next page

fehrest page

back page

فصل

لما أنفذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خالد بن الوليد إلى جذيمة داعيا لهم إلى الإسلام و لم ينفذه محاربا فخالف أمره و نبذ عهده فقتل القوم و هم على الإسلام و أخفر ذمتهم و عمل في ذلك على حمية الجاهلية فشان فعاله الإسلام و نفر به عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من كان يدعوه إلى الإيمان و كاد أن يبطل بفعله نظام التدبير في الدين ففزع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في تلافي الفارط و إصلاح الفاسد و دفع المعرة عن الدين إلى أمير المؤمنين فأنفذه لعطف القوم و سل سخائمهم و الرفق بهم و تثبيتهم على الإيمان و أمره أن يدي القتلى و يرضي أولياءهم فبلغ أمير المؤمنين من ذلك مبلغ الرضا و زاد على الواجب فيما تبرع به عليهم من عطية ما كان فضل معه من الأموال و قال قد أعطيتكم دية ما عرفتم و زدتكم لتكون دية ما لم تعلموا أنتم و لا نحن ليرضى الله عن رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) و ترضون بفضله عليكم .

و قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد .

فتم بأمير المؤمنين (عليه السلام) الصلاح و انقطعت به مواد الفساد و شكر النبي فعله و هي معدودة من مناقبه

[220]

قلت هذه القصة من فعل خالد و براءة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من فعله و إنفاذ أمير المؤمنين (عليه السلام) لاستدراك الحال من الأمور المشهورة أوردها نقلة الأخبار من المخالف و المؤالف.

قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تاريخه : إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث خالدا حين بعث إلى ما حول مكة داعيا و لم يبعثه مقاتلا فوطئ بني جذيمة و كانوا في الجاهلية أصابوا عوف بن عبد عوف أبا عبد الرحمن بن عوف و الفاكه بن المغيرة و كانا أقبلا تاجرين من اليمن فنزلا بهم ثم قتلوهما و أخذوا أموالهما فلما جاء الإسلام و بعث النبي خالدا و رأوه حملوا السلاح فقال لهم خالد ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا فقال رجل منهم ويلكم إنه خالد و الله ما بعد وضع السلاح إلا الإسار و ما بعده إلا القتل و لا أضع سلاحي فقالوا إنه يريد أن يسفك دماءنا إن الناس قد أسلموا و وضع الحرب و أمن الناس و ما زالوا به حتى وضع سلاحه فأمر بهم خالد فكتفوا ثم عرضهم على السيف فقتل من قتل منهم .

فلما انتهى الخبر إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رفع يديه إلى السماء ثم قال : اللهم إني أبرأ إليك من فعل خالد و مما صنع خالد بن الوليد .

ثم دعا علي بن أبي طالب فقال يا علي انطلق إلى هؤلاء القوم و انظر في أمورهم و اجعل أمر الجاهلية تحت قدميك .

فخرج حتى جاءهم و معه مال قد بعثه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فرد إليهم الدماء و ما أصيب من الأموال حتى إنه ليدي ميلغة الكلب حتى إذا لم يبق لهم شي‏ء من دم أو مال إلا أداه بقيت معه بقية من المال فقال لهم هل بقي لكم شي‏ء من دم أو مال قالوا لا قال فإني أعطيكم هذه البقية احتياطا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مما لا نعلم و لا تعلمون ففعل و رجع إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره فقال .

أصبت و أحسنت ثم قام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاستقبل القبلة قائما شاهرا يديه حتى إنه

[221]

ليرى بياض ما تحت منكبيه و هو يقول : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ثلاث مرات .

next page

fehrest page

back page