next page

fehrest page

back page

في ذكر سد الأبواب

من مسند أحمد بن حنبل رحمة الله عليه عن زيد بن أرقم قال : كان لنفر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبواب شارعة في المسجد فقال يوما سدوا هذه الأبواب إلا باب علي قال فتكلم في ذلك أناس قال فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فحمد الله و أثنى

[331]

عليه ثم قال أما بعد فإني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي فقال فيه قائلكم و الله ما سددت شيئا و لا فتحته و لكني أمرت بشي‏ء فاتبعته .

و بالإسناد المقدم عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لقد أوتي علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثلاثا لئن أكون أوتيتها أحب إلي من أن أعطى حمر النعم جوار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) له في المسجد و الراية يوم خيبر و الثالثة نسيها سهيل .

و بالإسناد عن ابن عمر قال : كنا نقول خير الناس أبو بكر ثم عمر و لقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال لئن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم زوجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بنته و ولدت له و سد الأبواب إلا بابه في المسجد و أعطاه الراية يوم خيبر .

و من مناقب الفقيه ابن المغازلي عن عدي بن ثابت قال : خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المسجد فقال إن الله أوحى إلى نبيه موسى أن ابن لي مسجدا طاهرا لا يسكنه إلا موسى و هارون و ابنا هارون و إن الله أوحى إلي أن أبني مسجدا طاهرا لا يسكنه إلا أنا و علي و ابنا علي .

و بالإسناد المقدم عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال : لما قدم أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة لم يكن لهم بيوت فكانوا يبيتون في المسجد فقال لهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تبيتوا في المسجد فتحتلموا ثم إن القوم بنوا بيوتا حول المسجد و جعلوا أبوابها إلى المسجد و إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث إليهم معاذ بن جبل فنادى أبا بكر رضي الله عنه فقال إن رسول الله يأمرك أن تخرج من المسجد و تسد بابك فقال سمعا و طاعة فسد بابه و خرج من المسجد ثم أرسل إلى عمر رضي الله عنه فقال إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يأمرك أن تسد بابك الذي في المسجد و تخرج منه فقال سمعا و طاعة لله و لرسوله غير أني أرغب إلى الله تعالى في خوخة في المسجد فأبلغه معاذ ما قاله عمر ثم أرسل إلى عثمان رضي الله عنه و عنده رقية فقال سمعا و طاعة فسد بابه و خرج من المسجد ثم أرسل إلى حمزة رضي الله عنه فسد بابه فقال

[332]

سمعا و طاعة لله و لرسوله و علي (عليه السلام) على ذلك متردد لا يدري أ هو فيمن يقم أو فيمن يخرج و كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد بنى له في المسجد بيتا بين أبياته فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اسكن طاهرا مطهرا فبلغ حمزة قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي فقال يا محمد تخرجنا و تمسك غلمان بني عبد المطلب فقال له نبي الله لو كان الأمر إلي ما جعلت دونكم من أحد و الله ما أعطاه إياه إلا الله و إنك لعلى خير من الله و رسوله أبشر فبشره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقتل يوم أحد شهيدا و نفس ذلك رجال على علي (عليه السلام) فوجدوا في أنفسهم و تبين فضله عليهم و على غيرهم من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فبلغ ذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقام خطيبا فقال إن رجالا يجدون في أنفسهم في أن أسكن عليا في المسجد و الله ما أخرجتهم و لا أسكنت إن الله عز و جل أوحى إِلى مُوسى وَ أَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَ اجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ و أمر موسى أن لا يسكن مسجده و لا ينكح فيه و لا يدخله إلا هارون و ذريته و إن عليا بمنزلة هارون من موسى و هو أخي دون أهلي و لا يحل مسجدي لأحد ينكح فيه النساء إلا علي و ذريته فمن ساءه فهاهنا و أومأ بيده نحو الشام .

و بالإسناد عن سعيد بن أبي وقاص : قال كانت لعلي مناقب لم تكن لأحد كان يبيت في المسجد و أعطاه الراية يوم خيبر و سد الأبواب إلا باب علي .

و بالإسناد عن البراء بن عازب قال : كان لنفر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبواب شارعة في المسجد و إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال سدوا هذه الأبواب غير باب علي فتكلم في ذلك ناس فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد فإني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي ع فقال قائلكم و إني و الله ما سددت شيئا و لا فتحته و لكني أمرت بشي‏ء فاتبعته .

و بالإسناد المقدم عن سعد : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بسد الأبواب فسدت و تركت باب علي فأتاه العباس رضي الله عنه فقال يا رسول الله سددت أبوابنا و تركت باب علي فقال ما أنا فتحتها و لا أنا سددتها .

و بالإسناد عن ابن عباس : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سد أبواب المسجد غير باب علي .

[333]

و بالإسناد عن ابن عباس أيضا : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بسد الأبواب كلها فسدت إلا باب علي .

و بالإسناد عن نافع مولى ابن عمر قال : قلت لابن عمر من خير الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال ما أنت و ذاك لا أم لك ثم استغفر الله و قال خيرهم بعده من كان يحل له ما يحل له و يحرم عليه ما يحرم عليه قلت من هو قال علي سد أبواب المسجد و ترك باب علي و قال لك في هذا المسجد ما لي و عليك فيه ما علي و أنت وارثي و وصيي تقضي ديني و تنجز عداتي و تقتل على سنتي كذب من زعم أنه يبغضك و يحبني .

قال الشيخ العالم يحيى بن الحسن بن البطريق الأسدي رحمه الله : فقد أبان الله سبحانه و تعالى الفرق بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) و بين غيره فيما حل له و حرم على غيره و إذا كان الحرام على غيره حلا له وجبت ميزته و ثبتت عصمته لموضع الأمن منه لوقوع ما يكره الله سبحانه و وقوعه من غيره و هذا محمول على ما تقدم من شواهد الكتاب العزيز له و لولديه و زوجته (عليه السلام) و هو قوله تعالى إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً و النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فتح أبواب الجميع على ظاهر الحال لأن ظاهرها كانت صالحة و لا يعلم النبي من حال الأمة غير الظاهر إلا ما يطلعه عليه القديم تعالى الذي يعلم الغيوب و البواطن ففتح الأبواب للجميع و لم يفرق بين القريب و الصاحب لظاهر الأحوال الصالحة فمنع القديم تعالى للقوم من الجواز و سد أبوابهم لا يخلو من قسمين إما أن يكون على ظاهر الحال أو على باطنها فظاهر الحال قد بينا أنها كانت صالحة و هي التي بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها فعله في الإباحة فلم يبق إلا أن يكون منع الله تعالى لهم على باطن الحال لا على ظاهره لأنه سبحانه و تعالى هو المتوالي للبواطن فعلم سبحانه و تعالى من

[334]

حاله و صلاحها ما لم يحط به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) علما إلا بعد وحي الله تعالى إليه لأن علم الغيب إليه لا إلى غيره تعالى و لا يحيط بعلم الغيب و لا يظهر عليه إلا لمن ارتضاه الله من رسله كما قال فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ و إذا كان (عليه السلام) قد انفرد بصلاح الباطن دون غيره و شاركهم في صلاح الظاهر فقد اتفق له صلاحهما معا فظهرت ميزته على الناس بما عرفه الله من باطن حاله و لم يعرفه من غيره و هذا واضح ثم إن منعهم من الجواز إما أن يكون بسبب موجب أو لغير سبب و لا جائز أن يعرى من سبب لأن العبث و الخلق من الحكمة في أفعال الله محال فتعين أن يكون لسبب و حكمة و إذا ثبت وجه الحكمة في منع غيره و إباحته هو (عليه السلام) فثبت له ما لا يشاركه فيه غيره فوجب له الفضل على غيره و وجب اتباعه و الاقتداء به لتخصصه بهذه المنزلة الحاصلة له بوحي من الله تعالى و أقوال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه تعضد هذا أو تدل على صلاح باطنه (عليه السلام) .

كقوله : علي مني و أنا منه .

و كقوله :أنت مني بمنزلة هارون من موسى .

و كقوله :أنت أخي في الدنيا و الآخرة .

و كقوله :من كنت مولاه فعلي مولاه .

و قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) :صلت الملائكة علي و على علي سبع سنين قبل الناس .

و قوله تعالى إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً و غير ذلك من مناقبه و مزاياه و مآثره و سجاياه التي تفوت الحد و تتجاوز العد و لو لا ثبوت ذلك له لما أنزله من نفسه بهذه المنازل و لما أقامه مقام نفسه في شي‏ء من ذلك و لا أذن له في تخصيصه و تبيين مكانه بما ميزه عن الأمثال و الأضراب باستبداده و بصلاح باطنه و مشاركته غيره في الظاهر.

و كما تميز على الأصحاب في فتح بابه دون أبوابهم بصلاح الباطن فقد امتاز عليهم في الظاهر و هو أنه يعتبر بأشياء أولها العلم و هو موجب للفضل بدليل قوله تعالى هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ و قوله تعالى إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ و قوله عز و جل وَ ما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ و علي (عليه السلام) أعلم الأمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لرجوع الصحابة إلى حكمه و عملهم في كثير

[335]

من قضاياهم برأيه و لم يسأل هو أحدا و لا رجع إلى حكمه و هذا ثابت واضح قد نقله الناس في كتبهم و صحاحهم و لأنه وارثه .

بقوله : ترث مني ما ورث الأنبياء من قبلك .

و هو : كتاب الله و سنة نبيهم ; و من ورث الكتاب و السنة فهو أعلم الناس لأن العلم لا يخرج عنهما.

next page

fehrest page

back page