next page

fehrest page

back page

غزوة أحد

كانت في شوال و لم يبلغ أمير المؤمنين من عمره تسعا و عشرين سنة و سببها أن قريشا لما كسروا يوم بدر و قتل بعضهم و أسر بعضهم حزنوا لقتل رؤسائهم فتجمعوا و بذلوا أموالا و استمالوا جمعا من الأحابيش و غيرهم ليقصدوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) بالمدينة لاستئصال المؤمنين و تولى كسر ذلك أبو سفيان بن حرب فحشد و حشر و قصد المدينة فخرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمسلمين فكانت غزوة أحد و نفق النفاق بين جماعة من الذين خرجوا مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فتعاملوا به و أنساهم القضاء المبرم سوء العاقبة و المال فرجع قريب من ثلثهم إلى المدينة و بقي (صلى الله عليه وآله وسلم) في سبعمائة من المسلمين

[188]

و هذه القصة قد ذكرها الله تعالى في سورة آل عمران في قوله تعالى وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ... إلى آخر ستين آية و اشتدت الحرب و دارت رحاها و اضطرب المسلمون و استشهد حمزة رضي الله عنه و جماعة من المسلمين و قتل من مقاتلة المشركين اثنان و عشرون قتيلا.

نقل أرباب المغازي : أن عليا قتل منهم سبعة طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزى و عبد الله بن جميل من بني عبد الدار و أبا الحكم بن الأخنس و أبا سباع بن عبد العزى و أبا أمية بن المغيرة و هؤلاء الخمسة متفق على أنه (عليه السلام) قتلهم و أبا سعد طلحة بن طلحة و غلاما حبشيا لبني عبد الدار قيل استقل بقتلهما و قيل قتلهما غيره و عاد أبو سفيان بمن معه من المشركين طالبين مكة .

و دخل النبي المدينة فدفع سيفه ذا الفقار إلى فاطمة (عليها السلام) فقال اغسلي عن هذا دمه يا بنية فو الله لقد صدقني اليوم و ناولها علي سيفه و قال لها كذلك .

قال الواقدي في كتاب المغازي : إنه لما فر الناس يوم أحد ما زال النبي ص شبرا واحدا يرمي مرة عن قوسه و مرة بالحجارة و صبر معه أربعة عشر رجلا سبعة من المهاجرين و سبعة من الأنصار أبو بكر و عبد الرحمن بن عوف و علي بن أبي طالب و سعد بن أبي وقاص و طلحة بن عبيد الله و أبو عبيدة بن الجراح و زبير بن العوام و من الأنصار الحباب بن المنذر و أبو دجانة و عاصم بن ثابت و الحارث بن الصمة و سهل بن حنيف و أسيد بن حضير و سعد بن معاذ و يقال ثبت سعد بن عبادة و محمد بن مسلمة فيجعلونهما مكان أسيد بن حضير و سعد بن معاذ و بايعه يومئذ ثمانية على الموت ثلاثة من المهاجرين و خمسة من الأنصار علي (عليه السلام) و الزبير و طلحة و أبو دجانة و الحارث بن الصمة و حباب بن المنذر و عاصم بن ثابت و سهل بن حنيف فلم يقتل منهم أحد.

و أصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته قال فجئت إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن تحتي امرأة شابة جميلة أحبها و تحبني و أنا أخشى أن تقذر مكان عيني فأخذها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فردها فأبصرت و عادت كما كانت لم

[189]

تؤلمه ساعة من ليل أو نهار فكان يقول بعد أن أسن هي أقوى عيني و كانت أحسنهما.

و باشر النبي القتال بنفسه و رمى حتى فنيت نبله و أصاب شفته و رباعيته عتبة بن أبي وقاص و وقع (صلى الله عليه وآله وسلم) في حفرة و ضربه ابن قميئة فلم يصنع سيفه شيئا إلا وهن الضربة بثقل السيف و انتهض و طلحة يحمله من ورائه و علي آخذ بيده حتى استوى قائما.

و عن أبي بشير المازني قال : حضرت يوم أحد و أنا غلام فرأيت ابن قميئة علا رسول الله بالسيف فوقع على ركبتيه في حفرة أمامه حتى توارى فجعلت أصيح و أنا غلام حتى رأيت الناس ثابوا إليه و يقال الذي شجه في جبهته ابن شهاب و الذي أشظى رباعيته و أدمى شفته عتبة بن أبي وقاص و الذي دمي وجنتيه حتى غاب الحلق في وجنته ابن قميئة و سال الدم من جبهته حتى اخضلت لحيته و كان سالم مولى أبي حذيفة يغسل الدم عن وجهه و هو يقول كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم و هو يدعوهم إلى الله فأنزل الله لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ‏ءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ... الآية.

و ذكر أحمد بن حنبل (رهـ) في مسنده عن أبي حازم عن سهل بأي شي‏ء دووي جرح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : كان علي يجي‏ء بالماء في ترسه و فاطمة تغسل الدم عن وجهه و أخذ حصيرا فأحرق و حشى به جرحه و رأى سيف علي مختضبا و قال إن كنت أحسنت القتال فقد أحسن عاصم بن ثابت و الحارث بن الصمة و سهل بن حنيف و سيف أبي دجانة غير مذموم قال علي لقد رأيتني يومئذ و إني

[190]

لأذبهم في ناحية و إن أبا دجانة في ناحية يذب طائفة منهم و إن سعد بن أبي وقاص يذب طائفة منهم حتى فرج الله ذلك كله و لقد رأيتني و انفردت يومئذ منهم فرقة خشناء فيها عكرمة بن أبي جهل فدخلت وسطهم بالسيف فضربت به و اشتملوا علي حتى أفضيت إلى آخرهم ثم كررت فيهم الثانية حتى رجعت من حيث جئت و لكن الأجل استأخر و يقضي الله أمرا كان مفعولا.

و خرج عبد الرحمن بن أبي بكر على فرس فقال من يبارز أنا عبد الرحمن بن عتيق فنهض أبو بكر و شهر سيفه و قال يا رسول الله أبارزه فقال رسول الله ص شم سيفك و ارجع إلى مكانك و متعنا بنفسك قال و كان عثمان من الذين تولى يوم التقى الجمعان و قال ابن أبي نجيح نادى في ذلك اليوم مناد لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علي .

قيل و سئل (عليه السلام) على منبر الكوفة عن قوله تعالى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ فقال اللهم غفرا هذه الآية نزلت في و في عمي حمزة و في ابن عمي عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب فأما عبيدة فقضى نحبه شهيدا يوم بدر و أما عمي حمزة فإنه قضى نحبه شهيدا يوم أحد و أما أنا فأنتظر أشقاها يخضب هذه من هذه و أومأ بيده إلى لحيته و رأسه عهد عهده إلي حبيبي أبو القاسم (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و قال الشيخ المفيد في الإرشاد : ثم تلت بدرا غزوة أحد فكانت راية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيد أمير المؤمنين كما كانت يوم بدر و كان الفتح له أيضا في هذه الغزوة و خص بحسن البلاء فيها و الصبر و ثبوت القدم عند ما زلت الأقدام و كان له من العناء ما لم يكن لسواه من أهل الإسلام و قتل الله بسيفه رءوس أهل الشرك و الضلال و فرج الله به الكرب عن نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) و خطب بفضله جبرئيل (عليه السلام) في ملائكة الأرض و السماء و أبان نبي الهدى من اختصاصه به ما كان مستورا

[191]

عن عامة الناس.

فمن ذلك ما حدث ابن البختري القرشي قال كانت راية قريش و لواؤها جميعا بيد قصي بن كلاب ثم لم تزل الراية في يد ولد عبد المطلب تحملها من حضر الحرب حتى بعث الله رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم ) فصارت راية قريش و غير ذلك إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

فأقرها في بني هاشم و أعطاها علي بن أبي طالب (عليه السلام) في غزوة ودان و هي أول غزوة حملت فيها راية في الإسلام ثم لم تزل معه في المشاهد ببدر و هي البطشة الكبرى و في يوم أحد و كان اللواء يومئذ في بني عبد الدار فأعطاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مصعب بن عمير و استشهد فوقع من يده فتشوفته القبائل فأخذه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فدفعه إلى علي بن أبي طالب و جمع له بين الراية و اللواء .

و روى المفضل بن عبد الله عن سماك عن عكرمة عن عبد الله بن عباس قال : لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) أربع ما هن لأحد هو أول عربي و عجمي صلى مع رسول الله و هو صاحب لوائه في كل زحف و هو الذي ثبت معه يوم المهراس يعني يوم أحد و فر الناس و هو الذي أدخله قبره .

و عن زيد بن وهب قال : وجدنا عبد الله بن مسعود يوما طيب النفس فقلنا لو حدثتنا عن يوم أحد و كيف كان فقال أجل ثم ساق الحديث حتى انتهى إلى ذكر الحرب فقال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اخرجوا إليهم على اسم الله تعالى فخرجنا فصففنا صفا طويلا و أقام على الشعب خمسين رجلا من الأنصار و أمر عليهم رجلا منهم و قال لا تبرحوا مكانكم هذا و إن قتلنا عن آخرنا فإنما نؤتى من موضعكم و أقام أبو سفيان بن حرب بإزائهم خالد بن الوليد و كانت ألوية قريش في بني عبد

[192]

الدار و كان لواء المشركين مع طلحة بن أبي طلحة و كان يدعى كبش الكتيبة قال و دفع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لواء المهاجرين إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) و جاء حتى قام تحت لواء الأنصار قال فجاء أبو سفيان إلى أصحاب اللواء فقال يا أصحاب الألوية إنكم تعلمون إنما يؤتى القوم من قبل ألويتهم كما أوتيتم يوم بدر من قبل الألوية فإن ضعفتم عنها فادفعوها إلينا نكفكم أمرها فغضب طلحة بن أبي طلحة فقال أ لنا تقول هذا و الله لأوردنكم بها اليوم حياض الموت فلقي طلحة عليا و تقاربا و اختلف بينهما ضربتان فضربه علي على مقدم رأسه فبدرت عينه و صاح صيحة عظيمة و سقط اللواء من يده فأخذه مصعب أخوه فرماه عاصم بن ثابت فقتله ثم أخذه أخوه عثمان فرماه عاصم أيضا فقتله فأخذه عبد لهم اسمه صواب و كان من أشد الناس فضرب علي يده فقطعها فأخذه بيده اليسرى فضربه فقطعها فأخذ اللواء على صدره و جمع عليه يديه و هما مقطوعتان فضربه علي (عليه السلام) على أم رأسه و سقط سريعا و انهزم القوم و أكب المسلمون على الغنائم و رأى أصحاب الشعب الناس يغنمون فخافوا فوت الغنيمة فاستأذنوا رئيسهم عبد الله بن عمر بن حرام في أخذ الغنائم فقال إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بي أن لا أبرح من موضعي فقالوا إنه قال ذلك و هو لا يدري أن الأمر يبلغ ما ترى و مالوا إلى الغنائم و تركوه و لم يبرح هو من موضعه .

فحمل عليه خالد بن الوليد فقتله و جاء من ظهر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فنظر إلى النبي ص قد حف به أصحابه فقال لمن معه دونكم و هذا الذي تطلبون فحملوا حملة رجل واحد ضربا بالسيوف و طعنا بالرماح و رميا بالنبال و رضخا بالحجارة و جعل أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقاتلون عنه حتى قتل منهم سبعون رجلا و ثبت أمير المؤمنين و أبو دجانة و سهل بن حنيف للقوم يدفعون عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ففتح عينيه و كان قد أغمي عليه فنظر إلى علي (عليه السلام) فقال يا علي ما فعل الناس قال نقضوا العهد و ولوا الدبر فقال فاكفني هؤلاء الذين قصدوا نحوي فحمل عليهم فكشفهم ثم عاد إليه و قد قصدوه من جهة أخرى فكر عليهم فكشفهم و أبو دجانة

[193]

و سهل بن حنيف قائمان على رأسه و سيوفهما بأيديهما يذبان عنه و ثاب من المنهزمين أربعة عشر رجلا منهم طلحة بن عبيد الله و عاصم بن ثابت و صعد الباقون الجبل و صاح صائح بالمدينة قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) فانخلعت القلوب لذلك و تحير المنهزمون فأخذوا يمينا و شمالا و جعلت هند بنت عتبة لوحشي جعلا على أن يقتل رسول الله أو عليا أو حمزة فقال أما محمد فلا حيلة فيه لأن أصحابه يطيفون به و أما علي فإنه إذا قاتل كان أحذر من الذئب و أما حمزة فإني أطمع فيه لأنه إذا غضب لم يبصر ما بين يديه و كان حمزة يومئذ قد أعلم بريشة نعامة فكمن له وحشي في أصل شجرة فرآه حمزة فبدر إليه بالسيف و ضربه فأخطأه قال وحشي فهززت الحربة حتى إذا تمكنت منه رميته فأصبته في أربيته فأنفذته و تركته حتى إذا برد صرت إليه و أخذت حربتي و شغل المسلمون عني و عنه بالهزيمة و جاءت هند فأمرت بشق بطنه و قطع كبده و التمثيل به فجذعوا أنفه و أذنيه أنشدني بعض الأصحاب و لم يسم قائلا :

و لا عار للأشراف إن ظفرت بها *** كلاب الأعادي من فصيح و أعجم

‏فحربة وحشي سقت حمزة الردى *** و حتف علي من حسام ابن ملجم

هذا و رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مشغول عنه لا يعلم حاله .

قال الراوي زيد بن وهب : قلت لابن مسعود انهزم الناس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى لم يبق معه إلا علي و أبو دجانة و سهل قال انهزم الناس إلا علي وحده و ثاب إلى رسول الله نفر كان أولهم عاصم بن ثابت و أبو دجانة و سهل بن حنيف و لحقهم طلحة بن عبيد الله فقلت له فأين كان أبو بكر و عمر قال كانا فيمن تنحى فقلت فأين كان عثمان قال جاء بعد ثلاثة من الوقعة فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لقد ذهبت فيها عريضة قلت فأين كنت أنت قال فيمن تنحى قلت فمن حدثك بهذا

[194]

قال عاصم بن ثابت و سهل بن حنيف : قلت إن ثبوت علي في ذلك المقام لعجب .

قال : إن تعجب منه فقد تعجبت الملائكة ; أ ما علمت أن جبرئيل قال في ذلك اليوم و هو يعرج إلى السماء : لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علي .

فقلنا : و من أين علم أن جبرئيل قال ذلك ?

فقال : سمع الناس النداء بذلك ; و أخبرهم به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و في حديث عمران بن حصين قال : لما تفرق الناس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جاء علي متقلدا بسيفه حتى قام بين يديه فرفع رأسه إليه و قال ما لك لم تفر مع الناس فقال يا رسول الله أرجع كافرا بعد إسلامي فأشار إلى قوم انحدروا من الجبل فحمل عليهم فهزمهم فجاء جبرئيل و قال يا رسول الله قد عجبت الملائكة من حسن مواساة علي لك بنفسه فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يمنعه من ذلك و هو مني و أنا منه فقال جبرئيل و أنا منكما .

و عن ابن عباس قال : خرج طلحة بن أبي طلحة يومئذ و قال يا أصحاب محمد أنتم تزعمون أن الله يعجلنا بسيوفكم إلى النار و يعجلكم بسيوفنا إلى الجنة فأيكم يبرز إلي فبرز إليه علي (عليه السلام) و قال و الله لا أفارقك اليوم حتى أعجلك بسيفي إلى النار فاختلفا ضربتين فضربه علي (عليه السلام) على رجليه فقطعهما و سقط و قال أنشدك الله و الرحم يا ابن عم فانصرف إلى موقفه فقال له المسلمون أ لا أجهزت عليه فقال إنه ناشدني و لن يعيش بعدها فمات من ساعته و بشر النبي بذلك فسر به .

و روي : عن عكرمة قال : سمعت عليا (عليه السلام) يقول لما انهزم الناس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم أحد لحقني من الجزع عليه ما لم أملك نفسي و كنت أمامه أضرب بسيفي بين يديه فرجعت أطلبه فلم أره فقلت ما كان رسول الله ليفر و ما رأيته في القتلى و أظنه رفع من بيننا إلى السماء فكسرت جفن سيفي و قلت لأقاتلن به حتى أقتل و حملت على القوم فأفرجوا فإذا أنا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد وقع مغشيا عليه فنظر إلي و قال ما فعل الناس يا علي قلت كفروا يا رسول الله و ولوا الدبر و أسلموك فنظر إلى كتيبة قد أقبلت فقال ردهم عني فحملت عليهم أضربهم يمينا و شمالا

[195]

حتى فروا فقال أ ما تسمع مديحك في السماء إن ملكا اسمه رضوان ينادي لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علي فبكيت سرورا و حمدت الله على نعمته .

و هذه المناداة بهذا قد نقلها الرواة و تداولها الأخباريون و لم ينفرد بها الشيعة بل وافقهم على ذلك الجماء الغفير .

و روي : عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) عن أبيه قال : كان أصحاب اللواء يوم أحد تسعة كلهم قتلهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن آخرهم و انهزم القوم و بارز الحكم بن الأخنس فضربه فقطع رجله من نصف الفخذ فهلك منها و أقبل أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة و هو دارع و هو يقول يوم بيوم بدر و عرض له رجل من المسلمين فقتله و صمد له علي (عليه السلام) فضربه على هامته فنشب السيف في بيضته و سيفه في درقة علي فنزعا سيفهما و تناوشا قال علي (عليه السلام) فنظرت إلى فتق تحت إبطه فضربته فيه بالسيف فقتلته قال علي (عليه السلام) لما انهزم الناس و ثبت قال ما لك لا تذهب مع القوم فقال (عليه السلام) أذهب و أدعك يا رسول الله و الله لا برحت حتى أقتل أو ينجز الله لك ما وعدك من النصر فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أبشر يا علي فإن الله منجز وعده و لن ينالوا منا مثلها أبدا ثم نظر إلى كتيبة قد أقبلت إليه فقال احمل على هؤلاء يا علي فحملت فقتلت منها هشام بن أبي أمية المخزومي و انهزموا و أقبلت كتيبة أخرى فقال احمل على هذه فحملت فقتلت منها عمرو بن عبد الله الجمحي و انهزمت أيضا و جاءت أخرى فحملت عليها و قتلت بشر بن مالك العامري و انهزمت فلم يعد بعدها أحد و تراجع المسلمون إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و انصرف المشركون إلى مكة و انصرف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة فاستقبلته فاطمة (عليها السلام) و معها إناء فيه ماء فغسل به وجهه و لحقه أمير المؤمنين (عليه السلام) و قد خضب الدم يده إلى كتفه و معه ذو الفقار فناوله فاطمة (عليها السلام) و قال خذي هذا السيف فقد صدقني اليوم و قال :

أ فاطم هاك السيف غير ذميم *** فلست برعديد و لا بمليم

[196]

أميطي دماء الكفر عنه فإنه *** سقى آل عبد الدار كاس حميم

‏لعمري لقد أعذرت في نصر أحمد *** و طاعة رب بالعباد عليم

و قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : خذيه يا فاطمة فقد أدى بعلك ما عليه و قد قتل الله صناديد قريش بيديه .

next page

fehrest page

back page