[233]
قال سلمان فلما كان في الليل دعاني علي (عليه السلام) فقال صر إلى عمر فإنه حمل إليه مال من ناحية المشرق و لم يعلم به أحد و قد عزم أن يحتبسه فقل له يقول لك علي أخرج ما حمل إليك من المشرق ففرقه على من جعل لهم و لا تحبسه فأفضحك قال سلمان و أديت إليه الرسالة فقال حيرني أمر صاحبك فمن أين علم هو به قلت و هل يخفى عليه مثل هذا فقال يا سلمان اقبل مني ما أقول لك ما علي إلا ساحر و إني لمشفق عليك منه و الصواب أن تفارقه و تصير في جملتنا قلت بئس ما قلت لكن عليا قد ورث من آثار النبوة ما قد رأيت منه و ما هو أكبر منه قال ارجع إليه فقل له السمع و الطاعة لأمرك فرجعت إلى علي (عليه السلام) فقال أحدثك بما جرى بينكما فقلت أنت أعلم به مني فتكلم بكل ما جرى بيننا ثم قال إن رعب الثعبان في قلبه إلى أن يموت .
و منها : أنه (عليه السلام) قال رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في منامي و هو يمسح الغبار عن وجهي و هو يقول يا علي لا عليك لا عليك قد قضيت ما عليك فما مكث إلا ثلاثا حتى ضرب و قال رأيت رسول الله في منامي فشكوت إليه ما لقيت من أمته من الأود
[234]
و اللدد و بكيت فقال لا تبك و التفت فإذا رجلان مصفدان و إذا جلاميد ترضح بها رءوسهما ثم قال للحسن و الحسين (عليه السلام) إذا مت فاحملاني إلى الغري من نجف الكوفة و احملا آخر سريري فالملائكة يحملون أوله و أمرهما أن يدفناه هناك و يعفيا قبره لما يعلمه من دولة بني أمية بعده و قال ستريان صخرة بيضاء تلمع نورا فاحتفرا فوجدا ساجة مكتوبا عليها مما ادخرها نوح لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ففعلا ما أمرهما به فدفناه فيه و عفيا أثره
و لم يزل قبره مخفيا حتى دل عليه جعفر بن محمد (عليه السلام) في أيام الدولة العباسية و قد خرج هارون الرشيد يوما يتصيد و أرسلوا الصقور و الكلاب على الظباء بجانب الغريين فجاولتها ساعة ثم لجأت الظباء إلى الأكمه فرجع الكلاب و الصقور عنها فسقطت في ناحية ثم هبطت الظباء من الأكمة فهبطت الصقور و الكلاب ترجع إليها فتراجعت الظباء إلى الأكمة فانصرفت عنها الصقور و الكلاب ففعلوا ذلك ثلاثا .
[235]
فتعجب هارون الرشيد من ذلك و سأل شيخا من بني أسد ما هذه الأكمة فقال لي الأمان قال نعم .
قال فيها قبر علي بن أبي طالب (عليه السلام) فتوضأ هارون و صلى و دعا ثم أظهر الصادق (عليه السلام) موضع قبره بتلك الأكمة
[236]
الباب الثالث في معجزات الإمام الحسن بن علي أمير المؤمنين (عليه السلام)
روى محمد بن إسحاق قال : إن أبا سفيان جاء إلى المدينة ليأخذ تجديد العهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يقبل فجاء إلى علي (عليه السلام) قال هل لابن عمك أن يكتب لنا أمانا فقال إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عزم على أمر لا يرجع فيه أبدا و كان الحسن بن علي (عليه السلام) ابن أربعة عشر شهرا فقال بلسان عربي مبين يا ابن صخر قل لا إله إلا الله محمد رسول الله حتى أكون لك شفيعا إلى جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتحير أبو سفيان فقال علي (عليه السلام) الحمد لله الذي جعل في ذرية محمد نظير يحيى بن زكريا و كان الحسن (عليه السلام) يمشي في تلك الحالة
روي أن عمرو بن العاص قال لمعاوية إن الحسن بن علي رجل حيي و إنه إذا صعد المنبر و رمقوه الناس بأبصارهم خجل و انقطع لو أذنت له فقال له معاوية يا أبا محمد لو صعدت المنبر و وعظتنا
[237]
فقام فحمد الله و أثنى عليه و ذكر جده فصلى عليه ثم قال أيها الناس من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا الحسن بن علي بن أبي طالب و ابن سيدة النساء فاطمة بنت رسول الله أنا ابن رسول الله أنا ابن نبي الله أنا ابن السراج المنير أنا ابن البشير النذير أنا ابن من بعث رحمة للعالمين أنا ابن من بعث إلى الجن و الإنس أنا ابن خير خلق الله بعد رسول الله أنا ابن صاحب الفضائل أنا ابن صاحب المعجزات و الدلائل أنا ابن أمير المؤمنين أنا المدفوع عن حقي أنا و أخي سيدا شباب أهل الجنة أنا ابن الركن و المقام أنا ابن مكة و منى أنا ابن المشعر و عرفات فغاظ معاوية فقال خذ في نعت الرطب و دع ذا فقال الريح تنفخه و الحر ينضجه و برد الليل يطيبه ثم عاد فقال أنا ابن الشفيع المطاع أنا ابن من قاتلت معه الملائكة أنا ابن من خضعت له قريش أنا ابن إمام الخلق و ابن محمد رسول الله فخشي معاوية أن يفتتن به الناس فقال يا أبا محمد انزل فقد كفى ما جرى فنزل فقال له معاوية ظننت أن ستكون خليفة و ما أنت و ذاك فقال الحسن إنما الخليفة من سار بكتاب الله و سنة رسوله ليس الخليفة من سار بالجور و عطل السنن و اتخذ الدنيا أبا و أما ملك ملكا متع فيه قليلا ثم تنقطع لذته و تبقى تبعته و حضر المحفل رجل من بني أمية و كان شابا فأغلظ للحسن كلامه و تجاوز الحد في السب و الشتم له و لأبيه فقال الحسن اللهم غير ما به من النعمة و اجعله أنثى ليعتبر به فنظر الأموي
[238]
في نفسه و قد صار امرأة قد بدل الله له فرجه بفرج النساء و سقطت لحيته فقال له الحسن اغربي ما لك و محفل الرجال فإنك امرأة ثم إن الحسن (عليه السلام) سكت ساعة ثم نفض ثوبه فنهض ليخرج فقال له ابن العاص اجلس فإني أسألك عن مسائل قال (عليه السلام) سل عما بدا لك قال عمرو أخبرني عن الكرم و النجدة و المروءة فقال أما الكرم فالتبرع بالمعروف و الإعطاء قبل السؤال و أما النجدة فالذب عن المحارم و الصبر في المواطن عند المكاره و أما المروءة فحفظ الرجل دينه و إحرازه نفسه من الدنس و قيامه بأداء الحقوق و إفشاء السلام فخرج فعذل معاوية عمرا فقال أفسدت أهل الشام فقال عمرو إليك عني إن أهل الشام لم يحبوك محبة إيمان و دين إنما أحبوك للدنيا ينالونها منك و السيف و المال بيدك فما يغني عن الحسن كلامه ثم شاع أمر الشاب الأموي و أتت زوجته إلى الحسن (عليه السلام) فجعلت تبكي و تتضرع فرق لها و دعا له فجعله الله كما كان .
و منها ما روي عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) : أن الحسن (عليه السلام) قال يوما لأخيه الحسين و لعبد الله بن جعفر إن معاوية قد بعث إليكم بجوائزكم و هي تصل إليكم يوم كذا لمستهل الهلال و قد أضاقا فوصلت في الساعة
[239]
التي ذكر لما كان رأس الهلال فلما وافاهم المال كان على الحسن (عليه السلام) دين كثير فقضاه مما بعثه إليه و فضلت فضلة ففرقها في أهل بيته و مواليه و قضى الحسين (عليه السلام) أيضا دينه و قسم ثلث ما بقي في أهل بيته و مواليه و حمل الباقي إلى عياله و أما عبد الله فقضى دينه و ما فضل دفعه إلى الرسول ليتعرف معاوية من الرسول ما فعلوا فبعث إلى عبد الله أموالا حسنة .
و منها ما روي عن صندل عن أبي أسامة عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) : أن الحسن (عليه السلام) خرج إلى مكة ماشيا من المدينة فتورمت قدماه فقيل له لو ركبت لسكن عنك هذا الورم فقال كلا و لكنا إذا أتينا المنزل فإنه يستقبلنا أسود معه دهن يصلح لهذا الورم فاشتروا منه و لا تماكسوه فقال له بعض مواليه ليس أمامنا منزل فيه أحد يبيع مثل هذا الدواء فقال بلى إنه أمامنا و ساروا أميالا فإذا الأسود قد استقبلهم فقال الحسن لمولاه دونك الأسود فخذ الدهن منه بثمنه فقال الأسود لمن تأخذ هذا الدهن قال للحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال انطلق بي إليه
[240]
فصار الأسود إليه فقال يا ابن رسول الله إني مولاك لا آخذ له ثمنا و لكن ادع الله أن يرزقني ولدا سويا ذكرا يحبكم أهل البيت فإني خلفت امرأتي تمخض فقال انطلق إلى منزلك فإن الله تعالى قد وهب لك ولدا ذكرا سويا فرجع الأسود من فوره فإذا امرأته قد ولدت غلاما سويا ثم رجع الأسود إلى الحسن (عليه السلام) و دعا له بالخير بولادة الغلام له و إن الحسن قد مسح رجليه بذلك الدهن فما قام من موضعه حتى زال الورم .
و منها ما روي : أن فاطمة أتت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تبكي و تقول إن الحسن و الحسين خرجا و لا أدري أين هما فقال طيبي نفسا فهما في ضمان الله حيث كانا فنزل جبرئيل و قال هما نائمان في حائط بني النجار متعانقين و قد بعث الله ملكا قد بسط جناحا تحتهما و جناحا فوقهما فخرج رسول الله و أصحابه معه فرأوهما و حية كالحلقة حولهما فأخذهما رسول الله على منكبيه فقالوا نحملهما عنك قال نعم المطية مطيتهما و نعم الراكبان هما و أبوهما خير منهما
[241]
و منها روي : أن الحسن (عليه السلام) و إخوته و عبد الله بن العباس كانوا على مائدة فجاءت جرادة و وقعت على المائدة فقال عبد الله للحسن أي شيء مكتوب على جناح الجرادة فقال مكتوب عليه أنا الله لا إله إلا أنا ربما أبعث الجراد رحمة لقوم جياع ليأكلوه و ربما أبعثها نقمة على قوم فتأكل أطعمتهم فقام عبد الله و قبل رأس الحسن و قال هذا من مكنون العلم .
و منها ما روي عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) : أن الحسن (عليه السلام) قال لأهل بيته إني أموت بالسم كما مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا و من يفعل ذلك قال امرأتي جعدة بنت الأشعث بن قيس فإن معاوية يدس إليها و يأمرها بذلك قالوا أخرجها من منزلك و باعدها من نفسك قال كيف أخرجها و لم تفعل بعد شيئا و لو أخرجتها ما قتلني غيرها و كان لها عذر عند الناس فما ذهبت الأيام حتى بعث إليها معاوية مالا جسيما و جعل يمنيها بأن يعطيها مائة ألف درهم أيضا و يزوجها من يزيد و حمل إليها شربة سم لتسقيها الحسن فانصرف إلى منزله و هو صائم فأخرجت له وقت الإفطار و كان يوما حارا شربة
[242]
لبن و قد ألقت فيها ذلك السم فشربها و قال يا عدوة الله قتلتيني قتلك الله و الله لا تصيبين مني خلفا و لقد غرك و سخر منك و الله يخزيك و يخزيه فمكث (عليه السلام) يومين ثم مضى فغدر معاوية بها و لم يف لها بما عاهد عليه .
و منها روي أن الصادق (عليه السلام) قال : لما أن حضرت الحسن بن علي (عليه السلام) الوفاة بكى بكاء شديدا و قال إني أقدم على أمر عظيم و هول لم أقدم على مثله قط ثم أوصى أن يدفنوه بالبقيع فقال يا أخي احملني على سريري إلى قبر جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأجدد به عهدي ثم ردني إلى قبر جدتي فاطمة بنت أسد فادفني هناك فستعلم يا ابن أم أن القوم يظنون أنكم تريدون دفني عند رسول الله فيجلبون في منعكم ذلك و بالله أقسم عليك أن لا تهرق في أمري محجمة دم فلما غسله و كفنه الحسين (عليه السلام) حمله على سريره و توجه به إلى قبر جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليجدد به عهدا أتى مروان بن الحكم و من معه من بني أمية فقال أ يدفن عثمان في أقصى المدينة و يدفن الحسن مع النبي لا يكون ذلك أبدا و لحقت عائشة على بغل و هي تقول ما لي و لكم يا بني هاشم تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أحب
[243]
فقال ابن عباس لمروان انصرفوا لا نريد دفن صاحبنا عند رسول الله فإنه كان أعلم و أعرف بحرمة قبر جده رسول الله من أن يطرق عليه هدما كما يطرق ذلك غيره و دخل بيته بغير إذنه انصرف فنحن ندفنه بالبقيع كما وصى ثم قال لعائشة وا سوأتاه يوما على بغل و يوما على جمل و في رواية يوما تجملت و يوما تبغلت و إن عشت تفيلت
فأخذه ابن الحجاج الشاعر البغدادي فقال :
يا بنت أبي بكر *** لا كان و لا كنت
لك التسع من الثمن *** و بالكل تملكت
تجملت تبغلت و *** إن عشت تفيلت
بيان قوله : لك التسع من الثمن : إنما كان ذلك في مناظرة فضال بن الحسن بن فضال الكوفي مع أبي حنيفة .
فقال له الفضال : قول الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ منسوخ أو غير منسوخ ?
قال : هذه الآية غير منسوخة .
قال : ما تقول في خير الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبو بكر و عمر أم علي بن أبي طالب (عليه السلام) ?
فقال : أ ما علمت أنهما ضجيعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في قبره فأي حجة تريد أوضح في فضلهما من هذه ?
فقال له الفضال : لقد ظلما إذ أوصيا بدفنهما في موضع ليس لهما فيه حق ; و إن كان الموضع لهما فوهباه لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) , لقد أساءا إذا رجعا في هبتهما و نكثا عهدهما , و قد أقررت أن قوله تعالى لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ غير منسوخة .
[244]
فأطرق أبو حنيفة , ثم قال : لم يكن له و لا لهما خاصة , و لكنهما نظرا في حق عائشة و حفصة فاستحقا الدفن في ذلك الموضع لحقوق ابنتيهما .
فقال له فضال : أنت تعلم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مات عن تسع حشايا و كان لهن الثمن ; لمكان ولده فاطمة , فنظرنا فإذا لكل واحدة منهن تسع الثمن ; ثم نظرنا في تسع الثمن فإذا هو ; شبر في شبر و الحجرة كذا و كذا طولا و عرضا ; فكيف يستحق الرجلان أكثر من ذلك ?
و بعد , فما بال عائشة و حفصة يرثان رسول الله ; و فاطمة بنته منعت الميراث , فالمناقضة ظاهرة في ذلك من وجوه كثيرة .
فقال أبو حنيفة : نحوه يا قوم عني , فإنه و الله رافضي خبيث .
[245]
الباب الرابع في معجزات الحسين بن علي (عليه السلام)
عن أبي خالد الكابلي عن يحيى ابن أم الطويل : قال كنا عند الحسين (عليه السلام) إذ دخل عليه شاب يبكي فقال له الحسين ما يبكيك قال إن والدتي توفيت في هذه الساعة و لم توص و لها مال و كانت قد أمرتني أن لا أحدث في أمرها شيئا حتى أعلمك خبرها فقال الحسين (عليه السلام) قوموا بنا حتى نصير إلى هذه الحرة فقمنا معه حتى انتهينا إلى باب البيت الذي فيه المرأة و هي مسجاة فأشرف على البيت و دعا الله ليحييها حتى توصي بما تحب من وصيتها فأحياها الله و إذا المرأة جلست و هي تتشهد ثم نظرت إلى الحسين (عليه السلام) فقالت ادخل البيت يا مولاي و مرني بأمرك فدخل و جلس على مخدة ثم قال لها وصي يرحمك الله فقالت يا ابن رسول الله إن لي من المال كذا و كذا في مكان كذا و كذا و قد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت من أوليائك و الثلثان لابني هذا إن علمت
[246]
أنه من مواليك و أوليائك و إن كان مخالفا فخذه إليك فلا حق للمخالفين في أموال المؤمنين ثم سألته أن يصلي عليها و أن يتولى أمرها ثم صارت المرأة ميتة كما كانت .
و منها ما روي عن جابر الجعفي عن زين العابدين (عليه السلام) قال : أقبل أعرابي إلى المدينة ليختبر الحسين (عليه السلام) لما ذكر له من دلائله فلما صار بقرب المدينة خضخض و دخل المدينة فدخل على الحسين و هو جنب فقال له أبو عبد الله الحسين (عليه السلام) أ ما تستحيي يا أعرابي أن تدخل إلى إمامك و أنت جنب و قال أنتم معاشر العرب إذا خلوتم خضخضتم فقال الأعرابي يا مولاي قد بلغت حاجتي مما جئت فيه فخرج من عنده فاغتسل و رجع إليه فسأله عما كان في قلبه .
و منها ما روي عن مندل عن هارون بن خارجة عن الصادق (عليه السلام) عن
[247]
آبائه (عليهم السلام) قال : إن الحسين (عليه السلام) إذا أراد أن ينفذ غلمانه في بعض أموره قال لهم لا تخرجوا يوم كذا و اخرجوا يوم كذا فإنكم أن خالفتموني قطع عليكم فخالفوه مرة و خرجوا فقتلهم اللصوص و أخذوا ما معهم و اتصل الخبر بالحسين (عليه السلام) فقال لقد حذرتهم فلم يقبلوا مني ثم قام من ساعته و دخل على الوالي فقال الوالي يا أبا عبد الله بلغني قتل غلمانك فآجرك الله فيهم فقال الحسين (عليه السلام) فإني أدلك على من قتلهم فاشدد يدك بهم قال أ و تعرفهم يا ابن رسول الله قال نعم كما أعرفك و هذا منهم و أشار بيده إلى رجل واقف بين يدي الوالي فقال الرجل و من أين قصدتني بهذا و من أين تعرف أني منهم فقال له الحسين (عليه السلام) إن أنا صدقتك تصدقني فقال الرجل نعم و الله لأصدقنك فقال خرجت و معك فلان و فلان و ذكرهم كلهم فمنهم أربعة من موالي المدينة و الباقون من حبشان المدينة فقال الوالي للرجل و رب القبر و المنبر لتصدقني أو لأهرأن لحمك بالسياط فقال الرجل و الله ما كذب الحسين و قد صدق و كأنه كان معنا
[248]
فجمعهم الوالي جميعا فأقروا جميعا فضرب أعناقهم .
و منها : أن رجلا صار إلى الحسين (عليه السلام) فقال جئتك أستشيرك في تزويجي فلانة فقال لا أحب ذلك لك و كانت كثيرة المال و كان الرجل أيضا مكثرا فخالف الحسين فتزوج بها فلم يلبث الرجل حتى افتقر فقال له الحسين (عليه السلام) قد أشرت إليك فخل سبيلها فإن الله يعوضك خيرا منها ثم قال و عليك بفلانة فتزوجها فما مضت سنة حتى كثر ماله و ولدت له ولدا ذكرا و رأى منها ما أحب .
و منها : أنه (عليه السلام) سئل في حال صغره عن أصوات الحيوانات لأن من شرط الإمام أن يكون عالما بجميع اللغات حتى أصوات الحيوانات فقال على ما روى محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن الحسين (عليه السلام) أنه قال إذا صاح النسر فإنه يقول يا ابن آدم عش ما شئت فآخره الموت و إذا صاح البازي يقول يا عالم الخفيات يا كاشف البليات
[249]
و إذا صاح الطاوس يقول مولاي ظلمت نفسي و اغتررت بزينتي فاغفر لي و إذا صاح الدراج يقول الرحمن على العرش استوى و إذا صاح الديك يقول من عرف الله لم ينس ذكره و إذا قرقرت الدجاجة تقول يا إله الحق أنت الحق و قولك الحق يا الله يا حق و إذا صاح الباشق يقول آمنت بالله و اليوم الآخر و إذا صاحت الحدأة تقول توكل على الله ترزق و إذا صاح العقاب يقول من أطاع الله لم يشق و إذا صاح الشاهين يقول سبحان الله حقا حقا و إذا صاحت البومة تقول البعد من الناس أنس و إذا صاح الغراب يقول يا رازق ابعث بالرزق الحلال و إذا صاح الكركي يقول اللهم احفظني من عدوي و إذا صاح اللقلق يقول من تخلى من الناس نجا من أذاهم و إذا صاحت البطة تقول غفرانك يا الله غفرانك و إذا صاح الهدهد يقول ما أشقى من عصى الله و إذا صاح القمري يقول يا عالم السر و النجوى يا الله و إذا صاح الدبسي يقول أنت الله لا إله سواك يا الله
[250]
و إذا صاح العقعق يقول سبحان من لا يخفى عليه خافية و إذا صاح الببغاء يقول من ذكر ربه غفر ذنبه و إذا صاح العصفور يقول أستغفر الله مما يسخط الله و إذا صاح البلبل يقول لا إله إلا الله حقا حقا و إذا صاحت القبجة تقول قرب الحق قرب و إذا صاحت السماناة تقول يا ابن آدم ما أغفلك عن الموت و إذا صاح السنوذنيق يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله و آله خيرة الله و إذا صاحت الفاختة تقول يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد و إذا صاح الشقراق يقول مولاي أعتقني من النار و إذا صاحت القنبرة تقول مولاي تب على كل مذنب من المؤمنين و إذا صاح الورشان يقول إن لم تغفر ذنبي شقيت
[251]
و إذا صاح الشفنين يقول لا قوة إلا بالله العلي العظيم و إذا صاحت النعامة تقول لا معبود سوى الله و إذا صاحت الخطافة فإنها تقرأ سورة الحمد و تقول يا قابل توبة التوابين يا الله لك الحمد و إذا صاحت الزرافة تقول لا إله إلا الله وحده و إذا صاح الحمل يقول كفى بالموت واعظا و إذا صاح الجدي يقول عاجلني الموت فقل ذنبي و إذا زأر الأسد يقول أمر الله مهم مهم و إذا صاح الثور يقول مهلا مهلا يا ابن آدم أنت بين يدي من يرى و لا يرى و هو الله و إذا صاح الفيل يقول لا يغني عن الموت قوة و لا حيلة و إذا صاح الفهد يقول يا عزيز يا جبار يا متكبر يا الله و إذا صاح الجمل يقول سبحان مذل الجبارين سبحانه
[252]
و إذا صهل الفرس يقول سبحان ربنا سبحانه و إذا صاح الذئب يقول ما حفظ الله فلن يضيع أبدا و إذا صاح ابن آوى يقول الويل الويل الويل للمذنب المصر و إذا صاح الكلب يقول كفى بالمعاصي ذلا و إذا صاح الأرنب يقول لا تهلكني يا الله لك الحمد و إذا صاح الثعلب يقول الدنيا دار غرور و إذا صاح الغزال يقول نجني من الأذى و إذا صاح الكركدن يقول أغثني و إلا هلكت يا مولاي و إذا صاح الإيل يقول حسبي الله و نعم الوكيل حسبي و إذا صاح النمر يقول سبحان من تعزز بالقدرة سبحانه و إذا سبحت الحية تقول ما أشقى من عصاك يا رحمان و إذا سبحت العقرب تقول الشر شيء وحش ثم قال (عليه السلام) ما خلق الله من شيء إلا و له تسبيح يحمد به ربه ثم تلا هذه الآية وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ .
و منها : أنه لما ولد الحسين (عليه السلام) أمر الله تعالى جبرئيل أن يهبط في ملإ من الملائكة فيهنئ محمدا فهبط فمر بجزيرة فيها ملك يقال له فطرس بعثه الله في شيء فأبطأ فكسر جناحه و ألقاه في تلك الجزيرة فعبد الله سبعمائة عام
[253]
فقال فطرس لجبرئيل إلى أين قال إلى محمد قال احملني معك إلى محمد لعله يدعو لي فلما دخل جبرئيل و أخبر محمدا بحال فطرس قال له النبي قل له يمسح بهذا المولود جناحه فمسح فطرس بمهد الحسين (عليه السلام) فأعاد الله عليه في الحال جناحه ثم ارتفع مع جبرئيل إلى السماء فسمي عتيق الحسين (عليه السلام) .
و منها : أنه (عليه السلام) لما أراد العراق قالت له أم سلمة لا تخرج إلى العراق فقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول يقتل ابني الحسين بأرض العراق و عندي تربة دفعها إلي في قارورة فقال و الله إني مقتول كذلك و إن لم أخرج إلى العراق يقتلونني أيضا و إن
[253]
أحببت أن أريك مضجعي و مصرع أصحابي ثم مسح بيده على وجهها ففسح الله في بصرها حتى أراها ذلك كله و أخذ تربة فأعطاها من تلك التربة أيضا في قارورة أخرى و قال (عليه السلام) فإذا فاضتا دما فاعلمي أني قد قتلت فقالت أم سلمة فلما كان يوم عاشوراء نظرت إلى القارورتين بعد الظهر فإذا هما قد فاضتا دما فصاحت و لم يقلب في ذلك اليوم حجر و لا مدر إلا وجد تحته دم عبيط .
و منها ما روي عن زين العابدين (عليه السلام) أنه قال : لما كانت الليلة التي قتل فيها الحسين (عليه السلام) في صبيحتها قام في أصحابه فقال (عليه السلام) إن هؤلاء يريدونني دونكم و لو قتلوني لم يقبلوا إليكم فالنجاء النجاء و أنتم في حل فإنكم إن أصبحتم معي قتلتم كلكم فقالوا لا نخذلك و لا نختار العيش بعدك فقال (عليه السلام) إنكم تقتلون كلكم حتى لا يفلت منكم واحد فكان كما قال (عليه السلام)
[255]
الباب الخامس في معجزات الإمام علي بن الحسين (عليه السلام)
عن الباقر (عليه السلام) أنه قال : كان عبد الملك بن مروان يطوف بالبيت و علي بن الحسين يطوف بين يديه لا يلتفت إليه و لم يكن عبد الملك يعرفه بوجهه فقال من هذا الذي يطوف بين أيدينا و لا يلتفت إلينا فقيل هذا علي بن الحسين فجلس مكانه و قال ردوه إلي فردوه فقال له يا علي بن الحسين إني لست قاتل أبيك فما يمنعك من المصير إلي فقال علي بن الحسين (عليه السلام) إن قاتل أبي أفسد بما فعله دنياه عليه و أفسد أبي عليه بذلك آخرته فإن أحببت أن تكون كهو فكن فقال كلا و لكن صر إلينا لتنال من دنيانا فجلس زين العابدين و بسط رداءه فقال اللهم أره حرمة أوليائك عندك فإذا رداءه مملوء دررا يكاد شعاعها يخطف الأبصار فقال له من تكون هذه حرمته عند الله يحتاج إلى دنياك