فوقف في طريق بين النخل فأشار بيده يمنة فانظم النخل بعضه إلى بعض و أشار بيده يسرة فانضم النخل كذلك و اتسع لهم الموضع فنزلوا .
و منها : أنه لما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للعمرة سنة الحديبية منعت قريش من دخوله مكة و تحالفوا أنه لا يدخلها و منهم عين تطرف .
و قال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما جئت محاربا لكم إنما جئت معتمرا .
قالوا لا ندعك تدخل مكة على هذه الحالة فتستند لنا العرب و تعيرنا و لكن اجعل بيننا و بينك هدنة لا تكون لغيرنا فاتفقوا عليها و قد نفد ماء المسلمين و كظهم و بهائمهم العطش فجيء بركوة فيها قليل من الماء فأدخل يده فيها ففاضت الركوة و نودي في العسكر من أراد الماء فليأته فسقوا و استقوا و ملئوا القرب .
و منها ما روى جابر عن عمار بن ياسر : أنه كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بعض غزواته قال فلما خرجنا من المدينة و تأخر عنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم أقبل خلفنا
[159]
فانتهى إلي و قد قام جملي و برك في الطريق و تخلفت عن الناس بسبب ذلك فنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن راحلته فأخذ من الإداوة ماء في فمه ثم رشه على الجمل صاح به فنهض كأنه ظبي فقال لي اركبه و سر عليه .
فركبته و سرت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فو الله ما كانت ناقة رسول الله العضباء تفوته .
فقال لي (صلى الله عليه وآله وسلم) يا عمار تبيعني الجمل قلت هو لك يا رسول الله .
قال (صلى الله عليه وآله وسلم) لا إلا بثمن قلت تعطي من الثمن ما شئت قال (صلى الله عليه وآله وسلم) مائة درهم قلت قد بعتك .
قال (صلى الله عليه وآله وسلم) و لك ظهره إلى المدينة .
فلما رجعنا و نزلنا المدينة حططت عنه رحلي و أخذت بزمامه فقدمته إلى باب دار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال وفيت يا عمار فقلت الواجب هذا يا رسول الله .
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) يا أنس ادفع إلى عمار مائة درهم ثمن الجمل و رد عليه الجمل هدية منا إليه لينتفع به .
قال جابر : و كنا يوما جلوسا حوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مسجده فأخذ كفا من حصى المسجد فنطقت الحصيات كلها في يده بالتسبيح ثم قذف بها إلى موضعها في المسجد .
و منها : أنه لما سار إلى خيبر أخذ أبو بكر الراية إلى باب الحصن فحاربهم فحملت اليهود فرجع منهزما يجبن أصحابه و يجبنونه .
و لما كان من الغد أخذ عمر الراية و خرج ثم رجع يجبن الناس .
فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال ما بال أقوام يرجعون منهزمين يجبنون أصحابهم أما لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله كرارا غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه .
[160]
و كان علي (عليه السلام) أرمد العين فتطاول جميع المهاجرين و الأنصار و قالوا أما علي فإنه لا يبصر شيئا لا سهلا و لا جبلا .
فلما كان من الغد خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الخيمة و الراية في يده فركزها و قال أين علي فقيل يا رسول الله هو رمد معصوب العينين قال هاتوه إلي فأتي به يقاد ففتح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عينيه ثم تفل فيهما فكأنما لم ترمدا قط .
ثم قال اللهم أذهب عنه الحر و البرد فكان علي يقول ما وجدت بعد ذلك حرا و لا بردا في صيف و لا شتاء ثم دفع إليه الراية .
ثم قال له سر في المسلمين إلى باب الحصن و ادعهم إلى إحدى ثلاث خصال إما أن يدخلوا في الإسلام و لهم ما للمسلمين و عليهم ما عليهم و أموالهم لهم .
و إما أن يذعنوا بالجزية و الصلح و لهم الذمة و أموالهم لهم .
و إما الحرب فإن هم اختاروا الحرب فحاربهم .
فأخذها و سار بها و المسلمون خلفه حتى وافى باب الحصن فاستقبله حماة اليهود و في أولهم مرحب يهدر كما يهدر البعير فدعاهم إلى الإسلام فأبوا ثم دعاهم إلى الذمة فأبوا فحمل عليهم أمير المؤمنين (عليه السلام) فانهزموا بين يديه و دخلوا الحصن و ردوا بابه .
و كان الباب حجرا منقورا في صخر و الباب من الحجر في ذلك الصخر المنقور كأنه حجر رحى و في وسطه ثقب لطيف فرمى أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوسه من يده اليسرى و جعل يده اليسرى في ذلك الثقب الذي في وسط الحجر دون اليمنى لأن السيف كان في يده اليمنى ثم جذبه إليه فانهار الصخر المنقور و صار الباب في يده اليسرى فحملت عليه اليهود فجعل ذلك ترسا له و حمل عليهم فضرب مرحبا فقتله
[161]
و انهزم اليهود من بين يديه فرمى عند ذلك بالحجر بيده اليسرى إلى خلفه فمر الحجر الذي هو الباب على رءوس الناس من المسلمين إلى أن وقع في آخر العسكر .
و قال المسلمون فذرعنا المسافة التي مضى فيها الباب فكانت أربعين ذراعا ثم اجتمعنا على ذلك الباب لنرفعه من الأرض و كنا أربعين رجلا حتى تهيأ لنا أن نرفعه قليلا من الأرض .
و منها : أنه لما انصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من خيبر راجعا إلى المدينة قال جابر أشرفنا على واد عظيم قد امتلأ بالماء فقاسوا عمقه برمح فلم يبلغ قعره فنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال اللهم أعطنا اليوم آية من آيات أنبيائك و رسلك ثم ضرب الماء بقضيبه و استوى على راحلته ثم قال سيروا خلفي على اسم الله فمضت راحلته على وجه الماء و اتبعه الناس على رواحلهم و دوابهم فلم تترطب أخفافها و لا حوافرها .
و منها : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أراد المسير إلى مكة لفتحها قال اللهم أعم الأخبار عن قريش حتى نبغتها في دارها فعميت الأخبار عليهم .
و كان حاطب بن أبي بلتعة قد أسلم و هاجر و كان أهله و ولده بمكة فقال قريش لهم اكتبوا إلى حاطب كتابا سلوه أن يعرفنا خبر محمد فكتبوا كتابا و بعثته قريش مع امرأة سرا فكتب الجواب بأن محمدا صائر إليكم و دفعه إلى المرأة و خرجت .
فقال عليه و آله السلام إن الله أوحى إلي أن حاطبا قد كتب بخبرنا إلى مكة و الكتاب حملته امرأة من حالها و صفتها فمن يمضي خلفها فيرد الكتاب قال الزبير أنا قال (صلى الله عليه وآله وسلم) يكون علي معك .
[162]
فخرجا فلحقاها في الطريق فقالا أين الكتاب قالت ما معي و رمت إليهما كل ما كان معها فقال الزبير ما معها كتاب قال علي (عليه السلام) ما كذب رسول الله و لا كذب الله و جرد سيفه فقال لتخرجن الكتاب أو لأقتلنك فأخرجته من شعر رأسها فأنزل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ .
و منها : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج قاصدا مكة في عشرة آلاف فارس من المسلمين فلم يشعر أهل مكة حتى نزل تحت العقبة و كان أبو سفيان و عكرمة بن أبي جهل خرجا إلى العقبة يتجسسان خبرا و نظرا إلى النيران فاستعظما فلم يعلما لمن النيران و كان العباس قد خرج من مكة مستقبلا إلى المدينة فرده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) معه و الصحيح أنه منذ يوم بدر كان بالمدينة .
فلما نزل تحت العقبة ركب العباس بغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و صار إلى العقبة طمعا أن يجد من أهل مكة من ينذرهم إذ سمع كلام أبي سفيان يقول لعكرمة ما هذه النيران فصاح العباس إلى أبي سفيان فقال أبو سفيان يا أبا الفضل ما هذه النيران قال نيران عسكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
فقال أبو سفيان هذا محمد .
فقال العباس يا أبا سفيان نعم هذا رسول الله .
قال ما ترى لي أن أصنع .
قال تركب خلفي فأصير بك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فآخذ لك الأمان .
قال و تراه يؤمنني قال نعم فإني إذا سألته شيئا لم يردني .
فركب أبو سفيان خلفه و انصرف عكرمة إلى مكة فصار العباس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
[163]
فقال العباس هذا أبو سفيان صار معي إليك فتؤمنه بسببي .
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) أسلم تسلم يا أبا سفيان فقال يا أبا القاسم ما أكرمك و أحلمك .
قال (صلى الله عليه وآله وسلم) أسلم تسلم قال ما أكرمك و أحلمك .
قال (صلى الله عليه وآله وسلم) أسلم تسلم فوكزه العباس ويلك إن قالها الرابعة و لم تسلم قتلك فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) خذه يا عم إلى خيمتك و كانت قريبة فلما جلس في الخيمة ندم على مجيئه مع العباس و قال في نفسه من فعل بنفسه مثل ما فعلت أنا جئت فأعطيت بيدي و لو كنت انصرفت إلى مكة فجمعت الأحابيش و غيرهم فلعلي كنت أهزمه فناداه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من خيمته فقال إذا كان الله يخزيك .
فجاء العباس فقال يريد أبو سفيان أن يجيئك يا رسول الله قال (صلى الله عليه وآله وسلم) هاته .
فلما دخل قال (صلى الله عليه وآله وسلم) أ لم يأن لك أن تسلم .
فقال له العباس قل و إلا فيقتلك فقال أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله فضحك (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال رده إلى عندك فقال العباس إن أبا سفيان يحب الشرف فشرفه .
قال (صلى الله عليه وآله وسلم) من دخل داره فهو آمن و من ألقى سلاحه فهو آمن .
فلما صلى بالناس الغداة قال للعباس خذه إلى رأس العقبة فأقعده هناك لتراه جنود الله و يراها .
فقال أبو سفيان ما أعظم ملك ابن أخيك قال العباس إنما هي نبوة قال نعم ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تقدم إلى مكة فأعلمهم بالأمان .
فلما دخلها قالت هند اقتلوا هذا الشيخ الضال .
و دخل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مكة و كان وقت الظهر فأمر بلالا فصعد على ظهر الكعبة فأذن فما بقي صنم بمكة إلا سقط على وجهه فلما سمع وجوه قريش الأذان قال
[164]
بعضهم في نفسه الدخول في بطن الأرض خير من سماع هذا .
و قال آخر الحمد لله الذي لم يعش والدي إلى هذا اليوم .
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا فلان قد قلت في نفسك كذا و يا فلان قلت في نفسك كذا .
فقال أبو سفيان أنت تعلم أني لم أقل شيئا .
قال (صلى الله عليه وآله وسلم) اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون .
و منها : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما سار إلى خيبر كانوا قد جمعوا حلفاءهم من العرب من غطفان أربعة آلاف فارس فلما نزل (صلى الله عليه وآله وسلم) بخيبر سمعت غطفان صائحا يصيح في تلك الليلة يا معشر غطفان الحقوا حيكم فقد خولفتم إليهم .
و ركبوا من ليلتهم و صاروا إلى حيهم من الغد فوجدوهم سالمين .
قالوا فعلمنا أن ذلك من قبل الله ليظفر محمد بيهود خيبر .
فنزل (صلى الله عليه وآله وسلم) تحت الشجرة فلما انتصف النهار نادى مناديه قالوا فاجتمعنا إليه فإذا عنده رجل جالس فقال عليكم هذا جاءني و أنا نائم و سل سيفي و قال من يمنعك مني قلت الله يمنعني منك فصار كما ترون لا حراك به .
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) دعوه و لم يعاقبه .
و لما فتح علي (عليه السلام) حصن خيبر الأعلى بقيت لهم قلعة فيها جميع أموالهم و مأكولهم و لم يكن عليها حرب من وجه من الوجوه نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليها محاصرا لمن فيها فصار إليه يهودي منهم فقال يا محمد تؤمنني على نفسي و أهلي و ولدي حتى أدلك على فتح القلعة .
فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنت آمن فما دلالتك .
[165]
قال تأمر أن يحفر هذا الموضع فإنهم يصيرون إلى ماء أهل القلعة فيخرج و يبقون بغير ماء فيسلمون إليك القلعة طوعا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو يحدث الله غير هذا و قد أمناك .
فلما كان من الغد ركب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بغلته و قال للمسلمين اتبعوني و سار نحو القلعة و أقبلت السهام و الحجارة نحوه و هي تمر عن يمنته و يسرته فلا يصيبه و لا أحدا من المسلمين شيء منها حتى وصل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى باب القلعة .
فأشار بيده إلى حائطها فانخفض الحائط حتى صار مع الأرض و قال للناس ادخلوا القلعة من رأس الحائط بغير كلفة .
و منها ما روت عائشة : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث عليا (عليه السلام) يوما في حاجة له فانصرف إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو في حجرتي فلما دخل علي من باب الحجرة استقبله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى وسط واسع من الحجرة فعانقه و أظلتهما غمامة سترتهما عني ثم زالت عنهما الغمامة فرأيت في يد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عنقود عنب أبيض و هو يأكل و يطعم عليا .
فقلت يا رسول الله تأكل و تطعم عليا و لا تطعمني .
قال : إن هذا من ثمار الجنة لا يأكله إلا نبي أو وصي نبي في الدنيا .
و منها : أن نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما بنى مسجده كان فيه جذع نخل إلى جانب المحراب يابس عتيق إذا خطب يستند إليه فلما اتخذ له المنبر و صعده حن ذلك الجذع كحنين الناقة إلى فصيلها فنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاحتضنه فسكن من الحنين ثم رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و يسمى الحنانة .
إلى أن هدم بنو أمية المسجد و جددوا بناءه فقطعوا الجذع .
[166]
و منها : أنه لما بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عسكرا إلى مؤتة ولى عليهم زيد بن حارثة و دفع الراية إليه و قال إن قتل زيد فالوالي عليكم جعفر بن أبي طالب فإن قتل جعفر فالوالي عليكم عبد الله بن رواحة الأنصاري و سكت .
فلما ساروا و قد حضر هذا الترتيب في الولاية من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رجل من اليهود فقال اليهودي إن كان محمد نبيا كما يقول سيقتل هؤلاء الثلاثة فقيل له لم قلت هذا قال لأن أنبياء بني إسرائيل كانوا إذا بعث نبي منهم بعثا في الجهاد فقال إن قتل فلان فالوالي عليكم بعده فلان فإن سمى للولاية كذلك اثنين أو مائة أو أقل أو أكثر قتل جميع من ذكر فيهم الولايات .
قال جابر فلما كان اليوم الذي وقعت فيه حربهم صلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بنا الغداة ثم صعد المنبر فقال قد التقى إخوانكم مع المشركين للمحاربة فأقبل يحدثنا بكرات بعضهم على بعض إلى أن قال قتل زيد و سقطت الراية .
ثم قال قد أخذها جعفر بن أبي طالب و تقدم للحرب بها .
ثم قال قد قطعت يده و قد أخذ الراية بيده الأخرى .
ثم قال و قطعت يده الأخرى و قد احتضن الراية في صدره .
ثم قال قتل جعفر و سقطت الراية ثم أخذها عبد الله بن رواحة و قد قتل من المشركين كذا و قتل من المسلمين فلان و فلان إلى أن ذكر جميع من قتل من المسلمين بأسمائهم .
ثم قال قتل عبد الله بن رواحة و أخذ الراية خالد بن الوليد و انصرف المسلمون .
ثم نزل عن المنبر و صار إلى دار جعفر فدعا عبد الله بن جعفر فأقعده في حجره
[167]
و جعل يمسح على رأسه .
فقالت والدته أسماء بنت عميس يا رسول الله إنك لتمسح على رأسه كأنه يتيم .
قال قد استشهد جعفر في هذا اليوم و دمعت عينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال قطعت يداه قبل أن يستشهد و قد أبدله الله من يديه جناحين من زمرد أخضر فهو الآن يطير بهما في الجنة مع الملائكة كيف يشاء .
و منها : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما بعث سرية ذات السلاسل عقد الراية و سار بها أبو بكر حتى إذا صار بها بقرب المشركين اتصل بهم خبرهم فتحرزوا و لم يصل المسلمون إليهم .
فأخذها عمر و خرج مع السرية فاتصل بهم خبرهم فتحرزوا و لم يصل المسلمون إليهم .
فأخذ الراية عمرو بن العاص فخرج مع السرية و انهزموا أيضا .
فعقد (صلى الله عليه وآله وسلم) الراية لعلي (عليه السلام) و ضمهم إليه و من كان في تلك السرية .
و كان المشركون قد أقاموا رقباء على جبالهم ينظرون إلى كل عسكر يخرج إليهم من المدينة على الجادة فيأخذون حذرهم و استعدادهم .
فلما خرج علي (عليه السلام) ترك الجادة و أخذ بالسرية في الأودية بين الجبال .
فلما رأى عمرو بن العاص قد فعل علي ذلك علم أنه سيظفر بهم فحسده فقال لأبي بكر و عمر و وجوه السرية إن عليا رجل غر لا خبرة له بهذه المسالك و نحن أعرف بها منه و هذا الطريق الذي توجه فيه كثير السباع و سيلقى الناس من معرتها أشد ما يحاذرونه من العدو فاسألوه أن يرجع عنه إلى الجادة فعرفوا أمير المؤمنين (عليه السلام) ذلك قال من كان طائعا لله و لرسوله منكم فليتبعني و من أراد الخلاف على الله و رسوله فلينصرف عني .
[168]
فسكتوا و ساروا معه فكان يسير بهم بين الجبال بالليل و يكمن في الأودية بالنهار و صارت السباع التي فيها كالسنانير إلى أن كبس المشركين و هم غارون آمنون وقت الصبح فظفر بالرجال و الذراري و الأموال فحاز ذلك كله و شد الرجال في الحبال كالسلاسل فلذلك سميت غزاة ذات السلاسل .
فلما كانت الصبيحة التي أغار فيها أمير المؤمنين (عليه السلام) على العدو و من المدينة إلى هناك خمس مراحل خرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و صلى بالناس الفجر و قرأ و العاديات في الركعة الأولى و قال هذه سورة أنزلها الله علي في هذا الوقت يخبرني فيها بإغارة علي على العدو .
و جعل حسده لعلي حسدا له فقال إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ و الكنود الحسود و هو عمرو بن العاص هاهنا إذ هو كان يحب الخير و هو الحياة حين أظهر الخوف من السباع ثم هدده الله تعالى .
و منها أن جابرا قال : إن الحكم بن أبي العاص عم عثمان بن عفان كان يستهزئ من رسول الله بخطوته في مشيته و يسخر منه و كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يمشي يوما و الحكم خلفه يحرك كتفيه و يكسر يديه خلف رسول الله استهزاء منه بمشيته (صلى الله عليه وآله وسلم) فأشار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيده و قال هكذا فكن .
فبقي الحكم على تلك الحال من تحريك أكتافه و تكسير يديه ثم نفاه عن المدينة و لعنه فكان مطرودا إلى أيام عثمان فرده إلى المدينة و أكرمه .
[169]
و منها : أنه لما غزا تبوك كان معه من المسلمين خمسة و عشرون ألفا سوى خدمهم فمر (صلى الله عليه وآله وسلم) في مسيره بجبل يرشح الماء من أعلاه إلى أسفله من غير سيلان فقالوا ما أعجب رشح هذا الجبل .
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) إنه يبكي قالوا و الجبل يبكي .
قال (صلى الله عليه وآله وسلم) أ تحبون أن تعلموا ذلك قالوا نعم .
قال (صلى الله عليه وآله وسلم) أيها الجبل مم بكاؤك .
فأجابه الجبل و قد سمعه الجماعة بلسان فصيح يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مر بي عيسى ابن مريم و هو يتلو ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ فأنا أبكي منذ ذلك اليوم خوفا من أن أكون من تلك الحجارة فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) اسكن من بكائك فلست منها إنما تلك الحجارة الكبريت فجف ذلك الرشح من الجبل في الوقت حتى لم ير شيء من ذلك الرشح و من تلك الرطوبة التي كانت .
و منها : أنه لما صار بتبوك و اختلف الرسل بين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و ملك الروم فطالت في ذلك الأيام حتى نفد الزاد فشكوا إليه نفاده فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) من كان معه شيء من الدقيق أو تمر أو سويق فليأتني .
فجاءه رجل بكف تمر و الآخر بكف سويق فبسط رداءه و جعل ذلك عليه و وضع يده على كل واحد منها ثم قال نادوا في الناس من أراد الزاد فليأت .
فأقبل الناس يأخذون الدقيق و التمر و السويق حتى ملئوا جميع ما كان معهم من
[170]
الأوعية و ذلك الدقيق و التمر و السويق على حاله ما نقص من واحد منها شيء و لا زاد على ما كان ثم سار إلى المدينة فنزل يوما على واد كان يعرف فيه الماء فيما تقدم فوجدوه يابسا لا ماء فيه فقالوا ليس في الوادي ماء يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخرج سهما من كنانته فقال لرجل خذه فانصبه في أعلى الوادي .
فنصبه حيث أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فتفجرت من حول السهم اثنتا عشرة عينا تجري في الوادي من أعلاه إلى أسفله و ارتووا و ملئوا القرب
[171]
الباب الثاني في معجزات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)
و منها عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) : أن العباس بن عبد المطلب و نوفل بن قعنب كانا جالسين ما بين بني هاشم إلى فريق عبد العزى بإزاء بيت الله إذ أتت فاطمة بنت أسد فوقفت و قد أخذها الطلق و دعت قالا رأينا البيت و قد انفتح عن ظهره فدخلت و غابت عن أبصارنا و انغلق الباب ثم عادت الفتحة ثم التزقت فرمنا أن نفتح الباب لتصل إليها بعض نسائنا فما انفتح فعلمنا أن ذلك أمر من الله فبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيام و أهل مكة يتحدثون بذلك ثم انفتح البيت من الموضع الذي دخلت فيه فخرجت و علي (عليه السلام) على يدها فقالت كنت آكل من ثمار الجنة في ثلاثة أيام فلما رأى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال السلام عليك يا رسول الله و ضحك في وجهه و وضع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لسانه في فيه فانفجرت اثنتا عشر عينا
[172]
و منها ما روي عن الثمالي عن رميلة و كان ممن صحب عليا (عليه السلام) قال : و صار إليه نفر من أصحابه فقالوا إن وصي موسى كان يريهم الدلائل و العلامات و البراهين و المعجزات و كان وصي عيسى يريهم كذلك .
فلو أريتنا شيئا تطمئن إليه و به قلوبنا .
قال إنكم لا تحتملون علم العالم و لا تقوون على براهينه و آياته و ألحوا عليه .
فخرج بهم نحو أبيات الهجريين حتى أشرف بهم على السبخة فدعا خفيا ثم قال اكشفي غطاءك فإذا بجنات و أنهار في جانب و إذا بسعير و نيران من جانب .
فقال جماعة سحر سحر .
و ثبت آخرون على التصديق و لم ينكروا مثلهم و قالوا
لقد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار .
و منها : أنه اختصم رجل و امرأة إليه فعلا صوت الرجل على المرأة فقال له علي (عليه السلام) اخسأ و كان خارجيا فإذا رأسه رأس كلب فقال رجل يا أمير المؤمنين صحت بهذا الخارجي فصار رأسه رأس كلب فما يمنعك عن معاوية فقال ويحك لو أشاء أن آتي معاوية إلى هاهنا على سريره لدعوت الله حتى فعل .
و لكنا لله خزان لا على ذهب و لا فضة و لا إنكار على أسرار تدبير الله .
أ ما تقرأ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ .
و في رواية قال : إنما أدعو هؤلاء لثبوت الحجة و كمال المحنة و لو أذن في الدعاء بهلاك معاوية لما تأخر .
[173]
و منها أن الباقر (عليه السلام) قال : شكا أهل الكوفة إلى علي (عليه السلام) زيادة الفرات فركب هو و الحسن و الحسين (عليه السلام) فوقف على الفرات و قد ارتفع الماء على جانبيه فضربه بقضيب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنقص ذراع و ضربه أخرى فنقص ذراعان فقالوا يا أمير المؤمنين لو زدتنا فقال إني سألت الله فأعطاني ما رأيتم و أكره أن أكون عبدا ملحا .