next page

fehrest page

back page

ذكر الإمام الثاني أبي محمد الحسن التقي (عليه السلام)

قال ابن طلحة رحمه الله الباب الثاني في أبي محمد الحسن التقي (عليه السلام) و فيه اثنا عشر فصلا : في ولادته ; في نسبه ; في تسميته (عليه السلام) ; في كنيته و لقبه ; فيما ورد في حقه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و هاهنا نذكر إمامته ; فإن كمال الدين بن طلحة لم يذكر ذلك في فصوله في علمه ; في عبادته ; في كرمه ; في كلامه ; في أولاده ; في عمره ; في وفاته .

الأول في ولادته

صح ما قيل في ولادته إنه ولد بالمدينة في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة و كان والده علي بن أبي طالب (عليه السلام) قد بنى بفاطمة (عليها السلام) في ذي الحجة من السنة الثانية من الهجرة و كان الحسن (عليه السلام) أول أولادها و قيل ولدته لستة أشهر و الصحيح خلافه.

و لما ولد (عليه السلام) و أعلم به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أخذه و أذن في أذنه و مثل ذلك روى الجنابذي أبو محمد عبد العزيز بن الأخضر .

و روى ابن الخشاب : أنه ولد (عليه السلام) لستة أشهر و لم يولد لستة أشهر مولود فعاش إلا الحسن و عيسى ابن مريم (عليه السلام) .

و روى الدولابي في كتابه المسمى كتاب الذرية الطاهرة قال : تزوج علي فاطمة (عليها السلام) فولدت له حسنا بعد أحد بسنتين و كان بين وقعة أحد و بين مقدم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة سنتان و ستة أشهر و نصف فولدته لأربع سنين و ستة أشهر و نصف من التاريخ و بين أحد و بدر سنة و نصف.

و روي أنها (عليه السلام) ولدته في شهر رمضان سنة ثلاث .

و روي : أنه ولد في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث و كنيته أبو محمد .

و روي : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عق عنه بكبش و حلق رأسه و أمر أن يتصدق بزنته فضة .

و روي : أن فاطمة (عليها السلام) أرادت أن تعق عنه بكبش فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تعقي عنه و لكن احلقي رأسه ثم تصدقي بوزنه من الورق في سبيل الله عز و جل .

و منه عن ابن عباس : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عق عن الحسن كبشا و عن الحسين كبشا .

و قال الكنجي الشافعي في كتاب كفاية الطالب : الحسن بن علي كنيته

[515]

أبو محمد ولد بالمدينة ليلة النصف من رمضان سنة ثلاث من الهجرة كان أشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و قال أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب إعلام الورى الباب الأول في ذكر الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) الإمام الثاني و السبط الأول سيد شباب أهل الجنة و يتضمن خمسة فصول في ذكر مولده و مبلغ عمره و مدة خلافته و وقت وفاته و موضع قبره ع .

ولد (عليه السلام) ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة و قيل سنة اثنتين و كنيته أبو محمد و جاءت به أمه فاطمة سيدة النساء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم السابع من مولده في خرقة من حرير الجنة نزل بها جبرئيل (عليه السلام) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسماه حسنا و عق عنه كبشا و قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و له سبع سنين و أشهر و قيل ثماني سنين.

و قام بالأمر بعد أبيه (عليه السلام) و له سبع و ثلاثون سنة و أقام في خلافته ستة أشهر و ثلاثة أيام و صالح معاوية سنة إحدى و أربعين و إنما هادنه خوفا على نفسه لأن جماعة من رؤساء أصحابه كاتبوا معاوية و ضمنوا له تسليم الحسن (عليه السلام) إليه عند دنو عسكره من عسكره و لم يكن منهم من يأمن غائلته إلا جماعة من شيعته لا يقومون بأهل الشام و كتب إليه معاوية في الهدنة و الصلح و بعث بكتب أصحابه إليه فأجابه إلى ذلك بعد أن شرط عليه شروطا كثيرة منها أن يترك سب أمير المؤمنين (عليه السلام) و القنوت عليه في الصلوات و أن يؤمن شيعته و لا يتعرض لأحد منهم بسوء و يوصل إلى كل ذي حق حقه فأجابه معاوية إلى ذلك كله و عاهده على الوفاء به فلما استتمت الهدنة قال في خطبته إني منيت الحسن و أعطيته أشياء جعلتها تحت قدمي لا أفي بشي‏ء منها له.

و خرج الحسن (عليه السلام) إلى المدينة و أقام بها عشر سنين و مضى إلى رحمة الله تعالى

[516]

لليلتين بقيتا من صفر سنة خمسين من الهجرة و له سبع و أربعون سنة و أشهر مسموما سمته زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس و كان معاوية قد دس إليها من حملها على ذلك و ضمن لها أن يزوجها من يزيد ابنه و أعطاها مائة ألف درهم فسقته السم و بقي (عليه السلام) مريضا أربعين يوما و تولى أخوه الحسين (عليه السلام) غسله و تكفينه و دفنه عند جدته فاطمة بنت أسد بن هاشم بالبقيع.

و قال الشيخ المفيد رحمه الله في إرشاده باب ذكر الإمام بعد أمير المؤمنين (عليه السلام) و تاريخ مولده و دلائل إمامته و مدة خلافته و وقت وفاته و موضع قبره و عدد أولاده و طرف من أخباره.

و الإمام بعد أمير المؤمنين (صلى الله عليه وآله وسلم) ابنه الحسن بن سيدة نساء العالمين فاطمة بنت محمد سيد المرسلين صلى الله عليه و آله الطاهرين و كنيته أبو محمد.

ولد بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة و ساق ما أورده الطبرسي إلى قوله و عق عنه كبشا قال و روى ذلك جماعة عن جعفر بن محمد الصادق ع .

و كان الحسن (عليه السلام) أشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خلقا و هديا و سؤددا .

و عن أنس بن مالك قال : لم يكن أحد أشبه برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الحسن بن علي (عليه السلام) .

و روي : أن فاطمة (عليها السلام) أتت بابنيها الحسن و الحسين (عليهما السلام) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في شكواه التي توفي فيها فقال يا رسول الله هذان ابناك فورثهما شيئا فقال أما الحسن فإن له هديي و سؤددي و أما الحسين فإن له جودي و شجاعتي و رواه الجنابذي أما الحسن فله هيبتي و سؤددي و أما الحسين فله جرأتي و جودي .

فهذا ذكر الاختلاف في مولده (عليه السلام) و ذكرت فيه ما أورده السنة و الشيعة ليتلخص لك معرفة ذلك و بالله التوفيق .

[517]

الثاني في نسبه (عليه السلام)

قال كمال الدين محمد بن طلحة : حصل للحسن و لأخيه الحسين (عليه السلام) ما لم يحصل لغيرهما فإنهما سبطا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و ريحانتاه و سيدا شباب أهل الجنة فجدهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أبوهما علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم (عليه السلام) و أمهما الطهر البتول فاطمة بنت محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سيدة النساء :

نسب كان عليه من شمس الضحى *** نورا و من فلق الصباح عمودا .

أقول إن نسبه (عليه السلام) هو النسب الذي تتضاءل عنده الأنساب و شرفه الشرف الذي أسجل بصحته الأثر و الكتاب فهو و أخوه دوحتا النبوة التي طابت فرعا و أصلا و شعبتا الفتوة التي سمت رفعة و نبلا و إنسانا عيني السيادة و الفخار و سليلا الشرف الذي أظهر الخيلاء في مضر و نزار قد اكتنفهما العز و الشرف و لازمهما السؤدد فما له عنهما منصرف و أحاط بهما المجد من طرفيهما و تصورا من الجلالة فكادت أن تقطر من عطفيهما و تكونا من الأريحية فهي تلوح على شمائلهما و تبدو كما يبدو النهار على مخايلهما بذا الأضراب و الأمثال و أين الضريب و المماثل و ترفعا في أوج الفتوة عن العديل و المساجل و أين العديل و المساجل و فاقا في طيب الأعراق و طهارة الأخلاق رتبة الأواخر و الأوائل فعلت سماء فضلهما عن اللمس حتى قيل أين الثريا من يد المتناول نسبهما يتصل بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من قبل أمهما بغير فصل و من قبل أبيهما يجتمع في عبد المطلب فأعجب لطيب فرع و زكاء أصل .

[518]

أنتم ذوو النسب القصير و طولكم *** باد على الكبراء و الأشراف‏

و الخمر إن قيل ابنة العنب اكتفت *** باب من الألقاب و الأوصاف

الثالث في تسميته (عليه السلام)

قال ابن طلحة اعلم أن هذا الاسم الحسن سماه به جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

فإنه لما ولد (عليه السلام) قال ما سميتموه قالوا حربا قال (صلى الله عليه وآله وسلم) بل سموه حسنا .

ثم إنه (صلى الله عليه وآله وسلم) عق عنه كبشا و بذلك احتج الشافعي في كون العقيقة سنة عن المولود.

و تولى ذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و منع أن تفعله فاطمة (عليها السلام) و قال لها احلقي رأسه و تصدقي بوزن الشعر فضة ففعلت ذلك و كان وزن شعره يوم حلقه درهما و شيئا فتصدقت به فصارت العقيقة و الصدقة بزنة الشعر سنة مستمرة بما شرعه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حق الحسن (عليه السلام) و كذا اعتمد في حق الحسين (عليه السلام) عند ولادته و سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى .

و روى الجنابذي : أن عليا (عليه السلام) سمى الحسن حمزة و الحسين جعفرا فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) عليا و قال له إني قد أمرت أن أغير اسم ابني هذين قال فما شاء الله و رسوله قال فهما الحسن و الحسين .

و يظهر من كلامه أنه بقي الحسن (عليه السلام) مسمى حمزة إلى حين ولد الحسين و غيرت أسماؤهما (عليه السلام) وقتئذ و في هذا نظر لمتأمله أو يكون قد سمى الحسن و غيره و لما ولد الحسين و سمى جعفرا غيره فتكون التسمية في زمانين و التغيير كذلك .

الرابع في كنيته (عليه السلام) و ألقابه

قال ابن طلحة : كنيته أبو محمد لا غيره و أما ألقابه فكثيرة التقي و الطيب و الزكي و السيد و السبط و الولي كل ذلك كان يقال له و يطلق عليه و أكثر هذه الألقاب شهرة التقي لكن أعلاها رتبة و أولاها به ما لقبه به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث وصفه به و خصه بأن جعله نعتا له فإنه صح النقل .

عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم )

[519]

فيما أورده الأئمة الأثبات و الرواة الثقات أنه قال :
ابني هذا سيد .

و سيأتي هذا الحديث بتمامه في الفصل الآتي ردف هذا إن شاء الله تعالى فيكون أولى ألقابه السيد و قال ابن الخشاب كنيته أبو محمد و ألقابه الوزير و التقي و القائم و الطيب و الحجة و السيد و السبط و الولي .

الخامس فيما ورد في حقه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و ما رواه (عليه السلام) و إمامته

قال ابن طلحة : هذا فصل أصله مقصود و فضله معقود و نقله مشهور و ظله ممدود و وروده مورود و سدره مخضود و طلحه منضود و هو من أسنى السجايا و المدائح معدود فإنه جمع من أشتات الإشارات النبوية و الأفعال و الأقوال الطاهرة الزكية ما أشرقت به أنوار المناقب و سمقت بالحسن إلى أشرف شرف المراتب و أحدقت مزايا المآثر به من جميع الجوانب فإن من امتطى مطا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رقي قدم شرفه على مناكب الكواكب فبخ بخ لمن خصه الله تعالى من رسوله المصطفى بهذه المواهب.

فمنها ما اتفقت الصحاح على إيراده و تطابقت على صحة إسناده .

و روي : مرفوعا إلى أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي قال رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و الحسن بن علي إلى جنبه و هو يقبل على الناس مرة و عليه مرة و يقول إن ابني هذا سيد و لعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين عظيمتين رواه الجنابذي .

[520]

و روي من صحيحي مسلم و البخاري مرفوعا إلى البراء بن العازب قال : رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و الحسن بن علي على عاتقه يقول اللهم إني أحبه فأحبه .

و روي : عن الترمذي مرفوعا إلى ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حامل الحسن بن علي على عاتقه فقال رجل نعم المركب ركبت يا غلام فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و نعم الراكب هو رواه الجنابذي .

و روي : عن الحافظ أبي نعيم ما أورده في حليته عن أبي بكرة قال كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يصلي بنا فيجي‏ء الحسن و هو ساجد و هو صغير حتى يصير على ظهره أو رقبته فيرفعه رفعا رفيقا فلما صلى قالوا يا رسول الله إنك تصنع بهذا الصبي شيئا لا تصنعه بأحد فقال إن هذا ريحانتي و إن ابني هذا سيد و عسى أن يصلح الله به بين فئتين من المسلمين رواه الجنابذي في كتابه .

و روي عن الترمذي من صحيحه يرفعه بسنده إلى أنس بن مالك قال : سئل رسول الله ص أي أهل بيتك أحب إليك قال الحسن و الحسين و كان يقول لفاطمة (صلى الله عليه وآله وسلم) ادعي إلي ابني فيشمهما و يضمهما إليه .

و روي : عن مسلم و البخاري بسنديهما عن أبي هريرة قال خرجت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) طائفة من النهار لا يكلمني و لا أكلمه حتى جئنا سوق بني قينقاع ثم انصرف حتى أتى مخبئا و هو المخدع فقال أ ثم لكع أ ثم لكع يعني

[521]

حسنا فظننا إنما تحبسه أمه لأن تغسله أو تلبسه سخابا فلم يلبث أن جاء يسعى حتى اعتنق كل واحد منهما صاحبه فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) اللهم إني أحبه و أحب من يحبه و في رواية أخرى اللهم إني أحبه فأحبه و أحب من يحبه .

قال أبو هريرة : فما كان أحد أحب إلي من الحسن بن علي بعد ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما قال فيه .

و روي : عن الترمذي في صحيحه مرفوعا إلى أسامة بن زيد قال طرقت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات ليلة في بعض الحاجة فخرج و هو مشتمل على شي‏ء ما أدري ما هو فلما فرغت من حاجتي قلت ما هذا الذي أنت مشتمل عليه فكشفه فإذا حسن و حسين على وركيه فقال هذان ابناي و ابنا ابنتي اللهم إني أحبهما فأحبهما و أحب من يحبهما .

و روي عن الترمذي بسنده عن أبي سعيد قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة .

و عن ابن عمر قال : سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول هما ريحانتاي من الدنيا .

و روي : عن النسائي بسنده عن عبد الله بن شداد عن أبيه قال خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في إحدى صلاتي العشاء و هو حامل حسنا فتقدم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فوضعه ثم كبر للصلاة فصلى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة فأطالها قال إني رفعت رأسي فإذا الصبي على ظهر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو ساجد فرجعت إلى سجودي فلما قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الصلاة قال الناس يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو

[522]

أنه يوحى إليك قال كل ذلك لم يكن و لكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته .

و روي عن الترمذي و النسائي في صحاحهم كل منهم بسنده يرفعه إلى بريدة قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخطب فجاء الحسن و الحسين (عليهما السلام) و عليهما قميصان أحمران يمشيان و يعثران فنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من المنبر فحملهما و وضعهما بين يديه ثم قال صدق الله إنما أموالكم و أولادكم فتنة فنظرت إلى هذين الصبيين يمشيان و يعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي و رفعتهما و رواه الجنابذي بألفاظ قريبة من هذا و أخصر .

و روي عن الترمذي بسنده في صحيحه يرفعه إلى أبي جحيفة قال : رأيت رسول الله ص و كان الحسن بن علي يشبهه .

و عن أنس قال : لم يكن أحد أشبه برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الحسن بن علي .

و عن علي (عليه السلام) قال : كان الحسن بن علي أشبه برسول الله ما بين الصدر إلى الرأس و الحسين أشبه فيما كان أسفل من ذلك .

و روي : عن البخاري في صحيحه يرفعه إلى عقبة بن الحرث قال صلى أبو بكر رضي الله عنه العصر ثم خرج يمشي و معه علي (عليه السلام) فرأى الحسن يلعب بين الصبيان فحمله أبو بكر على عاتقه و قال بأبي شبيه بالنبي ليس شبيها بعلي و علي (عليه السلام) يضحك و روى الجنابذي هذا الحديث فقال بأبي شبه النبي لا شبيها بعلي قال و علي يتبسم .

و روي عن إسماعيل بن أبي خالد قال : قلت لأبي جحيفة هل رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال نعم و الحسن بن علي يشبهه .

و روي : عن أبي هريرة قال ما رأيت الحسن بن علي إلا فاضت عيناي دموعا و ذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج يوما فوجدني في المسجد فأخذ بيدي فاتكأ علي ثم

[523]

انطلقت حتى جئنا إلى سوق بني قينقاع فما كلمني فطاف فنظر ثم رجع و رجعت معه فجلس في المسجد فاحتبى ثم قال ادع لي لكع فأتى حسن يشتد حتى وقع في حجره فجعل يدخل يده في لحية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و جعل رسول الله يفتح فمه و يدخل فمه في فمه و يقول اللهم إني أحبه و أحب من يحبه ثلاثا .

و روى بسنده عن عبد الرحمن بن عوف : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا عبد الرحمن أ لا أعلمك عوذة كان يعوذ بها إبراهيم ابنيه إسماعيل و إسحاق و أنا أعوذ بها ابني الحسن و الحسين قل كفى بسمع الله واعيا لمن دعا و لا مرمى وراء أمر الله لرام رمى .

و روي : عن الدولابي مرفوعا إلى جبير بن هبير عن أبيه قال قدمت المدينة فقال الحسن بن علي (عليه السلام) كانت جماجم العرب بيدي يسالمون من سالمت و يحاربون من حاربت فتركتها ابتغاء وجه الله و حقن دماء المسلمين .

و روي : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبصر الحسن بن علي مقبلا فقال اللهم سلمه و سلم منه .

و روي : مرفوعا إلى أم الفضل قالت قلت يا رسول الله رأيت كأن عضوا من أعضائك في بيتي قال خيرا رأيت تلد ابنتي فاطمة غلاما ترضعينه بلبن قثم فولدت الحسن فأرضعته بلبن قثم .

و روي : مرفوعا إلى إسحاق بن سليمان الهاشمي عن أبيه قال كنا عند أمير المؤمنين هارون الرشيد فتذاكروا علي بن أبي طالب فقال أمير المؤمنين هارون تزعم العوام أني أبغض عليا و ولده حسنا و حسينا و لا و الله ما ذلك كما يظنون و لكن ولده هؤلاء طالبنا بدم الحسين معهم في السهل و الجبل حتى قتلنا قتلته ثم

[524]

أفضى إلينا هذا الأمر فخالطناهم فحسدونا و خرجوا علينا فحلوا قطيعتهم و الله لقد حدثني أبي أمير المؤمنين المهدي عن أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور عن محمد بن علي بن عبد الله عن عبد الله بن عباس قال بينما نحن عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ أقبلت فاطمة (عليها السلام) تبكي فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يبكيك قالت يا رسول الله إن الحسن و الحسين خرجا فو الله ما أدري أين سلكا فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تبكين فداك أبوك فإن الله جل و عز خلقهما و هو أرحم بهما اللهم إن كانا أخذا في بر فاحفظهما و إن كانا أخذا في بحر فسلمهما فهبط جبرئيل ع فقال يا أحمد لا تغتم و لا تحزن هما فاضلان في الدنيا فاضلان في الآخرة و أبوهما خير منهما و هما في حظيرة بني النجار نائمين و قد وكل الله بهما ملكا يحفظهما قال ابن عباس فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قمنا معه حتى أتينا حظيرة بني النجار فإذا الحسن معانق الحسين و إذا الملك قد غطاهما بأحد جناحيه فحمل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الحسن و أخذ الحسين الملك و الناس يرون أنه حاملهما فقال له أبو بكر الصديق و أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنهما يا رسول الله أ لا نخفف عنك بحمل أحد الصبيين فقال دعاهما فإنهما فاضلان في الدنيا فاضلان في الآخرة و أبوهما خير منهما ثم قال و الله لأشرفنهما اليوم بما شرفهما الله فخطب فقال أيها الناس أ لا أخبركم بخير الناس جدا و جدة قالوا بلى يا رسول الله قال الحسن و الحسين جدهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و جدتهما خديجة بنت خويلد أ لا أخبركم أيها الناس بخير الناس أبا و أما قالوا بلى يا رسول الله قال الحسن و الحسين أبوهما علي بن أبي طالب و أمهما فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أ لا أخبركم أيها الناس بخير الناس عما و عمة قالوا بلى يا رسول الله قال الحسن و الحسين عمهما جعفر بن أبي طالب و عمتهما أم هانئ بنت أبي طالب ألا أيها الناس أ لا أخبركم بخير الناس خالا و خالة قالوا بلى يا رسول الله قال الحسن و الحسين خالهما القاسم بن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و خالتهما زينب بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ألا إن أباهما في الجنة و أمهما في الجنة

[525]

و جدهما في الجنة و جدتهما في الجنة و خالهما في الجنة و خالتهما في الجنة و عمهما في الجنة و عمتهما في الجنة و هما في الجنة و من أحبهما في الجنة و من أحب من أحبهما في الجنة .

و روي مرفوعا إلى أحمد بن محمد بن أيوب المغيري قال : كان الحسن بن علي (عليه السلام) أبيض مشربا حمرة أدعج العينين سهل الخدين دقيق المسربة كث اللحية ذا وفرة و كان عنقه إبريق فضة عظيم الكراديس بعيد ما بين المنكبين ربعة ليس بالطويل و لا القصير مليحا من أحسن الناس وجها و كان يخضب بالسواد و كان جعد الشعر حسن البدن .

و روي : مرفوعا إلى علي (عليه السلام) قال لما حضرت ولادة فاطمة (عليها السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأسماء بنت عميس و أم سلمة احضراها فإذا وقع ولدها و استهل فأذنا في أذنه اليمنى و أقيما في أذنه اليسرى فإنه لا يفعل ذلك بمثله إلا عصم من الشيطان و لا تحدثا شيئا حتى آتيكما فلما ولدت فعلتا ذلك فأتاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فسره و لباه بريقه و قال اللهم إني أعيذه بك و ولده من الشيطان الرجيم .

و من كتاب الفردوس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : أمرت أن أسمي ابني هذين حسنا و حسينا .

و منه عن عائشة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : سألت الفردوس من ربها فقالت أي رب زيني فإن أصحابي و أهلي أتقياء أبرار فأوحى الله عز و جل إليها أ لم أزينك بالحسن و الحسين .

و منه عن سلمان عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : سمى هارون ابنيه شبرا و شبيرا و إني سميت ابني الحسن و الحسين بما سمى هارون ابنيه .

و روى أبو عمرو الزاهد في كتاب اليواقيت قال زيد بن أرقم : كنت عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مسجده جالسا فمرت فاطمة (عليها السلام) خارجة من بيتها إلى حجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و معها الحسن و الحسين (عليهما السلام) ثم تبعها علي (عليه السلام)

[526]

فرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رأسه إلي فقال من أحب هؤلاء فقد أحبني و من أبغض هؤلاء فقد أبغضني .

و مما جمعه صديقنا العز المحدث مرفوعا إلى ابن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) ليلة عرج بي إلى السماء رأيت على باب الجنة مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله علي حبيب الله الحسن و الحسين صفوة الله فاطمة أمة الله على باغضيهم لعنة الله .

و بإسناده قال عمر رضي الله عنه : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول إن فاطمة و عليا و الحسن و الحسين في حظيرة القدس في قبة بيضاء سقفها عرش الرحمن عز و جل .

و بإسناده عنه : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال ابناي هذان سيدا شباب أهل الجنة و أبوهما خير منهما .

و من كتاب الآل لابن خالويه اللغوي عن ابن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حسن و حسين سيدا شباب أهل الجنة من أحبهما أحبني و من أبغضهما أبغضني .

و عن جابر قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الجنة تشتاق إلى أربعة من أهلي قد أحبهم الله و أمرني بحبهم علي بن أبي طالب و الحسن و الحسين و المهدي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي يصلي خلفه عيسى ابن مريم (عليه السلام) .

و من كتاب الآل مرفوعا إلى عقبة بن عامر قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قالت الجنة يا رب أ ليس قد وعدتني أن تسكني ركنا من أركانك قال فأوحى الله إليها أ ما ترضين أني زينتك بالحسن و الحسين فأقبلت تميس كما تميس العروس .

و من كتاب الأربعين للفتواني عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : دخلت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو يمشي على أربع و الحسن و الحسين على ظهره و يقول نعم الجمل جملكما و نعم الجملان أنتما .

و روى اللفتواني : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دعا الحسن فأقبل و في عنقه سخاب فظننت أن أمه حبسته لتلبسه فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) هكذا و قال الحسن (عليه السلام) هكذا بيده

[527]

فالتزمه فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اللهم إني أحبه فأحبه و أحب من أحبه ثلاث قال و هو متفق على صحته من حديث عبد الله بن أبي يزيد و رواه البخاري في السير عن علي عن سفيان .

و روى الحافظ أبو بكر محمد اللفتواني عن أبي هريرة : أن الحسن بن علي (عليه السلام) قال السلام عليكم فرد أبو هريرة فقال بأبي رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصلي فسجد فجاء الحسن ع فركب ظهره و هو ساجد ثم جاء الحسين فركب ظهره مع أخيه و هو ساجد فثقلا على ظهره فجئت فأخذتهما عن ظهره و ذكر كلاما سقط على أبي يعلى و مسح على رءوسهما و قال من أحبني فليحبهما ثلاثا .

و عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول من أحب الحسن و الحسين فقد أحبني و من أبغضهما فقد أبغضني .

و روي : أن العباس رضي الله عنه جاء يعود النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرضه فرفعه و أجلسه في مجلسه على سريره فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رفعك الله يا عم فقال العباس هذا علي يستأذن فقال يدخل فدخل و معه الحسن و الحسين (عليه السلام) فقال العباس رضي الله عنه هؤلاء ولدك يا رسول الله صلى الله عليك قال هم ولدك يا عم أ تحبهما قال نعم قال أحبك الله كما أحبهما .

و عن أبي هريرة : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أتي بتمر من تمر الصدقة فجعل يقسمه فلما فرغ حمل الصبي و قام فإذا الحسن في فيه تمرة يلوكها فسال لعابه عليه فرفع رأسه ينظر إليه فضرب شدقه و قال كخ أي بني أ ما شعرت أن آل محمد لا يأكلون الصدقة قلت و قد أورده أحمد بن حنبل رحمه الله في مسنده بألفاظ غير هذه قال

[528]

الحسن فأدخل إصبعه في فمي و قال كخ كخ و كأني أنظر لعابي على إصبعه .

و روي عن أبي عميرة رشيد بن مالك هذا الحديث بألفاظ أخرى و ذكر : أن رجلا أتاه بطبق من تمر فقال أ هذا هدية أم صدقة قال الرجل صدقة فقدمها إلى القوم قال و حسن بين يديه صغير قال فأخذ الصبي تمرة فجعلها في فيه قال ففطن له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) فأدخل إصبعه في في الصبي فانتزع التمرة ثم قذف بها و قال إنا آل محمد لا نأكل الصدقة قال اللفتواني لم يخرج الطبراني لأبي عميرة السعدي في معجمه سوى هذا الحديث الواحد .

و في حديث آخر : إنا آل محمد لا نأكل الصدقة .

قال معرف : فحدثني أنه جعل يدخل إصبعه ليخرجها فيقول هكذا كأنه يلتوي عليه و يكره أن يؤذيه .

و روي : مرفوعا إلى أسامة بن زيد أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقعده على فخذه و يقعد الحسين على الفخذ الأخرى و يقول اللهم ارحمهما فإني أرحمهما رواه البخاري في الأدب .

و روي : مرفوعا إلى أبي بكر رضي الله عنه قال سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على المنبر و الحسن إلى جانبه ينظر إلى الناس مرة و إليه مرة أخرى إن ابني هذا سيد و لعل الله أن يصلح به ما بين فئتين من المسلمين .

و روي : عن زيد بن أرقم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي و فاطمة و الحسن و الحسين أنا سلم لمن سالمتم و حرب لمن حاربتم .

[529]

و قد روى أحمد بن حنبل رحمة الله عليه : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) قال و قد نظر إلى الحسن و الحسين (عليهما السلام) من أحب هذين و أباهما و أمهما كان معي في درجتي يوم القيامة .

و هذه الأحاديث قد تقدم أمثالها و هي بأنفسها و إنما أذكرها مكررة لأن في اختلاف طرقها و كثرة رواتها دلالة على صحتها و برهانها على القطع بورودها عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) على الحقيقة .

و روى الدولابي في كتاب الذرية الطاهرة و هذا الكتاب أرويه بالإجازة عن السيد جلال الدين عبد الحميد بن فخار الموسوي الحائري عن الشيخ عبد العزيز الأخضر المحدث إجازة في المحرم سنة عشرة و ستمائة.

و عن الشيخ برهان الدين أبي الحسين أحمد بن علي المعروف بالغزنوي إجازة في ربيع الأول سنة أربع عشرة و ستمائة كلاهما عن الشيخ الحافظ أبي الفضل محمد بن ناصر السلامي بإسناده و أجاز لي السيد قديما و في سنة ست و سبعين و ستمائة .

روي عن أبي بكرة قال : بينما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخطب إذ صعد إليه الحسن فضمه إليه و قال إن ابني هذا سيد و إن الله عله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين عظيمتين .

قلت : و إلى هذا أشار الحسن (عليه السلام) .

و قد رواه الدولابي و غيره مرفوعا إلى يزيد بن خمير عن جبير بن نفير عن أبيه قال قدمت المدينة فقال الحسن بن علي (عليه السلام) : كانت جماجم العرب بيدي يسالمون من سالمت و يحاربون من حاربت فتركتها ابتغاء وجه الله عز و جل و حقن دماء المسلمين .

و روي عن محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة مولى بني هاشم : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبصر الحسن بن علي مقبلا

[530]

فقال اللهم سلم به و سلم منه .

و روي : أن أم الفضل قالت رأيت عضوا من أعضائك في بيتي قال خيرا رأيته تلد فاطمة غلاما ترضعينه بلبن قثم فولد الحسن (عليه السلام) فأرضعته بلبن قثم .

و روي : أن الحسن ع روى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال لي إن من واجب المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم .

و روي أن الحسن قال رواية عن أبيه (عليه السلام) قال : رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما من رجلين اصطرما فوق ثلاث إلا طويت عنهما صحيفة الزيادات قلت يا رسول الله و ما صحيفة الزيادات قال الصلاة النافلة و ما كان من التطوع ما لم يشاكل الفرض .

و بإسناده عن أبيه ص : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال حيث ما كنتم فصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني صلى الله عليه و آله و سلم تسليما كثيرا .

و بإسناده عن أبيه (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أظلم الظالمين من ظلم الظالم دعوا الظالم حتى يلقى الله عز و جل بوزره يوم القيامة كاملا .

[531]

ذكر إمامته و بيعته (عليه السلام)

الكلام في الحسن بن علي (عليه السلام) في باب الإمامة لا يخالفنا فيه أحد من المسلمين فأما غيره من الأئمة (عليهم السلام) فالمخالفة فيهم و نحن نقرر في هذا قاعدة تطرد في الجميع فإن القائلين بإمامة الجماعة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قائلون بإمامة الحسن (عليه السلام) بما رووه أن الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تعود ملكا و بأن عليا (عليه السلام) أوصى بها إليه و أفاض رداءها عليه فهو (عليه السلام) مسألة إجماع و قد سلم مدعي إمامته عن النزاع.

و أما أصحابنا فإنهم يقولون بوجوب الإمامة في كل وقت و قد ثبت ذلك من طريق العقل في كتب الأصول و إن الإمام لا بد أن يكون معصوما منصوصا عليه و إن الحق لا يخرج عن أمة محمد ص. فإذا ثبت ذلك فالناس بعد علي (عليه السلام) إما قائل بأن لا حاجة إلى إمام و قوله باطل بما ثبت من وجوب وجود الإمام في كل وقت و إما قائل بإمام و لا يشترط العصمة و قوله باطل أيضا بما ثبت من وجوب العصمة و إما قائل بوجوب إمامة الحسن بن علي (عليه السلام) لوجود الشروط المأخوذة في حد الإمام فيه فيجب الرجوع إلى قوله و العمل به و إلا خرج الحق عن أقوال الأمة.

و في تواتر الشيعة و نقلهم خلفا عن سلف أن أمير المؤمنين (عليه السلام) نص على ابنه الحسن و حضر شيعته و استخلفه عليهم بصريح القول و ليس لأحد أن يدعي كذبهم فيما تواتر عندهم لأن ذلك يقدح في كل ما ادعي أنه علم بالتواتر و في هذا الموضع بحوث طويلة مذكورة في كتب الكلام ليس ذكرها في هذا الكتاب من شرطه و قد اشتهر عند الناس قاطبة وصية علي (عليه السلام) إلى ابنه الحسن (عليه السلام) و تخصيصه بذلك من بين ولده و رواه المخالف و المؤالف و الوصية من الإمام الحق توجب استخلافه لمن أوصى إليه و كذا وقعت الحال و هي مشهورة و قد أجمع عليها آل محمد (عليهم السلام) .

[532]

و من الأخبار الواردة في ذلك مما رواه محمد بن يعقوب الكليني و هو من أجل رواة الشيعة و ثقاتها عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عن سليم بن قيس الهلالي قال : شهدت أمير المؤمنين (عليه السلام) حين أوصى إلى ابنه الحسن و أشهد على وصيته الحسين و محمدا و جميع ولده و رؤساء شيعته و أهل بيته ثم رفع إليه الكتاب و السلاح و قال له يا بني أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن أوصي إليك و أدفع إليك كتبي و سلاحي كما أوصى إلي و دفع إلي كتبه و سلاحه و أمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين ثم أقبل على الحسين (عليه السلام) فقال و أمرك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن تدفعها إلى ابنك هذا ثم أخذ بيد علي بن الحسين و قال و أمرك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن تدفعها إلى ابنك محمد فأقرئه من رسول الله و مني السلام .

و عنه عن عدة من أصحابه يرفعه إلى أبي الجارود عن أبي جعفر قال : إن أمير المؤمنين (عليه السلام) لما حضرته الوفاة قال لابنه الحسن ادن مني حتى أسر إليك ما أسر إلي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و آتمنك على ما ائتمنني عليه ففعل .

و بإسناده يرفعه إلى شهر بن حوشب : أن عليا (عليه السلام) لما سار إلى الكوفة استودع أم سلمة رضي الله عنها كتبه و الوصية فلما رجع الحسن (عليه السلام) دفعتها إليه .

و قد ثبت عند فرق الإسلام كافة أن عليا (عليه السلام) لما مات دعا الحسن (عليه السلام) إلى الأمر بعد أبيه فبايعه الناس على أنه الخليفة و الإمام .

و قد روى جماعة : أنه خطب صبيحة الليلة التي قبض فيها أمير المؤمنين (عليه السلام) فحمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون و لم يدركه الآخرون لقد كان يجاهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقيه بنفسه و كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوجهه برايته فيكتنفه جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن شماله فلا يرجع حتى يفتح الله على يديه و لقد توفي في الليلة التي عرج فيها بعيسى ابن مريم و فيها قبض يوشع بن نون (عليه السلام)

[533]

و ما خلف صفراء و لا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادما لأهله ثم خنقته العبرة فبكى و بكى الناس معه ثم قال أنا ابن البشير النذير و أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه أنا ابن السراج المنير أنا ابن من أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا أنا من أهل بيت افترض الله طاعتهم في كتابه فقال قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً فالحسنة مودتنا أهل البيت ثم جلس فقام عبد الله بن العباس بين يديه فقال معاشر الناس هذا ابن نبيكم و وصي إمامكم فبايعوه فتبادر الناس إلى بيعته .

فهذه أدلة قاطعة بحقية إمامته .

و قد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ابناي إمامان قاما أو قعدا .

و قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة .

و عصمتهما معلومة ثابتة من قوله تعالى إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً .

أقول بعض هذه الخطبة قد رواها أحمد بن حنبل رحمه الله في مسنده عن هبيرة قال : خطبنا الحسن بن علي (عليه السلام) فقال لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأولون بعلم و لم يدركه الآخرون كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يبعثه بالراية جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن شماله لا ينصرف حتى يفتح له .

[534]

و قد رواها الدولابي في كتاب العترة بألفاظ تقارب ما رواه الجماعة و من حديث آخر في المسند بمعناه و في آخره .

و ما ترك من صفراء و لا بيضاء إلا سبعمائة درهم من عطائه كان يرصدها لخادم لأهله .

و هذا قد رواه الحافظ أبو نعيم في حليته.

و هذه الخطبة قد رواها جماعة من الجمهور أيضا و قد شهد القرآن بطهارته في قوله تعالى إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فلا بد أن يكون (عليه السلام) محقا في دعوته صادقا في إمامته .

و قد نقل : أن حبابة الوالبية أتت عليا (عليه السلام) في رحبة المسجد فقالت يا أمير المؤمنين ما دلالة الإمامة رحمك الله فقال ائتني بتلك الحصاة و أشار بيده إلى حصاة فأتيته بها فطبع لي فيها بخاتمه و قال يا حبابة إن ادعى مدع الإمامة و قدر أن يفعل كما فعلت فاعلمي أنه محق مفترض الطاعة فالإمام لا يعزب عنه شي‏ء يريده قالت ثم انصرفت حتى قبض أمير المؤمنين ع فأتيت الحسن (عليه السلام) و هو في مجلس أمير المؤمنين و الناس يسألونه فقال لي حبابة الوالبية فقلت نعم يا مولاي قال هات ما معك فأعطيته الحصاة فطبع فيها كما طبع أمير المؤمنين (عليه السلام) قالت ثم أتيت الحسين (عليه السلام) و هو في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فقرب و رحب و قال أ تريدين دلالة الإمامة فقلت نعم يا سيدي فقال هات ما معك فناولته الحصاة فطبع فيها كما طبع أمير المؤمنين (عليه السلام) قالت ثم رأيت علي بن الحسين (عليه السلام) و قد بلغ بي الكبر و أنا أعد مائة و ثلاث عشرة سنة فرأيته راكعا و ساجدا مشغولا بالعبادة فيئست من الدلالة فأومأ إلي بالسبابة فعاد إلي شبابي قالت فقلت يا سيدي كم مضى من الدنيا و كم بقي فقال أما ما مضى فنعم و أما ما بقي فلا ثم قال هاتي ما معك فأعطيته الحصاة فطبع فيها ثم أتيت أبا جعفر (عليه السلام) فطبع لي فيها ثم أتيت أبا عبد الله (عليه السلام) فطبع لي فيها ثم أتيت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) فطبع فيها ثم أتيت الرضا (عليه السلام) فطبع لي فيها و عاشت حبابة بعد ذلك تسعة أشهر على ما ذكره

[535]

عبد الله بن هشام .

و روى الكليني قال حدثنا علي بن محمد قال حدثنا محمد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر قال حدثني أبي عن أبيه موسى بن جعفر (عليه السلام) عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد (عليه السلام) : أن علي بن الحسين دعا لحبابة الوالبية فرد الله عليها شبابها و أشار إليها بإصبعه فحاضت لوقتها و لها يومئذ مائة و ثلاث عشرة سنة .

و الشيخ المفيد رحمه الله ذكر قريبا مما ذكره الطبرسي و منه نقل الطبرسي رحمهم الله أجمعين .

و روى الإمام أحمد بن حنبل رحمة الله عليه في مسنده عن الحسن بن علي (عليه السلام) قال : علمني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كلمات أقولهن في قنوت الوتر اللهم اهدني فيمن هديت و عافني فيمن عافيت و تولني فيمن توليت و بارك لي فيما أعطيت و قني شر ما قضيت فإنك تقضي و لا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت تبارك ربنا و تعاليت .

و من المسند عن أبي الحوراء قال : قلت للحسن بن علي (عليه السلام) ما تذكر من رسول الله ص قال أذكر أني أخذت من تمر الصدقة تمرة فألقيتها في فمي فانتزعها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) بلعابها فألقاها في التمر فقال له رجل ما عليك لو أكل هذه التمرة فقال إنا لا نأكل الصدقة قال و كان يقول دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الصدق طمأنينة و الكذب ريبة و في حديث آخر إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة و في حديث آخر و عقلت عنه الصلوات الخمس .

و قال الحسن (عليه السلام) لما حضرت أبي الوفاة أقبل يوصي فقال هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب (عليه السلام) أخو محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و ابن عمه و صاحبه أول وصيتي أني أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسوله و خيرته اختاره بعلمه و ارتضاه بخيرته و أن الله باعث من في القبور و سائل الناس عن أعمالهم عالم بما في الصدور ثم إني أوصيك يا حسن و كفى بك وصيا بما وصاني به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا كان ذلك يا بني فالزم بيتك و ابك على خطيئتك و لا تكن الدنيا أكبر همك

[536]

و أوصيك يا بني بالصلاة عند وقتها و الزكاة في أهلها عند محلها و الصمت عند الشبهة و الاقتصاد و العدل في الرضا و الغضب و حسن الجوار و إكرام الضيف و رحمة المجهود و أصحاب البلاء و صلة الرحم و حب المساكين و مجالستهم و التواضع فإنه من أفضل العبادة و قصر الأمل و ذكر الموت و الزهد في الدنيا فإنك رهن موت و عرض بلاء و طريح سقم و أوصيك بخشية الله في سر أمرك و علانيتك و أنهاك عن التسرع بالقول و الفعل و إذا عرض شي‏ء من أمر الآخرة فابدأ به و إذا عرض شي‏ء من أمر الدنيا فتأنه حتى تصيب رشدك فيه و إياك و مواطن التهمة و المجلس المظنون به السوء فإن قرين السوء يغر جليسه و كن لله يا بني عاملا و عن الخنا زجورا و بالمعروف آمرا و عن المنكر ناهيا و آخ الإخوان في الله و أحب الصالح لصلاحه و دار الفاسق عن دينك و أبغضه بقلبك و زايله بأعمالك لئلا تكون مثله .

و إياك و الجلوس في الطرقات و دع المماراة و مجاراة من لا عقل له و لا علم و اقتصد يا بني في معيشتك و اقتصد في عبادتك و عليك فيها بالأمر الدائم الذي تطيقه و الزم الصمت تسلم و قدم لنفسك تغنم و تعلم الخير تعلم و كن ذاكرا لله على كل حال و ارحم من أهلك الصغير و وقر منهم الكبير و لا تأكلن طعاما حتى تتصدق منه قبل أكله و عليك بالصوم فإنه زكاة البدن و جنة لأهله و جاهد نفسك و احذر جليسك و اجتنب عدوك و عليك بمجالس الذكر و أكثر من الدعاء فإني لم آلك يا بني نصحا و هذا فراق بيني و بينك

[537]

و أوصيك بأخيك محمد خيرا فإنه شقيقك و ابن أبيك و قد تعلم حبي له و أما أخوك الحسين فهو ابن أمك و لا أزيدك الوصاءة بذلك و الله الخليفة عليكم و إياه أسأل أن يصلحكم و أن يكف الطغاة البغاة عنكم و الصبر الصبر حتى ينزل الله الأمر و لا قوة إلا بالله العلي العظيم .

و قد أورد السيد الرضي الموسوي رحمه الله تعالى و ألحقه بسلفه الطاهر في نهج البلاغة وصية لأمير المؤمنين (عليه السلام) كتبها إلى ابنه الحسن (عليه السلام) : و هي طويلة جامعة لأدب الدين و الدنيا كثيرة الفائدة و الجدوى نافعة في الآخرة و الأولى قد أخذت بمجامع الفضائل و أعجزت بمقاصدها الأواخر و الأوائل و كيف لا يكون كذلك و هو الذي إذا قال بذ كل قائل و عاد سحبان عنده مثل باقل فإن أنكرت فسائل و ليس هذا الكتاب موضعا لإثباتها و قد دللتك عليها فإن أردتها فأتها تجد البيان و البلاغة و تشاهد آداب الدنيا و الآخرة ببدائع ألفاظ تريك ورد البيان صافيا و برد الفصاحة ضافيا و حظ السمع و القلب وافيا و ليكن هذا القدر في صفتها و إن لم يكن كافيا كافيا .

قال الشيخ المفيد في إرشاده : لما قبض أمير المؤمنين (عليه السلام) خطب الناس الحسن بن علي (عليه السلام) و ذكر حقه فبايعه أصحاب أبيه (عليه السلام) على حرب من حارب و سلم من سالم .

و روى أبو مخنف لوط بن يحيى قال حدثني أشعث بن سوار عن أبي إسحاق السبيعي و غيره قالوا : خطب الحسن بن علي (عليه السلام) صبيحة الليلة التي قبض فيها أمير المؤمنين (عليه السلام) فحمد الله و أثنى عليه و صلى على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم

[538]

قال لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون بعمل و لا يدركه الآخرون بعمل و لقد كان يجاهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقيه بنفسه و كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوجهه برايته فيكتنفه جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن شماله فلا يرجع حتى يفتح الله على يديه و لقد توفي (عليه السلام) في الليلة التي عرج فيها بعيسى ابن مريم (عليه السلام) و فيها قبض يوشع بن نون و ما خلف صفراء و لا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادما لأهله ثم خنقته العبرة فبكى و بكى الناس معه ثم قال أنا ابن البشير أنا ابن النذير أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه أنا ابن السراج المنير أنا من أهل بيت أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا أنا من أهل بيت افترض الله مودتهم في كتابه فقال تعالى قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً فالحسنة مودتنا أهل البيت ثم جلس فقام عبد الله بن العباس رحمة الله عليهما ما بين يديه فقال معاشر الناس هذا ابن نبيكم و وصي إمامكم فبايعوه فاستجاب له الناس و قالوا ما أحبه إلينا و أوجب حقه علينا و تبادروا إلى البيعة له بالخلافة .

و ذلك في يوم الجمعة الواحد و العشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة فرتب العمال و أمر الأمراء و أنفذ عبد الله بن العباس إلى البصرة و نظر في الأمور و لما بلغ معاوية موت أمير المؤمنين علي (عليه السلام) و بيعة الحسن (عليه السلام) أنفذ رجلا من حمير إلى الكوفة و آخر من بني القين إلى البصرة ليطالعاه بالأخبار و يفسدا على الحسن (عليه السلام) الأمور و قلوب الناس فعرف بهما و حصلهما و أمر بقتلهما .

و كتب إلى معاوية أما بعد فإنك دسست الرجال للاحتيال و الاغتيال و أرصدت العيون كأنك تحب اللقاء و ما أوشك ذلك فتوقعه إن شاء الله

[539]

و بلغني أنك شمت بما لم يشمت به ذوو الحجى و إنما مثلك في ذلك كما قال الأول :

فقل للذي يبقى خلاف الذي مضى *** تجهز لأخرى مثلها فكأن قد

فإنا و من قد مات منا لكالذي *** يروح فيمسي في المبيت ليغتدي

و كان بينه و بين الحسن (عليه السلام) مكاتبات و احتج عليه الحسن (عليه السلام) في استحقاقه الأمر و توثب من تقدم على أبيه ع و ابتزازه سلطان ابن عمه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و صار معاوية نحو العراق و تحرك الحسن (عليه السلام) و بعث حجر بن عدي و استنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه ثم خفوا و معه أخلاط من الناس بعضهم من شيعته و شيعة أبيه (عليه السلام) و بعضهم محكمة يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة و بعضهم أصحاب طمع في الغنائم و بعضهم شكاك و بعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى دين ثم صار حتى نزل ساباط دون القنطرة و بات هناك.

فلما أصبح أراد (عليه السلام) أن يمتحن أصحابه و يستبرئ أحوالهم في طاعته ليميز أولياءه من أعدائه و يكون على بصيرة من لقاء معاوية فأمر أن ينادى في الناس بالصلاة جامعة فاجتمعوا فصعد المنبر فخطبهم فقال .

الحمد لله كلما حمده حامد و أشهد أن لا إله إلا الله كلما شهد له شاهد و أشهد أن محمدا عبده و رسوله أرسله بالحق و ائتمنه على الوحي (صلى الله عليه وآله وسلم) أما بعد فو الله إني لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله و منه و أنا أنصح خلق الله لخلقه و ما

[540]

أصبحت محتملا على امرئ مسلم ضغينة و لا مريدا له بسوء و لا غائلة و إن ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة و إني ناظر لكم خيرا من نظركم لأنفسكم فلا تخالفوا أمري و لا تردوا علي رأيي غفر الله لي و لكم و أرشدني و إياكم لما فيه المحبة و الرضا .

قال فنظر الناس بعضهم إلى بعض و قالوا : ما ترونه يريد بما قال قالوا نظن أنه يريد أن يصالح معاوية و يسلم الأمر إليه فقالوا كفر و الله الرجل و شدوا على فسطاطه فانتهبوه حتى أخذوا مصلاه من تحته ثم شد عليه رجل يقال له عبد الرحمن بن عبد الله بن جعال الأزدي فنزع مطرفه عن عاتقه فبقي جالسا متقلدا السيف بغير رداه ثم دعا بفرسه فركبه و أحدق به طوائف من خاصته و شيعته و منعوا منه من أراده و دعا ربيعة و همدان فأطافوا به و منعوه فسار و معه شوب من غيرهم.

فلما مر في مظلم ساباط بدر إليه رجل من بني أسد اسمه الجراح بن سنان و أخذ بلجام فرسه و بيده مغول و قال الله أكبر أشركت يا حسن كما أشرك أبوك من قبل و طعنه في فخذه فشقه حتى بلغ العظم فاعتنقه الحسن (عليه السلام) و خرا جميعا إلى الأرض فأكب عليه رجل من شيعة الحسن (عليه السلام) فقتله بمغوله و قتل معه شخص آخر كان معه و حمل الحسن (عليه السلام) على سرير إلى المدائن فأنزل به على سعد بن مسعود الثقفي و كان عامل علي (عليه السلام) بها فأقره الحسن (عليه السلام) على ذلك و اشتغل بمعالجة جرحه.

و كتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالطاعة سرا و استحثوه على سرعة المسير نحوهم و ضمنوا لهم تسليم الحسن (عليه السلام) إليه عند دنوهم من عسكره أو الفتك به و بلغ الحسن (عليه السلام) ذلك.

[541]

و ورد عليه كتاب قيس بن سعد رضي الله عنه و كان قد أنفذه مع عبيد الله بن العباس في مسيره من الكوفة ليلقى معاوية فيرده عن العراق و جعله أميرا على الجماعة و قال إن أصيب فالأمير قيس بن سعد يخبره أنهم نازلوا معاوية بإزاء مسكن و أن معاوية أرسل إلى عبيد الله بن العباس يرغبه في المسير إليه و ضمن له ألف ألف درهم يعجل له منها النصف و يعطيه النصف الآخر عند دخوله الكوفة فانسل عبيد الله ليلا إلى معسكر معاوية و معه خاصته و أصبح الناس بغير أمير فصلى بهم قيس رضي الله عنه و نظر في أمورهم فازدادت بصيرة الحسن ع بخذلانهم له و فساد نيات المحكمة فيه و ما أظهروه له من سبه و تكفيره و استحلال دمه و نهب أمواله و لم يبق معه من يأمن غوائله إلا خاصة من شيعته و شيعة أبيه (عليه السلام) و هم جماعة لا يقومون بحرب أهل الشام.

فكتب إلى معاوية في الهدنة و الصلح فأنفذ إليه كتب أصحابه التي ضمنوا فيها الفتك به و تسليمه إليه و اشترط في إجابته إلى الصلح شروطا كثيرة و عقد له عقودا كان في الوفاء بها مصالح شاملة فلم يثق به الحسن (عليه السلام) و علم احتياله و اغتياله غير أنه لم يجد بدا من إجابته إلى ما التمس من ترك الحرب و إنفاذ الهدنة لما كان من ضعف بصائر أصحابه في حقه و الفساد عليه و مخالفته و استحلال كثير منهم دمه و تسليمه إلى خصمه و خذلان ابن عمه له و مصيره إلى عدوه و ميلهم جميعا إلى الدنيا و عاجلها.

فتوثق لنفسه (عليه السلام) من معاوية تأكيدا للحجة عليه و الإعذار فيما بينه و بينه عند الله تعالى و عند كافة المسلمين و اشترط عليه ترك سب أمير المؤمنين (عليه السلام) و العدول عن القنوت عليه في الصلاة و أن يؤمن شيعته رضي الله عنهم و لا يتعرض لأحد منهم بسوء و يوصل إلى كل ذي حق حقه فأجابه معاوية إلى ذلك جميعه و عاهده عليه و حلف له بالوفاء.

فلما استتمت الهدنة سار معاوية حتى نزل بالنخيلة و كان يوم جمعة فصلى بالناس ضحى النهار و خطبهم فقال في خطبته إني و الله ما أقاتلكم لتصلوا و لا لتصوموا .

[542]

و لا لتحجوا و لا لتزكوا إنكم لتفعلون ذلك و لكني قاتلتكم لأتامر عليكم و قد أعطاني الله ذلك و أنتم كارهون ألا و إني كنت منيت الحسن و أعطيته أشياء و جميعها تحت قدمي لا أفي له بشي‏ء منها.

ثم سار و نزل الكوفة فأقام بها أياما فلما استتمت بيعته صعد المنبر فخطب الناس و ذكر أمير المؤمنين و الحسن (عليه السلام) فنال منهما و كان الحسين (عليه السلام) حاضرا فأراد أن يقوم و يجيبه فأخذ الحسن بيده و أجلسه و قام و قال أيها الذاكر عليا أنا الحسن و أبي علي و أنت معاوية و أبوك صخر و أمي فاطمة و أمك هند و جدي رسول الله و جدك حرب و جدتي خديجة و جدتك فتيلة فلعن الله أخملنا ذكرا و ألأمنا حسبا و شرنا قدما و أقدمنا كفرا و نفاقا فقال طوائف من أهل المسجد آمين آمين.

و خرج الحسن إلى المدينة كاظما غيظه منتظرا أمر ربه لازما منزله إلى أن تم لمعاوية عشر سنين من إمارته و أراد أخذ البيعة لابنه دس إلى زوجة الحسن (عليه السلام) جعدة بنت الأشعث بن قيس من حملها على سمه و أرسل إليها مائة ألف درهم و ضمن تزويجها بابنه يزيد فسقته السم فبقي أربعين يوما مريضا و مضى لسبيله في صفر من سنة خمسين من الهجرة و عمره يومئذ ثمان و أربعون سنة.

و كانت خلافته عشر سنين و تولى أخوه و وصيه الحسين (عليه السلام) غسله

[543]

و تكفينه و دفنه عند جدته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف (عليه السلام) .

السادس في علمه (عليه السلام)

قال الشيخ كمال الدين بن طلحة كان الله عز و علا قد رزقه الله الفطرة الثاقبة في إيضاح مراشد ما يعانيه و منحه الفطنة الصائبة لإصلاح قواعد الدين و مبانيه و خصه بالجبلة التي ردت لها أخلاف مادتها بسور العلم و معانيه و مرت له أطباء الاهتداء من نجدي جده و أبيه فجنى بفكرة منجبة نجاح مقاصد ما يقتفيه و قريحة مصحبة في كل مقام يقف فيه و كان يجلس في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و يجتمع الناس حوله فيتكلم بما يشفي غليل السائلين و يقطع حجج القائلين .

و روى الإمام أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي رحمه الله في تفسيره الوسيط ما يرفعه بسنده : أن رجلا قال دخلت مسجد المدينة فإذا أنا برجل يحدث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) و الناس حوله فقلت له أخبرني عن شاهِدٍ وَ مَشْهُودٍ فقال نعم أما الشاهد فيوم الجمعة و أما المشهود فيوم عرفة .

فجزته إلى آخر يحدث فقلت له أخبرني عن شاهِدٍ وَ مَشْهُودٍ فقال نعم أما الشاهد فيوم الجمعة و أما المشهود فيوم النحر .

فجزتهما إلى غلام كأن وجهه الدينار و هو يحدث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت أخبرني عن شاهِدٍ وَ مَشْهُودٍ فقال نعم أما الشاهد فمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و أما المشهود فيوم القيامة أ ما سمعته يقول يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً و قال تعالى ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَ ذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ .

سألت عن الأول ; فقالوا : ابن عباس .

و سألت عن الثاني ; فقالوا : ابن عمر .

و سألت عن الثالث ; فقالوا : الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ; و كان قول الحسن أحسن .

[544]

و نقل أنه (عليه السلام) اغتسل و خرج من داره في حلة فاخرة و بزة طاهرة و محاسن سافرة و قسمات ظاهرة و نفحات ناشرة و وجهه يشرق حسنا و شكله قد كمل صورة و معنى و الإقبال يلوح من أعطافه و نضرة النعيم تعرف في أطرافه و قاضي القدر قد حكم أن السعادة من أوصافه ثم ركب بغلة فارهة غير قطوف و سار مكتنفا من حاشيته و غاشيته بصفوف فلو شاهده عبد مناف لأرغم بمفاخرته به معاطس أنوف و عده و آباءه و جده في إحراز خصل الفخار يوم التفاخر بألوف فعرض له في طريقه من محاويج اليهود هم في هدم قد أنهكته العلة و ارتكبته الذلة و أهلكته القلة و جلده يستر عظامه و ضعفه يقيد أقدامه و ضره قد ملك زمامه و سوء حاله قد حبب إليه حمامه و شمس الظهيرة تشوي شواه و أخمصه تصافح ثرى ممشاه و عذاب عر عريه قد عراه و طول طواه قد أضعف بطنه

[545]

و طواه و هو حامل جر مملوءا ماء على مطاه و حاله يعطف عليه القلوب القاسية عند مرآه فاستوقف الحسن (عليه السلام) و قال يا ابن رسول الله أنصفني فقال (عليه السلام) في أي شي‏ء فقال جدك يقول الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر و أنت مؤمن و أنا كافر فما أرى الدنيا إلا جنة لك تتنعم بها و تستلذ فيها و ما أراها إلا سجنا لي قد أهلكني ضرها و أتلفني فقرها فلما سمع الحسن (عليه السلام) كلامه أشرق عليه نور التأييد و استخرج الجواب بفهمه من خزانة علمه و أوضح لليهودي خطأ ظنه و خطل زعمه و قال يا شيخ لو نظرت إلى ما أعد الله لي و للمؤمنين في الدار الآخرة مما لا عين رأت و لا أذن سمعت لعلمت أني قبل انتقالي إليه في هذه الدنيا في سجن ضنك و لو نظرت إلى ما أعد الله لك و لكل كافر في الدار الآخرة من سعير نار الجحيم و نكال عذاب المقيم لرأيت أنك قبل مصيرك إليه الآن في جنة واسعة و نعمة جامعة .

فانظر إلى هذا الجواب الصادع بالصواب كيف قد تفجرت بمستعذبه عيون علمه و أينعت بمستغربه فنون فهمه فيا له جوابا ما أمتنه و صوابا ما أبينه و خطابا ما أحسنه صدر عن علم مقتبس من مشكاة نور النبوة و تأييد موروث من آثار معالم الرسالة هذا آخر كلام ابن طلحة.

نقلت من كتاب معالم العترة الطاهرة للجنابذي رحمة الله عليه عن عقبة بن الحرث قال : مر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع أبي بكر رضي الله عنه إذ رأى الحسن بن علي (عليه السلام) و هو يلعب فأخذه فحمله على عاتقه فقال بأبي شبيه النبي لا شبيها بعلي قال و علي (عليه السلام) يتبسم .

و عن ابن مالك قال : كان الحسن بن علي (عليه السلام) أشبههم برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و عن إسماعيل بن أبي خالد قال : قلت لأبي جحيفة هل رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال نعم و كان الحسن بن علي (عليه السلام) يشبهه (صلى الله عليه وآله وسلم) .

[546]

و عن أبي هريرة قال : ما رأيت الحسن بن علي (عليه السلام) إلا فاضت عيناي دموعا و ذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج ذات يوم فوجدني في المسجد فأخذ بيدي فاتكأ علي ثم انطلقت معه حتى جئنا سوق بني قينقاع فما كلمني فطاف و نظر ثم رجع و رجعت معه و جلس في المسجد فاحتبى ثم قال ادع لي لكع قال فأتى حسن يشتد حتى وقع في حجره فجعل يدخل يده في لحية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) يفتح فمه و يدخل فمه في فمه و يقول اللهم إني أحبه و أحب من يحبه ثلاثا .

و عن بريدة قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخطب فأقبل الحسن و الحسين (عليهما السلام) و عليهما قميصان أحمران يعثران و يقومان فلما رآهما نزل و أخذهما ثم صعد فوضعهما في حجره ثم قال صدق الله إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ رأيت هذين فلم أصبر حتى أخذتهما .

و عن عبد الرحمن بن عوف قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا عبد الرحمن أ لا أعلمك عوذة كان يعوذ بها إبراهيم ابنيه إسماعيل و إسحاق و أنا أعوذ بها ابني الحسن و الحسين قل كفى بسمع الله واعيا لمن دعا و لا مرمى وراء أمر الله لرام رمى .

و عن محمد بن عمر قال : لما ولد الحسن بن علي عق عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بكبش و حلق رأسه و أمر أن يتصدق بزنته فضة .

و عن أنس بن مالك قال : كان أشبههم برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعني من أهل البيت حسن بن علي .

و عن علي (عليه السلام) قال : أشبه الحسن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما بين الصدر إلى الرأس و الحسين أشبه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما كان من أسفل من ذلك .

و عن أبي بكرة قال : بينما النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يخطب إذ صعد إليه الحسن فضمه إليه و قال إن ابني هذا سيد و إن الله عله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين عظيمتين .

و عن جبير بن نفير عن أبيه قال : قدمت المدينة فقال الحسن بن علي (عليه السلام)

[547]

كانت جماجم العرب بيدي يسالمون من سالمت و يحاربون من حاربت فتركتها ابتغاء وجه الله و حقن دماء المسلمين .

و عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : رأى الحسن مقبلا فقال اللهم سلمه و سلم منه .

و قالت أم الفضل يا رسول الله رأيت كأن عضوا من أعضائك في بيتي قال خيرا رأيت تلد فاطمة غلاما ترضعينه بلبن قثم فولدت الحسن فأرضعته بلبن قثم .

قال و خطب الحسن بن علي (عليه السلام) الناس حين قتل علي (عليه السلام) فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون و لا يدركه الآخرون و قد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعطيه رايته و يقاتل جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن شماله فما يرجع حتى يفتح الله عليه و ما ترك على ظهر الأرض صفراء و لا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادما لأهله ثم قال أيها الناس من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا الحسن بن علي و أنا ابن الوصي و أنا ابن البشير و أنا ابن النذير و أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه و أنا ابن السراج المنير و من أهل البيت الذي كان جبرئيل ينزل فيه و يصعد من عندنا و أنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا و أنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم على كل مسلم فقال لنبيه قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً فاقتراف الحسنة محبتنا أهل البيت .

و عن عبد الله بن عباس قال : بينما نحن عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ أقبلت فاطمة تبكي فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يبكيك قالت يا رسول الله إن الحسن و الحسين خرجا فو الله ما أدري أين سلكا فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تبكين فداك أبوك فإن الله عز و جل خلقهما و هو أرحم بهما اللهم إن كانا قد أخذا في بر فاحفظهما و إن كانا قد أخذا في بحر فسلمهما فهبط جبرئيل (عليه السلام) فقال يا أحمد لا تغتم و لا تحزن هما فاضلان في الدنيا فاضلان في الآخرة و أبوهما خير منهما و هما في حظيرة بني النجار نائمين و قد وكل الله بهما ملكا يحفظهما

[548]

قال ابن عباس : فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قمنا معه حتى أتينا حظيرة بني النجار فإذا الحسن معانق الحسين و إذا الملك قد غطاهما بأحد جناحيه قال فحمل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) الحسن و أخذ الحسين الملك و الناس يرون أنه حاملهما فقال أبو بكر الصديق و أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنهما يا رسول الله أ لا نخفف عنك بأحد الصبيين فقال دعاهما فإنهما فاضلان في الدنيا فاضلان في الآخرة و أبوهما خير منهما ثم قال و الله لأشرفنهما اليوم بما شرفهما الله فخطب فقال يا أيها الناس أ لا أخبركم بخير الناس جدا و جدة قالوا بلى يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال الحسن و الحسين جدهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و جدتهما خديجة بنت خويلد أ لا أخبركم بخير الناس أبا و أما قالوا بلى يا رسول الله قال الحسن و الحسين أبوهما علي بن أبي طالب و أمهما فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أ لا أخبركم أيها الناس بخير الناس عما و عمة قالوا بلى يا رسول الله قال الحسن و الحسين عمهما جعفر بن أبي طالب و عمتهما أم هانئ بنت أبي طالب أيها الناس أ لا أخبركم بخير الناس خالا و خالة قالوا بلى يا رسول الله قال الحسن و الحسين خالهما القاسم بن محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و خالتهما زينب بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ألا إن أباهما في الجنة و أمهما في الجنة و جدهما في الجنة و جدتهما في الجنة و خالهما في الجنة و خالتهما في الجنة و عمهما في الجنة و عمتهما في الجنة و هما في الجنة و من أحبهما في الجنة و من أحب من أحبهما في الجنة .

و قال أحمد بن محمد بن أيوب المغيري : كان الحسن بن علي (عليه السلام) أبيض مشربا حمرة أدعج العينين سهل الخدين دقيق المسربة كث اللحية ذا وفرة و كأن عنقه إبريق فضة عظيم الكراديس بعيد ما بين المنكبين ربعة ليس بالطويل و لا القصير مليحا من أحسن الناس وجها و كان يخضب بالسواد و كان جعد الشعر حسن البدن توفي و هو ابن خمس و أربعين سنة و ولي غسله الحسين و محمد و العباس أخواه من علي بن أبي طالب (عليه السلام) و صلى عليه سعيد بن العاص في

[549]

سنة تسع و أربعين .

و عن ابن عباس قال : كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حاملا للحسن بن علي على عاتقه فقال رجل نعم المركب ركبت يا غلام فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و نعم الراكب هو .

و عن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أنها أتت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و معها الحسن و الحسين في مرضه الذي توفي فيه قالت يا رسول الله إن هذين لم تورثهما شيئا قال أما الحسن فله هيبتي و سؤددي و أما الحسين فله جرأتي و جودي .

و عن عائشة : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقبل نحر فاطمة و يشمه .

و عن أم عثمان أم ولد علي بن أبي طالب (عليه السلام) قالت : كانت لآل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قطيفة يجلس عليها جبرئيل لا يجلس عليها غيره و إذا خرج طويت و كان إذا عرج انتفض فيسقط من زغب ريشه فيقوم فيتبعه و يجعله في تمائم الحسن و الحسين .

و عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاث مرات في حجة الوداع إني تارك فيكم الثقلين واحدهما أعظم من الآخر كتاب الله عز و جل و عترتي أهل بيتي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض ألا إن كتاب الله حبل ممدود أصله في الأرض و طرفه في العرش مثله كمثل سفينة نوح من ركبها نجا و مثلهم كباب حطة من دخله غفرت له الذنوب .

و عن أبي سعيد قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا كتاب الله و أهل بيتي .

و عن زيد بن أرقم قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم غدير خم يقول إني تارك فيكم كتاب الله حبل ممدود من السماء من استمسك به كان على الهدى و من تركه كان على الضلالة و أهل بيتي أذكركم الله عز و جل في أهل بيتي أذكركم الله عز و جل في أهل بيتي أذكركم الله عز و جل في أهل

[550]

بيتي قال فقلت لزيد من أهل بيته فقال الذين لا تحل لهم الصدقة آل علي و آل عباس و آل جعفر و آل عقيل .

و عن ذكوان مولى معاوية قال : قال معاوية لا أعلمن أحدا سمى هذين الغلامين ابني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و لكن قولوا ابني علي (عليه السلام) قال ذكوان فلما كان بعد ذلك أمرني أن أكتب بنيه في الشرف قال فكتبت بنيه و بني بنيه و تركت بني بناته ثم أتيته بالكتاب فنظر فيه فقال ويحك لقد أغفلت كبر بني فقلت من فقال أما بنو فلانة لابنته بني أما بنو فلانة لابنته بني قال قلت الله أ يكون بنو بناتك بنيك و لا يكون بنو فاطمة بني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال ما لك قاتلك الله لا يسمعن هذا أحد منك .

و عن عوف بن الأزرق بن قيس : و ذكر حديث المباهلة .

و عن البراء بن عازب قال : رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حامل الحسن بن علي (عليه السلام) على عاتقه و هو يقول اللهم إني أحبه فأحبه و في رواية و أحب من يحبه .

و عن أبي هريرة قال : نظر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى علي و الحسن و الحسين و فاطمة (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال أنا حرب لمن حاربكم و سلم لمن سالمكم .

و عن عقبة بن الحرث قال : خرجت مع أبي بكر رضي الله عنه بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بليال و علي (عليه السلام) يمشي إلى جنبه فمر بحسن بن علي يلعب مع غلمان فاحتمله على رقبته و هو يقول .

بأبي شبيه بالنبي ليس شبيها بعلي .

قال : و علي (عليه السلام) يضحك .

و عن عبيد الله بن عبيد بن عمير قال : حج الحسن بن علي (عليه السلام) خمسا و عشرين حجة ماشيا و إن الجنائب لتقاد معه .

[551]

و عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة .

و عن علي (عليه السلام) قال : لما حضرت ولادة فاطمة (عليها السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأسماء بنت عميس و لأم سلمة احضراها فإذا وقع ولدها و استهل فأذنا في أذنه اليمنى و أقيما في أذنه اليسرى فإنه لا يفعل ذلك بمثله إلا عصم من الشيطان و لا تحدثا شيئا حتى آتيكما فلما ولدت فعلتا ذلك فأتاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فسره و لباه بريقه و قال اللهم إني أعيذه بك و ولده من الشيطان الرجيم .

و عن سويد بن غفلة قال : كانت عائشة الخثعمية عند الحسن بن علي (عليه السلام) فلما أصيب علي (عليه السلام) و بويع الحسن ع بالخلافة قالت لتهنئك الخلافة يا أمير المؤمنين قال يقتل علي (عليه السلام) فتظهرين الشماتة اذهبي فأنت طالق ثلاثا فتلفعت بساجها و مضت فلما انقضت عدتها بعث إليها ببقية بقيت من صداقها عشرة آلاف درهم فقالت متاع قليل من حبيب مفارق فلما بلغه قولها بكى و قال لو لا أنني سمعت جدي أو حدثني أبي أنه سمع جدي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول أيما رجل طلق امرأته ثلاثا قبل الأقراء أو ثلاثة مبهمة فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره .

كذا في الأصل فإما أن يكون حذف الجواب للعلم به أو يكون الناسخ قد أخل به .

و عن علي بن عقبة عن أبيه قال : دخل الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) على معاوية و عنده شباب من قريش يتفاخرون و الحسن ساكت فقال له يا

[552]

حسن و الله ما أنت بكليل اللسان و لا بمأشوب الحسب فلم لا تذكر فخركم و قديمكم فأنشأ الحسن يقول .

فيم الكلام و قد سبقت مبرزا سبق الجواد من المدى المتباعدنحن الذين إذا القروم تخاطروا طبنا على رغم العدو الحاسد .

و عن يونس بن عبيد قال : لما حضرت الحسن الوفاة جعل يسترجع فأكب عليه ابنه عبد الله فقال يا أبة هل رأيت شيئا فقد غممتنا فقال (عليه السلام) أي بني هي و الله نفسي التي لم أصب بمثلها .

و بإسناده قال : لما حضرت الحسن بن علي الوفاة كأنه جزع عند الموت فقال له الحسين (عليه السلام) كأنه يعزيه يا أخي ما هذا الجزع إنك ترد على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و علي (عليه السلام) و هما أبواك و على خديجة و فاطمة و هما أماك و على القاسم و الطاهر و هما خالاك و على حمزة و جعفر و هما عماك فقال له الحسن أي أخي إني أدخل في أمر من أمر الله لم أدخل فيه .

من روى من أولاد الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) عنه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

عن زيد بن الحسن بن علي عن أبيه قال : لما آخى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين الصحابة آخى بين أبي بكر و عمر و بين طلحة و الزبير و بين حمزة بن عبد المطلب و بين زيد بن حارثة و بين عبد الله بن مسعود و بين المقداد بن عمرو رضي الله عنهم أجمعين فقال علي (عليه السلام) آخيت بين أصحابك و أخرتني قال ما أخرتك إلا لنفسي .

الحسن بن الحسن عن أبيه (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن من

[553]

واجب المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم .

عبد الله بن الحسن عن أبيه الحسن بن علي (عليه السلام) عن أبيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الرحم شجنة من الرحمن عز و جل من وصلها وصله الله و من قطعها قطعه الله تعالى .

و عن عبد الله بن الحسن عن أمه فاطمة بنت الحسين عن فاطمة (عليها السلام) قالت : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا دخل المسجد قال بسم الله و الحمد لله و صلى الله على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي و سهل لي أبواب رحمتك و إذا خرج قال مثل ذلك إلا أنه يقول اللهم اغفر لي ذنوبي و سهل لي أبواب رحمتك و فضلك .

و عن عبد الله بن حسن عن أبيه عن فاطمة الكبرى قالت : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما التقى جندان ظالمان إلا تخلى الله عنهما و لم يبال أيهما غلب و ما التقى جندان ظالمان إلا كانت الدبرة على أعتاهما .

و عن عبد الله بن حسن عن أبيه حسن بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للنساء عشر عورات فإذا تزوجت المرأة ستر الزوج عورة و إذا ماتت ستر القبر عشر عورات .

و عن محمد بن حرب قال : قال عبد الله بن حسن بن حسن لابنه محمد استعن على السلامة بطول الصمت في المواطن التي تدعوك نفسك إلى الكلام فيها فإن الصمت حسن على كل حال .

و عن زياد بن المنذر قال : قال عبد الله بن حسن بن حسن لابنه إياك و معاداة الرجال

[554]

فإنك لا تأمن مكر حليم و مبادرة لئيم .

حسن بن حسن عن أمه فاطمة بنت الحسين عن فاطمة الكبرى بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قالت : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يلومن إلا نفسه من بات و في يده غمر .

قلت : الغمر السهك و عن المنذر بن زياد حدثنا عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال من أجرى الله على يديه فرجا لمسلم فرج الله عنه كرب الدنيا و الآخرة .

و قال في عقبه عن أبيه عن جده : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال من عال أهل بيت من المسلمين يومهم و ليلتهم غفر الله له تعالى ذنوبه .

و عن محمد بن حرب قال : أوصى محمد بن علي بن الحسين ابنه جعفر بن محمد (عليه السلام) فقال يا بني اصبر للنوائب و لا تعرض للحتوف و لا تعط نفسك ما ضره عليك أكثر من نفعه لغيرك يا بني إن الله تعالى رضيني لك فحذرني فتنتك و لم يرضك لي فأوصاك بي .

و قال أبو حمزة الثمالي أخبرنا محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام) قال : كان يقول لولده يا بني إذا أصابتكم مصيبة من الدنيا أو نزل بكم فاقة فليتوضأ الرجل فليحسن وضوءه و ليصل أربع ركعات أو ركعتين فإذا انصرف من صلاته فليقل يا موضع كل شكوى يا سامع كل نجوى يا شافي كل بلاء و يا عالم كل خفية و يا كاشف ما يشاء من بلية يا منجي موسى يا مصطفي محمد يا خليل إبراهيم أدعوك دعاء من اشتدت

[555]

فاقته و ضعفت قوته و قلت حيلته دعاء الغريب الغريق الفقير الذي لا يجد لكشف ما هو فيه إلا أنت يا أرحم الراحمين لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين قال علي بن الحسين لا يدعو بها رجل أصابه بلاء إلا فرج الله تعالى عنه .

آخر ما أورده الحافظ عبد العزيز رحمه الله تعالى و ما أورده عن الإمام زين العابدين عليه و على آبائه السلام كان ينبغي أن يورده عند ذكر أخباره ع و إنما تبعته أنا و لم أنقله إلى بابه لأني خفت أن يشذ عني أو أسهو عنه عند شروعي في ذكره فكتبته هنا لأن كلما ذكرته في مناقبهم لو قصرته على أحدهم لكانوا فيه شركاء على السوية و ما أعطي أحدهم منزلة شرف إلا و كلهم مخصوصون بمثل تلك العطية فهم (صلى الله عليه وآله وسلم) خلاصة الوجود و معادن الكرم و الجود و شجن الولي و شجا الحسود و العدة و العتاد في اليوم الموعود و السلام .

السابع في عبادته ع

قال الشيخ كمال الدين بن طلحة رحمه الله تعالى اعلم وصلك الله بحبل تأييده و أوصلك بلطفه إلى مقام توفيقه و تسديده أن العبادة تنقسم إلى ثلاثة أنواع بدنية و مالية و مركبة منهما فالبدنية كالصلاة و الصوم و تلاوة القرآن الكريم و أنواع الذكر و المالية كالصدقات و الصلات و المبرات و المركب منهما كالحج و الجهاد و الاعتمار و قد كان الحسن (عليه السلام) ضاربا في كل واحد من هذه الأنواع بالقدح الفائز و القدح الحائز.

أما الصلاة و الأذكار و ما في معناهما فقيامه بها مشهور و اسمه في أربابها مذكور.

و أما الصدقات فقد صح النقل في ما رواه الإمام الحافظ أبو نعيم بسنده في حليته أنه (عليه السلام) خرج من ماله مرتين و قاسم الله تعالى ماله ثلاث

[556]

مرات و تصدق به حتى إنه كان ليعطي نعلا و يمسك نعلا و سيأتي تمام ذلك في الفصل الثامن المعقود لذكر كرمه و صلاته إن شاء الله تعالى.

و أما العبادة المركبة .

نقل الحافظ المذكور في حليته بسنده أنه (عليه السلام) قال : إني لأستحيي من ربي أن ألقاه و لم أمش إلى بيته فمشى عشرين مرة من المدينة إلى مكة على رجليه .

و روى صاحب كتاب صفة الصفوة بسنده عن علي بن زيد بن جدعان قال : حج الحسن (عليه السلام) خمس عشرة حجة ماشيا و إن الجنائب لتقاد معه فأي زهد أعظم من هذا آخر كلامه قال أفقر عباد الله تعالى علي بن عيسى فضائل الحسن و فواضله و مكارمه و نوافله و عبادته و زهادته و سيرته التي جرت بها عادته و سريرته التي عرفت بها قاعدته من الأمور التي اشتهرت و ظهرت و كم رام الأعداء سترها فما استترت و هل يخفى النهار لذي عينين و من الذي يبلغ شأو الحسن و الحسين و كيف لا و قد خصا بالولدين و السيدين و الريحانتين فمناقبهما (صلى الله عليه وآله وسلم) تملى و قلم القدر يكتب بالتصديق و يسجل لمواليهما بحسن الاهتداء و معاونة التوفيق.

و من كلامه الدال على عبادته و نزاهته الشاهد بقوة تمكنه و علو مكانته قوله في بعض مواعظه :

يا ابن آدم عف عن محارم الله تكن عابدا و ارض بما قسم الله سبحانه تكن غنيا و أحسن جوار من جاورك تكن مسلما و صاحب الناس بمثل ما تحب أن يصاحبوك بمثله تكن عدلا إنه كان بين أيديكم أقوام يجمعون كثيرا و يبنون مشيدا و يأملون بعيدا أصبح جمعهم بورا و عملهم غرورا و مساكنهم قبورا يا ابن آدم إنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك فخذ مما في يديك لما بين يديك فإن المؤمن يتزود

[557]

و الكافر يتمتع و كان يتلو بعد هذه الموعظة وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى .

فتدبر معاني هذا الكلام بفكرك و أعطه نصيبا وافرا من فهمك تجد مشرع العبادة و الفصاحة نميرا و يتحقق قوله تعالى ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ إن وجدت قلبا عقولا و طرفا بصيرا .

و روى الكليني رحمه الله تعالى مرفوعا عن أبي أسامة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : خرج الحسن بن علي (عليه السلام) إلى مكة سنة ماشيا فورمت قدماه فقال له بعض مواليه لو ركبت ليسكن عنك هذا الورم فقال كلا إذا أتينا هذا المنزل فإنه يستقبلك أسود و معه دهن فاشتر منه و لا تماكسه فقال له مولاه بأبي أنت و أمي ما قدمنا منزلا فيه أحد يبيع هذا الدواء قال بلى إنه أمامك دون المنزل فساروا أميالا فإذا هم بالأسود فقال الحسن بن علي (عليه السلام) لمولاه دونك الرجل فخذ منه الدهن و أعطه الثمن فقال له الأسود يا غلام لمن أردت هذا الدهن فقال للحسن بن علي (عليه السلام) فقال انطلق بي إليه فانطلق به فأدخله إليه فقال بأبي أنت و أمي لم أعلم أنك تحتاج إلى هذا و لست آخذ له ثمنا إنما أنا مولاك و لكن ادع الله لي أن يرزقني ولدا ذكرا سويا محبكم أهل البيت فإني خلفت أهلي تمخض فقال انطلق إلى منزلك فقد وهب الله لك ذكرا سويا و هو من شيعتنا .

و مما رواه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : خرج الحسن بن علي (عليه السلام) في بعض عمره و معه رجل من ولد الزبير يقول بإمامته فنزلوا منهلا

[558]

تحت نخل يابس ففرش للحسن (عليه السلام) تحت نخلة و للزبيري تحت أخرى فقال الزبيري لو كان في هذا النخل رطب لأكلنا منه فقال له الحسن و إنك لتشتهي الرطب فقال الزبيري نعم فرفع يده إلى السماء فدعا بكلام لم أفهمه فاخضرت النخلة ثم صارت إلى حالها و أورقت و حملت رطبا فقال الجمال الذي اكتروا منه سحر و الله فقال له الحسن ويلك ليس بسحر و لكن دعوة ابن نبي الله مستجابة فصعدوا و صرموا ما كان في النخلة فكفاهم .

الثامن في كرمه و جوده و صلاته

قال ابن طلحة رحمه الله تعالى : الجود و الكرم غريزة مغروسة فيه و صرفه لصنوف زخارف الدنيا عنه نهج ما زال يقتفيه و إيصال صلاته إلى المعتفين يعتده من مناقب معانيه و إبقاء الأموال عنده يعتقده من مثالب من يعانيه و يرى إخراج الدنيا عنه خير ما يحتقبه من عمله و يجتبيه و حجته في ذلك واضحة فإنه حرام على الولد مجامعة مطلقة أبيه و قد نقل عنه من تتابع إرفاده بموجوده و وقائع استنفاده فيه جل مجهوده ما يشهد له بكرمه و جوده و ينضذه في سلك سجاياه مع ركوعه و سجوده .

فمنها ما نقل عنه (عليه السلام) رواه سعيد بن عبد العزيز قال : إن الحسن (عليه السلام) سمع رجلا يسأل ربه تعالى أن يرزقه عشرة آلاف درهم فانصرف الحسن (عليه السلام) إلى منزله فبعث بها إليه .

و منها : أن رجلا جاء إليه (عليه السلام) و سأله حاجة فقال له يا هذا حق سؤالك يعظم لدي و معرفتي بما يجب لك يكبر لدي و يدي تعجز عن نيلك بما أنت أهله و

[559]

الكثير في ذات الله عز و جل قليل و ما في ملكي وفاء لشكرك فإن قبلت الميسور و رفعت عني مئونة الاحتفال و الاهتمام لما أتكلفه من واجبك فعلت فقال يا ابن رسول الله أقبل القليل و أشكر العطية و أعذر على المنع فدعا الحسن (عليه السلام) بوكيله و جعل يحاسبه على نفقاته حتى استقصاها فقال هات الفاضل من الثلاثمائة ألف درهم فأحضر خمسين ألفا قال فما فعل الخمسمائة دينار قال هي عندي قال أحضرها فأحضرها فدفع الدراهم و الدنانير إلى الرجل فقال هات من يحملها لك فأتاه بحمالين فدفع الحسن (عليه السلام) إليه رداءه لكراء الحمالين فقال مواليه و الله ما بقي عندنا درهم فقال لكني أرجو أن يكون لي عند الله أجر عظيم .

و منها ما رواه أبو الحسن المدائني قال : خرج الحسن و الحسين و عبد الله بن جعفر (عليه السلام) حجاجا ففاتهم أثقالهم فجاعوا و عطشوا فمروا بعجوز في خباء لها فقالوا هل من شراب ?

فقالت : نعم .

فأناخوا بها ; و ليس لها إلا شويهة في كسر الخيمة .

فقالت احلبوها و امتذقوا لبنها .

ففعلوا ذلك ; و قالوا : لها هل من طعام ?

قالت : لا , إلا هذه الشاة فليذبحنها أحدكم حتى أهيئ لكم شيئا تأكلون .

فقام إليها أحدهم : فذبحها و كشطها ثم هيأت لهم طعاما فأكلوا ثم أقاموا حتى أبردوا .

فلما ارتحلوا قالوا لها نحن نفر من قريش نريد هذا الوجه فإذا رجعنا سالمين فألمي بنا فإنا صانعون إليك خيرا.

ثم ارتحلوا ; و أقبل زوجها و أخبرته عن القوم و الشاة فغضب الرجل و قال ويحك أ تذبحين شاتي لأقوام لا تعرفينهم ثم تقولين نفر من قريش .

ثم بعد مدة ألجأتهم

[560]

الحاجة إلى دخول المدينة فدخلاها و جعلا ينقلان البعر إليها و يبيعانه و يعيشان منه .

فمرت العجوز في بعض سكك المدينة فإذا الحسن (عليه السلام) على باب داره جالس فعرف العجوز و هي له منكرة فبعث غلامه فردها .

فقال لها يا أمة الله أ تعرفينني ?

قالت لا .

قال : أنا ضيفك يوم كذا و كذا .

فقالت العجوز : بأبي أنت و أمي لست أعرفك .

فقال : فإن لم تعرفيني فأنا أعرفك .

فأمر الحسن (عليه السلام) فاشترى لها من شاء الصدقة ألف شاة و أمر لها بألف دينار و بعث بها مع غلامه إلى أخيه الحسين (عليه السلام) .

فقال : بكم وصلك أخي الحسن ?

فقالت بألف شاة و ألف دينار .

فأمر لها بمثل ذلك .

ثم بعث بها مع غلام إلى عبد الله بن جعفر ع .

فقال بكم وصلك الحسن و الحسين (عليهما السلام) .

فقالت : بألفي دينار و ألفي شاة .

فأمر لها عبد الله بألفي دينار و ألفي شاة ; و قال لو بدأت بي لأتعبتهما .

فرجعت العجوز إلى زوجها بذلك.

قلت هذه القصة مشهورة و في دواوين جودهم مسطورة و عنهم (عليهم السلام) مأثورة و كنت نقلتها على غير هذه الرواية : ... و إنه كان معهم رجل آخر من أهل المدينة و إنها أتت عبد الله بن جعفر فقال : ابدئي بسيدي الحسن و الحسين .

فأتت الحسن فأمر لها بمائة بعير و أعطاها الحسين ألف شاة فعادت إلى عبد الله بن جعفر فسألها فأخبرته فقال كفاني سيداي أمر الإبل و الشاة و أمر لها بمائة ألف درهم و قصدت المدني الذي كان معهم فقال لها أنا لا أجازي أولئك الأجواد في مدى و لا أبلغ عشر عشيرهم في الندى و لكن أعطيتك شيئا من دقيق و زبيب فأخذت و انصرفت.

رجع الكلام إلى ابن طلحة رحمه الله .

قال و روي عن ابن سيرين قال : تزوج الحسن امرأة فأرسل إليها بمائة جارية مع كل جارية ألف درهم. قال إشارة عزيزة و عبارة وجيزة كل من علم أن الدنيا غرور و التمتع بها

[561]

غرور و إمساكها محذور من اغتر بها يجور فإنه يجود ببذلها و لا ترغب نفسه في وصلها و قد كان الحسن (عليه السلام) عارفا بختلها عازفا عن الركون إلى أهلها و كان كثيرا ما يتمثل و يقول :

يا أهل لذات دنيا لا بقاء لها *** إن اغترارا بظل زائل حمق

و روى ابن عائشة قال : دخل رجل من أهل الشام المدينة فرأى رجلا راكبا بغلة حسنة قال لم أر أحسن منه فمال قلبي إليه فسألت عنه فقيل لي إنه الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) فامتلأ قلبي غيظا و حنقا و حسدا أن يكون لعلي (عليه السلام) ولد مثله فقمت إليه فقلت أنت ابن علي بن أبي طالب فقال أنا ابنه فقلت أنت ابن من و من و من و جعلت أشتمه و أنال منه و من أبيه و هو ساكت حتى استحييت منه فلما انقضى كلامي ضحك و قال أحسبك غريبا شاميا فقلت أجل فقال فمل معي إن احتجت إلى منزل أنزلناك و إلى مال أرفدناك و إلى حاجة عاوناك فاستحييت منه و عجبت من كرم أخلاقه فانصرفت و قد صرت أحبه ما لا أحب أحدا غيره .

تنبيه من غفلة و إيقاظ من غفوة : منار مبرات الأجواد و آثار مقامات الأمجاد يتفاوت مقدارها بين العباد بحسب أقطار أقدارها في الاعتقاد و قد جاد الحسن (عليه السلام) بما لم تجد بمثله نفس جواد و تكرم بما يبخل به كل ذي كرم و إرفاد فإنه لا رتبة أعظم من الخلافة و لا أعلى من مقامها و لا حكم لملك في الملة الإسلامية إلا و هو مستفاد من أحكامها و لا ذو إيالة و لا ولاية إلا و هو منقاد ببره زمامها واقف

[562]

في قضايا تصرفاتها بين نقضها و إبرامها فهي المنصب الأعلى و المنتصب لها صاحب الدنيا فالأمر و النهي متصل بأسبابه و الجاه و المال محصل من أبوابه و النباهة و الشهرة يستفاد من اقترابه و التقدم و التأخر يرتاد من إرضائه و إغضابه و هو خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمته لإقامة أحكامه و آدابه.

و كان الحسن (عليه السلام) قد تقلد بعقد انعقادها و استبد بعقد إيجادها و ارتدى بمفوف أبرادها و بايعته ألوف لا تفر يوم جلادها و تابعته سيوف لا تقر في أغمادها و شايعته من قبائل القبائل نفوس آسادها و اشتملت جريدة جيشه على أربعين ألفا كل يعد قتله بين يدي الحسن (عليه السلام) شهادة و يعتقد قيامه بطاعته عبادة و يرى كونه من أنصاره و شيعته إقبالا و سعادة.

فبينما هو في إقبال أيامها يأمر و ينهى و قد أحاط بحال مقامها حقيقة و كنها كشف له التأييد الرباني حالة لم يدركها سواه و لم يستبنها فجاد بالخلافة على معاوية فسلمها إليه و خرج عنها و تكرم بها و حرمها نفسه الشريفة فانسلخ منها.

فلا جرم باعتبار هذه الحال و ما أسداه (عليه السلام) من الجود و النوال و ما أبداه من التكرم و الإفضال اعترف له معاوية على رءوس الأشهاد في غضون المقال فقال له يا أبا محمد لقد جدت بشي‏ء لا تجود به أنفس الرجال و لقد صدق معاوية فيما ذكره عقلا و نقلا و عظم ما أسداه إليه الحسن (عليه السلام) جودا و بذلا فإن النفوس تتنافس في زينة الدنيا و متاعها قولا و فعلا و تحرص على إحرازها و اقتطاعها حرما و حلا فيركب إلى اكتساب محاب حطامها حزنا و سهلا و يستعذب في إدراك مناها منها أسرا و قتلا.

و في الجملة :

فهي معشوقة على الغدر *** لا تحفظ عهدا و لا تتمم وصلا

كل دمع يسيل منها عليها *** و بفك اليدين عنها تخلى

[563]

فمن أخرجها على حبها عنه جدير أن يعد جواد الأمجاد و أن يسجل له بإحراز الفلج إذا تفاخرت أمجاد الأجواد .

أقول : إن الشيخ كمال الدين رحمه الله وقف على أنجد هذا الأمر و لم يقف على أغواره و خاض في ضحاضحه و لم يلحج في أغمر غماره و عد تسليم الحسن (عليه السلام) الخلافة إلى معاوية من كرمه و جوده و إيثاره و لو أنعم النظر علم أنه لم يسلمها إلى معاوية باختياره و إنه لو وجد أعوانا و أنصارا لقاتله بأعوانه و أنصاره و لكنه آنس من أصحابه فشلا و تخاذلا جروا منه في ميدان الخلاف و مضماره و شحوا بأنفسهم عن مساعدته فرغبوا عن قربه و سخت أنفسهم بمفارقة جواره و أحبوا بعد داره في الدنيا فبعدت في الأخرى دارهم من داره و فر عنه من فر فتوجه عليه العقاب لفراره و حليت الدنيا في أعينهم فلم يردعهم بالغ مواعظه و إنذاره و مالوا إلى معاوية رغبة في زخرف دنياه و طمعا في درهمه و ديناره فسلم إليه الأمر حذرا على نفسه و شيعته فما رد القدر بحذاره و طلب حقن الدماء و إسكان الدهماء فأقره في قراره.

و كيف يجود الحسن (عليه السلام) على معاوية بشي‏ء يصطلي الإسلام و أهله بناره أم كيف يرضى تأهيله لأمر قلبه معتقد لإنكاره أم كيف يظن أنه قارب بعض المقاربة و هو يسمع سب أبيه في ليله و نهاره أم كيف ينسب معاوية إلى الصدق و هو مستمر على غلوائه مقيم على إصراره أم كيف يتوهم فيه الإيمان و هو و أبوه من المؤلفة قلوبهم فانظر في أخباره و هذه جمل تستند إلى تفصيل و قضايا واضحة الدليل

[564]

و أحوال تفتقر إلى نظر و فكر طويل و الله يهدي من يشاء إلى سواء السبيل.

عاد الكلام إلى تمام ما أورده كمال الدين رحمه الله : قال زيادة :

فائدة : لعل من وقف على هذا التنبيه و الإيقاظ يود أن يحيط علما بما حمل الحسن (عليه السلام) على خلع لباس الخلافة عنه و إلباسه معاوية فرأيت أن أشير إلى ما ينيل نفسه مناها و يزيل عن فكرته ما عراها و أذكر ما أورده الإمام محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله عن الحسن البصري رضي الله عنه و أسنده و أقصه حسب ما تلاه في صحيحه و سرده و فيه ما يكشف حجاب الارتياب و يسعف بمطلوب هذا الباب.

فقال قال الحسن البصري استقبل و الله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال فقال عمرو بن العاص لمعاوية إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها فقال له معاوية و كان و الله خير الرجلين أي عمرو أ رأيت إن قتل هؤلاء هؤلاء و هؤلاء هؤلاء من لي بأمور المسلمين من لي بنسائهم من لي بضيعتهم فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس عبد الرحمن بن سمرة و عبد الله بن عامر و قال اذهبا إلى هذا الرجل و قولا له و اطلبا إليه فأتياه و دخلا عليه و تكلما و قالا له و طلبا إليه فقال لهم الحسن (عليه السلام) إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال و إن هذه الأمة قد عاثت في دمائها قالا فإنه يعرض عليك كذا و كذا و يطلب إليك و يسألك قال فمن لي بهذا قالا نحن لك به فما سألهما شيئا إلا أجاباه و قالا نحن لك به فصالحه .

قال و لقد سمعت أبا بكرة يقول : رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على المنبر و الحسن إلى جانبه و هو يقبل على الناس مرة و عليه أخرى و يقول إن ابني هذا سيد و لعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين .

و قد تقدم هذا الحديث عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) .

فمكان انقياد الحسن (عليه السلام) إلى الصلح لمعاوية و تسليم الأمر إليه و الجنوح إلى

[565]

الصلح من آثار الأخبار النبوية و معدودا من معجزاته (صلى الله عليه وآله وسلم) انتهى كلام ابن طلحة رحمه الله تعالى.

قلت يجب أن تكتفي أيدك الله بما عرفتك به من أن الحسن (عليه السلام) إنما صالح معاوية لما علمه من تواكل أصحابه و تخاذلهم و ميلهم إلى معاوية و مواصلتهم إياه بكتبهم و رسائلهم و رغبتهم عن حقه و صغوهم إلى أهل الشام و باطلهم فخذلوه كما خذلوا أباه من قبله فقبحا لخاذلهم و فعلهم بأخيه من بعده دال على فساد عقائدهم و قبح فعائلهم فمتى أمعنت النظر وجدت أواخرهم قد انتهجوا سبيل أوائلهم و همجهم قد نسجوا على منوال أماثلهم .

بأسياف ذاك البغي أول سلها أصيب علي لا بسيف ابن ملجم .

و لهم جميعا يوم يظهر فيه ما كانوا يكتمون و يجازون فيه بما كانوا يعملون و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .

و قال (عليه السلام) : التبرع بالمعروف و الإعطاء قبل السؤال من أكبر السؤدد .

و سئل عن البخل فقال : هو أن يرى الرجل ما أنفقه تلفا و ما أمسكه شرفا .

لو أراد (عليه السلام) الصناعة لقال سرفا و شرفا لكنهم (عليه السلام) بريئون من التكلف منزهون عن التصنع تقطر الفصاحة من أعطافهم و تؤخذ البلاغة من ألفاظهم فهم فرسان الجلاد و الجدال و ليوث الحروب و غيوث النزال.

أذكر هنا ما نقله من كتاب حلية الأولياء للحافظ أبي نعيم (رهـ) قال فأما السيد المحبب و الحليم المقرب الحسن بن علي (عليه السلام) فله في معاني المتصوفة الكلام المشرق المرتب و المقام المونق المهذب و قد قيل إن التصوف تنوير البيان و تطهير الأكنان .

و عن أبي بكرة قال : كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يصلي بنا فيجي‏ء الحسن و هو ساجد صبي صغير حتى يصير على ظهره أو رقبته فيرفعه رفعا رفيقا فلما صلى صلاته قالوا يا رسول الله إنك تصنع بهذا الصبي شيئا لا تصنعه بأحد فقال هذا ريحانتي و إن ابني هذا سيد و عسى الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين .

[566]

و عن البراء بن عازب قال : رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واضعا الحسن على عاتقه و قال من أحبني فليحبه .

و عن نعيم قال : قال أبو هريرة ما رأيت الحسن (عليه السلام) قط إلا فاضت عيناي دموعا و ذلك أنه أتى يوما يشتد حتى قعد في حجر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و رسول الله يفتح فمه ثم يدخل فمه في فمه و يقول اللهم إني أحبه فأحبه و أحب من يحبه يقولها ثلاث مرات .

و عن الحارث قال : سأل علي ابنه الحسن (عليه السلام) عن أشياء من أمر المروة و يجي‏ء فيما أورده كمال الدين رحمه الله في الفصل التاسع في كلامه و في آخرها قال علي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لا فقر أشد من الجهل و لا مال أعود من العقل .

و عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال : قلت للحسن بن علي (عليه السلام) إن الناس يقولون إنك تريد الخلافة فقال قد كانت جماجم العرب في يدي يحاربون من حاربت و يسالمون من سالمت فتركتها ابتغاء وجه الله تعالى و حقن دماء أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و عن الشعبي قال : شهدت الحسن بن علي (عليه السلام) حين صالح معاوية بالنخيلة فقال له معاوية قم فأخبر الناس أنك تركت هذا الأمر و سلمته إلي فقام الحسن (عليه السلام) فحمد الله و أثنى عليه و قال أما بعد فإن أكيس الكيس التقى و أحمق الحمق الفجور و إن هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا و معاوية إما أن يكون حق امرئ فهو أحق به مني و إما أن يكون حقا لي فقد تركته إرادة إصلاح الأمة و حقن دمائها و إن أدري لعله فتنة لكم و متاع إلى حين .

قلت : لا تظن الحسن (عليه السلام) تردد شاكا في نفسه و مخالفا لاعتقاده و مذهبه لا و الله و لكنه جرى على لغة القرآن المجيد في قوله تعالى وَ إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى

[567]

هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ
و على ما قال جده (صلى الله عليه وآله وسلم ) لأحد أصحابه أحدنا فرعون هذه الأمة .

و عن أبان بن الطفيل قال : سمعت عليا (عليه السلام) يقول للحسن كن في الدنيا ببدنك و في الآخرة بقلبك .

و عن محمد بن علي قال : قال الحسن (عليه السلام) إني لأستحيي من ربي أن ألقاه و لم أمش إلى بيته فمشى عشرين مرة من المدينة على رجليه .

و عن أبي نجيح : أن الحسن بن علي (عليه السلام) حج ماشيا و قسم ماله نصفين .

و عن شهاب بن أبي عامر : أن الحسن بن علي (عليه السلام) قاسم الله ماله مرتين حتى تصدق بفرد نعله .

و عن علي بن زيد بن جذعان قال : خرج الحسن بن علي عن ماله مرتين و قاسم الله ثلاث مرات حتى أنه كان يعطي من ماله نعلا و يمسك نعلا و يعطي و يمسك خفا .

و عن قرة بن خالد قال : أكلت في بيت محمد بن سيرين طعاما فلما أن شبعت أخذت المنديل و رفعت يدي فقال محمد إن الحسن بن علي (عليه السلام) قال إن الطعام أهون من أن يقسم فيه .

و عن ابن سيرين قال : تزوج الحسن بن علي امرأة فأرسل إليها بمائة جارية مع كل جارية ألف درهم .

و عن الحسن بن سعيد عن أبيه قال : متع الحسن بن علي (عليه السلام) امرأتين بعشرين ألفا و زقاق من عسل فقالت إحداهما و أراها الحنفية متاع قليل من محب مفارق .

و عن عمر بن إسحاق قال : دخلت أنا و رجل على الحسن بن علي (عليه السلام) نعوده فقال يا فلان سلني قال لا و الله لا أسألك حتى يعافيك الله ثم أسألك قال ثم دخل الخلاء ثم خرج إلينا فقال سلني قبل أن لا تسألني قال بل يعافيك الله ثم أسألك قال قد ألقيت طائفة من كبدي و إني قد سقيت السم مرارا

[568]

فلم أسق مثل هذه المرة ثم دخلت عليه من الغد و هو يجود بنفسه و الحسين عند رأسه فقال يا أخي من تتهم قال لم تسأله لتقتله قال نعم قال إن يكن الذي أظن فإنه أشد بأسا و أشد تنكيلا و إلا يكن فما أحب أن يقتل بي بري‏ء ثم قضى (عليه السلام) .

و عن رقبة بن مصقلة قال : لما حضر الحسن بن علي (عليه السلام) قال أخرجوني إلى الصحراء لعلي أنظر في ملكوت السماء يعني الآيات فلما أخرج به قال اللهم إني أحتسب نفسي عندك فإنها أعز الأنفس علي و كان مما صنع الله له أنه احتسب نفسه .

آخر كلام الحافظ أبو نعيم .

التاسع في كلامه (عليه السلام) و مواعظه و ما يجري معها

نقل الحافظ أبو نعيم في حليته : أن أمير المؤمنين عليا (عليه السلام) سأل ابنه الحسن (عليه السلام) عن أشياء من أمر المروة فقال : يا بني ما السداد ?

فقال : يا أبتي السداد دفع المنكر بالمعروف .

قال : فما الشرف ?

قال : اصطناع العشيرة و حمل الجريرة .

قال : فما المروة ?

قال : العفاف و إصلاح المال .

قال : فما الرقة ?

قال : النظر في اليسير و منع الحقير .

قال : فما اللؤم ?

قال : إحراز المرء نفسه و بذله عرسه .

قال : فما السماح ?

قال : البذل في العسر و اليسر .

قال : فما الشح ?

قال : أن ترى ما في يديك شرفا و ما أنفقته تلفا .

قال : فما الإخاء ?

قال : المواساة في الشدة .

قال : فما الجبن ?

قال : الجرأة على الصديق و النكول عن العدو .

قال : فما الغنيمة ?

قال : الرغبة في التقوى و الزهادة في الدنيا هي الغنيمة الباردة .

قال : فما الحلم ?

قال : كظم الغيظ و ملك النفس .

قال : فما الغنى ?

قال : رضا النفس بما قسم الله تعالى لها و إن قل ; و إنما الغنى غنى النفس .

قال : فما الفقر ?

قال : شره النفس في كل شي‏ء .

قال : فما المنعة ?

قال : شدة البأس و منازعة أعز

[569]

الناس .

قال : فما الذل ?

قال : الفزع عند المصدوفة .

قال : فما العي ?

قال : العبث باللحية و كثرة النزق عند المخاطبة .

قال : فما الجرأة ?

قال : مواقفة الأقران .

قال : فما الكلفة ?

قال : كلامك فيما لا يعنيك .

قال : فما المجد ?

قال : أن تعطي في الغرم و تعفو عن الجرم .

قال : فما العقل ?

قال : حفظ القلب كلما استودعته .

قال : فما الخرق قال معاداتك إمامك و رفعك عليه كلامك .

قال : فما السناء ?

قال : إتيان الجميل و ترك القبيح .

قال : فما الحزم ?

قال : طول الأناة و الرفق بالولاة .

قال : فما السفه ?

قال : اتباع الدناة و مصاحبة الغواة .

قال : فما الغفلة ?

قال : تركك المسجد و طاعتك المفسد .

قال : فما الحرمان ?

قال : تركك حظك و قد عرض عليك .

قال : فمن السيد ?

قال : الأحمق في ماله المتهاون في عرضه فيشتم فلا يجيب المتهم بأمر عشيرته هو السيد .

[570]

فهذه الأجوبة الصادرة عنه على البديهة من غير روية شاهدة له (عليه السلام) ببصيرة باصرة و بديهة حاضرة و مادة فضل وافرة و فكرة على استخراج الغوامض قادرة .

و من كلامه (عليه السلام) كتاب كتبه إلى معاوية بعد وفاة أمير المؤمنين و قد بايعه الناس و هو :

بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله الحسن أمير المؤمنين إلى معاوية بن صخر أما بعد فإن الله بعث محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) رحمة للعالمين فأظهر به الحق و رفع به الباطل و أذل به أهل الشرك و أعز به العرب عامة و شرف به من شاء منهم خاصة فقال تعالى وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ فلما قبضه الله تعالى تنازعت العرب الأمر بعده فقالت الأنصار منا أمير و منكم أمير و قالت قريش نحن أولياؤه و عشيرته فلا تنازعوا سلطانه فعرفت العرب ذلك لقريش و نحن الآن أولياؤه و ذوو القربى منه و لا غرو أن منازعتك إيانا بغير حق في الدين معروف و لا أثر في الإسلام محمود و الموعد الله تعالى بيننا و بينك و نحن نسأله تبارك و تعالى أن لا يؤتينا في هذه الدنيا شيئا ينقصنا به في الآخرة و بعد فإن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لما نزل به الموت ولاني هذا الأمر من بعده فاتق الله يا معاوية و انظر لأمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ما تحقن به دماءهم و تصلح به أمورهم و السلام .

و من كلامه (عليه السلام) ما كتبه في كتاب الصلح الذي استقر بينه و بين معاوية حيث رأى حقن الدماء و إطفاء الفتنة و هو :

بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان صالحه على أن يسلم إليه ولاية أمر المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب الله تعالى و سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و سيرة الخلفاء الراشدين و ليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهدا بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين و على أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله شامهم و عراقهم و حجازهم و يمنهم و على أن أصحاب علي و شيعته آمنون على أنفسهم و أموالهم و نسائهم و أولادهم و على معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله و ميثاقه

[571]

و ما أخذ الله على أحد من خلقه بالوفاء بما أعطى الله من نفسه و على أن لا يبغي للحسن بن علي و لا لأخيه الحسين و لا لأحد من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غائلة سرا و لا جهرا و لا يخيف أحدا منهم في أفق من الآفاق شهد عليه بذلك و كفى بالله شهيدا فلان و فلان و السلام .

و لما تم الصلح و انبرم الأمر التمس معاوية من الحسن (عليه السلام) أن يتكلم بمجمع من الناس و يعلمهم أنه قد بايع معاوية و سلم الأمر إليه فأجابه إلى ذلك .

فخطب و قد حشد الناس خطبة حمد الله تعالى و صلى على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها و هي من كلامه المنقول عنه (عليه السلام) و قال أيها الناس إن أكيس الكيس التقى و أحمق الحمق الفجور و إنكم لو طلبتم ما بين جابلق و جابرس رجلا جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما وجدتموه غيري و غير أخي الحسين و قد علمتم أن الله هداكم بجدي محمد فأنقذكم به من الضلالة و رفعكم به من الجهالة و أعزكم به بعد الذلة و كثركم به بعد القلة إن معاوية نازعني حقا هو لي دونه فنظرت لصلاح الأمة و قطع الفتنة و قد كنتم بايعتموني على أن تسالمون من سالمت و تحاربون من حاربت فرأيت أن أسالم معاوية و أضع الحرب بيني و بينه و قد بايعته و رأيت حقن الدماء خير من سفكها و لم أرد بذلك إلا صلاحكم و بقاءكم و إن أدري لعله فتنة لكم و متاع إلى حين .

و عنه (عليه السلام) أنه قال لا أدب لمن لا عقل له و لا مروة لمن لا همة له و لا حياء لمن لا دين له و رأس العقل معاشرة الناس بالجميل و بالعقل تدرك الداران جميعا و من حرم من العقل حرمهما جميعا .

و قال (عليه السلام) : علم الناس و تعلم علم غيرك فتكون قد أتقنت علمك و علمت ما لم تعلم .

و سئل (عليه السلام) عن الصمت فقال : هو ستر الغي و زين العرض و فاعله في راحة و جليسه أمن .

و قال (عليه السلام) : هلاك الناس في ثلاث الكبر و الحرص و الحسد فالكبر هلاك

[572]

الدين و به لعن إبليس و الحرص عدو النفس و به أخرج آدم من الجنة و الحسد رائد السوء و منه قتل قابيل هابيل .

و قال (عليه السلام) لا تأت رجلا إلا أن ترجو نواله و تخاف يده أو تستفيد من علمه أو ترجو بركة دعائه أو تصل رحما بينك و بينه .

و قال (عليه السلام) : دخلت على أمير المؤمنين و هو يجود بنفسه لما ضربه ابن ملجم فجزعت لذلك فقال لي أ تجزع فقلت و كيف لا أجزع و أنا أراك على حالك هذه فقال أ لا أعلمك خصالا أربع إن أنت حفظتهن نلت بهن النجاة و إن أنت ضيعتهن فاتك الداران يا بني لا غنى أكبر من العقل و لا فقر مثل الجهل و لا وحشة أشد من العجب و لا عيش ألذ من حسن الخلق .

فهذه سمعت عن الحسن يرويها عن أبيه (عليه السلام) فاروها إن شئت في مناقبه أو مناقب أبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و قال (عليه السلام) : ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من حاسد و قال اجعل ما طلبت من الدنيا فلم تظفر به بمنزلة ما لم يخطر ببالك و اعلم أن مروة القناعة و الرضا أكثر من مروة الإعطاء و تمام الصنيعة خير من ابتدائها و سئل عن العقوق فقال أن تحرمهما و تهجرهما .

و روي : أن أباه عليا (عليه السلام) قال له قم فاخطب لأسمع كلامك فقام فقال الحمد لله الذي من تكلم سمع كلامه و من سكت علم ما في نفسه و من عاش فعليه رزقه و من مات فإليه معاده أما بعد فإن القبور محلتنا و القيامة موعدنا و الله عارضنا إن عليا باب من دخله كان مؤمنا و من خرج عنه كان كافرا فقام إليه علي (عليه السلام) فالتزمه فقال بأبي أنت و أمي ذرية بعضها من بعض و الله سميع عليم .

و من كلامه (عليه السلام) : يا ابن آدم عف عن محارم الله تكن عابدا و ارض بما قسم الله سبحانه تكن غنيا و أحسن جوار من جاورك تكن مسلما و صاحب الناس بمثل

[573]

ما تحب أن يصاحبوك به تكن عدلا إنه كان بين أيديكم أقوام يجمعون كثيرا و يبنون مشيدا و يأملون بعيدا أصبح جمعهم بورا و عملهم غرورا و مساكنهم قبورا يا ابن آدم إنك لم تزل في هم عمرك منذ سقطت من بطن أمك فخذهما في يديك لما بين يديك فإن المؤمن يتزود و الكافر يتمتع و كان (عليه السلام) يتلو بعد هذه الموعظة وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى .

و من كلامه (عليه السلام) : أن هذا القرآن فيه مصابيح النور و شفاء الصدور فليجل جال بضوئه و ليلجم الصفة قلبه فإن التفكير حياة القلب البصير كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور .

و اعتل علي بالبصرة فخرج الحسن (عليه السلام) يوم الجمعة و صلى الغداة بالناس و حمد الله و أثنى عليه و صلى على نبيه و قال إن الله لم يبعث نبيا إلا اختاره نفسا و رهطا و بيتا و الذي بعث محمدا بالحق لا ينقص أحد من حقنا إلا نقصه الله من عمله و لا تكون علينا دولة إلا كانت لنا عاقبة و لتعلمن نبأه بعد حين .

و لما خرج حوثرة الأسدي على معاوية وجه معاوية إلى الحسن يسأله أن يكون هو المتولي لقتاله فقال و الله لقد كففت عنك لحقن دماء المسلمين و ما أحسب ذلك يسعني أن أقاتل عنك قوما أنت و الله أولى بقتالي منهم .

و لما قدم معاوية المدينة صعد المنبر فخطب و نال من علي (عليه السلام) فقام الحسن (عليه السلام) فحمد الله و أثنى عليه ثم قال إن الله لم يبعث نبيا إلا جعل له عدوا من المجرمين قال الله وَ كَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ فأنا ابن علي و أنت ابن صخر و أمك هند و أمي فاطمة و جدتك فتيلة و جدتي خديجة فلعن الله ألأمنا حسبا و أخملنا ذكرا و أعظمنا كفرا و أشدنا نفاقا فصاح أهل المسجد آمين آمين فقطع معاوية خطبته و دخل منزله .

و هذا الكلام ذكرته آنفا و إنما أعدته هنا لأن اختلاف الرواة يؤنس بما يتفقون على روايته.

و دخل (عليه السلام) على معاوية و هو مضطجع فقعد عند رجليه فقال أ لا أطرفك بلغني

[574]

أن أم المؤمنين عائشة تقول إن معاوية لا يصلح للخلافة فقال الحسن (عليه السلام) و أعجب من ذلك قعودي عند رجليك فقام و اعتذر إليه .

قلت : و الحسن (عليه السلام) لم يعجب من قول عائشة رضي الله عنها إن معاوية لا يصلح للخلافة فإن ذلك عنده ضروري لكنه قال و أعجب من توليك الخلافة قعودي .

و قيل له (عليه السلام) فيك عظمة قال لا بل في عزة قال الله تعالى وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ .

و قال لأبيه (عليه السلام) : إن للعرب جولة و لقد رجعت إليها عوازب أحلامها و لقد ضربوا إليك أكباد الإبل حتى يستخرجوك و لو كنت في مثل وجار الضبع .

و خطب مرة فقال : ما بين جابلق و جابرس رجل جده نبي غيري .

و قال معاوية : إذا لم يكن الهاشمي جوادا لم يشبه قومه و إذا لم يكن الزبيري شجاعا لم يشبه قومه و إذا لم يكن الأموي حليما لم يشبه قومه و إذا لم يكن المخزومي تياها لم يشبه قومه فبلغ ذلك الحسن (عليه السلام) فقال ما أحسن ما نظر لقومه أراد أن يجود بنو هاشم بأموالهم فيفتقر و تزهى بنو مخزوم فتبغض و تشنأ و تحارب بنو الزبير فيتفانوا و تحلم بنو أمية فتحب .

و قال لحبيب بن مسلمة رب مسير لك في غير طاعة الله قال أما مسيري إلى أبيك فلا قال بلى و لكنك أطعت معاوية على دنيا دنية قليلة و لعمري لئن قام بك في دنياك لقد قعد في دينك و لو أنك إذ فعلت شرا قلت خيرا كما قال الله عز و جل خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً و لكنك فعلت شرا و قلت شرا فأنت كما قال الله كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ .

[575]

قال الشعبي : كان معاوية كالجمل الطب ; قال يوما و الحسن (عليه السلام) عنده أنا ابن بحرها جودا و أكرمها جدودا و أنضرها عودا .

فقال الحسن (عليه السلام) : أفعلي تفتخر :

أنا ابن عروق الثرى ; أنا ابن سيد أهل الدنيا ; أنا ابن من رضاه رضا الرحمن و سخطه سخط الرحمن ; هل لك يا معاوية من قديم تباهي به أو أب تفاخرني به ? قل : لا ; أو نعم . أي ذلك شئت .

فإن قلت نعم أبيت ; و إن قلت لا عرفت .

فقال : معاوية أقول لا تصديقا لك .

فقال الحسن (عليه السلام) :

الحق أبلج ما تخيل سبيله *** و الحق يعرفه ذوو الألباب

و أتاه رجل فقال إن فلانا يقع فيك فقال ألقيتني في تعب أريد الآن أن أستغفر الله لي و له .

و قال (عليه السلام) : من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه .

و قال (عليه السلام) : حسن السؤال نصف العلم .

و سئل عن البخل فقال هو أن يرى الرجل ما أنفقه تلفا و ما أمسكه شرفا .

و كلامه (عليه السلام) ينزع إلى كلام أبيه و جده و محله من البلاغة لا ينبغي لأحد من بعده و من رام حصره و عده كان كمن شرع في حصر قطع السحاب و عده فالأولى أن أقتصر منه على هذا القدر إذ كانت جملته غير داخلة في الحصر و العاقل يرى في الهلال صورة البدر .

العاشر في ذكر أولاده

قال كمال الدين كان له من الأولاد عددا لم يكن لكلهم عقب بل كان العقب لاثنين منهم فقيل كانوا خمسة عشر و هذه أسماؤهم الحسن و زيد و عمرو و الحسين و عبد الله و عبد الرحمن و عبد الله و إسماعيل و محمد و يعقوب و جعفر و طلحة و حمزة و أبو بكر و القاسم و كان العقب منهم للحسن

[576]

و لزيد و لم يكن لغيرهما منهم عقب.

و قيل كان له أولاد أقل من ذلك و قيل كان له بنت تسمى أم الحسن و الله أعلم بحقيقة الحال فيه انتهى كلامه .

قال ابن الخشاب : ولد له أحد عشر ولدا و بنت أسماء بنيه عبد الله و القاسم و الحسن و زيد و عمرو و عبد الله و عبد الرحمن و أحمد و إسماعيل و الحسين و عقيل و أم الحسن فاطمة و هي أم محمد بن علي الباقر .

قال الشيخ المفيد رحمه الله تعالى في إرشاده باب ذكر ولد الحسن بن علي (عليه السلام) و عددهم و أسمائهم و طرف من أخبارهم : أولاد الحسن بن علي خمسة عشر ولدا ذكرا و أنثى زيد بن الحسن و أختاه أم الحسن و أم الحسين أمهم أم بشير بنت أبي مسعود و عقبة بن عمرو بن ثعلبة الخزرجية و الحسن بن الحسن أمه خولة بنت منظور الفزارية و عمرو و أخواه القاسم و عبد الله ابنا الحسن أمهم أم ولد و عبد الرحمن بن الحسن أمه أم ولد و الحسين بن الحسن الملقب بالأثرم و أخوه طلحة بن الحسن و أختهما فاطمة بنت الحسن أمهم أم إسحاق بنت طلحة بن عبد الله التيمي و أم عبد الله و فاطمة و أم سلمة و رقية بنات الحسن (عليه السلام) لأمهات أولاد شتى.

فصل

فأما زيد بن الحسن فكان يلي صدقات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أسن و كان جليل القدر كريم الطبع زلف النفس كثير البر و مدحه الشعراء و قصده الناس من الآفاق لطلب فضله و ذكر أصحاب السيرة أنه لما ولي سليمان بن عبد الملك كتب إلى عامله بالمدينة أما بعد إذا قرأت كتابي هذا فاعزل زيدا عن صدقات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و ادفعها إلى فلان رجل من قومه و أعنه على ما استعانك عليه و السلام فلما استخلف عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه كتب إلى عامله أما بعد فإن زيد بن الحسن شريف بني هاشم و ذو سنهم فإذا قرأت كتابي هذا فاردد إليه صدقات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) و أعنه على ما استعانك عليه و السلام.

و في زيد بن الحسن يقول محمد بن البشير الخارجي يمدحه :

[577]

إذا نزل ابن المصطفى بطن تلعة *** نفى جدبها و اخضر بالنبت عودها

و زيد ربيع الناس في كل شتوة *** إذا أخلفت أبراقها و رعودها

حمول لأشناق الديات كأنه *** سراج الدجى قد قارنتها سعودها

و مات زيد بن الحسن (عليه السلام) و له تسعون سنة فرثاه جماعة من الشعراء و ذكروا مآثره و بكوا فضله فممن رثاه قدامة بن موسى بن عمرو الجمحي فقال :

فإن يك زيد غالت الأرض شخصه *** فقد بان معروف هناك و جود

و إن يك أمسى رهن رمس فقد ثوى *** به و هو محمود الفعال فقيد

سريع إلى المعتر يعلم أنه *** سيطلبه المعروف ثم يعود

و ليس بقوال و قد حط رحله *** لملتمس المعروف أين تريد

إذا قصر الوغد الدني نما به *** إلى المجد آباء له و جدود

مباذيل للمولى محاشيد للقرى *** و في الروع عند النائبات أسود

إذا انتحل العز الطريف فإنه *** لهم إرث مجد ما يرام تليد

إذا مات منهم سيد قام سيد *** كريم يبني بعدهم و يشيد

في أمثال هذا و مات زيد و لم يدع الإمامة و لا ادعاها له مدع من الشيعة و لا غيرهم و ذلك لأن الشيعة رجلان إمامي و زيدي و الإمامي يعتمد في الإمامة

[578]

النصوص و هي معدومة في ولد الحسن (عليه السلام) باتفاق و لم يدع ذلك أحد منهم لنفسه فيقع فيه ارتياب و الزيدي يراعي الإمامة بعد علي و الحسن و الحسين (عليه السلام) الدعوة و الجهاد و زيد بن الحسن رحمه الله كان مسالما لبني أمية و متقلدا من قبلهم الأعمال و كان رأيه التقية لأعدائه و التألف لهم و المداراة و هذا يضاد عند الزيدية علامات الإمامة كما حكيناه فأما الحشوية فإنها تدين بإمامة بني أمية و لا ترى لولد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إمامة على حال و المعتزلة لا ترى الإمامة إلا فيمن كان على رأيها في الاعتزال و من تولوهم العقد له بالشورى و الاختيار و زيد على ما قدمنا ذكره خارج عن هذه الأحوال و الخوارج لا ترى إمامة من تولى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) و زيد كان متواليا أباه و جده بلا خلاف فصل فأما الحسن بن الحسن فكان رجلا جليلا رئيسا فاضلا ورعا و كان يلي صدقات أمير المؤمنين (عليه السلام) في وقته و له مع الحجاج خبر رواه زبير بن بكار قال كان الحسن بن الحسن واليا صدقات أمير المؤمنين (عليه السلام) في عصره فساير الحجاج يوما و هو إذ ذاك أمير المدينة فقال له الحجاج أدخل عمر بن علي معك في صدقات أبيه فإنه عمك و بقية أهلك فقال له الحسن لا أغير شرط علي و لا أدخل فيها من لم يدخل فقال له الحجاج إذا أدخله أنا معك فنكص الحسن بن الحسن عنه حتى غفل الحجاج ثم توجه إلى عبد الملك حتى قدم عليه فوقف ببابه يطلب الإذن فمر به يحيى ابن أم الحكم فلما رآه يحيى مال إليه و سلم عليه و سأله عن مقدمه و خبره ثم قال إني سأنفعك عند أمير المؤمنين يعني عبد الملك فلما دخل الحسن بن الحسن على عبد الملك رحب به و أحسن مساءلته و كان الحسن قد أسرع إليه الشيب فقال له عبد الملك لقد أسرع إليك الشيب يا أبا محمد فقال يحيى و ما يمنعه يا أمير المؤمنين شيبه أماني أهل العراق يفد عليه الركب يمنونه الخلافة فأقبل عليه الحسن بن الحسن فقال بئس و الله

[579]

الرفد رفدت ليس كما قلت و لكنا أهل بيت يسرع إلينا الشيب و عبد الملك يسمع فأقبل عليه عبد الملك و قال هلم ما قدمت له فأخبره بقول الحجاج فقال ليس له ذلك اكتب إليه كتابا لا يتجاوزه فكتب إليه و وصل الحسن بن الحسن فأحسن صلته فلما خرج من عنده لحقه يحيى ابن أم الحكم فعاتبه الحسن على سوء محضره فقال له ما هذا الذي وعدتني به فقال له يحيى إيها عنك فو الله لا يزال يهابك و لو لا هيبتك لما قضى لك حاجة و و الله ما ألوتك رفدا.

و كان الحسن بن الحسن قد حضر مع الحسين بن علي (عليه السلام) الطف فلما قتل الحسين (عليه السلام) و أسر الباقون من أهله جاءه أسماء بن خارجة فانتزعه من بين الأسرى و قال و الله لا يوصل إلى ابن خولة أبدا فقال عمر بن سعد دعوا لأبي حسان ابن أخته و يقال إنه أسر و كان به جراح قد أشفي منها.

و روي : أن الحسن بن الحسن خطب إلى عمه الحسين (عليه السلام) إحدى ابنتيه فقال له الحسين (عليه السلام) اختر يا بني أحبهما إليك فاستحيا الحسن و لم يحر جوابا فقال له الحسين (عليه السلام) فإني قد اخترت لك ابنتي فاطمة فهي أكثرهما شبها بأمي فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

[580]

و قبض الحسن بن الحسن (رهـ) و له خمس و ثلاثون سنة و أخوه زيد بن الحسن رحمة الله عليه حي و وصى إلى أخيه من أمه إبراهيم بن محمد بن طلحة رحمه الله.

و لما مات الحسن بن الحسن ضربت زوجته فاطمة بنت الحسين (عليه السلام) على قبره فسطاطا و كانت تقوم الليل و تصوم بالنهار و كانت تشبه بالحور العين لجمالها فلما كان رأس السنة قالت لمواليها إذا أظلم الليل فقوضوا هذا الفسطاط فلما أظلم الليل سمعت قائلا يقول هل وجدوا من فقدوا فأجابه آخر بل يئسوا فانقلبوا و مضى الحسن بن الحسن و لم يدع الإمامة و لا ادعاها له مدع كما وصفناه من حال أخيه زيد رحمة الله عليهما.

و أما عمرو و القاسم و عبد الله بنو الحسن بن علي (عليه السلام) فإنهم استشهدوا بين يدي عمهم الحسين بن علي (عليه السلام) بالطف رضي الله عنهم و أرضاهم و أحسن عن الدين و الإسلام و أهله جزاهم.

و عبد الرحمن بن الحسن رضي الله عنه خرج مع عمه الحسين بن علي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الحج فتوفي بالأبواء و هو محرم.

و الحسين بن الحسن المعروف بالأثرم كان له فضل و لم يكن له ذكر في ذلك. و طلحة بن الحسن كان جوادا انتهى كلام الشيخ المفيد.

و قال الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي ولد الحسن الذكور حسن و زيد و محمد و عمرو و عبد الله و القاسم و أبو بكر و عبد الرحمن و حسين و محمد و عبد الله و طلحة و من النساء تماضر و أم الحسن و أم الخير و أم عبد الله و أم سلمة و الذي أراه أن في هذه الأسماء تكريرا و أظنه من الناسخ و

[581]

أهل مكة أخبر بشعابها فما ذكره الشيخ المفيد (رهـ) هو الذي يعتمد عليه في هذا الباب لأنه أشد حرصا و أكثر تنقيبا و كشفا و طلبا لهذه الأمور .

قال الحافظ بن الأخضر : روى من أولاد الحسن بن علي زيد بن الحسن عن أبيه و اعتمدت حذف الأسانيد كما اشترطته في أول الكتاب .

روى زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن أبيه قال : لما آخى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) بين أصحابه آخى بين أبي بكر و عمر و بين طلحة و الزبير و بين حمزة بن عبد المطلب و بين زيد بن حارثة و بين عبد الله بن مسعود و بين المقداد بن عمرو فقال علي (عليه السلام) آخيت بين أصحابك و أخرتني فقال ما أخرتك إلا لنفسي .

الحسن بن الحسن عن أبيه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن من واجب المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم .

عبد الله بن الحسن عن أبيه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الرحم شجنة من الرحمن عز و جل من وصلها وصله الله و من قطعها قطعه الله تعالى .

عن عكرمة عن ابن عباس : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة .

و عنه عن أمه بنت الحسين عن فاطمة الكبرى (عليه السلام) قالت كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا دخل المسجد قال بسم الله و الحمد لله و صلى الله على رسول الله و سلم اللهم اغفر لي ذنوبي و سهل لي أبواب رحمتك و إذا خرج قال مثل ذلك إلا أنه يقول اللهم اغفر لي ذنوبي و سهل لي أبواب فضلك .

و عن عبد الله عن أمه عن فاطمة الكبرى عليها السلام قالت : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما التقى جندان ظالمان إلا تخلى الله عنهما و لم يبال أيهما غلب و ما التقى جندان ظالمان إلا كانت الدبرة على أعتاهما .

و عنه عن أبيه الحسن عن أبيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للنساء عشر عورات فإذا تزوجت المرأة ستر الزوج عورة و إذا

[582]

ماتت ستر القبر عشر عورات .

و قال عبد الله بن حسن بن حسن لابنه محمد استعن على السلامة بطول الصمت في المواطن التي تدعوك نفسك إلى الكلام فيها فإن الصمت حسن على كل حال و إياك و معاداة الرجال فإنك لا تأمن مكر حليم و مبادرة لئيم .

حسين بن حسن عن أمه فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قالت قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يلومن إلا نفسه من بات و في يده غمر .

و عنه عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال من أجرى الله على يديه فرجا لمسلم فرج الله تعالى عنه كرب الدنيا و الآخرة .

و بالإسناد قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من عال أهل بيت من المسلمين يومهم و ليلتهم غفر الله له ذنوبه .

و قيل أوصى محمد بن علي بن حسين ابنه جعفر بن محمد فقال يا بني اصبر للنوائب و لا تعرض للحتوف و لا تعط نفسك ما ضره عليك أكثر من نفعه لغيرك يا بني إن الله رضيني لك فحذرني فتنتك و لم يرضك لي فأوصاك بي .

و قيل إنه كان يقول لأولاده يا بني إذا أصابتكم مصيبة من الدنيا أو نزلت بكم فاقة فليتوضأ الرجل فيحسن وضوءه و ليصل أربع ركعات أو ركعتين فإذا انصرف من صلاته فليقل يا موضع كل شكوى يا سامع كل نجوى يا شافي كل بلاء يا عالم كل خفية يا كاشف ما يشاء من بلية و يا نجي موسى و يا مصطفي محمد و يا خليل إبراهيم أدعوك دعاء من اشتدت فاقته و ضعفت قوته و قلت حيلته دعاء الغريب الغريق الفقير الذي لا يجد لكشف ما هو فيه إلا أنت يا أرحم الراحمين لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين قال علي بن الحسين لا يدعو بها أحد أصابه بلاء إلا فرج الله تعالى عنه .

[583]

الحادي عشر في عمره (عليه السلام)

قال كمال الدين رحمه الله : قد تقدم ذكر ولادته و ما قيل فيها و أنها كانت في سنة ثلاث من الهجرة و كانت وفاته (عليه السلام) على ما سيأتي في الفصل المختص بها المذكور إن شاء الله تعالى عقيب هذا الفصل في سنة تسع و أربعين للهجرة فتكون مدة عمره سبعا و أربعين سنة منها مع جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سبع سنين و مع أبيه (عليه السلام) بعد وفاة جده (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاثين سنة و بعد وفاة والده ع إلى وقت وفاته عشر سنين .

قال الشيخ المفيد رحمه الله : توفي الحسن (عليه السلام) في صفر سنة خمسين من الهجرة و له يومئذ ثمان و أربعون سنة و كانت خلافته عشر سنين .

قال الحافظ الجنابذي : ولد الحسن بن علي (عليه السلام) في النصف من رمضان سنة ثلاث من الهجرة و مات سنة تسع و أربعين و كان قد سقي السم مرارا و كان مرضه أربعين يوما.

و قال الدولابي صاحب كتاب الذرية الطاهرة تزوج علي فاطمة (عليها السلام) فولدت له حسنا بعد أحد بسنتين و كان بين وقعة أحد و مقدم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة سنتان و ستة أشهر و نصف فولدته لأربع سنين و ستة أشهر و نصف من التاريخ .

و روي أيضا : أنه ولد في رمضان من سنة ثلاث و توفي و هو ابن خمس و أربعون سنة و ولي غسله الحسين و العباس و محمد إخوته و صلى عليه سعيد بن العاص و كانت وفاته سنة تسع و أربعين.

و قال الكليني رحمة الله عليه ولد الحسن بن علي (عليه السلام) في شهر رمضان سنة بدر سنة اثنتين بعد الهجرة .

و روي : أنه ولد سنة ثلاث و مضى في صفر في آخره من سنة تسع و أربعين و هو ابن سبع و أربعين و أشهر .

و قال ابن الخشاب رحمه الله رواية عن الصادق (عليه السلام) و الباقر (عليه السلام) قالا مضى أبو محمد الحسن بن علي (عليه السلام) و هو ابن سبع و أربعين سنة و كان بينه و بين أخيه الحسين ع مدة الحمل و كان حمل أبي عبد الله ستة أشهر و لم يولد

[584]

مولود لستة أشهر فعاش غير الحسين و عيسى ابن مريم (عليه السلام) فأقام أبو محمد مع جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سبع سنين و أقام مع أبيه بعد وفاة جده ثلاثين سنة و أقام بعد وفاة أمير المؤمنين (عليه السلام) عشر سنين فكان عمره سبعا و أربعين سنة فهذا اختلافهم في عمره .

الثاني عشر في وفاته (عليه السلام)

قال كمال الدين رحمه الله مرض الحسن (عليه السلام) أربعين يوما فقال في بعض الأيام أخرجوا فراشي إلى صحن الدار فأخرج فقال اللهم إني أحتسب نفسي عندك فإني لم أصب بمثلها .

و روى الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء عن عمير بن إسحاق قال : دخلت أنا و رجل على الحسن بن علي ع نعوده فقال يا فلان سلني قال لا و الله لا نسألك حتى يعافيك الله ثم نسألك قال ثم دخل ثم خرج إلينا فقال سلني قبل أن لا تسألني قال بل يعافيك الله ثم نسألك قال قد ألقيت طائفة من كبدي و إني قد سقيت السم مرارا فلم أسق مثل هذه المرة ثم دخلت عليه من الغد و هو يجود بنفسه و الحسين (عليه السلام) عند رأسه فقال يا أخي لمن تتهم قال لم لتقتله قال نعم قال إن يكن الذي أظن فالله أشد بأسا و أشد تنكيلا و إلا يكن فلا أحب أن يقتل بي بري‏ء .

ثم قضى (عليه السلام) لخمس خلون من ربيع الأول سنة تسع و أربعين من الهجرة و قيل خمسين و صلى عليه سعيد بن العاص فإنه كان يومئذ واليا على المدينة و دفن بالبقيع و كان تحته إذ ذاك جعدة بنت الأعمش بن قيس الكندي فذكر أنها سمته و الله أعلم بحقيقة ذلك.

و كان بانقضاء الشهور التي ولي فيها (عليه السلام) انقضاء خلافة النبوة فإن بها كان استكمال ثلاثين سنة و هي التي ذكرها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما نقل عنه الخلافة بعدي ثلاثون ثم تصير ملكا أو كما قال صلوات الله عليه و آله و سلامه انتهى كلامه .

قال المفيد رحمه الله : لما أراد معاوية أخذ البيعة ليزيد دس إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس و كانت زوجة الحسن بن علي (عليه السلام) من حملها على سمه

[585]

و ضمن لها أن يزوجها بابنه يزيد فأرسل إليها مائة ألف درهم فسقته جعدة السم و بقي (عليه السلام) أربعين يوما مريضا و مضى لسبيله في صفر سنة خمسين من الهجرة و له يومئذ ثمان و أربعون سنة و تولى أخوه و وصيه الحسين (عليه السلام) غسله و تكفينه و دفنه عند جدته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ع بالبقيع .

الأخبار التي جاءت بوفاته (عليه السلام)

فمن الأخبار التي جاءت بوفاته (عليه السلام) ما ذكرناه من دس معاوية إلى جعدة فسمته فسوغها المال و لم يزوجها من يزيد فخلف عليها رجل من آل طلحة فأولدها فكان إذا وقع بينهم و بين بطون قريش كلام عيروهم فقالوا يا بني مسمة الأزواج .

و روي مرفوعا إلى ابن إسحاق قال : كنت مع الحسن و الحسين (عليهما السلام) في الدار فدخل الحسن (عليه السلام) المخرج ثم خرج فقال لقد سقيت السم مرارا فما سقيته مثل هذه المرة و لقد لفظت قطعة من كبدي فجعلت أقلبها بعود كان معي فقال له الحسين (عليه السلام) من سقاك فقال و ما تريد منه أن يكون هو فالله أشد نقمة و إن لم يكن هو فما أحب أن يؤخذ بي بري‏ء .

و روى عبد الله بن إبراهيم عن زياد بن المخارقي قال : لما حضرت الحسن ع الوفاة استدعى الحسين بن علي (عليه السلام) فقال له يا أخي إني مفارقك و لاحق بربي عز و جل و قد سقيت السم و رميت بكبدي في الطست و إني لعارف بمن سقاني السم و من أين دهيت و أنا أخاصمه إلى الله عز و جل فبحقي عليك إن تكلمت في ذلك بشي‏ء فإذا قضيت نحبي فغمضني و غسلني و كفني و احملني على سريري إلى قبر جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأجدد به عهدا ثم ردني إلى قبر جدتي فاطمة رحمة الله عليها فادفني هناك و ستعلم يا ابن أم أن القوم يظنون أنكم تريدون دفني عند جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيجلبون في منعكم من ذلك و بالله أقسم عليك أن تهريق في أمري محجمة دم .

ثم وصى إليه (عليه السلام) بأهله و ولده و تركاته و ما كان وصى به إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) حين استخلفه و أهله لمقامه و دل شيعته على استخلافه و

[586]

نصبه لهم علما من بعده فلما مضى (عليه السلام) لسبيله غسله الحسين (عليه السلام) و كفنه و حمله على سريره فلم يشك مروان و من معه من بني أمية أنهم سيدفنون عند جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) فتجمعوا له و لبسوا السلاح فلما توجه الحسين به إلى قبر جده (صلى الله عليه وآله وسلم) ليجدد به عهدا أقبلوا إليهم في جمعهم و لحقتهم عائشة على بغل و هي تقول ما لي و لكم تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أحب و جعل مروان يقول يا رب هيجاء هي خير من دعة أ يدفن عثمان في أقصى المدينة و يدفن الحسن مع النبي لا يكون ذلك أبدا و أنا أحمل السيف و كادت الفتنة تقع بين بني هاشم و بني أمية.

فبادر ابن عباس إلى مروان فقال له ارجع يا مروان من حيث جئت فإنا ما نريد دفن صاحبنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لكنا نريد أن نجدد به عهدا و بزيارته ثم نرده إلى جدته فاطمة رحمة الله عليها فندفنه بوصيته عندها و لو كان وصى بدفنه مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلمت أنك أقصر باعا من ردنا عن ذلك و لكنه كان أعلم بالله و برسوله و بحرمة قبره من أن يطرق عليه هدما كما طرق ذلك غيره و دخل بيته بغير إذنه ثم أقبل على عائشة و قال وا سوأتاه يوما على بغل و يوما على جمل تريدين أن تطفئي نور الله و تقاتلي أولياء الله ارجعي فقد كفيت الذي تخافين و بلغت ما تحبين و الله تعالى منتصر لأهل هذا البيت و لو بعد حين .

و قال الحسين (عليه السلام) : و الله لو لا عهد الحسن إلي بحقن الدماء و أن لا أهريق في أمره محجمة دم لعلمتم كيف تأخذ سيوف الله منكم مأخذها و قد نقضتم العهد بيننا و بينكم و أبطلتم ما اشترطنا عليكم لأنفسنا .

و مضوا بالحسن (عليه السلام) فدفنوه بالبقيع عند جدته فاطمة بنت أسد بن هاشم رضي الله عنها.

قلت في هذا الفصل موضعان يجب أن تحقق فإنه قد تقدم أن سعيد بن العاص صلى على الحسن لأنه كان واليا يومئذ على المدينة و في هذا الموضوع ذكر أن مروان خرج ليمنع من دفنه فلعله لم يكن أميرا ليكون جمعا بين الأمرين.

و الموضع الثاني أني نقلت أن عبد الله بن عباس رضي الله عنه كان بدمشق

[587]

و أخبره معاوية بموت الحسن (عليه السلام) و جرى بينهما كلام أغلظ له فيه ابن عباس و قال له أصبحت سيد قومك قال أما و الحسين بن علي حي فلا و قد أورد هاهنا أنه حدث مروان و عائشة و قال لهما ما ذكرناه فيجب أن تحقق و لا يجوز أن يكون القائل غير عبد الله فإن ابن عباس إذا أورد هكذا لم يرد به إلا عبد الله .

و روى الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي رحمه الله قال : لما حضرت الحسن الوفاة جعل يسترجع فأكب عليه ابنه عبد الله فقال يا أبة هل رأيت شيئا فقد غممتنا فقال أي بني هي و الله نفسي التي لم أصب بمثلها .

و قال : إنه لما نزل بالحسن بن علي (عليه السلام) الموت فقال أخرجوا فراشي إلى صحن الدار فأخرج فقال اللهم إني أحتسب نفسي عندك فإني لم أصب بمثلها .

و روي : أنه قال لما حضرت الحسن بن علي (عليه السلام) الوفاة كأنه جزع عند الموت فقال له الحسين (عليه السلام) كأنه يعزيه يا أخي ما هذا الجزع إنك ترد على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و علي (عليه السلام) و هما أبواك و على خديجة و فاطمة و هما أماك و على القاسم و الطاهر و هما خالاك و على حمزة و جعفر و هما عماك فقال له الحسن (عليه السلام) أي أخي إني أدخل في أمر من أمر الله لم أدخل في مثله و أرى خلقا من خلق الله لم أر مثله قط قال فبكى الحسين (عليه السلام) .

قلت : مناقب الحسن (عليه السلام) و مزاياه و صفات شرفه و سجاياه و ما اجتمع فيه من الفضائل و خص به من المآثر التي فاق بها على الأواخر و الأوائل لا يقوم بإثباتها البنان و لا ينهض بذكرها اللسان لأنه أرفع مكانة و محلا و أوفى شرفا و نبلا و أزكى فرعا و أعلى أصلا من أن يقوم مثلي مع قصور ذرعه و جمود طبعه بما يجب من عد مفاخره و تخليد مآثره و لكنه (صلى الله عليه وآله وسلم) من أهل بيت الكرم و الجود و ناشري رمم السماح في الوجود و لذلك يقبل اليسير و يجازي بالكثير و قد قلت في مدحه معتذرا من التقصير :

أيا ابن الأكرمين أقل عثاري *** فتقصيري على الحالات باد

[588]

و كيف أطيق أن أحصي مزايا *** خصصت بهن من بين العباد

لك الشرف الذي فاق البرايا *** و جل علا على السبع الشداد

سبقت إلى المفاخر و السجايا *** الكريمة و الندى سبق الجواد

و جود يديك يقصر عن مداه *** إذا عد الندى صوب الغواد

و بيتك في العلى سام رحيب *** بعيد الذكر مرتفع العماد

أبوك شأى الورى شرفا و مجدا *** فأمسى في العلى واري الزناد

و جدك أكرم الثقلين طرا *** أقر بفضله حتى الأعادي

‏إلى الحسن بن فاطمة أثيرت *** بحق أينق المدح الجياد

تؤم أبا محمد المرجى *** حماد لها و من أمت حماد

أقر الحاسدون له بفضل *** عوارفه قلائد في الهواد

بكم نال الهداية ذو ضلال *** و أنتم ناهجو سبل الرشاد

و أنتم عصمة الراجي و غوث *** يفوق الغيث في السنة الجماد

محضتكم المودة غير وان *** و أرجو الأجر في صدق الوداد

و كم عاندت فيكم من عدو *** و فيكم لا أخاف من العناد

و من يك ذا مراد في أمور *** فإن ولاءكم أقصى مرادي

‏أرجيكم لآخرتي و أبغي *** بكم نيل المطالب في معادي‏

و ما قدمت من زاد سواكم *** و نعم الزاد يوم البعث زادي

[1]

next page

fehrest page

back page