[256]
ثم قال اللهم خذها فلا حاجة لي فيها .
و منها : أن الحجاج بن يوسف كتب إلى عبد الملك بن مروان إن أردت أن يثبت ملكك فاقتل علي بن الحسين فكتب عبد الملك إليه أما بعد فجنبني دماء بني هاشم و احقنها فإني رأيت آل أبي سفيان لما أولعوا فيها لم يلبثوا أن أزال الله الملك عنهم و بعث بالكتاب إليه سرا
فكتب علي بن الحسين (عليه السلام) إلى عبد الملك من الساعة التي أنفذ فيها الكتاب إلى الحجاج وقفت على ما كتبت في حقن دماء بني هاشم و قد شكر الله لك ذلك و ثبت ملكك و زاد في عمرك
و بعث به مع غلام له بتاريخ الساعة التي أنفذ فيها عبد الملك كتابه إلى الحجاج بذلك فلما قدم الغلام و أوصل الكتاب إليه نظر عبد الملك في تاريخ الكتاب فوجده موافقا لتاريخ كتابه فلم يشك في صدق زين العابدين (عليه السلام) ففرح بذلك و بعث إليه بوقر دنانير و سأله أن يبسط إليه بجميع حوائجه و حوائج أهل بيته و مواليه
و كان في كتابه (عليه السلام) إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أتاني في النوم فعرفني ما كتبت به إلى الحجاج و ما شكر الله لك من ذلك
[257]
و منها ما روي عن أبي خالد الكابلي قال : دعاني محمد بن الحنفية بعد قتل الحسين (عليه السلام) و رجوع علي بن الحسين (عليه السلام) إلى المدينة و كنا بمكة فقال صر إلى علي بن الحسين (عليه السلام) و قل له إني أنا أكبر ولد أمير المؤمنين بعد أخوي الحسن و الحسين و أنا أحق بهذا الأمر منك فينبغي أن تسلمه إلي و إن شئت فاختر حكما نتحاكم إليه فصرت إليه و أديت إليه رسالته فقال ارجع إليه و قل له يا عم اتق الله و لا تدع ما لم يجعله الله لك فإن أبيت فبيني و بينك الحجر الأسود فأينا يشهد له الحجر الأسود فهو الإمام فرجعت إليه بهذا الجواب فقال قل له قد أجبتك قال أبو خالد فسارا فدخلا جميعا و أنا معهما حتى وافيا الحجر الأسود فقال علي بن الحسين (عليه السلام) تقدم يا عم فإنك أسن فاسأله الشهادة لك فتقدم محمد فصلى ركعتين و دعا بدعوات ثم سأل الحجر بالشهادة إن كانت الإمامة له فلم يجبه بشيء
[258]
ثم قام علي بن الحسين (عليه السلام) فصلى ركعتين ثم قال أيها الحجر الذي جعله الله شاهدا لمن يوافي بيته الحرام من وفود عباده إن كنت تعلم أني صاحب الأمر و أني الإمام المفترض الطاعة على جميع عباد الله فاشهد لي بذلك ليعلم عمي أنه لا حق له في الإمامة فأنطق الله الحجر بلسان عربي مبين فقال يا محمد بن علي سلم إلى علي بن الحسين الأمر فإنه الإمام المفترض الطاعة عليك و على جميع عباد الله دونك و دون الخلق أجمعين في زمانه فقبل محمد بن الحنفية رجله و قال الأمر لك
و قيل إن ابن الحنفية إنما فعل ذلك إزاحة لشكوك الناس في ذلك و في رواية أخرى إن الله أنطق الحجر فقال يا محمد بن علي إن علي بن الحسين هو الحق الذي لا يعتريه شك لما علم من دينه و صلاحه و حجة الله عليك و على جميع من في الأرض و من في السماء و مفترض الطاعة فاسمع له و أطع فقال محمد سمعنا سمعنا يا حجة الله في أرضه و سمائه .
[259]
و منها ما روى جابر بن يزيد الجعفي عن الباقر (عليه السلام) قال : كان علي بن الحسين جالسا مع جماعة إذ أقبلت ظبية من الصحراء حتى وقفت قدامه فهمهمت و ضربت بيديها الأرض فقال بعضهم يا ابن رسول الله ما شأن هذه الظبية قد أتتك مستأنسة قال تذكر أن ابنا ليزيد طلب من أبيه خشفا فأمر بعض الصيادين أن يصيد له خشفا فصاد بالأمس خشف هذه الظبية و لم تكن قد أرضعته و أنها تسأل أن نحمله إليها لترضعه و ترده عليه فأرسل علي بن الحسين (عليه السلام) إلى الصياد فأحضره و قال له إن هذه الظبية تزعم أنك أخذت خشفا لها و أنها لم تسقه لبنا منذ أخذته و قد سألتني أن أسألك أن تتصدق به عليها
[260]
فقال يا ابن رسول الله لست أستجرئ على هذا قال إني أسألك أن تأتي به إليها لترضعه و ترده إليك ففعل الصياد فلما رأته همهمت و دموعها تجري فقال علي بن الحسين (عليه السلام) للصياد بحقي عليك إلا وهبته لها فوهبه لها فانطلقت مع الخشف و هي تقول أشهد أنك من أهل بيت الرحمة و أن بني أمية من أهل بيت اللعنة .
و منها ما روى بكر بن محمد عن محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام) قال :
[261]
خرج أبي في نفر من أهل بيته و أصحابه إلى بعض حيطانه و أمر بإصلاح سفره فلما وضعت ليأكلوا أقبل ظبي من الصحراء يتبغم فدنا من أبي فقالوا يا ابن رسول الله ما يقول هذا الظبي قال يشكو أنه لم يأكل منذ ثلاث شيئا فلا تمسوه حتى أدعوه ليأكل معنا قالوا نعم فدعاه فجاء يأكل معهم فوضع رجل منهم يده على ظهره فنفر فقال أبي أ لم تضمنوا لي أنكم لا تمسوه فحلف الرجل أنه لم يرد به سوءا فكلمه أبي و قال للظبي ارجع فلا بأس عليك فرجع يأكل حتى شبع ثم تبغم و انطلق فقالوا يا ابن رسول الله ما قال الظبي قال دعا لكم بالخير و انصرف .
و منها : أن أبا خالد الكابلي كان يخدم محمد بن الحنفية دهرا و ما كان يشك أنه إمام حتى أتاه يوما فقال إن لي حرمة فأسألك برسول الله و بأمير المؤمنين إلا أخبرتني أنت الإمام الذي فرض الله طاعته .
فقال علي و عليك و على كل مسلم الإمام علي بن الحسين .
فجاء أبو خالد إلى علي بن الحسين (عليه السلام) فلما سلم عليه قال له مرحبا بك يا كنكر ما كنت لنا بزوار ما بدا لك فينا .
فخر أبو خالد ساجدا لله تعالى لما سمعه منه و قال الحمد لله الذي لم يمتني حتى عرفت إمامي قال كيف عرفت .
[262]
قال إنك دعوتني باسمي الذي سمتني به أمي و لقد كنت في عماء من أمري و لقد خدمت محمد بن الحنفية عمرا فناشدته اليوم أنت إمام فأرشدني إليك فقال هو الإمام علي و عليك و على الخلق كلهم فلما دنوت منك سميتني باسمي الذي سمتني به أمي فعلمت أنك الإمام الذي فرض الله علي و على كل مسلم طاعته .
و قال ولدتني أمي فسمتني وردان فدخل عليها والدي و قال سميه كنكر و و الله ما سماني به أحد من الناس إلى يومي هذا غيرك فأشهد أنك إمام من في الأرض و إمام من في السماء .
و منها ما روي عن أبي الصباح الكناني قال : سمعت الباقر (عليه السلام) يقول خدم أبو خالد الكابلي علي بن الحسين (عليه السلام) برهة من الزمان ثم شكا شدة شوقه إلى والديه و سأله الإذن في الخروج إليهما فقال له علي بن الحسين (عليه السلام) يا كنكر إنه يقدم علينا غدا رجل من أهل الشام له قدر و جاه و مال و معه ابنة له قد أصابها عارض
[263]
من الجن و هو يطلب معالجا يعالجها و يبذل في ذلك ماله فإذا قدم فصر إليه أول الناس و قل له أنا أعالج ابنتك بعشرة آلاف درهم فإنه يطمئن إلى قولك و يبذل لك ذلك فلما كان من الغد قدم الشامي و معه ابنته و طلب معالجا فقال له أبو خالد أنا أعالجها على أن تعطيني عشرة آلاف درهم على أن لا يعود إليها أبدا فضمن أبوها له ذلك فقاله أبو خالد لعلي بن الحسين (عليه السلام) فقال (عليه السلام) يا أبا خالد إنه سيغدر بك قال قد ألزمته المال قال فانطلق فخذ بأذن الجارية اليسرى و قل يا خبيث يقول لك علي بن الحسين اخرج من بدن هذه الجارية و لا تعد إليها ففعل كما أمره فخرج عنها و أفاقت الجارية من جنونها و طالبه بالمال فدافعه فرجع إلى علي بن الحسين (عليه السلام) فقال له يا أبا خالد أ لم أقل لك إنه يغدر و لكن سيعود إليها غدا فإذا أتاك فقل إنما عاد إليها لأنك لم تف بما ضمنت لي فإن وضعت عشرة آلاف درهم على يد علي بن الحسين (عليه السلام) عالجتها على أن لا يعود إليها أبدا فلما كان بعد ذلك أصابها من الجن عارض فأتى أبوها إلى أبي خالد فقال له أبو خالد ضع المال على يد علي بن الحسين (عليه السلام) فإني أعاجلها على أن لا يعود إليها أبدا فوضع المال على يدي علي بن الحسين (عليه السلام) و ذهب أبو خالد إلى الجارية و قال في أذنها كما قال أولا ثم قال إن عدت إليها أحرقتك بنار الله
[264]
فخرج و أفاقت الجارية و لم يعد إليها فأخذ أبو خالد المال و أذن له في الخروج إلى والديه فخرج بالمال حتى قدم على والديه .
و منها ما روى أبو بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : كان فيما أوصى به إلي أبي علي بن الحسين (عليه السلام) أن قال يا بني إذا أنا مت فلا يلي غسلي غيرك فإن الإمام لا يغسله إلا إمام مثله و اعلم يا بني أن عبد الله أخاك سيدعو الناس إلى نفسه فامنعه فإن أبى فدعه فإن عمره قصير قال الباقر (عليه السلام) فلما مضى أبي ادعى عبد الله الإمامة فلم أنازعه فلم يلبث إلا شهورا يسيرة حتى قضى نحبه
[265]
و منها أن حماد بن حبيب الكوفي القطان قال : خرجنا سنة حجاجا فرحلنا من زبالة فاستقبلتنا ريح سوداء مظلمة فتقطعت القافلة فتهت في تلك
[266]
البراري فانتهيت إلى واد قفر و جنني الليل فآويت إلى شجرة فلما اختلط الظلام إذا أنا بشاب عليه أطمار بيض قلت هذا ولي من أولياء الله متى ما أحس بحركتي خشيت نفاره فأخفيت نفسي فدنا إلى موضع فتهيأ للصلاة و قد نبع له ماء ثم وثب قائما يقول يا من حاز كل شيء ملكوتا و قهر كل شيء جبروتا صل على محمد و آل محمد و أولج قلبي فرح الإقبال إليك و ألحقني بميدان المطيعين لك و دخل في الصلاة فتهيأت أيضا للصلاة ثم قمت خلفه و إذا بمحراب مثل في ذلك الوقت قدامه و كلما مر بآية فيها الوعد و الوعيد يرددها بانتحاب و حنين فلما تقشع الظلام قام فقال يا من قصده الضالون فأصابوه مرشدا و أمه الخائفون فوجدوه معقلا و لجأ إليه العائدون فوجدوه موئلا متى راحة من نصب لغيرك بدنه و متى فرح من قصد سواك بهمته إلهي قد انقشع الظلام و لم أقض من خدمتك وطرا و لا من حياض مناجاتك صدرا صل على محمد و آل محمد و افعل بي أولى الأمرين بك و نهض فعلقت به فقال لو صدق توكلك ما كنت ضالا و لكن اتبعني و اقف أثري و أخذ بيدي فخيل إلي أن الأرض تميد من تحت قدمي فلما انفجر عمود الصبح قال هذه مكة
[267]
فقلت من أنت بالذي ترجوه فقال أما إذا أقسمت فأنا علي بن الحسين .
و منها : أن علي بن الحسين (عليه السلام) حج في السنة التي حج فيها هشام بن عبد الملك و هو خليفة فاستجهر الناس منه (عليه السلام) و تشوفوا له و قالوا لهشام من هو قال هشام لا أعرف لئلا يرغب فيه فقال الفرزدق و كان حاضرا بل أنا أعرفه :
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته *** و البيت يعرفه و الحل و الحرم
إلى آخرها فبعثه هشام و حبسه و محا اسمه من الديوان فبعث إليه علي بن الحسين (عليه السلام) بصلة فردها و قال ما قلت ذلك إلا ديانة .
فبعث بها إليه أيضا و قال قد شكر الله لك ذلك .
فلما طال الحبس عليه و كان يوعده بالقتل شكا إلى علي بن الحسين (عليه السلام) فدعا له فخلصه الله فجاء إليه و قال يا ابن رسول الله إنه محا اسمي من الديوان فقال كم كان عطاؤك قال كذا فأعطاه لأربعين سنة و قال (عليه السلام) لو علمت أنك تحتاج إلى أكثر من هذا لأعطيتك .
فمات الفرزدق بعد أن مضى أربعون سنة .
[268]
و منها : أن الحجاج بن يوسف لما خرب الكعبة بسبب مقاتلة عبد الله بن الزبير ثم عمروها فلما أعيد البيت و أرادوا أن ينصبوا الحجر الأسود فكلما نصبه عالم من علمائهم أو قاض من قضاتهم أو زاهد من زهادهم يتزلزل و يقع و يضطرب و لا يستقر الحجر في مكانه .
فجاءه علي بن الحسين (عليه السلام) و أخذه من أيديهم و سمى الله ثم نصبه فاستقر في مكانه و كبر الناس و لقد ألهم الفرزدق في قوله
يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
و منها ما روى عن أبي خالد الكابلي أنه قال : قلت لعلي بن الحسين (عليه السلام) من الإمام بعدك قال محمد ابني يبقر العلم بقرا و من بعد محمد جعفر اسمه عند أهل السماء الصادق قلت كيف صار اسمه الصادق و كلكم الصادقون قال حدثني أبي عن أبيه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال
[269]
إذا ولد ابني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فسموه الصادق فإن الخامس الذي من ولده الذي اسمه جعفر يدعي الإمامة اجتراء على الله و كذبا عليه فهو عند الله جعفر الكذاب المفتري على الله ثم بكى علي بن الحسين (عليه السلام) فقال كأني بجعفر الكذاب و قد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر ولي الله و المغيب في حفظ الله فكان كما ذكر .
و منها ما روى أبو حمزة الثمالي قال : خرجت مع علي بن الحسين (عليه السلام) إلى ظاهر المدينة فلما وصل إلى حائط قال إني انتهيت يوما إلى هذا الحائط فانكببت عليه فإذا رجل عليه ثوبان أبيضان ينظر في وجهي ثم قال لي ما لي أراك حزينا أ على الدنيا فهو رزق حاضر يأكل منه البر و الفاجر قلت ما على الدنيا حزني و إن القول لكما تقول قال أ فعلى الآخرة فهو وعد صادق يحكم فيه ملك قاهر فعلام حزنك قلت أتخوف من فتنة ابن الزبير
[270]
فتبسم ثم قال هل رأيت أحدا توكل على الله فلم يكفه قلت لا قال فهل رأيت أحدا سأل الله فلم يعطه قلت لا قال فهل رأيت أحدا خاف الله فلم ينجه قلت لا قال (عليه السلام) فإذن ليس قدامي أحد .
و منها : أن فاطمة بنت علي بن أبي طالب لما رأت ما يفعله ابن أخيها قالت لجابر هذا علي بن الحسين بقية أبيه قد انخرم أنفه و ثفنت جبهتاه و ركبتاه فعليك أن تأتيه و تدعوه إلى البقيا على نفسه .
فجاء جابر بابه و إذا ابنه محمد فقال له أقبل أنت و الله الباقر و أنا أقرئك سلام
[271]
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال لي إنك تبقى حتى تعمى ثم يكشف لك عن بصرك الخبر بتمامه
[272]
الباب السادس في معجزات الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام)
عن عباد بن كثير البصري قال قلت للباقر (عليه السلام) ما حق المؤمن على الله فصرف وجهه فسألته عنه ثلاثا فقال من حق المؤمن على الله أن لو قال لتلك النخلة أقبلي لأقبلت قال عباد فنظرت و الله إلى النخلة التي كانت هناك قد تحركت مقبلة فأشار إليها قري فلم أعنك .
و منها ما روى عن أبي الصباح الكناني قال : صرت يوما إلى باب أبي جعفر الباقر (عليه السلام) فقرعت الباب فخرجت إلي وصيفة ناهد فضربت بيدي إلى رأس ثديها و قلت لها قولي لمولاك إني بالباب فصاح من آخر الدار ادخل لا أم لك فدخلت و قلت يا مولاي و الله ما قصدت ريبة و لا أردت إلا زيادة في يقيني
[273]
فقال صدقت لئن ظننتم أن هذه الجدران تحجب أبصارنا كما تحجب أبصاركم إذن لا فرق بيننا و بينكم فإياك أن تعاود لمثلها .
و منها : أن حبابة الوالبية دخلت على الباقر (عليه السلام) فقال لها ما الذي أبطأ بك عني قالت بياض عرض في مفرق رأسي شغل قلبي قال أرينيه فوضع الباقر (عليه السلام) يده عليه ثم رفع يده فإذا هو أسود ثم قال هاتوا لها المرآة فنظرت و قد اسود ذلك الشعر .
و منها ما روى عن أبي بصير قال : كنت مع الباقر (عليه السلام) في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قاعدا حدثان ما مات علي بن الحسين (عليه السلام) إذ دخل الدوانيقي و داود بن سليمان قبل أن أفضي الملك إلى ولد العباس و ما قعد إلى الباقر (عليه السلام) إلا داود فقال له (عليه السلام) ما منع الدوانيقي أن يأتي قال فيه جفاء قال الباقر (عليه السلام) لا تذهب الأيام حتى يلي أمر هذا الخلق فيطأ أعناق الرجال و يملك شرقها و غربها و يطول عمره فيها حتى يجمع من كنوز الأموال ما لم يجمع لأحد قبله
[274]
فقام داود و أخبر الدوانيقي بذلك فأقبل إليه الدوانيقي و قال ما منعني من الجلوس إليك إلا إجلالا لك فما الذي أخبر به داود فقال هو كائن فقال و ملكنا قبل ملككم قال نعم قال و يملك بعدي أحد من ولدي قال نعم قال فمدة بني أمية أكثر أم مدتنا قال مدتكم أطول و ليتلقفن هذا الملك صبيانكم و يلعبون به كما يلعبون بالكرة هذا ما عهده إلي أبي فلما ملك الدوانيقي تعجب من قول الباقر (عليه السلام) .
و منها ما روى عن أبي بصير قال : قلت يوما للباقر (عليه السلام) أنتم ذرية رسول الله قال نعم قلت و رسول الله وارث الأنبياء كلهم قال نعم ورث جميع علومهم قلت و أنتم ورثتم جميع علم رسول الله قال نعم قلت و أنتم تقدرون أن تحيوا الموتى و تبرءوا الأكمه و الأبرص و تخبروا الناس بما يأكلون و ما يدخرون في بيوتهم قال نعم بإذن الله ثم قال ادن مني يا أبا بصير فدنوت منه فمسح يده على وجهي فأبصرت السهل و الجبل و السماء و الأرض ثم مسح يده على وجهي فعدت كما كنت لا أبصر شيئا قال ثم قال لي الباقر (عليه السلام) إن أحببت أن تكون هكذا كما أبصرت و حسابك على الله و إن أحببت أن تكون
[275]
كما كنت و ثوابك الجنة فقلت أكون كما كنت و الجنة أحب إلي .
و منها ما قال جابر : كنا عند الباقر (عليه السلام) نحوا من خمسين رجلا إذ دخل عليه كثير النواء و كان من المغيرية فسلم و جلس ثم قال إن المغيرة بن عمران عندنا بالكوفة يزعم أن معك ملكا يعرفك الكافر من المؤمن و شيعتك من أعدائك قال ما حرفتك قال أبيع الحنطة قال كذبت قال و ربما أبيع الشعير قال ليس كما قلت بل تبيع النوى قال من أخبرك بهذا قال الملك الذي يعرفني
[276]
شيعتي من عدوي لست تموت إلا تائها قال جابر الجعفي فلما انصرفنا إلى الكوفة ذهبت في جماعة نسأل عن كثير فدللنا على عجوز فقالت مات تائها منذ ثلاثة أيام .
و منها ما قال أبو بصير : كنت مع الباقر (عليه السلام) في المسجد إذ دخل عليه عمر بن عبد العزيز عليه ثوبان ممصران متكئا على مولى له فقال (عليه السلام) ليلين هذا الغلام فيظهر العدل و يعيش أربع سنين ثم يموت فيبكي عليه أهل الأرض و يلعنه أهل السماء فقلنا يا ابن رسول الله أ ليس ذكرت عدله و إنصافه قال يجلس في مجلسنا و لا حق له فيه ثم ملك و أظهر العدل جهده .
و منها أن عاصم بن أبي حمزة قال : ركب الباقر (عليه السلام) يوما إلى حائط له و كنت أنا و سليمان بن خالد معه فما سرنا إلا قليلا فاستقبلنا رجلان فقال (عليه السلام) هما سارقان خذوهما فأخذناهما و قال لغلمانه استوثقوا منهما و قال لسليمان انطلق إلى ذلك الجبل مع هذا الغلام إلى رأسه فإنك تجد في أعلاه كهفا فادخله و صر إلى وسطه فاستخرج ما فيه و ادفعه إلى هذا الغلام يحمله بين يديك فإن فيه لرجل سرقة و لآخر سرقة
[277]
فخرج و استخرج عيبتين و حملهما على ظهر الغلام فأتى بهما الباقر (عليه السلام) فقال هما لرجل حاضر و هناك عيبة أخرى لرجل غائب سيحضر بعد فذهب و استخرج العيبة الأخرى من موضع آخر من الكهف فلما دخل الباقر (عليه السلام) المدينة فإذا صاحب العيبتين ادعى على قوم و أراد الوالي أن يعاقبهم فقال الباقر (عليه السلام) لا تعاقبهم و رد العيبتين إلى الرجل ثم قطع السارقين فقال أحدهما لقد قطعتنا بحق و الحمد لله الذي أجرى قطعي و توبتي على يدي ابن رسول الله فقال الباقر (عليه السلام) لقد سبقتك يدك التي قطعت إلى الجنة بعشرين سنة فعاش الرجل عشرين سنة ثم مات قال فما لبثنا إلا ثلاثة أيام حتى حضر صاحب العيبة الأخرى فجاء إلى الباقر (عليه السلام) فقال له أخبرك بما في عيبتك و هي بختمك فيها ألف دينار لك و ألف أخرى لغيرك و فيها من الثياب كذا و كذا قال فإن أخبرتني بصاحب الألف دينار من هو و ما اسمه و أين هو علمت أنك الإمام المنصوص عليه المفترض الطاعة قال هو محمد بن عبد الرحمن و هو صالح كثير الصدقة كثير الصلاة و هو الآن على الباب ينتظرك فقال الرجل و هو بربري نصراني آمنت بالله الذي لا إله إلا هو و أن محمدا عبده و رسوله و أنك الإمام المفترض الطاعة و أسلم
[278]
و منها ما قال محمد بن أبي حازم : كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) فمر بنا زيد بن علي فقال أبو جعفر أما و الله ليخرجن بالكوفة و ليقتلن و ليطافن برأسه ثم يؤتى به فينصب على قصبة في هذا الموضع و أشار إلى الموضع الذي قتل فيه قال سمع أذناي منه ثم رأت عيني بعد ذلك فبلغنا خروجه و قتله ثم مكثنا ما شاء الله فرأينا يطاف برأسه فنصب في ذلك الموضع على قصبة فتعجبنا .
و في رواية : أن الباقر (عليه السلام) قال سيخرج أخي زيد بعد موتي و يدعو الناس إلى نفسه و يخلع جعفرا ابني و لا يلبث إلا ثلاثا حتى يقتل و يصلب ثم يحرق بالنار و يذرى في الريح و يمثل به مثلة ما مثل بأحد قبله .
و منها : أنه (عليه السلام) جعل يحدث أصحابه بأحاديث شداد و قد دخل عليه رجل يقال له النضر بن قرواش فاغتم أصحابه لمكان الرجل مما يستمع حتى نهض فقالوا قد سمع ما سمع و هو خبيث قال لو سألتموه عما تكلمت به اليوم ما حفظ منه شيئا قال بعضهم فلقيته بعد ذلك فقلت الأحاديث التي سمعتها من أبي جعفر أحب أن أعرفها فقال و الله ما فهمت منها قليلا و لا كثيرا .
و منها أن أبا عبد الله (عليه السلام) قال : إن أول ما ملكته لديناران على عهد أبي و
[279]
كان رجل يشتري الأردية من صنعاء فأردت أن أبضعه فقال أبي لا تبضعه قال فدفعت إليه سرا من أبي فخرج الرجل فلما رجع بعثت إليه رسولا فقال له ما دفع إلي شيئا قال فظننت أنه إنما استتر ذلك من أبي فذهبت إليه بنفسي و قلت الديناران قال ما دفعت إلي شيئا فأتيت أبي فلما رآني رفع إلي رأسه ثم قال متبسما يا بني أ لم أقل لك أن لا تدفع إليه إنه من ائتمن شارب الخمر فليس له على الله ضمان إن الله يقول وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً فأي سفيه أسفه من شارب الخمر إن شهد لم تجز شهادته و إن شفع لم يشفع و إن خطب لم يزوج .
و منها أن أبا عبد الله (عليه السلام) قال : إن جابر بن عبد الله رض كان آخر من بقي من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و كان رجلا منقطعا إلينا أهل البيت و كان يقعد في مسجد الرسول معتجرا بعمامة و كان يقول يا باقر يا باقر فكان أهل المدينة يقولون جابر يهجر فكان يقول لا و الله لا أهجر و لكني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول إنك ستدرك رجلا مني اسمه اسمي و شمائله شمائلي يبقر العلم بقرا فذلك الذي دعاني إلى ما أقول قال فبينما جابر ذات يوم يتردد في بعض طرق المدينة إذ مر بمحمد بن علي (عليه السلام) فلما نظر إليه قال يا غلام أقبل فأقبل ثم قال أدبر فأدبر فقال شمائل
[280]
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و الذي نفس جابر بيده ما اسمك يا غلام فقال أنا محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فقبل رأسه ثم قال بأبي أنت و أمي أبوك رسول الله يقرئك السلام فقال و على رسول الله السلام قال و يقول لك و يقول لك فرجع محمد إلى أبيه و هو ذعر فأخبره بالخبر فقال يا بني قد فعلها جابر قال نعم قال يا بني ألزم بيتك قال فكان جابر يأتيه طرفي النهار فكان أهل المدينة يقولون وا عجبا لجابر يأتي هذا الغلام طرفي النهار و هو آخر من بقي من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يلبث أن مضى علي بن الحسين فكان محمد بن علي (عليه السلام) يأتيه على الكرامة لصحبته لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال فجلس الباقر يحدثهم عن الله فقال أهل المدينة ما رأينا أحدا قط أجرأ من ذا فلما رأى ما يقولون حدثهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال أهل المدينة ما رأينا قط أحدا أكذب من هذا يحدث عمن لم يره فلما رأى ما يقولون حدثهم عن جابر بن عبد الله فصدقوه و كان و الله جابر يأتيه فيتعلم منه