[213]
و منها : أن قوما من النصارى كانوا دخلوا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و قالوا نخرج و نجيء بأهالينا و قومنا فإن أنت أخرجت مائة ناقة من الحجر لنا سوداء مع كل واحدة فصيل آمنا .
فضمن ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و انصرفوا إلى بلادهم .
فلما كان بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رجعوا فدخلوا المدينة فسألوا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقيل لهم توفي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا نحن نجد في كتبنا أنه لا يخرج من الدنيا نبي إلا و يكون له وصي فمن كان وصي نبيكم محمد .
فدلوا على أبي بكر فدخلوا عليه , و قالوا : لنا دين على محمد .
فقال : و ما هو ?
قالوا : مائة ناقة و مع كل ناقة فصيل و كلها سود .
فقال : ما ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تركة تفي بذلك .
فقال بعضهم لبعض بلسانهم : ما كان أمر محمد إلا باطلا .
و كان سلمان حاضرا و كان يعرف لغتهم , فقال لهم : أنا أدلكم على وصي رسول الله .
فإذا بعلي قد دخل المسجد فنهضوا إليه مع سلمان , و جثوا بين يديه .
قالوا : لنا على نبيكم مائة ناقة دينا بصفات مخصوصة .
قال علي (عليه السلام) : و تسلمون حينئذ ?
قالوا : نعم .
فواعدهم إلى الغد , ثم خرج بهم إلى الجبانة , و المنافقون يزعمون أنه يفتضح .
فلما وصل إليها , صلى ركعتين و دعا خفيا ; ثم ضرب بقضيب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الحجر , فسمع منه أنين كما يكون للنوق عند مخاضها .
[214]
فبينا كذلك إذ انشق الحجر فخرج منه رأس ناقة قد تعلق منه الزمام .
فقال (عليه السلام) لابنه الحسن خذه .
فخرج منه مائة ناقة مع كل واحدة فصيل كلها سود الألوان .
فأسلم النصارى كلهم , ثم قالوا : كانت ناقة صالح النبي واحدة و كان بسببها هلاك قوم كثير فادع الله يا أمير المؤمنين حتى ترجع النوق و فصالها في الحجر لئلا يكون شيء منها سبب هلاك أمة محمد .
فدعا ; فدخلت مثلما خرجت .
و منها أن أبا عبد الله الغنوي قال : إنا لجلوس مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) يوم الجمل إذ جاءه الناس فقالوا لقد نالنا النبل و النشاب فسكت ثم جاء آخرون يهتفون به و قالوا قد جرحنا .
فقال (عليه السلام) يا قوم من يعذرني من قوم يأمروني بالقتال و لم تنزل بعد الملائكة فقال إنا لجلوس ما نرى ريحا و لا نحسها إذ هبت ريح طيبة من خلفنا و الله لوجدت بردها بين كتفي من تحت الدرع و الثياب .
قال فلما هبت الريح صب أمير المؤمنين (عليه السلام) درعه ثم قام إلى القوم فما رأيت فتحا كان أسرع منه
[215]
.
و منها أن ابن الكواء قال لعلي (عليه السلام) : أين كنت حيث ذكر الله أبا بكر فقال ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ فقال (عليه السلام) ويلك يا ابن الكواء كنت على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد طرح علي ريطته فأقبلت قريش مع كل رجل منهم هراوة فيها شوكها فلم يبصروا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأقبلوا علي يضربونني حتى تنفط جسدي و أوثقوني بالحديد و جعلوني في بيت و استوثقوا الباب بقفل و جاءوا بعجوز تحرس الباب فسمعت صوتا يقول يا علي فسكن الوجع الذي أجده و سمعت صوتا آخر يقول يا علي فإذا الحديد الذي علي قد تقطع ثم سمعت صوتا يا علي فإذا الباب فتح فخرجت و العجوز لا تعقل .
و منها ما روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال : لما قتل علي (عليه السلام) عمرو بن عبد ود أعطى سيفه ذا الفقار الحسن (عليه السلام) و قال قل لأمك تغسل هذا الصقيل فرده و علي (عليه السلام) عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و في وسطه نقطة لم تنق فقال أ ليس قد غسلته الزهراء قال نعم قال فما هذه النقطة فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يا علي سل
[216]
ذا الفقار يخبرك فهزه و قال أ ليس قد غسلتك الطاهرة من دم الرجس النجس فأنطق الله السيف فقال نعم و لكنك ما قتلت بي أبغض إلى الملائكة من عمرو بن عبد ود فأمرني ربي فشربت هذه النقطة من دمه و هو حظي منه فلا تنتضيني يوما إلا و رأته الملائكة فصلت عليك .
و منها ما أخبرنا به أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي قال حدثنا أبي قال حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد الميداني حدثنا أبو عمرو محمد بن يحيى حدثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن محمد بن عمر قال سمعت أبا القاسم الحسن بن محمد المعروف بابن الوفا بالكوفة يقول : كنت بالمسجد الحرام فرأيت الناس مجتمعين حول مقام إبراهيم فقلت ما هذا قالوا راهب أسلم فأشرفت عليه فإذا أنا بشيخ كبير عليه جبة صوف و قلنسوة صوف عظيم الخلق و هو قاعد بحذاء مقام إبراهيم فسمعته يقول كنت قاعدا في صومعتي فأشرفت منها فإذا طائر كالنسر قد سقط على صخرة على شاطئ البحر فتقيأ فرمى بربع إنسان ثم طار فتفقدته فعاد فتقيأ فرمى بربع إنسان ثم طار ثم جاء فتقيأ بربع إنسان ثم طار ثم جاء فتقيأ بربع إنسان ثم طار فدنت الأرباع فقام رجلا فهو قائم و أنا أتعجب منه ثم انحدر الطير فضربه و أخذ ربعه فطار ثم رجع فأخذ ربعه فطار ثم رجع فأخذ ربعا آخر فطار ثم رجع فأخذ الربع الآخر .
فبقيت أتفكر و تحسرت أن لا أكون لحقته فسألته من هو فبقيت أتفقد الصخرة
[217]
حتى رأيت الطير قد أقبل فتقيأ بربع إنسان فنزلت فقمت بإزائه فلم أزل حتى تقيأ بالربع الرابع ثم طار فالتأم رجلا فقام قائما .
فدنوت منه فسألته فقلت من أنت فسكت عني فقلت بحق من خلقك من أنت قال أنا ابن ملجم فقلت و أيش عملت قال قتلت علي بن أبي طالب فوكل بي هذا الطير يقتلني كل يوم قتلة .
فهو يحدثني إذ انقض الطائر فضربه فأخذ ربعه و طار فسألت عن علي فقالوا ابن عم رسول الله و وصيه فأسلمت .
و منها ما روى مكحول : أن مرحبا اليهودي قدمته اليهود لشجاعته و يساره و كان طويل القامة عظيم الهامة و ما واقفه قرن لعظم خلقه و كانت له ظئر قد قرأت الكتب و كانت تقول له قاتل كل من قاتلك إلا من يسمى بحيدرة فإنك إن وقفت له هلكت فلما
[218]
كثر مناوشته و بعل الناس بمكانه شكوا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و سألوه أن يخرج إليه عليا (عليه السلام) و كان أرمد فتفل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في عينه فصحت .
ثم قال له يا علي اكفني مرحبا فخرج إليه فلما بصر به مرحب أسرع إليه فلم يره يعبأ به فتحير ثم قال أنا الذي سمتني أمي مرحبا .
فقال علي (عليه السلام) أنا الذي سمتني أمي حيدرة .
فلما سمعها هرب و لم يقف خوفا مما حذرته ظئره فتمثل له إبليس و قال إلى أين قال حذرت ممن اسمه حيدرة قال أ و لم يكن حيدرة إلا هذا حيدرة في الدنيا كثير فارجع فلعلك تقتله فإن قتلته سدت قومك و أنا في ظهرك فما كان إلا كفواق ناقة حتى قتله أمير المؤمنين .
و منها ما روى الحارث الأعور قال : خرجنا مع علي (عليه السلام) حتى انتهينا إلى العاقول فإذا هناك أصل شجرة و قد وقع لحاؤها و يبس عودها .
[219]
فضربها (عليه السلام) بيده ثم قال ارجعي بإذن الله خضراء ذات ثمر فإذا هي بأغصانها تهتز حملها كمثرى فقطعنا و أكلنا منها و حملنا معنا .
فلما كان من الغد عدنا إليها فإذا هي على حالها خضراء فيها الكمثرى .
و منها ما روي عن الأصبغ بن نباتة قال : كنا نمشي خلف علي بن أبي طالب (عليه السلام) و معنا رجل من قريش فقال لأمير المؤمنين (عليه السلام) قد قتلت الرجال و أيتمت الأولاد و فعلت و فعلت .
فالتفت إليه (عليه السلام) فقال له اخسأ فإذا هو كلب أسود فجعل يلوذ به و يبصبص فرأيناه يرحمه فحرك شفتيه فإذا هو رجل كما كان .
فقال له رجل من القوم يا أمير المؤمنين أنت تقدر على مثل هذا و يناويك معاوية فقال نحن عباد لله مكرمون لا نسبقه بالقول و نحن بأمره عاملون .
و منها ما روي عن أبي جعفر عن آبائه (عليهم السلام) أن الحسين بن علي (عليه السلام) قال : كنا قعودا ذات يوم عند أمير المؤمنين (عليه السلام) و هناك شجرة رمان يابسة إذ دخل عليه نفر من مبغضيه و عنده قوم من محبيه فسلموا فأمرهم بالجلوس
[220]
فقال علي (عليه السلام) إني أريكم اليوم آية تكون فيكم كمثل المائدة في بني إسرائيل إذ يقول الله إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ ثم قال انظروا إلى الشجرة و كانت يابسة و إذا هي قد جرى الماء في عودها ثم اخضرت و أورقت و عقدت و تدلى حملها على رءوسنا ثم التفت إلينا فقال للقوم الذين هم محبوه مدوا أيديكم و تناولوا و كلوا فقلنا بسم الله الرحمن الرحيم و تناولنا و أكلنا رمانا لم نأكل قط شيئا أعذب منه و أطيب ثم قال للنفر الذين هم مبغضوه مدوا أيديكم و تناولوا فمدوا أيديهم فارتفعت و كلما مد رجل منهم يده إلى رمانة ارتفعت فلم يتناولوا شيئا فقالوا يا أمير المؤمنين ما بال إخواننا مدوا أيديهم و تناولوا و أكلوا و مددنا أيدينا فلم ننل فقال (عليه السلام) و كذلك الجنة لا ينالها إلا أولياؤنا و محبونا و لا يبعد منها إلا أعداؤنا و مبغضونا فلما خرجوا قالوا هذا من سحر علي بن أبي طالب قليل قال سلمان ما ذا تقولون أ فسحر هذا أم أنتم لا تبصرون .
و منها ما روي عن أبي علي الحسن بن عبد العزيز الهاشمي قال : كانت
[221]
الفتنة قائمة بين العباسيين و الطالبيين بالكوفة حتى قتل سبعة عشر رجلا عباسيا و غضب الخليفة القادر .
و استنهض الملك مشرف الدولة أبا علي حتى يسير إلى الكوفة و يستأصل من بها من الطالبيين و يفعل كذا و كذا بهم و بنسائهم و بناتهم و كتب من بغداد هذا الخبر على طيور إليهم و عرفوهم ما قال القادر ففزعوا من ذلك و تعلقوا ببني خفاجة فرأت امرأة عباسية في منامها كأن فارسا على فرس أشهب و بيده رمح نزل من السماء فسألت عنه فقيل لها هذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يريد أن يقتل من عزم على قتل الطالبيين .
فأخبرت الناس فشاع منامها في البلد و سقط الطائر بكتاب من بغداد بأن الملك مشرف الدولة بات عازما على المسير إلى الكوفة فلما انتصف الليل مات فجأة و تفرقت العساكر و فزع القادر .
و منها ما روى أبو محمد الصالحي قال حدثنا أبو الحسن علي بن هارون المنجم : أن الخليفة الراضي كان يجادلني كثيرا على خطأ علي بن أبي طالب فيما دبره في أمره مع معاوية .
قال فأوضحت له الحجة أن هذا لا يجوز على علي و أنه (عليه السلام) لم يعمل إلا الصواب فلم يقبل مني هذا القول و خرج إلينا في بعض الأيام ينهانا عن الخوض في مثل ذلك .
و حدثنا أنه رأى في منامه كأنه خارج من داره يريد بعض متنزهاته فرفع إليه رجل قصته و رأسه رأس الكلب فسأل عنه
[222]
فقيل له هذا الرجل كان يخطئ علي بن أبي طالب (عليه السلام) .
قال فعلمت أن ذلك كان عبرة لي و لأمثالي فتبت إلى الله .
و منها ما روي عن أبي سعيد عقيصا قال : خرجنا مع علي (عليه السلام) نريد صفين فمررنا بكربلاء فقال هذا موضع الحسين (عليه السلام) و أصحابه .
ثم سرنا حتى انتهينا إلى راهب في صومعة و تقطع الناس من العطش و شكوا إلى علي (عليه السلام) ذلك و أنه قد أخذ بهم طريقا لا ماء فيه من البر و ترك طريق الفرات .
فدنا من الراهب فهتف به و أشرف إليه فقال أ قرب صومعتك ماء قال لا فثنى رأس بغلته فنزل في موضع فيه رمل و أمر الناس أن يحفروا هذا الرمل فحفروا فأصابوا تحته صخرة بيضاء فاجتمع ثلاثمائة رجل فلم يحركوها .
فقال (عليه السلام) تنحوا فإني صاحبها ثم أدخل يده اليمنى تحت الصخرة فقلعها من موضعها حتى رآها الناس على كفه فوضعها ناحية فإذا تحتها عين ماء أرق من الزلال و أعذب من الفرات فشرب الناس و سقوا و استقوا و تزودوا ثم رد الصخرة إلى موضعها و جعل الرمل كما كان .
و جاء الراهب فأسلم و قال إن أبي أخبرني عن جده و كان من حواري عيسى أن تحت هذا الرمل عين ماء و أنه لا يستنبطها إلا نبي أو وصي نبي .
و قال لعلي (عليه السلام) أ تأذن لي أن أصحبك في وجهك هذا .
قال (عليه السلام) الزمني و دعا له ففعل فلما كان ليلة الهرير قتل الراهب فدفنه بيده (عليه السلام) و قال
[223]
لكأني أنظر إليه و إلى منزله في الجنة و درجته التي أكرمه الله بها .
و منها ما روى الشيخ أبو جعفر بن بابويه قال حدثنا محمد بن الحسن بن الوليد حدثنا محمد بن الصفار حدثنا أحمد بن محمد السجزي حدثنا عثمان بن عفان السجزي قال : خرجت في طلب العلم فدخلت البصرة فصرت إلى محمد بن عباد صاحب عبادان .
فقلت إني رجل غريب أتيتك من بلد بعيد لأقتبس من علمك شيئا .
قال من أين أنت قلت من أهل سجستان .
قال من بلد الخوارج قلت لو كنت خارجيا ما طلبت علمك .
قال أ فلا أخبرك بحديث حسن إذا أتيت بلادك تحدث به الناس قلت بلى قال كان لي جار من المتعبدين فرأى في منامه كأنه قد مات و كفن و دفن و قال مررت بحوض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و إذا هو جالس على شفير الحوض و الحسن و الحسين (عليه السلام) يسقيان الأمة الماء فاستسقيتهما فأبيا أن يسقياني .
فقلت يا رسول الله إني من أمتك قال و إن قصدت عليا لا يسقيك فبكيت و قلت أنا من شيعة علي قال لك جار يلعن عليا و لم تنهه .
قلت إني ضعيف ليس لي قوة و هو من حاشية السلطان قال فأخرج النبي سكينا مسلولا و قال امض و اذبحه فأخذت السكين و صرت إلى داره فوجدت الباب مفتوحا فدخلت فأصبته نائما فذبحته و انصرفت إلى
[224]
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و قلت قد ذبحته و هذه السكين ملطخة بدمه قال هاتها ثم قال للحسن (عليه السلام) اسقه ماء فلما أضاء الصبح سمعت صراخا فسألت عنه فقيل إن فلانا وجد على فراشه مذبوحا فلما كان بعد ساعة قبض أمير البلد على جيرانه فدخلت عليه و قلت أيها الأمير اتق الله إن القوم براء و قصصت عليه الرؤيا فخلى عنهم .
و منها ما روى جويرية بن مسهر قال : أقبلت مع علي (عليه السلام) من النهروان فلما صرنا في أرض بابل حضر وقت الصلاة فقال أيها الناس إن هذه أرض ملعونة قد خسف بها مرتين من الدهر و هي إحدى المؤتفكات و هي أول أرض عبد فيها وثن و لا ينبغي لنبي و لا لوصي أن يصلي فيها و ضرب بغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و سار قال فتبعته فو الله ما عبر سورا حتى غربت الشمس و ظهر الليل فالتفت إلي فقال يا جويرية صليت قلت نعم .
فنزل و أذن و تنحى عني فأحسبه توضأ ثم دعا بكلام حسبته بالعبرانية أو من التوراة فإذا الشمس قد بدت راجعة حتى استقرت في موضعها من الزوال فقام يصلي و صليت معه الظهر و العصر بأذان و إقامتين فلما قضينا صلاة العصر هوت الشمس و صرنا في الليل .
ثم قال يا جويرية إن الله يقول فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ و إني دعوت الله باسمه العظيم فرد لي الشمس كما رأيت .
[225]
و منها ما روي عن أبي حمزة عن علي بن الحسين عن أبيه (عليه السلام) قال : لما أراد علي أن يسير إلى النهروان استنفر أهل الكوفة و أمرهم أن يعسكروا بالمدائن فتأخر عنه شبث بن ربعي و عمرو بن حريث و الأشعث بن قيس
[226]
و جرير بن عبد الله البجلي و قالوا أ تأذن لنا أياما نتخلف عنك في بعض حوائجنا و نلحق بك فقال لهم قد فعلتموها سوأة لكم من مشايخ فو الله ما لكم من حاجة تتخلفون عليها و إني لأعلم ما في قلوبكم و سأبين لكم تريدون أن تثبطوا عني الناس و كأني بكم بالخورنق و قد بسطتم سفركم للطعام إذ يمر بكم ضب فتأمرون صبيانكم فيصيدونه فتخلعوني و تبايعونه ثم مضى إلى المدائن و خرج القوم إلى الخورنق و هيئوا طعاما فبينا هم كذلك على سفرتهم و قد بسطوها إذ مر بهم ضب فأمروا صبيانهم فأخذوه و أوثقوه و مسحوا أيديهم على يده كما أخبر علي (عليه السلام) و أقبلوا على المدائن فقال لهم أمير المؤمنين (عليه السلام) بئس للظالمين بدلا ليبعثكم الله يوم القيامة مع إمامكم الضب الذي بايعتم لكأني أنظر إليكم يوم القيامة و هو يسوقكم إلى النار ثم قال لئن كان مع رسول الله منافقون فإن معي منافقين أما و الله يا شبث و يا ابن حريث لتقاتلان ابني الحسين هكذا أخبرني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
و منها : روي أن عليا (عليه السلام) لما سار إلى النهروان شك رجل يقال له جندب فقال له علي (عليه السلام) الزمني و لا تفارقني فلزمه فلما دنوا من قنطرة النهروان نظر علي (عليه السلام) قبل زوال الشمس إلى قنبر يؤذن بالصلاة فنزل و قال ائتني بماء فقعد يتوضأ فأقبل فارس و قال قد عبر القوم .
[227]
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) ما عبروا و لا يعبرونها و لا يفلت منهم إلا دون العشرة و لا يقتل منكم إلا دون العشرة و الله ما كذبت و لا كذبت .
فتعجب الناس فقال جندب إن صح ما قال علي فلا أحتاج إلى دليل غيره فبينا هم كذلك إذ أقبل فارس فقال يا أمير المؤمنين القوم على ما ذكرت لم يعبروا القنطرة فصلى بالناس الظهر و أمرهم بالمسير إليهم .
قال جندب فقلت لا يصل إلى القنطرة قبلي أحد فركضت فرسي فإذا هم دون القنطرة وقوف فكنت أول من رمى فقتلوا كلهم إلا تسعة و قتل من أصحابنا تسعة ثم قال علي (عليه السلام) اطلبوا ذا الثدية فطلبوه فلم يجدوه فقال اطلبوه فو الله ما كذبت و لا كذبت ثم قام فركب البغلة نحو قتلى كثير فقال اقلبوها فاستخرجوا ذا الثدية فقال الحمد لله الذي عجلك إلى النار و قد كان الخوارج قبل ذلك خرجوا عليه بجانب الكوفة في حروراء و كانوا إذ ذاك اثني عشر ألفا .
قال فخرج إليهم أمير المؤمنين في إزار و رداء راكبا البغلة فقيل القوم شاكون في السلاح أ تخرج إليهم كذلك قال إنه ليس بيوم قتالهم و صار إليهم بحروراء و قال لهم ليس اليوم أوان قتالكم و ستفترقون حتى تصيروا أربعة آلاف فتخرجون علي في مثل هذا اليوم في هذا الشهر فأخرج إليكم بأصحابي فأقاتلكم حتى
[228]
لا يبقى منكم إلا دون عشرة و يقتل من أصحابي يومئذ دون عشرة هكذا أخبرني رسول الله فلم يبرح من مكانه حتى تبرأ بعضهم من بعض و تفرقوا إلى أن صاروا أربعة آلاف بالنهروان .
و منها ما روي عن قنواء بنت رشيد الهجري سمعت أبي يقول : قال لي علي حبيبي كيف صبرك إذا أرسل إليك دعي بني أمية فقطع يديك و رجليك و لسانك فقلت أ لست معك في الجنة قال بلى قلت ما أبالي .
قالت : فما ذهبت الأيام حتى بعث عبيد الله بن زياد فدعاه إلى البراءة من علي فأبى عليه فقال الدعي اختر أي قتلة شئت .
فقال : قال علي (عليه السلام) إنك تقطع يدي و رجلي و لساني .
قال : لأكذبن أبا تراب اقطعوا يديه و رجليه و اتركوا لسانه .
قالت : فحضرت قطعه و هو يتبسم .
فقلت : ما تجد ألما ؟
قال : لا .
فلما أخرجناه من القصر و حوله زحمة من الناس .
فقال لهم رشيد : اكتبوا عني علم البلايا و المنايا .
فكتبوا هذا ما عهد النبي الأمي إلى علي في بني أمية و ما ينزل بهم .
فأخبر الدعي بذلك .
فقال : اقطعوا لسانه .
فأتوه بحجام فقطعوا لسانه .
فكان رشيد يقول للرجل : تموت يوم كذا ; و للآخر تقتل يوم كذا ; فيكون كما قال .
[229]
و منها ما روي عن يوسف بن عمران عن ميثم التمار : دعاني أمير المؤمنين (عليه السلام) يوما , فقال : كيف بك إذا دعاك دعي بني أمية إلى البراءة مني ?
قلت : لا أبرأ منك .
قال : إذا و الله يقتلك و يصلبك .
قلت : أصبر , و ذلك عندي في الله قليل .
قال : إذا تكون معي في الجنة .
فكان ميثم يقول لعريف قومه : كأني بك و قد دعاك دعي بني أمية يطلبني منك , فتقول هو بمكة , فيقول لا بد من أن تأتيني به من حيث كان .
فتخرج إلى القادسية فتقيم بها إلى أن أقدم عليك من مكة , فتذهب بي إليه .
فيقول لي : تبرأ من أبي تراب .
فأقول : لا و الله و لا كرامة .
فيصلبني على باب عمرو بن حريث .
فإذا كان في اليوم الرابع ابتدر الدم من منخري . فكان كذلك .
[230]
فلما صلب ; قال ميثم للناس : سلوني فو الله لأخبرنكم بما يكون من الفتن و مخازي بني أمية .
فلما حدثهم حديثا واحدا , بعث إليه الدعي فألجمه بلجام من شريط فكان ميثم أول من ألجم و هو مصلوب .
و منها : أن الفرات مد على عهد علي (عليه السلام) فقال الناس نخاف الغرق فركب و صلى على الفرات فمر بمجلس ثقيف فغمز عليه بعض شبابهم فالتفت إليهم و قال يا بقية ثمود يا صعار الخدود هل أنتم إلا طغام لئام من لي بهؤلاء الأعبد .
فقال مشايخ منهم إن هؤلاء شباب جهال فلا تأخذنا بهم اعف عنا .
فقال لا أعفو عنكم إلا على أن أرجع و قد هدمتم هذه المجالس و سددتم
[231]
كل كوة و قلعتم كل ميزاب و طميتم كل بالوعة على الطريق فإن هذا كله في طريق المسلمين و فيه أذى لهم .
فقالوا نفعل فمضى و تركهم ففعلوا ذلك كله .
فلما صار إلى الفرات دعا ثم قرع الفرات قرعة فنقص ذراع .
فقالوا يا أمير المؤمنين هذه رمانة قد جاء بها الماء و قد احتبست على الجسر من كبرها و عظمها فاحتملها و قال هذه رمانة من رمان الجنة و لا يأكل ثمار الجنة في الدنيا إلا نبي أو وصي نبي و لو لا ذلك لقسمتها بينكم .
و منها ما روي عن أبي هاشم الجعفري عن أبيه عن الصادق (عليه السلام) قال : لما فرغ علي (عليه السلام) من وقعة صفين وقف على شاطئ الفرات و قال أيها الوادي من أنا فاضطرب و تشققت أمواجه و قد نظر الناس و قد سمعوا من الفرات صوتا أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و أن عليا أمير المؤمنين حجة الله على خلقه .
و منها ما روي عن عبيد عن السكسكي عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن
[232]
آبائه (عليهم السلام) : أن عليا (عليه السلام) لما قدم من صفين وقف على شاطئ الفرات ثم انتزع من كنانته سهاما ثم أخرج منها قضيبا أصفر فضرب به الفرات فقال (عليه السلام) انفجري فانفجرت اثنتا عشر عينا كل عين كالطود و الناس ينظرون إليه ثم تكلم بكلام لم يفهموه فأقبلت الحيتان رافعة رءوسها بالتهليل و التكبير و قالت السلام عليك يا حجة الله في أرضه و يا عين الله في عباده خذلك قومك بصفين كما خذل هارون بن عمران قومه فقال لهم أ سمعتم قالوا نعم قال فهذه آية لي عليكم و قد أشهدتكم عليه .
و منها ما روي عن سلمان الفارسي : أن عليا (عليه السلام) بلغه عن عمر ذكر لشيعته فاستقبله في بعض طرقات بساتين المدينة و في يد علي (عليه السلام) قوس عربية فقال علي يا عمر بلغني ذكر لشيعتي عنك فقال اربع على ظلعك قال علي إنك لهاهنا ثم رمى بالقوس إلى الأرض فإذا هي ثعبان كالبعير فاغر فاه و قد أقبل نحو عمر ليبتلعه فصاح عمر الله الله يا أبا الحسن لا عدت بعدها في شيء و جعل يتضرع إليه فضرب علي يده إلى الثعبان فعادت القوس كما كانت فمضى عمر إلى بيته مرعوبا