next page

fehrest page

back page

في ذكر الإمامة و كونهم خصوا بها و كون عددهم منحصرا في اثني عشر إماما

قال ابن طلحة و ألخص أنا كلامه على عادتي : أما ثبوت الإمامة لكل واحد منهم فإنه حصل ذلك بالنص : من علي لابنه الحسن (عليه السلام) ; و منه لأخيه الحسين ; و منه لابنه علي (عليه السلام) ; و هلم جرا إلى الخلف الحجة (عليه السلام) كما سيأتي.

و أما انحصارهم في هذا العدد المخصوص فقد قال العلماء فمنهم من طول فأفرط إفراط المليم و منهم من قلل فقصر فزال عن السنن القويم و كل واحد من ذوي الإفراط و التفريط قد اعتلق بطرف ذميم و الهداية إلى الطريقة الوسطى حسنة و لا يلقاها إلا ذو حظ عظيم ; و ها أنا ذاكر في ذلك ما أظنه أحسن نتائج الفطن و أعده من محاسن الأفكار الجارية لاستخراج جواهر الخواطر في سنن السنن و الأقدار و إن كانت فاطمة كثيرة من الفطن عن إدراك الحكم في السر و العلن فإنها والدة لقرائح أهل التوفيق و التأييد و من نتاجها كل حسين و حسن و تلخيص ذلك من وجوه :

الوجه الأول : ذكر فيه شيئا مما يتعلق بالحروف و العدد فقال إن الإيمان و الإسلام مبني على كلمتي لا إله إلا الله محمد رسول الله و كل واحد من هذين الأصلين اثنا عشر حرفا و الإمامة فرع الإيمان فيجب أن يكون القائم بها اثني عشر إماما.

الوجه الثاني : أن الله أنزل في كتابه العزيز وَ لَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ

[55]

وَ بَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً
فجعل عدة القائمين بذلك الأمر اثني عشر فتكون عدة أئمة القائمين بهذا كذلك و لما بايع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الأنصار ليلة العقبة قال أخرجوا لي منكم اثني عشر نقيبا كنقباء بني إسرائيل فصار ذلك طريقا متبعا و عددا مطلوبا.

الوجه الثالث : قال الله تعالى وَ مِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ وَ قَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً فجعل الأسباط الهداة إلى الحق بهذه العدة فتكون الأئمة كذلك.

الوجه الرابع : أن مصالح العالم في تصرفاتهم لما كانت في حصولها مفتقرة إلى الزمان و كان عبارة عن الليل و النهار و كل واحد منهما حال الاعتدال مركب من اثنتي عشرة ساعة و كانت مصالح العالم مفتقرة إلى الأئمة (عليه السلام) و إرشادها فجعلت عدتهم كذلك.

الوجه الخامس : قال و هو وجه صباحته واضحة و أنواره لائحة و تقريره أن نور الإمامة يهدي القلوب و العقول إلى سلوك طريق الحق كما يهدي نور الشمس و القمر أبصار الخلائق إلى سلوك الطرق و لما كان محل هذين النورين الهاديين للأبصار البروج الاثنا عشر فمحل النور الثاني الهادي للبصائر و هو نور الإمامة الأئمة الاثني عشر.

تنبيه : و قد ورد في الحديث النبوي أن الأرض بما عليها محمولة على الحوت و في هذا إشارة لطيفة و حكمة شريفة و هو أن آخر محل ذلك النور الحوت و هو آخر البروج و هو حامل لأثقال الوجود فآخر محال النور الثاني عشر و هو نور الإمامة حامل أثقال مصالح أديانهم و هو المهدي ع.

الوجه السادس : و هو من جميع الوجوه أولاها مساقا و أجلاها إشراقا و أحلاها مذاقا و أعلاها في ذرى الحكم طباقا و تقريره .

أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال الأئمة من قريش .

فحصرها فيهم فلا تكون في غيرهم .

[56]

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : قدموا قريشا و لا تتقدموها .

و قال النسابون : كل من ولده النضر بن كنانة قرشي و بين النضر و بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اثنا عشر أبا فإذا جعلنا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مركزا كان متصاعدا في درجة الآباء إلى النضر و منحدرا في الأبناء إلى المهدي (عليه السلام) لما ثبت من أن الخطوط الخارجة من المركز إلى المحيط متساوية فانظر بعين الاعتبار إلى أدوار الأقدار كيف جرت بإظهار هذه الأسرار من حجب الأستار بأنوار مشكاة الأفكار و في هذا المقدار غنية و بلاغ لذوي الاستبصار . هذا آخر كلام كمال الدين ملخصا.

و أنا أقول : إن الذي ذكره لا يكون دليلا يعول عليه في إثبات المطلوب و لا حجة يستند إليها ممن يريد إظهار الحق من أستار الغيوب و لا يدفع نزاع من جرى في الخلاف و الشقاق على أسلوب فإنه مستند إلى استخراج ما في القرائح و الأذهان و معول فيه على مطابقة عدد لعدد و أين ذلك و البرهان فإنه لو قال قائل إن كل واحد من السماء و الأرض و النجوم المتحيرة و الأيام و البحار و الأقاليم سبعة سبعة فيجب أن يكون الأئمة سبعة لم يكن القائل الأول أولى أن نسلم إليه و نصدقه من الثاني و لكن الاعتماد في أمثال هذه الأمور على النقل إما عن النبي أو عن الأئمة (عليهم السلام) فإن العقل و إن اقتضى أنه لا بد من قائم بأمور الناس و مصالحهم هاد لهم إلى طرق الخيرات مهتم بإقامة الحدود و استيفاء الأموال و تفريقها في وجوهها حافظ لنظام العالم إلى غير ذلك من المصالح فإنه لا يقتضي تعيين عدة معلومة و لا انحصارها في عدد دون عدد و إنما يعرف ذلك بصريح النقل أو بتأويل إن وقع ما يحتاج إلى التأويل .

و الذي عندي في ذلك ما نقلته من الجمع بين الصحيحين جمع الحافظ أبي عبد الله محمد بن أبي نصر بن عبد الله الحميدي المتفق عليه عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول يكون من بعدي اثنا عشر أميرا فقال كلمة لم أسمعها فقال لي أبي إنه قال كلهم من قريش ... كذا في حديث شعبة .

و في حديث ابن عيينة قال : لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا ثم تكلم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بكلمة خفيت

[57]

علي فسألت أبي ما ذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال قال كلهم من قريش .

و في رواية مسلم من حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص قال كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع أخبرني بشي‏ء سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكتب إلي : سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم جمعة عشية رجم الأسلمي قال ; لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش .

و عن عامر الشعبي عن جابر بن سمرة قال انطلقت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و معي أبي فسمعته يقول : لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا إلى اثني عشر خليفة فقال كلمة فقلت لأبي ما قال ?

قال : كلهم من قريش .

و مثله عن حصين بن عبد الرحمن عن جابر قال : دخلت مع أبي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ; إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة ثم تكلم بكلام خفي علي فقلت لأبي ما قال ?

قال : كلهم من قريش .

و في حديث سماك بن حرب عن جابر بن سمرة عنه (عليه السلام) : لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة . ... ثم ذكر مثله .

و نقلت من مسند أحمد بن حنبل عن مسروق قال : كنا مع عبد الله جلوسا في المسجد يقرئنا فأتاه رجل فقال يا ابن مسعود هل حدثكم نبيكم كم يكون من بعده خليفة قال نعم كعدة نقباء بني إسرائيل .

نقلته من المجلد الثالث من مسند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .

و نحن نطالبهم بعد نقل هذه الأخبار بتعيين هؤلاء الاثني عشر فلا بد لهم من أحد أمرين إما تعيين هذه العدة في غير الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) و لا يمكنهم ذلك لأن ولاة هذا الأمر من الصحابة و بني أمية و بني العباس يزيدون على الخمسين و إما أن يقروا و يسلموا أن الأخبار الواردة في هذا الكتاب واهية ضعيفة غير مصححة و لا يحل أن يعتمد عليها فنحن نرضى منهم بذلك و نشكرهم عليه لما يترتب لنا عليه من المصالح الغزيرة و الفوائد الكثيرة أو يلتزموا بالقسم الثالث و هو الإقرار بالأئمة الاثني عشر لانحصار ذلك في هذه الأقسام .

و هذا الإلزام يلزم الزيدية كما يلزمهم و هذا إلزام لا محيص لهم عنه متى استعملوا الإنصاف و سلكوا

[58]

طريق الحق و عدلوا عن سنن المكابرة و المباهتة و تركوا بنيات الطريق و قد خلصنا نحن من هذه العهدة فإن الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) قد تعينوا عندنا بنصوص واضحة جلية لا شك فيها و لا لبس و لم نحتج في الإقرار بهم (عليهم السلام) و الاعتراف بإمامتهم إلى استنباط ذلك من كتبهم و إنما أوردنا من ذلك ما أوردناه ليكون حجة عليهم و لا يقدح في مرادنا كونهم (عليهم السلام) منعوا الخلافة و عزلوا عن المنصب الذي اختارهم الله له و استبد به دونهم إذ لم يقدح في نبوة الأنبياء (عليهم السلام) تكذيب من كذبهم و لا وقع الشك فيهم لانحراف من انحرف عنهم و لا شوه وجوه محاسنهم تقبيح من قبحها و لا نقص شرفهم خلاف من عاندهم و نصب لهم العداوة و جاهرهم بالعصيان .

و قد قال علي (عليه السلام) و ما على المؤمن من غضاضة في أن يكون مظلوما ما لم يكن شاكا في دينه و لا مرتابا بيقينه .

و قال عمار بن ياسر رضي الله عنه في أيام صفين و الله لو ضربونا حتى يبلغونا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق و أنهم على الباطل و هذا واضح لمن تأمله.

فأما النص فكما قال الشيخ كمال الدين و هو أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نصها في علي (عليه السلام) كما سنذكره في بابه عند وصولنا إليه من طرقنا و طرقهم و أما العدة و تعيينها فإن صدقهم (عليهم السلام) و عصمتهم ثابتة في كتب أصولنا و هم أخبرونا بولاية كل واحد واحد منهم (عليهم السلام) و أخبرونا بالإمام الثاني عشر و اسمه و صفته و اسم أبيه و حال غيبته و أمر ظهوره و صح ذلك عندنا و ثبت ثبوتا لم نحتج معه إلى غيرنا و إنما نذكر ذلك من أقوالهم ليكون حجة عليهم و بسط هذا القول و مفصل هذه الجملة يرد في أخبار مولانا الخلف الصالح صاحب الأمر صلى الله عليه و على آله الطاهرين .

[59]

next page

fehrest page

back page