فذكر الله فاران مع طور سيناء و ساعير التي جاء منها بأنبيائه و مجيء الله إتيان دينه و أحكامه فلقد ظهر دين الله من مكة و هي فاران فأتم الله تعالى هذه المواعد لإبراهيم (عليه السلام) بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فظهر دين الله في مكة بالحج إليها و استعلن ذكره بصراخ أصحابه بالتلبية على رءوس الجبال و بطون الأودية و لم يكن موجودا إلا بمجيء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و غيره من ولد إسماعيل عباد أصنام فلم يظهر الله بهم تبجيله .
و يدل على تأويلنا ما قال في كتاب حيقوق : سيد يجيء من اليمن مقدس من جبل فاران يعطي السماء بهاء و يملأ الأرض نورا و يسير الموت بين يديه و ينقر الطير بموضع قدميه .
و قال في كتاب حزقيل النبي لبني إسرائيل : إني مؤيد بني قيدار بالملائكة و قيدار جد العرب ابن إسماعيل لصلبه و اجعل الدين تحت أقدامهم فيدينونكم بدينهم و يهمشون أنفسكم بالحمية و الغضب و لا ترفعون أبصاركم و لا تنظرون
[75]
إليهم و جميع رضاي يصنعونه بكم .
و إن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) أخرج إليهم من أطاعه من بني قيدار فيقتل مقاتليهم و أيدهم الله بالملائكة في بدر و الخندق و خيبر .
و قال في التوراة في السفر الخامس : إني أقيم لبني إسرائيل نبيا من إخوتهم مثلك و أجعل كلامي على فمه .
و إخوة بني إسرائيل ولد إسماعيل و لم يكن في بني إسماعيل نبي مثل موسى و لا أتى بكتاب ككتاب موسى غير نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) .
و من قول حيقوق النبي و من قول دانيال : جاء به الله من اليمن و التقديس من جبال فاران فامتلأت الأرض من تحميد أحمد و تقديسه و ملك الأرض بهيبته .
و قال أيضا : يضيء لنوره الأرض و تحمل خيله في البر و البحر .
و قال أيضا ستنزع في قبيلك أغراقا و ترتوي السهام بأمرك يا محمد ارتواء و هذا إيضاح باسمه و صفاته .
و في كتاب شعيا النبي : عبدي خيرتي من خلقي رضي نفسي أفيض عليه روحي أو قال أنزل فيظهر في الأمم عدلي لا يسمع صوته في الأسواق يفتح العيون العور و يسمع الآذان الصم و لا يميل إلى اللهو ركن المتواضعين و هو نور الله الذي لا يطفأ حتى تثبت في الأرض حجتي و ينقطع به العذر .
و قال في الفصل الخامس : أثر سلطانه على كتفه يعني علامة النبوة و كان على كتفه خاتم النبوة .
[76]
و أعلامه في الزبور :
قال داود (عليه السلام) في الزبور : سبحوا الرب تسبيحا حديثا و ليفرح إسرائيل بخالقه و نبوة صهيون من أجل أن الله اصطفى له أمته و أعطاه النصر و سدد الصالحين منهم بالكرامة يسبحونه على مضاجعهم و بأيديهم سيوف ذات شفرتين لينتقم الله تعالى من الأمم الذين لا يعبدونه
و في مزمور آخر من الزبور : تقلد أيها الخيار السيف فإن ناموسك و شرائعك مقرونة بهيبة يمينك و سهامك مسنونة و الأمم يجرون تحتك .
و في مزمور آخر : إن الله أظهر من صهيون إكليلا محمودا .
ضرب الإكليل مثلا للرئاسة و الإمامة و محمود هو محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) .
و ذكر أيضا في صفته : و يجوز من البحر إلى البحر من لدن الأنهار إلى مقطع الأرض و إنه ليجر أهل الخزائن بين يديه تأتيه ملوك الفرس و تسجد له و تدين له الأمم بالطاعة ينقذ الضعيف و يرق بالمساكين .
و في مزمور آخر : اللهم ابعث جاعل السنة كي يعلم الناس أنه بشر .
هذا إخبار عن محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يخبر الناس عن أن المسيح بشر .
و في كتاب شعيا النبي : قيل لي قم نظارا فانظر ما ذا ترى فخبر به فقلت أرى راكبين مقبلين أحدهما على حمار و الآخر على جمل يقول أحدهما لصاحبه سقطت بابل و أصنامها .
فكل أهل الكتاب يؤمن بهذه الكتب و تنفرد النصارى بالإنجيل .
و أعلامه في الإنجيل :
قال المسيح للحواريين : أنا أذهب و سيأتيكم الفارقليط روح الحق الذي لا يتكلم من قبل نفسه إنما هو كما يقال له و يشهد علي و أنتم تشهدون لأنكم معه من قبل الناس و كل شيء أعده الله لكم يخبركم به .
[77]
و في حكاية يوحنا عن المسيح قال : الفارقليط لا يجيئكم ما لم أذهب فإذا جاء وبخ العالم على الخطيئة و لا يقول من تلقاء نفسه و لكنه يكلمكم مما يسمع و سيؤتيكم بالحق و يخبركم بالحوادث و الغيوب .
و قال في حكاية أخرى : الفارقليط روح الحق الذي يرسله باسمي هو يعلمكم كل شيء .
و قال : إني سائل ربي أن يبعث إليكم فارقليط آخر يكون معكم إلى الأبد و هو يعلمكم كل شيء .
و قال في حكاية أخرى : ابن البشر ذاهب و الفارقليط يأتي بعده يحيي لكم الأسرار و يفسر لكم كل شيء و هو يشهد لي كما شهدت له فإني أجيئكم بالأمثال و هو يجيئكم بالتأويل .
و من أعلامه في الإنجيل :
أنه لما حبس يحيى بن زكريا ليقتل بعث بتلاميذه إلى المسيح و قال لهم قولوا أنت هو الآتي أو نتوقع غيرك .
فأجابه المسيح و قال الحق اليقين أقول لكم إنه لم تقم النساء عن أفضل من يحيى بن زكريا و إن التوراة و كتب الأنبياء يتلو بعضها بعضا بالنبوة و الوحي حتى جاء يحيى فأما الآن فإن شئتم فاقبلوا أن الإليا متوقع على أن يأتي فمن كانت له أذنان سامعتان فليسمع .
روي : أنه كان فيه إن أحمد متوقع فغيروا الاسم و جعلوه إليا كقوله يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ و إليا هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) .
[78]
و قيل : إنما ذكر إليا لأن عليا (عليه السلام) كان قدام محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في كل حرب و في كل حال حتى تقوم القيامة فإنه صاحب رايته .
و اسم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عندهم بالسريانية مشفحا و مشفح هو محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالعربية و إنهم يقولون شفح لالاها إذا أرادوا أن يقولوا الحمد لله و إذا كان الشفح الحمد فمشفح محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) .
و في كتاب شعيا في ذكر الحج : ستمتلئ البادية فتصفر لهم من أقاصي الأرض فإذا هم سراع يأتون يبثون تسبيحه في البحر و البر يأتون من المشرق كالصعيد كثرة .
و قال شعيا : قال الرب ها أنا ذا مؤسس بصهيون من بيت الله حجرا و في رواية مكرمة فمن كان مؤمنا فلا يستعجلنا .
و قال دانيال في الرؤيا التي رآها بختنصر ملك بابل و عبرها : أيها الملك رأيت رؤيا هائلة رأيت صنما بارع الجمال قائما بين يديك رأسه من الذهب و ساعده من الفضة و بطنه و فخذه نحاس و ساقاه حديد و بعض رجليه خزف و رأيت حجرا صك رجلي ذلك الصنم فدقهما دقا شديدا فتفتت ذلك الصنم كله حديده و نحاسه و فضته و ذهبه و صار رفاتا كدقاق البيدر و عصفته الريح فلم يوجد له أثر و صار ذلك الحجر الذي دق الصنم جبلا عاليا امتلأت منه الأرض كلها فهذه رؤياك قال نعم .
ثم عبرها له فقال إن الرأس الذي رأيته من الذهب مملكتك فتقوم بعدك مملكة أخرى دونك و المملكة الثالثة التي تشبه النحاس تتسلط على الأرض كلها و المملكة الرابعة قوتها قوة الحديد كما أن الحديد يدق كل شيء .
و أما الرجل الذي كان بعضها من حديد و بعضها من خزف فإن بعض تلك
[79]
المملكة يكون عزا و بعضها يكون ذلا و تكون كلمة أهل المملكة متشتتة و يقيم إله السماء في تلك الأيام ملكا عظيما دائما أبديا لا يتغير و لا يتبدل و لا يزول و لا يدع لغيره من الأمم سلطانا و يقوم هو دهر الداهرين .
فتأويل الرؤيا مبعث محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) تمزقت الجنود لنبوته و لم تنتقض مملكة فارس لأحد قبله و كان ملكها أعز ملوك الأرض و أشدها شوكة و كان أول ما بدأ فيه انتقاص قتل شيرويه بن أبرويز أباه ثم ظهر الطاعون في مملكته و هلك فيه ثم هلك ابنه أردشير ثم ملك رجل لم يكن من أهل بيت الملك فقتلته بوران بنت كسرى ثم ملك بعده رجل يقال له كسرى بن قباد ولد بأرض الترك ثم ملكت بوران بنت كسرى .
فبلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مملكتها
فقال لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة
ثم ملكت ابنة أخرى لكسرى فسمت و ماتت ثم ملك رجل ثم قتل .
فلما رأى أهل فارس ما هم فيه من الانتشار أمر ابن لكسرى يقال له يزدجرد فملكوه عليهم فأقام بالمدائن على الانتشار ثماني سنين و بعث إلى الصين بأمواله و خلف أخا بالمدائن لرستم فأتى لقتال المسلمين و نزل بالقادسية و قتل بها فبلغ ذلك يزدجرد فهرب إلى سجستان فقتل هناك .
و قال في التوراة : أحمد عبدي المختار لا فظ و لا غليظ و لا صخاب في الأسواق و لا يجزئ بالسيئة السيئة و لكن يعفو و يغفر مولده بمكة و هجرته طيبة و ملكه بالشام و أمته الحامدون يحمدون الله على كل نجد و يسبحونه في كل منزل و يقومون
[80]
على أطرافهم و هم رعاة الشمس مؤذنهم في جو السماء صفهم في الصلاة و صفهم في القتال سواء رهبان بالليل أسد بالنهار لهم دوي كدوي النحل يصلون الصلاة حيثما أدركتهم
أراد أن اليهود كانت لا تقبل صلاتهم إلا في كنائسهم فوسع الله على هذه الأمة أن يصلوا حيثما أدركتهم الصلاة .
و مما أوحى الله إلى آدم : أنا الله ذو بكة أهلها جيرتي و زوارها وفدي و أضيافي أعمره بأهل السماء و أهل الأرض يأتونه أفواجا شعثا غبرا يعجون بالتكبير و التلبية فمن اعتمره لا يريد غيره فقد زارني و هو وفد لي و نزل بي و حق لي أن أتحفه بكراماتي أجعل ذلك البيت و ذكره و شرفه و مجده و سناه لنبي من ولدك يقال له إبراهيم أبني له قواعده و أجري على يديه عمارته و أنبط له سقايته و أريه حله و حرمه أعلمه مشاعره ثم تعمره الأمم و القرون حتى ينتهي إلى نبي من ولدك يقال له محمد و هو خاتم النبيين فأجعله من سكانه و ولاته
و من أعلامه اسمه لأن الله حفظ اسمه حتى لم يسم باسمه أحد قبله صيانة من الله لاسمه و منع منه كما فعل بيحيى بن زكريا لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا .
و كما فعل بإبراهيم و إسحاق و يعقوب و صالح و أنبياء كثيرة منع من تسمياتهم قبل مبعثهم ليعرفوا به إذا جاءوا و يكون ذلك أحد أعلامهم .
و عن سراقة بن جعشم قال : خرجت رابع أربعة فلما قدمنا الشام نزلنا على غدير فيه شجرات و قربه قائم لديراني فأشرف علينا قال من أنتم قلنا قوم من مضر قال من أي المضرين قلنا من خندف قال أما إنه سيبعث فيكم
[81]
وشيكا نبي اسمه محمد فلما صرنا عند أهلها ولد لكل رجل منا غلام فسماه محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) و هذا أيضا من أعلامه .
و منها : أن تبع بن حسان سار إلى يثرب و قتل من اليهود ثلاثمائة و خمسين رجلا صبرا و أراد إخرابها فقام إليه رجل من اليهود له مائتان و خمسون سنة فقال أيها الملك مثلك لا يقبل قول الزور و لا يقتل على الغضب و أنك لا تستطيع أن تخرب هذه القرية قال و لم .
قال لأنه يخرج منها من ولد إسماعيل نبي يظهر من هذه البنية يعني البيت الحرام فكف تبع و مضى يريد مكة و معه اليهود و كسا البيت و أطعم الناس و هو القائل :
شهدت على أحمد أنه *** رسول من الله بارئ النسم
فلو مد عمري إلى عمره *** لكنت وزيرا له و ابن عم
و يقال هو تبع الأصغر و قيل الأوسط .
و منها : أنه لما ولد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قدمت حليمة بنت أبي ذؤيب في نسوة من بني سعد بن بكر تلتمس الرضعاء بمكة قالت فخرجت معهن على أتان و معي زوجي و معنا شارف لنا ما تبض بقطرة من لبن و معي ولد ما يجد في ثديي ما نعلله به و ما ننام ليلنا جوعا فلما قدمنا مكة لم تبق منا امرأة إلا عرض
[82]
عليها محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فكرهناه و قلنا يتيم و إنما يكرم الظئر الوالد فكل صواحبي أخذن رضيعا و لم آخذ شيئا .
فلما لم أجد غيره رجعت إليه فأخذته فأتيت به الرحل فأمسيت و أقبل ثدياي باللبن حتى أرويته و أرويت ولدي أيضا و قام زوجي إلى شارفنا تلك يلمسها بيده فإذا هي حافل فحلبها فأرواني في لبنها و روى الغلمان فقال يا حليمة لقد أصبنا نسمة مباركة فبتنا بخير و رجعنا .
فركبت أتاني ثم حملت محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) معي فو الذي نفس حليمة بيده لقد طفت بالركب حتى أن النسوة يقلن يا حليمة أمسكي علينا أ هذه أتانك التي خرجت عليها قلت نعم قلن ما شأنها قلت حملت غلاما مباركا و يزيدنا الله كل يوم و ليلة خيرا حتى و البلاد قحط و الرعاة يسرحون ثم يريحون فتروح أغنام بني سعد جياعا و تروح غنمي شباعا بطانا حفلا فنحلب و نشرب
[83]
فصل من روايات الخاصة :
فمن معجزاته أن الصادق (عليه السلام) قال نشأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجر أبي طالب حتى إذا بلغ قريبا من العشرين سنة قال يا عم إني أرى في المنام رجلا يأتيني و معه آخر فيقولان هو هو فإذا بلغ فشأنك به و الرجل لا يتكلم ثم قال يا عم إني قد رأيت الرجل الذي كنت أراه في المنام قد ظهر لي فانطلق به أبو طالب إلى عالم كان بوادي مكة يتطبب فصوب الرجل فيه بصره و صعد و أخبره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بما يرى فقال الطبيب يا ابن عبد مناف إن لابن أخيك شأنا إنما هذا الذي يجد ابن أخيك الناموس الأكبر الذي يجده الأنبياء .
و منها : أن أبا عبد الله (عليه السلام) قال لما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أربعين سنة قال سمعت صوتا من السماء يا محمد أنت رسول الله و أنا جبرئيل و لما تراءى له جبرئيل بأعلى الوادي و عليه جبة سندس أخرج له درنوكا من درانيك الجنة و أجلسه عليه و أخبره أنه رسول الله و أمره بما أراد ثم قال أنا جبرئيل و قام فلحق محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالغنم و كان يرعى غنم عمه أبي طالب قال فما من شجرة و لا مدرة إلا سلمت علي و هنأتني .
و منها : أن جبرئيل أتاه و هو بأعلى مكة فغمز بعقبه في ناحية الوادي فانفجرت عين فتوضأ ليريه كيف وضوء الصلاة ثم تطهر رسول الله ثم صلى جبرئيل
[84]
و صلى رسول الله و إنها الظهر فهي أول صلاة افترضت فرجع رسول الله إلى خديجة فأخبرها فتوضأت و صلت .
و منها : أن أبا جعفر (عليه السلام) قال إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أسري به نزل جبرئيل (عليه السلام) بالبراق و هو أصغر من البغل و أكبر من الحمار مضطرب الأذنين عيناه في حوافره خطاه مد بصره له جناحان يحفزانه من خلفه عليه سرج من ياقوت فيه من كل لون أهدب العرف الأيمن فوقفه على باب خديجة و دخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فمرح البراق فخرج إليه جبرئيل (عليه السلام) فقال اسكن فإنما يركبك خير البشر أحب خلق الله إليه فسكن ثم خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فركب ليلا و توجه نحو بيت المقدس فاستقبل شيخا فقال جبرئيل (عليه السلام) هذا أبوك إبراهيم فثنى رجله و هم بالنزول فقال جبرئيل (عليه السلام) كما أنت فجمع من شاء الله من أنبيائه ببيت المقدس فأذن جبرئيل فتقدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فصلى بهم ثم قال أبو جعفر (عليه السلام) في قوله فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ هؤلاء الأنبياء الذين جمعوا لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ قال فلم يشك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و لم يسأل .
و في رواية أخرى : أن البراق لم يكد يسكن لركوب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا
[85]
بعد شرطه أن يكون مركوبه يوم القيامة .
و منها : أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لما رجع من المسرى نزل على أم هاني بنت أبي طالب فأخبرها فقالت بأبي أنت و أمي و الله لئن أخبرت الناس بهذا ليكذبنك من صدقك و كان أبو طالب قد فقده تلك الليلة فجعل يطلبه و جمع بني هاشم ثم أعطاهم المدى و قال لهم إذا رأيتموني قد دخلت و ليس معي محمد فليضرب كل رجل منكم جليسه و الله لا نعيش نحن و لا هم و قد قتلوا محمدا .
فخرج في طلبه و هو يقول يا لها عظيمة إن لم يواف رسول الله مع الفجر فتلقاه على باب أم هاني حين نزل من البراق فقال يا ابن أخي انطلق فادخل بين يدي المسجد .
و سل سيفه عند الحجر و قال يا بني هاشم أخرجوا مداكم .
فقال لو لم أره ما بقي منكم شفر أو عشنا فاتقته قريش منذ يوم أن يغتالوه .
ثم حدثهم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا صف لنا بيت المقدس قال إنما دخلته ليلا فأتاه جبرئيل فقال انظر إلى هناك فنظر إلى البيت فوصفه و هو ينظر إليه ثم نعت لهم ما كان لهم من عير ما بينهم و بين الشام .
و منها : أن قريشا كلهم اجتمعوا و أخرجوا بني هاشم إلى شعب أبي طالب و مكثوا فيه ثلاث سنين إلا شهرا و أنفق أبو طالب و خديجة جميع مالهما و لا يقدرون على الطعام إلا من موسم إلى موسم فلقوا من الجوع و العري ما الله أعلم به .
و أن الله بعث على صحيفتهم الأرضة فأكلت كل ما فيها إلا اسم الله .
فذكر ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي طالب فما راع قريشا إلا و بنو هاشم عنقا واحدا قد خرجوا من الشعب .
[86]
فقال قريش الجوع أخرجهم فجاءوا حتى أتوا الحجر و جلسوا فيه و كان لا يقعد فيه إلا فتيان قريش فقالوا يا أبا طالب قد آن لك أن تصالح قومك .
قال قد جئتكم بخبر ابعثوا إلى صحيفتكم لعله أن يكون بيننا و بينكم صلح قال فبعثوا إليها و هي عند أم أبي جهل و كانت قبل في الكعبة فخافوا عليها السرق فوضعت بين أيديهم و خواتيمهم عليها .
فقال أبو طالب هل تنكرون منها شيئا قالوا لا قال إن ابن أخي حدثني و لم يكذبني قط أن الله قد بعث على هذه الصحيفة الأرضة فأكلت كل قطيعة و إثم و تركت كل اسم هو لله فإن كان صادقا أقلعتم عن ظلمنا و إن يكن كاذبا ندفعه إليكم فقتلتموه فصاح الناس نعم يا أبا طالب ففتحت ثم أخرجت فإذا هي مشربة كما قال (صلى الله عليه وآله وسلم) فكبر المسلمون و انتقعت وجوه المشركين .
فقال أبو طالب أ تبين لكم أينا أولى بالسحر و الكهانة .
فأسلم يومئذ عالم من الناس ثم رجع أبو طالب إلى شعبه ثم عيرهم هشام بن عمرو العامري بما صنعوا ببني هاشم .
[87]
و منها : أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يصلي مقابل الحجر الأسود و يستقبل الكعبة و يستقبل بيت المقدس فلا يرى حتى يفرغ من صلاته و كان يستتر بقوله تعالى وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً و بقوله أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ .
و بقوله وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً .
و بقوله أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً .
و منها : أن رجلا أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال إني خرجت و امرأتي حائض و رجعت و هي حبلى فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) من تتهم قال فلانا و فلانا قال ائت بهما فجاء بهما فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) إن يكن من هذا فسيخرج قططا كذا و كذا فخرج كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
و منها : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث إلى يهودي يسأله قرض شيء له ففعل ثم جاء اليهودي إليه فقال جاءتك حاجتك قال نعم ثم قال فابعث فيما أردت و لا تمتنع من شيء تريده فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أدام الله جمالك فعاش اليهودي ثمانين سنة ما رئي في رأسه طاقة شعر بيضاء .
[88]
و منها أن أبا عبد الله (عليه السلام) قال : إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يسير في بعض مسيره فقال لأصحابه يطلع عليكم من بعض هذه الفجاج شخص ليس له عهد بأنيس منذ ثلاثة أيام فما لبثوا أن أقبل أعرابي قد يبس جلده على عظمه و غارت عيناه في رأسه و اخضرت شفتاه من أكل البقل فسأل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أول الرفاق حتى لقيه فقال له أعرض علي الإسلام فقال قل أشهد أن لا إله إلا الله و أني محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال أقررت قال (صلى الله عليه وآله وسلم) تصلي الصلوات الخمس و تصوم شهر رمضان قال أقررت قال (صلى الله عليه وآله وسلم) تحج البيت الحرام و تؤدي الزكاة و تغتسل من الجنابة قال أقررت فتخلف بعير الأعرابي و وقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فسأل عنه فرجع الناس في طلبه فوجدوه في آخر العسكر قد سقط خف بعيره في حفرة من حفر الجرذان فسقط فاندق عنق الأعرابي و عنق البعير و هما ميتان فأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فضربت خيمة فغسل فيه ثم دخل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فكفنه فسمعوا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حركة فخرج و جبينه يترشح عرقا و قال إن هذا الأعرابي مات و هو جائع و هو ممن آمن و لم يلبس إيمانه بظلم فابتدرته الحور العين بثمار الجنة يحشون بها شدقه هذه تقول يا رسول الله اجعلني في أزواجه و هذه تقول يا رسول الله اجعلني في أزواجه .
و منها : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يخرج في الليلة ثلاث مرات إلى المسجد فخرج في آخر ليلة و كان يبيت عند المنبر مساكين فدعا بجارية تقوم على نسائه فقال
[89]
ائتيني بما عندكم فأتته ببرمة ليس فيها إلا شيء يسير فوضعها .
ثم أيقظ عشرة و قال كلوا باسم الله فأكلوا حتى شبعوا ثم أيقظ عشرة فقال كلوا باسم الله فأكلوا حتى شبعوا ثم هكذا و بقي في القدر بقية فقال اذهبي بهذا إليهم . و منها : أن رجلا جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ما طعمت طعاما منذ يومين فقال عليك بالسوق فلما كان من الغد أتاه فقال يا رسول الله أتيت السوق أمس فلم أصب شيئا فبت بغير عشاء قال فعليك بالسوق فأتى بعد ذلك أيضا فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) عليك بالسوق فانطلق إليها فإذا عير قد جاءت و عليها متاع فباعوه بفضل دينار فأخذه الرجل و جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال ما أصبت شيئا قال هل أصبت من عير آل فلان شيئا قال لا قال بلى ضرب لك فيها بسهم و خرجت منها بدينار قال نعم قال فما حملك على أن تكذب قال أشهد أنك صادق و دعاني إلى ذلك إرادة أن أعلم أ تعلم ما يعمل الناس و أن أزداد خيرا إلى خير فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صدقت من استغنى أغناه الله و من فتح على نفسه باب مسألة فتح الله عليه سبعين بابا من الفقر لا يسد أدناها شيء فما رئي سائل بعد ذلك اليوم ثم قال إن الصدقة لا تحل لغني و لا لذي مرة سوي