في شجاعته و نجدته و تورطه المهالك في الله و رسوله و شراء نفسه ابتغاء مرضاة الله تعالى
قال الخوارزمي في
مناقبه يرفعه إلى ابن عباس , قال : كان جالسا إذ أتاه تسعة رهط فقالوا يا ابن عباس إما
أن تقوم معنا أو تخلو بنا فقال بل أقوم معكم و كان إذ ذاك صحيحا قبل أن يعمى
فتحدثوا فلا ندري ما قالوا فجاء ينفض ثوبه و يقول أف و تف وقعوا في رجل له بضع
عشرة فضيلة ليست لأحد غيره وقعوا في رجل قال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبعثن رجلا لا يخزيه الله
أبدا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله فاستشرف لها مستشرف فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) أين علي
الحديث إلى آخره و قد تقدم و بعث أبا بكر بسورة التوبة فبعث عليا خلفه فأخذها منه
و قال لا
[178]
يذهب بها إلا رجل هو مني و أنا منه و قد تقدم و
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لبني عمه أيكم يواليني في الدنيا و الآخرة يقولها مرتين أو ثلاثا و هم
سكوت و علي يقول أنا فقال لعلي أنت وليي في الدنيا و الآخرة و قد تقدم أيضا قال
ابن عباس و كان علي أول من آمن من الناس بعد خديجة (عليه السلام) و قد ذكر قال و وضع ثوبه على
علي و فاطمة و الحسن و الحسين و قال إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ
الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً قال ابن عباس و شرى علي ع
نفسه فلبس ثوب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم نام مكانه فجاء أبو بكر و هو يظنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له
إن نبي الله قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار قال و
بات علي يرمى بالحجارة كما كان يرمى نبي الله و هو يتضور و قد لف رأسه بالثوب لا
يخرجه حتى أصبح ثم كشف رأسه فقالوا إنك لئيم كان صاحبك لا يتضور و نحن نرميه و أنت
تتضور و قد استنكرنا ذلك قال ابن عباس و خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة تبوك فقال علي
أخرج معك فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لا فبكى علي فقال له أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى
إلا أنه ليس بعدي نبي لا ينبغي أن أذهب إلا و أنت خليفتي قال و قال له أنت ولي كل
مؤمن بعدي و مؤمنة قال ابن عباس و سد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبواب المسجد غير باب علي و كان
يدخل المسجد جنبا و هو طريقه ليس له طريق غيره قال و قال من كنت مولاه فإن مولاه
علي .
و هذا الحديث بطوله ذكر آنفا و ذكره في غير هذا الباب أنسب و لكن جرى
القلم.
و أما شجاعة أمير المؤمنين و بأسه و مصادمته الأقران و مراسه و ثبات جأشه
حيث تزلزل الأقدام و شدة صبره حين تطير فراخ الهام و سطوته و قلوب الشجعان
[179]
واجفة و استقراره و أقدام الأبطال راجفة و نجدته عند
انخلاع القلوب من الصدر و بسالته و رحى الحرب تدور و الدماء تفور و نجوم الأسنة
تطلع و تغور و حماسته و الموت قد كسر عن نابه و سماحته بنفسه و الجبان قد انقلب
على أعقابه و كشفه الكرب عن وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد فر من فر من أصحابه و بذله روحه
العزيزة رجاء ما أعد الله من ثوابه فهي أمر قد اشتهر و حال قد بان و ظهر و شاع
فعرفه من بقي و من غبر و تضمنته الأخبار و السير فاستوى في العلم به البعيد و
القريب و اتفق على الإقرار به البغيض و الحبيب و صدق به عند ذكره الأجنبي و النسيب
فارس الإسلام و أسده و باني ركن الإيمان و مشيده طلاع الأنجد و الأغوار مفرق جموع
الكفار حاصد خضرائهم بذي الفقار و مخرجهم من ديارهم إلى المفاوز و القفار مضيف
الطير و السباع يوم الملحمة و القراع سيف الله الماضي و نائبه المتقاضي و آيته
الواضحة و بينته اللائحة و حجته الصادعة و رحمته الجامعة و نعمته الواسعة و نقمته
الوازعة قد شهدت بدر بمقامه و كانت حنين من بعض أيامه و سل أحدا عن فعل قناته و
حسامه و يوم خيبر إذ فتح الله على يديه و الخندق إذ خر عمرو لفمه و يديه و هذه جمل
لها تفصيل و بيان و مقامات رضي بها الرحمن و مواطن هدت الشرك و زلزلته و حملته على
حكم الصغار و أنزلته و مواقف كان فيها جبرئيل يساعده و ميكائيل يوازره و يعاضده و
الله يمده بعناياته و الرسول يتبعه بصالح دعواته و قلب الإسلام يرجف عليه و أمداد
التأييد تصل إليه .
نقلت من مسند أحمد بن حنبل (رهـ) عن هبيرة قال خطبنا الحسن بن علي (عليه السلام) فقال : لقد
فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأولون بعلم و لم يدركه الآخرون بعمل كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) يبعثه بالراية جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن شماله لا ينصرف حتى يفتح له .
و من حديث آخر من
المسند بمعناه و في آخره : و ما ترك من صفراء و لا بيضاء إلا سبعمائة درهم من عطائه
كان يرصدها لخادم لأهله و في رواية من غير المسند إلا ثلاثمائة درهم بمعناه .
[180]
و نقل الواحدي في أسباب نزول قوله تعالى ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ
تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ أن مولاة لعمرو بن صيفي بن هاشم بن عبد مناف
قدمت من مكة إلى المدينة و رسول الله يتجهز لقصد فتح مكة فلما حضرت عنده قال أ جئت
مسلمة قالت لا قال فما جاء بك قالت أنتم الأهل و العشيرة و الموالي و قد احتجت
حاجة عظيمة فحث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على صلتها و كسوتها فأعطوها و كسوها و انصرفت فنزل جبرئيل
فأخبره أن حاطب بن أبي بلتعة قد كتب إلى أهل مكة يحذرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أنه دفع
الكتاب إلى المذكورة و أعطاها عشرة دنانير لتوصل الكتاب إلى أهل مكة فاختار عليا و
بعث معه الزبير و المقداد و قال انطلقوا إلى روضة خاخ فإن بها ظعينة و معها كتاب
من حاطب إلى المشركين فخذوه منها و خلوا سبيلها فإن لم تدفعه إليكم فاضربوا عنقها
فخرجوا و أدركوها في المكان فطلبوا الكتاب فأنكرته و حلفت ففتشوا متاعها فلم يجدوا
كتابا فهموا بتركها و الرجوع فقال علي (عليه السلام) و الله ما كذبنا و سل سيفه و جزم عليها و
قال أخرجي الكتاب و إلا جرتك و ضربت عنقك و صمم على ذلك فلما رأت الجد أخرجته من
ذؤابتها فأخذه و خلى سبيلها و عادوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاستخرجه علي بقوة عزمه و
تصميم إقدامه و جزمه .
و نقل الواحدي في كتابه هذا : أن عليا و العباس و طلحة بن شيبة افتخروا فقال
طلحة أنا صاحب البيت بيدي مفتاحه و قال العباس أنا صاحب السقاية و القائم عليها و
قال علي (عليه السلام) ما أدري ما تقولان لقد صليت ستة أشهر قبل الناس و أنا صاحب الجهاد فأنزل
الله تعالى أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ
كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ جاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا
يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ إلى أن
[181]
قال الَّذِينَ آمَنُوا
وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ
أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ إلى قوله أَجْرٌ
عَظِيمٌ .
فصدق الله عليا في دعواه و شهد له بالإيمان و المهاجرة و الجهاد و
زكاه و رفع قدره بما أنزل فيه و أعلاه و كم له من المزايا التي لم يبلغها أحد سواه .
فأما مواقف جهاده و مواطن جده و اجتهاده و مقامات جداله
بألسنة الأسنة و جلاده فمنها ما كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و منها ما تولاه على انفراده
فمن ذلك ما كان على رأس ثمانية عشر شهرا من قدومه المدينة و عمره إذ ذاك سبعة و
عشرون سنة .