين تعاهدوا وتعاقدوا على عداوتك يا أخي، والتظاهر عليك بعدي هذ.
وهذا (1) حتى عددهم (2) وسماهم.
فقال سلمان: فقلنا: صدقت نشهد إنا سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله.
2 - كتاب سليم (3): مثله، وقد مر (4).
3 - فس (5): * (قل أعود برب الفلق) * (6)، قال: الفلق جب في جهنم يتعوذ أهل النار من شدة حره، سأل (7) الله أن يأذن له أن يتنفس فأذن له، فتنفس فأحرق جهنم.
قال: وفي ذلك الجب صندوق من نار يتعوذ (8) أهل تلك (9) الجب من حر ذلك الصندوق، وهو التابوت، وفي ذلك التابوت ستة من الاولين وستة من الآخرين، فأما الستة من (10) الاولين: فابن آدم الذي قتل أخاه، وفرعون (11) إبراهيم الذي ألقى إبراهيم في النار، وفرعون موسى، والسامري الذي اتخذ العجل، والذي هود اليهود، والذي نصر النصارى، وأما الستة من (12) الآخرين:
(1) في المصدر: هذا وهذا وهذ.
(2) في الاحتجاج: حتى عدهم.
وهو الظاهر.
(3) كتاب سليم بن قيس: 91 - 92، وصدر الحديث في صفحة: 74.
(4) بحار الانوار 28 - 58، وفي (ك) من البحار 8 / 23 و 54 و 362 اشارة إلى الصحيفة الملعونة.
(5) تفسير علي بن ابراهيم 2 / 499.
(6) الفلق: 1.
(7) في المصدر: قال.
(8) جاء في (ك): ويتعوذ.
(9) لا توجد: تلك، في المصدر.
(10) في التفسير: فأما الستة التي من.
(11) كذا، وفي المصدر: ونمرود ابراهيم.
(12) في التفسير: فأما الستة التي من.

[407]

فهو الاول والثاني والثالث والرابع وصاحب الخوارج وابن ملجم (1).
* (ومن شر غاسق إذا وقب) * (2)، قال: الذي يلقى في الجب يقب فيه (3).
4 - ثو (4): ابن الوليد، عن الصفار، عن عباد بن سليمان، عن محمد بن سليمان الديلمي، عن أبيه، عن إسحاق بن عمار، عن موسى بن جعفر عليهما السلام، قال: قلت: جعلت فداك، حدثني فيهما بحديث، فقد سمعت من (5) أبيك فيهما بأحاديث (6) عدة.
قال: فقال لي: يا إسحاق ! الاول (7) بمنزلة العجل، والثاني بمنزلة السامري.
قال: قلت: جعلت فداك، زدني فيهما ؟.
قال: هما والله نصرا وهودا ومجسا، فلا غفر الله ذلك لهم.
قال: قلت: جعلت فداك، زدني فيهم.
قال: ثلاثة لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم.
قال: قلت: جعلت فداك، فمن هم ؟.
قال: رجل ادعى إماما من غير الله، وآخر طعن في إمام من الله، وآخر زعم أن لهما في الاسلام نصيب.
قال: قلت: جعلت فداك، زدني فيهما ؟.
قال: ما أبالي - يا إسحاق - محوت المحكم من كتاب الله أو جحدت محمدا صلى الله عليه وآله وسلم النبوة أو (8)
(1) جاءت زيادة: لعنهم الله، في المصدر.
(2) الفلق: 3.
(3) في تفسير القمي: فيه يقب، واستظهر في هامشه: يغيب فيه.
(4) ثواب الاعمال 2 / 255 - 256، باب 12، حديث 3 [وفيه طبعة مؤسسة الاعلمي: 256 - 257]، مع تفصيل في الاسناد.
(5) في المصدر: عن، بدلا من: من.
(6) في المصدر: أحاديت.
(7) في (س): الاولى، وهو سهو (8) في (ك): واو، بدلا من: أو.

[408]

زعمت أن ليس في السماء إله، أو تقدمت على علي بن أبي طالب عليه السلام.
قال: قلت: جعلت فداك، زدني ؟.
قال: فقال لي: يا إسحاق ! إن في النار لواديا - يقال له: سقر - لم يتنفس منذ خلقه الله، لو أذن الله عزوجل (1) له في التنفس بقدر مخيط لاحرق ما (2) على وجه الارض، وإن أهل النار ليتعوذون (3) من حر ذلك الوادي (4) ونتنه وقذره، وما أعد الله فيه لاهله، وإن في ذلك الوادي لجبلا يتعوذ جميع أهل ذلك الوادي من حر ذلك الجبل ونتنه وقذره وما أعد الله فيه لاهله من العذاب (5)، وإن في ذلك الجبل لشعبا يتعوذ جميع أهل ذلك الجبل من حر ذلك الشعب ونتنه وقذره وما أعد الله فيه لاهله، وإن في ذلك الشعب لقليب يتعوذ جميع أهل (6) ذلك الشعب من حر ذلك القليب ونتنه وقذره وما أعد الله فيه لاهله، وإن في ذلك القليب لحية يتعوذ أهل (7) ذلك القليب من خبث تلك الحية ونتنها وقذرها وما أعد الله (8) في أنيابها من السم لاهلها، وإن في جوف تلك الحية لسبعة صناديق فيها خمسة من الامم السالفة، وإثنان من هذه الامة.
قال: قلت: جعلت فداك، ومن الخمسة ؟ ومن الاثنان ؟.
قال: فأما (9) الخمسة: فقابيل الذي قتل هابيل، ونمرود الذي حاج ابراهيم في ربه، فقال: * (أنا أحيي وأميت) * (10)، وفرعون الذي قال: * (أنا ربكم الاعلى) * (11) ويهود الذي
(1) لا توجد: عزوجل، في المصدر.
(2) في ثواب الاعمال: من، بدل: م.
(3) في المصدر: يتعوذون - بدون لام -.
(4) في (س): الجبل، بدلا من: الوادي.
(5) لا توجد: من العذاب، في المصدر.
(6) لا توجد كلمة: أهل، في (ك)، وفي المصدر لا توجد كلمة: جميع.
(7) في ثواب الاعمال: جميع أهل ذلك.
(8) في المصدر زيادة: عزوجل.
(9) في المصدر: أما - بدون فاء -.
(10) البقرة: 258.
(11) النازعات: 24.

[409]

هود اليهود، وبولس الذي نصر النصارى، ومن هذه الامة أعرابيان.
5 - ل (1): بهذا الاسناد من قوله: يا إسحاق ! إن في النار لوادي.
إلى آخر الخبر.
بيان: الاعرابيان: الاول والثاني اللذان لم يؤمنا بالله طرفة عين.
6 - ل (2): أبي، عن سعد، عن ابن أبي الخطاب، عن الحكم بن مسكين (3)، عن عبد الرحمن بن سيابة، عن جعيد همدان، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن في التابوت الاسفل من النار (4) ستة من الاولين وستة من الآخرين، فأما الستة من الاولين: فابن آدم الذي قاتل أخيه (5)، وفرعون الفراعنة، والسامري، والدجال، - كتابه في الاولين، ويخرج في الآخرين - وهامان، وقارون، والستة من الآخرين: فنعثل، ومعاوية، وعمرو بن العاص، وأبو موسى الاشعري.
ونسي المحدث اثنين.
بيان: نعثل: كناية عن عثمان كما سيأتي، والمنسيان الاعرابيان الاولان بشهادة ما تقدم وما سيأتي.
(1) خصال الصدوق 2 / 398، أبواب السبعة، حديث 106.
(2) الخصال، للصدوق - رحمه الله -: 2 / 485، أبواب الاثنى عشر، حديث 59، بتفصيل في الاسناد.
(3) ورد السند في المصدر هكذا: عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، قال: حدثني الحسن بن مسكين الثقفي.
(4) لا توجد في الخصال: من النار.
(5) في المصدر:. . آدم قاتل أخيه، وهو الظاهر.

[410]

7 - ثو (1): ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن معروف (2)، عن ابن محبوب، عن حنان بن سدير، قال: حدثني رجل من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول: إن أشد الناس عذابا يوم القيامة لسبعة نفر: أولهم ابن آدم الذي قتل أخاه، ونمرود الذي حاج ابرهيم عليه السلام في ربه، واثنان في بني اسرائيل هودا قومهما ونصراهما، وفرعون الذي قال: * (أنا ربكم الاعلى) * (3)، واثنان من (4) هذه الامة أحدهما شرهما في تابوت من قوارير تحت الفلق في بحار من نار.
8 - كتاب الاستدرك (5): بإسناده إلى الاعمش، عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لجهنم سبعة أبواب - وهي الاركان - لسبعة فراعنة: نمرود بن كنعان فرعون الخليل، ومصعب ابن الوليد فرعون موسى، وأبو جهل بن هشام، والاول، والثاني، ويزيد قاتل ولدي، ورجل من ولد العباس يلقب بالدوانيقي اسمه المنصور.
أقول: سيأتي (6) في احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام على الزبير ما يناسب الباب.
* * * * *
(1) ثواب الاعمال 2 / 255، باب 12، حديث 1، باختصار في الاسناد.
(2) في المصدر: عن العباس بن معروف، وفي (س): عن الصفار، عن ابن محبوب.
(3) النازعات: 24.
(4) جاءت: في، بدلا من: من، في (س).
(5) كتاب الاستدراك، لابن بطريق، لا نعرف بطبعه حتى هذا التاريخ.
(6) بحار الانوار 36 / 324.

[411]

[22] باب تفصيل مطاعن أبي بكر والاحتجاج بها على المخالفين بإيراد الاخبار من كتبهم الطعن

الاول: ما ذكره أصحابنا رضوان الله عليهم: أن النبي صلى الله عليه وآله لم يول أبا بكر شيئا من الاعمال مع أنه كان يوليها غيره، ولما أنفذه لاداء سورة براءة إلى أهل مكة عزله وبعث عليا عليه السلام ليأخذها منه ويقرأها على الناس، ولما رجع أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وآله قال له (1): لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني (2).
فمن لم يصلح لاداء سورة واحدة إلى أهل بلدة كيف يصلح للرئاسة العامة المتضمنة لاداء جميع الاحكام إلى عموم الرعايا في سائر البلاد ؟ ! وسيأتي الروايات الواردة في ذلك مع الكلام فيها على وجه يناسب الكتاب في المجلد التاسع في باب
(1) لا توجد: له، في (س).
(2) وهذا ما أخرجه جمع كثير من أئمة الحديث وحفاظه من العامة بعدة طرق صحيحة، يتأتى التواتر بأقل منه.
عد منهم شيخنا الاميني في غديره 6 / 338 - 341 ثلاثة وسبعين إماما !.

[412]

مفرد (1).
وما أجابوا به من أنه صلى الله عليه وآله ولاه الصلاة بالناس، فقد (2) تقدم (3) القول فيه مفصل.
وما ذكره قاضي القضاة في المغني (4) من أنه لو سلم أنه لم يوله لما دل ذلك (5) على نقص ولا على أنه لا يصلح للامارة والامامة (6)، بل لو قيل إنه لم يوله لحاجته إليه بحضرته وإن ذلك رفعة له لكان أقرب، سيما وقد روي عنه صلى الله عليه وآله (7) ما يدل على أنهما وزيراه، فكان عليه السلام محتاجا إلهيما والى رأيهم.
وأجاب السيد رضي الله عنه في الشافي (8) بأن النبي صلى الله عليه وآله لم يكن يستشير أحدا لحاجة منه إلى رأيه وفقر إلى تعليمه وتوقيفه، لانه عليه وآله السلام، الكامل الراجح المعصوم المؤيد بالملائكة، وإنما كانت مشاورته أصحابه ليعلمهم كيف يعملون في أمورهم، وقد قيل يستخرج بذلك دخائلهم وضمائرهم.
وبعد، فكيف استمرت هذا الحاجة واتصلت منه إليهما حتى لم يستغن في زمان من الازمان عن حضورهما فيوليهما ؟ ! وهل هذا إلا قدح في رأي رسول الله صلى الله عليه وآله ونسبة له إلى أنه كان ممن يحتاج إلى أن يلقن ويوقف على كل شئ، وقد نزهه الله تعالى عن ذلك.
(1) بحار الانوار 35 / 284 - 313، الباب التاسع: نزول سورة براءة وقراءة أمير المؤمنين عليه السلام على أهل مكة ورد أبي بكر.
(2) في (ك): قد.
(3) بحار الانوار 27 / 323 - 324.
(4) المغني - الجزء المتمم للعشرين -: 349.
(5) في المصدر: ما كان يدل، بدلا من: لما دل ذلك.
(6) في المغني: للامامة، بدلا من: للامارة والامامة.
(7) لا توجد: الصلاة، في المصدر.
(8) الشافي 4 / 154، وهو نقل بالمعنى في أوله ونص في آخره.

[413]

فأما ادعاؤه أن الرواية وردت بأنهما وزيراه، فقد كان يجب أن يصحح ذلك قبل أن يعتمده ويحتج به، فإذا (1) ندفعه عنه أشد دفع.
انتهى كلامه قدس سره.
وأقول: الرواية التي أشار إليها القاضي هي ما رواها في المشكاة (2)، عن الترمذي (3)، عن أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم قال: ما من نبي إلا وله وزيران من أهل السماء، ووزيران من أهل الارض، فأما وزيراي من أهل السماء فجبرئيل وميكائيل، وأما وزيراي من أهل الارض فأبوبكر وعمر !.
ولا يخفي أنه خبر واحد من طريق الخصم لا حجة فيه، ووضع الحديث عادة قديمة، وقد قدمنا الاخبار في ذلك (4).
وحكى في (5) جامع الاصول (6) أن بعض أهل الضلال كان يقول - بعد ما رجع عن ضلالته -: انظروا إلى هذه الاحاديث عمن تأخذونها، فإنا كنا إذ رأينا
(1) في الشافي: فإنا، وهو الظاهر.
(2) مشكاة المصابيح 3 / 233، حديث 6056.
(3) سنن الترمذي 5 / 616، كتاب المناقب، باب 17، حديث 3680.
ورواه ابن الاثير في جامع الاصول: 8 / 630 - 631، حديث 6462.
(4) ما حكاه رحمه الله عن كتاب سليم بن قيس في بحار الانوار 27 / 211 - 213، و 22 / 102، وقد ذكر جملة من الكذابين في 25 / 261 وما بعده.
وانظر: سلسلة الموضوعات من الجزء التاسع من الغدير: 218 - 246.
(5) في (ك): وحكى عن.
(6) جامع الاصول 1 / 136 - تحقيق الارناؤوطي - بمعنى مقارب لما ذكرناه، وانظر بنصه في الموضوعات لابن الجوزي 1 / 38 وغيرهما، وقد فصل البحث فيه في كتاب مقباس الهداية إلى علم الدارية 1 / 398 - 419، في تعريفه للحديث الموضوع، ومعرفاته، ودواعيه وغيرها، وانظر: مستدركات البحث حيث ذكر جملة من مصنفاتهم.
وبالله عليك إلا ما راجعت سلسلة الاحاديث المقلوبة والموضوعة في الخلافة والخلفاء وما يكذبها ويناقضها مع إشباع في مصادرها في موسوعة شيخنا الاميني طاب ثراه 5 / 288 - 375 ترى العجب العجاب ومصداق القوله عز اسمه: * (أفمن هذا الحديث تعجبون * وتضحكون ولا تبكون) * النجم: 59.

[414]

رأيا وضعنا له حديث.
وقد صنف جماعة من العلماء كتبا في الاحاديث الموضوعة.
وحكي عن الصغاني (1) - من علماء المخالفين - أنه قال في كتاب الدر الملتقط (2): ومن الموضوعات ما زعموا أن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم قال: إن الله يتجلى للخلائق يوم القيامة عامة، ويتجلي لك يا أبا بكر خاصة، وأنه قال: حدثني جبرئيل ان الله تعالى لما خلق الارواح اختار روح أبي بكر من الارواح (3).
ثم قال الصنعاني: وأنا أنتسب إلى عمر بن الخطاب وأقول فيه الحق لقول النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم: قولوا الحق ولو على أنفسكم أو الوالدين والاقربين.
فمن الموضوعات ما روي أن أول من يعطى كتابه بيمينه عمر بن الخطاب، وله شعاع كشعاع الشمس.
قيل: فأين أبو بكر ؟.
قال: سرقته الملائكة (4).
ومنها: من سب أبا بكر وعمر قتل، ومن سب عثمان وعليا جلد الحد (5).
إلى غير ذلك من الاخبار المختلفة.
ومن الموضوعات: زر غبا تزدد حبا (6).
(1) في البحار: وعن، والصغاني، وهو أبو الفضائل الحسن بن محمد بن الحسن (577 - 650 ه‍).
(2) أقول: لم أجد هذا النص في كتاب الصغاني: الدر الملتقط في تبيين الغلط، وكذا في كتابه الآخر: الموضوعات، وكلاهما تحقيق أبو الفداء عبد الله القاضي، وإصدار دار الكتب العلمية - بيروت - بعد أن راجعتهما أكثر من مرة، ولعله حذف منه وحرف كأكثر مصادرهم مما فيه منقبة لنا أو طعن عليهم.
(3) ذكرهما وغيرهما ابن الجوزي في كتاب الموضوعات 1 / 303 - 319، وناقشها بما لا مزيد عليه، والسيوطي في اللآلئ المصنوعة في الاحاديث الموضوعة 1 / 286 - 289.
(4) أدرجه ابن الجوزي في كتابه الموضوعات 1 / 320، وعد غيره، وكذا السيوطي في كتابه في الموضوعات 1 / 302.
(5) أورده ابن الجوزي في الموضوعات 1 / 328، والسيوطي في اللآلئ 1 / 309.
(6) كما في الدر الملتقط للصغاني: 26، برقم 25، وقاله العجلوني في كشف الخفاء 1 / 438 - 439، برقم 1412.

[415]

النظر إلى الخضرة تزيد في البصر (1).
من قاد أعمى أربعين خطوة غفر الله له (2).
العلم علمان: علم الاديان، وعلم الابدان (3).
انتهى.
وعد من الاحاديث الموضوعة: الجنة دار الاسخياء (4).
طاعة النساء ندامة (5).
دفن (6) البنات من المكرمات (7).
أطلب الخير عند حسان الوجوه (8).
لا هم إلا هم الدين ولا وجع إلا وجع العين.
(1) كما نص عليه في الدر الملتقط: 24، برقم 18، والموضوعات، وكلاهما للصغاني: 13، برقم 65، وأورده العجلوني في كشف الخفاء 2 / 439، والشوكاني في الفوائد المجموعة 217، والالباني في السلسلة الضعيفة 1 / 165.
(2) كما في كتاب الموضوعات للصغاني: 12، برقم 57، وجاء في كشف الخفاء ومزيل الالباس للعجلوني 2 / 269، برقم 2558، وبمضامين أخر في الموضوعات لابن الجوزي 2 / 173 - 178.
هذا، مع أنه قد أخرجه أبو نعيم في حلية الاولياء 3 / 158، والخطيب في تايخ بغداد 5 / 105 و 9 / 214، والذهبي في الميزان 4 / 459، والهيثمي في مجمع الزوائد 3 / 138، وغيرهم.
(3) قاله الصغاني في الموضوعات: 10، برقم 38، والعجلوني في كشف الخفاء 2 / 68، برقم 1765.
أقول: وضع في (ك) على الاديان والابدان رمز التقديم والتأخير (خ.
م).
(4) كما في كشف الخفاء ومزيل الالباس 1 / 337، برقم 1083، وعده ابن الجوزي في الموضوعات.
(5) كشف الخفاء 2 / 37، برقم 1648.
(6) في (ك): ودفن.
(7) كشف الخفاء 1 / 407، برقم 1308.
(8) كشف الخفاء 1 / 136، برقم 394.

[416]

الموت كفارة لكل مسلم (1).
إن التجار هم الفجار (2).
إلى غير ذلك مما يطول ذكره.
وبالجملة، قد عرفت مرارا أن الاحتجاج في مثل هذا إنما يكون بالاخبار المتواترة أو المتفق عليه بين الفريقين لا ما ذكره آحاد أحد الجانبين.
ثم إن صاحب المغني (3) ادعى أن ولاية أبي بكر على الموسم والحج قد ثبت بلا خلاف بين أهل الاخبار، ولم يصح أنه عزله، ولا يدل رجوع أبي بكر إلى النبي صلى الله عليه وآله مستفهما عن القصة على العزل، ثم جعل إنكار من أنكر حج أبي بكر بالناس في هذه السنة كإنكار عباد بن سليمان وطبقته وأخذ أمير المؤمنين عليه السلام سورة براءة من أبي بكر.
أقول: روى ابن الاثير في جامع الاصول (4) بإسناده عن أنس، قال: بعث النبي صلى الله عليه [وآله] ببراءة مع أبي بكر، ثم دعاه فقال: لا ينبغي (5) أن يبلغ عني (6) إلا رجل من أهل بيتي (7).
وزاد رزين (8): ثم اتفقا فانطلق.
وهذا يشعر بأنه لم يثبت عنده مسير أبي بكر إلى مكة (9).
(1) كما في الموضوعات لابن الجوزي 3 / 218 - 219، وكشف الخفاء 2 / 289 برقم 2663، واللآلي المصنوعة 2 / 414.
(2) قد أورده في: كشف الخفاء 1 / 218، برقم 665، وقريب منه في الموضوعات لابن الجوزي 2 / 238، وغيرهم.
وفي (س): الهجار، ولا معنى له.
(3) المغني - الجزء المتمم للعشرين -: 350، مع اختلاف يسير.
(4) جامع الاصول 8 / 660، حديث 6508.
وانظر ما سبقه ولحقه من الروايات.
(5) في المصدر زيادة: لاحد.
(6) في الجامع: هذا، بدلا من: عني.
(7) وزاد في المصدر: ودعي عليا فأعطاه إياه.
(8) هذه الزيادة جاءت في جامع الاصول ذيل حديث 6509 من المجلد الثامن، صفحة 660.
(9) أقول: تعد واقعة إرسال أبي بكر بسورة براءة ثم تنحيته وبعث أمير المؤمنين عليه السلام بها من الضروريات التاريخية المتواترة سندا والمتحدة مضمونا وإن اختلفت ورودا، ندرج جملة من مصادرها = = العامية، فانظر: مسند الحميدي (تحقيق الاعظمي) 1 / 26، حديث 48، والدر المنثور للسيوطي 3 / 209، وكنز العمال للهندي 1 / 246 - 247، وتفسير الشوكاني 2 / 319، والرياض النضرة 2 / 147، وذخائر العقبى: 69، وتاريخ ابن كثير 5 / 38، و 7 / 357، وتفسير ابن كثير 2 / 333، ومناقب الخوارزمي: 99، ومجمع الزوائد 7 / 29، و 9 / 119، وشرح صحيح مسلم للعيني 8 / 637، وتفسير المنار 10 / 157، وتفسير الطبري 10 / 46، وخصائص النسائي: 20، ومسند احمد بن حنبل 1 / 151 و 230 و 3 / 283، والكفاية للكنجي: 126، وفتح الباري لابن حجر العسقلاني 8 / 256، ومطالب السؤول لابن طلحة: 17، وشرح ابن أبي الحديد 3 / 105، وتفسير الطبري 10 / 46 و 47، ومستدرك الحاكم 3 / 51، وصحيح الترمذي 2 / 183، وشواهد التنزيل 1 / 233، وغيرها كثيرة جدا لا يسعنا عده.
ولا تعدادها، ذكر جملة منها شيخنا الاميني في غديره 6 / 341 - 350.

[417]

وروى الطبرسي رحمه الله في مجمع البيان (1)، عن عروة بن الزبير وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وآله أخذها من أبي بكر قبل الخروج ودفعها إلى علي عليه السلام، وقال: لا يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني.
وقال: وروى أصحابنا أن النبي صلى الله عليه وآله ولاه أيضا الموسم، وأنه حين أخذ البراءة من أبي بكر رجع أبو بكر.
وستعرف أن أكثر أخبارهم خالية عن ذكر حج أبي بكر وعوده إلى الموسم، وكذا الاخبار الواردة من طرق أهل البيت عليهم السلام، فاستعظامه ذلك مما لا وجه له، بخلاف قول عباد بن سليمان لظهور شناعته.
وقال السيد رضي الله عنه (2): لو سلمنا أن ولاية الموسم لم تنسخ (3) لكان الكلام باقيا، لانه إذا كان ما ولي مع تطاول الازمان (4) إلا هذه الولاية ثم سلب شطرها والافخم الاعظم منها فليس ذلك إلا تنبيها على ما ذكرن.
(1) مجمع البيان 5 / 3 سورة التوبة [3 / 3]، بتقديم المتن على الاسناد، وانظر ما بعده من الروايات فيه وفي تفسير التبيان 5 / 169.
(2) في الشافي 4 / 155، وفي الحجرية: 248.
(3) في المصدر: لم تفسخ، وهي نسخة في مطبوع البحار.
(4) في الشافي: الزمان.

[418]

ثم إن إمامهم الرازي ترقى في التعصب في هذه الباب حتى قال (1): قيل قرر أبا بكر على الموسم وبعث عليا عليه السلام خليفة (2) لتبليغ هذه الرسالة حتى يصلي (3) خلف أبي بكر ويكون ذلك جاريا مجرى تنبيه (4) على إمامة أبي بكر، والله أعلم.
قال (5): وقرر الجاحظ هذا المعنى، فقال: إن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم بعث أبا بكر أميرا على الحاج وولاه الموسم، وبعث عليا يقرأ على الناس آيات من سورة براءة، فكان أبو بكر الامام وعلي المؤتم، وكان أبو بكر الخطيب وعلي المستمع، وكان أبو بكر الرافع بالموسم والسائق (6) لهم، والآمر لهم ولم يكن ذلك لعلي عليه السلام (7).
انتهى.
وأقول: الطعن في هذا الكلام من وجوه: الاول: إن بقاء أبي بكر على إمارة الموسم ممنوع، كما مر وسيأتي.
الثاني: إن الامارة على من جعله الرسول صلى الله عليه وآله من أهل الموسم بنفسها لا يقتضي صلاتهم خلف الامير، فضلا عن اقتضائه فيمن لم يكن من أهل الموسم وبعثه الرسول صلى الله عليه وآله أخيرا لتبليغ الآيات من الله سبحانه ومن رسوله صلى الله عليه وآله، وخلو الاخبار من الصلاة مما لا سترة فيه.
الثالث: إن تقرير أبي بكر على الموسم لو دل على الامر بالصلاة خلفه لم يثبت له فضيلة على ما زعموه من جواز الصلاة خلف كل بر وفاجر (8).
(1) في تفسير 15 / 219.
(2) في المصدر: وبعث عليا خلفه.
(3) في المصدر زيادة لفظ: علي بعد: يصلي.
(4) في تفسير الفخر: التنبيه - بالالف واللام -.
(5) قال الفخر الرازي في تفسيره تلو قوله: والله أعلم.
(6) في المصدر: والسابق.
(7) في التفسير: الترضية، بدل: التسليم.
(8) انظر من باب المثال، سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب 63.

[419]

الرابع: إن تفصيل (1) إمارة الحاج على قراءة الآيات على الناس - كما يشعر به كلام بعضهم - باطل، إذ قراءة الآيات على الناس من المناصب الخاصة بالرسول صلى الله عليه وآله أو من كان منه، كما يدل عليه لفظ أخبار المخالف (2) والمؤالف (3)، حيث قال صلى الله عليه وآله: لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني.
وأما إمارة الحاج فيتولاها كل بر وفاجر، وليس من شروطها إلا نوع من الاطلاع على ما هو الاصلح في سوق الابل والبهائم ومعرفة المياه والتجنب عن مواضع اللصوص.
ونحو ذلك، والفرق بين الامرين غير خفي على عاقل لم يذهب التعصب به مذاهب التعسف.
الخامس: إن قوله: فكان أبو بكر الامام وعلي المؤتم.
إن أراد به إمامة الصلاة فقد عرفت ما فيه، وإن أراد الامامة في الحج، فالحج بنفسه مما لا يجري فيه الامامة، وإن أراد كونه إماما من حيث إمارته على الموسم فلا نسلم أن عليا عليه السلام كان من المؤتمين به، ومجرد الرفاقة لا إمامة فيها، مع أن عود أبي بكر إلى الحج بعد رجوعه في محل المنع، وبقاؤه على الامارة - بعد تسليمه - كذلك، كما
(1) كذا، والظاهر: تفضيل - بالضاد المعجمة -.
(2) كما جاء في سنن الترمذي 5 / 636، كتاب المناقب، باب 21، حديث 3719، وفي جامعه في تفسيره سورة البراءة، وسنن ابن ماجة 1 / 44، باب 11، حديث 119، ومسند احمد 1 / 3، 151، 330 و 2 / 299 و 3 / 212، 283، و 4 / 164 - 165، صحيح البخاري 1 / 31، و 6 / 81، و 19 / 510 طبع الهند، وتفسير الطبري 1 / 410، 10 / 44 و 46، وتفسير زاد المسير 3 / 391، والدر المنثور للسيوطي 2 / 319، وتاريخ ابن كثير 5 / 38، ومناقب الخوارزمي: 99، وشرح صحيح البخاري للعيني 8 / 637، وتفسير المنار 10 / 158، وشرح المواهب المدنية للزرقاني 3 / 91، والاموال لابي عبيدة: 165، والكفاية للكنجي 126، ومجمع الزوائد للهيثمي 7 / 29، والفردوس، حديث 4171 - 4178، والخصائص للنسائي: 2، وسيأتي له مصادر أخرى.
(3) تظافر النقل عند الخاصة واستفاض حتى كاد أن يكون متواترا، وعد السيد ابن طاووس في الطرائف 1 / 38 جملة روايات من الطريقين، وانظر: مجمع البيان 3 / 3، والتبيان 5 / 169، وتفسير القمي 1 / 282، والخصال 1 / 311، باب 1، حديث 87، و 2 / 55، باب 2، حديث 31، والصراط المستقيم 2 / 6 - 9، والشافي 4 / 153 - 157، وتلخيص الشافي 2 / 232 - 233 و 3 / 240 وغيرها، وسندرج له مصادر أخر ضمن البحث.