next page

fehrest page

back page

في بيان ما نزل من القرآن في شأنه (عليه السلام)

نقلت من مناقب أبي المؤيد الخوارزمي رحمه الله يرفعه إلى ابن عباس رضي الله عنه قال : أقبل عبد الله بن سلام و معه نفر من قومه ممن قد آمنوا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا يا رسول الله إن منازلنا بعيدة ليس لنا مجلس و لا متحدث دون هذا المجلس و إن قومنا لما رأونا آمنا بالله و رسوله و صدقناه رفضونا و آلوا على أنفسهم أن لا يجالسونا و لا يناكحونا و لا يكلمونا فشق ذلك علينا فقال لهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ ثم إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج إلى المسجد و الناس بين قائم و راكع و بصر بسائل فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هل أعطاك أحد شيئا قال نعم خاتم من ذهب فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أعطاكه قال ذلك القائم و أومأ بيده إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) على أي حال أعطاك قال أعطاني و هو راكع فكبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قرأ وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ .

و أنشأ حسان بن ثابت يقول :

أبا حسن تفديك نفسي و مهجتي *** و كل بطي‏ء في الهدى و مسارع‏

أ يذهب مدحي و المحبر ضائع *** و ما المدح في جنب الإله بضائع

‏فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعا *** فدتك نفوس القوم يا خير راكع

‏فأنزل فيك الله خير ولاية *** و بينها في محكمات الشرائع

و من المناقب عن يزيد بن شراحيل الأنصاري كاتب علي (عليه السلام) قال : سمعت عليا يقول حدثني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أنا مسنده إلى صدري فقال أي علي أ لم تسمع

[302]

قول الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ هم أنت و شيعتك و موعدي و موعدكم الحوض إذا جثت الأمم للحساب يدعون غرا محجلين .

و عن ابن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أنزل الله آية و فيها يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلا و علي رأسها و أميرها .

و عن ابن عباس رضي الله عنه و قد ذكره الثعلبي و غيره من مفسري القرآن المجيد في قوله تعالى يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً قال : مرض الحسن و الحسين فعادهما جدهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و معه أبو بكر و عمر رضي الله عنهما و عادهما عامة العرب فقالوا يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك نذرا و كل نذر لا يكون له وفاء فليس بشي‏ء فقال علي (عليه السلام) إن برأ ولداي مما بهما صمت لله ثلاثة أيام شكرا و قالت فاطمة (عليها السلام) إن برأ ولداي مما بهما صمت لله ثلاثة أيام شكرا و قالت جارية يقال لها فضة إن برأ سيداي مما بهما صمت لله ثلاثة أيام شكرا فألبس الغلامان العافية و ليس عند آل محمد قليل و لا كثير فانطلق أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى شمعون الخيبري و كان يهوديا فاستقرض منه ثلاثة أصوع من شعير و في حديث المزني عن ابن مهران الباهلي فانطلق إلى جار له من اليهود يعالج الصوف يقال له شمعون بن حانا فقال له هل لك أن تعطيني جزة من صفوف تغزلها لك بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بثلاثة أصوع من شعير قال نعم فأعطاه فجاء بالصوف و الشعير فأخبر فاطمة بذلك فقبلت و أطاعت قالوا فقامت فاطمة (عليها السلام) إلى صاع فطحنته و اختبزت منه خمسة أقراص لكل واحد منهم قرص و صلى علي (عليه السلام) المغرب مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم مسكين فوقف بالباب و قال السلام عليكم يا أهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة فسمعه علي فقال :

[303]

فاطم ذات المجد و اليقين *** يا بنت خير الناس أجمعين

‏أ ما ترين البائس المسكين *** قد قام بالباب له حنين

‏يشكو إلى الله و يستكين *** يشكو إلينا جائعا حزين

‏كل امرئ بكسبه رهين *** و فاعل الخيرات يستبين

‏موعده جنة عليين *** حرمها الله على الضنين

‏و للبخيل موقف مهين *** تهوي به النار إلى سجين

‏شرابه الحميم و الغسلين

فقالت فاطمة عليها السلام :

أمرك يا ابن عم سمع طاعة *** ما بي من لؤم و لا ضراعة

و أعطوه الطعام و مكثوا يومهم و ليلتهم لم يذوقوا إلا الماء القراح فلما كان اليوم الثاني طحنت فاطمة (عليها السلام) صاعا و اختبزته و أتى علي (عليه السلام) من الصلاة و وضع الطعام بين يديه فأتاهم يتيم فقال السلام عليكم يا أهل بيت محمد يتيم من أولاد المهاجرين استشهد والدي يوم العقبة أطعموني أطعمكم الله على موائد الجنة فسمعه علي و فاطمة (عليهما السلام) فأعطوه الطعام و مكثوا يومين و ليلتين لم يذوقوا إلا الماء القراح فلما كان في اليوم الثالث قامت فاطمة (عليها السلام) إلى الصاع الباقي فطحنته و اختبزته و صلى علي (عليه السلام) مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المغرب ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم أسير فوقف بالباب فقال السلام عليكم يا أهل بيت محمد تأسروننا و لا تطعموننا أطعموني فإني أسير محمد أطعمكم الله على موائد الجنة فسمعه علي (عليه السلام) فآثره و آثروه و مكثوا ثلاثة أيام و لياليها لم يذوقوا سوى الماء فلما كان في اليوم الرابع و قد قضوا نذرهم أخذ علي الحسن بيده اليمنى و الحسين باليسرى و أقبل نحو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) و هم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع فلما بصر به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال يا أبا الحسن ما أشد ما يسوؤني ما أرى بكم انطلق إلى ابنتي فاطمة فانطلقوا إليها و هي في محرابها تصلي قد لصق بطنها

[304]

بظهرها من شدة الجوع و غارت عيناها فلما رآها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال وا غوثاه بالله يا أهل بيت محمد تموتون جوعا فهبط جبرئيل (عليه السلام) و قال خذ يا محمد هنأك الله في أهل بيتك قال و ما آخذ يا جبرئيل فأقرأه هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ إلى قوله إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً ... إلى آخر السورة قال الخطيب الخوارزمي حاكيا عنه و عن الراوندي و زادني ابن مهران الباهلي في هذا الحديث فوثب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى دخل على فاطمة (عليه السلام) فلما رأى ما بهم انكب عليهم يبكي و قال أنتم منذ ثلاث فيما أرى و أنا غافل عنكم فهبط جبرئيل بهذه الآيات إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً قال هي عين في دار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تفجر إلى دور الأنبياء و المؤمنين .

و روى الخطيب في هذا رواية أخرى و قال في آخرها : فنزل فيهم وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ أي على شدة شهوة مِسْكِيناً قرص ملة و الملة الرماد وَ يَتِيماً خزيزة وَ أَسِيراً حبيسا إِنَّما نُطْعِمُكُمْ يخبر عن ضمائرهم لِوَجْهِ اللَّهِ يقول إرادة ما عند الله من الثواب لا نُرِيدُ مِنْكُمْ يعني في الدنيا جَزاءً ثواب ا وَ لا شُكُوراً.

قلت الضمير في حبه يجوز أن يعود إلى الطعام كما ذكر و يجوز أن يعود إلى الله تعالى فإن إطعامهم إنما كان خالصا لوجهه و هذه السورة نزلت في هذه القضية بإجماع الأمة لا أعرف أحدا خالف فيها .

و روي في قوله تعالى فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ قيل : نزلت في أبي جهل و الوليد بن المغيرة و العاص بن وائل و غيرهم من مشركي مكة كانوا يضحكون من بلال و عمار و غيرهما من أصحابهما و قيل إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) جاء في نفر من المسلمين إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسخر منهم المنافقون و ضحكوا و تغامزوا و قالوا لأصحابهم رأينا اليوم الأصلع فضحكنا منه فأنزل الله

[305]

تعالى الآية قبل أن يصل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و عن مقاتل و الكلبي لما نزل قوله تعالى قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قالوا : هل رأيتم أعجب من هذا يسفه أحلامنا و يشتم آلهتنا و يرى قتلنا و يطمع أن نحبه فنزل قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ أي ليس لي من ذلك أجر لأن منفعة المودة تعود عليكم و هو ثواب الله تعالى و رضاه .

و روي في قوله تعالى وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ يعني : عن ولاية علي (عليه السلام) و قوله تعالى أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَ مَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ قيل نزلت في قصة بدر في حمزة و علي و عبيدة بن الحرث لما برزوا لقتال عتبة و شيبة و الوليد.

قوله تعالى لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ نزلت في أهل الحديبية قال جابر كنا يومئذ ألفا و أربعمائة فقال لنا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنتم اليوم خيار أهل الأرض فبايعنا تحت الشجرة على الموت فما نكث إلا جزء بن قيس و كان منافقا و أولى الناس بهذه الآية علي بن أبي طالب (عليه السلام) لأنه تعالى قال وَ أَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً يعني فتح خيبر و كان ذلك على يد علي بن أبي طالب (صلى الله عليه وآله وسلم) .

قال روى السيد أبو طالب بإسناده عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) لعلي (عليه السلام) من أحبك و تولاك أسكنه الله معنا ثم تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَ نَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ .

[306]

قوله تعالى وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ قيل هم الذين صلوا إلى القبلتين و قيل السابقون إلى الطاعة و قيل إلى الهجرة و قيل إلى الإسلام و إجابة الرسول و كل ذلك موجود في أمير المؤمنين علي (عليه السلام) على وجه التمام و الكمال و الغاية التي لا يقاربه فيها أحد من الناس .

و عن ابن عباس قال سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن قول الله تعالى وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ فقال : قال لي جبرئيل (عليه السلام) ذاك علي و شيعته هم السابقون إلى الجنة المقربون من الله بكرامته لهم .

قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً و قد تقدم ذكر هذه الآية و الأمة مجمعون على أنها نزلت و لم يعمل بها أحد غيره و نزلت الرخصة.

قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ روى الزبير بن العوام رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يدعو النساء إلى البيعة حين نزلت هذه الآية فكانت فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب رضي الله عنهما أول امرأة بايعت .

و عن جعفر بن محمد (عليه السلام) : أن فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب أول امرأة هاجرت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من مكة إلى المدينة على قدميها و كانت أبر الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول إن الناس يحشرون يوم القيامة عراة فقالت وا سوأتاه فقال لها فإني أسأل الله أن يبعثك كاسية و سمعته يذكر ضغطة القبر فقالت وا ضعفاه فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) إني أسأل الله أن يكفيك ذلك .

قلت : هكذا أورده و ما قبله الخوارزمي رحمه الله و هو بأول هذا الكتاب أنسب حيث ذكرنا أم أمير المؤمنين فلينقل إلى هناك.

[307]

و روي عن ابن عباس رضي الله عنه : أن عبد الله بن أبي و أصحابه خرجوا فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال عبد الله بن أبي لأصحابه انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم فأخذ بيد علي (عليه السلام) و قال مرحبا يا ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و ختنه سيد بني هاشم ما خلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال علي (عليه السلام) يا عبد الله اتق الله و لا تنافق فإن المنافق شر خلق الله فقال مهلا يا أبا الحسن و الله إن إيماننا كإيمانكم ثم تفرقوا قال ابن أبي لأصحابه كيف رأيتم ما فعلت فأثنوا عليه خيرا و نزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَ إِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ فدلت الآية على إيمان علي (عليه السلام) ظاهرا و باطنا و على القطع بقوله في أمر المنافقين .

وقوله تعالى أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ قال ابن عباس هو علي شهد للنبي ص و هو منه .

وقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا قال ابن عباس هو علي بن أبي طالب .

و روى زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليه السلام) قال : لقيني رجل فقال يا أبا الحسن أما و الله إني أحبك في الله فرجعت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبرته بقول الرجل فقال لعلك صنعت إليه معروفا فقال و الله ما صنعت إليه معروفا

[308]

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الحمد لله الذي جعل قلوب المؤمنين تتوق إليك بالمودة فنزل قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا .

قوله تعالى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا قيل نزل قوله تعالى فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ في عبيدة و حمزة و أصحابهم كانوا تعاهدوا لا يولون الأدبار فجاهدوا مقبلين حتى قتلوا وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ علي بن أبي طالب (عليه السلام) مضى على الجهاد و لم يبدل و لم يغير.

قلت و آية المباهلة قد تقدم ذكرها و كون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دعا عليا و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهما السلام) أمر مشهور متواتر أورده أصحاب الصحاح في كتبهم و أرباب السير و التواريخ في سيرهم و تواريخهم فاستوى في إيراده المؤالف و المخالف و أحاط علما بحقيته الجاهل و العارف و أنا ذاكر هنا ما أورده الزمخشري في كشافه في تفسير هذه الآية قوله تعالى نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ أي يدعو كل مني و منكم أبناءه و نساءه و نفسه إلى المباهلة ثُمَّ نَبْتَهِلْ نتباهل بأن نقول بهلة الله على الكاذب منا و منكم و البهلة بالفتح و الضم اللعنة و بهله الله لعنه و أبعده من رحمته من قولك أبهله إذا أهمله و ناقة باهل لا صرار عليها و هو خيط يشد به ضرعها و أصل الابتهال هذا ثم استعمل في كل دعاء يجتهد فيه و إن لم يكن التعانا.

و روي : أنه دعاهم إلى المباهلة قالوا حتى نرجع و ننظر فلما تخالوا قالوا للعاقب و كان ذا رأيهم يا عبد المسيح ما ترى فقال و الله لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمدا نبي مرسل و لقد جاءكم بالفضل من أمر صاحبكم و الله ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم و لا نبت صغيرهم و لئن فعلتم لتهلكن فإن أبيتم إلا إلف دينكم و الإقامة على ما أنتم عليه فوادعوا الرجل و انصرفوا إلى بلادكم فأتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد غدا محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن و فاطمة تمشي خلفه و علي خلفها و

[309]

هو يقول إذا أنا دعوت فأمنوا فقال أسقف نجران يا معشر النصارى إني لأرى وجوها لو شاء الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا و لا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة فقالوا يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك و أن نقرك على دينك و نثبت على ديننا قال فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين و عليكم ما عليهم فأبوا قال فإني أناجزكم فقالوا ما لنا بحرب العرب طاقة و لكن نصالحك على أن نؤدي إليك في كل عام ألفي حلة ألفا في صفر و ألفا في رجب و ثلاثين درعا عادية من حديد فصالحهم على ذلك و قال و الذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران و لو لاعنوا لمسخوا قردة و خنازير و لاضطرم الوادي عليهم نارا و لاستأصل الله نجران و أهله حتى الطير على رءوس الشجر و لما حال الحول عليهم كلهم حتى يهلكوا .

و عن عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج و عليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله ثم فاطمة ثم علي ثم قال إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً .

فإن قلت ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلا ليتبين الكاذب منه و من خصمه و ذلك أمر يختص به و بمن يكاذبه فما معنى ضم الأبناء و النساء.

قلت ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله و استيقانه بصدقه حيث استجرأ على تعريض أعزته و أفلاذ كبده و أحب الناس إليه لذلك و لم يقتصر على تعريض نفسه له على ثقته بكذب خصمه حتى يهلك خصمه و هلاكه مع أحبته و أعزته هلاك الاستئصال إن تمت المباهلة و خص الأبناء و النساء لأنهم أعز الأهل و ألصقهم بالقلوب و ربما فداهم الرجل بنفسه و حارب دونهم حتى يقتل و من ثم كانوا يسوقون مع أنفسهم الظعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب و يسمون الذادة عنها بأرواحهم حماة الحقائق و قدمهم في الذكر على الأنفس لينبه على لطف

[310]

مكانتهم و قرب منزلتهم و ليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس مفدون بها و فيه دليل لا شي‏ء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء (عليه السلام) و فيه برهان واضح على صحة نبوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنه لم يرو أحد من موافق و لا مخالف أنهم أجابوا إلى ذلك و هذا آخر كلام الزمخشري رحمه الله و قد تقدم ذكرها.

و نقلت مما خرجه صديقنا العز المحدث الحنبلي الموصلي في قوله تعالى اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ قال بريدة صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : هو صراط محمد و آله عليهم السلام .

وقوله تعالى في سورة البقرة وَ ارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ هو : علي بن أبي طالب .

و قوله تعالى وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ نزلت في مبيت علي على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد تقدم ذكرها.

و ذكر ابن الأثير رحمه الله في كتابه كتاب الإنصاف الذي جمع فيه بين الكاشف و الكشاف : أنها نزلت في علي (عليه السلام) و ذلك حين هاجر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و ترك عليا في بيته بمكة و أمره أن ينام على فراشه ليوصل إذا أصبح ودائع الناس إليهم فقال الله عز و جل لجبرئيل و ميكائيل إني قد آخيت بينكما و جعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر فأيكما يؤثر أخاه بالبقاء فاختار كل منهما الحياة فأوحى الله إليهما أ لا كنتما مثل علي آخيت بينه و بين محمد فبات على فراشه يفديه بنفسه و يؤثره بالحياة اهبطا إليه فاحفظاه من عدوه فنزلا إليه فحفظاه جبرئيل عند رأسه و ميكائيل عند رجليه و جبرئيل يقول بخ بخ يا ابن أبي طالب من مثلك و قد باهى الله بك الملائكة. و قوله الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ سِرًّا وَ عَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ قال كان عند علي (عليه السلام) أربعة دراهم لا يملك غيرها فتصدق بدرهم ليلا و بدرهم نهارا و بدرهم سرا و بدرهم علانية فنزلت

[311]

قوله تعالى وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً قال العز المحدث حبل الله علي و أهل بيته.

قوله تعالى إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ قال الثعلبي نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال بينا عبد الله بن عباس جالس على شفير زمزم يقول قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ أقبل رجل معتم بعمامة فجعل كلما قال ابن عباس قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول الرجل قال رسول الله فقال له ابن عباس سألتك بالله من أنت فكشف العمامة عن وجهه و قال : أيها الناس من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا أعرفه نفسي أنا جندب بن جنادة البدري أبو ذر الغفاري :

سمعت رسول الله بهاتين و إلا صمتا و رأيته بهاتين و إلا عميتا يقول علي قائد البررة و قاتل الكفرة منصور من نصره مخذول من خذله أما إني صليت مع رسول الله ص صلاة الظهر يوما من الأيام فسأل سائل في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يعطه أحد فرفع السائل يده إلى السماء و قال اللهم اشهد أني سألت في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يعطني أحد شيئا و كان علي راكعا فأومأ إليه بخنصره اليمنى و كان يتختم فيه فأقبل السائل فأخذ الخاتم من يده بعين رسول الله فلما فرغ من صلاته رفع رأسه إلى السماء و قال اللهم إن أخي موسى سألك فقال رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَ يَسِّرْ لِي أَمْرِي وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي فأنزلت سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَ نَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا اللهم و أنا محمد نبيك و صفيك اللهم فاشرح لي صدري و يسر لي أمري و اجعل لي وزيرا من أهلي عليا اشدد به أزري قال أبو ذر فما استتم رسول الله كلامه حتى نزل جبرئيل يقول له اقرأ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ ... الآية .

[312]

و نقلت مما خرجه العز المحدث قال .

و روي عن عبد الله بن مسعود قال :
قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أتاني ملك فقال يا محمد وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا على ما بعثوا قال قلت على ما بعثوا قال على ولايتك و ولاية علي بن أبي طالب .

و قال ابن عباس رضي الله عنه و محمد بن علي الباقر (عليه السلام) لما نزلت هذه الآية : يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ أخذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بيد علي فقال :من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه .

و قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قال هو علي بن أبي طالب و هو رأس المؤمنين.

و قوله تعالى أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ جاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ نزلت في ملاحاة العباس و علي قال له العباس لئن سبقتمونا بالإيمان و الهجرة فقد كنا نسقي الحجيج و نعمر المسجد الحرام فنزلت.

و قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ قال ابن عباس كونوا مع علي و أصحابه .

وقوله تعالى إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ .

قال ابن عباس : لما نزلت هذه الآية وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يده على صدره فقال أنا المنذر و أومأ بيده إلى منكب علي و قال أنت الهادي يا علي يهتدي بك المهتدون من بعدي.

قوله تعالى كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ قال محمد بن الحنفية رضي الله عنه هو علي بن أبي طالب.

قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا قال ابن عباس نزلت في علي بن أبي طالب جعل الله له ودا في قلوب المؤمنين.

[313]

و من سورة الحج في البخاري و مسلم من حديث أبي ذر أنه كان يقسم قسما أن هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ نزلت في علي و حمزة و عبيدة بن الحارث الذين بارزوا المشركين يوم بدر عتبة و شيبة ابنا ربيعة و الوليد بن عتبة.

قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ يعني صراط محمد و آله ع .

قوله تعالى أَ فَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ هو علي (عليه السلام) .

قوله تعالى أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ المؤمن علي و الفاسق الوليد و قد تقدم ذكر ذلك مستوفى.

قوله تعالى وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ قال أبو سعيد الخدري صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مسئولون عن ولاية علي بن أبي طالب قوله تعالى سلام على آل ياسين قال ابن السائب آل ياسين آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) .

قوله تعالى وَ الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَ صَدَّقَ بِهِ الذي جاء بالصدق رسول الله و الذي صدق به علي بن أبي طالب قاله مجاهد .

قوله تعالى قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى .

next page

fehrest page

back page