غزوة بدر
التي هدت قوى الشرك و قذفت طواغيته في قليب الهلك و بينت الفرق بين
الحق و الإفك و دوخت مردة الكفار و سقتهم كاسات الدمار و البوار و نقلتهم من
القليب إلى النار فيومها اليوم الذي لم يأت الدهر بمثله و فضل الله فيه من أحسن
فضله أنزل الله فيه الملائكة لنصر رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) تفضيلا له على جميع رسله و خصه فيه من
إعلاء قدره بما لم ينله أحد من قبله و غادر صناديد قريش فرائس أسره و قتله و جزر
شبا سنانه و حد نصله و جبرئيل ينادي أقدم حيزوم لإظهار دينه على الدين كله و علي
فارس تلك الملحمة فما تعد الأسد الغضاب بشسع نعله و مسعر تلك الحرب العوان ينصب
على الأعداء انصباب السحاب و وبله و نار سطوته و بأسه تتسعر تسعر النار في دقيق
الغضا و جزله.
قال الواقدي في كتاب المغازي : جميع من يحصى قتله من المشركين ببدر
تسعة و أربعون رجلا منهم من قتله علي و شرك في قتله اثنان و عشرون رجلا شرك
[182]
في أربعة و قتل بانفراده ثمانية عشر و قيل إنه قتل
بانفراده تسعة بغير خلاف و هم الوليد بن عتبة بن ربيعة خال معاوية قتله مبارزة و
العاص بن سعيد بن العاص بن أمية و عامر بن عبد الله و نوفل بن خويلد بن أسد و كان
من شياطين قريش و مسعود بن أبي أمية بن المغيرة و قيس بن الفاكه و عبد الله بن
المنذر بن أبي دفاعة و العاص بن منبه بن الحجاج و حاجب بن السائب و أما الذين
شاركه في قتلهم غيره فهم حنظلة بن أبي سفيان أخو معاوية و عبيدة بن الحارث و زمعة
و عقيل ابنا الأسود بن المطلب و أما الذين اختلف الناقلون في أنه (عليه السلام) قتلهم أو غيره
فهم طعيمة بن عدي و عمير بن عثمان بن عمرو و حرملة بن عمرو و أبو قيس بن الوليد بن
المغيرة و أبو العباس بن قيس و أوس الجمحي و عقبة بن أبي معيط صبرا و معاوية بن
عامر فهذه عدة من قيل إنه قتلهم (عليه السلام) في هذه الرواية غير النضر بن الحارث فإنه قتله
صبرا بعد القفول من بدر هذا من طرق الجمهور.
فأما المفيد فقد ذكر في كتابه الإرشاد
قال :
فصل : فمن ذلك ما كان منه (عليه السلام) في غزوة بدر المذكورة في القرآن و هي أول حرب كان به
الامتحان و ملأت رهبتها صدور المعدودين من المسلمين في الشجعان و راموا التأخر عنه
لخوفهم منها و كراهتهم لها على ما جاء بمحكم الذكر في البيان حيث يقول جل اسمه
فيما قص من نبئهم على الشرح له و البيان كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ
بِالْحَقِّ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ يُجادِلُونَكَ فِي
الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَ هُمْ
يَنْظُرُونَ في الآي المتصل بذلك إلى قوله عز اسمه وَ لا
[183]
تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَ رِئاءَ النَّاسِ وَ
يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ .
و كان من جملة خبر هذه الغزاة أن المشركين حضروا بدرا مصرين على
القتال مستظهرين بكثرة الأموال و العدد و الرجال و المسلمون إذ ذاك نفر قليل عددهم
و منهم من حضر كارها فتحدتهم قريش بالبراز و دعتهم إلى المصافة و النزال و اقترحت
الأكفاء و تطاولت الأبصار لمبارزتهم فمنعهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال لهم إن القوم دعوا
الأكفاء منهم ثم أمر عليا بالبروز إليهم و دعا حمزة بن عبد المطلب و عبيدة بن
الحارث رحمهما الله تعالى و أمرهما أن يبرزا معه فلما اصطفوا لم يثبتهم القوم
لأنهم كانوا قد تغفروا فسألوهم من أنتم فانتسبوا لهم فقالوا أكفاء كرام و نشبت
الحرب بينهم و بارز الوليد أمير المؤمنين (عليه السلام) فلم يلبثه أن قتله و بارز عتبة حمزة
رضي الله عنه فقتله حمزة و بارز شيبة عبيدة فاختلف بينهما ضربتان قطعت إحداهما فخذ
عبيدة فاستنقذه أمير المؤمنين (عليه السلام) بضربة بدر بها شيبة فقتله و شركه في ذلك حمزة.
فكان قتل هؤلاء الثلاثة أول وهن لحق المشركين و ذل دخل عليهم ثم بارز أمير
المؤمنين (عليه السلام) العاص بن سعيد بن العاص بعد أن أحجم عنه الناس فقتله و برز إليه حنظلة
بن أبي سفيان فقتله و طعيمة بن عدي فقتله و قتل بعده نوفل بن خويلد و كان من
شياطين قريش و لم يزل (عليه السلام) يقتل واحدا بعد واحد حتى أتى على شطر المقتولين منهم و
كانوا سبعين قتيلا تولى المسلمون كافة و الملائكة قتل الشطر الأول و تولى أمير
المؤمنين الشطر الثاني وحده بمعونة الله إياه و توفيقه له و كان الفتح له و بيديه
و ختم الأمر بأن رماهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بكف من الحصاة و قال شاهت الوجوه فانهزموا جميعا و
ولوا الدبر و كفى الله المؤمنين القتال بأمير المؤمنين (عليه السلام) و شركائه في نصرة الدين
من خاصة آل الرسول (عليه السلام) و من أيدهم به من الملائكة الكرام و التحية و السلام .
[184]