‹ صفحه 310 ›

725 - خارجة بن زيد : إن نفرا دخلوا على أبيه زيد بن ثابت فقالوا : حدثنا عن بعض أخلاق النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال : كنت جاره ، فكان إذا نزل الوحي بعث إلي فآتيه فأكتب الوحي . وكنا إذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا ، وإذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا ، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا ، أوكل هذا نحدثكم عنه ؟ ( 1 ) .

726 - ابن شهرآشوب - في آداب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) - : كان لا يجلس إليه أحد وهو يصلي إلا خفف صلاته وأقبل عليه ، وقال : ألك حاجة ؟ ( 2 ) .

727 - جابر بن عبد الله : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يتخلف في المسير ، فيزجي الضعيف ويردف ويدعو لهم ( 3 ) .

728 - أبو أمامة سهل بن حنيف الأنصاري عن بعض أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان يعود مرضى مساكين المسلمين وضعفائهم ، ويتبع جنائزهم ، ولا يصلي عليهم أحد غيره ، وإن امرأة مسكينة من أهل العوالي طال سقمها فكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يسأل عنها من حضرها من جيرانها ، وأمرهم أن لا يدفنوها إن حدث بها حدث فيصلي عليها ، فتوفيت تلك المرأة ليلا واحتملوها فأتوا بها مع الجنائز - أو قال : موضع الجنائز - عند مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ليصلي عليها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كما أمرهم ، فوجدوه قد نام بعد صلاة العشاء فكرهوا أن يهجدوا ( 4 ) رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من نومه ، فصلوا عليها ثم انطلقوا بها ، فلما أصبح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سأل عنها من حضره من جيرانها ، فأخبروه خبرها وأنهم كرهوا أن يهجدوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لها ، فقال لهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ولم فعلتم ؟ انطلقوا ، فانطلقوا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى قاموا على قبرها ، فصفوا وراء

----------
( 1 ) السنن الكبرى : 7 / 83 / 13340 .
( 2 ) المناقب لابن شهرآشوب : 1 / 147 .
( 3 ) السنن الكبرى : 5 / 422 / 10352 . ( 4 ) هجد : أيقظ . ( لسان العرب : 3 / 432 ) .
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كما يصف للصلاة على الجنائز ، فصلى عليها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ( 1 ) .

729 - أنس : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من أشد الناس لطفا بالناس ، فوالله ما كان يمتنع في غداة باردة من عبد ولا أمة ولا صبي أن يأتيه بالماء فيغسل وجهه وذراعيه ، وما سأله سائل قط إلا أصغى إليه ، فلم ينصرف حتى يكون هو الذي ينصرف عنه ، وما تناول أحد بيده قط إلا ناولها إياه ، فلم ينزع حتى يكون هو الذي ينزعها منه ( 2 ) .

730 - الإمام علي ( عليه السلام ) : إن الله كريم حليم عظيم رحيم ، دلنا على أخلاقه وأمرنا بالأخذ بها وحمل الناس عليها ، فقد أديناها غير متخلفين ، وأرسلناها غير منافقين ، وصدقناها غير مكذبين ، وقبلناها غير مرتابين ( 3 ) .

731 - عنه ( عليه السلام ) : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مكفرا لا يشكر معروفه ( 4 ) ، ولقد كان معروفه على القرشي والعربي والعجمي . ومن كان أعظم معروفا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على هذا الخلق ؟ ! وكذلك نحن أهل البيت مكفرون لا يشكروننا ، وخيار المؤمنين مكفرون لا يشكر معروفهم ( 5 ) .

732 - عنه ( عليه السلام ) : إنا أهل بيت أمرنا أن نطعم الطعام ، ونؤدي في الناس البائنة ، ونصلي إذا نام الناس ( 6 ) .

733 - الإمام الحسن ( عليه السلام ) : إنا أهل بيت إذا علمنا الحق تمسكنا به ( 7 ) .

----------
( 1 ) السنن الكبرى : 4 / 79 / 7019 .
( 2 ) حلية الأولياء : 3 / 26 .
( 3 ) تحف العقول : 175 ، بشارة المصطفى : 29 كلاهما عن كميل . ( 4 ) في المصدر " معروف " والصحيح ما في المتن .
( 5 ) علل الشرائع : 560 / 3 عن الحسين بن موسى عن الإمام الكاظم عن آبائه ( عليهم السلام ) .
( 6 ) الكافي : 4 / 50 / 4 عن جابر عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) .
( 7 ) مقاتل الطالبيين : 76 عن سفيان بن الليل .
‹ صفحه 312 ›

734 - مصعب بن عبد الله : لما استكف ( 1 ) الناس بالحسين ( عليه السلام ) ركب فرسه واستنصت الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : . . . ألا وإن الدعي ابن الدعي قد تركني بين السلة والذلة ، وهيهات له ذلك مني ، هيهات منا الذلة ، أبي الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون وحجور طهرت وجدود طابت أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام ( 2 ) .

735 - الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) : إن الله تعالى أعطانا الحلم والعلم والشجاعة والسخاوة والمحبة في قلوب المؤمنين ( 3 ) .

736 - أبو بصير : قلت لأبي جعفر ( عليه السلام ) : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يتعوذ من البخل ؟ فقال : نعم يا أبا محمد في كل صباح ومساء ، ونحن نتعوذ بالله من البخل ، يقول الله : * ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) * ( 4 ) .

737 - الإمام الصادق ( عليه السلام ) : إنا أهل بيت إذا علمنا من أحد خيرا لم تزل ذلك عنه منا أقاويل الرجال ( 5 ) .

738 - حريز أو غيره : نزل على أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) قوم من جهينة فأضافهم ، فلما أرادوا الرحلة زودهم ووصلهم وأعطاهم ، ثم قال لغلمانه : تنحوا لا تعينوهم ، فلما فرغوا جاؤوا ليودعوه ، فقالوا له : يا بن رسول الله ، لقد أضفت فأحسنت الضيافة وأعطيت فأجزلت العطية ! ثم أمرت غلمانك أن لا يعينونا على الرحلة !

----------
( 1 ) استكف به الناس : إذا أحدقوا به ، واستكفوا حوله : ينظرون إليه ( النهاية : 4 / 190 ) .
( 2 ) الاحتجاج : 2 / 97 / 167 .
( 3 ) منتخب الأثر : 172 / 96 نقلا عن الكامل ، معجم أحاديث الإمام المهدي : 3 / 200 ، وراجع : ص 175 / 325 من كتابنا هذا .
( 4 ) علل الشرائع : 548 / 4 ، قصص الأنبياء : 118 / 118 وليس فيه " يا أبا محمد . . . بالله من البخل " والآية 9 من سورة الحشر .
( 5 ) بصائر الدرجات : 362 / 3 عن داود بن فرقد .
‹ صفحه 313 ›

فقال ( عليه السلام ) : إنا أهل بيت لا نعين أضيافنا على الرحلة من عندنا ( 1 ) .

739 - الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ليس في الجملة من أخلاق الصالحين ولا من شعار المتقين التكلف ! من أي باب كان . قال الله تعالى لنبيه : * ( قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين ) * ( 2 ) .

 وقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : نحن معاشر الأنبياء والأمناء والأتقياء براء من التكلف ( 3 ) .

740- حماد بن عثمان : أصاب أهل المدينة غلاء وقحط ، حتى أقبل الرجل الموسر يخلط الحنطة بالشعير ويأكله ويشتري ببعض الطعام . وكان عند أبي عبد الله ( عليه السلام ) طعام جيد قد اشتراه أول السنة ، فقال لبعض مواليه : اشتر لنا شعيرا فاخلط بهذا الطعام أو بعه ، فإنا نكره أن نأكل جيدا ويأكل الناس رديا ( 4 ) .

741 - الإمام الكاظم ( عليه السلام ) : - لما طلب منه السندي بن شاهك أن يكفنه - : إنا أهل بيت حج صرورتنا ومهور نسائنا وأكفاننا من طهور أموالنا ( 5 ) .

742 - الإمام الرضا ( عليه السلام ) : إنا أهل بيت ورثنا العفو من آل يعقوب ، وورثنا الشكر من آل داود ( 6 ) .

743 - عنه ( عليه السلام ) - في كتابه للفضل بن سهل - : إن من دينهم [ أي الأئمة ( عليهم السلام ) ] الورع

----------
( 1 ) أمالي الصدوق : 437 / 9 ، روضة الواعظين : 233 مرسلا .
( 2 ) ص : 86 .
( 3 ) مصباح الشريعة : 208 . ( 4 ) الكافي : 5 / 166 / 1 .
( 5 ) الفقيه : 1 / 189 / 577 ، الإرشاد : 2 / 243 ، تحف العقول : 412 ، روضة الواعظين : 243 ، فلاح السائل : 72 ، الغيبة للطوسي : 30 / 6 .
( 6 ) الكافي : 8 / 308 / 480 عن محمد بن الحسين بن يزيد . وقال علي بن أسباط بعد ذكر الحديث عن محمد بن الحسين : زعم أنه كان كلمة أخرى ونسيها محمد ، فقلت له : لعله ، قال : وورثنا الصبر من آل أيوب ! فقال : ينبغي .
‹ صفحه 314 ›

والعفة ، والصدق والصلاح والاجتهاد ، وأداء الأمانة إلى البر والفاجر ، وطول السجود ، والقيام بالليل ، واجتناب المحارم ، وانتظار الفرج بالصبر ، وحسن الصحبة وحسن الجوار ، وبذل المعروف ، وكف الأذى ، وبسط الوجه ، والنصيحة ، والرحمة للمؤمنين ( 1 ) .

744 - عنه ( عليه السلام ) : إنا أهل بيت نرى وعدنا علينا دينا كما صنع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ( 2 ) .

745 - عنه ( عليه السلام ) : لنا أهل البيت عند نومنا عشر خصال ( 3 ) : الطهارة ، وتوسد اليمين ، وتسبيح الله ثلاثا وثلاثين ، وتحميده ثلاثا وثلاثين ، وتكبيره أربعا وثلاثين ، ونستقبل القبلة بوجوهنا ، ونقرأ فاتحة الكتاب ، وآية الكرسي ، وشهد الله أنه لا إله إلا هو . . . إلى آخرها ، فمن فعل ذلك فقد أخذ بحظه من ليلته ( 4 ) .

746 - عبيد بن أبي عبد الله البغدادي عمن أخبره : نزل بأبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) ضيف ، وكان جالسا عنده يحدثه في بعض الليل ، فتغير السراج ، فمد الرجل يده ليصلحه ، فزبره أبو الحسن ( عليه السلام ) ، ثم بادره بنفسه فأصلحه ، ثم قال له : إنا قوم لا نستخدم أضيافنا ( 5 ) .

747 - إبراهيم بن العباس : ما رأيت أبا الحسن الرضا ( عليه السلام ) جفا أحدا بكلمة قط ، ولا رأيته قطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه ، وما رد أحدا عن حاجة يقدر عليها ،

----------
( 1 ) تحف العقول : 416 .
( 2 ) تحف العقول : 446 ، مشكاة الأنوار : 173 وفيه " ما وعدنا " .
( 3 ) قال علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاووس : هكذا وجدت هذا الحديث ، فإن الراوي ذكر عشر خصال ثم عدد تسع خصال ، فلعله سها في الجملة أو التفصيل ، والظاهر أنه في التفصيل لأن خصالهم عند النوم أكثر من تسع كما رويناه . ولعله قد وقع السهو عن ذكر قراءة " قل هو الله أحد " أو قراءة " إنا أنزلناه " . ( البحار : 76 / 210 ) .
( 4 ) فلاح السائل : 280 عن الحسن بن علي العلوي .
( 5 ) الكافي : 6 / 283 / 2 .
‹ صفحه 315 ›

ولا مد رجله بين يدي جليس له قط ، ولا اتكأ بين يدي جليس له قط ، ولا رأيته شتم أحدا من مواليه ومماليكه قط ، ولا رأيته تفل ، ولا رأيته يقهقه في ضحكه قط ، بل كان ضحكه التبسم . وكان إذا خلا ونصب مائدته أجلس معه على مائدته مماليكه ومواليه حتى البواب [ و ] السائس .

وكان ( عليه السلام ) قليل النوم بالليل كثير السهر ، يحيي أكثر لياليه من أولها إلى الصبح ، وكان كثير الصيام ، فلا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر ، ويقول : ذلك صوم الدهر . وكان ( عليه السلام ) كثير المعروف والصدقة في السر ، وأكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة ، فمن زعم أنه رأى مثله في فضله فلا تصدق ( 1 ) .

748 - الإمام الهادي ( عليه السلام ) - في الزيارة الجامعة التي يزار بها الأئمة ( عليهم السلام ) - : كلامكم نور ، وأمركم رشد ، ووصيتكم التقوى ، وفعلكم الخير ، وعادتكم الإحسان ، وسجيتكم الكرم ، وشأنكم الحق والصدق والرفق ( 2 ) .

----------
( 1 ) عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 2 / 184 / 7 .
( 2 ) التهذيب : 6 / 100 / 177 ، وراجع : ص 122 / 169 .

القسم السابع  وصايا أهل البيت

وفيه فصول :

الفصل الأول : الاجتهاد في العمل

الفصل الثاني : حسن العشرة

الفصل الثالث : مسؤولية العلماء

الفصل الرابع : جوامع وصاياهم

‹ صفحه 318 ›

التمهيد :

لا بد أن نشير - قبل مطالعة روايات هذا القسم - إلى أن وصايا أهل البيت ( عليهم السلام ) لا تقتصر على ما جاء هنا ، بل ينبغي لمن أراد جمع وصاياهم في شتى المواضيع أن يفرد لذلك كتابا خاصا .

وسوف نلاحظ في هذا القسم أبرز مواعظ أهل البيت ( عليهم السلام ) - الخلقية منها والسياسية والاجتماعية للأمة الإسلامية وبخاصة أتباعهم والعلماء ، ومع أخذ الظروف الحاكمة في العالم الإسلامي بعين الاعتبار . وسوف نستعرض هذه المواعظ في الفصول الأربعة التالية .

‹ صفحه 319 ›

الفصل الأول  الاجتهاد في العمل

749 - الإمام علي ( عليه السلام ) : معاشر شيعتي ، اصبروا على عمل لا غنى بكم عن ثوابه ، واصبروا عن عمل لا صبر لكم على عقابه ، إنا وجدنا الصبر على طاعة الله أهون من الصبر على عذاب الله عز وجل . اعلموا أنكم في أجل محدود وأمل ممدود ونفس معدود ، ولا بد للأجل أن يتناهى وللأمل أن يطوى وللنفس أن يحصى . ثم دمعت عيناه وقرأ : * ( وإن عليكم لحافظين * كراما كاتبين * يعلمون ما تفعلون ) * ( 1 ) ( 2 ) .

750 - الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) : معاشر أصحابي ، أوصيكم بالآخرة ولست أوصيكم بالدنيا ، فإنكم بها مستوصون وعليها حريصون وبها مستمسكون .

----------
( 1 ) الانفطار : 10 - 12 .
( 2 ) أمالي الصدوق : 96 / 5 عن مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق عن آبائه ( عليهم السلام ) ، روضة الواعظين : 535 وذكر ذيله في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 20 / 281 / 223 وفيه " إنما الناس في نفس معدود ، وأمل معدود ، وأجل محدود ، ولا بد للأجل أن يتناهى وللنفس أن يحصى وللأمل أن ينقضي ، ثم قرأ : * ( وإن عليكم لحافظين * كراما كاتبين ) * " .
‹ صفحه 320 ›

معاشر أصحابي ، إن الدنيا دار ممر والآخرة دار مقر ، فخذوا من ممركم لمقركم ، ولا تهتكوا أستاركم عند من لا يخفى عليه أسراركم ، وأخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم ( 1 ) .

751 - عمرو بن سعيد بن هلال : دخلت على أبي جعفر ( عليه السلام ) ونحن جماعة فقال : كونوا النمرقة الوسطى يرجع إليكم الغالي ، ويلحق بكم التالي ، واعملوا يا شيعة آل محمد ، والله ما بيننا وبين الله من قرابة ولا لنا على الله حجة ، ولا يتقرب إلى الله إلا بالطاعة ، من كان مطيعا نفعته ولايتنا ، ومن كان عاصيا لم تنفعه ولايتنا . قال : ثم التفت إلينا وقال : لا تغتروا ولا تفتروا ، قلت : وما النمرقة الوسطى ؟ قال : ألا ترون أهلا تأتون أن تجعلوا للنمط الأوسط فضله ( 2 ) .

752 - جابر ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) : قال لي : يا جابر ، أيكتفي من ينتحل ( 3 ) التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت ؟ ! فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه ، وما كانوا يعرفون ، يا جابر ، إلا بالتواضع والتخشع والأمانة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبر بالوالدين والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكف الألسن عن الناس إلا من خير ، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء .

قال جابر : فقلت : يا بن رسول الله ، ما نعرف اليوم أحدا بهذه الصفة ، فقال : يا جابر ، لا تذهبن بك المذاهب ، حسب الرجل أن يقول : أحب عليا وأتولاه ثم لا يكون مع ذلك فعالا ؟ فلو قال : إني أحب رسول الله فرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خير من علي ( عليه السلام ) ثم لا يتبع سيرته ولا يعمل بسنته ما نفعه حبه إياه شيئا ، فاتقوا الله واعملوا لما عند الله ، ليس بين الله وبين أحد قرابة ، أحب العباد إلى الله عز وجل [ وأكرمهم عليه ] أتقاهم وأعملهم بطاعته .

----------
( 1 ) أمالي الصدوق : 182 / 5 عن طاووس اليماني .
( 2 ) مشكاة الأنوار : 60 ، شرح الأخبار : 3 / 502 / 1440 نحوه .
( 3 ) أي يدعيه من غير أن يتصف به .
يا جابر ، والله ما يتقرب إلى الله تبارك وتعالى إلا بالطاعة ، وما معنا براءة من النار ولا على الله لأحد من حجة ، من كان لله مطيعا فهو لنا ولي ، ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدو ، وما تنال ولايتنا إلا بالعمل والورع ( 1 ) .

753 - الإمام الباقر ( عليه السلام ) : أعينونا بالورع ، فإنه من لقي الله عز وجل منكم بالورع كان له عند الله فرج ، وإن الله عز وجل يقول : * ( من يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ) * ( 2 ) فمنا النبي ومنا الصديق والشهداء والصالحون ( 3 ) .

754 - عنه ( عليه السلام ) - لفضيل - : بلغ من لقيت من موالينا عنا السلام ، وقل لهم : إني لا أغني عنكم من الله شيئا إلا بورع ، فاحفظوا ألسنتكم وكفوا أيديكم ، وعليكم بالصبر والصلاة ، إن الله مع الصابرين ( 4 ) .

755 - الإمام الصادق ( عليه السلام ) : يا بن جندب ، بلغ معاشر شيعتنا وقل لهم : لا تذهبن بكم المذاهب ، فوالله لا تنال ولايتنا إلا بالورع والاجتهاد في الدنيا ، ومواساة الإخوان في الله ، وليس من شيعتنا من يظلم الناس ( 5 ) .

756 - عنه ( عليه السلام ) : عليك بتقوى الله والورع والاجتهاد وصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الخلق وحسن الجوار ، وكونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم ، وكونوا

‹ صفحه 322 ›

زينا ولا تكونوا شينا ، وعليكم بطول الركوع والسجود ، فإن أحدكم إذا أطال الركوع والسجود هتف إبليس من خلفه وقال : يا ويله ! أطاع وعصيت ، وسجد وأبيت ( 1 ) .

 757- عنه ( عليه السلام ) : معاشر الشيعة ، كونوا لنا زينا ولا تكونوا علينا شينا ، قولوا للناس حسنا ، احفظوا ألسنتكم وكفوها عن الفضول وقبيح القول ( 2 ) .

758 - عنه ( عليه السلام ) : كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم ، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير ، فإن ذلك داعية ( 3 ) .

759 - عنه ( عليه السلام ) : أي مفضل ، قل لشيعتنا : كونوا دعاة إلينا بالكف عن محارم الله واجتناب معاصيه واتباع رضوان الله ، فإنهم إذا كانوا كذلك كان الناس إلينا مسارعين ( 4 ) .

760 - عنه ( عليه السلام ) : إياكم أن تعملوا عملا يعيرونا به ، فإن ولد السوء يعير والده بعمله ، كونوا لمن انقطعتم إليه زينا ولا تكونوا عليه شينا ( 5 ) .

‹ صفحه 323 ›

الفصل الثاني  حسن العشرة

 761 - رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أحسن مصاحبة من صاحبك تكن مسلما ( 1 ) .

762 - الإمام علي ( عليه السلام ) - في وصيته لبنيه عند احتضاره - : يا بني ، عاشروا الناس عشرة إن غبتم حنوا إليكم ، وإن فقدتم بكوا عليكم ( 2 ) .

763 - عنه ( عليه السلام ) : أبذل لأخيك دمك ومالك ، ولعدوك عدلك وإنصافك ، وللعامة بشرك وإحسانك ( 3 ) .

764 - عنه ( عليه السلام ) : أبذل لصديقك نصحك ، ولمعارفك معونتك ، ولكافة الناس بشرك ( 4 ) .

765 - الإمام الصادق ( عليه السلام ) : صانع المنافق بلسانك ، وأخلص ودك للمؤمن ، وإن جالسك

‹ صفحه 324 ›

يهودي فأحسن مجالسته ( 1 ) .

766 - عنه ( عليه السلام ) - عند وداع جماعة من شيعته أتوه من الكوفة - : أوصيكم بتقوى الله ، والعمل بطاعته ، واجتناب معاصيه ، وأداء الأمانة لمن ائتمنكم ، وحسن الصحابة لمن صحبتموه ، وأن تكونوا لنا دعاة صامتين .

 فقالوا : يا بن رسول الله ، وكيف ندعوا إليكم ونحن صموت ؟ قال : تعملون ما أمرناكم به من العمل بطاعة الله ، وتتناهون عما نهيناكم عنه من ارتكاب محارم الله ، وتعاملون الناس بالصدق والعدل ، وتؤدون الأمانة ، وتأمرون بالمعروف ، وتنهون عن المنكر ، ولا يطلع الناس منكم إلا على خير ، فإذا رأوا ما أنتم عليه قالوا : هؤلاء الفلانية ، رحم الله فلانا ، ما كان أحسن ما يؤدب أصحابه ، وعلموا فضل ما كان عندنا ، فسارعوا إليه .

 أشهد على أبي محمد بن علي رضوان الله عليه ورحمته وبركاته ، لقد سمعته يقول : كان أولياؤنا وشيعتنا فيما مضى خير من كانوا فيه ، إن كان إمام مسجد في الحي كان منهم ، وإن كان مؤذن في القبيلة كان منهم ، وإن كان صاحب وديعة كان منهم ، وإن كان صاحب أمانة كان منهم ، وإن كان عالم من الناس يقصدونه لدينهم ومصالح أمورهم كان منهم ، فكونوا أنتم كذلك ، حببونا إلى الناس ، ولا تبغضونا إليهم ( 2 ) .

 767 - الإمام العسكري ( عليه السلام ) - لشيعته - : أوصيكم بتقوى الله ، والورع في دينكم ، والاجتهاد لله ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من بر أو فاجر ، وطول السجود ، وحسن الجوار ، فبهذا جاء محمد ( صلى الله عليه وآله ) .

 صلوا في عشائرهم ، واشهدوا جنائزهم ، وعودوا مرضاهم ، وأدوا حقوقهم ، فإن الرجل منكم إذا

‹ صفحه 325 ›

ورع في دينه وصدق في حديثه وأدى الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل : هذا شيعي ، فيسرني ذلك .

اتقوا الله وكونوا زينا ولا تكونوا شينا ، جروا إلينا كل مودة وادفعوا عنا كل قبيح ، فإنه ما قيل فينا من حسن فنحن أهله ، وما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك .

لنا حق في كتاب الله وقرابة من رسول الله وتطهير من الله ، لا يدعيه أحد غيرنا إلا كذاب . أكثروا ذكر الله وذكر الموت وتلاوة القرآن والصلاة على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فإن الصلاة على رسول الله عشر حسنات . احفظوا ما وصيتكم به ، وأستودعكم الله ، وأقرأ عليكم السلام ( 1 ) .

----------
( 1 ) تحف العقول : 487 .

الفصل الثالث  مسؤولية العلماء

 768 - الإمام علي ( عليه السلام ) : أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ، ولسقيت آخرها بكأس أولها ، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز ( 1 ) .

769 - عنه ( عليه السلام ) : - في بيان صفات المتقين وصفات الفساق ، والتنبيه إلى مكان العترة الطيبة والظن الخاطئ لبعض الناس - : عباد الله ، إن من أحب عباد الله إليه عبدا أعانه الله على نفسه ، فاستشعر الحزن وتجلبب الخوف ، فزهر مصباح الهدى في قلبه ، وأعد القرى ليومه النازل به . . . فهو من معادن دينه وأوتاد أرضه .

قد ألزم نفسه العدل ، فكان أول عدله نفي الهوى عن نفسه ، يصف الحق ويعمل به ، لا يدع للخير غاية إلا أمها ، ولا مظنة إلا قصدها ، قد أمكن الكتاب من زمامه ، فهو قائده وإمامه ، يحل حيث حل ثقله ، وينزل حيث كان منزله .

----------
( 1 ) نهج البلاغة : الخطبة 3 .
‹ صفحه 328 ›

وآخر قد تسمى عالما وليس به ، فاقتبس جهائل من جهال ، وأضاليل من ضلال ، ونصب للناس أشراكا من حبائل غرور ، وقول زور ، قد حمل الكتاب على آرائه ، وعطف الحق على أهوائه ، يؤمن الناس من العظائم ، ويهون كبير الجرائم ، يقول : أقف عند الشبهات وفيها وقع ، ويقول : أعتزل البدع وبينها اضطجع ، فالصورة صورة انسان ، والقلب قلب حيوان ، لا يعرف باب الهدى فيتبعه ، ولا باب العمى فيصد عنه ، وذلك ميت الأحياء . فأين تذهبون ؟ ! وأنى تؤفكون ؟ ! والأعلام قائمة ، والآيات واضحة ، والمنار منصوبة ، فأين يتاه بكم ؟ ! وكيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم ؟ ! وهم أزمة الحق ، وأعلام الدين ، وألسنة الصدق ؟ ! فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن ، وردوهم ورود الهيم العطاش .

أيها الناس ، خذوها عن خاتم النبيين ( صلى الله عليه وآله ) : إنه يموت من مات منا وليس بميت ، ويبلى من بلي منا وليس ببال ، فلا تقولوا بما لا تعرفون ، فإن أكثر الحق فيما تنكرون ، وأعذروا من لا حجة لكم عليه وهو أنا . ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر ؟ ! وأترك فيكم الثقل الأصغر ؟ ! قد ركزت فيكم راية الإيمان ، ووقفتكم على حدود الحلال والحرام ، وألبستكم العافية من عدلي ، وفرشتكم المعروف من قولي وفعلي ، وأريتكم كرائم الأخلاق من نفسي ، فلا تستعملوا الرأي فيما لا يدرك قعره البصر ، ولا تتغلغل إليه الفكر ( 1 ) .

770 - الإمام الحسين ( عليه السلام ) - في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ويروي عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أيضا - : اعتبروا أيها الناس بما وعظ الله به أولياءه من سوء ثنائه على الأحبار إذ يقول : * ( لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم ) * ( 2 )

----------
( 1 ) نهج البلاغة : الخطبة 87 .
( 2 ) المائدة : 63 .
‹ صفحه 329 ›

وقال : * ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل - إلى قوله : - لبئس ما كانوا يفعلون ) * ( 1 ) . وإنما عاب الله ذلك عليهم لأنهم كانوا يرون من الظلمة الذين بين أظهرهم المنكر والفساد فلا ينهونهم عن ذلك ، رغبة فيما كانوا ينالون منهم ، ورهبة مما يحذرون ، والله يقول : *

( فلا تخشوا الناس واخشون ) * ( 2 ) وقال : * ( المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) * ( 3 ) ، فبدأ الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة منه ، لعلمه بأنها إذا أديت وأقيمت استقامت الفرائض كلها هينها وصعبها ، وذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الاسلام مع رد المظالم ومخالفة الظالم وقسمة الفئ والغنائم وأخذ الصدقات من مواضعها ووضعها في حقها .

ثم أنتم أيتها العصابة ، عصابة بالعلم مشهورة ، وبالخير مذكورة ، وبالنصيحة معروفة ، وبالله في أنفس الناس مهابة ، يهابكم الشريف ، ويكرمكم الضعيف ، ويؤثركم من لا فضل لكم عليه ولا يد لكم عنده ، تشفعون في الحوائج إذا امتنعت من طلابها ، وتمشون في الطريق بهيبة ( بهيئة - خ ل ) الملوك وكرامة الأكابر ، أليس كل ذلك إنما نلتموه بما يرجى عندكم من القيام بحق الله وإن كنتم عن أكثر حقه تقصرون ؟ ! فاستخففتم بحق الأئمة ، فأما حق الضعفاء فضيعتم ، وأما حقكم بزعمكم فطلبتم ، فلا مالا بذلتموه ، ولا نفسا خاطرتم بها للذي خلقها ، ولا عشيرة عاديتموها في ذات الله ، أنتم تتمنون على الله جنته ومجاورة رسله وأمانا من عذابه .

 لقد خشيت عليكم ، أيها المتمنون على الله ، أن تحل بكم نقمة من نقماته ، لأنكم بلغتم من كرامة الله منزلة فضلتم بها ، ومن يعرف بالله لا تكرمون وأنتم

----------
( 1 ) المائدة : 78 و 79 .
( 2 ) المائدة : 44 .
( 3 ) التوبة : 71 .
‹ صفحه 330 ›

بالله في عباده تكرمون ، وقد ترون عهود الله منقوضة فلا تفزعون ، وأنتم لبعض ذمم آبائكم تفزعون ، وذمة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) محقورة ( مخفورة - خ ل ) ، والعمي والبكم والزمنى ( 1 ) في المدائن مهملة ، لا ترحمون ولا في منزلتكم تعملون ، ولا من عمل فيها تعينون ، وبالإدهان والمصانعة عند الظلمة تأمنون ، كل ذلك مما أمركم الله به من النهي والتناهي وأنتم عنه غافلون .

وأنتم أعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تشعرون ( تعنون - خ ل ) . ذلك بأن مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه ، فأنتم المسلوبون تلك المنزلة ، وما سلبتم ذلك إلا بتفرقكم عن الحق واختلافكم في السنة بعد البينة الواضحة .

ولو صبرتم على الأذى وتحملتم المؤونة في ذات الله كانت أمور الله عليكم ترد وعنكم تصدر وإليكم ترجع ، ولكنكم مكنتم الظلمة من منزلتكم وأسلمتم ( 2 ) أمور الله في أيديهم ، يعملون بالشبهات ويسيرون في الشهوات ، سلطهم على ذلك فراركم من الموت وإعجابكم بالحياة التي هي مفارقتكم ، فأسلمتم الضعفاء في أيديهم ، فمن بين مستعبد مقهور وبين مستضعف على معيشته مغلوب ، يتقلبون في الملك بآرائهم ( بآرائكم - خ ل ) ويستشعرون الخزي بأهوائهم ، اقتداء بالأشرار وجرأة على الجبار . في كل بلد منهم على منبره خطيب يصقع ، فالأرض لهم شاغرة ، وأيديهم فيها مبسوطة ، والناس لهم خول ( 3 ) ، لا يدفعون يد لامس ، فمن بين جبار عنيد وذي سطوة على الضعفة شديد ، مطاع لا يعرف المبدئ المعيد .

فيا عجبا ! وما لي [ لا ] أعجب والأرض من غاش غشوم ، ومتصدق ظلوم ، وعامل على المؤمنين بهم غير رحيم ، فالله الحاكم فيما فيه تنازعنا ، والقاضي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
( 1 ) الزمنى : جمع زمن : جنس للبلايا التي يصابون بها ويدخلون فيها وهم لها كارهون . ( لسان العرب : 13 / 199 ) .
( 2 ) في المصدر " واستسلمتم " والصحيح ما أثبتناه كما في طبعة النجف سنة 1380 ه‍ : ص 169 .
( 3 ) الخول : الخدم والحشم . ( المصباح المنير : 184 ) .
بحكمه فيما شجر بيننا .

اللهم إنك تعلم أنه لم يكن ما كان منا تنافسا في سلطان ولا التماسا من فضول الحطام ، ولكن لنري المعالم من دينك ، ونظهر الإصلاح في بلادك ، ويأمن المظلومون من عبادك ، ويعمل بفرائضك وسننك وأحكامك ، فإن لم تنصرونا وتنصفونا قوي الظلمة عليكم وعملوا في إطفاء نور نبيكم .

 وحسبنا الله ، وعليه توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير ( 1 ) .

771 - الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) - في كتابه إلى محمد بن مسلم الزهري يعظه - : كفانا الله وإياك من الفتن ورحمك من النار ، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك بها أن يرحمك ، فقد أثقلتك نعم الله بما أصح من بدنك وأطال من عمرك ، وقامت عليك حجج الله بما حملك من كتابه ، وفقهك فيه من دينه ، وعرفك من سنة نبيه محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، فرضي لك في كل نعمة أنعم بها عليك ، وفي كل حجة احتج بها عليك الفرض بما قضى ، فما قضى إلا ابتلى شكرك في ذلك وأبدى فيه فضله عليك ، فقال : * ( لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ) * ( 2 ) .

 فانظر أي رجل تكون غدا إذا وقفت بين يدي الله فسألك عن نعمه عليك كيف رعيتها ؟ وعن حججه عليك كيف قضيتها ؟ ولا تحسبن الله قابلا منك بالتعذير ولا راضيا منك بالتقصير ، هيهات هيهات ! ليس كذلك ، أخذ على العلماء في كتابه إذ قال : * ( لتبيننه للناس ولا تكتمونه ) * ( 3 ) .

وأعلم أن أدنى ما كتمت وأخف ما احتملت أن آنست وحشة الظالم وسهلت له طريق الغي بدنوك منه حين دنوت وإجابتك له حين دعيت ، فما أخوفني أن تكون تبوء بإثمك غدا مع الخونة ، وأن تسأل عما أخذت بإعانتك

----------
( 1 ) تحف العقول : 237 .
( 2 ) إبراهيم : 7 .
( 3 ) آل عمران : 187 .
‹ صفحه 332 ›

على ظلم الظلمة ، إنك أخذت ما ليس لك ممن أعطاك ، ودنوت ممن لم يرد على أحد حقا ولم ترد باطلا حين أدناك ، وأحببت ( وأجبت - خ ل ) من حاد الله .

أوليس بدعائه إياك حين دعاك جعلوك قطبا أداروا بك رحى مظالمهم ، وجسرا يعبرون عليك إلى بلاياهم ، وسلما إلى ضلالتهم ؟ ! داعيا إلى غيهم ، سالكا سبيلهم ، يدخلون بك الشك على العلماء ، ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم ، فلم يبلغ أخص وزرائهم ولا أقوى أعوانهم إلا دون ما بلغت من إصلاح فسادهم واختلاف الخاصة والعامة إليهم . فما أقل ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك ؟ ! وما أيسر ما عمروا لك ؟ ! فكيف ما خربوا عليك ؟ ! فانظر لنفسك فإنه لا ينظر لها غيرك ، وحاسبها حساب رجل مسؤول .

وانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيرا وكبيرا ؟ فما أخوفني أن تكون كما قال الله في كتابه : * ( فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا ) * ( 1 ) . إنك لست في دار مقام ، أنت في دار قد آذنت برحيل ، فما بقاء المرء بعد قرنائه ؟ ! طوبى لمن كان في الدنيا على وجل ، يا بؤس لمن يموت وتبقى ذنوبه من بعده ! احذر فقد نبئت .

وبادر فقد أجلت . إنك تعامل من لا يجهل . وإن الذي يحفظ عليك لا يغفل . تجهز فقد دنا منك سفر بعيد ، وداو ذنبك فقد دخله سقم شديد . ولا تحسب أني أردت توبيخك وتعنيفك وتعييرك ، لكني أردت أن ينعش الله ما [ قد ] فات من رأيك ويرد إليك ما عزب من دينك ، وذكرت قول الله تعالى في كتابه : * ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) * ( 2 ) .

----------
( 1 ) الأعراف : 169 .
( 2 ) الذاريات : 55 .
‹ صفحه 333 ›

أغفلت ذكر من مضى من أسنانك وأقرانك ، وبقيت بعدهم كقرن أعضب . أنظر هل ابتلوا بمثل ما ابتليت ؟ أم هل وقعوا في مثل ما وقعت فيه ؟ أم هل تراهم ذكرت خيرا أهملوه وعلمت شيئا جهلوه ؟ بل حظيت بما حل من حالك في صدور العامة وكلفهم ( 1 ) بك ، إذ صاروا يقتدون برأيك ويعملون بأمرك .

إن أحللت أحلوا وإن حرمت حرموا ، وليس ذلك عندك ، ولكن أظهرهم عليك رغبتهم فيما لديك ، [ و ] ذهاب علمائهم وغلبة الجهل عليك وعليهم ، وحب الرئاسة وطلب الدنيا منك ومنهم .

أما ترى ما أنت فيه من الجهل والغرة وما الناس فيه من البلاء والفتنة ؟ ! قد ابتليتهم وفتنتهم بالشغل عن مكاسبهم مما رأوا ، فتاقت نفوسهم إلى أن يبلغوا من العلم ما بلغت ، أو يدركوا به مثل الذي أدركت ، فوقعوا منك في بحر لا يدرك عمقه ، وفي بلاء لا يقدر قدره ، فالله لنا ولك وهو المستعان .

أما بعد ، فأعرض عن كل ما أنت فيه حتى تلحق بالصالحين ، الذين دفنوا في أسمالهم ، لاصقة بطونهم بظهورهم ، ليس بينهم وبين الله حجاب ، ولا تفتنهم الدنيا ولا يفتنون بها ، رغبوا فطلبوا فما لبثوا أن لحقوا .

فإذا كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا المبلغ - مع كبر سنك ورسوخ علمك وحضور أجلك - فكيف يسلم الحدث في سنه ، الجاهل في علمه ، المأفون في رأيه ، المدخول في عقله ؟ ! إنا لله وإنا إليه راجعون . على من المعول ؟ وعند من المستعتب ؟ نشكو إلى الله بثنا وما نرى فيك ، ونحتسب عند الله مصيبتنا بك .

 فانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيرا وكبيرا ؟ وكيف إعظامك لمن جعلك بدينه في الناس جميلا ؟ وكيف صيانتك لكسوة من جعلك بكسوته في

----------
( 1 ) كلف بالشئ كلفا وكلفة فهو كلف ومكلف : لهج به ، كلف بها أشد الكلف أي أحبها . الكلف : الولوع بالشئ مع شغل قلب ومشقة . ( لسان العرب : 9 / 307 ) .
‹ صفحه 334 ›

الناس ستيرا ؟ وكيف قربك أو بعدك ممن أمرك أن تكون منه قريبا ذليلا ؟ ما لك لا تنتبه من نعستك وتستقيل من عثرتك ؟ ! فتقول : والله ما قمت لله مقاما واحدا أحييت به له دينا أو أمت له فيه باطلا ، فهذا شكرك من استحملك ( استعملك - خ ل ) ! ما أخوفني أن تكون كمن قال الله تعالى في كتابه : * ( أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ) * ( 1 ) استحملك كتابه واستودعك علمه فأضعتها ، فنحمد الله الذي عافانا مما ابتلاك به ، والسلام ( 2 ) .

772 - يزيد بن عبد الله عمن حدثه : كتب أبو جعفر ( عليه السلام ) إلى سعد الخير : بسم الله الرحمن الرحيم ، أما بعد ، فإني أوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب ، إن الله عز وجل يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ( 3 ) ، ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله ، وبالتقوى نجا نوح ومن معه في السفينة وصالح ومن معه من الصاعقة ، وبالتقوى فاز الصابرون ونجت تلك العصب ( 4 ) من المهالك ،

 ولهم إخوان على تلك الطريقة يلتمسون تلك الفضيلة ، نبذوا طغيانهم من الإيراد بالشهوات لما بلغهم في الكتاب من المثلات ، حمدوا ربهم على ما رزقهم وهو أهل الحمد ، وذموا أنفسهم على ما فرطوا وهم أهل الذم ، وعلموا أن الله تبارك وتعالى الحليم العليم ، إنما غضبه على من لم يقبل منه رضاه ، وإنما يمنع من لم يقبل منه عطاه ، وإنما يضل من لم يقبل منه هداه .

 ثم أمكن أهل السيئات من التوبة بتبديل الحسنات ، دعا عباده في الكتاب إلى ذلك بصوت رفيع لم ينقطع ولم يمنع دعاء عباده ، فلعن الله الذين يكتمون ما أنزل الله ، وكتب على نفسه الرحمة فسبقت قبل الغضب فتمت صدقا وعدلا ، فليس يبتدئ العباد بالغضب

----------
( 1 ) مريم : 59 .
( 2 ) تحف العقول : 274 .
( 3 ) عزب : أي بعد ، وفي بعض النسخ " نفى بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله " . ( كما في هامش الكافي ) .
( 4 ) العصب : جمع العصبة ، وهي من الرجال والخيل والطير ما بين العشرة إلى الأربعين . ( كما في هامش الكافي ) .
‹ صفحه 335 ›

قبل أن يغضبوه ، وذلك من علم اليقين وعلم التقوى .

 وكل أمة قد رفع الله عنهم علم الكتاب حين نبذوه وولاهم عدوهم حين تولوه . وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده ، فهم يروونه ولا يرعونه ، والجهال يعجبهم حفظهم للرواية ، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية .

وكان من نبذهم الكتاب أن ولوه الذين لا يعلمون ( 1 ) ، فأوردوهم الهوى ، وأصدروهم إلى الردئ ، وغيروا عرى الدين ، ثم ورثوه في السفه والصبا ( 2 ) ، فالأمة يصدرون عن أمر الناس بعد أمر الله تبارك وتعالى وعليه يردون ، فبئس للظالمين بدلا ولآية الناس ( 3 ) بعد ولاية الله ، وثواب الناس بعد ثواب الله ، ورضا الناس بعد رضا الله ، فأصبحت الأمة كذلك وفيهم المجتهدون في العبادة على تلك الضلالة ، معجبون مفتونون ، فعبادتهم فتنة لهم ولمن اقتدى بهم .

وقد كان في الرسل ذكرى للعابدين ، إن نبيا من الأنبياء كان يستكمل الطاعة ، ثم يعصي الله تبارك وتعالى في الباب الواحد ، فخرج به من الجنة ( 4 ) . و ( 5 ) ينبذ به في بطن الحوت ، ثم لا ينجيه إلا الاعتراف والتوبة . فاعرف أشباه الأحبار والرهبان الذين ساروا بكتمان الكتاب وتحريفه ، فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين .

----------
 ( 1 ) أي جعلوا ولي الكتاب والقيم عليه والحاكم به الذين لا يعلمونه ، وجعلوهم رؤساء على أنفسهم يتبعونهم في الفتاوى وغيرها . ( كما في هامش الكافي نقلا عن مرآة العقول ) .
( 2 ) أي جعلوه ميراثا يرثه كل سفيه جاهل أو صبي غير عاقل . وقوله الآتي : " بعد أمر الله " أي صدوره أو الاطلاع عليه أو تركه ، والورود والصدور كنايتان عن الإتيان للسؤال والأخذ والرجوع بالقبول . ( كما في هامش الكافي نقلا عن مرآة العقول ) .
( 3 ) " ولآية الناس " هو المخصوص بالذم . ( كما في هامش الكافي ) .
( 4 ) أشار به إلى آدم ( عليه السلام ) ، والمراد بالعصيان هنا ترك الأولى .
( 5 ) الواو هنا بمعنى " أو " ، أشار به إلى يونس ( عليه السلام ) .
ثم اعرف أشباههم من هذه الأمة الذين أقاموا حروف الكتاب وحرفوا حدوده ( 1 ) ، فهم مع السادة والكبرة ( والكثرة - خ ل ) ، فإذا تفرقت قادة الأهواء كانوا مع أكثرهم دنيا ، وذلك مبلغهم من العلم ( 2 ) . لا يزالون كذلك في طبع وطمع ، لا يزال يسمع صوت إبليس على ألسنتهم بباطل كثير .

 يصبر منهم العلماء على الأذى والتعنيف ، ويعيبون على العلماء بالتكليف ( 3 ) .

 والعلماء في أنفسهم خانة إن كتموا النصيحة ، إن رأوا تائها ضالا لا يهدونه أو ميتا لا يحيونه ، فبئس ما يصنعون ! لأن الله تبارك وتعالى أخذ عليهم الميثاق في الكتاب أن يأمروا بالمعروف وبما أمروا به ، وأن ينهوا عما نهوا عنه ، وأن يتعاونوا على البر والتقوى ولا يتعاونوا على الإثم والعدوان ، فالعلماء من الجهال في جهد وجهاد ، إن وعظت قالوا : طغت وإن علموا ( عملوا - خ ل ) الحق الذي تركوا قالوا : خالفت ، وإن اعتزلوهم قالوا : فارقت ، وإن قالوا : هاتوا برهانكم على ما تحدثون قالوا : نافقت ، وإن أطاعوهم قالوا : عصت الله عز وجل ، فهلك جهال فيما لا يعلمون ، أميون فيما يتلون ، يصدقون بالكتاب عند التعريف ( التحريف - خ ل ) ويكذبون به عند التحريف ، فلا ينكرون .

 أولئك أشباه الأحبار والرهبان قادة في الهوى ، سادة في الردى . وآخرون منهم جلوس بين الضلالة والهدى ، لا يعرفون إحدى الطائفتين من الأخرى ، يقولون ما كان

----------
( 1 ) إنما شبه هؤلاء العباد وعلماء العوام المفتونين بالحطام بالأحبار والرهبان لشرائهم الدنيا بالآخرة بكتمانهم العلم ، وتحريفهم الكلم عن مواضعه وأكلهم أموال الناس بالباطل ، وصدهم عن سبيل الله ، كما أنهم كانوا كذلك على ما وصفهم الله في القرآن في عدة مواضع ، والمراد بالسادة والكبرة : السلاطين والحكام وأعوانهم الظلمة . ( كما في هامش الكافي نقلا عن الوافي ) .
( 2 ) إشارة إلى الآية 31 من سورة النجم . والطبع - بالتحريك - : الرين ، و - بالسكون - : الختم ( كما في هامش الكافي ) .
( 3 ) " منهم " أي من أشباه الأحبار والرهبان " العلماء " يعني العلماء بالله الربانيين . " بالتكليف " يعني تكليفهم بالحق . ( كما في هامش الكافي نقلا عن الوافي ) .
‹ صفحه 337 ›

ما كان الناس يعرفون هذا ولا يدرون ما هو ، وصدقوا تركهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على البيضاء ( 1 ) ليلها من نهارها ، لم يظهر فيهم بدعة ولم يبدل فيهم سنة ، لا خلاف عندهم ولا اختلاف ،

 فلما غشى الناس ظلمة خطاياهم صاروا إمامين : داع إلى الله تبارك وتعالى وداع إلى النار ، فعند ذلك نطق الشيطان ، فعلا صوته على لسان أوليائه ، وكثر خيله ورجله ( 2 ) ، وشارك في المال والولد من أشركه ، فعمل بالبدعة وترك الكتاب والسنة .

ونطق أولياء الله بالحجة وأخذوا بالكتاب والحكمة ، فتفرق من ذلك اليوم أهل الحق وأهل الباطل ، وتخاذل ( 3 ) وتهادن أهل الهدى ، وتعاون أهل الضلالة ، حتى كانت الجماعة مع فلان وأشباهه ،

فاعرف هذا الصنف . وصنف آخر ، فأبصرهم رأي العين نجباء ( 4 ) ، وألزمهم حتى ترد أهلك ، ف‍ * ( إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين ) * ( 5 ) ( 6 ) .

----------
( 1 ) يعني الشريعة ، الواضح مجهولها عن معلومها ، وعالمها عن جاهلها . ( كما في هامش الكافي ) .
( 2 ) الخيل : جماعة الفرسان ، والرجل : جماعة المشاة ، أي أعوانه الأقوياء والضعفاء . ( كما في هامش الكافي نقلا عن مرآة العقول ) .
( 3 ) أي تركوا نصرة الحق . وفي بعض النسخ " تخادن " من الخدن وهو الصديق . وتهادن من المهادنة بمعنى المصالحة ، وفي بعض النسخ " تهاون " أي عن نصرة الحق ، وهذا أنسب للتخاذل ، كما أن التهادن أنسب للتخادن . ( كما في هامش الكافي نقلا مرآة العقول ) . ( 4 ) بالنون والجيم والباء الموحدة ، وفي بعض النسخ " تحيا " من الحياة . ( كما في هامش الكافي نقلا عن الوافي ) .
( 5 ) الزمر : 15 .
( 6 ) الكافي : 8 / 52 / 16 .
‹ صفحه 339 ›

الفصل الرابع جوامع وصاياهم

 773 - عبد الرحمن بن الحجاج : بعث إلي أبو الحسن موسى ( عليه السلام ) بوصية أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وهي :

بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب ، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، صلى الله عليه وآله ، ثم إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين .

ثم إني أوصيك يا حسن وجميع أهل بيتي وولدي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ربكم ، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، فإني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول :

صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام ، وإن المبيرة ( 1 ) الحالقة ( 2 ) للدين فساد ذات البين ، ولا قوة إلا بالله العلي

‹ صفحه 340 ›

العظيم ، انظروا ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب .

الله الله في الأيتام ، فلا تغبوا أفواههم ولا يضيعوا بحضرتكم ، فقد سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : من عال يتيما حتى يستغني أوجب الله عز وجل له بذلك الجنة ، كما أوجب لأكل مال اليتيم النار .

 الله الله في القرآن ، فلا يسبقكم إلى العمل به أحد غيركم . الله الله في جيرانكم ، فإن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أوصى بهم ، وما زال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم .

 الله الله في بيت ربكم ، فلا يخل منكم ما بقيتم ، فإنه إن ترك لم تناظروا ، وأدنى ما يرجع به من أمه أن يغفر له ما سلف .

 الله الله في الصلاة ، فإنها خير العمل ، إنها عمود دينكم .

 الله الله في الزكاة ، فإنها تطفئ غضب ربكم . الله الله في شهر رمضان ، فإن صيامه جنة من النار . الله الله في الفقراء والمساكين ، فشاركوهم في معايشكم .

الله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ، فإنما يجاهد رجلان : إمام هدى ، أو مطيع له مقتد بهداه .

الله الله في ذرية نبيكم ، فلا يظلمن بحضرتكم وبين ظهرانيكم وأنتم تقدرون على الدفع عنهم .

 الله الله في أصحاب نبيكم الذين لم يحدثوا حدثا ولم يؤوا محدثا ، فإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أوصى بهم ، ولعن المحدث منهم ومن غيرهم والمؤوي للمحدث .

الله الله في النساء وفيما ملكت أيمانكم ، فإن آخر ما تكلم به نبيكم ( عليه السلام ) أن قال : أوصيكم بالضعيفين : النساء وما ملكت أيمانكم . الصلاة الصلاة الصلاة ، لا تخافوا في الله لومة لائم ، يكفكم الله من آذاكم وبغى عليكم ، قولوا للناس حسنا كما أمركم الله عز وجل ، ولا تتركوا الأمر

----------
( 1 ) مبيرة : مهلكة ( لسان العرب : 4 / 86 ) .
( 2 ) الحالقة : الخصلة التي من شأنها أن تحلق ، أي تهلك وتستأصل الدين كما يستأصل الموس الشعر ، وقيل : هي قطيعة الرحم والتظالم . ( النهاية : 1 / 428 ) .
بالمعروف والنهي عن المنكر فيولي الله أمركم شراركم ، ثم تدعون فلا يستجاب لكم عليهم . وعليكم يا بني ، بالتواصل والتباذل والتبار ، وإياكم والتقاطع والتدابر والتفرق ، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ، واتقوا الله إن الله شديد العقاب ، حفظكم الله من أهل بيت ، وحفظ فيكم نبيكم ، أستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ( 1 ) .

774 - الإمام الباقر ( عليه السلام ) - في وصيته لجابر بن يزيد الجعفي - : إعلم بأنك لا تكون لنا وليا حتى لو اجتمع عليك أهل مصرك وقالوا : " إنك رجل سوء " لم يحزنك ذلك ، ولو قالوا : " إنك رجل صالح " لم يسرك ذلك ، ولكن أعرض نفسك على كتاب الله ، فإن كنت سالكا سبيله ، زاهدا في تزهيده ، راغبا في ترغيبه ، خائفا من تخويفه فاثبت وأبشر ، فإنه لا يضرك ما قيل فيك .

 وإن كنت مبائنا للقرآن فماذا الذي يغرك من نفسك ؟ ! ( 2 ) .

775 - عنه ( عليه السلام ) : - إنه أوصى بعض شيعته - : يا معشر شيعتنا ، اسمعوا وافهموا وصايانا وعهدنا إلى أوليائنا ، أصدقوا في قولكم ، وبروا في أيمانكم لأوليائكم وأعدائكم ، وتواسوا بأموالكم ، وتحابوا بقلوبكم ، وتصدقوا على فقرائكم ، واجتمعوا على أمركم ، ولا تدخلوا غشا ولا خيانة على أحد ، ولا تشكوا بعد اليقين ، ولا ترجعوا بعد الإقدام جبنا ، ولا يول أحد منكم أهل مودته قفاه ، ولا تكونن شهوتكم في مودة غيركم ، ولا مودتكم فيما سواكم ، ولا عملكم لغير ربكم ، ولا إيمانكم وقصدكم لغير نبيكم ، واستعينوا بالله واصبروا ، * ( إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ) * ( 3 ) ، وإن الأرض لله يورثها عباده

----------
( 1 ) الكافي : 7 / 51 / 7 .
( 2 ) تحف العقول : 284 .
( 3 ) الأعراف : 128 .
‹ صفحه 342 ›

الصالحين .

ثم قال : إن أولياء الله وأولياء رسوله من شيعتنا : من إذا قال صدق ، وإذا وعد وفى ، وإذا ائتمن أدى ، وإذا حمل في الحق احتمل ، وإذا سئل الواجب أعطى ، وإذا أمر بالحق فعل .

 شيعتنا من لا يعدو علمه سمعه ، شيعتنا من لا يمدح لنا معيبا ، ولا يواصل لنا مبغضا ، ولا يجالس لنا قاليا ، إن لقي مؤمنا أكرمه ، وإن لقي جاهلا هجره . شيعتنا من لا يهر هرير الكلب ، ولا يطمع طمع الغراب ، ولا يسأل أحدا إلا من إخوانه وإن مات جوعا . شيعتنا من قال بقولنا وفارق أحبته فينا ، وأدنى البعداء في حبنا ، وأبعد القرباء في بغضنا ( 1 ) .

 776 - عبد الله بن بكير عن رجل عن أبي جعفر ( عليه السلام ) : دخلنا عليه جماعة ، فقلنا : يا بن رسول الله ، إنا نريد العراق فأوصنا ، فقال أبو جعفر ( عليه السلام ) : ليقو شديدكم ضعيفكم ، وليعد غنيكم على فقيركم ، ولا تبثوا سرنا ولا تذيعوا أمرنا ، وإذا جاءكم عنا حديث فوجدتم عليه شاهدا أو شاهدين من كتاب الله فخذوا به وإلا فقفوا عنده ، ثم ردوه إلينا حتى يستبين لكم . . . ( 2 ) .

 777 - الخطاب الكوفي ومصعب بن عبد الله الكوفي : دخل سدير الصيرفي على أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، وعنده جماعة من أصحابه ، فقال له : يا سدير ، لا تزال شيعتنا مرعيين محفوظين مستورين معصومين ما أحسنوا النظر لأنفسهم فيما بينهم وبين خالقهم ، وصحت نياتهم لأئمتهم ، وبروا إخوانهم ، فعطفوا على ضعيفهم ، وتصدقوا على ذوي الفاقة منهم ، إنا لا نأمر بظلم ، ولكنا نأمركم بالورع ، الورع الورع ، والمواساة المواساة لإخوانكم ، فإن أولياء الله لم يزالوا مستضعفين قليلين منذ خلق الله آدم ( عليه السلام ) ( 3 ) .

----------
( 1 ) دعائم الاسلام : 1 / 64 .
( 2 ) الكافي : 2 / 222 / 4 .
( 3 ) المحاسن : 1 / 258 / 492 .
‹ صفحه 343 ›

778 - إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنه كتب بهذه الرسالة إلى أصحابه وأمرهم بمدارستها والنظر فيها وتعاهدها والعمل بها ، فكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم ، فإذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها : أما بعد ، فاسألوا ربكم العافية ، وعليكم بالدعة والوقار والسكينة ، وعليكم بالحياء والتنزه عما تنزه عنه الصالحون قبلكم . . .

وإياكم أن تزلقوا ألسنتكم بقول الزور والبهتان والإثم والعدوان ، فإنكم إن كففتم ألسنتكم عما يكرهه الله مما نهاكم عنه كان خيرا لكم عند ربكم من أن تزلقوا ألسنتكم به ، فإن زلق اللسان فيما يكره الله وما [ ي‍ ] نهى عنه مرداة للعبد عند الله ومقت من الله وصم وعمي وبكم ( 1 ) يورثه الله إياه يوم القيامة فتصيروا كما قال الله : * ( صم بكم عمي فهم لا يرجعون ) * ( 2 ) يعني لا ينطقون * ( ولا يؤذن لهم فيعتذرون ) * ( 3 ) .

 وإياكم وما نهاكم الله عنه أن تركبوه ، وعليكم بالصمت إلا فيما ينفعكم الله به من أمر آخرتكم ويأجركم عليه . وأكثروا من التهليل والتقديس والتسبيح والثناء على الله والتضرع إليه والرغبة فيما عنده من الخير الذي لا يقدر قدره ولا يبلغ كنهه أحد ، فاشغلوا ألسنتكم بذلك عما نهى الله عنه من أقاويل الباطل التي تعقب أهلها خلودا في النار ، من مات عليها ولم يتب إلى الله ولم ينزع عنها .

 وعليكم بالدعاء فإن المسلمين لم يدركوا نجاح الحوائج عند ربهم بأفضل من الدعاء والرغبة إليه والتضرع إلى الله والمسألة [ له ] ، فارغبوا فيما رغبكم الله فيه ، وأجيبوا الله إلى ما دعاكم إليه لتفلحوا وتنجوا من عذاب الله ، وإياكم أن تشره أنفسكم إلى شئ مما حرم الله عليكم ، فإنه من انتهك ما حرم الله عليه هاهنا

----------
( 1 ) كذا في المصدر ، والصحيح " صمم وعمي وبكم " .
( 2 ) البقرة : 18 .
( 3 ) المرسلات : 36 .
‹ صفحه 344 ›

في الدنيا حال الله بينه وبين الجنة ونعيمها ولذتها وكرامتها القائمة الدائمة لأهل الجنة أبد الآبدين .

واعلموا أنه بئس الحظ الخطر لمن خاطر الله بترك طاعة الله وركوب معصيته ، فاختار أن ينتهك محارم الله في لذات دنيا منقطعة زائلة عن أهلها على خلود نعيم في الجنة ولذاتها وكرامة أهلها .

ويل لأولئك ! ما أخيب حظهم وأخسر كرتهم وأسوأ حالهم عند ربهم يوم القيامة ! استجيروا الله أن يجيركم في مثالهم أبدا وأن يبتليكم بما ابتلاهم به ، ولا قوة لنا ولكم إلا به . . . أكثروا من أن تدعوا الله فإن الله يحب من عباده المؤمنين أن يدعوه ، وقد وعد الله عباده المؤمنين بالاستجابة ، والله مصير دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملا يزيدهم به في الجنة ، فأكثروا ذكر الله ما استطعتم في كل ساعة من ساعات الليل والنهار ، فإن الله أمر بكثرة الذكر له ، والله ذاكر لمن ذكره من المؤمنين .

 واعلموا أن الله لم يذكره أحد من عباده المؤمنين إلا ذكره بخير ، فأعطوا الله من أنفسكم الاجتهاد في طاعته ، فإن الله لا يدرك شئ من الخير عنده إلا بطاعته واجتناب محارمه التي حرم الله في ظاهر القرآن وباطنه ، فإن الله تبارك وتعالى قال في كتابه وقوله الحق : * ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ) * ( 1 ) واعلموا أن ما أمر الله به أن تجتنبوه فقد حرمه . واتبعوا آثار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وسنته ، فخذوا بها ولا تتبعوا أهواءكم وآراءكم فتضلوا ، فإن أضل الناس عند الله من اتبع هواه ورأيه بغير هدى من الله .

وأحسنوا إلى أنفسكم ما استطعتم ، فإن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها . . . أيتها العصابة الحافظ الله لهم أمرهم ، عليكم بآثار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وسنته وآثار الأئمة الهداة من أهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من بعده وسنتهم ، فإنه من أخذ

‹ صفحه 345 ›

بذلك فقد اهتدى ومن ترك ذلك ورغب عنه ضل ، لأنهم هم الذين أمر الله بطاعتهم وولايتهم ، وقد قال أبونا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : المداومة على العمل في اتباع الآثار والسنن وإن قل أرضى لله وأنفع عنده في العاقبة من الاجتهاد في البدع واتباع الأهواء . ألا إن اتباع الأهواء واتباع البدع بغير هدى من الله ضلال ، وكل ضلالة بدعة وكل بدعة في النار . ولن ينال شئ من الخير عند الله إلا بطاعته والصبر والرضا ، لأن الصبر والرضا من طاعة الله .

واعلموا أنه لن يؤمن عبد من عبيده حتى يرضى عن الله فيما صنع الله إليه وصنع به ، على ما أحب وكره . ولن يصنع الله بمن صبر ورضي عن الله إلا ما هو أهله وهو خير له مما أحب وكره . وعليكم بالمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى ، وقوموا لله قانتين كما أمر الله به المؤمنين في كتابه من قبلكم وإياكم .

وعليكم بحب المساكين المسلمين ، فإنه من حقرهم وتكبر عليهم فقد زل عن دين الله ، والله له حاقر ماقت ، وقد قال أبونا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أمرني ربي بحب المساكين المسلمين [ منهم ] .

واعلموا أن من حقر أحدا من المسلمين ألقى الله عليه المقت منه والمحقرة حتى يمقته الناس والله له أشد مقتا ، فاتقوا الله في إخوانكم المسلمين المساكين ، فإن لهم عليكم حقا أن تحبوهم ، فإن الله أمر رسوله ( صلى الله عليه وآله ) بحبهم ، فمن لم يحب من أمر الله بحبه فقد عصى الله ورسوله ، ومن عصى الله ورسوله ومات على ذلك مات وهو من الغاوين . وإياكم والعظمة والكبر ، فإن الكبر رداء الله عز وجل ، فمن نازع الله رداءه قصمه الله وأذله يوم القيامة .

وإياكم أن يبغي بعضكم على بعض ، فإنها ليست من خصال الصالحين ، فإنه من بغى صير الله بغيه على نفسه وصارت نصرة الله لمن بغي عليه ، ومن نصره الله غلب وأصاب الظفر من الله .

وإياكم أن يحسد بعضكم بعضا ، فإن الكفر أصله الحسد . وإياكم أن تعينوا على مسلم مظلوم

----------
  ( 1 ) الأنعام : 120 .
 

فيدعو الله عليكم ويستجاب له فيكم ، فإن أبانا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان يقول : إن دعوة المسلم المظلوم مستجابة .

وليعن بعضكم بعضا ، فإن أبانا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان يقول : إن معونة المسلم خير وأعظم أجرا من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام . وإياكم وإعسار أحد من إخوانكم المسلمين أن تعسروه بالشئ يكون لكم قبله وهو معسر ، فإن أبانا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان يقول : ليس لمسلم أن يعسر مسلما ، ومن أنظر معسرا أظله الله بظله يوم لا ظل إلا ظله . . . واعلموا أن الاسلام هو التسليم ، والتسليم هو الاسلام ، فمن سلم فقد أسلم ، ومن لم يسلم فلا إسلام له ، ومن سره أن يبلغ إلى نفسه في الإحسان فليطع الله ، فإنه من أطاع الله فقد أبلغ إلى نفسه في الإحسان .

وإياكم ومعاصي الله أن تركبوها ، فإنه من انتهك معاصي الله فركبها فقد أبلغ في الإساءة إلى نفسه . وليس بين الإحسان والإساءة منزلة ، فلأهل الإحسان عند ربهم الجنة ، ولأهل الإساءة عند ربهم النار ، فاعملوا بطاعة الله واجتنبوا معاصيه .

واعلموا أنه ليس يغني عنكم من الله أحد من خلقه شيئا ، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك ، فمن سره أن تنفعه شفاعة الشافعين عند الله فليطلب إلى الله أن يرضى عنه . واعلموا أن أحدا من خلق الله لم يصب رضا الله إلا بطاعته وطاعة رسوله وطاعة ولاة أمره من آل محمد صلوات الله عليهم ، ومعصيتهم من معصية الله ، ولم ينكر لهم فضلا عظم أو صغر .

 . . سلوا الله العافية واطلبوها إليه ، ولا حول ولا قوة إلا بالله . صبروا النفس على البلاء في الدنيا ، فإن تتابع البلاء فيها والشدة في طاعة الله وولايته وولاية من أمر بولايته خير عاقبة عند الله في الآخرة من ملك الدنيا وإن طال تتابع نعيمها وزهرتها وغضارة عيشها في معصية الله وولاية من نهى الله عن ولايته وطاعته ، فإن الله أمر بولاية الأئمة الذين سماهم الله في كتابه في قوله :

‹ صفحه 347 ›

( وجعلنا هم أئمة يهدون بأمرنا ) * ( 1 ) وهم الذين أمر الله بولايتهم وطاعتهم ، والذين نهى الله عن ولايتهم وطاعتهم وهم أئمة الضلالة . . . . واعلموا أن الله إذا أراد بعبد خيرا شرح صدره للإسلام ، فإذا أعطاه ذلك أنطق لسانه بالحق وعقد قلبه عليه فعمل به ، فإذا جمع الله له ذلك تم له إسلامه وكان عند الله - إن مات على ذلك الحال - من المسلمين حقا .

وإذا لم يرد الله بعبد خيرا وكله إلى نفسه وكان صدره ضيقا حرجا ، فإن جرى على لسانه حق لم يعقد قلبه عليه ، وإذا لم يعقد قلبه عليه لم يعطه الله العمل به ، فإذا اجتمع ذلك عليه حتى يموت وهو على تلك الحال كان عند الله من المنافقين ، وصار ما جرى على لسانه - من الحق الذي لم يعطه الله أن يعقد قلبه عليه ولم يعطه العمل به - حجة عليه يوم القيامة ، فاتقوا الله وسلوه أن يشرح صدوركم للإسلام ، وأن يجعل ألسنتكم تنطق بالحق حتى يتوفاكم وأنتم على ذلك ، وأن يجعل منقلبكم منقلب الصالحين قبلكم ، ولا قوة إلا بالله ، والحمد لله رب العالمين .

 ومن سره أن يعلم أن الله يحبه فليعمل بطاعة الله وليتبعنا ، ألم يسمع قول الله عز وجل لنبيه ( صلى الله عليه وآله ) : * ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ) * ( 2 ) ؟ والله ، لا يطيع الله عبد أبدا إلا أدخل الله عليه في طاعته إتباعنا . ولا والله ، لا يتبعنا عبد أبدا إلا أحبه الله . ولا والله ، لا يدع أحد اتباعنا أبدا إلا أبغضنا . ولا والله ، لا يبغضنا أحد أبدا إلا عصى الله ، ومن مات عاصيا لله أخزاه الله وأكبه على وجهه في النار ، والحمد لله رب العالمين ( 3 ) .

779 - عبد السلام بن صالح الهروي : سمعت أبا الحسن الرضا ( عليه السلام ) يقول : رحم الله عبدا أحيا أمرنا . فقلت له : وكيف يحيي أمركم ؟ قال : يتعلم علومنا ويعلمها الناس ،

----------
( 1 ) الأنبياء : 73 .
( 2 ) آل عمران : 31 .
( 3 ) الكافي : 8 / 2 .
‹ صفحه 348 ›

فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا ( 1 ) .

780 - الإمام الرضا ( عليه السلام ) - لعبد العظيم الحسني - : يا عبد العظيم ، أبلغ عني أوليائي السلام ، وقل لهم أن لا يجعلوا للشيطان على أنفسهم سبيلا ، ومرهم بالصدق في الحديث وأداء الأمانة ، ومرهم بالسكوت ، وترك الجدال فيما لا يعنيهم ، وإقبال بعضهم على بعض ، والمزاورة ، فإن ذلك قربة إلي .

ولا يشتغلوا أنفسهم بتمزيق بعضهم بعضا ، فإني آليت على نفسي أنه من فعل ذلك وأسخط وليا من أوليائي دعوت الله ليعذبه في الدنيا أشد العذاب وكان في الآخرة من الخاسرين .

وعرفهم أن الله قد غفر لمحسنهم وتجاوز عن مسيئهم ، إلا من أشرك به أو آذى وليا من أوليائي أو أضمر له سوءا ، فإن الله لا يغفر له حتى يرجع عنه ، فإن رجع وإلا نزع روح الإيمان عن قلبه وخرج عن ولايتي ، ولم يكن له نصيبا ( 2 ) في ولايتنا ، وأعوذ بالله من ذلك ( 3 ) .

----------
( 1 ) عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 1 / 307 / 69 ، معاني الأخبار : 180 / 1 .
( 2 ) كذا في المصدر والظاهر أنه : نصيب .
( 3 ) الاختصاص : 247 .