[145]
و منها : أن أبا بكر اضطرب في الغار اضطرابا شديدا خوفا من قريش و أراد الخروج إليهم فقعد واحد من قريش مستقبل الغار يبول فقال أبو بكر هذا قد رآنا .
قال (صلى الله عليه وآله وسلم) كلا لو رآنا ما استقبلنا بعورته .
و قال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تخف إن الله معنا لن يصلوا إلينا فلم يسكن اضطرابه .
فلما رأى (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك منه رفس ظهر الغار فانفتح منه باب إلى بحر و سفينة فقال له اسكن الآن فإنهم إن دخلوا من باب الغار خرجنا من هذا الباب و ركبنا السفينة .
فسكن عند ذلك فلم يزالوا إلى أن أمسوا في الطلب فيئسوا و انصرفوا .
و وافى ابن الأريقط بأغنام يرعاها إلى باب الغار وقت الليل يريد مكة بالغنم فدعاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال أ فيك مساعدة لنا قال إي و الله فو الله ما جعل الله هذه القبجة على باب الغار حاضنة لبيضها و لا نسج العنكبوت عليه إلا و أنت صادق و أنا أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله .
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) الحمد لله على هدايتك فصر الآن إلى علي فعرفه موضعنا و مر بالغنم إلى أهلها إذا نام الناس و مر إلى عبد أبي بكر فصار ابن الأريقط إلى مكة و فعل ما أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأتى عليا (عليه السلام) و عبد أبي بكر فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعد لنا يا أبا الحسن راحلة و زادا و ابعثها إلينا و أصلح ما تحتاج إليه لحمل والدتك و فاطمة و ألحقنا بهما إلى يثرب و قال أبو بكر لعبده مثله ففعلا ذلك فأردف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ابن الأريقط و أبو بكر عبده .
و منها : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما خرج بهؤلاء و أصبحوا من تلك الليلة التي خرجوا فيها على حي سراقة بن مالك بن جعشم فلما نظر سراقة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
[146]
قال أتخذ به يدا عند قريش و ركب فرسه و قصد محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) .
قالوا قد لحق بنا هذا الشيطان فقال إن الله سيكفينا أمره .
فلما قرب قال (صلى الله عليه وآله وسلم) اللهم خذه فارتطم فرسه في الأرض فصاح يا محمد خلص فرسي لا سعيت لك في مكروه بعدها و علم أن ذلك بدعاء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال اللهم إن كان صادقا فخلصه فوثب الفرس .
فقال يا أبا القاسم ستمر برعاتي و عبيدي فخذ سوطي فكل من تمر به خذ ما شئت فقد حكمتك في مالي فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لا حاجة لي في مالك .
قال فسلني حاجة قال (صلى الله عليه وآله وسلم) رد عنا من يطلبنا من قريش .
فانصرف سراقة فاستقبله جماعة من قريش في الطلب فقال لهم انصرفوا عن هذا الطريق فلم يمر فيه أحد و أنا أكفيكم هذا الطريق فعليكم بطريق اليمن و الطائف .
و منها : أن النبي سار حتى نزل خيمة أم معبد فطلبوا عندها قرى فقالت ما يحضرني شيء فنظر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى شاة في ناحية الخيمة قد تخلفت من الغنم لضرها فقال تأذنين في حلبها قالت نعم و لا خير فيها .
فمسح يده على ظهرها فصارت أسمن ما يكون من الغنم ثم مسح يده على ضرعها فأرخت ضرعا عجيبا و درت لبنا كثيرا .
فقال يا أم معبد هاتي العس فشربوا جميعا حتى رووا .
فلما رأت أم معبد ذلك قالت يا حسن الوجه إن لي ولدا له سبع سنين و هو كقطعة لحم لا يتكلم و لا يقوم فأتته به .
فأخذ تمرة قد بقيت في الوعاء و مضغها و جعلها في فيه فنهض في الحال و مشى و تكلم و جعل نواها في الأرض فصارت في الحال نخلة و قد تهدل الرطب منها
[147]
و كان كذلك صيفا و شتاءً و أشار من الجوانب فصار ما حولها مراعي و رحل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
و لما توفي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم ترطب تلك النخلة و كانت خضراء فلما قتل علي (عليه السلام) لم تخضر و كانت باقية فلما قتل الحسين (عليه السلام) سال منها الدم و يبست .
فلما انصرف أبو معبد و رأى ذلك و سأل عن سببه قالت مر بي رجل قرشي من حاله و قصته كذا و كذا قال يا أم معبد إن هذا الرجل هو صاحب أهل المدينة الذي هم ينتظرونه و و الله ما أشك الآن أنه صادق في قوله إنه رسول الله فليس هذا إلا من فعل الله ثم قصد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فآمن هو و أهله .
و منها : أنه لما كانت وقعة بدر قتل المسلمون من قريش سبعين رجلا و أسروا منهم سبعين فحكم رسول الله بقتل الأسارى و حرق الغنائم .
فقال جماعة من المهاجرين إن الأسارى هم قومك و قد قتلنا منهم سبعين فأطلق لنا أن نأخذ الفداء من الأسارى و الغنائم فنقوى بها على جهادنا .
فأوحى الله إليه يقتل منكم في العام المقبل في مثل هذا اليوم عدد الأسارى إن لم يقتلوا الأسارى و أنزل الله ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَ اللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ .
فلما كان في العام المقبل و قتل من المسلمين سبعون عدد الأسارى قالوا يا رسول الله قد وعدتنا النصر فما هذا الذي وقع بنا و نسوا الشرط ببدر .
فأنزل الله أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها يعني ما كانوا أصابوا من قريش ببدر و قبلوا الفداء من الأسراء قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ
[148]
يعني بالشرط الذي شرطوه على أنفسهم أن يقتل منهم بعدد الأسارى إذا هو أطلق لهم الفداء منهم و الغنائم فكان الحال في ذلك على حكم الشرط .
و لما انكشفت الحرب يوم أحد سار أولياء المقتولين ليحملوا قتلاهم إلى المدينة فشدوهم على الجمال و كانوا إذا توجهوا بهم نحو المدينة بركت الجمال و إذا توجهوا بهم نحو المعركة أسرعت فشكوا الحال إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال أ لم تسمعوا قول الله قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ فدفن كل رجلين في قبر إلا حمزة فإنه دفن وحده .
و كان أصاب عليا (عليه السلام) في حرب أحد أربعون جراحة فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الماء على فمه فرشه على الجراحات فكأنها لم تكن من وقتها .
و كان أصاب عين قتادة سهم من المشركين فسالت الحدقة فأمسكها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فعادت صحيحة و كانت أحسن من الأخرى .
و منها أن عليا (عليه السلام) قال : انقطع سيفي يوم أحد فرجعت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت إن المرء يقاتل بسيفه و قد انقطع سيفي فنظر إلى جريدة نخل عتيقة يابسة مطروحة فأخذها بيده ثم هزها فصارت سيفه ذا الفقار فناولنيه فما ضربت به أحدا إلا و قده بنصفين .
و منها أن جابرا قال : كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة و رجل من قريش يربي مهرا كان إذا لقي محمدا و المهر معه يقول يا محمد على هذا المهر أقتلك قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أقتلك عليه قال بل أقتلك فوافى أحدا فأخذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حربة رجل و خلع سنانه و رمى به فضربه بها على عنقه فقال النار النار و سقط ميتا .
[149]
و منها : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انتهى إلى رجل قد فوق سهما ليرمي بعض المشركين فوضع (صلى الله عليه وآله وسلم) يده فوق السهم و قال ارم فرمى ذلك المشرك فهرب المشرك من السهم و جعل يروغ من السهم يمنة و يسرة و السهم يتبعه حيثما راغ حتى سقط السهم في رأسه فسقط المشرك ميتا فأنزل الله فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى .
و كان أبو عزة الشاعر حضر مع قريش يوم بدر يحرض قريشا بشعره على القتال فأسر في السبعين الذين أسروا .
فلما وقع الفداء على القوم قال أبو عزة يا أبا القاسم تعلم أني رجل فقير فامنن على بناتي فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) إن أطلقتك بغير فداء أ تكثر علينا بعدها قال لا و الله فعاهده أن لا يعود فلما كانت حرب أحد دعته قريش إلى الخروج معها ليحرض الناس بشعره على القتال فقال إني عاهدت محمدا ألا أكثر عليه بعد ما من علي .
قالوا ليس هذا من ذاك إن محمدا لا يسلم منا في هذه الدفعة فقلبوه عن رأيه فلم يؤسر يوم أحد من قريش غيره .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أ لم تعاهدني قال إنما غلبوني على رأيي فامنن على بناتي .
قال لا تمشي بمكة و تحرك كتفيك فتقول سخرت من محمد مرتين المؤمن لا يلسع من جحر مرتين يا علي اضرب عنقه .
[150]
و منها : أنه لما وافى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة مهاجرا نزل بقبا و قال لا أدخل المدينة حتى يلحق بي علي .
و كان سلمان كثير السؤال عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و كان قد اشتراه بعض اليهود و كان يخدم نخلا لصاحبه .
فلما وافى (صلى الله عليه وآله وسلم) قبا و كان سلمان قد عرف بعض أحواله من بعض أصحاب عيسى و غيره فحمل طبقا من تمر و جاءهم به فقال سمعنا أنكم غرباء وافيتم إلى هذا الموضع فحملنا هذا إليكم من صدقاتنا فكلوه .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سموا و كلوا و لم يأكل هو منه شيئا و سلمان واقف ينظر فأخذ الطبق و انصرف و هو يقول هذه واحدة بالفارسية .
ثم جعل في الطبق تمرا آخر و حمله فوضعه بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال رأيتك لم تأكل من تمر الصدقة و هذه هدية فمد يده (صلى الله عليه وآله وسلم) و أكل و قال لأصحابه كلوا باسم الله فأخذ سلمان الطبق و يقول هذه اثنتان .
ثم دار خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فعلم (صلى الله عليه وآله وسلم) مراده منه فأرخى رداءه عن كتفيه فرأى سلمان الشامة فوقع عليها و قبلها و قال أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله ثم قال إني عبد ليهودي فما تأمرني قال اذهب فكاتبه على شيء تدفعه إليه .
فصار سلمان إلى اليهودي فقال إني أسلمت و اتبعت هذا النبي على دينه و لا تنتفع بي فكاتبني على شيء أدفعه إليك و أملك نفسي .
فقال اليهودي أكاتبك على أن تغرس لي خمسمائة نخلة و تخدمها حتى تحمل ثم تسلمها إلي و على أربعين أوقية ذهبا جيدا .
[151]
فانصرف إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره بذلك فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) اذهب فكاتبه على ذلك .
فمضى سلمان و كاتبه على ذلك و قدر اليهودي أن هذا شيء لا يكون إلا بعد سنين فانصرف سلمان بالكتاب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال اذهب فأتني بخمسمائة نواة و في رواية الحشوية : بخمسمائة فسيلة .
فجاء سلمان بخمسمائة نواة فقال سلمها إلى علي ثم قال لسلمان اذهب بنا إلى الأرض التي طلب النخل فيها فذهبوا إليها فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يثقب الأرض بإصبعه ثم يقول لعلي (عليه السلام) ضع في الثقب نواة ثم يرد التراب عليها و يفتح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصابعه فينفجر الماء من بينها فيسقي ذلك الموضع ثم يصير إلى موضع الثانية فيفعل بها كذلك .
فإذا فرغ من الثانية تكون الأولى قد نبتت ثم يصير إلى موضع الثالثة فإذا فرغ منها تكون الأولى قد حملت ثم يصير إلى موضع الرابعة و قد نبتت الثالثة و حملت الثانية و هكذا حتى فرغ من غرس الخمسمائة و قد حملت كلها .
فنظر اليهودي و قال صدقت قريش أن محمدا ساحر و قال قد قبضت منك النخل فأين الذهب .
فتناول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حجرا كان بين يديه فصار ذهبا أجود ما يكون فقال اليهودي ما رأيت ذهبا قط مثله و قدره مثل تقدير عشرة أواق فوضعه في الكفة فرجح فزاد عشرا فرجح حتى صار أربعين أوقية لا تزيد و لا تنقص .
[152]
قال سلمان فانصرفت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلزمت خدمته و أنا حر .
و منها أن جابرا قال : لما اجتمعت الأحزاب من العرب لحرب الخندق و استشار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المهاجرين و الأنصار في ذلك فقال سلمان إن العجم إذا أحزبها أمر مثل هذا اتخذوا الخنادق حول بلدانهم و جعلوا القتال من وجه واحد .
فأوحى الله أن يفعل مثل ما قال سلمان .
فخط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الخندق حول المدينة و قسمه بين المهاجرين و الأنصار بالذراع فجعل لكل عشرة منهم عشر أذرع .
قال جابر فظهرت في الخط لنا يوما صخرة عظيمة لم يمكن كسرها و لا كانت المعاول تعمل فيها فأرسلني أصحابي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأخبره بخبرها فصرت إليه فوجدته مستلقيا و قد شد على بطنه الحجر فأخبرته بخبر الحجر فقام مسرعا فأخذ الماء في فمه فرشه على الصخرة ثم ضرب المعول بيده وسط الصخرة ضربة برقت منها برقة فنظر المسلمون فيها إلى قصور اليمن و بلدانها ثم ضربها ضربة فبرقت برقة أخرى نظر المسلمون فيها إلى قصور العراق و فارس و مدنها .
ثم ضربها الثالثة فانهارت الصخرة قطعا .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما الذي رأيتم في كل برقة قالوا رأينا في الأولى كذا و في الثانية كذا و في الثالثة كذا و قال سيفتح الله عليكم ما رأيتموه .
قال جابر و كان في منزلي صاع من شعير و شاة مشدودة فصرت إلى أهلي فقلت رأيت الحجر على بطن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أظنه جائعا فلو أصلحنا هذا الشعير و هذه
[153]
الشاة و دعونا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلينا كان لنا قربة عند الله .
قالت فاذهب فأعلمه فإن أذن فعلناه .
فذهبت فقلت يا رسول الله إن رأيت أن تجعل غداءك اليوم عندنا قال و ما عندك قلت صاع من الشعير و شاة قال أ فأصير إليك مع من أحب أو أنا وحدي قال فكرهت أن أقول أنت وحدك بل قلت مع من تحب و ظننته يريد عليا بذلك فرجعت إلى أهلي فقلت أصلحي أنت الشعير و أنا أسلخ الشاة ففرغنا من ذلك و جعلنا الشاة كلها قطعا في قدر واحد و ماء و ملحا و خبزت أهلي ذلك الدقيق و صرت إليه فقلت يا رسول الله قد أصلحنا ذلك .
فوقف على شفير الخندق و نادى بأعلى صوته يا معشر المسلمين أجيبوا دعوة جابر فخرج جميع المهاجرين و الأنصار فخرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و الناس خلفه فلم يكن يمر بملإ من أهل المدينة إلا قال أجيبوا دعوة جابر .
فأسرعت إلى أهلي فقلت قد أتانا ما لا قبل لنا به و عرفتها خبر الجماعة فقالت أ لست قد عرفت رسول الله ما عندنا قلت بلى قالت فلا عليك فهو أعلم بما يفعل .
فكانت أهلي أفقه مني .
فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الناس بالجلوس خارج الدار و دخل هو و علي الدار فنظر في التنور و الخبز فيه فتفل فيه و كشف القدر فنظر فيها ثم قال للمرأة اقلعي من التنور رغيفا رغيفا و ناوليني واحدا بعد واحد .
فجعلت تقلع رغيفا و تناوله إياه و هو و علي يثردان في الجفنة ثم تعود المرأة إلى التنور فتجد مكان الرغيف الذي اقتلعته رغيفا آخر .
فلما امتلأت الجفنة بالثريد غرف عليه من القدر و قال (عليه السلام) أدخل علي عشرة من الناس فدخلوا و أكلوا حتى شبعوا و الثريد بحاله ثم قال يا جابر ائتني بالذراع ثم قال أدخل علي عشرة .
[154]
فدخلوا و أكلوا حتى شبعوا و الثريد بحاله .
ثم قال هات الذراع فأتيته به ثم قال أدخل علي عشرة فأكلوا و شبعوا و الثريد بحاله .
و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) هات الذراع قلت كم للشاة من ذراع قال ذراعان .
قلت قد أتيت بثلاث أذرع قال (صلى الله عليه وآله وسلم) لو سكت لأكل الجميع من الذراع .
فلم يزل يدخل عشرة و يخرج عشرة حتى أكل الناس جميعا .
ثم قال تعال حتى نأكل نحن و أنت فأكلت أنا و محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و علي (عليه السلام) و خرجنا و الخبز في التنور على حاله و القدر على حالها و الثريد في الجفنة على حاله فعشنا أياما بذلك .
و منها أن جابرا قال : استشهد والدي بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم أحد و هو ابن مائتي سنة و كان عليه دين فلقيني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوما فقال ما فعل دين أبيك قلت على حاله فقال لمن هو قلت لفلان اليهودي قال متى حينه قلت وقت جفاف التمر قال إذا جففت التمر فلا تحدث فيه حتى تعلمني و اجعل كل صنف من التمر على حدة .
ففعلت ذلك و أخبرته (صلى الله عليه وآله وسلم) فصار معي إلى التمر و أخذ من كل صنف قبضة بيده و ردها فيه ثم قال هات اليهودي فدعوته .
[155]
فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اختر من هذا التمر أي صنف شئت فخذ دينك منه فقال اليهودي و أي مقدار لهذا التمر كله حتى آخذ صنفا منه و لعل كله لا يفي بديني فقال اختر أي صنف شئت فابتدئ به .
فأومى إلى صنف الصيحاني فقال أبتدئ به فقال افعل باسم الله .
فلم يزل يكيل منه حتى استوفى منه دينه كله و الصنف على حاله ما نقص منه شيء .
ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم) يا جابر هل بقي لأحد عليك شيء من دينه قلت لا .
قال فاحمل تمرك بارك الله لك فيه .
فحملته إلى منزلي و كفانا السنة كلها فكنا نبيع لنفقتنا و مئونتنا و نأكل منه و نهب منه و نهدي إلى وقت التمر الحديث و التمر على حاله إلى أن جاءنا الحديث .
و منها ما روى عمار بن ياسر : أنه كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بعض أسفاره قال فنزلنا يوما في بعض الصحاري القليلة الشجر فنظر إلى شجرتين صغيرتين فقال لي يا عمار صر إلى الشجرتين فقل لهما يأمركما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن تلتقيا حتى يقعد تحتكما فأقبلت كل واحدة إلى الأخرى حتى التقتا فصارتا كالشجرة الواحدة و مضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خلفهما فقضى حاجته فلما أراد الخروج قال لترجع كل واحدة إلى مكانها فرجعتا كذلك .
و منها : أن عليا (عليه السلام) بعثه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بعض الأمور بعد صلاة الظهر و انصرف من جهته تلك و قد صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) العصر بالناس .
فلما دخل علي (عليه السلام) جلس يقص عليه ما كان قد نفذ فيه فنزل الوحي عليه في تلك الساعة فوضع رأسه في حجر علي (عليه السلام) و كانا كذلك حتى غربت الشمس
[156]
فسرى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في وقت الغروب .
فقال لعلي (عليه السلام) هل صليت العصر قال لا فإني كرهت أن أزيل رأسك و رأيت جلوسي تحت رأسك و أنت في تلك الحال أفضل من صلاتي .
فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاستقبل القبلة فقال اللهم إن كان علي في طاعتك و حاجة رسولك فاردد عليه الشمس ليصلي صلاته فرجعت الشمس حتى صارت في موضع أول العصر فصلى علي (عليه السلام) ثم انقضت الشمس للغروب مثل انقضاض الكوكب .
و روي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : يا علي إن الشمس مطيعة لك فادع .
فدعا فرجعت , و كان قد صلاها بالإشارة .
و منها : أن الحصار لما اشتد على المسلمين في حرب الخندق و رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منهم الضجر لما كان فيه من الضر صعد على مسجد الفتح فصلى ركعتين ثم قال اللهم أن تهلك هذه العصابة لم تعبد بعدها في الأرض فبعث الله ريحا قلعت خيم المشركين و بددت رواحلهم و أجهدتهم بالبرد و سفت الرمال و التراب عليهم و جاءته الملائكة فقالت يا رسول الله إن الله قد أمرنا بالطاعة لك فمرنا بما شئت قال زعزعي المشركين و أرعبيهم و كوني من ورائهم .
ففعلت بهم ذلك و أنزل الله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ يعني أحزاب المشركين فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ أي أحزاب العرب وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ يعني بني قريظة حين نقضوا عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و صاروا مع الأحزاب على المسلمين .
[157]
ثم رجع من مسجد الفتح إلى معسكره فصاح بحذيفة بن اليمان و كان قريبا ثلاثا فقال في الثالثة لبيك يا رسول الله قال تسمع صوتي و لا تجيبني فقال منعني شدة البرد فقال اعبر الخندق فاعرف خبر قريش و الأحزاب و ارجع و لا تحدث حدثا حتى ترجع إلي .
فقمت و أنا أنتفض من البرد فعبرت الخندق و كأني في الحمام فصرت إلى معسكرهم فلم أجد هناك إلا خيمة أبي سفيان و عنده جماعة من وجوه قريش و بين أيديهم نار تشتعل مرة و تخبو أخرى فانسللت فجلست بينهم .
فقال أبو سفيان إن كنا نقاتل أهل الأرض فنحن بالقدرة عليه و إن كنا نقاتل أهل السماء كما يقول محمد فلا طاقة لنا بأهل السماء انظروا بينكم لا يكون لمحمد عين بيننا فليسأل بعضكم بعضا .
قال حذيفة فبادرت إلى الذي عن يميني فقلت من أنت قال خالد بن الوليد و قلت للذي عن يساري من أنت قال فلان فلم يسألني أحد منهم .
ثم قال أبو سفيان لخالد إما أن تتقدم أنت فتجمع إلي الناس ليلحق بعضهم ببعض فأكون على الساقة و إما أن أتقدم أنا و تكون على الساقة .
قال بل أتقدم أنا و تتأخر أنت .
فقاموا جميعا فتقدموا و تأخر أبو سفيان فخرج من الخيمة و أنا اختفيت في ظلها فركب راحلته و هي معقولة من الدهش الذي كان به فنزل يحل العقال فأمكنني قتله فلما هممت بذلك تذكرت قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لي لا تحدثن حدثا حتى ترجع إلي .
فكففت و رجعت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد طلع الفجر فحمد الله ثم صلى بالناس الفجر و نادى مناديه لا يبرحن أحد مكانه إلى أن تطلع الشمس .
فما أصبح إلا و قد تفرق عنه الجماعة إلا نفرا يسيرا .
[158]
فلما طلعت الشمس انصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و من كان معه فلما دخل منزله أمر فنودي أن لا يصلي أحد منكم إلا في بني قريظة فسار المسلمون إليهم فوجدوا النخل محدقا بقصرهم و لم يكن للمسلمين معسكر ينزلون فيه و وافى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ما لكم لا تنزلون فقالوا ما لنا مكان ننزل به من اشتباك النخل .