back page fehrest page next page

[367]

لك فقبض بعد أيام .

و منها ما روى الحسن بن عباد و كان كاتب الرضا (عليه السلام) قال : دخلت على الرضا (عليه السلام) و قد عزم المأمون بالمسير إلى بغداد فقال يا ابن عباد ما ندخل العراق و لا نراه قال فبكيت و قلت آيستني أن آتي أهلي و ولدي قال (عليه السلام) أما أنت فستدخلها و إنما عنيت نفسي فاعتل و توفي بقرية من قرى طوس و قد كان تقدم في وصيته أن يحفر قبره مما يلي الحائط و بينه و بين قبر هارون ثلاثة أذرع و قد كانوا حفروا ذلك الموضع لهارون فكسرت المعاول و المساحي فتركوه و حفروا حيث أمكن الحفر .

فقال احفروا ذلك المكان فإنه سيلين عليكم و ستجدون صورة سمكة من نحاس عليها كتابة بالعبرانية فإذا حفرتم لحدي فعمقوه و ردوها فيه مما يلي رجلي فحفرنا ذلك المكان فكانت المحافر تقع في الرمل اللين بالموضع و وجدنا السمكة مكتوبا عليها بالعبرانية

[368]

هذه روضة علي بن موسى و تلك حفرة هارون الجبار فرددناها و دفناها في لحده عند شقه .

و منها ما روى الحسن بن سعيد عن الفضل بن يونس قال : خرجنا نريد مكة فنزلنا المدينة و بها هارون الرشيد يريد الحج فأتاني الرضا و قد حضر غدائي و عندي قوم من أصحابنا فدخل الغلام فقال بالباب رجل يكنى أبا الحسن يستأذن عليك فقلت إن كان الذي أعرف فأنت حر فخرجت فإذا أنا بالرضا (عليه السلام) فقلت انزل فنزل حتى دخل ثم قال (عليه السلام) لي بعد الطعام يا فضل إن أمير المؤمنين كتب للحسين بن زيد بعشرة آلاف دينار و كتب بها إليك فادفعها إلى الحسين قال قلت و الله ما لهم عندي قليل و لا كثير فإن أخرجتها من عندي ذهبت فإن كان لك في ذلك رأي فعلت فقال يا فضل ادفعها إليه فإنه سيرجع إليك قبل أن تصير إلى منزلك فدفعتها إليه قال فرجعت إلي كما قال .

[369]

و منها ما روى عن أحمد بن عمر الحلال قال : قلت لأبي الحسن الثاني (عليه السلام) جعلت فداك إني أخاف عليك من هذا صاحب الرقة قال ليس علي منه بأس إن لله بلادا تنبت الذهب قد حماها الله بأضعف خلقه بالذر فلو أرادتها الفيلة ما وصلت إليها

ثم قال لي الوشاء إني سألته عن هذه البلاد و قد سمعت الحديث قبل مسألتي فأخبرت أنه بين بلخ و التبت و أنها تنبت الذهب و فيها نمل كبار أشباه

[370]

الكلاب على خلقها فليس يمر بها الطير فضلا عن غيره تكمن بالليل في جحرها و تظهر بالنهار .

فربما غزوا الموضع على الدواب التي تقطع ثلاثين فرسخا في ليلة لا يعرف شي‏ء من الدواب يصبر صبرها فيوقرون أحمالهم و يخرجون فإذا أصبحت النمل خرجت في الطلب فلا تلحق شيئا إلا قطعته تشبه بالريح من سرعتها و ربما شغلوها باللحم يتخذ لها إذا لحقتهم يطرح لها في الطريق فتشتغل به عنهم فإن لحقتهم قطعتهم و دوابهم .

و منها ما روى صفوان بن يحيى قال : كنت مع الرضا (عليه السلام) بالمدينة

[371]

فمر مع قوم بقاعد فقال هذا إمام الرافضة فقلت له (عليه السلام) أ ما سمعت ما قال هذا القاعد قال نعم أما إنه مؤمن مستكمل الإيمان فلما كان بالليل دعا عليه فاحترق دكانه و نهب السراق ما بقي من متاعه فرأيته من الغد بين يدي أبي الحسن خاضعا مستكينا فأمر له بشي‏ء ثم قال يا صفوان أما إنه مؤمن مستكمل الإيمان و ما يصلحه غير ما رأيت .

و منها ما روى مسافر قال : أمر أبو إبراهيم (عليه السلام) حين أخرج به أبا الحسن (عليه السلام) أن ينام على بابه في كل ليلة أبدا ما دام حيا إلى أن يأتيه خبره .

قال فكنا نفرش في كل ليلة لأبي الحسن في الدهليز ثم يأتي بعد العشاء الآخرة فينام فإذا أصبح انصرف إلى منزله .

و كنا ربما خبأنا الشي‏ء منه مما يؤكل فيجي‏ء و يخرجه و يعلمنا أنه قد علم به ما كان ينبغي أن يخبأ منه .

فلما كان ليلة أبطأ عنا و استوحش العيال و ذعروا و دخلنا من ذلك مدخل عظيم فلما كان من الغد أتى الدار و دخل على العيال و قصد إلى أم أحمد فقال لها هاتي الذي أودعك أبي فصرخت و لطمت و شقت و قالت مات سيدي فكفها و قال لا تتكلمي حتى يجي‏ء الخبر فدفعت إليه سفطا

[372]

الباب العاشر في معجزات الإمام محمد بن علي التقي (عليه السلام)

عن محمد بن ميمون أنه كان مع الرضا (عليه السلام) بمكة قبل خروجه إلى خراسان قال قلت له إني أريد أن أتقدم إلى المدينة فاكتب معي كتابا إلى أبي جعفر (عليه السلام) فتبسم و كتب فصرت إلى المدينة و قد كان ذهب بصري فأخرج الخادم أبا جعفر (عليه السلام) إلينا يحمله من المهد فناولته الكتاب فقال لموفق الخادم فضه و انشره ففضه و نشره بين يديه فنظر فيه ثم قال لي يا محمد ما حال بصرك قلت يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اعتلت عيناي فذهب بصري كما ترى فقال ادن مني فدنوت منه فمد يده فمسح بها على عيني فعاد إلي بصري كأصح ما كان فقبلت يده و رجله و انصرفت من عنده و أنا بصير .

و منها أن محمد بن إبراهيم الجعفري روى عن حكيمة بنت الرضا (عليه السلام)

[373]

قالت :
لما توفي أخي محمد بن الرضا (عليه السلام) صرت يوما إلى امرأته أم الفضل بسبب احتجت إليها فيه قالت فبينا نحن نتذاكر فضل محمد و كرمه و ما أعطاه الله من العلم و الحكمة إذ قالت امرأته أم الفضل يا حكيمة أخبرك عن أبي جعفر بن الرضا (عليه السلام) بأعجوبة لم يسمع أحد مثلها قلت و ما ذاك قالت إنه كان ربما أغارني مرة بجارية و مرة بتزويج فكنت أشكو إلى المأمون فيقول يا بنية احتملي فإنه ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فبينا أنا ذات ليلة جالسة إذ أتت امرأة فقلت من أنت و كأنها قضيب بان أو غصن خيزران قالت أنا زوجة لأبي جعفر قلت من أبو جعفر .

قالت محمد بن الرضا (عليه السلام) و أنا امرأة من ولد عمار بن ياسر .

قالت فدخل علي من الغيرة ما لم أملك نفسي فنهضت من ساعتي فصرت إلى المأمون و قد كان ثملا من الشراب و قد مضى من الليل ساعات فأخبرته بحالي و قلت إنه يشتمني و يشتمك و يشتم العباس و ولده قالت و قلت ما لم يكن .

فغاظه ذلك مني جدا و لم يملك نفسه من السكر و قام مسرعا فضرب بيده إلى سيفه و حلف أنه يقطعه بهذا السيف ما بقي في يده و صار إليه قالت فندمت عند ذلك و قلت في نفسي ما صنعت هلكت و أهلكت قالت فعدوت خلفه لأنظر ما يصنع فدخل إليه و هو نائم فوضع فيه السيف فقطعه قطعة قطعة ثم وضع السيف على حلقه فذبحه و أنا أنظر إليه و ياسر الخادم و انصرف و هو يزبد مثل الجمل .

[374]

قالت فلما رأيت ذلك هربت على وجهي حتى رجعت إلى منزل أبي فبت بليلة لم أنم فيها إلى أن أصبحت .

قالت فلما أصبحت دخلت إليه و هو يصلي و قد أفاق من السكر فقلت له يا أمير المؤمنين هل تعلم ما صنعت الليلة قال لا و الله فما الذي صنعت ويلك .

قلت فإنك صرت إلى ابن الرضا (عليه السلام) و هو نائم فقطعته إربا إربا و ذبحته بسيفك و خرجت من عنده قال ويلك ما تقولين قلت أقول ما فعلت .

فصاح يا ياسر و قال ما تقول هذه الملعونة ويلك قال صدقت في كل ما قالت قال إنا لله و إنا إليه راجعون هلكنا و افتضحنا ويلك يا ياسر بادر إليه فأتني بخبره .

فركض إليه ثم عاد مسرعا فقال يا أمير المؤمنين البشرى قال فما وراك قال دخلت إليه فإذا هو قاعد يستاك و عليه قميص و دواج فبقيت متحيرا في أمره ثم أردت أن أنظر إلى بدنه هل فيه شي‏ء من الأثر فقلت له أحب أن تهب لي هذا القميص الذي عليك أتبرك به .

فنظر إلي و تبسم كأنه علم ما أردت بذلك فقال أكسوك كسوة فاخرة فقلت لست أريد غير هذا القميص الذي عليك فخلعه و كشف لي بدنه كله فو الله ما رأيت أثرا فخر المأمون ساجدا و وهب لياسر ألف دينار و قال الحمد لله الذي لم يبتلني بدمه .

ثم قال يا ياسر أما مجي‏ء هذه الملعونة إلي و بكاؤها بين يدي فأذكره و أما مضيي إليه فلست أذكره فقال ياسر يا مولاي و الله ما زلت تضربه بسيفك

[375]

و أنا و هذه ننظر إليك و إليه حتى قطعته قطعة قطعة ثم وضعت سيفك على حلقه فذبحته و أنت تزبد كما يزبد البعير .

فقال الحمد لله ثم قال لي و الله لئن عدت بعدها في شي‏ء مما جرى لأقتلنك ثم قال لياسر احمل إليه عشرة آلاف دينار و قد إليه الشهري الفلاني و سله الركوب إلي و ابعث إلى الهاشميين و الأشراف و القواد ليركبوا معه إلى عندي و يبدءوا بالدخول إليه و التسليم عليه .

ففعل ياسر ذلك و صار الجميع بين يديه و أذن للجميع بالدخول و قال يا ياسر هذا كان العهد بيني و بينه قلت يا ابن رسول الله ليس هذا وقت العتاب فو حق محمد و علي ما كان يعقل من أمره شيئا .

فأذن للأشراف كلهم بالدخول إلا عبد الله و حمزة ابني الحسن لأنهما كانا وقعا فيه عند المأمون يوما و سعيا به مرة بعد أخرى ثم قام فركب مع الجماعة و صار إلى المأمون فتلقاه و قبل ما بين عينيه و أقعده على المقعد في الصدر و أمر أن يجلس الناس ناحية فخلا به فجعل يعتذر إليه فقال له أبو جعفر (عليه السلام) لك عندي نصيحة فاسمعها مني قال هاتها .

قال أشير عليك بترك الشراب المسكر فقال فداك ابن عمك قد قبلت نصحك .

[376]

و منها ما روى عن أبي بكر بن إسماعيل قال : قلت لأبي جعفر بن الرضا (عليه السلام) إن لي جارية تشتكي من ريح بها فقال ائتني بها فأتيت بها فقال لها ما تشتكين يا جارية قالت ريحا في ركبتي فمسح يده على ركبتها من وراء الثياب فخرجت الجارية من عنده و لم تشتك وجعا بعد ذلك .

و منها ما روى عن علي بن جرير قال : كنت عند أبي جعفر بن الرضا (عليه السلام) جالسا و قد ذهبت شاة لمولاة له فأخذوا بعض الجيران يجرونهم إليه و يقولون أنتم سرقتم الشاة فقال أبو جعفر (عليه السلام) ويلكم خلوا عن جيراننا فلم يسرقوا شاتكم الشاة في دار فلان فاذهبوا فأخرجوها من داره فخرجوا فوجدوها في داره و أخذوا الرجل و ضربوه و خرقوا ثيابه و هو يحلف أنه لم يسرق هذه الشاة إلى أن صاروا إلى أبي جعفر (عليه السلام) فقال ويحكم ظلمتم هذا الرجل فإن الشاة دخلت داره و هو لا يعلم بها فدعاه فوهب

[377]

له شيئا بدل ما خرق من ثيابه و ضربه .

و منها ما روي عن محمد بن عمير بن واقد الرازي قال : دخلت على أبي جعفر بن الرضا (عليه السلام) و معي أخي به بهر شديد فشكا إليه ذلك البهر .

فقال (عليه السلام) عافاك الله مما تشكو .

فخرجنا من عنده و قد عوفي فما عاد إليه ذلك البهر إلى أن مات .

قال محمد بن عمير و كان يصيبني وجع في خاصرتي في كل أسبوع فيشتد ذلك بي أياما فسألته أن يدعو لي بزواله عني .

فقال و أنت فعافاك الله فما عاد إلى هذه الغاية .

و منها ما روي عن القاسم بن المحسن قال : كنت فيما بين مكة و المدينة فمر بي أعرابي ضعيف الحال فسألني شيئا فرحمته فأخرجت له رغيفا فناولته إياه فلما مضى عني هبت ريح زوبعة فذهبت بعمامتي من رأسي فلم أرها كيف ذهبت و لا أين مرت فلما دخلت المدينة صرت إلى أبي جعفر بن الرضا (عليه السلام) فقال لي يا قاسم ذهبت عمامتك في الطريق

[378]

قلت نعم فقال يا غلام أخرج إليه عمامته فأخرج إلي عمامتي بعينها قلت يا ابن رسول الله كيف صارت إليك قال تصدقت على الأعرابي فشكره الله لك و رد إليك عمامتك و إن الله لا يضيع أجر المحسنين .

و منها ما قال المطرفي : إن الرضا مضى و لي عليه أربعة آلاف درهم فقلت في نفسي ذهبت فأرسل إلي أبو جعفر (عليه السلام) إذا كان غدا فأتني و معك ميزان و أوزان فدخلت عليه فقال أبو الحسن مضى و لك عليه أربعة آلاف درهم .

فرفع المصلى الذي كان تحته فإذا دنانير تحته فدفعها إلي و كانت بقيمتها .

و منها : أنه لما خرج بزوجته أم الفضل من عند المأمون و وصل شارع الكوفة و انتهى إلى دار المسيب عند غروب الشمس دخل المسجد و كان في صحنه نبقة لم تحمل بعد فدعا بكوز فتوضأ في أصلها و قام فصلى بالناس صلاة المغرب فقرأ في الأولى الحمد و إذا جاء نصر الله و في الثانية الحمد و قل هو الله أحد

[379]

فلما سلم جلس هنيهة و قام من غير أن يعقب تعقيبا تاما فصلى النوافل الأربع و عقب بعدها و سجد سجدتي الشكر فلما انتهى إلى النبقة رآها الناس قد حملت حملا حسنا فأكلوا منها فوجدوا نبقا لا عجم له حلوا .

و منها ما روي عن محمد بن علي الهاشمي قال : دخلت على أبي جعفر صبيحة عرسه بأم الفضل بنت المأمون و كنت تناولت من الليل دواء فقعدت إليه فأصابني العطش فكرهت أن أدعو بالماء فنظر أبو جعفر في وجهي و قال أراك عطشان قلت أجل قال يا غلام اسقنا ماء قلت في نفسي الساعة يأتون بماء مسموم و اغتممت لذلك فأقبل الغلام و معه الماء فتبسم أبو جعفر في وجهي ثم قال للغلام ناولني الماء فتناوله فشرب ظاهرا

[380]

ثم ناولني فشربت و أطلت المقام و الجلوس عنده فعطشت فدعا بالماء ففعل كما فعل في الأول فشرب ثم ناولني و تبسم .

قال محمد بن حمزة قال لي محمد بن علي الهاشمي و الله إني أظن أن أبا جعفر يعلم ما في النفوس كما تقول الرافضة .

و منها ما روى أبو القاسم بن قولويه عن محمد بن يعقوب عن أحمد بن إدريس عن محمد بن حسان عن علي بن خالد قال : كنت بالعسكر فبلغني أن هناك رجلا محبوسا أتي به من ناحية الشام مكبولا بالحديد و قالوا إنه تنبأ فأتيت الباب و داريت البوابين حتى وصلت إليه

[381]

فإذا رجل له فهم و عقل فقلت له ما قصتك .

قال إني رجل كنت بالشام أعبد الله في الموضع الذي يقال إنه نصب فيه رأس الحسين (عليه السلام) فبينا أنا ذات ليلة في موضعي مقبل على المحراب أذكر الله إذ رأيت شخصا بين يدي فنظرت إليه فقال لي قم .

فقمت معه فمشى بي قليلا فإذا أنا في مسجد الكوفة فقال لي أ تعرف هذا المسجد قلت نعم هذا مسجد الكوفة فصلى و صليت معه ثم انصرف و انصرفت معه فمشى بي قليلا و إذا نحن بمسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فسلم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و سلمت و صلى و صليت معه ثم خرج و خرجت معه .

فمشى بي قليلا فإذا نحن بمكة فطاف بالبيت و طفت معه و خرج فخرجت معه فمشى بي قليلا فإذا أنا بموضعي الذي كنت أعبد الله فيه بالشام و غاب الشخص عن عيني فتعجبت مما رأيت .

فلما كان في العام المقبل رأيت ذلك الشخص فاستبشرت به و دعاني فأجبته ففعل كما فعل في العام الأول فلما أراد مفارقتي بالشام قلت سألتك بحق الذي أقدرك على ما رأيت من أنت قال أنا محمد بن علي بن موسى بن جعفر فحدثت من كان يصير إلي بخبره فرقي ذلك إلى محمد بن عبد الملك الزيات فبعث إلي فأخذني و كبلني في الحديد و حملني إلى العراق و حبست كما ترى و ادعى علي المحال .

[382]

فقلت له أرفع عنك قصة إلى محمد بن عبد الملك الزيات قال افعل .

فكتبت عنه قصة شرحت أمره فيها و رفعتها إلى الزيات فوقع في ظهرها قل للذي أخرجك من الشام في ليلة إلى الكوفة و إلى المدينة و إلى مكة أن يخرجك من حبسي هذا .

قال علي بن خالد فغمني ذلك من أمره و رققت له و انصرفت محزونا فلما كان من الغد باكرت الحبس لأعلمه بالحال و آمره بالصبر و العزاء .

فوجدت الجند و أصحاب الحرس و صاحب السجن و خلقا عظيما من الناس يهرعون فسألت عنهم و عن حالهم فقيل المحمول من الشام المتنبئ افتقد البارحة من الحبس فلا يدرى خسفت الأرض به أو اختطفته الطير .

و كان هذا الرجل أعني علي بن خالد زيديا فقال بالإمامة لما رأى ذلك و حسن اعتقاده .

[383]

و منها ما روي عن محمد بن أورمة عن الحسين المكاري قال : دخلت على أبي جعفر ببغداد و هو على ما كان من أمره .

فقلت في نفسي هذا الرجل لا يرجع إلى موطنه أبدا و أنا أعرف مطعمه قال فأطرق رأسه ثم رفعه و قد اصفر لونه فقال يا حسين خبز شعير و ملح جريش في حرم جدي رسول الله أحب إلي مما تراني فيه .

و منها ما روي عن إسماعيل بن عباس الهاشمي قال : جئت إلى أبي جعفر (عليه السلام) يوم عيد فشكوت إليه ضيق المعاش فرفع المصلى و أخذ من التراب سبيكة من ذهب فأعطانيها فخرجت بها إلى السوق فكان فيها ستة عشر مثقالا من ذهب .

و منها ما روي عن الحسن بن علي الوشاء قال : كنت بالمدينة بصريا في المشربة مع أبي جعفر (عليه السلام) فقام و قال لا تبرح .

[384]

فقلت في نفسي كنت أردت أن أسأل أبا الحسن الرضا (عليه السلام) قميصا من ثيابه فلم أفعل فإذا عاد إلي أبو جعفر (عليه السلام) أسأله .

فأرسل إلي من قبل أن أسأله و من قبل أن يعود إلي و أنا في المشربة بقميص و قال الرسول يقول لك هذا من ثياب أبي الحسن التي كان يصلي فيها .

و منها ما روى أبو سليمان عن علي بن أسباط قال : خرج علي أبو جعفر (عليه السلام) فجعلت أنظر إليه و إلى رأسه و رجليه لأصف قامته بمصر فلما جلس قال يا علي إن الله احتج في الإمامة بمثل ما احتج في النبوة قال الله تعالى وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا و قال وَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً

[385]

فقد يجوز أن يؤتى الحكم صبيا و يجوز أن يعطى و هو ابن أربعين سنة قال ابن أسباط و عباد أبو إسماعيل أنا عند الرضا (عليه السلام) بمنى إذ جي‏ء بأبي جعفر (عليه السلام) قلنا هذا المولود المبارك قال نعم هذا المولود المبارك الذي لم يولد في الإسلام أعظم بركة منه .

[386]

و منها ما روي عن ابن أورمة قال : حملت إلي امرأة شيئا من حلي و شيئا من دراهم و شيئا من ثياب .

فتوهمت أن ذلك كله لها و لم أسألها أن لغيرها في ذلك شيئا فحملت ذلك إلى المدينة مع بضاعات لأصحابنا .

و كتبت في الكتاب إني قد بعثت إليك من قبل فلانة كذا و من قبل فلان كذا و من قبل فلان و فلان بكذا .

فخرج في التوقيع قد وصل ما بعثت من قبل فلان و فلان و من قبل المرأتين تقبل الله منك و رضي عنك و جعلك معنا في الدنيا و الآخرة .

فلما رأيت ذكر المرأتين شككت في الكتاب أنه غير كتابه و أنه قد عمل

[387]

علي دونه لأني كنت في نفسي على يقين أن الذي دفعت إلي المرأة كان كله لها و هي مرأة واحدة فلما رأيت في التوقيع امرأتين اتهمت موصل كتابي .

فلما انصرفت إلى البلاد جاءتني المرأة فقالت هل أوصلت بضاعتي .

قلت نعم قالت و بضاعة فلانة .

قلت و كان فيها لغيرك شي‏ء قالت نعم كان لي فيها كذا و لأختي فلانة كذا .

قلت بلى قد أوصلت ذلك و زال ما كان عندي .

و منها ما روى بكر بن صالح عن محمد بن فضيل الصيرفي قال : كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) كتابا و في آخره هل عندك سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و نسيت أن أبعث بالكتاب فكتب إلي بحوائج له و في آخر كتابه

عندي سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو فينا بمنزلة التابوت في بني إسرائيل يدور معنا حيث درنا و هو مع كل إمام

و كنت بمكة فأضمرت في نفسي شيئا لا يعلمه إلا الله فلما صرت إلى المدينة و دخلت عليه نظر إلي فقال استغفر الله مما أضمرت و لا تعد .

قال بكر فقلت لمحمد أي شي‏ء هذا قال لا أخبر به أحدا .

قال و خرج بإحدى رجلي العرق المدني و قد قال لي قبل أن يخرج العرق في رجلي و قد ودعته فكان آخر ما قال إنه ستصيب وجعا فاصبر

فأيما رجل من شيعتنا اشتكى فصبر و احتسب كتب الله له أجر ألف شهيد

[388]

فلما صرت في بطن مر ضرب على رجلي و خرج بي العرق فما زلت شاكيا أشهرا و حججت في السنة الثانية فدخلت عليه فقلت جعلني الله فداك عوذ رجلي و أخبرته أن هذه التي توجعني فقال لا بأس على هذه و أعطني رجلك الأخرى الصحيحة فبسطتها بين يديه فعوذها فلما قمت من عنده خرج في الرجل الصحيحة فرجعت إلى نفسي فعلمت أنه عوذها من الوجع فعافاني الله بعده .

و منها ما روى عن محمد بن الوليد الكرماني قال : أتيت أبا جعفر بن الرضا (عليه السلام) فوجدت بالباب الذي في الفناء قوما كثيرا فعدلت إلى مسافر فجلست إليه حتى زالت الشمس فقمنا للصلاة فلما صلينا الظهر وجدت حسا من ورائي فالتفت فإذا أبو جعفر (عليه السلام) فسرت إليه حتى قبلت يده ثم جلس و سأل عن مقدمي ثم قال سلم فقلت جعلت فداك قد سلمت فأعاد القول ثلاث مرات سلم و قلت ذاك ما قد كان في قلبي منه شي‏ء فتبسم و قال سلم فتداركتها و قلت سلمت و رضيت يا ابن رسول الله فأجلى الله ما كان في قلبي حتى لو جهدت و رمت لنفسي أن أعود

[389]

إلى الشك ما وصلت إليه فعدت من الغد باكرا فارتفعت عن الباب الأول و صرت قبل الخيل و ما ورائي أحد أعلمه و أنا أتوقع أن أجد السبيل إلى الإرشاد إليه فلم أجد أحدا حتى اشتد الحر و الجوع جدا حتى جعلت أشرب الماء أطفئ به حر ما أجد من الجوع و الخواء فبينا أنا كذلك إذ أقبل نحوي غلام قد حمل خوانا عليه طعام و ألوان و غلام آخر معه طشت و إبريق حتى وضع بين يدي و قالا أمرك أن تأكل فأكلت فما فرغت حتى أقبل فقمت إليه فأمرني بالجلوس و بالأكل فأكلت فنظر إلى الغلام فقال كل معه ينشط حتى إذا فرغت و رفع الخوان ذهب الغلام ليرفع ما وقع من الخوان من فتات الطعام فقال مه مه ما كان في الصحراء فدعه و لو فخذ شاة و ما كان في البيت فالقطه ثم قال سل قلت جعلني الله فداك ما تقول في المسك

[390]

فقال إن أبي أمر أن يعمل له مسك في بان فكتب إليه الفضل يخبره أن الناس يعيبون ذلك عليه فكتب يا فضل أ ما علمت أن يوسف كان يلبس ديباجا مزرورا بالذهب و يجلس على كراسي الذهب فلم ينقص من حكمته شيئا و كذلك سليمان ثم أمر أن يعمل له غالية بأربعة آلاف درهم ثم قلت ما لمواليك في موالاتكم فقال إن أبا عبد الله (عليه السلام) كان عنده غلام يمسك بغلته إذا هو دخل المسجد فبينا هو جالس و معه بغلة إذ أقبلت رفقة من خراسان فقال له رجل من الرفقة هل لك يا غلام أن تسأله أن يجعلني مكانك و أكون له مملوكا و أجعل لك مالي كله فإني كثير المال من جميع الصنوف اذهب فاقبضه و أنا أقيم معه مكانك فقال أسأله ذلك فدخل على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال جعلت فداك تعرف خدمتي و طول صحبتي فإن ساق الله إلي خيرا تمنعنيه قال أعطيك من عندي و أمنعك من غيري فحكى له قول الرجل فقال إن زهدت في خدمتنا و رغب الرجل فينا قبلناه و أرسلناك فلما ولى عنه دعاه فقال له أنصحك لطول الصحبة و لك الخيار إذا كان يوم القيامة كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) متعلقا بنور الله و كان أمير المؤمنين (عليه السلام) متعلقا بنور رسول الله و كان الأئمة متعلقين بأمير المؤمنين و كان شيعتنا متعلقين بنا يدخلون مدخلنا و يردون موردنا

back page fehrest page next page