في ذكر المؤاخاة له (عليه السلام)
من مسند أحمد بن حنبل عن سعيد بن المسيب : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) آخى بين الصحابة
فبقي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أبو بكر و عمر و علي فآخى بين أبي بكر و عمر و قال لعلي (عليه السلام) أنت
أخي .
و بالإسناد عن عمر
بن عبد الله عن أبيه عن جده : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) آخى بين الناس و ترك عليا حتى بقي آخرهم لا
يرى له أخا فقال يا رسول الله آخيت بين الناس و تركتني قال و لمن تراني تركتك إنما
تركتك لنفسي أنت أخي و أنا أخوك فإن ذاكرك أحد فقل أنا عبد الله و أخو رسول الله
لا يدعيها بعدك إلا كذاب .
و بالإسناد عن زيد
بن أدمي قال : دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فذكر (عليه السلام) قصة مؤاخاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال فقال علي لقد ذهبت
روحي و انقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري فإن كان هذا من سخط علي
فلك العتبى و الكرامة فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و الذي بعثني بالحق ما اخترتك إلا لنفسي
فأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي و أنت أخي و وارثي قال قال و
ما أرث منك يا رسول الله قال ما ورث الأنبياء قبلي كتاب الله و سنة نبيهم و أنت
معي في قصري
[327]
في الجنة مع ابنتي فاطمة و أنت أخي و رفيقي ثم
تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ المتحابون في الله ينظر
بعضهم إلى بعض .
و بالإسناد عن
عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه : أن عليا كان يقول في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الله عز
و جل يقول أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت و الله
إني لأخوه و وليه و ابن عمه و وارثه و من أحق به مني .
و بالإسناد عن علي
بن أبي طالب (عليه السلام) قال : طلبني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فوجدني في حائط نائما فضربني برجله و قال قم
و الله لأرضينك أنت أخي و أبو ولدي تقاتل على سنتي من مات على عهدي فهو في كنف
الله و من مات على عهدك فقد قضى نحبه و من مات يحبك بعد موتك يختم الله له بالأمن
و الإيمان ما طلعت شمس أو غربت عن جابر مثله و في آخره علي أخي و صاحب لوائي .
و عن علي (عليه السلام) بالإسناد قال : جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بني عبد المطلب فيهم رهط كلهم
يأكل الجذعة و يشرب الفرق قال فصنع لهم مدا من طعام فأكلوا حتى شبعوا قال و بقي
الطعام كما هو كأنه لم يمس ثم دعا بغمر فشربوا حتى رووا و بقي الشراب كأنه لم يشرب
منه و لم يمس فقال يا بني عبد المطلب إني بعثت إليكم خاصة و إلى الناس عامة و قد
رأيتم من هذه الآية ما رأيتم فأيكم يبايعني على أن يكون أخي و صاحبي قال فلم يقم
إليه أحد فلما كان في الثالثة ضرب بيده على يدي .
قال أفقر عباد الله تعالى إلى رحمته علي بن عيسى بن أبي الفتح عفا
الله تعالى
[328]
عنه : هذا الحديث قد سبق ذكره أبسط من هذا و لكني
نقلته هنا من كتاب العمدة لابن البطريق أحسن الله جزاه فتبعت ما رواه .
قال و من مناقب الفقيه أبي الحسن بن المغازلي عن أنس قال : لما كان يوم
المباهلة آخى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بين المهاجرين و الأنصار و علي واقف يراه و يعرف مكانه و لم
يؤاخ بينه و بين أحد فانصرف علي باكي العين فافتقده النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ما فعل أبو الحسن
قالوا انصرف باكي العين يا رسول الله قال يا بلال اذهب فائتني به فمضى بلال إلى
علي (عليه السلام) و قد دخل منزله باكي العين فقالت فاطمة ما يبكيك لا أبكى الله عينيك قال يا فاطمة آخى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) بين المهاجرين و الأنصار و أنا واقف يراني و يعرف مكاني و لم يؤاخ بيني و بين أحد
قالت (عليه السلام) لا يحزنك الله لعله إنما ادخرك لنفسه فقال بلال يا علي أجب النبي (عليه السلام) فأتى
علي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يبكيك يا أبا الحسن فقال واخيت بين المهاجرين و
الأنصار يا رسول الله و أنا واقف تراني و تعرف مكاني و لم تؤاخ بيني و بين أحد قال
إنما ذخرتك لنفسي أ لا يسرك أن تكون أخا نبيك قال بلى يا رسول الله أنى لي بذلك
فأخذه بيده فأرقاه المنبر فقال اللهم إن هذا مني و أنا منه إلا أنه مني بمنزلة
هارون من موسى ألا من كنت مولاه فعلي مولاه قال فانصرف علي قرير العين فاتبعه عمر
بن الخطاب رضي الله عنه فقال بخ بخ يا أبا الحسن أصبحت مولاي و مولى كل مسلم .
و بالإسناد عن زيد بن أرقم قال : دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال إني مؤاخ بينكم
كما آخى الله تعالى بين الملائكة ثم قال لعلي أنت أخي و رفيقي ثم تلا هذه الآية إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ الأخلاء في الله ينظر بعضهم إلى بعض .
و عن الدارقطني
يرفعه إلى ابن عمر قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) أنت أخي في الدنيا و الآخرة .
و بالإسناد عن ابن
عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خير إخواني علي .
[329]
و بالإسناد عن ابن عمر قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) يوم المؤاخاة أنت أخي في الدنيا و الآخرة .
و بالإسناد عن
حذيفة بن اليمان قال : آخى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين المهاجرين و الأنصار كان يؤاخي بين الرجل
و نظيره ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال هذا أخي قال حذيفة فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سيد
المرسلين و إمام المتقين و رسول رب العالمين الذي ليس له شبيه و لا نظير و علي
أخوه .
شعر :
ينيل العدو و الصديق و إنما *** يعادي الفتى أمثاله و يصادق
و بالإسناد عن أبي الحمراء قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لما أسري بي إلى
السماء رأيت على ساق العرش الأيمن أنا وحدي لا إله غيري غرست جنة عدن بيدي محمد
صفوتي أيدته بعلي و من الجمع بين الصحاح الست لرزين العبدي في باب مناقب أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) .
و بالإسناد المقدم من سنن أبي داود و صحيح الترمذي عن ابن عمر قال : لما آخى
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين أصحابه جاء علي تدمع عيناه فقال يا رسول الله آخيت بين أصحابك و
لم تؤاخ بيني و بين أحد قال فسمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول أنت أخي في الدنيا و الآخرة .
قال يحيى بن الحسن بن البطريق : قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) أنت أخي في الدنيا و
الآخرة أراد بذلك غاية المدحة له و نهاية المبالغة في علو المنزلة لأنه (عليه السلام) لما آخى
بين المرء و نظيره و لم يجد لعلي (عليه السلام) نظيرا غيره فهو نظيره من وجوه.
نظيره في الأصل
بدليل شاهد النسب الصريح بينهما بلا ارتياب و نظيره في العصمة بدليل قوله تعالى إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً و نظيره في أنه ولي الأمة بدليل قوله تعالى إِنَّما
وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ
[330]
الَّذِينَ آمَنُوا
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ و اختصاص
هذه الآية بأمير المؤمنين (عليه السلام) قد تقدم من الصحاح و نظيره في الأداء و التبليغ بدليل
الوحي الوارد عليه يوم إعطاء سورة براءة لغيره فنزل جبرئيل (عليه السلام) و قال لا يؤديها إلا
أنت أو من هو منك فاستعادها منه فأداها علي (عليه السلام) بوحي الله تعالى في الموسم بما تقدم
ثبوت طرقه و بما يأتي ذكره أنه لا يؤدي عنه إلا هو أو علي في باب ذكر خاصف النعل و
نظيره في كونه (عليه السلام) مولى الأمة بدليل قوله (عليه السلام) :
من كنت مولاه فعلي مولاه .
بما تقدم ذكره من عدة طرق و نظيره في مماثلة نفسيهما و أن نفسه قامت
مقام نفسه (عليه السلام) و أن الله قد جعله نفس رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) بدليل قوله سبحانه و تعالى فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ
الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ
نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ
اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ فجعل نفس علي نفسه (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنه (عليه السلام) قال تَعالَوْا نَدْعُ و
الداعي لا يدعو نفسه و إنما يدعو غيره فثبت أن المراد بنفسه في الدعاء نفس علي (عليه السلام) و
بذلك ورد تفسير هذه الآية و قد تقدم ذكرها و نظيره في فتح بابه في المسجد كفتح باب
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و جوازه في المسجد كجوازه و دخوله في المسجد جنبا كحال رسول الله على
السواء و قد ذكرت ذلك و سأذكره فيما بعد.
فثبتت المناظرة و المشابهة و المشاكلة له
بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا ما استثناه من الأمر الذي لا نظير له فيه و هو النبوة بقوله إلا أنه
لا نبي بعدي فلذلك صح من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يجعله أخاه في الدنيا و الآخرة بما ثبت له من
المشابهة و المشاكلة في هذه المنازل بمشاركته له في منزله في الجنة بما تضمنته هذه
الأخبار .