و منها ما روى الحارث الأعور قال : بينا أمير المؤمنين (عليه السلام) يخطب بالكوفة على المنبر إذ نظر إلى زاوية المسجد فقال يا قنبر ائتني بما في ذلك الجحر فإذا هو بأرقط حية من أحسن ما يكون .
فأقبل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فجعل يساره ثم انصرف إلى الجحر فتعجب الناس قال أ تعجبون قالوا و ما لنا لا نعجب .
قال ما ترون هذه الحية بايعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على السمع و الطاعة و هي سامعة مطيعة لي و أنا وصي رسول الله آمركم بالسمع و الطاعة فمنكم من يسمع و يطيع و منكم من لا يسمع و لا يطيع .
قال الحارث فكنا مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في كناسة إذ أقبل أسد يهوي
[192]
من البر فتقضقضنا من حوله و جاء الأسد حتى قام بين يديه فوضع يديه بين أذنيه فقال له علي (عليه السلام) ارجع بإذن الله و لا تدخل دار الهجرة بعد اليوم و أبلغ السباع عني .
و منها ما روي عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) : أن أمير المؤمنين (عليه السلام) ملك ما فوق الأرض فاختار الصعبة على الذلول فركبها فدارت به سبع أرضين فوجد ثلاثا منها خراب و أربعا عوامر .
و منها ما روي عن الرضا عن آبائه (عليهم السلام) : أن غلاما يهوديا قدم على أبي بكر في خلافته فقال السلام عليك يا أبا بكر فوجئ عنقه و قيل له
[193]
لم لم تسلم عليه بالخلافة ثم قال له أبو بكر ما حاجتك قال مات أبي يهوديا و خلف كنوزا و أموالا فإن أنت أظهرتها و أخرجتها إلي أسلمت على يديك و كنت مولاك و جعلت لك ثلث ذلك المال و ثلثا للمهاجرين و الأنصار و ثلثا لي فقال أبو بكر يا خبيث و هل يعلم الغيب إلا الله و نهض أبو بكر ثم انتهى اليهودي إلى عمر فسلم عليه و قال إني أتيت أبا بكر أسأله عن مسألة فأوجعت ضربا و أنا أسألك عن المسألة و حكى قصته قال و هل يعلم الغيب إلا الله ثم خرج اليهودي إلى علي (عليه السلام) و هو في المسجد فسلم عليه و قال يا أمير المؤمنين و قد سمعه أبو بكر و عمر فوكزوه و قالوا يا خبيث هلا سلمت على الأول كما سلمت على علي و الخليفة أبو بكر فقال اليهودي و الله ما سميته بهذا الاسم حتى وجدت ذلك في كتب آبائي و أجدادي في التوراة فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) و ما حاجتك قال مات أبي يهوديا و خلف كنوزا كثيرة و أموالا فلم يطلعني عليها فإن أخرجتها لي أسلمت على يديك فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) و تفي بما تقول قال نعم و أشهد الله و ملائكته و جميع من يحضرني قال نعم فدعا برق أبيض فكتب عليه كتابا ثم قال تحسن أن تكتب قال نعم قال خذ معك ألواحا و صر إلى بلاد اليمن و سل عن وادي برهوت بحضرموت فإذا صرت بطرف الوادي عند غروب الشمس فاقعد هناك فإنه سيأتيك غرابيب سود مناقيرها و هي تنعب فإذا هي نعبت فاهتف
[194]
باسم أبيك و قل يا فلان أنا رسول وصي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فكلمني فإنه سيجيبك أبوك فلا تفتر عن سؤاله عن الكنوز التي خلفها فكل ما أجابك به في ذلك الوقت و تلك الساعة فاكتبه في ألواحك فإذا انصرفت إلى بلادك بلاد خيبر فتتبع ما في ألواحك و اعمل بما فيها فمضى اليهودي حتى انتهى إلى بلاد اليمن و قعد هناك كما أمره فإذا هو بالغرابيب السود قد أقبلت تنعب فهتف اليهودي فأجابه أبوه و قال ويلك ما جاء بك في هذا الوقت إلى هذا الموطن و هو من مواطن أهل النار قال جئتك أسألك عن كنوزك أين خلفتها قال في جدار كذا في موضع كذا في حيطان كذا فكتب الغلام ذلك ثم قال ويلك اتبع دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و انصرفت الغرابيب و رجع اليهودي إلى بلاد خيبر و خرج بغلمانه و فعلته و إبل و جواليق و تتبع ما في ألواحه فأخرج كنزا من أواني الفضة و كنزا من أواني الذهب ثم أوقر عيرا و جاء حتى دخل على علي (عليه السلام) فقال يا أمير المؤمنين أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله و أنك وصي محمد و أخوه و أمير المؤمنين حقا كما سميت و هذه عير دراهم و دنانير فاصرفها حيث أمرك الله و رسوله و اجتمع الناس فقالوا لعلي كيف علمت هذا قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و إن شئت أخبرتكم بما هو أصعب من هذا قالوا فافعل قال كنت ذات يوم تحت سقيفة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و إني لأحصي ستا و ستين وطأة كل ملائكة أعرفهم بلغاتهم و صفاتهم و أسمائهم و وطئهم
[195]
و منها ما روى سعد الخفاف عن زاذان أبي عمرو : قلت يا زاذان إنك لتقرأ القرآن فتحسن قراءته فعلى من قرأت فتبسم ثم قال إن أمير المؤمنين (عليه السلام) مر بي و أنا أنشد الشعر و كان لي خلق حسن فأعجبه صوتي فقال يا زاذان هلا بالقرآن قلت و كيف لي بالقرآن فو الله ما أقرأ منه إلا بقدر ما أصلي به قال فادن مني فدنوت منه فتكلم في أذني بكلام ما عرفته و لا علمت ما يقول ثم قال لي افتح فاك فتفل في في فو الله ما زالت قدمي من عنده حتى حفظت القرآن بإعرابه و همزه و ما احتجت أن أسأل عنه أحدا بعد موقفي ذلك قال سعد فقصصت قصة زاذان على أبي جعفر (عليه السلام) قال صدق زاذان إن أمير المؤمنين (عليه السلام) دعا لزاذان بالاسم الأعظم الذي لا يرد .
و منها أن عليا (عليه السلام) قال يوما : لو وجدت رجلا ثقة لبعثت معه بمال إلى المدائن إلى شيعتي فقال رجل في نفسه لآتينه و لأقولن أنا أذهب بالمال فهو يثق بي فإذا أخذته أخذت طريق الشام إلى معاوية فجاء إلى علي (عليه السلام) فقال يا أمير المؤمنين أنا أذهب بالمال فرفع رأسه فقال إليك عني تأخذ طريق الشام إلى معاوية .
و منها ما روى داود العطار قال : قال رجل سألني رجل من صحابة أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال لي انطلق حتى نسلم على أمير المؤمنين (عليه السلام) قال
[196]
و كنت لا أحب ذلك فلم يزل بي حتى أتيت معه فسلمنا عليه .
فرفع أمير المؤمنين (عليه السلام) الدرة فضرب بها ساقي فنزوت فقال انز انز إنك مكره إنك ميسرة .
ثم ذهب فقيل له صنع بك أمير المؤمنين ما لم يصنع بأحد .
قال إني كنت مملوكا لآل فلان و كان اسمي ميسرة ففارقتهم و ادعيت إلى من لست أنا منه فسماني أمير المؤمنين باسمي .
و منها ما روى معاوية بن جرير الحضرمي قال : عرض الخيل على علي (عليه السلام) فجاء ابن ملجم إليه فسأله عن اسمه و نسبه فانتمى إلى غير أبيه قال كذبت حتى انتسب إلى أبيه فقال صدقت .
و منها ما روي عن عمر بن أذينة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : دخل الأشتر على علي (عليه السلام) فسلم فأجابه فقال علي (عليه السلام) ما أدخلك علي في هذه الساعة قال حبك يا أمير المؤمنين قال (عليه السلام) فهل رأيت ببابي أحدا قال نعم أربعة نفر فخرج الأشتر معه فإذا بالباب أكمه و مكفوف و مقعد و أبرص فقال (عليه السلام) ما تصنعون هاهنا قالوا جئناك لما بنا فرجع ففتح حقا له فأخرج رقا أبيض فيه كتاب أبيض فقرأ عليهم فقاموا كلهم من غير علة
[197]
و منها ما روي عن أبي الصيرفي عن رجل من مراد قال : كنت واقفا على رأس أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم البصرة إذ أتاه ابن عباس بعد القتال فقال إن لي حاجة .
فقال (عليه السلام) ما أعرفني بالحاجة التي جئت فيها تطلب الأمان لابن الحكم قال ما جئت إلا لتؤمنه قال قد آمنته و لكن اذهب و جئني به و لا تجئني به إلا رديفا فإنه أذل له .
فجاء به ابن عباس مردفا خلفه كأنه قرد قال أمير المؤمنين (عليه السلام) تبايع قال نعم و في النفس ما فيها قال الله أعلم بما في القلوب .
فلما بسط يده ليبايعه أخذ كفه عن كف مروان فنترها فقال لا حاجة لي فيها إنها كف يهودية لو بايعني بيده عشرين مرة لنكث باسته ثم قال هيه يا ابن الحكم خفت على رأسك أن يقع في هذه المعمعة كلا و الله حتى يخرج من صلبك فلان و فلان يسومون هذه الأمة خسفا و يسقونهم كأسا مصبرة .
[198]
و منها ما روي عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن بعض الكوفيين قال : دخل أسد الكوفة فقال دلوني على أمير المؤمنين (عليه السلام) فذهبوا معه فدلوه عليه .
فلما نظر إليه الأسد مضى نحوه يلوذ به و يتبصبص إليه فمسح علي (عليه السلام) ظهره ثم قال له اخرج فنكس الأسد رأسه و نبذ ذنبه على ظهره و لا يلتفت يمينا و لا شمالا حتى خرج منها. .
و منها أن عوف بن مروان قال : إن راكبا قدم من الشام فأفشى في الكوفة أن معاوية مات فجيء بالرجل إلى علي (عليه السلام) فقال أنت شهدت موت معاوية قال نعم كنت فيمن دفنه .
فقال له علي إنك كاذب فقال القوم أ هو يكذب قال نعم لأن معاوية لا يموت حتى يملك هذه الأمة و يفعل كذا و يفعل كذا بعد ما ملك .
فقال القوم فلم تقاتله و أنت تعلم أنه سيبلغ هذا قال للحجة .
و عن مينا قال : سمع علي (عليه السلام) ضوضاء في عسكره فقال ما هذا قالوا هلك معاوية قال كلا و الذي نفسي بيده لن يهلك حتى تجتمع عليه هذه الأمة .
[199]
فقالوا فبم تقاتله قال ألتمس العذر فيما بيني و بين الله .
و منها : أن الأشعث بن قيس استأذن على علي (عليه السلام) فرده قنبر فأدمى أنفه فخرج علي (عليه السلام) فقال ما لي و لك يا أشعث أما و الله لو بعبد ثقيف تمرست لاقشعرت شعيرات استك .
قال و من غلام ثقيف قال غلام يليهم لا يبقي بيتا من العرب إلا أدخلهم الذل قال كم يلي قال عشرين إن بلغها .
قال الراوي فولي الحجاج سنة خمس و سبعين و مات سنة خمس و تسعين .
و منها ما انتشرت به الآثار عنه (عليه السلام) من قوله قبل قتاله الفرق الثلاث بعد بيعته :
أمرت بقتال الناكثين , و القاسطين , و المارقين .
فقاتلهم و كان الأمر فيما خبر به على ما قال .
و قال (عليه السلام) : لطلحة و الزبير حين استأذناه في الخروج إلى العمرة : لا و الله ما تريدان العمرة و لكن تريدان البصرة
فكان كما قال .
و قال (عليه السلام) لابن عباس : و هو يخبره به عن استيذانهما له في العمرة : إنني أذنت لهما مع علمي بما انطويا عليه من الغدر فاستظهرت بالله عليهما و أن الله سيرد كيدهما و يظفرني بهما
و كان كما قال .
[200]
و قال بذي قار و هو جالس لأخذ البيعة : يأتيكم من قبل الكوفة ألف رجل لا يزيدون رجلا و لا ينقصون رجلا يبايعوني على الموت .
قال ابن عباس : فجزعت لذلك و خفت أن ينقص القوم عن العدد أو يزيدوا عليه فيفسد الأمر علينا ; و إني أحصي القوم فاستوفيت عددهم تسعمائة رجل و تسعة و تسعين رجلا ; ثم انقطع مجيء القوم .
فقلت : إنا لله و إنا إليه راجعون , ما ذا حمله على ما قال .
فبينا أنا مفكر في ذلك إذ رأيت شخصا قد أقبل حتى دنا و هو راجل عليه قباء صوف و معه سيف و ترس و إداوة فقرب من أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال امدد يديك أبايعك فقال علي (عليه السلام) و على ما تبايعني قال على السمع و الطاعة و القتال بين يديك حتى أموت أو يفتح الله عليك فقال ما اسمك قال أويس قال أويس القرني قال نعم قال الله أكبر .
أخبرني حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أني أدرك رجلا من أمته يقال له أويس القرني يكون من حزب الله و رسوله و يموت على الشهادة يدخل في شفاعته مثل ربيعة و مضر
قال ابن عباس فسرى عني . و منها : قوله (عليه السلام) و قد رفع أهل الشام المصاحف و شك فريق من أصحابه و لجئوا إلى المسالمة و دعوه إليها : ويلكم إن هذه خديعة و ما يريد القوم
[201]
القرآن لأنهم ليسوا من أهل قرآن فاتقوا الله و امضوا على بصائركم في قتالهم فإن لم تفعلوا تفرقت بكم السبل و ندمتم حين لا تنفعكم الندامة . و كان كما قال .
و منها ما تواترت به الروايات : من نعيه نفسه قبل موته و أنه يخرج من الدنيا شهيدا من قوله و الله ليخضبنها من فوقها ; و أومأ إلى شيبته , ما يحبس أشقاها أن يخضبها بدم .
و قوله (عليه السلام) أتاكم شهر رمضان و فيه تدور رحى السلطان , ألا و إنكم حاجوا العام صفا واحدا ; و آية ذلك أني لست فيكم
و كان يفطر في هذا الشهر ليلة عند الحسن و ليلة عند الحسين و ليلة عند عبد الله بن جعفر زوج زينب بنته لأجلها لا يزيد على ثلاث لقم فقيل له في ذلك فقال يأتيني أمر الله و أنا خميص إنما هي ليلة أو ليلتان فأصيب من الليل .
و قد توجه إلى المسجد في الليلة التي ضربه الشقي في آخرها فصاح الإوز في وجهه فطردهن الناس فقال دعوهن فإنهن نوائح و منها أنه لما بلغه ما صنع بسر بن أرطاة باليمن قال (عليه السلام) اللهم إن بسرا باع دينه بالدنيا فاسلبه عقله .
فبقي بسر حتى اختلط فاتخذ له سيفا من خشب يلعب به حتى مات .
[202]
و منها : ما استفاض عنه (عليه السلام) من قوله : إنكم ستعرضون من بعدي على سبي , فسبوني ; فإن عرض عليكم البراءة مني , فلا تبرءوا مني ; فكان كما قال .
و منها : قوله (عليه السلام) لجويرية بن مسهر لتعتلن إلى العتل الزنيم و ليقطعن يدك و رجلك ثم ليصلبنك .
ثم مضى دهر حتى ولي زياد في أيام معاوية فقطع يده و رجله ثم صلبه .
[203]
و منها ما روي من قوله (عليه السلام) : إني دعوتكم إلى الحق فتلونتم علي و ضربتكم بالدرة فأعييتموني أما إنه سيكلبكم بعدي ولاة يعذبونكم بالسياط و الحديد و آية ذلك حين يأتيكم صاحب اليمن الحجاج فيأخذ العمال و عمال العمال فكان كما قال (عليه السلام) .
و منها ما رووه : أن ميثما التمار كان عبدا لامرأة فاشتراه علي (عليه السلام) فأعتقه و قال له ما اسمك قال سالم قال حدثني رسول الله بأن اسمك الذي سماك به أبوك في العجم ميثم .
قال صدق الله و رسوله و صدقت و الله إنه لاسمي قال فارجع إلى اسمك الذي سماك به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فرجع إلى ميثم و اكتنى بأبي سالم فقال (عليه السلام) إنك لتؤخذ بعدي فتصلب و كان كما قال .
و منها ما تظاهر به الخبر : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث عليا (عليه السلام) إلى وادي الجن و قد أخبره جبرئيل (عليه السلام) أن طوائف منهم قد اجتمعوا لكيده فأغنى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و كفى الله المؤمنين به كيدهم و دفعهم بقوته عن المسلمين .
[204]
قال ابن عباس : لما خرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى غزاة بني المصطلق جنب عن الطريق و أدركه الليل فنزل بقرب واد وعر .
فلما كان في آخر الليل هبط جبرئيل عليه يخبره أن طائفة من كفار الجن قد استبطنوا الوادي يريدون كيده و إيقاع الشر بأصحابه عند سلوكهم إياه .
فدعا عليا (عليه السلام) و قال له اذهب إلى هذا الوادي فسيعرض لك من أعداء الله الجن من يريدك فادفعه بالقوة التي أعطاك الله و تحصن منه بأسماء الله الذي خصك بعلمها و أنفذ معه مائة رجل من أخلاط الناس فقال لهم كونوا معه و امتثلوا أمره .
فتوجه أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الوادي فلما قارب شفيره أمر المائة الذين صحبوه أن يقفوا بقرب الشفير و لا يحدثوا شيئا حتى يأذن لهم ثم تقدم فوقف على شفير الوادي و تعوذ بالله من الأعداء و سمى الله و أومأ إلى القوم الذين اتبعوه أن يقربوا منه فقربوا و كان بينهم و بينه غلوة ثم رام الهبوط فاعترضت ريح عاصف كاد أن يقع القوم على وجوههم لشدتها و لم تثبت على الأرض أقدامهم من هول ما لحقهم .
فصاح أمير المؤمنين (عليه السلام) أنا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و ابن عمه اثبتوا إن شئتم .
فظهر للقوم أشخاص على صورة الزط و هم الزنج يخيل في أيديهم شعل النار قد اطمأنوا بجنبات الوادي فتوغل أمير المؤمنين (عليه السلام) بطن الوادي و هو يقرأ القرآن و يومي بسيفه يمينا و شمالا فما لبث الأشخاص حتى صارت كالدخان الأسود و كبر علي (عليه السلام) ثم صعد من حيث انهبط فقام مع القوم الذين اتبعوه حتى أسفر الموضع عما اعتراه .
[205]
فقال له الصحابة ما لقيت يا أبا الحسن فلقد كدنا أن نهلك خوفا و أشفقنا عليك .
فقال (عليه السلام) لهم إنه لما تراءى لي العدو جهرت فيهم بأسماء الله تعالى فتضاءلوا و علمت ما حل بهم من الجزع فتوغلت الوادي غير خائف منهم و لو بقوا على هيئتهم لأتيت على آخرهم و قد كفى الله كيدهم و كفى المؤمنين شرهم و قد سبقتني بقيتهم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فانصرف و دعا له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال قد سبقك إلي يا علي من أخافه الله بك فأسلم ثم قطعوا الوادي آمنين .
[207]
و منها ما روى جميع بن عمير قال : اتهم علي (عليه السلام) رجلا يقال له العيزار يرفع أخباره إلى معاوية فأنكر ذلك و جحده .
فقال له : أ تحلف بالله أنك ما فعلت ذلك ?
قال : نعم , و بدر فحلف .
فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : إن كنت كاذبا فأعمى الله بصرك .
فما دارت الجمعة حتى أخرج أعمى يقاد قد أذهب الله بصره .
و منها ما روي عن طلحة بن عميرة قال : نشد علي (عليه السلام) الناس في قول
[208]
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من كنت مولاه فعلي مولاه فشهد اثنا عشر رجلا من الأنصار و أنس بن مالك حاضر لم يشهد فقال علي (عليه السلام) يا أنس ما يمنعك أن تشهد و قد سمعت ما سمعوا قال كبرت و نسيت فقال (عليه السلام) اللهم إن كان كاذبا فاضربه ببياض أو بوضح لا تواريه العمامة قال ابن عميرة فأشهد بالله لقد رأيتها بيضاء بين عينيه .
و منها ما روي عن زيد بن أرقم قال : نشد علي (عليه السلام) الناس في المسجد فقال أنشد الله رجلا سمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه فقام اثنا عشر بدريا ستة من الجانب الأيمن و ستة من الجانب الأيسر فشهدوا بذلك قال زيد و كنت فيمن سمع ذلك فكتمته فذهب الله ببصري و كان يندم على ما فاته من الشهادة و يستغفر .
[209]
و منها ما روي عن حكيم بن جبير و جماعة قالوا : شهدنا عليا (عليه السلام) على المنبر و هو يقول أنا عبد الله و أخو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ورثت نبي الرحمة و نكحت سيدة نساء أهل الجنة و أنا سيد الوصيين و آخر أوصياء النبيين لا يدعي ذلك غيري إلا أصابه الله بسوء فقال رجل من عبس كان جالسا بين القوم من لا يحسن أن يقول هذا أنا عبد الله و أخو رسول الله فلم يبرح مكانه حتى تخبطه الشيطان فجر برجله إلى باب المسجد فسألنا قومه عنه فقلنا تعرفون منه عرضا قبل هذا قالوا اللهم لا
[210]
و منها : أن سبعة إخوة أو عشرة في حي من أحياء العرب كانت لهم أخت واحدة فقالوا لها كل ما يرزقنا الله من عرض الدنيا و حطامها فإنا نطرحه بين يديك و نحكمك فيه فلا ترغبي في التزويج فحميتنا لا تحتمل ذلك فوافقتهم في ذلك و رضيت به و قعدت في خدمتهم و هم يكرمونها .
فحاضت يوما فلما طهرت أرادت الاغتسال و خرجت إلى عين ماء كانت بقرب حيهم فخرجت من الماء علقة فدخلت في جوفها و قد جلست في الماء فمضت عليها أيام و العلقة تكبر حتى علا بطنها و ظن الإخوة أنها حبلى و قد خانت فأرادوا قتلها .
قال بعضهم نرفع خبرها إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فإنه يتولى ذلك فأخرجوها إلى حضرته و قالوا فيها ما ظنوا بها فاستحضر طشتا مملوا بالحمأة و أمرها أن تقعد عليه فلما أحست العلقة برائحة الحمأة نزلت من جوفها فقالوا يا علي أنت ربنا أنت ربنا العلي فإنك تعلم الغيب فزبرهم و قال إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبرنا بذلك عن الله بأن هذه الحادثة تقع في هذا اليوم في هذا الشهر في هذه الساعة .
و منها : أن الصحابة سألوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يأمر الريح فتحملهم إلى
[211]
أصحاب الكهف ففعل فلما نزلوا هناك سلم عليهم أبو بكر و عمر و عثمان فلم يردوا عليهم ثم قام القوم الآخرون كلهم فسلموا فلم يردوا عليهم أيضا .
فقام علي (عليه السلام) فقال السلام عليكم يا أصحاب الكهف و الرقيم الذين كانوا من آياتنا عجبا فقالوا و عليك السلام و رحمة الله و بركاته يا أبا الحسن .
فقال أبو بكر سل القوم ما لنا سلمنا عليهم و لم يجيبوا فسألهم علي (عليه السلام) فقالوا إنا لا نكلم إلا نبيا أو وصي نبي و أنت وصي خاتم الأنبياء .
ثم قال علي (عليه السلام) يا ريح احملينا .
قالوا فإذا نحن في الهواء فلما أن كان في جوف الليل قال علي (عليه السلام) يا ريح ضعينا ثم قام فركض برجله فإذا نحن بعين ماء فتوضأ ثم قال فتوضئوا فإنكم مدركون بعض صلاة الصبح مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
ثم قال يا ريح احملينا فأدركنا آخر ركعة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
فلما أن قضينا ما سبقنا به التفت إلينا و أمرنا بالإتمام فلما فرغنا قال يا أنس أحدثكم أو تحدثوننا قلت يا رسول الله من فيك أحسن .
فحدثنا كأنه كان معنا ثم قال اشهد بهذا لعلي يا أنس .
قال أنس فاستشهدني علي (عليه السلام) و هو على المنبر فداهنت في الشهادة .
فقال إن كنت كتمتها مداهنة من بعد وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأبرصك الله و أعمى عينيك و أظمأ جوفك فلم أبرح من مكاني حتى عميت و برصت .
و كان أنس لا يستطيع الصوم في شهر رمضان و لا في غيره من شدة الظماء و كان يطعم في شهر رمضان كل يوم مسكينين حتى فارق الدنيا و هو يقول هذا من دعوة علي .
[212]
و منها : أنه أتي عمر بأسير في عهده فعرض عليه الإسلام فأبى فأمر بقتله قال لا تقتلوني و أنا عطشان فجاءوا بقدح ملآن ماء فقال لي الأمان إلى أن أشرب قال عمر نعم فأراق الماء على الأرض فنشفته قال عمر اقتلوه فإنه احتال .
فقال علي بن أبي طالب (عليه السلام) لا يجوز لك قتله و قد آمنته قال ما أفعل به قال اجعله لرجل من المسلمين بقيمة عدل قال و من يرغب فيه قال أنا قال هو لك فأخذ أمير المؤمنين (عليه السلام) القدح بكفه فدعا فإذا ذلك الماء اجتمع في القدح فأسلم لذلك فأعتقه أمير المؤمنين (عليه السلام) فلزم المسجد و التعبد .
فلما قتل أبو لؤلؤة عمر ظن عبيد الله بن عمر أن الهرمزان قتل أباه فدخل المسجد و قتله فعرفوا عمر حاله فقال أخطأ قتلني أبو لؤلؤة الهرمزان مولى علي بن أبي طالب و لا يوصي إلا بقتل عبيد الله فتوفي عمر و قام عثمان فلم يقتل عبيد الله و قال علي (عليه السلام) إن مكنني الله منه لأقتله فلما قتل عثمان هرب عبيد الله إلى معاوية و ظفر به بصفين فقتله و هو متقلد بسيفين .
و منها : أنه صعب على المسلمين قلعة فيها كفار و يئسوا من فتحها فعقد في المنجنيق و رماه الناس إليها و في يده ذو الفقار فنزل عليهم و فتح القلعة .