next page

fehrest page

back page

فلنبدأ الآن بذكر فاطمة (عليها السلام)

التي زاد إشراق هذا النسب بإشراق أنوارها و اكتسب فخرا ظاهرا من فخارها و اعتلى على الأنساب بعلو منارها

[449]

و شرف قدره بشرف محلها و مقدارها فهي مشكاة النبوة التي أضاء لألاؤها و تشعشع ضياؤها و سحت بسحب الغر أنواؤها و عقيلة الرسالة التي علت السبع الشداد مراتب على و علاء و مناصب آل و آلاء و مناسب سنا و سناء الكريمة الكريمة الأنساب الشريفة الشريفة الأحساب الطاهرة الطاهرة الميلاد الزهراء الزاهرة الأولاد السيدة بإجماع أهل السداد الخيرة من الخير ثالثة الشمس و القمر بنت خير البشر أم الأئمة الغرر الصافية من الشوب و الكدر الصفوة على رغم من جحد أو كفر الحالية بجواهر الجلال الحالة في أعلى رتب الكمال المختارة على النساء و الرجال صلى الله عليها و على أبيها و بعلها و بنيها السادة الأنجاب وارثي النبوة و الكتاب و سلم و شرف و كرم و عظم .

فاطمة (عليها السلام) .

قال المؤلف علي بن عيسى بن أبي الفتح أيده الله تعالى أذكر على عادتي ما ورد في أمرها من طرق الجمهور و أذكر بعد ذلك ما أورده أصحابنا .

قال ابن الخشاب في تاريخ مواليد و وفاة أهل البيت نقله عن شيوخه يرفعه عن أبي جعفر محمد بن علي قال :
ولدت فاطمة بعد ما أظهر الله نبوة نبيه و أنزل عليه الوحي بخمس سنين و قريش تبني البيت و توفيت و لها ثمانية عشر سنة و خمسة و سبعين يوما و في رواية صدقة ثمانية عشر سنة و شهر و خمسة عشر يوما و كان عمرها مع أبيها (عليه السلام) بمكة ثمانية سنين و هاجرت إلى المدينة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأقامت معه عشر سنين فكان عمرها ثمانية عشر سنة فأقامت مع علي أمير المؤمنين بعد وفاة أبيها خمسة و سبعين يوما و في رواية أخرى أربعين يوما .

و قال الذارع أنا أقول فعمرها على هذه الرواية ثمانية عشرة سنة و شهر و عشرة أيام و ولدت الحسن و لها إحدى عشرة سنة بعد الهجرة بثلاث سنين آخر كلامه.

و نقلته من نسخة بخط ابن وضاح على ما كتبه بصورته و قد أجاز لي رواية

[450]

كلما يرويه و نقلت من كتاب معالم العترة النبوية العلية و معارف أئمة أهل البيت الفاطمية العلوية تصنيف الحافظ أبي محمد عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي رحمه الله و هذا الكتاب أرويه إجازة عن الشيخ تاج الدين علي بن أنجب بن الساعي رحمه الله عن مصنفه قال أم الأئمة فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أمها خديجة بنت خويلد بن أسد رضوان الله عليها .

و روى بأسانيده مرفوعا إلى قتادة عن أنس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خير نسائها مريم و خير نسائها فاطمة بنت محمد .

و بإسناده إلى أحمد بن حنبل يرفعه إلى أنس : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران و خديجة بنت خويلد و فاطمة بنت محمد (عليه السلام) و آسية امرأة فرعون .

و بإسناده عن أنس : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران و خديجة بنت خويلد و فاطمة بنت محمد (عليه السلام) .

و منه قالت عائشة رضي الله عنها لفاطمة (عليها السلام) : أ لا أبشرك أني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول سيدات نساء أهل الجنة أربع مريم بنت عمران و فاطمة بنت محمد و خديجة بنت خويلد و آسية بنت مزاحم امرأة فرعون .

و بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة خير نساء أهل الجنة إلا ما كان من مريم بنت عمران .

و منه عن علي (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : إذا كان يوم القيامة قيل يا أهل الجمع غضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و عليها ريطتان خضراوان .

قال أبو مسلم قال لي أبو قلابة و كان معنا عند عبد الحميد : حلتان حمراوان .

و بإسناده مرفوعا عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن فاطمة الصغرى عن حسين بن علي عن أمه فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قالت : خرج علينا رسول

[451]

الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عشية عرفة فقال إن الله عز و جل باهى بكم و غفر لكم عامة و لعلي خاصة و إني رسول الله عز و جل إليكم غير محاب لقرابتي إن السعيد كل السعيد من أحب عليا في حياته و بعد موته .

و منه عن أبي فاختة : أنه سمع عليا يقول استأذن علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أنا مضاجع فاطمة و حسن و حسين إلى جنبها فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن هذا يعني عليا و ابنيك و هما الحسن و الحسين يوم القيامة إلى مكان واحد .

قلت : كذا رأيته في هذه النسخة و أنا أنقله من غير هذا الكتاب أوضح من هذا أذكره في مكانه إن شاء الله تعالى .

و نقلت من مسند أحمد بن حنبل رحمه الله و قد تقدم : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخذ بيد حسن و حسين و قال من أحبني و أحب هذين و أباهما و أمهما كان معي في درجتي في الجنة يوم القيامة .

و منه عن ثوبان مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا سافر آخر عهده بإنسان من أهله فاطمة و أول من يدخل عليه إذا قدم فاطمة (عليها السلام) قال فقدم من غزاة فأتاها فإذا هو بمسح على بابها و رأى على الحسن و الحسين (عليهما السلام) قلبين من فضة فرجع و لم يدخل عليها فلما رأت ذلك فاطمة ظنت أنه لم يدخل عليها من أجل ما رأى فهتكت الستر و نزعت القلبين من الصبيين فقطعتهما فبكى الصبيان فقسمته بينهما فانطلقا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هما يبكيان فأخذه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منهما و قال يا ثوبان اذهب بهذا إلى بني

[452]

فلان أهل بيت بالمدينة و اشتر لفاطمة قلادة من عصب و سوارين من عاج فإن هؤلاء أهل بيتي و لا أحب أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا .

و من المسند عن حذيفة بن اليمان قال : سألتني أمي متى عهدك بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال فقلت لها منذ كذا و كذا قال فنالت مني و سبتني قال فقلت لها دعيني فإني آتي النبي ص فأصلي معه المغرب ثم لا أدعه حتى يستغفر لي و لك قال فأتيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فصليت معه المغرب فصلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) العشاء ثم انفتل فتبعته فعرض له عارض فناجاه ثم ذهب فاتبعته فسمع صوتي فقال من هذا فقلت حذيفة قال ما لك فحدثته بالأمر فقال غفر الله لك و لأمك ثم قال أ ما رأيت العارض الذي عرض لي قبل قال قلت بلى قال هو ملك من الملائكة لم يهبط إلى الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه عز و جل أن يسلم علي و يبشرني أن الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة و أن فاطمة سيدة نساء العالمين .

و منه و لعله قد تقدم عن أبي هريرة قال : نظر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

[453]

إلى علي و الحسن و الحسين و فاطمة (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال أنا حرب لمن حاربكم سلم لمن سالمكم .

و منه عن أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران و خديجة بنت خويلد و فاطمة بنت محمد و آسية بنت مزاحم امرأة فرعون .

و من المسند عن عائشة رضي الله عنها قالت : أقبلت فاطمة (عليها السلام) تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال مرحبا يا ابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم إنه أسر إليها حديثا فبكت فقلت استخصك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بحديثه ثم تبكين ثم إنه أسر إليها حديثا فضحكت فقلت ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن فسألتها عما قال فقالت ما كنت لأفشي سر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سألتها فقالت أسر إلي فقال إن جبرئيل (عليه السلام) كان يعارضني بالقرآن في كل عام مرة و إنه عارضني به العام مرتين و لا أراه إلا قد حضر أجلي و إنك أول أهل بيتي لحوقا بي و نعم السلف أنا لك فبكيت لذلك فقال أ لا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة أو نساء المؤمنين قالت فضحكت لذلك .

و منه عن عائشة قالت : لما مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دعا ابنته فاطمة فسارها فبكت ثم سارها فضحكت فسألتها عن ذلك فقالت أما حيث بكيت فإنه أخبرني أنه ميت فبكيت ثم أخبرني أني أول أهل بيته لحوقا به فضحكت .

و روى الحافظ عبد العزيز الجنابذي المذكور آنفا في كتابه المذكور يرفعه إلى عائشة قالت : ما رأيت أحدا أشبه حديثا و كلاما برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من فاطمة و كانت إذا دخلت عليه أخذ بيدها فقبلها و أجلسها في مجلسه و كان إذا دخل عليها قامت إليه فقبلته و أخذت بيده فأجلسته في مكانها من غير الكتاب و لعل الناسخ سها فالحديث معروف فدخلت عليه في مرضه الذي توفي فيه و ذكرت بمعناه من السرار و الضحك و البكاء .

[454]

أقول هذا الحديث قد ورد من عدة طرق و قد دل بمضمونه على أن فاطمة (عليها السلام) هي سليلة النبوة و رضيعة در الكرم و الأبوة و درة صدف الفخار و غرة شمس النهار و ذبالة مشكاة الأنوار و صفوة الشرف و الجود و واسطة قلادة الوجود نقطة دائرة المفاخر قمر هالة المآثر الزهرة الزهراء و الغرة الغراء العالية المحل الحالة في رتبة العلاء السامية المكانة المكينة في عالم السماء المضيئة النور المنيرة الضياء المستغنية باسمها عن حدها و وسمها قرة عين أبيها و قرار قلب أمها الحالية بجواهر علاها العاطلة من زخرف دنياها أمة الله و سيدة النساء جمال الآباء شرف الأبناء يفخر آدم بمكانها و يبوح نوح بشدة شأنها و يسمو إبراهيم بكونها من نسله و ينجح إسماعيل على إخوته إذ هي فرع أصله و كانت ريحانة محمد من بين أهله فما يجاريها في مفخر إلا مغلب و لا يباريها في مجد إلا مؤنب و لا يجحد حقها إلا مأفون و لا يصرف عنها وجه إخلاصه إلا مغبون.

و بيان ذلك و تفصيل جمله أن الطباع البشرية مجبولة على كراهة الموت مطبوعة على النفور منه محبة للحياة مائلة إليها حتى الأنبياء (عليهم السلام) على شرف مقاديرهم و عظم أخطارهم و مكانتهم من الله تعالى و منازلهم من محال قدسه و علمهم بما تئول إليه أحوالهم و تنتهي إليه أمورهم أحبوا الحياة و مالوا إليها و كرهوا الموت و نفروا منه و قصة آدم (عليه السلام) مع طول عمره و امتداد أيام حياته معلومة.

قيل إنه وهب داود (عليه السلام) حين عرضت عليه ذريته أربعين سنة من عمره فلما استوفى أيامه و حانت منيته و انقضت مدة أجله و حم حمامه جاءه ملك الموت يقبضه نفسه التي هي وديعة عنده فلم تطب بذلك نفسه و جزع و قال إن الله عرفني مدة عمري و قد بقيت منه أربعون سنة فقال إنك وهبتها ابنك داود فأنكر أن يكون ذلك قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فجحد فجحدت ذريته.

و نوح (عليه السلام) كان أطول الأنبياء عمرا أخبر الله تعالى عنه أنه لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما فلما دنا أجله قيل له كيف رأيت الدنيا فقال كدار

[455]

ذات بابين دخلت في باب و خرجت من باب و هذا يدل بمفهومه على أنه لم يرد الموت و لم يؤثر مفارقة الدنيا و لا استطال أمد الإقامة فيها.

و إبراهيم (عليه السلام) روي أنه سأل الله تعالى أن لا يميته حتى يسأله فلما استكمل أيامه التي قدرت له خرج فرأى ملكا على صورة شيخ فان كبير قد أعجزه الضعف و ظهر عليه الخراف و لعابه يجري على لحيته و طعامه و شرابه يخرجان من سبيله من غير اختياره فقال له يا شيخ كم عمرك فأخبره بعمر يزيد على عمر إبراهيم سنة فاسترجع و قال أنا أصير بعد سنة إلى هذه الحال فسأل الموت.

و موسى (عليه السلام) لما جاءه ملك الموت ليقبض روحه لطمه فأعوره كما ورد في الحديث فقال رب إنك أرسلتني إلى عبد لا يحب الموت فأوحى الله إليه أن ضع يدك على متن ثور و لك بكل شعرة وارتها يدك سنة فقال ثم ما ذا فقال الموت فقال انته إلى أمر ربك في كلام هذا معناه فإن الحديث لم يحضرني وقت نقل هذا الموضع فأثبته بصورة ألفاظه.

فهؤلاء الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم) و هم ممن عرفت شرفهم و علا شأنهم و ارتفاع مكانهم و محلهم في الآخرة و قد عرفوا ذلك و أبت طباعهم البشرية إلا الرغبة في الحياة و فاطمة (عليها السلام) امرأة حديثة عهد بصبى ذات أولاد صغار و بعل كريم لم تقض من الدنيا إربا و هي في غضارة عمرها و عنفوان شبابها يعرفها أبوها أنها سريعة اللحاق به فتسلو موت أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) و تضحك طيبة نفسها بفراق الدنيا و فراق بنيها و بعلها فرحة بالموت مائلة إليه مستبشرة بهجومه مسترسلة عند قدومه و هذا أمر عظيم لا تحيط الألسن بصفته و لا تهتدي القلوب إلى معرفته و ما ذاك إلا لأمر علمه الله من أهل هذا البيت الكريم و سر أوجب لهم مزية التقديم فخصهم بباهر معجزاته و أظهر عليهم آثار علائمه و سماته و أيدهم ببراهينه الصادعة

[456]

و دلالاته و الله أعلم حيث يجعل رسالاته الحديث ذو شجون .

و روى أحمد في مسنده يرفعه إلى أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة و فاطمة سيدة نسائهم (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا ما كان لمريم ابنة عمران .

فأما آية الطهارة فقد أوردها أحمد بن حنبل رحمة الله عليه في مسنده عن أم سلمة و عائشة رضي الله عنهما بطرق كثيرة ل فاطمة (عليها السلام) و لولديها (عليه السلام) فيها من الحظ ما لعلي (عليه السلام) و قد أوردتها في أخباره (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم أعدها هنا .

و روى ابن خالويه في كتاب الآل قال حدثني أبو عبد الله الحنبلي قال حدثنا محمد بن أحمد بن قضاعة قال حدثنا أبو معاذ عبدان بن محمد قال حدثني مولاي أبو محمد الحسن بن علي عن أبيه علي بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما خلق الله آدم و حواء تبخترا في الجنة فقال آدم لحواء ما خلق الله خلقا هو أحسن منا فأوحى الله إلى جبرئيل ائت بعبدي الفردوس الأعلى فلما دخلا الفردوس نظر إلى جارية على درنوك من درانيك الجنة و على رأسها تاج من نور و في أذنيها قرطان من نور قد أشرقت الجنان من نور وجهها فقال آدم حبيبي جبرئيل من هذه الجارية التي قد أشرقت الجنان من حسن وجهها فقال هذه فاطمة بنت محمد نبي من ولدك يكون في آخر الزمان قال فما هذا التاج الذي على رأسها قال بعلها علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال ابن خالويه البعل في كلام العرب خمسة أشياء الزوج و الصنم من قوله أَ تَدْعُونَ بَعْلًا و البعل اسم امرأة و بها سميت بعلبك و البعل من النخل ما شرب بعروقه من غير سقي و البعل السماء و العرب تقول السماء بعل الأرض

[457]

قال فما القرطان اللذان في أذنيها قال ولداها الحسن و الحسين قال آدم حبيبي أ خلقوا قبلي قال هم موجودون في غامض علم الله قبل أن تخلق بأربعة آلاف سنة .

و عن ابن خالويه من كتاب الآل يرفعه إلى علي بن موسى الرضا عن آبائه (عليهم السلام) عن علي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش يا معشر الخلائق غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و زاد ابن عرفة عن رجاله يعرفه إلى أبي أيوب الأنصاري قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش يا أهل الجمع نكسوا رءوسكم و غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة (عليها السلام) على الصراط فتمر و معها سبعون ألف جارية من الحور العين .

و منه عن نافع بن أبي الحمراء قال : شهدت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمانية أشهر إذا خرج إلى صلاة الغداة مر بباب فاطمة (عليها السلام) فقال السلام عليكم يا أهل البيت و رحمة الله و بركاته الصلاة إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً .

و من كتاب الآل مرفوعا إلى مالك بن حمامة قال : طلع علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) متبسما يضحك فقام إليه عبد الرحمن بن عوف فقال بأبي أنت و أمي يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما الذي أضحكك قال بشارة أتتني من عند الله عز و جل في ابن عمي و أخي و ابنتي أن الله تعالى لما زوج فاطمة (عليها السلام) أمر رضوان فهز شجرة طوبى فحملت رقاقا يعني بذلك صكاكا بعدد محبينا أهل البيت ثم أنشأ من تحتها ملائكة من نور من بعد فأخذ كل ملك رقا فإذا استوت القيامة بأهلها ماجت الخلائق و الملائكة

[458]

فلا يلقون محبا لنا أهل البيت محضا إلا أعطوه رقا فيه براءة من النار فنثار أخي و ابن عمي و ابنتي فكاك رقاب رجال و نساء من أمتي من النار .

هذا الحديث ذكرته في أخبار علي (عليه السلام) و ذكرته هنا لما فيه من ذكر فاطمة (عليها السلام) و كان ذكره عند تزويجه بها (عليه السلام) أولى و أينما ذكر فهو دال على شرفهما (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و من كتاب الآل عن الحسين بن علي عن أبيه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : يا فاطمة إن الله ليغضب لغضبك و يرضى لرضاك .

و قد جمع الشيخ الفقيه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي نزيل الري رحمه الله من أصحابنا كتابا مقصورا على مولد فاطمة (عليها السلام) و فضائلها و تزويجها و ظلامتها و وفاتها و محشرها صلوات الله على أبيها و عليها و على بعلها و على الأئمة من ذريتها و أنا أذكر على عادتي ما يسوغ ذكره و إن كان مما نقله الجمهور نبهت عليه جريا على طريقتي فيه و بالله التوفيق .

روى حديثا مرفوعا إلى جابر بن عبد الله الأنصاري قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول إن الله عز و جل خلقني و خلق عليا و فاطمة و الحسن و الحسين من نور فعصر ذلك النور عصرة فخرج منه شيعتنا فسبحنا فسبحوا و قدسنا فقدسوا و هللنا فهللوا و مجدنا فمجدوا و وحدنا فوحدوا ثم خلق السماوات و الأرضين و خلق الملائكة فمكثت الملائكة مائة عام لا تعرف تسبيحا و لا تقديسا فسبحنا فسبحت شيعتنا فسبحت الملائكة و كذلك في البواقي فنحن الموحدون حيث لا موحد غيرنا و حقيق على الله عز و جل كما اختصنا و اختص شيعتنا أن ينزلنا و شيعتنا في أعلى عليين إن الله اصطفانا و اصطفى شيعتنا من قبل أن تكون أجساما فدعانا فأجبنا فغفر لنا و لشيعتنا من قبل أن نستغفر الله تعالى .

قلت : قد اختصرت بعض ألفاظ هذا الحديث بقولي و كذا في البواقي لأن فيه و قدسنا فقدست شيعتنا فقدست الملائكة إلى آخرها و نبهت على ذلك لتعلمه .

و روي : عن علي (عليه السلام) قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول إن الله تبارك و تعالى

[459]

خلقني و عليا و فاطمة و الحسن و الحسين من نور واحد .

و عن حذيفة بن اليمان قال : دخلت عائشة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو يقبل فاطمة (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت له يا رسول الله أ تقبلها و هي ذات بعل فقال لها أما و الله لو علمت ودي لها إذا لازددت لها حبا إنه لما عرج بي إلى السماء فصرت إلى السماء الرابعة أذن جبرئيل و أقام ميكائيل ثم قال لي ادن فقلت أدنو و أنت بحضرتي فقال لي نعم إن الله فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين و فضلك أنت خاصة فدنوت فصليت بأهل السماء الرابعة فلما صليت و صرت إلى السماء السادسة إذا أنا بملك من نور على سرير من نور عن يمينه صف من الملائكة و عن يساره صف من الملائكة فسلمت فرد علي السلام و هو متكئ فأوحى الله عز و جل إليه أيها الملك سلم عليك حبيبي و خيرتي من خلقي فرددت السلام عليه و أنت متكئ و عزتي و جلالي لتقومن و لتسلمن عليه و لا تقعدن إلى يوم القيامة فوثب الملك و هو يعانقني و يقول ما أكرمك على رب العالمين يا محمد فلما صرت إلى الحجب نوديت آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ فألهمت فقلت وَ الْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ ثم أخذ جبرئيل (عليه السلام) بيدي فأدخلني الجنة و أنا مسرور فإذا أنا بشجرة من نور مكللة بالنور و في أصلها ملكان يطويان الحلي و الحلل إلى يوم القيامة ثم تقدمت أمامي فإذا أنا بقصر من لؤلؤة بيضاء لا صدع فيها و لا وصل فقلت حبيبي جبرئيل لمن هذا القصر قال لابنك الحسن ثم تقدمت أمامي فإذا أنا بتفاح لم أر تفاحا هو أعظم منه فأخذت تفاحة ففلقتها فإذا أنا بحوراء كأن أجفانها مقاديم أجنحة النسور فقلت لمن أنت فبكت ثم قالت أنا لابنك المقتول ظلما الحسين بن علي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم تقدمت أمامي فإذا أنا برطب ألين من الزبد الزلال و أحلى من العسل فأكلت رطبة منها و أنا أشتهيها فتحولت الرطبة نطفة في صلبي فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة ففاطمة حوراء إنسية فإذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة صلى الله عليها و على أبيها و بعلها

[460]

و منه عن ابن عباس مثله و فيه زيادة تتعلق بفضل أمير المؤمنين (عليه السلام) و فيه شجرة فقلت لمن هذه الشجرة فقال لأخيك علي بن أبي طالب و هذان الملكان يطويان الحلي و الحلل إلى يوم القيامة و ليس فيه ذكر الحسن و الحسين (عليهما السلام) و فيه فأخذت رطبة فأكلتها فتحولت و فيه قبل هذا فصليت بأهل السماء الرابعة ثم التفت عن يميني فإذا أنا بإبراهيم (عليه السلام) في روضة من رياض الجنة قد اكتنفه جماعة من الملائكة و فيه فنوديت في السادسة يا محمد نعم الأب أبوك إبراهيم و نعم الأخ أخوك علي .

أقول : ربما سمع أمثال هذه الأحاديث التي تفرد أصحابنا الشيعة بنقلها في هذا المعنى و غيره بعض المتسرعين فيطلق لسانه بالطعن فيها و تكذيب من رواها غير ناظر في الأمر الذي من أجله صدق ما رواه و كذب غيره و أنا أذكر فصلا غرضي فيه الإنصاف و قصدي فيه توخي الحق و الله يعلم أنها عادتي في كل ما أورده و طريقي كلما أتيته و أنت أيدك الله متى نظرت في ذلك نظر من يريد تحقيق الحق ظهر لك صحة ما أوردته و حقيقة ما أردته.

و بيان هذا أنه لا يقتضي عقل من يؤمن بالله و اليوم الآخر و يقول بالبعث و النشور و يصدق بالجنة و النار أن يسعى لنفسه في البعد من الله و رسوله و جنته و القرب من عذاب الله و سخطه و ناره نعوذ بالله من ذلك فمن المحال أن الشيعي يعلم أن حديثا ورد في حق أحد من الصحابة فيقول ببطلانه و يميل إلى تكذيبه أو يحرفه عما ورد لأجله مكابرة للحق و دفعا له بالراح و إقداما على الله و رسوله و كذبا على الله و رسوله .

و قد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من كذب علي متعمدا فيلتبوأ مقعده من النار .

و قال : من كذب علي كلف أن يعقد شعيرتين من نار و ليس بعاقد .

فعلى هذا لا يكون الرجل مسلما و هو يكذب على الله و رسوله و كيف يفعل الشيعي مثل هذا أو يقدم عليه و فيه من الخطر و سوء العاقبة ما ذكرت لك.

و الذي يجب أن يقال أن الشيعة روت أحاديث نقلها رجالهم المعروفون عندهم بالأمانة و العدالة فنقلوها عنهم و لم يعرفوا رجال الجمهور لينقلوا عنهم و

[461]

كذا حال أولئك فيما رووه عن رجالهم فأخبار هؤلاء لا تكون حجة على أولئك و بالعكس ثم إن طوائف الجمهور ينقل بعضهم ما لا ينقله الباقون و يحرم بعضهم ما أحله الآخرون و لا يتسرعون فيما بينهم فيقولون كذب فلان و قد خالفه بل ربما اعتذر عنه و سماه مجتهدا و قال إلى هذا أدى اجتهاده و اختلاف الأمة رحمة في أمثال ذلك و متى سمعوا حديثا رواه الشيعة أقدموا على رده و كذبوا ناقله و راويه مسترسلين إلى ذلك و إنما روى بالطريق التي بها رووا فهلا عاملوه معاملتهم لأصحابهم الذين خالفوهم.

و نضرب مثلا يحصل به التأنيس بهذه المقدمة و يقوم به عذر الشيعة عند من عساه ينصف و يقارب و قليل ما هم لا شبهة أن كتاب الجمع بين الصحيحين لمسلم و البخاري من أوثق الكتب و أصحها نقلا و أثبتها رجالا عند الجمهور.

و من رواة الأحاديث فيه طلحة و الزبير و عائشة رضوان الله عليهم و هم في مناصبتهم عليا (عليه السلام) و مظاهرتهم عليه و حربهم له معروفو الحال حتى قتل في وقعة الجمل ألوف من الفريقين.

و من رواة الحديث في هذا الكتاب معاوية بن أبي سفيان و عمرو بن العاص و قد فعلا بعلي (عليه السلام) ما فعلا و أقدما على سبه و حربه و نازعاه رداء الإمامة و حروبهم في صفين معروفة و سرايا معاوية إلى الحجاز و اليمن و قتل شيعة علي تحت كل حجر و مدر واضح جلي.

و من رواة هذا الكتاب المغيرة بن شعبة و حاله في الانحراف عن علي (عليه السلام) حاله.

و من رواة هذا الكتاب عمران بن حطان و كان خارجيا يلعن عليا و يقول بكفره إلى غير ذلك.

فهل يلام متشيع إذا وقف في تصديق من هذا سبيله فالشيعة تبع رجالهم الثقات عندهم و أولئك تبع رجالهم الثقات عندهم و قد جرت العادة أنه إذا تعارضت البينات و تكافأت الأدلة أن يرجح الحاكم إن وجد مرجحا و الشيعة يسقطون

[462]

ما رووه و يأخذون حاجتهم مما رواه الجمهور فيحصل مرادهم بإجماع الطائفتين و هذا مرجح ظاهر لمن تأمله و هذا الحديث الذي أوجب إيراد هذا الكلام ليس بأغرب من حديث رووه في الصحاح أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعمر إني رأيت قصرا في الجنة من صفته كذا و من صفته كذا فقلت لمن هذا فقيل لعمر و كنت أردت دخوله فذكرت غيرتك فوليت مدبرا فبكى عمر و قال و منك أغار في حديث هذا معناه فكيف يصدق أمثال هذا و يكذب أمثال ذاك لو لا الميل نعوذ بالله من شرور أنفسنا و غلبة الأهواء علينا.

و ليكن هذا القول في كل ما نورده من الأحاديث التي يرويها أصحابنا كافيا و فضل فاطمة (عليها السلام) مشهور و محلها من الشرف من أظهر الأمور كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يعظم شأنها و يرفع مكانها كان يكنيها بأم أبيها و يحلها من محبته محلا لا يقاربها فيه أحد و لا يوازيها .

سأله علي (عليه السلام) يوما فقال يا رسول الله أنا أحب إليك أم فاطمة فقال : أنت عندي أعز منها و هي أحب منك .

و قد تقدم في المجلد الأول .

أنه (عليه السلام) حين سأله علي و جعفر و زيد من أحب الناس إليك قال فاطمة .

و قد روى المخالف و المؤالف أنها كانت (عليه السلام) إذا جاءت إلى أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) قام لها و قبلها و أجلسها مكانه و إنها تفعل كذلك إذا جاء (صلى الله عليه وآله وسلم) إليها و الأول العجيب و لو لا أن فيها سرا إلهيا و معنى لاهوتيا لكان لها أسوة بأولاده (عليه السلام) أو لقاربوا منزلتها و لكن الله يصطفي من يشاء .

و من كتاب أبي إسحاق الثعلبي عن جميع بن عمير عن عمته قالت : سألت عائشة رضي الله عنها من كان أحب الناس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت فاطمة (عليها السلام) قلت إنما أسألك عن الرجال قالت زوجها و ما يمنعه فو الله إن كان ما علمت صواما قواما جديرا أن يقول بما يحب الله و يرضى .

[463]

و عن جابر قال ما رأيت فاطمة (عليها السلام) تمشي إلا ذكرت مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تميل على جانبها الأيمن مرة و على جانبها الأيسر مرة .

و عن عائشة رضي الله عنها و ذكرت فاطمة (عليها السلام) : ما رأيت أصدق منها إلا أباها .

و نعود إلى ذكر شي‏ء مما أورده ابن بابويه القمي قال يرفعه إلى أسماء بنت عميس قالت : قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد كنت شهدت فاطمة (عليها السلام) و قد ولدت بعض أولادها فلم أر لها دما فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) إن فاطمة خلقت حورية في صورة إنسية .

و روي : عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : لفاطمة تسعة أسماء عند الله عز و جل فاطمة و الصديقة و المباركة و الطاهرة و الزكية و الرضية و المرضية و المحدثة و الزهراء قال و سميت فاطمة لأنها فطمت من الشر و لو لا علي (عليه السلام) لما كان لها كفو في الأرض .

و عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : لما ولدت فاطمة (عليها السلام) أوحى الله تبارك و تعالى إلى ملك فأنطق به لسان محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فسماها فاطمة ثم قال إني فطمتك بالعلم و فطمتك من الطمث ثم قال أبو جعفر (عليه السلام) و الله لقد فطمها الله تبارك و تعالى بالعلم و عن الطمث في الميثاق .

و في رواية أخرى عن أبي هريرة قال : إنما سميت فاطمة لأن الله عز و جل فطم من أحبها من النار .

و عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا فاطمة أ تدرين لم سميت فاطمة قال علي يا رسول الله لم سميت قال لأنها فطمت هي و شيعتها من النار .

و عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : لفاطمة (عليها السلام) وقفة على باب جهنم فإذا كان يوم

[464]

القيامة كتب بين عيني كل رجل مؤمن أو كافر فيؤمر بمحب قد كثرت ذنوبه إلى النار فتقرأ فاطمة بين عينيه محبا فتقول إلهي و سيدي سميتني فاطمة و فطمت بي من تولاني و تولى ذريتي من النار و وعدك الحق و أنت لا تخلف الميعاد فيقول الله عز و جل صدقت يا فاطمة إني سميتك فاطمة و فطمت بك من أحبك و تولاك و أحب ذريتك و تولاهم من النار و وعدي الحق و أنا لا أخلف الميعاد و إنما أمرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه فأشفعك فيتبين لملائكتي و أنبيائي و رسلي و أهل الموقف موقعك مني و مكانك عندي فمن قرأت بين عينه مؤمنا أو محبا فخذي بيده و أدخليه الجنة .

و عن علي (عليه السلام) : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سئل ما البتول فإنا سمعناك يا رسول الله تقول إن مريم بتول و فاطمة بتول فقال البتول التي لم تر حمرة قط أي لم تحض فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء .

و روي : في تسميتها الزهراء (عليه السلام) عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه سئل لم سميت الزهراء قال : لأن الله تعالى خلقها من نور عظمته فلما أشرقت أضاءت السماوات و الأرض بنورها و غشيت أبصار الملائكة و خرت الملائكة لله ساجدين و قالوا إلهنا و سيدنا ما هذا النور فأوحى الله إليهم هذا نور من نوري أسكنته في سمائي و خلقته من عظمتي أخرجه من صلب نبي من أنبيائي أفضله على جميع الأنبياء و أخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمري و يهدون إلى حقي و أجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحيي .

و حكى لي السعيد تاج الدين محمد بن نصر بن الصلايا العلوي الحسيني سقى الله ثراه و أحسن عن أفعاله الكريمة جزاه أن بعض الوعاظ ذكر فاطمة (عليها السلام) و مزاياها و كون الله تعالى وهبها من كل فضيلة مرباعها و صفاياها و ذكر بعلها و أباها و استخفه الطرب فأنشد :

خجلا من نور بهجتها *** تتوارى الشمس بالشفق

[465]

و حياء من شمائلها *** يتغطى الغصن بالورق

فشق كثير من الناس ثيابهم و أوجب وصفها بكاءهم و انتحابهم .

و روي : مرفوعا إلى علي (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ل فاطمة (عليها السلام) يا بنية إن الله أشرف على الدنيا فاختارني على رجال العالمين ثم اطلع ثانية فاختار زوجك على رجال العالمين ثم اطلع ثالثة فاختارك على نساء العالمين ثم اطلع الرابعة فاختار ابنيك على شباب العالمين .

و روي : في معنى قوله تعالى فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ قال : سأله بحق محمد و علي و الحسن و الحسين و فاطمة (عليها السلام) .

و عن ابن عباس قال : سألت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الكلمات التي تلقى آدم من ربه فتاب عليه قال سأله بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين إلا تبت علي فتاب عليه .

و روي عن جعفر بن محمد (عليه السلام) : أن امرأة من الجن يقال لها عفراء و كانت تنتاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فتسمع من كلامه فتأتي صالحي الجن فيسلمون على يديها و فقدها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و سأل عنها جبرئيل (عليه السلام) فقال إنها زارت أختا لها تحبها في الله تعالى فقال (عليه السلام) طوبى للمتحابين في الله إن الله تبارك و تعالى خلق في الجنة عمودا من ياقوتة حمراء عليها سبعون ألف قصر في كل قصر سبعون ألف غرفة خلقها الله تعالى للمتحابين في الله و جاءت عفراء فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يا عفراء أين كنت فقالت زرت أختا لي فقال طوبى للمتحابين في الله و المتزاورين يا عفراء أي شي‏ء رأيت قالت رأيت عجائب كثيرة قال فأعجب ما رأيت قالت رأيت إبليس في البحر الأخضر على صخرة بيضاء مادا يديه إلى

[466]

السماء و هو يقول إلهي إذا بررت قسمك و أدخلتني نار جهنم فأسألك بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين إلا خلصتني منها و حشرتني معهم فقلت يا حارث ما هذه الأسماء التي تدعو بها فقال رأيتها على ساق العرش من قبل أن يخلق الله عز و جل آدم بسبعة آلاف سنة فعلمت أنها أكرم الخلق على الله فأنا أسأله بحقهم فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) و الله لو أقسم أهل الأرض بهذه الأسماء لأجابهم الله .

و أنا أقول اللهم إني أسألك بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهم السلام) أن تغفر ذنوبي و تتجاوز عن سيئاتي و تصلح شأني في الدنيا و الآخرة و ترزقني الخير في الدنيا و الآخرة و تصرف عني الشر في الدنيا و الآخرة و تفعل كذلك بالمؤمنين و المسلمين في مشارق الأرض و مغاربها و يرحم الله عبدا قال آمينا .

و روي : : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) قال اشتاقت الجنة إلى أربع من النساء مريم بنت عمران و آسية بنت مزاحم زوجة فرعون و هي زوجة النبي في الجنة و خديجة بنت خويلد زوجة النبي في الدنيا و الآخرة و فاطمة بنت محمد .

و روي عن علي (عليه السلام) قال : كنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال أخبروني أي شي‏ء خير للنساء فعيينا بذلك كلنا حتى تفرقنا فرجعت إلى فاطمة (عليها السلام) فأخبرتها الذي قال لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) و ليس أحد منا علمه و لا عرفه فقالت و لكني أعرفه خير للنساء أن لا يرين الرجال و لا يراهن الرجال فرجعت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت يا رسول الله سألتنا أي شي‏ء خير للنساء و خير لهن أن لا يرين الرجال و لا يراهن الرجال قال من أخبرك فلم تعلمه و أنت عندي قلت فاطمة فأعجب ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال إن فاطمة بضعة مني .

و روي : عن مجاهد : قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو آخذ بيد فاطمة (عليها السلام) فقال من عرف هذه فقد عرفها و من لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد و هي بضعة مني و هي قلبي و روحي التي بين جنبي فمن آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى الله .

[467]

و روي عن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الله ليغضب لغضب فاطمة و يرضى لرضاها .

و بهذا الإسناد عنه مثله : فقال له يا ابن رسول الله بلغنا أنك قلت و ذكر الحديث قال فما تنكرون من هذا فو الله إن الله ليغضب لغضب عبده المؤمن و يرضى لرضاها .

و عنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن فاطمة شجنة مني يسخطني ما أسخطها و يرضيني ما أرضاها و بالإسناد عنه ع مثله .

و نقلت من كتاب لأبي إسحاق الثعلبي عن مجاهد قال : خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد أخذ بيد فاطمة (عليها السلام) و قال من عرف هذه فقد عرفها و من لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد و هي بضعة مني و هي قلبي الذي بين جنبي فمن آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى الله .

و عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن فاطمة (عليها السلام) شعرة مني فمن آذى شعرة مني فقد آذاني و من آذاني فقد آذى الله و من آذى الله لعنه ملأ السماوات و الأرض .

و عن حذيفة قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا ينام حتى يقبل عرض وجنة فاطمة (عليها السلام) أو بين ثدييها .

و عن جعفر بن محمد (عليه السلام) : كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا ينام ليلة حتى يضع وجهه بين ثديي فاطمة (عليها السلام) .

و عن حبيب بن ثابت قال : كان بين علي و فاطمة (عليها السلام) كلام فدخل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فألقي له مثال فاضطجع و جاء علي ع فاضطجع من جانب و جاءت

[468]

فاطمة (عليها السلام) فاضطجعت من جانب فأخذ بيد علي فوضعها على سرته و أخذ بيد فاطمة (عليها السلام) فوضعها على سرته و لم يزل حتى أصلح بينهما ثم خرج فقيل يا رسول الله دخلت على حال و خرجت على حال و نحن نرى البشر في وجهك قال و ما يمنعني ذلك و قد أصلحت بين اثنين أحب اثنين في الأرض إلي .

و عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار .

قال حماد بن عثمان : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما معنى هذا الحديث فقال المعتقون من النار ولد بطنها الحسن و الحسين و أم كلثوم .

و روي : عن جعفر بن محمد (عليه السلام) عن أبيه عن علي بن الحسين عن فاطمة الصغرى عن الحسين بن علي عن أخيه الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : رأيت أمي فاطمة (عليها السلام) قامت في محرابها ليلة جمعة فلم تزل راكعة و ساجدة حتى انفجر عمود الصبح و سمعتها تدعو للمؤمنين و المؤمنات و تسميهم و تكثر الدعاء لهم و لا تدعو لنفسها بشي‏ء فقلت لها يا أماه لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك فقالت يا بني الجار ثم الدار .

و عن الحسن أيضا ع قال : كانت فاطمة (عليها السلام) إذا دعت تدعو للمؤمنين و المؤمنات و لا تدعو لنفسها فقيل لها فقالت مثله .

و روي : أن محمد بن أبي بكر رضي الله عنهما قرأ و ما أرسلنا من قبلك من رسول و لا نبي و لا محدث قلت و هل تحدث الملائكة إلا الأنبياء قال مريم لم تكن نبية و سارة امرأة إبراهيم قد عاينت الملائكة و بشروها بإسحاق و من وراء إسحاق يعقوب و لم تكن نبية و فاطمة بنت محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت محدثة و لم تكن نبية .

قلت : و ما ينكرون من هذا و قد رووا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال إن يكن من أمتي مخاطبون و محدثون فإنك منهم يا عمر اللهم إلا أن يصححوا هذا و يكذبوا غيره على عادتهم .

[469]

و روي و أظنني ذكرته في أخبار علي (عليه السلام) بغير روايته عن أبي سعيد الخدري قال : أصبح علي (عليه السلام) ذات يوم فقال يا فاطمة عندك شي‏ء تغذينيه قالت لا و الذي أكرم أبي بالنبوة و أكرمك بالوصية ما أصبح اليوم عندي شي‏ء أغذيكاه و ما كان عندي شي‏ء منذ يومين إلا شي‏ء كنت أؤثرك به على نفسي و على ابني هذين حسن و حسين فقال علي (عليه السلام) يا فاطمة أ لا كنت أعلمتني فأبغيكم شيئا فقالت يا أبا الحسن إني لأستحيي من إلهي أن تكلف نفسك ما لا تقدر عليه فخرج علي (عليه السلام) من عند فاطمة (عليها السلام) واثقا بالله حسن الظن به عز و جل فاستقرض دينارا فأخذه ليشتري لعياله ما يصلحهم فعرض له المقداد بن الأسود في يوم شديد الحر قد لوحته الشمس من فوقه و آذته من تحته فلما رآه علي (عليه السلام) أنكر شأنه فقال يا مقداد ما أزعجك هذه الساعة من رحلك فقال يا أبا الحسن خل سبيلي و لا تسألني عما ورائي قال يا أخي لا يسعني أن تجاوزني حتى أعلم علمك فقال يا أبا الحسن رغبت إلى الله عز و جل و إليك أن تخلي سبيلي و لا تكشفني عن حالي فقال يا أخي إنه لا يسعك أن تكتمني حالك فقال يا أبا الحسن أما إذا أبيت فو الذي أكرم محمدا بالنبوة و أكرمك بالوصية ما أزعجني من رحلي إلا الجهد و قد تركت عيالي جياعا فلما سمعت بكاءهم لم تحملني الأرض فخرجت مهموما راكبا رأسي هذه حالي و قصتي فانهملت عينا علي (عليه السلام) بالبكاء حتى بلت دموعه لحيته فقال أحلف بالذي حلفت به ما أزعجني إلا الذي أزعجك و قد اقترضت دينارا فهاكه فقد آثرتك على نفسي فدفع الدينار إليه و رجع حتى دخل المسجد فصلى الظهر و العصر و المغرب فلما قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المغرب مر بعلي (عليه السلام) و هو في الصف الأول

[470]

فغمزه برجله فقام علي (عليه السلام) فلحقه في باب المسجد فسلم عليه فرد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال يا أبا الحسن هل عندك عشاء تعشيناه فنميل معك فمكث مطرقا لا يحير جوابا حياء من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد عرف ما كان من أمر الدينار من أين أخذه و أين وجهه بوحي من الله إلى نبيه و أمره أن يتعشى عند علي (عليه السلام) تلك الليلة فلما نظر إلى سكوته قال يا أبا الحسن ما لك لا تقول لا فأنصرف أو نعم فأمضي معك فقال حياء و تكرما فاذهب بنا فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيد علي (عليه السلام) فانطلقا حتى دخلا على فاطمة (عليها السلام) و هي في مصلاها قد قضت صلاتها و خلفها جفنة تفور دخانا فلما سمعت كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خرجت من مصلاها فسلمت عليه و كانت أعز الناس عليه فرد السلام و مسح بيديه على رأسها و قال لها يا بنتاه كيف أمسيت رحمك الله قالت بخير قال عشينا رحمك الله و قد فعل فأخذت الجفنة فوضعتها بين يدي رسول الله و علي (عليه السلام) فلما نظر علي (عليه السلام) إلى الطعام و شم ريحه رمى فاطمة ببصره رميا شحيحا قالت له فاطمة سبحان الله ما أشح نظرك و أشده هل أذنبت فيما بيني و بينك ذنبا أستوجب به منك السخط فقال و أي ذنب أعظم من ذنب أصبتيه أ ليس عهدي بك اليوم الماضي و أنت تحلفين بالله مجتهدة ما طعمت طعاما منذ يومين قال فنظرت إلى السماء و قالت إلهي يعلم ما في سمائه و أرضه أني لم أقل إلا حقا فقال لها يا فاطمة أنى لك هذا الطعام الذي لم أنظر إلى مثل لونه و لم أشم مثل رائحته قط و لم آكل أطيب منه قال فوضع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كفه الطيبة المباركة بين كتفي علي (عليه السلام) فغمزها ثم قال يا علي هذا بدل عن دينارك هذا جزاء دينارك من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ثم استعبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) باكيا ثم قال الحمد لله الذي أبى

[471]

لكما أن تخرجا من الدنيا حتى يجريك يا علي مجرى زكريا و يجري فاطمة مجرى مريم بنت عمران .

قلت : حديث الطعام قد أورده الزمخشري في كشافه عند تفسير قوله تعالى كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً الآية و ذكرته آنفا في المجلد الأول و حديث المسكين و اليتيم و الأسير المذكورين في سورة هل أتى قد تقدم إيضاحه و الخبر عن النجرانيين عند ما دعاهم إلى المباهلة قد أشرقت غرره و أوضاحه و هما قصتان فضلهما شهير و محلهما خطير و شرف فاطمة فيهما مشرق الأسارير و نشر مجدها بهما أضوع من العبير فهما درتان في قرطي نبلها و قمران في سماء فضلها.

و حديث طلبها الخادم من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و أمره إياها بما هو خير من ذلك و هو تسبيح الزهراء و قد نقله الرواة و المحدثون .

روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : تسبيح فاطمة (عليها السلام) كل يوم في دبر كل صلاة أحب إلي من صلاة ألف ركعة في كل يوم .

و عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : من سبح تسبيح فاطمة (عليها السلام) قبل أن يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر الله له و يبدأ بالتكبير .

و عن موسى بن جعفر عن آبائه (عليه السلام) قال : قال (عليه السلام) إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دخل على ابنته فاطمة (عليها السلام) و إذا في عنقها قلادة فأعرض عنها فقطعتها و رمت بها فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنت مني يا فاطمة ثم جاء سائل فناوله القلادة ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اشتد غضب الله على من أهراق دمي و آذاني في عترتي .

و روي : أن عائشة رضي الله عنها ذكرت فاطمة (عليها السلام) فقالت : ما رأيت أحدا أصدق منها إلا أباها .

و عن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : كانت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أشبه الناس وجها و شبها برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

[472]

و روي عن علي (عليه السلام) عن فاطمة (عليها السلام) قالت قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا فاطمة من صلى عليك غفر الله له و ألحقه بي حيث كنت من الجنة .

و روي : عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : لو لا أن الله تبارك و تعالى خلق أمير المؤمنين لفاطمة (عليها السلام) ما كان لها كفؤ على وجه الأرض آدم فمن دونه .

قلت قد أورد صاحب كتاب الفردوس في الأحاديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : لو لا علي لم يكن لفاطمة كفؤ .

و روى صاحب الفردوس أيضا عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا علي إن الله عز و جل زوجك فاطمة و جعل صداقها الأرض فمن مشى عليها مبغضا لك مشى حراما .

و روى ابن بابويه من حديث طويل أورده في تزويج أمير المؤمنين بفاطمة (عليها السلام) : أنه أخذ في فيه ماء و دعا فاطمة فأجلسها بين يديه ثم مج الماء في المخضب و هو المركن و غسل فيه قدميه و وجهه ثم دعا فاطمة (عليها السلام) و أخذ كفا من ماء فضرب به على رأسها و كفا بين يديها ثم رش جلدها ثم دعا بمخضب آخر ثم دعا عليا (عليه السلام) فصنع به كما صنع بها ثم التزمهما فقال اللهم إنهما مني و أنا منهما اللهم كما أذهبت عني الرجس و طهرتني تطهيرا فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا ثم قال قوما إلى بيتكما جمع الله بينكما و بارك في سيركما و أصلح بالكما ثم قام فأغلق عليهما الباب بيده .

قال ابن عباس فأخبرتني أسماء : أنها رمقت برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يزل يدعو لهما خاصة لا يشركهما في دعائه أحدا حتى توارى في حجرته .

و في رواية : أنه ع قال بارك الله لكما في سيركما و جمع شملكما و ألف على الإيمان بين قلوبكما شأنك بأهلك السلام عليكما .

و روي : عن جابر بن عبد الله قال : لما زوج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة

[473]

من علي (عليه السلام) كان الله تعالى مزوجه من فوق عرشه و كان جبرئيل (عليه السلام) الخاطب و كان ميكائيل و إسرافيل في سبعين ألفا من الملائكة شهودا و أوحى الله إلى شجرة طوبى أن انثري ما فيك من الدر و الياقوت و اللؤلؤ و أوحى الله إلى الحور العين أن التقطنه فهن يتهادينه بينهن إلى يوم القيامة فرحا بتزويج فاطمة عليا (عليه السلام) .

و عن شرحبيل بن سعيد قال : دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على فاطمة (عليها السلام) في صبيحة عرسها بقدح فيه لبن فقال اشربي فداك أبوك ثم قال لعلي (عليه السلام) اشرب فداك ابن عمك .

و عن شرحبيل بن سعيد الأنصاري قال : لما كان صبيحة العرس أصابت فاطمة (عليها السلام) رعدة فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) زوجتك سيدا في الدنيا و إنه في الآخرة لمن الصالحين .

و عن أبي جعفر ع قال : شكت فاطمة (عليها السلام) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا فقالت يا رسول الله ما يدع شيئا من رزقه إلا وزعه بين المساكين فقال لها يا فاطمة أ تسخطيني في أخي و ابن عمي إن سخطه سخطي و إن سخطي لسخط الله فقالت أعوذ بالله من سخط الله و سخط رسوله .

و روي عن الأصبغ بن نباتة قال : سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول و الله لأتكلمن بكلام لا يتكلم به غيري إلا كذاب ورثت نبي الرحمة و زوجتي خير نساء الأمة و أنا خير الوصيين .

و حيث يقتضي ذكرها (عليه السلام) ذكر شي‏ء من كلامها فلا بد من ذكر فدك إذ كانت خطبتها التي تحير البلغاء و تعجز الفصحاء بسبب منعها من التصرف فيها و كف يدها ع عنها و سأورد في ذلك ما ورد من طريقي الشيعة و السنة جاريا على عادتي في توخي النصفة غير مائل إلى هوى النفس فيما أظن و من الله أسأل التوفيق و التسديد بمنه و رحمته

[474]

روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الجزء السادس عن عمر عن أبي بكر المسند منه فقط و هو : لا نورث ما تركنا صدقة لمسلم .

من رواية جويرية بن أسماء عن مالك و عن عائشة بطوله : أن فاطمة سألت أبا بكر أن يقسم لها ميراثها .

و في رواية أخرى : أن فاطمة و العباس أتيا أبا بكر رضي الله عنهم يلتمسان ميراثهما من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هما حينئذ يطلبان أرضه من فدك و سهمه من خيبر فقال أبو بكر رضي الله عنه إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد من هذا المال و إني و الله لا أدع أمرا رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصنعه فيه إلا صنعته.

و زاد في رواية صالح بن كيسان : إني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ قال فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي و العباس فغلبه عليها علي و أما خيبر و فدك فأمسكهما عمر و قال هما صدقة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت لحقوقه التي تعروه و نوائبه و أمرهما إلى من ولي الأمر قال فهما على ذلك اليوم .

قال : غير صالح في روايته في حديث أبي بكر فهجرته فاطمة فلم تكلمه في ذلك حتى ماتت فدفنها علي (عليه السلام) ليلا و لم يؤذن بها أبا بكر قال و كان لعلي وجه من الناس في حياة فاطمة فلما توفيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عن علي (عليه السلام) و مكثت فاطمة (عليها السلام) بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ستة أشهر ثم توفيت فقال رجل للزهري فلم يبايعه علي ستة أشهر قال لا و الله و لا أحد من بني هاشم حتى بايعه علي.

و في حديث عروة : فلما رأى علي (عليه السلام) انصراف وجوه الناس عنه ضرع إلى مصالحة أبي بكر فأرسل إلى أبي بكر ائتنا و لا تأتنا بأحد و كره أن يأتيه عمر لما علم من شدة عمر فقال عمر لا تأتهم وحدك فقال أبو بكر و الله لآتينهم وحدي ما عسى أن يصنعوا بي فانطلق أبو بكر فدخل على علي (عليه السلام) و قد جمع بني هاشم عنده .

فقام علي فحمد الله و أثنى عليه بما هو أهله ثم قال أما بعد فلم يمنعنا أن نبايعك يا أبا بكر إنكارا لفضيلتك و لا نفاسة عليك بخير ساقه الله إليك و لكنا كنا نرى أن لنا في هذا الأمر

[475]

حقا فاستبددتم علينا .

ثم ذكر قرابتهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و حقهم فلم يزل علي يذكر حتى بكى أبو بكر و صمت علي و تشهد أبو بكر فحمد الله و أثنى عليه بما هو أهله ثم قال أما بعد فو الله لقرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحب إلي أن أصل من قرابتي و إني و الله ما ألوت في هذه الأموال التي كانت بيني و بينكم عن الخير و لكني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد من هذا المال و إني و الله لا أدع أمرا صنعه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا صنعته إن شاء الله.

و قال علي موعدك للبيعة العشية فلما صلى أبو بكر الظهر أقبل على الناس يعذر عليا ببعض ما اعتذر به ثم قام علي فعظم من حق أبي بكر و ذكر فضيلته و سابقته ثم قام إلى أبي بكر فبايعه فأقبل الناس على علي فقالوا أصبت و أحسنت و كان المسلمون إلى علي قريبا حين راجع الأمر بالمعروف رضي الله عنهم أجمعين هذا آخر ما ذكره الحميدي.

و قد خطر لي عند نقلي لهذا الحديث كلام أذكره على مواضع منه ثم بعد ذلك أورد ما نقله أصحابنا في المعنى ملتزما بما اشترطته من العدل في القول و الفعل و على الله قصد السبيل.

قول أبي بكر رضي الله عنه في أول الحديث و آخره و إني و الله لا أدع أمرا رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصنعه فيه إلا صنعته و هو رضا الله عنه لم ير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صنع فيها إلا أنه اصطفاها و إنما سمع سماعا أنه بعد وفاته لا يورث كما روي فكان حق الحديث أن يحكي و يقول و إني و الله لا أدع أمرا سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقوله إلا عملت بمقتضى قوله أو ما هذا معناه.

و فيه فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي و العباس فغلبه عليها علي .

أقول : حكم هذه الصدقة التي بالمدينة حكم فدك و خيبر فهلا منعهم الجميع كما فعل صاحبه إن كان العمل على ما رواه أو صرفهم في الجميع إن كان الأمر

[476]

بضد ذلك فأما تسليم البعض و منع البعض فإنه ترجيح من غير مرجح اللهم إلا إن يكونوا نقلوا شيئا لم يصل إلينا في إمضاء ذلك و في قوله فغلبه عليها علي دليل واضح على ما ذهب إليه أصحابنا من توريث البنات دون الأعمام فإن عليا (عليه السلام) لم يغلب العباس على الصدقة من جهة العمومة إذ كان العباس أقرب من علي في ذلك و غلبته إياه على سبيل الغلب و العنف مستحيل أن يقع من علي في حق العباس و لم يبق إلا أنه غلبه عليها بطريق فاطمة و بنيها ع.

و قول علي (عليه السلام) كنا نرى أن لنا في هذه الأمر حقا فاستبددتم علينا فتأمل معناه يصح لك مغزاه و لا حاجة بنا إلى كشف مغطاه .

و روى أحمد بن حنبل رحمه الله عليه في مسنده ما يقارب ألفاظ ما رواه الحميدي : و لم يذكر حديث علي و أبي بكر و مجيئه إليه في هذا الحديث .

و روى ابن بابويه مرفوعا إلى أبي سعيد الخدري قال : لما نزلت فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا فاطمة لك فدك و في رواية أخرى عن أبي سعيد مثله .

و عن عطية قال : لما نزلت فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة (عليها السلام) فأعطاها فدك .

و عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال أ: قطع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة (عليها السلام) فدك .

و عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قلت أ كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعطى فاطمة (عليها السلام) فدك قال كان رسول الله ص وقفها فأنزل الله تبارك و تعالى عليه فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ فأعطاها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حقها قلت رسول الله أعطاها قال بل الله تبارك و تعالى أعطاها .

و قد تظاهرت الرواية من طرق أصحابنا بذلك و ثبت أن ذا القربى علي

[477]

و فاطمة و الحسن و الحسين ع.

و على هذا فقد كان أبو بكر و عمر رضي الله عنهما لما وليا هذا الأمر يرتبان في الأعمال و البلاد القريبة و النائية من الصحابة و المهاجرين و الأنصار من لا يكاد يبلغ مرتبة علي و فاطمة و الحسن و الحسين (عليه السلام) و لا يقاربها فلو اعتقداهم مثل بعض الولاة و سلما إليهم هذه الصدقة التي قامت النائرة في أخذها و عرفاهم ما روياه و قالا لهم أنتم أهل البيت و قد شهد الله لكم بالطهارة و أذهب عنكم الرجس و قد عرفناكم .

أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لا نورث ما تركنا صدقة .

و قد سلمناها إليكم و شغلنا ذممكم بها و الله من وراء أفعالكم فيها و هو سبحانه بمرأى منكم و مسمع فاعملوا بما يقربكم منه و يزلفكم عنده فعلى هذا سلمناها إليكم و صرفناكم فيها فإن فعلتم الواجب الذي أمرتم به و فعلتم فيها فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد أصبتم و أصبنا و إن تعديتم الواجب و خالفتم ما حده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) فقد أخطأتم و أصبنا فإن الذي علينا الاجتهاد و لم نأل في اختياركم جهدا و ما علينا بعد بذل الجهد لائمة و هذا الحديث من الإنصاف كما ترى و الله الموفق و المسدد .

و روي : أن فاطمة (عليها السلام) جاءت إلى أبي بكر رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) فقالت يا أبا بكر من يرثك إذا مت قال أهلي و ولدي قالت فما لي لا أرث رسول الله قال يا بنت رسول الله إن النبي لا يورث و لكن أنفق على من كان ينفق عليه رسول الله و أعطي ما كان يعطيه قالت و الله لا أكلمك بكلمة ما حييت فما كلمته حتى ماتت .

و قيل جاءت فاطمة (عليها السلام) إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالت أعطني ميراثي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال إن الأنبياء لا تورث ما تركوه فهو صدقة فرجعت إلى علي (عليه السلام) فقال ارجعي فقولي ما شأن سليمان (عليه السلام) ورث داود (عليه السلام) و قال زكريا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ فأبوا و أبى .

و عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن أبي جعفر (عليه السلام) : أن أبا بكر رضي

[478]

الله عنه قال لفاطمة (عليه السلام) النبي لا يورث قالت قد ورث سليمان داود و قال زكريا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ فنحن أقرب إلى النبي من زكريا إلى يعقوب .

و عن أبي جعفر ع قال : قال علي لفاطمة (عليها السلام) انطلقي فاطلبي ميراثك من أبيك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فجاءت إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالت أعطني ميراثي من أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يورث فقالت أ لم يرث سليمان داود فغضب و قال النبي لا يورث فقالت (عليه السلام) أ لم يقل زكريا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ فقال النبي لا يورث فقالت (عليه السلام) أ لم يقل يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فقال النبي لا يورث .

و عن أبي سعيد الخدري قال : لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جاءت فاطمة (عليها السلام) تطلب فدكا فقال أبو بكر رضي الله عنه إني لأعلم إن شاء الله أنك لن تقولي إلا حقا و لكن هاتي بينتك فجاءت بعلي (عليه السلام) فشهد ثم جاءت بأم أيمن فشهدت فقال امرأة أخرى أو رجلا فكتبت لك بها .

أقول : هذا الحديث عجيب فإن فاطمة (عليها السلام) إن كانت مطالبة بميراث فلا حاجة بها إلى الشهود فإن المستحق للتركة لا يفتقر إلى الشاهد إلا إذا لم يعرف صحة نسبه و اعتزائه إلى الدارج و ما أظنهم شكوا في نسبها (عليه السلام) و كونها ابنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و إن كانت تطلب فدكا و تدعي أن أباها (صلى الله عليه وآله وسلم) نحلها إياها احتاجت إلى إقامة البينة و لم يبق لما رواه أبو بكر رضي الله عنه من قوله نحن معاشر الأنبياء لا نورث معنى و هذا واضح جدا فتدبر .

و روي : أن عائشة و حفصة رضي الله عنهما هما اللتان شهدتا بقوله نحن

[479]

معاشر الأنبياء لا نورث و مالك بن أوس النضري و لما ولي عثمان رضي الله عنه قالت له عائشة رضي الله عنها أعطني ما كان يعطيني أبي و عمر فقال لا أجد له موضعا في الكتاب و لا في السنة و لكن كان أبوك و عمر يعطيانك عن طيبة أنفسهما و أنا لا أفعل قالت فأعطني ميراثي من رسول الله فقال أ ليس جئت فشهدت أنت و مالك بن أوس النضري أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لا نورث فأبطلت حق فاطمة و جئت تطلبينه لا أفعل قال فكان إذا خرج إلى الصلاة نادت و ترفع القميص و تقول إنه قد خالف صاحب هذا القميص فلما آذته صعد المنبر فقال إن هذه الزعراء عدوة الله ضرب الله مثلها و مثل صاحبتها حفصة في الكتاب امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما إلى قوله وَ قِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ فقالت له يا نعثل يا عدو الله إنما سماك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) باسم نعثل اليهودي الذي باليمن فلاعنته و لاعنها و حلفت أن لا تساكنه بمصر أبدا و خرجت إلى مكة.

قلت قد نقل ابن أعثم صاحب الفتوح أنها قالت اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا فلقد أبلى سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هذه ثيابه لم تبل و خرجت إلى مكة .

و روى غيره : أنه لما قتل جاءت إلى المدينة فلقيها فلان فسألته عن الأحوال فخبرها فقال إن الناس اجتمعوا على علي (عليه السلام) فقالت و الله لأطالبن بدمه فقال لها فأنت حرصت على قتله قالت إنهم لم يقتلوه حيث قلت و لكن تركوه حتى تاب و نقي من ذنوبه و صار كالسبيكة و قتلوه.

و أظن أن ابن أعثم رواه كذا أو قريبا منه فإن كتابه لم يحضرني وقت بلوغي هذا الموضع.

و حيث انتهى بنا القول إلى هنا فلنذكر خطبة فاطمة (عليها السلام) فإنها من محاسن الخطب و بدائعها عليها مسحة من نور النبوة و فيها عبقة من أرج الرسالة

[480]

و قد أوردها المؤالف و المخالف و نقلتها من كتاب السقيفة عن عمر بن شبة تأليف أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري من نسخة قديمة مقروءة على مؤلفها المذكور قرئت عليه في ربيع الآخر سنة اثنتين و عشرين و ثلاثمائة .

روى عن رجاله من عدة طرق : أن فاطمة (عليها السلام) لما بلغها إجماع أبي بكر على منعها فدكا لاثت خمارها و أقبلت في لميمة من حفدتها و نساء قومها تجر أدراعها تطأ في ذيولها ما تخرم من مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى دخلت على أبي بكر و قد حشد المهاجرين و الأنصار فضرب بينهم بريطة بيضاء و قيل قبطية فأنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء ثم أمهلت طويلا حتى سكنوا من فورتهم ثم قالت (عليها السلام) :

أبتدئ بحمد من هو أولى بالحمد و الطول و المجد الحمد لله على ما أنعم و له الشكر بما ألهم و الثناء بما قدم من عموم نعم ابتداها و سبوغ آلاء أسداها و إحسان منن أولاها جم عن الإحصاء عددها و نأى عن المجازاة

[481]

مزيدها و تفاوت عن الإدراك أبدها و استتب الشكر بفضائلها و استخذى الخلق بإنزالها و استحمد إلى الخلائق بإجزالها و أمر بالندب إلى أمثالها .

و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كلمة جعل الإخلاص تأويلها و ضمن القلوب موصولها

[482]

و أبان في الفكر معقولها الممتنع من الأبصار رؤيته و من الألسن صفته و من الأوهام الإحاطة به أبدع الأشياء لا من شي‏ء كان قبله و أنشأها بلا احتذاء مثله و سماها بغير فائدة زادته إلا إظهارا لقدرته و تعبدا لبريته و إعزازا لأهل دعوته ثم جعل الثواب لأهل طاعته و وضع العذاب على أهل معصيته زيادة لعباده عن نقمته و حياشة لهم إلى جنته و أشهد أن أبي محمدا عبده و رسوله اختاره قبل أن يجتبله و اصطفاه قبل أن يبتعثه و سماه قبل أن يستجيبه إذ الخلائق بالغيب مكنونة و بستر الأهاويل مضمونة و بنهايا العدم مقرونة علما منه بمائل الأمور و إحاطة بحوادث الدهور و معرفة منه بمواقع المقدور و ابتعثه إتماما لعلمه و عزيمة على إمضاء حكمه و إنفاذا لمقادير حقه فرأى (صلى الله عليه وآله وسلم) الأمم فرقا في أديانها و عابدة لأوثانها عكفا

[483]

على نيرانها منكرة لله مع عرفانها فأنار الله بأبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ظلمها و فرج عن القلوب بهمها و جلا عن الأبصار عمهها ثم قبضه الله إليه قبض رأفة و اختيار رغبة بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عن تعب هذه الدار موضوعا عنه أعباء الأوزار محفوفا بالملائكة الأبرار و رضوان الرب الغفار و جوار الملك الجبار فصلى الله عليه أمينه على الوحي و خيرته من الخلق و رضيه (عليه السلام) و رحمة الله و بركاته .

ثم قالت (عليها السلام) : و أنتم عباد الله نصب أمره و نهيه و حملة كتاب الله و وحيه أمناء الله على أنفسكم و بلغاؤه إلى الأمم حولكم لله فيكم عهد قدمه إليكم و بقية استخلفها عليكم كتاب الله بينة بصائره و آي منكشفة سرائره و برهان فينا متجلية ظواهره مديما للبرية استماعه قائدا إلى الرضوان أتباعه و مؤديا إلى النجاة أشياعه فيه تبيان حجج الله المنيرة و مواعظه المكرورة و محارمه المحذورة و أحكامه الكافية و بيناته الجالية و جمله الكافية [الشافية] و شرائعه المكتوبة [المكنونة] و رخصه الموهوبة ففرض الله الإيمان تطهيرا لكم من الشرك و الصلاة تنزيها لكم من الكبر و الزكاة تزييدا لكم في الرزق و الصيام تبيينا إمامتنا و الحج تسنية للدين و العدل تنسكا للقلوب و طاعتنا نظاما للملة و إمامتنا لما للفرقة و الجهاد عز الإسلام و الصبر مؤنة للاستيجاب و الأمر

[484]

بالمعروف مصلحة للعامة و البر بالوالدين وقاية من السخطة و صلة الأرحام منسأة للعمر و منماة للعدد و القصاص حقنا للدماء و الوفاء بالنذور تعريضا للمغفرة و توفية المكاييل و الموازين تغييرا للبخسة و اجتناب قذف المحصنات حجابا من اللعنة و الاجتناب عن شرب الخمور تنزيها من الرجس و مجانبة السرقة إيجابا للعفة و التنزه عن أكل أموال الأيتام و الاستيثار بفيئهم إجارة من الظلم و العدل في الأحكام إيناسا للرعية و التبري من الشرك إخلاصا للربوبية فاتقوا الله حق تقاته و أطيعوه فيما أمركم به فإنما يخشى الله من عباده العلماء .

ثم قالت (عليها السلام) : أنا فاطمة بنت محمد أقول عودا على بدء و ما أقول ذلك سرفا و لا شططا فاسمعوا إلي بأسماع واعية و قلوب راعية ثم قالت لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ فإن تعزوه تجدوه أبي دون نسائكم و أخا ابن عمي دون رجالكم فبلغ الرسالة صادعا بالرسالة ناكبا [مائلا] عن سنن مدرجة المشركين ضاربا لثبجهم آخذا

[485]

بأكظامهم داعيا إلى سبيل ربه بالحكمة و الموعظة الحسنة يجذ الأصنام و ينكت الهام حتى انهزم الجمع و ولوا الدبر و حتى تفرى الليل عن صبحه و أسفر الحق عن محضه و نطق زعيم الدين و خرست شقاشق الشياطين و فهتم بكلمة الإخلاص مع النفر البيض الخماص الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا و كنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها مذقة الشارب و نهزة الطامع و قبسة العجلان و موطاة [و موطأة و موطئ] الأقدام تشربون الطرق و تقتاتون القد أذلة خاشعين تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم فأنقذكم الله بنبيه

[486]

(صلى الله عليه وآله وسلم) بعد اللتيا و التي و بعد أن مني ببهم الرجال و ذؤبان العرب كلما حشوا نارا للحرب أطفأها الله و نجم قرن الضلالة و فغر فاغر من المشركين قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصة و يخمد لهبها بسيفه مكدودا دءوبا في ذات الله و أنتم في رفهينة و رفغينة وادعون آمنون تتوكفون الأخبار و تنكصون عن النزال فلما اختار الله لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) دار أنبيائه و أتم عليه ما وعده ظهرت حسيكة

[487]

النفاق و سمل جلباب الإسلام فنطق كاظم و نبغ خامل و هدر فينق الكفر يخطر في عرصاتكم فأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم فوجدكم لدعائه مستجيبين و للغرة فيه ملاحظين و استنهضكم فوجدكم خفافا و أحمشكم فوجدكم غضابا هذا و العهد قريب و الكلم رحيب و الجرح لما يندمل فوسمتم غير إبلكم و أوردتموها شربا ليس لكم و الرسول لما يقبر بدارا زعمتم خوف الفتنة ألا في الفتنة سقطوا و إن جهنم لمحيطة بالكافرين .

فهيهات منكم و كيف بكم و أنى تؤفكون , و كتاب الله جل و عز بين أظهركم قائمة فرائضه واضحة دلائله نيرة شرائعه زواجره واضحة و أوامره لائحة أ رغبة عنه تريدون أم بغيره تحكمون بئس للظالمين بدلا وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ

[488]

هذا ثم لم تبرحوا ريثا - و قال بعضهم - هذا و لم يريثوا أختها إلا ريث أن تسكن نفرتها و يسلس قيادها ثم أخذتم تورون وقدتها تهيجون جمرتها تشربون حسوا في ارتغاء و تمشون لأهله و ولده في الخمر و الضراء و نصبر منكم على مثل حز المدى و وخز السنان في الحشا ثم أنتم أولاء تزعمون أن لا أرث ليه أ فعلى عمد تركتم كتاب الله و نبذتموه وراء ظهوركم يقول الله جل ثناؤه وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ مع ما اقتص من خبر يحيى و زكريا إذ قال رب فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا .

و قال تبارك و تعالى يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فزعمتم أن لا حظ لي و لا إرث لي من أبيه ! أ فحكم الله بآية أخرج أبي منها ? أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثان ? أم أنتم أعلم بخصوص القرآن و عمومه من أبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ? أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ .

[489]

إيها معاشر المسلمة ; أ أبتز إرثيه أ الله أن ترث أباك و لا أرث أبيه لقد جئتم شيئا فريا ; فدونكها مرحولة مخطومة مزمومة تلقاك يوم حشرك فنعم الحكم الله , و الزعيم محمد , و الموعد القيامة , و عند الساعة يخسر المبطلون ما توعدون و لكل نبإ مستقر و سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه و يحل عليه عذاب مقيم .

قال : ثم التفتت إلى قبر أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) متمثلة بقول هند ابنة أثاثة :

قد كان بعدك أنباء و هنبثة *** لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

‏إنا فقدناك فقد الأرض وابلها *** و اختل قومك لما غبت و انقلبوا

أبدت رجال لنا فحوى صدورهم *** لما قضيت و حالت دونك الترب

و زاد في بعض الروايات هنا :

ضاقت علي بلادي بعد ما رحبت *** و سيم سبطاك خسفا فيه لي نصب

‏فليت قبلك كان الموت صادفنا *** قوم تمنوا فأعطوا كلما طلبوا

تجهمتنا رجال و استخف بنا *** و أرغبت عنا فنحن اليوم نغتضب

... الأبيات .

قال فما رأيت أكثر باكية و باك منه يومئذ ثم عدلت إلى مسجد الأنصار فقالت :

يا معشر البقية و يا عماد الملة و حصنة الإسلام ما هذه الفترة في حقي و السنة عن ظلامتي أ ما كان

[490]

لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يحفظ في ولده سرعان ما أحدثتم و عجلان ذا إهالة أ تزعمون مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فخطب جليل استوسع وهنه و استهتر فتقه و فقد راتقه و أظلمت الأرض له و اكتأبت لخيرة الله و خشعت الجبال و أكدت الآمال و أضيع الحريم و أديلت الحرمة فتلك نازلة أعلن بها كتاب الله في قبلتكم [أفنيتكم] ممساكم و مصبحكم هتافا هتافا و لقبله ما حلت بأنبياء الله و رسله وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ .

إيها بني قيلة ; أ هضم تراث أبيه و أنتم بمرأى و بمسمع تلبسكم الدعوة و يشملكم الخبرة و فيكم العدة و العدد و لكم الدار و الجنن و أنتم الأولى

[491]

نخبة الله التي انتخبت و خيرته التي اختار لنا أهل البيت فباديتم العرب و بادهتم الأمور و كافحتم البهم لا نبرح و تبرحون نأمركم فتأتمرون حتى دارت لكم بنا رحى الإسلام و در حلب البلاد و خبت نيران الحرب و سكنت فورة الشرك و هدت دعوة الهرج و استوسق نظام الدين فأنى جرتم بعد البيان و نكصتم بعد الإقدام عن قوم نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم و طعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون .

أ لا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم و هموا بإخراج الرسول و هم بدءوكم أول مرة أ تخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين .

ألا و قد أرى و الله أن قد أخلدتم إلى الخفض و ركنتم إلى الدعة فمحجتم الذي أوعيتم و لفظتم الذي سوغتم فإن تكفروا أنتم و من في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد .

ألا و قد قلت الذي قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم و خور القناة و ضعف اليقين و لكنه فيضة النفس و نفثة الغيظ و بثة الصدر و معذرة الحجة

[492]

فدونكموها فاحتقبوها مدبرة الظهر ناقبة الخف باقية العار موسومة بشنار الأبد موصولة بنار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة إنها عليهم مؤصدة فبعين الله ما تفعلون و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون و أنا بنت نذير لكم بين يدي عذاب شديد فاعملوا إنا عاملون و انتظروا إنا منتظرون .

هذه الخطبة نقلتها من كتاب السقيفة و كانت النسخة مع قدمها مغلوطة فحققتها من مواضع أخر .

و روى صاحب كتاب السقيفة عن رجاله عن عبد الله بن حسن عن أمه فاطمة بنت الحسين قالت : لما اشتدت بفاطمة (عليها السلام) الوجع و اشتدت علتها اجتمعت عندها نساء المهاجرين و الأنصار فقلن لها يا بنت رسول الله كيف أصبحت عن ليلتك قالت أصبحت و الله عائفة دنياكم قالية لرجالكم لفظتهم بعد إذ عجمتهم و شنأتهم بعد أن سبرتهم فقبحا لفلول الحد و خور القناة و خطل الرأي و بئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم و في العذاب هم خالدون لا جرم لقد قلدتهم ربقتها و شننت عليهم غارتها فجدعا و عقرا و سحقا للقوم الظالمين ويحهم أين زحزحوها عن رواسي الرسالة و قواعد النبوة و مهبط الروح الأمين و الضنين بأمر الدنيا و الدين ألا ذلك هو الخسران المبين و ما الذي نقموا من أبي الحسن نقموا و الله نكير سيفه و شدة وطأته

[493]

و نكال وقعته و تنمره في ذات الله عز و جل و تالله لو تكافوا عن زمام نبذه إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لاعتلقه و لسار بهم سيرا سجحا لا يكلم خشاشه و لا يتعتع راكبه و لأوردهم منهلا نميرا فضفاضا تطفح ضفتاه و لأصدرهم بطانا قد تختر بهم الري غير متحل منه بطائل إلا بغمر الماء و ردعه سورة الساغب و لفتحت عليهم بركات السماء و الأرض و سيأخذهم الله بما كانوا يكسبون ألا هلم فاسمع و ما عشت أراك الدهر العجب و إن تعجب فقد أعجبك الحادث إلى أي لجإ أسندوا و بأي عروة تمسكوا لبئس المولى و لبئس العشير و بئس للظالمين بدلا استبدلوا و الله الذنابى بالقوادم و العجز بالكاهل فرغما لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ألا إنهم هم المفسدون و لكن لا يشعرون ويحهم أ فمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون أما لعمر إلهك لقد لقحت فنظرة ريث ما تنتج ثم احتلبوا طلاع القعب دما عبيطا و ذعافا ممقرا هنالك يخسر

[494]

المبطلون و يعرف التالون غب ما أسس الأولون ثم طيبوا عن أنفسكم أنفسنا فطأمنوا للفتنة جأشا و أبشروا بسيف صارم و هرج شامل و استبداد من الظالمين يدع فيئكم زهيدا و جمعكم حصيدا فيا حسرة لكم و أنى لكم و قد عميت عليكم أ نلزمكموها و أنتم لها كارهون و الحمد لله رب العالمين و صلى الله على محمد خاتم النبيين و سيد المرسلين .

و روي : أنه لما حضرت فاطمة (صلى الله عليه وآله وسلم) الوفاة دعت عليا (عليه السلام) فقالت أ منفذ أنت وصيتي و عهدي أو و الله لأعهدن إلى غيرك فقال (عليه السلام) بلى أنفذها فقالت (عليه السلام) إذا أنا مت فادفني ليلا و لا تؤذنن بي أبا بكر و عمر قال فلما اشتدت عليها اجتمع إليها نساء من المهاجرين و الأنصار فقلن كيف أصبحت يا ابنة رسول الله فقالت أصبحت و الله عائفة لدنياكم و ذكر الحديث نحوه .

و روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) و قد سأله أبو بصير فقال لم لم يأخذ أمير المؤمنين فدكا لما ولي الناس و لأي علة تركها فقال : لأن الظالم و المظلومة قدما على الله و جازى كلا على قدر استحقاقه فكره أن يسترجع شيئا قد عاقب الله عليه الغاصب و أثاب المغصوبة .

و قد روي أنه كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) في ترك فدك أسوة برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنه لما خرج من مكة باع عقيل داره فلما فتح مكة قيل له يا رسول الله أ لا ترجع إلى دارك فقال (عليه السلام) و هل ترك لنا عقيل دارا و أبى أن يرجع إليها و قال إنا أهل بيت لا نسترجع ما أخذ منا في الله عز و جل .

و روي : مرفوعا : أن عمر بن عبد العزيز لما استخلف قال يا أيها الناس إني قد رددت عليكم مظالمكم و أول ما أرد منها ما كان في يدي قد رددت فدك على ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و ولد علي بن أبي طالب فكان أول من ردها .

[495]

و روي : أنه ردها بغلاتها منذ ولي فقيل له نقمت على أبي بكر و عمر فعلهما فطعنت عليهما و نسبتهما إلى الظلم و الغصب و قد اجتمع عنده في ذلك قريش و مشايخ أهل الشام من علماء السوء فقال عمر بن عبد العزيز قد صح عندي و عندكم أن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ادعت فدك و كانت في يدها و ما كانت لتكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع شهادة علي و أم أيمن و أم سلمة و فاطمة عندي صادقة فيما تدعي و إن لم تقم البينة و هي سيدة نساء أهل الجنة فأنا اليوم أردها على ورثتها أتقرب بذلك إلى رسول الله و أرجو أن تكون فاطمة و الحسن و الحسين يشفعون لي في يوم القيامة و لو كنت بدل أبي بكر و ادعت فاطمة كنت أصدقها على دعواتها فسلمها إلى محمد بن علي الباقر (عليه السلام) و عبد الله بن الحسن فلم تزل في أيديهم إلى أن مات عمر بن عبد العزيز .

و روي : أنه لما صارت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز رد عليهم سهام الخمس سهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و سهم ذي القربى و هما من أربعة أسهم رد على جميع بني هاشم و سلم ذلك إلى محمد بن علي الباقر (عليه السلام) و عبد الله بن الحسن.

و قيل إنه جعل من بيت ماله سبعين حملا من الورق و العين من مال الخمس فرد عليهم ذلك و كذلك كلما كان لبني فاطمة و بني هاشم مما حازه أبو بكر و عمر و بعدهما عثمان و معاوية و يزيد و عبد الملك رد عليهم و استغنى بنو هاشم في تلك السنين و حسنت أحوالهم و رد عليهم المأمون و المعتصم و الواثق و قالا كان المأمون أعلم منا به فنحن نمضي على ما مضى هو عليه فلما ولي المتوكل قبضها و أقطعها حرملة

[496]

الحجام و أقطعها بعده لفلان البازيار من أهل طبرستان و ردها المعتضد و حازها المكتفي.

و قيل إن المقتدر ردها عليهم قال شريك كان يجب على أبي بكر رضي الله عنه أن يعمل مع فاطمة بموجب الشرع و أقل ما يجب عليه أن يستحلفها على دعواها أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعطاها فدك في حياته فإن عليا و أم أيمن شهدا لها و بقي ربع الشهادة فردها بعد الشاهدين لا وجه له فإما أن يصدقها أو يستحلفها و يمضي الحكم لها قال شريك الله المستعان مثل هذا الأمر يجهله أو يتعمده .

و قال الحسن بن علي الوشاء : سألت مولانا أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) هل خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غير فدك شيئا فقال أبو الحسن (عليه السلام) إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خلف حيطانا بالمدينة صدقة و خلف ستة أفراس و ثلاث نوق العضباء و الصهباء و الديباج و بغلتين الشهباء و الدلدل و حماره اليعفور و شاتين حلوبتين و أربعين ناقة حلوبا و سيفه ذا الفقار و درعه ذات الفضول و عمامته السحاب و حبرتين يمانيتين و خاتمه الفاضل و قضيبه الممشوق و فراشا من ليف و عباءين قطوانيتين و مخادا من أدم صار ذلك إلى فاطمة (عليها السلام) ما خلا درعه و سيفه و عمامته و خاتمه فإنه جعله لأمير المؤمنين (عليه السلام) .

و مما يدل على شرف محلها و علو مرتبتها و نبلها و مكانتها من لطف الله و فضلها و ما أعده الله لها من المزية التي ليست لأحد من بعدها و لا قبلها و كيف لا تكون كذلك و إذا شئت فانظر إلى نفسها الكريمة و أبيها و بعلها فإنك إذا نظرت وجدتهم قد استولوا على موجبات الفضل و الشرف كلها و حازوا قصبات سبقها و فازوا بخصلها .

ما روي عن الزهري عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال : قال علي بن أبي طالب (عليه السلام) لفاطمة سألت أباك فيما سألت أين تلقينه يوم القيامة قالت نعم قال لي اطلبيني عند الحوض قلت إن لم أجدك هاهنا قال تجديني إذا مستظلا بعرش ربي و لن يستظل به غيري قالت فاطمة فقلت يا أبة أهل الدنيا

[497]

يوم القيامة عراة فقال نعم يا بنية فقلت له و أنا عريانة قال نعم و أنت عريانة و إنه لا يتلفت فيه أحد إلى أحد قالت فاطمة (عليها السلام) فقلت له وا سوأتاه يومئذ من الله عز و جل فما خرجت حتى قال لي هبط علي جبرئيل الروح الأمين ع فقال لي يا محمد أقرئ فاطمة السلام و أعلمها أنها استحيت من الله تبارك و تعالى فاستحى الله منها فقد وعدها أن يكسوها يوم القيامة حلتين من نور قال علي (عليه السلام) فقلت لها فهلا سألتيه عن ابن عمك فقالت قد فعلت فقال إن عليا أكرم على الله عز و جل من أن يعريه يوم القيامة .

و قريب منه ما روى ابن عباس قال : قالت فاطمة (عليها السلام) للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو في سكرات الموت يا أبة أنا لا أصبر عنك ساعة من الدنيا فأين الميعاد غدا ?

قال : أما إنك أول أهلي لحوقا بي ; و الميعاد على جسر جهنم .

قالت : يا أبة أ ليس قد حرم الله عز و جل جسمك و لحمك على النار ?

قال : بلى و لكني قائم حتى تجوز أمتي .

قالت : فإن لم أرك هناك ?

قال : تريني عند القنطرة السابعة من قناطر جهنم ; أستوهب الظالم من المظلوم .

قالت : فإن لم أرك هناك ?

قال : تريني في مقام الشفاعة و أنا أشفع لأمتي .

قالت : فإن لم أرك هناك ?

قال : تريني عند الميزان و أنا أسأل الله لأمتي الخلاص من النار .

قالت : فإن لم أرك هناك ?

قال : تريني عند الحوض حوضي عرضه ما بين أيلة إلى صنعاء على حوضي ألف غلام بألف كأس كاللؤلؤ المنظوم و كالبيض المكنون من تناول منه شربة فشربها لم يظمأ بعدها أبدا ; فلم يزل يقول لها حتى خرجت الروح من جسده (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و روى جابر بن عبد الله الأنصاري قال : دخلت فاطمة (عليها السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو في سكرات الموت فانكبت عليه تبكي ففتح عينه و أفاق ثم قال (عليه السلام) : يا بنية أنت المظلومة بعدي و أنت المستضعفة بعدي فمن آذاك فقد آذاني و من غاظك فقد غاظني و من سرك فقد سرني و من برك فقد برني و من

[498]

جفاك فقد جفاني و من وصلك فقد وصلني و من قطعك فقد قطعني و من أنصفك فقد أنصفني و من ظلمك فقد ظلمني لأنك مني و أنا منك و أنت بضعة مني و روحي التي بين جنبي .

ثم قال (عليه السلام) : إلى الله أشكو ظالميك من أمتي ثم دخل الحسن و الحسين (عليهما السلام) فانكبا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هما يبكيان و يقولان أنفسنا لنفسك الفداء يا رسول الله .

فذهب علي (عليه السلام) لينحيهما عنه ; فرفع رأسه إليه ثم قال : يا علي دعهما يشماني و أشمهما و يتزودان مني و أتزود منهما ; فإنهما مقتولان بعدي ظلما و عدوانا فلعنة الله على من يقتلهما ثم قال يا علي و أنت المظلوم المقتول بعدي و أنا خصم لمن أنت خصمه يوم القيامة .

ذكر حالها بعد أبيها عليها السلام

روي عن الباقر ع قال : ما رئيت فاطمة (عليها السلام) ضاحكة مستبشرة منذ قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى قبضت .

و عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : البكاءون خمسة آدم و يعقوب و يوسف و فاطمة بنت محمد و علي بن الحسين (عليه السلام) فأما آدم فبكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال الأودية و أما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره و حتى قيل له تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ و أما يوسف فبكى على يعقوب حتى تأذى به أهل السجن فقالوا إما أن تبكي النهار و تسكت الليل و إما أن تبكي الليل و تسكت النهار فصالحهم على واحد منهما و أما فاطمة فبكت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى تأذى بها أهل المدينة فقالوا لها قد آذيتنا بكثرة بكائك فكانت تخرج إلى مقابر الشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف و أما علي بن الحسين فبكى على الحسين عشرين سنة أو أربعين سنة و ما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال له مولى له جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أخاف عليك أن تكون من الجاهلين قال إنما أشكو بثي و حزني إلى الله و أعلم من الله ما لا تعلمون

[499]

إني لم أذكر مصرع بني فاطمة (عليها السلام) إلا خنقتني لذلك عبرة .

مناقب فاطمة (عليها السلام) لو كاثرت النجوم كانت أكثر و لو ادعت شمس النهار الظهور كانت مزاياها أظهر و لو فاخرها الأملاك كانت (عليه السلام) أشرف و أفخر بيتها من قريش في سنامه و غاربه و أبوها الذي أحاط به الشرف من كل جوانبه و كان قاب قوسين من مراتبه و مناصبه و بعلها الذي شاركه في علائه و مناسبه و رفعه بما نبه به على منزلته على أصحابه و أقاربه و ابناها (عليه السلام) المعدودان من أحب حبائبه المخصوصان بأوفر نصيب من مآثره و مناقبه و هي (عليه السلام) شجرة مجد هذه أصولها و فروعها و مزنة فخار صفا ماؤها و طاب ينبوعها و قصة سؤدد اعتدل في أسباب العلاء منقولها و مسموعها فكيف يبلغ وصف فضلها و قد بلغت الغاية في نبلها و استولت على قصبات المسابقة و خصلها و ما عدت فضيلة إلا و هي لها بالأصالة أو هي من أهلها فمن عراه شك فيما قلته فليأت بمثلها أو مثل أبيها و بنيها و بيتها و بعلها صلى الله عليهم صلاة تقوم بشرف محلهم و محلها و حيث ذكرنا من أوصافها ما تيسر و اقتصرنا على الأقل لتعذر الإحاطة بالأكثر فلنذكر وفاتها (صلى الله عليه وآله وسلم) و نشرع في ترتيب بنيها ترتيب العقد في النظام و الله تعالى يهدي إلى دار السلام .

ذكر وفاتها و ما قبل ذلك من ذكر مرضها و وصيتها

روي : أن أبا جعفر (عليه السلام) أخرج سفطا أو حقا فأخرج منه كتابا فقرأه و فيه وصية فاطمة (عليها السلام) بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصت به فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أوصت بحوائطها السبعة إلى علي بن أبي طالب فإن مضى فإلى الحسن فإن

[500]

مضى فإلى الحسين فإن مضى فإلى الأكابر من ولدي شهد المقداد بن الأسود و الزبير بن العوام و كتب علي بن أبي طالب .

و عن أسماء بنت عميس قالت : أوصتني فاطمة (عليها السلام) أن لا يغسلها إذا ماتت إلا أنا و علي فغسلتها أنا و علي (عليه السلام) .

و قيل قالت فاطمة (عليها السلام) لأسماء بنت عميس حين توضأت وضوءها للصلاة هاتي طيبي الذي أتطيب به و هاتي ثيابي التي أصلي فيها فتوضأت ثم وضعت رأسها فقالت لها اجلسي عند رأسي فإذا جاء وقت الصلاة فأقيميني فإن قمت و إلا فأرسلي إلى علي فلما جاء وقت الصلاة قالت الصلاة يا بنت رسول الله فإذا هي قد قبضت فجاء علي فقالت له قد قبضت ابنة رسول الله قال متى قالت حين أرسلت إليك قال فأمر أسماء فغسلتها و أمر الحسن و الحسين (عليهما السلام) يدخلان الماء و دفنها ليلا و سوى قبرها فعوتب على ذلك فقال بذلك أمرتني .

و روي : أنها بقيت بعد أبيها أربعين صباحا و لما حضرتها الوفاة قالت لأسماء إن جبرئيل أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما حضرته الوفاة بكافور من الجنة فقسمه أثلاثا ثلث لنفسه و ثلث لعلي و ثلث لي و كان أربعين درهما فقالت يا أسماء ائتني ببقية حنوط والدي من موضع كذا و كذا فضعيه عند رأسي فوضعته ثم تسجت بثوبها و قالت انتظريني هنيهة ثم ادعيني فإن أجبتك و إلا فاعلمي أني قد قدمت على أبي فانتظرتها هنيهة ثم نادتها فلم تجبها فنادت يا بنت محمد المصطفى يا بنت أكرم من حملته النساء يا بنت خير من وطئ الحصى يا بنت من كان من ربه قاب قوسين أو أدنى قال فلم تجبها فكشفت الثوب عن وجهها فإذا بها قد فارقت الدنيا فوقعت عليها تقبلها و هي تقول فاطمة إذا قدمت على أبيك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأقرئيه عن أسماء بنت عميس السلام فبينا هي كذلك دخل الحسن و الحسين فقالا يا أسماء ما ينيم أمنا في هذه الساعة قالت يا بني رسول الله ليست أمكما نائمة قد فارقت الدنيا فوقع عليها

[501]

الحسن يقبلها مرة و يقول يا أماه كلميني قبل أن تفارق روحي بدني قال و أقبل الحسين يقبل رجلها و يقول يا أماه أنا ابنك الحسين كلميني قبل أن ينصدع قلبي فأموت قالت لهما أسماء يا بني رسول الله انطلقا إلى أبيكما علي فأخبراه بموت أمكما فخرجا حتى إذا كانا قرب المسجد رفعا أصواتهما بالبكاء فابتدرهم جميع الصحابة فقالوا ما يبكيكما يا بني رسول الله لا أبكى الله أعينكما لعلكما نظرتما إلى موقف جدكما (صلى الله عليه وآله وسلم) فبكيتما شوقا إليه فقالا لا أ و ليس قد ماتت أمنا فاطمة (صلى الله عليه وآله وسلم) قال فوقع علي على وجهه يقول بمن العزاء يا بنت محمد كنت بك أتعزى ففيم العزاء من بعدك ثم قال :

لكل اجتماع من خليلين فرقة *** و كل الذي دون الفراق قليل‏

و إن افتقادي فاطما بعد أحمد *** دليل على أن لا يدوم خليل

ثم قال علي يا أسماء غسليها و حنطيها و كفنيها قال فغسلوها و كفنوها و حنطوها و صلوا عليها ليلا و دفنوها بالبقيع و ماتت بعد العصر .

قال ابن بابويه رحمه الله : جاء هذا الخبر هكذا و الصحيح عندي أنها دفنت في بيتها فلما زاد بنو أمية في المسجد صارت في المسجد.

قلت الظاهر المشهور مما نقله الناس و أرباب التواريخ و السير أنها (عليه السلام) دفنت بالبقيع كما تقدم .

و روي مرفوعا إلى سلمى أم بني رافع قال : كنت عند فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و عليها في شكواها التي ماتت فيها قالت فلما كان في بعض الأيام و هي أخف ما نراها فغدا علي بن أبي طالب (عليه السلام) في حاجة و هو يرى يومئذ أنها أمثل ما كانت فقالت يا أمة الله اسكبي لي غسلا ففعلت فاغتسلت كأشد ما رأيتها اغتسلت ثم قالت لي أعطيني ثيابي الجدد فأعطيتها فلبست ثم قالت ضعي فراشي و استقبليني ثم قالت إني قد فرغت من نفسي فلا أكشفن إني مقبوضة الآن ثم توسدت يدها اليمنى و استقبلت القبلة فقضت فجاء علي (عليه السلام) و نحن نصيح فسأل عنها فأخبرته فقال إذا و الله لا تكشف فاحتملت

[502]

في ثيابها فغيبت أقول إن هذا الحديث قد رواه ابن بابويه كما ترى .

و قد روى أحمد بن حنبل رحمة الله عليه في مسنده عن أم سلمى قالت : اشتكت فاطمة (عليها السلام) شكواها التي قبضت فيها فكنت أمرضها فأصبحت يوما كأمثل ما رأيتها في شكواها ذلك قالت و خرج علي (عليه السلام) لبعض حاجته فقالت يا أماه اسكبي لي غسلا فسكبت لها غسلا فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغتسل ثم قالت يا أماه أعطيني ثيابي الجدد فأعطيتها فلبستها ثم قالت يا أماه قدمي لي فراشي وسط البيت ففعلت فاضطجعت و استقبلت القبلة و جعلت يدها تحت خدها ثم قالت يا أماه إني مقبوضة الآن و قد تطهرت فلا يكشفني أحد فقبضت مكانها قالت فجاء علي (عليه السلام) فأخبرته .

و اتفاقهما من طرق الشيعة و السنة على نقله مع كون الحكم على خلافه عجيب فإن الفقهاء من الطريقين لا يجيزون الدفن إلا بعد الغسل إلا في مواضع ليس هذا منه فكيف رويا هذا الحديث و لم يعللاه و لا ذكرا فقهه و لا نبها على الجواز و لا المنع و لعل هذا أمر يخصها (عليه السلام) و إنما استدل الفقهاء على أنه يجوز للرجل أن يغسل زوجته بأن عليا (عليه السلام) غسل فاطمة (عليها السلام) و هو المشهور .

و روى ابن بابويه مرفوعا إلى الحسن بن علي (عليه السلام) : أن عليا غسل فاطمة (عليها السلام) .

و عن علي (عليه السلام) : أنه صلى على فاطمة و كبر عليها خمسا و دفنها ليلا .

و عن محمد بن علي ع : أن فاطمة (عليها السلام) دفنت ليلا .

و نقلت من كتاب الذرية الطاهرة للدولابي في وفاتها (عليه السلام) ما نقله عن رجاله قال : لبثت فاطمة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاثة أشهر و قال ابن شهاب ستة أشهر و قال

[503]

الزهري ستة أشهر و مثله عن عائشة رضي الله عنها و مثله عن عروة بن الزبير .

و عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) : خمسا و تسعين ليلة في سنة إحدى عشرة .

و قال ابن قتيبة في معارفه مائة يوم.

و قيل ماتت في سنة إحدى عشرة ليلة الثلاثاء لثلاث ليال من شهر رمضان و هي بنت تسع و عشرين سنة أو نحوها .

و قيل دخل العباس على علي بن أبي طالب و فاطمة بنت رسول الله (عليه السلام) و أحدهما يقول لصاحبه أينا أكبر فقال العباس رضي الله عنه ولدت يا علي قبل بناء قريش البيت بسنوات و ولدت ابنتي و قريش تبني البيت و رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ابن خمس و ثلاثين سنة قبل النبوة بخمس سنين .

و روي : : أنها أوصت عليا و أسماء بنت عميس أن يغسلاها .

و عن ابن عباس قال : مرضت فاطمة مرضا شديدا فقالت لأسماء بنت عميس أ لا ترين إلى ما بلغت فلا تحمليني على سرير ظاهر فقالت لا لعمري و لكن أصنع نعشا كما رأيت يصنع بالحبشة قالت فأرينيه فأرسلت إلى جرائد رطبة فقطعت من الأسواق ثم جعلت على السرير نعشا و هو أول ما كان النعش فتبسمت و ما رئيت متبسمة إلا يومئذ ثم حملناها فدفناها ليلا و صلى عليها العباس بن عبد المطلب و نزل في حفرتها هو و علي و الفضل بن عباس .

و عن أسماء بنت عميس : أن فاطمة بنت رسول الله قالت لأسماء إني قد استقبحت

[504]

ما يصنع بالنساء أنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها لمن رأى فقالت أسماء يا بنت رسول الله أنا أريك شيئا رأيته بأرض الحبشة قال فدعت بجريدة رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوبا فقالت فاطمة (عليها السلام) ما أحسن هذا و أجمله لا تعرف به المرأة من الرجل قال قالت فاطمة فإذا مت فغسليني أنت و لا يدخلن علي أحد فلما توفيت فاطمة (عليها السلام) جاءت عائشة رضي الله عنها لتدخل عليها فقالت أسماء لا تدخلي فكلمت عائشة أبا بكر رضي الله عنهما فقالت إن هذه الخثعمية تحول بيننا و بين ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد جعلت لها مثل هودج العروس فجاء أبو بكر فوقف على الباب فقال يا أسماء ما حالك على أن منعت أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و جعلت لها مثل هودج العروس فقالت أسماء لأبي بكر هي أمرتني أن لا يدخل عليها أحد و أريتها هذا الذي صنعت و هي حية فأمرتني أن أصنع لها ذلك فقال أبو بكر رضي الله عنه اصنعي ما أمرتك فانصرف و غسلها علي و أسماء .

و روى الدولابي حديث الغسل الذي اغتسلته قبل وفاتها و كونها دفنت به و لم تكشف و قد تقدم ذكره .

و روي من غير هذا : أن أبا بكر و عمر رضي الله عنهما عاتبا عليا كونه لم يؤذنهما بالصلاة عليها فاعتذر أنها أوصته بذلك و حلف لهما فصدقاه و عذراه .

و قال علي (عليه السلام) عند دفن فاطمة (عليها السلام) كالمناجي بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند قبره : السلام عليك يا رسول الله عني و عن ابنتك النازلة في جوارك و السريعة اللحاق بك قل يا رسول الله عن صفيتك صبري و رق عنها تجلدي إلا أن لي في التأسي لي بعظيم فرقتك و فادح مصيبتك موضع تعز فلقد وسدتك في ملحودة قبرك و فاضت بين نحري و صدري نفسك فإنا لله و إنا إليه راجعون فلقد استرجعت

[505]

الوديعة و أخذت الرهينة أما حزني فسرمد و أما ليلي فمسهد إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم و ستنبئك ابنتك فأحفها السؤال و استخبرها الحال هذا و لم يطل العهد و لم يخلق الذكر و السلام عليكما سلام مودع لا قال و لا سئم فإن أنصرف فلا عن ملالة و أن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين .

الحديث ذو شجون أنشدني بعض الأصحاب للقاضي أبي بكر بن أبي قريعة رحمه الله تعالى :

يا من يسائل دائبا *** عن كل معضلة سخيفة

لا تكشفن مغطى *** فلربما كشفت جيفة

و لرب مستور بدا *** كالطبل من تحت القطيفة

إن الجواب لحاضر *** لكنني أخفيه خيفة

لو لا اعتداد رعية *** ألغى سياستها الخليفة

و سيوف أعداء بها *** هاماتنا أبدا نقيفة

لنشرت من أسرار آل *** محمد جملا طريفة

تغنيكم عما رواه مالك *** و أبو حنيفة

و أريكم أن الحسين *** أصيب في يوم السقيفة

و لأي حال لحدت *** بالليل فاطمة الشريفة

و لما حمت شيخيكم *** عن وطي حجرتها المنيفة

[506]

أوه لبنت محمد *** ماتت بغصتها أسيفة

و قد ورد من كلامها (عليها السلام) في مرض موتها ما يدل على شدة تألمها و عظم موجدتها و فرط شكايتها ممن ظلمها و منعها حقها أعرضت عن ذكره و ألغيت القول فيه و نكبت عن إيراده لأن غرضي من هذا الكتاب نعت مناقبهم و مزاياهم و تنبيه الغافل من موالاتهم فربما تنبه و والاهم و وصف ما خصهم الله به من الفضائل التي ليست لأحد سواهم فأما ذكر الغير و البحث عن الشر و الخير فليس من غرض هذا الكتاب و هو موكول إلى يوم الحساب و إلى الله تصير الأمور.

و في رواية أخرى زيادة على قول علي (عليه السلام) عند موتها : أما حزني فسرمد و أما ليلي فمسهد و لا نبرح أو يختار الله تعالى لي دارك التي أنت فيها مقيم سرعان ما فرق بيننا و إلى الله أشكو و ستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها حقها فأحفها السؤال و استخبرها الحال فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا فستقول و يحكم الله و هو خير الحاكمين و السلام عليكما سلام مودع لا قال و لا سئم فإن أنصرف فلا عن ملالة و إن أقم فلا عن سوء ظن بما وعده الله الصابرين فالصبر أيمن و أجمل فبعين الله تدفن ابنتك صبرا و تهتضم حقها و تمنع إرثها و لم يبعد العهد فإلى الله يا رسول الله المشتكى و فيك يا رسول الله أحسن العزاء صلوات الله عليك و عليها معك .

و روى أبو عبد الله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا كان يوم القيامة نادى مناد من قبل العرش يا معشر الخلائق غضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتكون أول من يكسى .

و عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) : لفاطمة في الجنة بيت من قصب لا أذى فيه و لا نصب بين مريم و آسية .

و عن محمد بن الحنفية رضي الله عنه قال : سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول دخلت يوما منزلي فإذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جالس و الحسن عن يمينه و الحسين عن يساره و فاطمة بين يديه و هو يقول يا حسن و يا حسين أنتما كفتا الميزان و فاطمة لسانه و لا تعدل

[507]

الكفتان إلا باللسان و لا يقوم اللسان إلا على الكفتين أنتما الإمامان و لأمكما الشفاعة ثم التفت إلي فقال يا أبا الحسن أنت توفي المؤمنين أجورهم و تقسم الجنة بينهم و بين شيعتك .

فصل في مناقب خديجة بنت خويلد أم فاطمة (عليها السلام)

حيث ذكرت ما أمكن من مناقب فاطمة (عليها السلام) غير مدع الاستقصاء فإن مناقبها تجل عن العد و الإحصاء شرعت في ذكر شي‏ء من فضائل أمها (عليها السلام) ليعلم أن الشرف قد اكتنفها من جميع أقطارها و أن المجد أوصلها إلى غاية يعجز المجارون عن خوض غمارها و مهما ذكره ذاكر فهو على الحقيقة دون مقدارها .

نقلت من مسند أحمد بن حنبل رحمه الله عن عبد الله بن جعفر عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) خير نسائها خديجة و خير نسائها مريم .

و منه عن عبد الله بن جعفر قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمرت أن أبشر خديجة ببيت من قصب لا صخب فيه و لا نصب .

و منه عن ابن عباس : أن أول من صلى مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد خديجة علي (عليه السلام) و قال مرة أسلم .

و قد تقدم ذكر تقدم إسلامها (عليها السلام) و أنها سبقت الناس كافة فلا حاجة إلى إعادة ذلك و هو مشهور .

و من المسند عن أنس بن مالك عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران و خديجة بنت خويلد و فاطمة بنت محمد و آسية ابنة مزاحم امرأة فرعون .

[508]

و منه عن عبد الله بن أبي أوفى قال بشر رسول الله ص خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه و لا نصب .

و روي : أن جبرئيل ع أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فسأل عن خديجة فلم يجدها فقال إذا جاءت فأخبرها أن ربها يقرئها السلام .

و روى أبو هريرة قال : أتى جبرئيل (عليه السلام) النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال هذه خديجة قد أتتك معها إناء مغطى فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها و مني و بشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه و لا نصب .

و قال شريك و قد سئل عن القصب إنه قصب الذهب و قال الجوهري القصب أنابيب من جوهر و ذكر الحديث و قال غيره اللؤلؤ و قال صاحب النهاية في غريب الحديث القصب لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف في هذا الحديث و القصب من الجوهر ما استطال منه في تجويف .

و روي : أن عجوزا دخلت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فألطفها فلما خرجت سألته عنها عائشة رضي الله عنها فقال إنها كانت تأتينا زمن خديجة و إن حسن العهد من الإيمان .

و عن علي (عليه السلام) قال : ذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خديجة يوما و هو عند نسائه فبكى ; فقالت عائشة ما يبكيك على عجوز حمراء من عجائز بني أسد ?

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : صدقتني إذ كذبتم و آمنت بي إذ كفرتم و ولدت لي إذ عقمتم .

قالت عائشة فما زلت أتقرب إلى رسول الله بذكرها .

و نقلت من كتاب معالم العترة النبوية لأبي محمد عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي الحنبلي و ذكر خديجة بنت خويلد أم المؤمنين و تقدم إسلامها و حسن مؤازرتها و خطر فضلها و شرف منزلتها و ذكر مرفوعا عن محمد بن إسحاق قال : كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف و مال تستأجر الرجال في مالها و تضاربهم إياه بشي‏ء تجعله لهم منه و كانت قريش قوما تجارا فلما بلغها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من صدق حديثه و عظيم أمانته

[509]

و كرم أخلاقه بعثت إليه و عرضت عليه أن يخرج في مالها تاجرا إلى الشام و تعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار مع غلام لها يقال له ميسرة فقبله منها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و خرج في مالها ذلك و معه غلامها ميسرة حتى قدم الشام فنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب فاطلع الراهب إلى ميسرة فقال من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة فقال ميسرة هذا رجل من قريش من أهل الحرم فقال له الراهب ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبي.

ثم باع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) سلعته التي خرج فيها و اشترى ما أراد أن يشتري ثم أقبل قافلا إلى مكة و معه ميسرة و كان ميسرة فيما يزعمون قال إذا كانت الهاجرة و اشتد الحر نزل ملكان يظلانه من الشمس و هو يسير على بعيره فلما قدم مكة على خديجة بمالها باعت ما جاء به فأضعف أو قريبا.

و حدثها ميسرة عن قول الراهب و عما كان يرى من إظلال الملكين فبعثت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت له فيما يزعمون يا ابن عم إني قد رغبت فيك لقرابتك مني و شرفك في قومك و سطتك فيهم و أمانتك عندهم و حسن خلقك و صدق حديثك ثم عرضت عليه نفسها.

و كانت خديجة امرأة حازمة لبيبة شريفة و هي يومئذ أوسط قريش نسبا و أعظمهم شرفا و أكثرهم مالا و كل قومها قد كان حريصا على ذلك لم يقدروا عليه فلما قالت لرسول الله ص ما قالت ذكر ذلك لأعمامه فخرج معه منهم حمزة بن عبد المطلب حتى دخل على خويلد بن أسد فخطبها إليه فتزوجها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و روى بإسناده عن ابن شهاب الزهري قال : لما استوى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و بلغ أشده و ليس له كثير مال استأجرته خديجة بنت خويلد إلى سوق حباشة و هو

[510]

سوق بتهامة و استأجرت معه رجل آخر من قريش فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما رأيت من صاحبة لأجير خير من خديجة و ما كنا نرجع أنا و صاحبي إلا وجدنا عندها تحفة من طعام تخبئه لنا .

و منه قال الدولابي يرفعه عن رجاله : أنه كان من بدء أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه رأى في المنام رؤيا فشق عليه فذكر ذلك لصاحبته خديجة فقالت له أبشر فإن الله تعالى لا يصنع بك إلا خيرا فذكر لها أنه رأى أن بطنه أخرج و طهر و غسل ثم أعيد كما كان قالت هذا خير فأبشر ثم استعلن له جبرئيل فأجلسه على ما شاء الله أن يجلسه عليه و بشره برسالة ربه حتى اطمأن ثم قال اقرأ قال كيف أقرأ قال اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ فقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) رسالة ربه و اتبع الذي جاء به جبرئيل من عند الله و انصرف إلى أهله فلما دخل على خديجة قال أ رأيتك الذي كنت أحدثك و رأيته في المنام فإنه جبرئيل استعلن و أخبرها بالذي جاءه من عند الله و سمع فقالت أبشر يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فو الله لا يفعل الله بك إلا خيرا فاقبل الذي أتاك الله و أبشر فإنك رسول الله حقا .

و روي مرفوعا إلى الزهري قال : كانت خديجة أول من آمن برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و عن ابن شهاب : أنزل الله على رسوله القرآن و الهدى و عنده خديجة بنت خويلد .

و قال ابن حماد : بلغني أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تزوج خديجة على اثنتي عشرة أوقية ذهبا و هي يومئذ ابنة ثماني و عشرين سنة .

و حدثني ابن البرقي أبو بكر عن ابن هشام عن غير واحد عن أبي عمرو بن العلاء قال : تزوج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) خديجة و هو ابن خمس و عشرين سنة .

و عن قتادة بن دعامة قال : كانت خديجة قبل أن يتزوج بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند عتيق بن عائذ بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم يقال ولدت له جارية و هي أم محمد بن صيفي

[511]

المخزومي ثم خلف عليها بعد عتيق أبو هالة هند بن زرارة التيمي فولدت له هند بن هند ثم تزوجها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و بإسناده يرفعه إلى محمد بن إسحاق قال : كانت خديجة أول من آمن بالله و رسوله و صدقت بما جاء من الله و وازرته على أمره فخفف الله بذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و كان لا يسمع شيئا يكرهه من رد عليه و تكذيب له فيحزنه ذلك إلا فرج الله ذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بها إذا رجع إليها تثبته و تخفف عنه و تهون عليه أمر الناس حتى ماتت رحمها الله .

و عن إسماعيل بن أبي حكيم مولى آل الزبير أنه حدث عن خديجة أنها : قالت لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أي ابن عم أ تستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك قال نعم قالت فإذا جاءك فأخبرني فجاء جبرئيل (عليه السلام) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لخديجة يا خديجة هذا جبرئيل قد جاءني قالت قم يا ابن عم فاجلس على فخذي اليسرى فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فجلس عليها قالت هل تراه قال نعم قالت فتحول فاقعد على فخذي اليمنى فتحول فقالت هل تراه قال نعم قالت فاجلس في حجري ففعل قالت هل تراه فقال لا قالت يا ابن عم اثبت و أبشر فو الله إنه لملك كريم و ما هو بشيطان .

قال ابن إسحاق و قد حدث بهذا الحديث عبد الله بن الحسن قال قد سمعت أمي فاطمة بنت حسين تحدث بهذا الحديث عن خديجة إلا أني سمعتها تقول أدخلت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بينها و بين درعها فذهب عند ذلك جبرئيل (عليه السلام) فقالت خديجة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن هذا لملك و ما هو بشيطان .

و عن ابن إسحاق : أن خديجة بنت خويلد و أبا طالب ماتا في عام واحد فتتابع على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هلاك خديجة و أبي طالب و كانت خديجة وزيرة صدق على الإسلام و كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسكن إليها .

و عن عروة بن الزبير قال : توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة و قال

[512]

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أريت لخديجة بيتا من قصب لا صخب فيه و لا نصب .

و قال ابن هشام حدثني من أثق به : أن جبرئيل أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال أقرئ خديجة من ربها السلام فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا خديجة هذا جبرئيل يقرئك من ربك السلام قالت خديجة الله السلام و منه السلام و على جبرئيل السلام .

و روي : أن آدم (عليه السلام) قال : إني لسيد البشر يوم القيامة إلا رجل من ذريتي نبي من الأنبياء يقال أحمد فضل علي باثنتين زوجته عاونته و كانت له عونا و كانت زوجتي علي عونا و إن الله أعانه على شيطانه فأسلم و كفر شيطاني .

و عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا ذكر خديجة لم يسأم من ثناء عليها و استغفار لها فذكرها ذات يوم فحملتني الغيرة فقلت لقد عوضك الله من كبيرة السن قالت فرأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غضب غضبا شديدا فسقطت في يدي فقلت اللهم إنك إن أذهبت بغضب رسولك (صلى الله عليه وآله وسلم) لم أعد لذكرها بسوء ما بقيت قالت فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما لقيت قال كيف قلت و الله لقد آمنت بي إذ كفر الناس و آوتني إذ رفضني الناس و صدقتني إذ كذبني الناس و رزقت مني الولد حيث حرمتموه قالت فغدا و راح علي بها شهرا .

و روي : أن خديجة رضي الله عنها كانت تكنى أم هند .

و عن ابن عباس : أن عم خديجة عمرو بن أسد زوجها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أن

[513]

أباها مات قبل الفجار .

و عن ابن عباس : أنه تزوجها و هي ابنة ثماني و عشرين سنة و مهرها النبي اثنتي عشرة أوقية و كذلك كانت مهور نسائه .

و قيل إنها ولدت قبل الفيل بخمس عشرة سنة و تزوجها (صلى الله عليه وآله وسلم) و هي بنت أربعين سنة و رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ابن خمس و عشرين سنة و حديث عفيف و رؤيته النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و خديجة و عليا يصلون حين قدم تاجرا إلى العباس و قوله لا و الله ما علمت على ظهر الأرض كلها على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة قد تقدم ذكره بطرقه فلا حاجة لنا إلى ذكره لأنه لم يختلف في أنها (عليه السلام) أول الناس إسلاما.

و قال ابن سعد يرفعه إلى حكيم بن حزام قال : توفيت خديجة في شهر رمضان سنة عشر من النبوة و هي ابنة خمس و ستين فخرجنا بها من منزلها حتى دفناها بالحجون فنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حفرتها و لم يكن يومئذ صلاة على الجنازة قيل و متى ذلك يا أبا خالد قال قبل الهجرة بسنوات ثلاث أو نحوها و بعد خروج بني هاشم من الشعب بيسير .

قال و كانت أول امرأة تزوجها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أولاده كلهم منها إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية.

هذا آخر ما نقلته من كتاب الجنابذي و ربما اختصرت في بعض المواضع .

[514]

next page

fehrest page

back page