next page

fehrest page

back page

أمر الخوارج

و انتشر أمر الخوارج و قاموا على سوقهم في مخالفة ملة الإسلام و اعتلوا بكلمة حق يراد بها باطل كما قال عليه أفضل الصلاة و السلام .

و اتبعوا أهواء نفوسهم فمرقوا من الدين مروق السهام .

فتجرد أمير المؤمنين لاستئصالهم بسيوف الانتقام و صدقهم الحملة بعزيمته التي لا تني دون إدراك القصد و نيل المرام.

و تلخيص حالهم كما أورده ابن طلحة رحمه الله و إن كانت هذه الوقائع مسطورة مبسوطة في كتب المؤرخين و الأخباريين أن عليا (عليه السلام) لما عاد من صفين إلى الكوفة بعد إقامة الحكمين أقام ينتظر انقضاء المدة التي بينه و بين معاوية ليرجع إلى المقاتلة و المحاربة إذ انخزلت طائفة من خاصة أصحابه في أربعة آلاف فارس و هم العباد و النساك فخرجوا من الكوفة و خالفوا عليا ع و قالوا لا حكم إلا لله و لا طاعة لمن عصى الله و انحاز إليهم نيف عن ثمانية آلاف ممن يرى رأيهم فصاروا اثني عشر ألفا و ساروا إلى أن نزلوا بحروراء و أمروا عليهم عبد الله بن الكواء فدعا علي (عليه السلام) عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فأرسله إليهم فحادثهم و أطال فلم يرتدعوا و قالوا ليخرج إلينا علي بنفسه لنسمع كلامه عسى أن يزول ما بأنفسنا إذا سمعناه فرجع ابن عباس فأخبره فركب في جماعة و مضى إليهم فركب ابن الكواء في جماعة منهم فواقفه .

فقال له علي (عليه السلام) يا ابن الكواء إن الكلام كثير فأبرز إلي من أصحابك لأكلمك فقال و أنا آمن من سيفك فقال نعم فخرج إليه في عشرة من أصحابه فقال له (عليه السلام) عن الحرب مع معاوية و ذكر له رفع المصاحف على الرماح و أمر الحكمين و قال أ لم أقل لكم إن أهل الشام يخدعونكم بها فإن الحرب قد عضتهم فذروني أناجزهم فأبيتم أ لم أرد أن أنصب ابن عمي حكما و قلت إنه لا ينخدع فأبيتم إلا أبا موسى الأشعري و قلتم رضينا به حكما فأجبتكم كارها و لو وجدت في ذلك الوقت أعوانا غيركم لما

[265]

أجبتكم و شرطت على الحكمين بحضوركم أن يحكما بما أنزل الله من فاتحته إلى خاتمته و السنة الجامعة و أنهما إن لم يفعلا فلا طاعة لهما علي كان ذلك أ و لم يكن قال ابن الكواء صدقت قد كان هذا كله فلم لا ترجع الآن إلى محاربة القوم فقال حتى تنقضي المدة التي بيننا و بينهم قال ابن الكواء و أنت مجمع على ذلك قال نعم و لا يسعني غيره فعاد ابن الكواء و العشرة الذين معه إلى أصحاب علي (عليه السلام) راجعين عن دين الخوارج و تفرق الباقون و هم يقولون لا حكم إلا لله .

و أمروا عليهم عبد الله بن وهب الراسبي و حرقوص بن زهير البجلي المعروف بذي الثدية و عسكروا بالنهروان و خرج علي فسار حتى بقي على فرسخين منهم و كاتبهم و راسلهم فلم يرتدعوا فأركب إليهم ابن عباس و قال سلهم ما الذي نقموا و أنا أردفك فلا تخف منهم فلما جاءهم ابن عباس قال ما الذي نقمتم من أمير المؤمنين قالوا نقمنا أشياء لو كان حاضرا لكفرناه بها و علي (عليه السلام) وراءه يسمع ذلك فقال ابن عباس يا أمير المؤمنين قد سمعت كلامهم و أنت أحق بالجواب. فتقدم و قال .

أيها الناس أنا علي بن أبي طالب فتكلموا بما نقمتم علي قالوا نقمنا عليك أولا أنا قاتلنا بين يديك بالبصرة فلما أظفرك الله بهم أبحتنا ما في عسكرهم و منعتنا النساء و الذرية فكيف حل لنا ما في العسكر و لم يحل لنا النساء فقال لهم علي (عليه السلام) يا هؤلاء إن أهل البصرة قاتلونا و بدءونا بالقتال فلما ظفرتم اقتسمتم سلب من قاتلكم و منعتكم من النساء و الذرية فإن النساء لم يقاتلن و الذرية ولدوا على الفطرة و لم ينكثوا و لا ذنب لهم و لقد رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من على المشركين فلا تعجبوا إن مننت على المسلمين فلم أسب نساءهم و لا ذريتهم.

و قالوا نقمنا عليك يوم صفين كونك محوت اسمك من إمرة المؤمنين فإذا لم تكن أميرنا فلا نطيعك و لست أميرا لنا فقال يا هؤلاء إنما اقتديت برسول

[266]

الله حين صالح سهيل بن عمرو و قد تقدمت قصته.

قالوا فإنا نقمنا عليك أنك قلت للحكمين انظرا كتاب الله فإن كنت أفضل من معاوية فأثبتاني في الخلافة فإذا كنت شاكا في نفسك فنحن فيك أشد و أعظم شكا فقال (عليه السلام) فإنما أردت بذلك النصفة فإني لو قلت احكما لي و ذرا معاوية لم يرض و لم يقبل و لو قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) لنصارى نجران لما قدموا عليه تعالوا حتى نبتهل و أجعل لعنة الله عليكم لم يرضوا و لكن أنصفهم من نفسه كما أمره الله تعالى فقال فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ فأنصفهم من نفسه فكذلك فعلت أنا و لم أعلم بما أراد عمرو بن العاص من خدعه أبا موسى.

قالوا فإنا نقمنا عليك أنك حكمت حكما في حق هو لك فقال إن رسول الله حكم سعد بن معاذ في بني قريظة و لو شاء لم يفعل و أنا اقتديت به فهل بقي عندكم شي‏ء فسكتوا و صاح جماعة منهم من كل ناحية التوبة التوبة يا أمير المؤمنين و استأمن إليه ثمانية آلاف و بقي على حربه أربعة آلاف فأمر (عليه السلام) المستأمنين بالاعتزال عنه في ذلك الوقت و تقدم بأصحابه حتى دنا منهم و تقدم عبد الله بن وهب و ذو الثدية حرقوص و قالا ما نريد بقتالنا إياك إلا وجه الله و الدار الآخرة فقال علي (عليه السلام) هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً .

ثم التحم القتال بين الفريقين و استعرت الحرب بلظاها و أسفرت عن زرقة صبحها و حمرة ضحاها فتجادلوا و تجالدوا بألسنة رماحها و حداد ظباها فحمل فارس من الخوارج يقال له الأخنس الطائي و كان شهد صفين مع علي (عليه السلام) فحمل و شق الصفوف يطلب عليا (عليه السلام) فبدره علي بضربة فقتله فحمل ذو الثدية ليضرب عليا فسبقه علي (عليه السلام) و ضربه ففلق البيضة و رأسه فحمله فرسه و هو لما به فألقاه في آخر المعركة في جرف دالية على شط النهروان.

[267]

و خرج من بعده ابن عمه مالك بن الوضاح و حمل على علي فضربه علي فقتله و تقدم عبد الله بن وهب الراسبي فصاح يا ابن أبي طالب و الله لا نبرح من هذه المعركة أو تأتي على أنفسنا أو نأتي على نفسك فابرز إلي و أبرز إليك و ذر الناس جانبا فلما سمع علي (عليه السلام) كلامه تبسم و قال قاتله الله من رجل ما أقل حياؤه أما إنه ليعلم أني حليف السيف و خدين الرمح و لكنه قد يئس من الحياة و إنه ليطمع طمعا كاذبا ثم حمل على علي (عليه السلام) فضربه علي و قتله و ألحقه بأصحابه القتلى و اختلطوا فلم يكن إلا ساعة حتى قتلوا بأجمعهم و كانوا أربعة آلاف.

فما أفلت منهم إلا تسعة أنفس رجلان هربا إلى خراسان إلى أرض سجستان و بها نسلهما و رجلان صارا إلى بلاد عمان و بها نسلهما و رجلان صارا إلى اليمن و بها نسلهما و هم الإباضية و رجلان صارا إلى بلاد الجزيرة إلى موضع يعرف بالسن و البوازيج و إلى شاطئ الفرات و صار آخر إلى تل موزن.

و غنم أصحاب علي (عليه السلام) غنائم كثيرة و قتل من أصحاب علي (عليه السلام) تسعة بعدد من سلم من الخوارج و هي من جملة كرامات علي (عليه السلام) فإنه قال نقتلهم و لا يقتل منا عشرة و لا يسلم منهم عشرة فلما قتلوا قال علي (عليه السلام) التمسوا المخدج فالتمسوه فلم يجدوه فقام علي (عليه السلام) بنفسه حتى أتى ناسا قد قتل بعضهم على بعض فقال أخروهم فوجدوه مما يلي الأرض فكبر علي (عليه السلام) و قال صدق الله و بلغ رسوله قال أبو الرضي فكأني أنظر إليه حبشي عليه قريطق أحد ثدييه مثل ثدي المرأة عليها شعرات مثل شعرات ذنب اليربوع.

و هذا أبو الرضي هو عباد بن نسيب القيسي تابعي يروي عنه هذا القول أبو داود في سننه كما قال :

فهذا تلخيص مواقفه (عليه السلام) في منازلة الطوائف المتبعة تضليل أهوائها و مقاتلة

[268]

الناكثين و القاسطين و المارقين في مقاتلها بأعبائها و ذكر كيفية قذفه بحقه لإزهاق باطلها و كف غلوائها و إرهاق عصيها صعود بوار قاض عليه بشقائها و قد تضمن هذا الفصل من وقائعه المذكورة و مواقفه المأثورة ما فيه غنية كافية و كفاية مغنية في أنه قد ملك عصم الشجاعة و أنه من أكفاء أكفائها و من تأمل إقدامه (عليه السلام) في مأزق وقائعه و مضايق مواقفه و معارك كره على الأبطال و هجومه على الأقران و افتراس نفوس أخصامه ببأسه قاطا بحسامه رقاب الهمام مفلقا بشباه مفارق الرءوس قادا بحده أوساط المارقين و شاهد غلظته على أعداء الله تعالى و استئصال شأفتهم و تفصيل أوصالهم و تفريق جموعهم و تمزيقهم كل ممزق غير ثان عنان عزمه و أعمال بطشه عن الإقدام على الصفوف المرصوصة و الكتائب المرصوفة و الكراديس المصفوفة مبددا شمل اجتماعها مشمرا عن ساق شجاعته لها موغلا في غمرات القتال مولغا صارمه في دماء الطلى و الأحشاء تحقق و استيقن أن هجيراه (عليه السلام) مكابدة الحروب و إدارة رحاها و أن إليه في جميع الأحوال مردها و منتهاها و أنه منها قدوة شيخها و كهلها و فتاها و علم علما لا يعترضه شك أن الله عز و علا قد أتاه (عليه السلام) خصائص تكاد توصف بالتضادد و حلاه بلطائف تجمع أشتات التعاند إذ أين هذه الشدة و البطش و الغلظة و البأس و القد و القط و شق الهام و خفة الإقدام و تجديل الحجاج و إذلال الكماة و إلصاق معاطسها الأبية بالرغام من خشوعه و خضوعه راغبا راهبا و تدرعه من الزهادة و العبادة بسربال سابغ و رداء سابل و اتصافه (عليه السلام) برقة قلب و هموع طرف و انسكاب دمع و تأوه حزين و إخبات منيب و شغف عيشة و جشب غذاء و تقلل قوت و خشونة لباس و تطليق الدنيا و زهرتها و مواصلة الأوراد و استغراق الأوقات بها و الإشفاق على الضعيف و الرحمة للمسكين و التحلي بخلال خير لا يتأنى إلا لمنقطع في كن جبل لا يصحب إنسا و لا يسمع من البشر حسا مع المبالغة في معاتبة نفسه على التقصير في الطاعة و هو مطيل في العبادة هذا إلى فصاحة ألفاظه و بلاغة معانيه و كلامه المتين في الزهد و الحث على الإعراض عن الدنيا و مبالغته في مواعظه الزاجرة و زواجره الواعظة و تذكيره القلوب الغافلة و إيقاظه الهمم الراقدة مطلقا في إيراد أنواع ذلك لسانا لا يفل عضبه و لا يكل

[269]

حده و لا يسأم سامعه جنا حكمه و لا ألفاظ بدائعه و لا يمل عند إطالته لاستحلائه و استعذابه بل يفتح السمع إليه مقفل أبوابه و يرفع له مسبل حجابه .

صفات أمير المؤمنين من اقتفى *** مدارجها أقنته ثوب ثوابه

‏صفات جلال ما اغتدى بلبانها *** سواه و لا حلت بغير جنابه

‏تفوقها طفلا و كهلا فأينعت *** معاني المعالي فهي ملأ إهابه

‏مناقب من قامت به شهدت له *** بإزلافه من ربه و اقترابه

‏مناقب لطف الله أنزلها له *** و شرف ذكراه بها في كتابه

هذا آخر كلام كمال الدين بن طلحة .

قال الشيخ المفيد رحمه الله : و من آيات الله الخارقة للعادة في أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه لم يعهد لأحد من مبارزة الأقران و منازلة الأبطال مثل ما عرف لأمير المؤمنين من كثرة ذلك على مر الزمان ثم لم يوجد في ممارسي الحروب إلا من عرته بشر و نيل منه بجراح أو شين إلا أمير المؤمنين ع فإنه لم ينله مع طول مدة زمان حربه جراح من عدوه و لا وصل إليه أحد منهم بسوء حتى كان من أمره مع ابن ملجم لعنه الله على اغتياله إياه ما كان و هذه أعجوبة أفرده الله تعالى فيها بالآية و خصه بالعلم الباهر في معناها و دل بذلك على مكانه منه و تخصصه بكرامته التي بان بفضلها من كافة الأنام.

و من آيات الله فيه (عليه السلام) أنه لا يذكر ممارس للحروب لقي فيها عدوا إلا و هو ظافر به حينا و غير ظافر به حينا و لا نال أحد منهم خصمه بجراح إلا و قضى منها وقتا و عوفي منها وقتا و لم يعهد من لم يفلت منه قرن في الحرب و لا نجا من ضربته أحد فصلح منها إلا أمير المؤمنين (عليه السلام) فإنه لا مرية في ظفره بكل قرن بارزه و إهلاكه كل بطل نازله و هذا أيضا مما انفرد به (عليه السلام) من كافة الأنام و خرق الله به العادة في كل حين و زمان و هو من دلائله الواضحة.

[270]

و من آيات الله تعالى أيضا فيه مع طول ملاقاته الحروب و ملابسته إياها و كثرة من مني به فيها من شجعان الأعداء و صناديدهم و تجمعهم عليه و احتيالهم في الفتك به و بذل الجهد في ذلك ما ولى قط عن أحد منهم ظهره و لا انهزم عن أحد منهم و لا تزحزح عن مكانه و لا هاب أحدا من أقرانه و لم يلق أحد سواه خصما له في حرب إلا ثبت له حينا و انحرف عنه حينا و أقدم عليه وقتا و أحجم عنه زمانا و إذا كان الأمر على ما وصفناه ثبت ما ذكرناه من انفراده بالآية الباهرة و المعجزة الظاهرة و خرق العادة فيه بما دل الله و كشف به عن فرض طاعته و أبانه بذلك من كافة خليقته و قلت أمدحه (عليه السلام) من قصيدة طويلة و أنشدتها بحضرته في مشهده المقدس صلوات الله على الحال به :

و إلى أمير المؤمنين بعثتها *** مثل السفائن عمن في تيار

تحكي السهام إذا قطعن مفازة *** و كأنها في دقة الأوتار

تنجو بمقصدها أغر شأي الورى *** بزكاء أعراق و طيب نجار

حمال أثقال و مسعف طالب و ملاذ ملحوف و موئل جار

شرف أقر به الحسود و سؤدد *** شاد العلاء ليعرب و نزار

و سماحة كالماء طاب لوارد *** ظام إليه و سطوة كالنار

و مآثر شهد العدو بفضلها و *** الحق أبلج و السيوف عواري

[271]

سل عنه بدرا إذ جلا هبواتها *** بشباة خطي و حد غرار

حيث الأسنة كالنجوم منيرة *** تخفى و تبدو في سماء غبار

و اسأل بخيبر إن عرتك جهالة *** بصحائح الأخبار و الآثار

و اسأل جموع هوازن عن حيدر *** و حذار من أسد العرين حذار

و اسأل بخم عن علاه فإنها *** تقضي بمجد و اعتلاء منار

بولائه يرجو النجاة مقصر *** و تحط عنه عظائم الأوزار

ومنها :

يا راكبا يفلي الفلاة بجسرة *** زيافة كالكوكب السيار

حرف براها السير حتى أصبحت *** كيراعة أنحى عليها الباري

‏عرج على أرض الغري و قف به *** و الثم ثراه و زره خير مزار

و اخلع بمشهده الشريف معظما *** تعظيم بيت الله ذي الأستار

و قل السلام عليك يا خير الورى *** و أبا الهداة السادة الأبرار

يا آل طه الأكرمين ألية بكم *** و ما دهري يمين فجار

إني منحتكم المودة راجيا *** نيلي المنى في الخمسة الأشبار

فعليكم مني السلام فأنتم *** أقصى رجاي و منتهى إيثاري

و قلت أمدحه (عليه السلام) و أنشدتها في حضرته من قصيدة :

[272]

سل عن علي مقامات عرفن به *** شدت عرى الدين في حل و مرتحل

‏بدرا و أحدا و سل عنه هوازن *** في أوطاس و اسأل به في وقعة الجمل‏

و اسأل به إذ أتى الأحزاب يقدمهم *** عمرو و صفين سل إن كنت لم تسل

‏مآثر صافحت شهب النجوم علا *** مشيدة قد سمت قدرا على زحل

‏و سنة شرعت سبل الهدى و ندى *** أقام للطالب الجدوى على السبل

‏كم من يدلك فينا يا أبا حسن *** يفوق نائلها صوب الحيا الهطل

‏و كم كشفت عن الإسلام فادحة *** أبدت لتفرس عن أنيابها العضل‏

و كم نصرت رسول الله منصلتا *** كالسيف عري متناه من الخلل

‏و رب يوم كظل الرمح ما سكنت *** نفس الشجاع به من شدة الوهل‏

و مأزق الحرب ضنك لا مجال به *** و منهل الموت لا يغني على النهل‏

و النقع قد ملأ الأرجاء عثيره *** فصار كالجبل الموفى على الجبل

‏جلوته بشبا البيض القواضب *** و الجرد السلاهب و العسالة الذبل

[273]

بذلت نفسك في نصر النبي و لم *** تبخل و ما كنت في حال أخا بخل‏

و قمت منفردا كالرمح منتصبا *** لنصره غير هياب و لا وكل

‏تردي الجيوش بعزم لو صدمت به *** صم الصفا لهوى من شامخ القلل

‏يا أشرف الناس من عرب و من عجم *** و أفضل الناس في قول و في عمل

‏يا من به عرف الناس الهدى و به *** ترجى السلامة عند الحادث الجلل

‏يا من أعاد رسوم العدل جالية *** و طالما سترتها وحشة العطل‏

يا فارس الخيل و الأبطال خاضعة *** يا من له كل خلق الله كالخول

‏يا سيد الناس يا من لا مثيل له *** يا من مناقبه تسري سرى المثل

‏خذ من مديحي ما أسطيعه كرما *** فإن عجزت فإن العجز من قبلي‏

و سوف أهدي لكم مدحا أحبره *** إن كنت ذا قدرة أو مد في أجلي

next page

fehrest page

back page