في ذكر أحاديث خاصف النعل
أذكر أحاديث في ذكر خاصف النعل من الصحاح الستة لرزين العبدري من
الجزء الثالث في ذكر غزوة الحديبية من سنن أبي داود و صحيح الترمذي بالإسناد الأول .
قال : لما كان يوم
الحديبية خرج إلينا أناس من المشركين من رؤسائهم فقالوا قد خرج إليكم من أبنائن و أرقائنا و
إنما خرجوا فرارا من خدمتنا فارددهم إلينا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا معشر قريش لتنتهن
عن مخالفة أمر الله أو ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف الذين قد امتحن
الله قلوبهم للتقوى .
قال بعض أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أولئك يا رسول الله قال منهم
خاصف النعل و كان قد أعطى عليا (عليه السلام) نعله يخصفها .
و من مسند أحمد بن
حنبل رحمة الله عليه عن علي (عليه السلام) : أن سهيل بن عمرو أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا محمد إن قومنا
لحقوا بك فارددهم علينا فغضب حتى رئي الغضب في وجهه ثم قال لتنتهن يا معشر قريش أو
ليبعثن الله عليكم رجلا منكم امتحن الله قلبه للإيمان يضرب رقابكم على الدين قيل
يا رسول الله أبو بكر قال لا قيل فعمر قال لا و لكن خاصف النعل في الحجرة ثم قال
علي أما إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لا تكذبوا علي فمن كذب علي متعمدا أولجته النار
.
و بالإسناد قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لينتهن أو لأبعثن إليهم رجلا يمضي فيهم
أمري فيقتل المقاتلة و يسبي الذرية قال فقال أبو ذر فما راعني إلا برد كف عمر في
حجزتي من خلفي قال من تراه يعني قلت ما يعنيك و لكن يعني
[336]
خاصف النعل يعني عليا (عليه السلام) .
قال علي بن عيسى عفا الله عنه : قد سبق ذكري لهذه الأحاديث بألفاظ
تقارب
هذه و إنما أوردتها هاهنا لأذكر
عقيبها ما أورده ابن البطريق عقيب إيرادها .
قال رحمه الله : اعلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) إنما قال ذلك تنويها بذكر أمير المؤمنين و نصا عليه بأمور منها أنه ولي الأمة بعده
لأنه قال يضرب رقابكم على الدين بعد قوله امتحن الله قلبه للإيمان و جعل ذلك ببعث
الله سبحانه و تعالى له لا من قبل نفسه و هذا نص منه (عليه السلام) و من الله سبحانه و تعالى
على أمير المؤمنين (عليه السلام) لاستحقاق استيفاء حق الله تعالى له ممن كفر و لا يستحق ذلك
بعد النبي إلا الإمام و دليل صحته قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في خبر من هذه الأخبار رجلا مني أو قال
مثل نفسي فدل على
أن المراد بذلك التنويه باستحقاق الولاء لكونه مثل نفسه إذ قال مثل نفسي و يزيده
بيانا و إيضاحا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديث آخر و قسمه بالله تعالى
أنه ما اشتهى الإمارة إلا يومئذ و المتمني و المشتهي لا يطلب ما هو دون قدره بدليل
قوله تعالى وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ
فالمتمني يكون بما فضل به البعض على البعض لا لما استووا فيه و يزيده بيانا ما
تقدم في الخبر من قول أبي بكر أنا هو يا رسول الله صلى الله عليك و آلك قال لا و
لو لم يعلما أن ذلك كان علامة من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تدل على مستحق الأمر بعده ما تطاولا إلى
طلبته ذلك.
فإن قيل إنما تطاولا لذلك لأنه أمر محبوب إلى كل أحد أن يكون قد امتحن
الله قلبه للإيمان لا لموضع استحقاق الأمر بعده.
قلنا الذي يدل على أنه لاستحقاق
الولاء دون ما عداه قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على
تنزيله فجعل القاتلين سواء لأنه ذكرهما بكاف التشبيه لأن إنكار التأويل كإنكار
التنزيل لأن منكر التنزيل جاحد لقبوله و منكر التأويل جاحد لقبول العمل به فهما
سواء في الجحود و ليس مرجع قتال الفريقين
[337]
إلا إلى النبي أو
إلى من يقوم مقامه فدل على أن الكتابة إنما كانت لاستحقاق الإمامة كما تقدم.
فأما
ما ورد في الخبر بلفظ الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى و هو واحد فلا يخلو إما أن
يكون الراوي غيره إما غلطا و إما تعمدا للغلط ليضيع الفائدة أو يكون ورد هكذا فإن
كان الأولان فالواقع من كون المعين واحدا يدل على بطلانه و إن كان الثالث فهو
كقوله تعالى إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ فذكره
سبحانه في هذه الآية في موضعين بلفظ الذين و هو واحد و كذلك قوله تعالى وَ
أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ على الجمع و هو واحد.
و أما قوله (عليه السلام) منهم خاصف النعل
فلم يرد أن ثم من هو بهذه الصفة و لكنه أراد أن هذه الصفة موجودة فيه لا في غيره و
ذلك مثل قوله تعالى وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ لم يرد بذلك إلا
جميع من قال بهذه المقالة و لم يستثن بعضا من كل .
وقوله تعالى وَ مِنْهُمْ
أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ و أراد بذلك جميع من كان
بهذه الصفة و إبانة من هو مستحق لإطلاقها عليه .
وقوله تعالى وَ مِنْهُمْ مَنْ
يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ لم يرد أنه ترك البعض ممن هو بهذه الصفة و ترك البعض و
إنما أراد بيان من هو مستحق لهذه الصفة دون غيره لا لأنه بعض .