back page fehrest page next page

ففتح أحد منخريه فنظر فيه ثم نظر في الأخرى فقال أشهد أن في إحدى يديك الملك و في الأخرى النبوة و إنا نجده في بني زهرة فكيف ذلك قال قلت لا أدري .

قال هل من شاعة قلت ما الشاعة قال الزوجة قال فإذا رجعت فتزوج منهم .

فرجع إلى مكة فتزوج هالة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة .

[129]

و منها : أن عبد الله بن عبد المطلب لما ترعرع ركب يوما للصيد و قد نزل بالبطحاء قوم من اليهود قدموا ليهلكوا والد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ليطفئوا نور الله .

فنظروا إلى عبد الله فرأوا حلية أبوة النبوة فيه فقصدوه و كانوا ثمانين نفرا من اليهود بالسيوف و السكاكين .

و كان وهب بن عبد مناف بن زهرة والد آمنة أم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك الصوب يتصيد و قد رأى عبد الله و قد حف به اليهود ليقتلوه فقصد أن يدفعهم عنه فإذا بكثير من الملائكة معهم الأسلحة طردوا اليهود عنه .

و كان الله قد كشف عن بصر وهب فتعجب من ذلك و انصرف و دخل على عبد المطلب و قال أزوج ابنتي آمنة من عبد الله فعقد العقد فحملت فولدت رسول الله .

و منها : أن بعد مولد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بسنتين أتت أشراف العرب سيف بن ذي يزن الحميري لما ظهر على الحبشة وفد إليه قريش للتهنئة و فيهم عبد المطلب .

فقال أيها الملك سلفك خير سلف و أنت لنا منه خير خلف .

قال من أنت قال عبد المطلب بن هاشم قال ابن أختنا ثم أدناه .

قال إن من سر علمي أمرا لو يكون غيرك لم أبح له فيه فليكن عندك مطويا حتى يأذن الله .

إني أجد في الكتاب المكنون خيرا عظيما للناس عامة و لرهطك خاصة و هذا حينه الذي يولد فيه أو قد ولد اسمه محمد يموت أبوه و أمه يكفله جده ثم عمه و الله باعثه جهارا و جاعل له منا أنصارا .

يعبد الرحمن و يكسر الأوثان قوله فصل و حكمه عدل .

ثم قال إنك ستجده يا عبد المطلب .

فخر عبد المطلب ساجدا لله ثم قال كان لي ابن فزوجته كريمة من قومي فجاءت بغلام سميته محمدا .

[130]

قال احذر عليه اليهود و لو لا أني أعلم أن الموت مجتاحي لجعلت يثرب دار ملكي و هو موضع قبره و لو لا أني أقيه الآفات لأعلنت عليه .

ثم أمر لكل قرشي بنعمة عظيمة و لعبد المطلب بأضعافها عشر مرات و هم يغبطونه بها فقال لو علمتم بفخري و ذكري لغبطتم به .

و منها أن جبير بن مطعم قال : كنت آذى قريش لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما ظننت أنهم سيقتلونه خرجت حتى لحقت بدير فأقاموا لي الضيافة ثلاثا فلما رأوني لا أخرج قالوا إن لك لشأنا .

قلت إني من قرية إبراهيم و ابن عمي يزعم أنه نبي فآذاه قومه فأرادوا قتله فخرجت لئلا أشهد ذلك فأخرجوا إلي صورة .

قلت ما رأيت شيئا أشبه بشي‏ء من هذه الصورة بمحمد كأنه طوله و جسمه و بعد ما بين منكبيه .

قالوا لا يقتلونه و ليقتلن من يريد قتله و إنه لنبي و ليظهرنه الله .

فلما قدمت مكة إذ هو خرج إلى المدينة و سئلوا من أين لكم هذه الصورة قالوا إن آدم (عليه السلام) سأل ربه أن يريه الأنبياء من ولده فأنزل الله عليه صورهم و كان

[131]

في خزانة آدم عند مغرب الشمس فاستخرجها ذو القرنين من هناك فدفعها إلى دانيال .

و منها أن دحية الكلبي قال : بعثني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بكتاب إلى قيصر فأرسل إلى الأسقف فأخبره بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و كتابه .

فقال هذا النبي الذي كنا ننتظره بشرنا به عيسى ابن مريم .

فقال الأسقف أما أنا فمصدقه و متبعه .

فقال قيصر أما أنا إن فعلت ذلك ذهب ملكي .

ثم قال قيصر التمسوا لي من قومه هاهنا أحدا أسأله عنه .

و كان أبو سفيان و جماعة من قريش دخلوا الشام تجارا فأحضرهم قال ليدن مني أقربكم نسبا به .

فأتاه أبو سفيان فقال أنا سائل عن هذا الرجل الذي يقول إنه نبي .

ثم قال لأصحابه إن كذب فكذبوه .

قال أبو سفيان لو لا الحياء أن يأثر أصحابي عني الكذب لأخبرته بخلاف ما هو عليه .

فقال كيف نسبه فيكم قلت ذو نسب .

قال فهل قال هذا القول منكم أحد قلت لا .

قال فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل قلت لا .

قال فأشراف الناس اتبعوه أو ضعفاؤهم قلت ضعفاؤهم قال فهل يزيدون أو ينقصون قلت يزيدون قال يرتد أحد منهم سخطا لدينه قلت لا .

قال فهل يغدر قلت لا قال فهل قاتلكم قلت نعم قال فكيف

[132]

حربكم و حربه قلت ذو سجال مرة له و مرة عليه قال هذه آية النبوة .

قال فما يأمركم قلت يأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا و ينهانا عما كان يعبد آباؤنا و يأمرنا بالصلاة و الصوم و العفاف و الصدق و أداء الأمانة و الوفاء بالعهد .

قال هذه صفة نبي و قد كنت أعلم أنه يخرج و لم أظن أنه منكم فإنه يوشك أن يملك ما تحت قدمي هاتين .

و لو أرجو أن أخلص إليه لتجشمت لقياه و لو كنت عنده لغسلت قدميه .

و إن النصارى اجتمعوا على الأسقف ليقتلوه فقال اذهب إلى صاحبك فاقرأ عليه سلامي و أخبره أني أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و أن النصارى أنكروا ذلك علي ثم خرج إليهم فقتلوه .

و منها : أنه لما بعث محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنبوة بعث كسرى رسولا إلى باذان عامله في أرض العرب بلغني أنه خرج رجل قبلك يزعم أنه نبي فلتقل له فليكفف عن ذلك أو لأبعثن إليه من يقتله و يقتل قومه .

[133]

فبعث باذان إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك فقال لو كان شي‏ء قلته من قبلي لكففت عنه و لكن الله بعثني و ترك رسل باذان و هم خمسة عشر نفرا و لا يكلمهم خمسة عشر يوما ثم دعاهم فقال اذهبوا إلى صاحبكم فقولوا له إن ربي قتل ربه الليلة إن ربي قتل كسرى الليلة و لا كسرى بعد اليوم و قتل قيصر و لا قيصر بعد اليوم فكتبوا قوله فإذا هما قد ماتا في الوقت الذي حدثه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و منها حديث النجاشي روي عن ابن مسعود قال : بعثنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أرض النجاشي و نحن ثمانون رجلا و معنا جعفر بن أبي طالب و بعثت قريش خلفنا عمارة بن الوليد و عمرو بن العاص مع هدايا فأتوه بها فقبلها و سجدوا له فقالوا إن قوما منا رغبوا عن ديننا و هم في أرضك .

فبعث إلينا فقال لنا جعفر لا يتكلم أحد منكم أنا خطيبكم اليوم فانتهينا إلى النجاشي فقال عمرو و عمارة إنهم لا يسجدون لك فلما انتهينا إليه زبرنا الرهبان أن اسجدوا للملك فقال لهم جعفر لا نسجد إلا لله .

فقال النجاشي و ما ذاك قال إن الله بعث فينا رسوله و هو الذي بشر به عيسى اسمه أحمد فأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئا و أن نقيم الصلاة و نؤتي الزكاة و أمرنا بالمعروف و نهانا عن المنكر فأعجب النجاشي قوله .

فلما رأى ذلك عمرو قال أصلح الله الملك إنهم يخالفونك في ابن مريم فقال النجاشي لجعفر ما يقول صاحبك في ابن مريم قال يقول فيه قول الله هو روح الله و كلمته أخرجه من العذراء البتول التي لم يقربها بشر .

[134]

فتناول النجاشي عودا من الأرض فقال يا معشر القسيسين و الرهبان ما يزيد هؤلاء على ما تقولون في ابن مريم ما يزن هذا .

ثم قال النجاشي لجعفر أ تقرأ شيئا مما جاء به محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قال نعم .

قال اقرأ و أمر الرهبان أن ينظروا في كتبهم فقرا جعفر كهيعص إلى آخر قصة عيسى (عليه السلام) و كانوا يبكون .

ثم قال النجاشي مرحبا بكم و بمن جئتم من عنده فأنا أشهد أنه رسول الله و أنه الذي بشر به عيسى ابن مريم و لو لا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أحمل نعليه اذهبوا أنتم سيوم أي آمنون و أمر لنا بطعام و كسوة و قال ردوا على هذين هديتهما .

و كان عمرو قصيرا و عمارة جميلا و شربا في البحر الخمر فقال عمارة لعمرو قل لامرأتك و كانت معه تقبلني .

فلم يفعل عمرو فأخذه عمارة فرمى به في البحر فناشده حتى خلاه فحقد عليه عمرو فقال للنجاشي إذا خرجت خلف عمارة في أهلك فنفخ في إحليله الزئبق فطار مع الوحش .

و منها : لما قدم وفد نجران عليه فدعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) العاقب و الطيب

[135]

رئيسهم إلى الإسلام فقالا أسلمنا قبلك .

فقال كذبتما يمنعكما من ذلك حب الصليب و شرب الخمر .

فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه على أن يغادياه .

فغدا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد أخذ بيد علي و الحسن و الحسين و فاطمة (عليها السلام) فقالا أتى بخواصه واثقا بديانتهم فأبوا الملاعنة .

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لو فعلا لأضرم الوادي نارا .

و منها : أن زيد بن عمرو بن نفيل و ورقة بن نوفل خرجا يلتمسان الدين حتى انتهيا إلى راهب بالموصل .

فقال لزيد من أين أقبلت يا صاحب البعير قال من بيت إبراهيم قال و ما تلتمس قال الدين .

[136]

قال ارجع فإنه يوشك أن يظهر الدين الذي تطلب في أرضك .

فرجع يريد مكة حتى إذا كان بأرض لخم عدوا عليه فقتلوه و كان يقول أنا على دين إبراهيم (عليه السلام) و أنا ساجد على نحو البنية التي بناها إبراهيم (عليه السلام) و كان يقول إنا ننتظر نبيا من ولد إسماعيل من بني عبد المطلب .

و منها حديث كعب بن ماتع : بينا هو في مجلس و رجل من القوم معهم يحدث أصحابه يقول رأيت في النوم أن الناس حشروا و أن الأمم تمر كل أمة مع نبيها و مع كل نبي نوران يمشي بينهما و مع كل من اتبعه نور يمشي به حتى مر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمته فإذا ليس معه شعرة إلا و فيها نوران من رأسه و جلده و لا من اتبعه من أمته إلا و معه نوران مثل الأنبياء .

فقال كعب و التفت إليهما ما هذا الذي يحدث به قال رؤيا رأيتها فقال و الذي بعث محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) بالحق إنه لفي كتاب الله كما رأيت .

و منها ما روي عن ابن الأعرج : أن سفينة مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال خرجت غازيا فكسر بي فغرق المركب و ما فيه و أفلت و ما علي إلا خرقة قد اتزرت بها و كنت على لوح و أقبل اللوح يرمي بي على جبل في البحر فإذا صعدت و ظننت أني نجوت جاءتني موجة فانتسفتني ففعلت بي مرارا .

ثم إني خرجت أشتد على شاطئ البحر فلم تلحقني فحمدت الله على سلامتي فبينا أنا أمشي إذ بصر بي أسد فأقبل يزأر يريد أن يفترسني فرفعت يدي إلى السماء

[137]

فقلت اللهم إني عبدك و مولى نبيك نجيتني من غرق أ فتسلط علي سبعك فألهمت أن قلت أيها السبع أنا سفينة مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) احفظ رسول الله في مولاه .

فو الله إنه لترك الزئير و أقبل كالسنور يمسح خده بهذه الساق مرة و بهذه أخرى و هو ينظر في وجهي مليا .

ثم طأطأ ظهره و أومأ إلي أن اركب فركبت ظهره فخرج يخب بي فما كان بأسرع من أن هبط جزيرة و إذا فيها من الشجر و الثمار و عين عذبة من ماء دهشت فوقف و أومأ إلي أن انزل فنزلت و بقي واقفا حذاي ينظر .

فأخذت من تلك الثمار و أكلت و شربت من ذلك الماء فرويت فعمدت إلى ورقة فجعلتها لي مئزرا و اتزرت بها و تلحفت بأخرى و جعلت ورقة شبيها بالمزود .

فملأتها من تلك الثمار و بللت الخرقة التي كانت معي لأعصرها إذا احتجت إلى الماء فأشربه .

فلما فرغت مما أردت أقبل إلي فطأطأ ظهره ثم أومأ إلي أن اركب .

فلما ركبت أقبل بي نحو البحر في غير الطريق الذي أقبلت منه .

فلما صرت على ساحل البحر إذا مركب سائر في البحر فلوحت لهم فاجتمع أهل المركب يسبحون و يهللون و يرون رجلا راكبا أسدا فصاحوا يا فتى من أنت أ جني أم إنسي .

قلت أنا سفينة مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) راعى الأسد في حق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ففعل ما ترون فلما سمعوا ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حطوا الشراع و حملوا رجلين في قارب صغير و دفعوا إليهما ثيابا فجاءا إلي و نزلت من الأسد و وقف ناحية مطرقا ينظر

[138]

ما أصنع فرميا إلي بالثياب و قالا البسها فلبستها .

فقال أحدهما اركب ظهري حتى أحملك إلى القارب أ يكون السبع أرعى لحق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أمته .

فأقبلت على الأسد فقلت جزاك الله خيرا عن رسول الله فو الله لقد نظرت إلى دموعه تسيل على خده ما يتحرك حتى دخلت القارب و أقبل يلتفت إلي ساعة بعد ساعة حتى غبنا عنه .

و منها ما ذكرنا شيئا منه , و هو أن أبا طالب سافر بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : فلما كنا نسير في الشمس تسير الغمامة بسيرنا و تقف بوقوفنا .

فنزلنا يوما على راهب بأطراف الشام في صومعة يقال له بحيرا الراهب فلما قربنا منه نظر إلى الغمامة تسير بسيرنا على رءوسنا فقال في هذه القافلة نبي مرسل فنزل من صومعته فأضافنا و كشف عن كتفيه فنظر إلى الشامة بين كتفيه فبكى و قال يا أبا طالب لم يجب أن تخرجه معك من مكة و بعد إذ أخرجته فاحتفظ به و احذر عليه اليهود فله شأن عظيم و ليتني أدركه فأكون أول مجيب لدعوته .

و منها ما روي عن فاطمة بنت أسد : أنه لما ظهرت أمارة وفاة عبد المطلب قال لأولاده من يكفل محمدا قالوا هو أكيس منا فقل له يختار لنفسه .

فقال عبد المطلب يا محمد جدك على جناح السفر إلى القيامة أي عمومتك و عماتك تريد أن يكفلك .

فنظر في وجوههم ثم زحف إلى عند أبي طالب فقال له عبد المطلب

[139]

يا أبا طالب إني قد عرفت ديانتك و أمانتك فكن له كما كنت له .

قالت فلما توفي أخذه أبو طالب و كنت أخدمه و كان يدعوني الأم .

قالت و كان في بستان دارنا نخلات و كان أول إدراك الرطب و كان أربعون صبيا من أتراب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يدخلون علينا كل يوم في البستان و يلتقطون ما يسقط فما رأيت قط محمدا أخذ رطبة من يد صبي سبق إليها و الآخرون يختلس بعضهم من بعض و كنت كل يوم ألتقط لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حفنة فما فوقها و كذلك جاريتي فاتفق يوما أن نسيت أن ألتقط له شيئا و نسيت جاريتي و كان محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) نائما و دخل الصبيان و أخذوا كل ما سقط من الرطب و انصرفوا فنمت فوضعت الكم على وجهي حياء من محمد إذا انتبه .

قالت فانتبه محمد و دخل البستان فلم ير رطبة على الأرض فانصرف فقالت له الجارية إنا نسينا أن نلتقط شيئا و الصبيان دخلوا و أكلوا جميع ما كان قد سقط .

قالت فانصرف محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى البستان و أشار إلى نخلة و قال أيتها الشجرة أنا جائع قالت فرأيت الشجرة قد وضعت أغصانها التي عليها الرطب حتى أكل منها محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أراد ثم ارتفعت إلى موضعها .

قالت فاطمة فتعجبت و كان أبو طالب قد خرج من الدار و كل يوم إذا رجع و قرع الباب كنت أقول للجارية حتى تفتح الباب .

فقرع أبو طالب فعدوت حافية إليه و فتحت الباب و حكيت له ما رأيت .

فقال هو إنما يكون نبيا و أنت تلدين وزيره بعد ثلاثين فولدت عليا (عليه السلام) كما قال .

و منها أن جابرا روى : أن سبب تزويج خديجة بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كان أن أبا طالب قال يا محمد إني أريد أن أزوجك و لا مال لي أساعدك به و إن خديجة

[140]

قرابتنا و تخرج كل سنة قريشا في مالها مع غلمانها يتجر لها و يأخذ وقر بعير مما أتى به فهل لك أن تخرج قال نعم .

فخرج أبا طالب إليها و قال لها ذلك ففرحت و قالت لغلامها ميسرة أنت و هذا المال كله بحكم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما رجع ميسرة من سفره حدث أنه ما مر بشجرة و لا مدرة إلا قالت السلام عليك يا رسول الله .

و قال و جاء بحيرا الراهب و خدمنا لما رأى الغمامة على رأسه تسير حيثما سار تظله بالنهار و ربحا في تلك السفرة ربحا كثيرا .

فلما انصرفا قال ميسرة لو تقدمت يا محمد إلى مكة و بشرت خديجة بما قد ربحنا لكان أنفع لك .

فتقدم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) على راحلته و كانت خديجة في ذلك اليوم جالسة على غرفة مع نسوة فوق سطح لها فظهر لها محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) راكبا فنظرت خديجة إلى غمامة عالية على رأسه تسير بسيره و رأت ملكين عن يمينه و عن شماله و في يد كل واحد سيف مسلول يجيئان في الهواء معه .

فقالت إن لهذا الراكب لشأنا عظيما ليته جاء إلى داري فإذا هو محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قاصدا لدارها .

فنزلت حافية إلى باب الدار و كانت إذا أرادت التحول من مكان إلى مكان حولت الجواري السرير الذي كانت عليه فلما دنت منه قالت يا محمد اخرج و أحضر لي عمك أبا طالب الساعة و قد بعثت إلى عمها أن زوجني من محمد إذا دخل عليك .

فلما حضر أبو طالب قالت اخرجا إلى عمي ليزوجني من محمد فقد قلت له في ذلك فدخلا على عمها و خطب أبو طالب الخطبة المعروفة و عقد النكاح فلما قام محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ليذهب مع أبي طالب قالت خديجة إلى بيتك فبيتي بيتك و أنا جاريتك .

[141]

و منها ما روي عن جابر قال : كنت إذا مشيت في شعاب مكة مع محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن يمر بحجر و لا شجر إلا قال السلام عليك يا رسول الله .

و منها ما روي عن علي (عليه السلام) : أنه لما كان بعد ثلاث سنين من مبعثه (صلى الله عليه وآله وسلم) أسري به إلى بيت المقدس و عرج به منه إلى السماء ليلة المعراج فلما أصبح من ليلته حدث قريشا بخبر معراجه فقال جهالهم ما أكذب هذا الحديث و قال قائلهم يا أبا القاسم فبم نعلم أنك صادق قال مررت بعيركم في موضع كذا و قد ضل لهم بعير و عرفتهم مكانه و صرت إلى رحالهم و كانت لهم قرب مملوءة من الماء فصببت قربة و العير توافيكم في اليوم الثالث من هذا اليوم مع طلوع الشمس فأول العير جمل أحمر و هو جمل فلان فلما كان اليوم الثالث خرجوا إلى باب مكة لينظروا صدق ما أخبر به محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل طلوع الشمس فهم كذلك إذ طلعت العير عليهم بطلوع الشمس في أولها الجمل الأحمر فتعجبوا من ذلك و سألوا الذين كانوا مع العير فقالوا مثل ما قال محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في إخباره عنهم فقالوا هذا أيضا من سحر محمد .

و منها : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان ليلة جالسا في الحجر و كانت قريش في مجالسها يتسامرون فقال بعضهم لبعض قد أعيانا أمر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فما ندري ما نقول فيه فقال بعضهم قوموا بنا جميعا إليه نسأله أن يرينا آية من السماء فإن السحر قد

[142]

يكون في الأرض و لا يكون في السماء فصاروا إليه .

فقالوا يا محمد إن لم يكن هذا الذي نرى منك سحرا فأرنا آية في السماء فإنا نعلم أن السحر لا يستمر في السماء كما يستمر في الأرض .

فقال لهم أ لستم ترون هذا القمر في تمامه لأربع عشرة فقالوا بلى .

قال أ فتحبون أن تكون الآية من قبله و جهته قالوا قد أحببنا ذلك .

فأشار إليه بإصبعه فانشق بنصفين فوقع نصفه على ظهر الكعبة و نصفه الآخر على جبل أبي قبيس و هم ينظرون إليه .

فقال بعضهم : فرده إلى مكانه .

فأومى بيده إلى النصف الذي كان على ظهر الكعبة و بيده الأخرى إلى النصف الذي كان على جبل أبي قبيس فطارا جميعا فالتقيا في الهواء فصارا واحدا و استقر القمر في مكانه على ما كان .

فقالوا قوموا فقد استمر سحر محمد في السماء و الأرض فأنزل الله تعالى اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ وَ إِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَ يَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ .

و منها : أنه لما كانت قريش تحالفوا و كتبوا بينهم صحيفة ألا يجالسوا واحدا من بني هاشم و لا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم محمدا ليقتلوه و علقوا تلك الصحيفة في الكعبة و حاصروا بني هاشم في الشعب شعب عبد المطلب أربع سنين فأصبح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوما و قال لعمه أبي طالب إن الصحيفة التي كتبتها قريش في قطيعتنا قد بعث الله عليها دابة فلحست كل ما فيها غير اسم الله و كانوا قد ختموها بأربعين خاتما من رؤساء قريش .

فقال أبو طالب يا ابن أخي أ فأصير إلى قريش فأعلمهم بذلك قال إن شئت .

فصار أبو طالب رضي الله عنه إليهم فاستبشروا بمصيره إليهم و استقبلوه بالتعظيم و الإجلال و قالوا قد علمنا الآن أن رضى قومك أحب إليك مما كنت فيه أ فتسلم إلينا محمدا و لهذا جئتنا .

[143]

قال يا قوم إني قد جئتكم بخبر أخبرني به ابن أخي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فانظروا في ذلك فإن كان كما قال فاتقوا الله و ارجعوا عن قطيعتنا و إن كان بخلاف ما قال سلمته إليكم و اتبعت مرضاتكم .

قالوا و ما الذي أخبرك .

قال أخبرني أن الله قد بعث على صحيفتكم دابة فلحست ما فيها غير اسم الله فحطوها فإن كان الأمر بخلاف ما قال سلمته إليكم .

ففتحوها فلم يجدوا فيها شيئا غير اسم الله .

فتفرقوا و هم يقولون سحر سحر و انصرف أبو طالب رضي الله عنه .

و منها : أنه لما كانت الليلة التي خرج فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الغار كانت قريش اختارت من كل بطن منهم رجلا ليقتلوا محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) فاختارت خمسة عشر رجلا من خمسة عشر بطنا كان فيهم أبو لهب من بطن بني هاشم ليتفرق دمه في بطون قريش فلا يمكن بني هاشم أن يأخذوا بطنا واحدا فيرضون عند ذلك بالدية فيعطون عشر ديات .

فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأصحابه لا يخرج الليلة منكم أحد من داره فلما نام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قصدوا باب عبد المطلب فقال لهم أبو لهب يا قوم إن في هذه الدار نساء بني هاشم و بناتهم و لا نأمن أن تقع يد خاطئة إذا وقعت الصيحة عليهن فيبقى ذلك علينا مسبة و عارا إلى آخر الدهر في العرب و لكن اقعدوا بنا جميعا على الباب نحرس محمدا في مرقده فإذا طلع الفجر تواثبنا إلى الدار فضربناه ضربة رجل واحد و خرجنا فإلى أن تجتمع الناس قد أضاء الصبح فيزول عنا العار عند ذلك فقعدوا بالباب يحرسونه .

[144]

قال علي (عليه السلام) فدعاني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال إن قريشا دبرت كيت و كيت في قتلي فنم على فراشي حتى أخرج أنا من مكة فقد أمرني الله تعالى بذلك فقلت له السمع و الطاعة فنمت على فراشه و فتح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الباب و خرج عليهم و هم جميعا جلوس ينتظرون الفجر و هو يقول وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ و مضى و هم لا يرونه فرأى أبا بكر قد خرج في الليل يتجسس عن خبره و قد كان وقف على تدبير قريش من جهتهم فأخرجه معه إلى الغار فلما طلع الفجر تواثبوا إلى الدار و هم يظنون أني محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فوثبت في وجوههم و صحت بهم فقالوا علي قلت نعم قالوا و أين محمد قلت خرج من بلدكم قالوا و إلى أين خرج قلت الله أعلم فتركوني و خرجوا فاستقبلهم أبو كريز الخزاعي و كان عالما بقصص الآثار فقالوا يا أبا كريز اليوم نحب أن تساعدنا في قصص أثر محمد فقد خرج عن البلد فوقف على باب الدار فنظر إلى أثر رجل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال هذه أثر قدم محمد و هي و الله أخت القدم التي في المقام و مضى به على أثره حتى إذا صار إلى الموضع الذي لقيه فيه أبو بكر فقال هنا قد صار مع محمد آخر و هذه قدمه إما أن تكون قدم أبي قحافة أو قدم ابنه فمضى على ذلك إلى باب الغار فانقطع عنه الأثر و قد بعث الله إليه العنكبوت فنسجت على باب الغار كله و بعث الله قبجة فباضت على باب الغار فقال ما جاز محمد هذا الموضع و لا من معه إما أن يكونا صعدا إلى السماء أو نزلا في الأرض فإن باب هذا الغار كما ترون عليه نسج العنكبوت و القبجة حاضنة على بيضها على باب الغار فلم يدخلوا الغار و تفرقوا في الجبل يطلبونه .

back page fehrest page next page