back page fehrest page next page

[391]

فقال له الغلام بل أقيم في خدمتك و أؤثر الآخرة على الدنيا فخرج الغلام إلى الرجل فقال له الرجل خرجت إلي بغير الوجه الذي دخلت به فحكى له قوله و أدخله على أبي عبد الله (عليه السلام) فقبل ولاءه و أمر للغلام بألف دينار ثم قام إليه فودعه و سأله أن يدعو له ففعل فقلت يا سيدي لو لا عيال بمكة و ولدي سرني أن أطيل المقام بهذا الباب فأذن لي و قال توافق غما ثم وضعت بين يديه حقا كان له فأمرني أن أحملها فتأبيت و ظننت أن ذلك موجدة فضحك إلي و قال خذها إليك فإنك توافق حاجة فجئت و قد ذهبت نفقتنا شطر منها فاحتجت إليه ساعة قدمت مكة

[392]

الباب الحادي عشر في معجزات الإمام علي بن محمد النقي (عليه السلام)

حدث جماعة من أهل أصفهان منهم أبو العباس أحمد بن النصر و أبو جعفر محمد بن علوية قالوا : كان بأصفهان رجل يقال له عبد الرحمن و كان شيعيا قيل له ما السبب الذي أوجب عليك به القول بإمامة علي النقي دون غيره من أهل الزمان .

قال شاهدت ما أوجب ذلك علي و ذلك أني كنت رجلا فقيرا و كان لي لسان و جرأة فأخرجني أهل أصفهان سنة من السنين مع قوم آخرين إلى باب المتوكل متظلمين .

فكنا بباب المتوكل يوما إذ خرج الأمر بإحضار علي بن محمد بن الرضا (عليه السلام) فقلت لبعض من حضر من هذا الرجل الذي قد أمر بإحضاره .

فقيل هذا رجل علوي تقول الرافضة بإمامته ثم قيل و يقدر أن المتوكل يحضره للقتل فقلت لا أبرح من هاهنا حتى أنظر إلى هذا الرجل أي رجل هو .

قال فأقبل راكبا على فرس و قد قام الناس يمنة الطريق و يسرته صفين ينظرون إليه فلما رأيته وقع حبه في قلبي فجعلت أدعو له في نفسي بأن يدفع الله عنه

[393]

شر المتوكل فأقبل يسير بين الناس و هو ينظر إلى عرف دابته لا ينظر يمنة و لا يسرة و أنا دائم الدعاء له فلما صار بإزائي أقبل إلي بوجهه و قال استجاب الله دعاءك و طول عمرك و كثر مالك و ولدك .

قال فارتعدت من هيبته و وقعت بين أصحابي فسألوني و هم يقولون ما شأنك فقلت خير و لم أخبرهم بذلك .

فانصرفنا بعد ذلك إلى أصفهان ففتح الله علي الخير بدعائه و وجوها من المال حتى أنا اليوم أغلق بابي على ما قيمته ألف ألف درهم سوى ما لي خارج داري و رزقت عشرة من الأولاد و قد بلغت الآن من عمري نيفا و سبعين سنة و أنا أقول بإمامة هذا الذي علم ما في قلبي و استجاب الله دعاءه في و لي .

و منها ما روي عن يحيى بن هرثمة قال : دعاني المتوكل فقال اختر ثلاثمائة رجل ممن تريد و اخرجوا إلى الكوفة فخلفوا أثقالكم فيها و اخرجوا على طريق البادية إلى المدينة فأحضروا علي بن محمد بن الرضا (عليه السلام) إلى عندي مكرما معظما مبجلا .

[394]

قال ففعلت و خرجنا و كان في أصحابي قائد من الشراة و كان لي كاتب يتشيع و أنا على مذهب الحشوية و كان ذلك الشاري يناظر ذلك الكاتب و كنت أستريح إلى مناظرتهما لقطع الطريق .

فلما صرنا إلى وسط الطريق قال الشاري للكاتب أ ليس من قول صاحبكم علي بن أبي طالب إنه ليس من الأرض بقعة إلا و هي قبر أو ستكون قبرا .

فانظر إلى هذه البرية أين من يموت فيها حتى يملأها الله قبورا كما تزعمون قال فقلت للكاتب أ هذا من قولكم قال نعم قلت صدق أين من يموت في هذه البرية العظيمة حتى تمتلئ قبورا و تضاحكنا ساعة إذ انخذل الكاتب في أيدينا .

قال و سرنا حتى دخلنا المدينة فقصدت باب أبي الحسن علي بن محمد بن الرضا (عليه السلام) فدخلت إليه فقرأ كتاب المتوكل فقال انزلوا و ليس من جهتي خلاف .

قال فلما صرت إليه من الغد و كنا في تموز أشد ما يكون من الحر فإذا بين يديه خياط و هو يقطع من ثياب غلاظ خفاتين له و لغلمانه ثم قال للخياط

[395]

اجمع عليها جماعة من الخياطين و اعمد على الفراغ منها يومك هذا و بكر بها إلي في هذا الوقت ثم نظر إلي و قال يا يحيى اقضوا وطركم من المدينة في هذا اليوم و اعمل على الرحيل غدا في هذا الوقت .

قال فخرجت من عنده و أنا أتعجب منه من الخفاتين و أقول في نفسي نحن في تموز و حر الحجاز و إنما بيننا و بين العراق مسيرة عشرة أيام فما يصنع بهذه الثياب ثم قلت في نفسي هذا رجل لم يسافر و هو يقدر أن كل سفر يحتاج فيه إلى هذه الثياب و أتعجب من الرافضة حيث يقولون بإمامة هذا مع فهمه هذا .

فعدت إليه في الغد في ذلك الوقت فإذا الثياب قد أحضرت فقال لغلمانه ادخلوا و خذوا لنا معكم لبابيد و برانس ثم قال ارحل يا يحيى فقلت في نفسي و هذا أعجب من الأول أ يخاف أن يلحقنا الشتاء في الطريق حتى أخذ معه اللبابيد و البرانس .

فخرجت و أنا أستصغر فهمه فسرنا حتى وصلنا إلى موضع المناظرة في القبور ارتفعت سحابة و اسودت و أرعدت و أبرقت حتى إذا صارت على رءوسنا أرسلت علينا بردا مثل الصخور و قد شد على نفسه و على غلمانه الخفاتين و لبسوا اللبابيد و البرانس و قال لغلمانه ادفعوا إلى يحيى لبادة و إلى الكاتب برنسا و تجمعنا و البرد يأخذنا حتى قتل من أصحابي ثمانين رجلا و زالت و رجع الحر كما كان .

[396]

فقال لي يا يحيى انزل أنت و من بقي من أصحابك ليدفن من قد مات من أصحابك ثم قال فهكذا يملأ الله هذه البرية قبورا .

قال يحيى فرميت بنفسي عن دابتي و عدوت إليه فقبلت ركابه و رجله و قلت أنا أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله و أنكم خلفاء الله في أرضه و قد كنت كافرا و إنني الآن قد أسلمت على يديك يا مولاي قال يحيى و تشيعت و لزمت خدمته إلى أن مضى .

و منها أن هبة الله بن أبي منصور الموصلي قال : كان بديار ربيعة كاتب نصراني و كان من أهل كفرتوثا يسمى يوسف بن يعقوب و كان بينه و بين والدي صداقة قال فوافانا فنزل عند والدي فقال له والدي ما شأنك قدمت في هذا الوقت قال قد دعيت إلى حضرة المتوكل و لا أدري ما يراد مني إلا أني اشتريت نفسي من الله بمائة دينار و قد حملتها لعلي بن محمد بن الرضا (عليه السلام) معي .

[397]

فقال له والدي قد وفقت في هذا .

قال و خرج إلى حضرة المتوكل و انصرف إلينا بعد أيام قلائل فرحا مستبشرا فقال له والدي حدثني حديثك .

قال صرت إلى سرمن‏رأى و ما دخلتها قط فنزلت في دار و قلت أحب أن أوصل المائة إلى ابن الرضا (عليه السلام) قبل مصيري إلى باب المتوكل و قبل أن يعرف أحد قدومي قال فعرفت أن المتوكل قد منعه من الركوب و أنه ملازم لداره فقلت كيف أصنع رجل نصراني يسأل عن دار ابن الرضا لا آمن أن ينذر بي فيكون ذلك زيادة فيما أحاذره .

قال ففكرت ساعة في ذلك فوقع في قلبي أن أركب حماري و أخرج في البلد فلا أمنعه من حيث يذهب لعلي أقف على معرفة داره من غير أن أسأل أحدا .

قال فجعلت الدنانير في كاغدة و جعلتها في كمي و ركبت فكان الحمار يخترق الشوارع و الأسواق يمر حيث يشاء إلى أن صرت إلى باب دار فوقف الحمار فجهدت أن يزول فلم يزل فقلت للغلام سل لمن هذه الدار .

فقيل هذه دار علي بن محمد بن الرضا فقلت الله أكبر دلالة و الله مقنعة .

[398]

قال و إذا خادم أسود قد خرج من الدار فقال أنت يوسف بن يعقوب قلت نعم قال انزل فنزلت فأقعدني في الدهليز و دخل فقلت في نفسي و هذه دلالة أخرى من أين عرف هذا الخادم اسمي و اسم أبي و ليس في هذا البلد من يعرفني و لا دخلته قط .

قال فخرج الخادم فقال المائة الدينار التي في كمك في الكاغدة هاتها فناولته إياها فقلت و هذه ثالثة ثم رجع إلي فقال ادخل .

فدخلت إليه و هو في مجلسه وحده فقال يا يوسف أ ما آن لك أن تسلم .

فقلت يا مولاي قد بان لي من البرهان ما فيه كفاية لمن اكتفى .

فقال هيهات أما إنك لا تسلم و لكن سيسلم ولدك فلان و هو من شيعتنا .

فقال يا يوسف إن أقواما يزعمون أن ولايتنا لا تنفع أمثالك كذبوا و الله إنها لتنفع أمثالك امض فيما وافيت له فإنك سترى ما تحب و سيولد لك ولد مبارك .

قال فمضيت إلى باب المتوكل فقلت كل ما أردت فانصرفت .

قال هبة الله فلقيت ابنه بعد موت أبيه و هو مسلم حسن التشيع فأخبرني أن أباه مات على النصرانية و أنه أسلم بعد موت والده و كان يقول أنا بشارة مولاي (عليه السلام) .

و منها أن أيوب بن نوح قال : كان ليحيى بن زكريا حمل فكتب إلى أبي الحسن أن لي حملا ادع الله لي أن يرزقني ابنا

[399]

فكتب إليه رب ابنة خير من ابن فولدت له ابنة

و قال أيوب بن نوح كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) و قد تعرض لي جعفر بن عبد الواحد القاضي و كان يؤذيني بالكوفة أشكو إليه ما ينالني منه من الأذى .

فكتب إلي تكفى أمره إلى شهرين فعزل عن الكوفة في الشهرين و استرحت منه .

و منها ما قال أبو هاشم الجعفري : إنه ظهر برجل من أهل سرمن‏رأى برص فتنغص عليه عيشه فجلس يوما إلى أبي علي الفهري فشكا إليه حاله فقال له لو تعرضت يوما لأبي الحسن علي بن محمد بن الرضا (عليه السلام) فسألته أن يدعو لك لرجوت أن يزول عنك .

فجلس يوما في الطريق وقت منصرفه من دار المتوكل فلما رآه قام ليدنو منه فيسأله ذلك فقال له تنح عافاك الله و أشار إليه بيده تنح عافاك الله و أشار إليه بيده تنح عافاك الله ثلاث مرات .

فرجع الرجل و لم يجسر أن يدنو منه و انصرف فلقي الفهري فعرفه الحال و ما قال فقال قد دعا لك قبل أن تسأل فامض فإنك ستعافى .

[400]

فانصرف الرجل إلى بيته فبات تلك الليلة فلما أصبح لم ير على بدنه شيئا من ذلك .

و منها ما روى أبو القاسم بن أبي القاسم البغدادي عن زرافة صاحب المتوكل أنه قال : وقع رجل مشعبذ من ناحية الهند إلى المتوكل يلعب لعب الحقة و لم ير مثله و كان المتوكل لعابا فأراد أن يخجل علي بن محمد بن الرضا (عليه السلام) فقال لذلك الرجل إن أنت أخجلته أعطيتك ألف دينار زكية .

قال تقدم بأن يخبز رقاق خفاف و اجعلها على المائدة و أقعدني إلى جنبه ففعل و أحضر علي بن محمد (عليه السلام) للطعام و جعلت له مسورة عن يساره كان عليها صورة أسد و جلس اللاعب إلى جانب المسورة .

فمد علي بن محمد (عليه السلام) يده إلى رقاقة فطيرها ذلك الرجل في الهواء و مد

[401]

يده إلى أخرى فطيرها فتضاحك الجميع .

فضرب علي بن محمد (عليه السلام) يده إلى تلك الصورة التي في المسورة و قال خذه فوثبت تلك الصورة من المسورة فابتلعت الرجل و عادت في المسورة كما كانت .

فتحير الجميع و نهض علي بن محمد (عليه السلام) فقال له المتوكل سألتك إلا جلست و رددته فقال و الله لا يرى بعدها أ تسلط أعداء الله على أولياء الله و خرج من عنده فلم ير الرجل بعد .

و منها ما روي : أنه أتاه رجل من أهل بيته يقال له معروف و قال أتيتك فلم تأذن لي فقال ما علمت بمكانك و أخبرت بعد انصرافك و ذكرتني بما لا ينبغي فحلف ما فعلت .

فقال أبو الحسن (عليه السلام) فعلمت أنه حلف كاذبا فدعوت الله عليه و قلت اللهم إنه حلف كاذبا فانتقم منه فمات الرجل من الغد .

و منها ما قال أبو القاسم البغدادي عن زرافة قال : أراد المتوكل

[402]

أن يمشي علي بن محمد بن الرضا (عليه السلام) يوم السلام فقال له وزيره إن في هذا شناعة عليك و سوء مقالة فلا تفعل قال لا بد من هذا .

قال فإن لم يكن بد من هذا فتقدم بأن يمشي القواد و الأشراف كلهم حتى لا يظن الناس أنك قصدته بهذا دون غيره .

ففعل و مشى (عليه السلام) و كان الصيف فوافى الدهليز و قد عرق .

قال فلقيته فأجلسته في الدهليز و مسحت وجهه بمنديل و قلت إن ابن عمك لم يقصدك بهذا دون غيرك فلا تجد عليه في قلبك .

فقال إيها عنك تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ .

قال زرافة و كان عندي معلم يتشيع و كنت كثيرا أمازحه بالرافضي فانصرفت إلى منزلي وقت العشاء و قلت تعال يا رافضي حتى أحدثك بشي‏ء سمعته اليوم من إمامكم قال و ما سمعت فأخبرته بما قال .

فقال يا حاجب أنت سمعت هذا من علي بن محمد (عليه السلام) قلت نعم قال فحقك علي واجب بحق خدمتي لك فاقبل نصيحتي قلت هاتها .

قال إن كان علي بن محمد قد قال ما قلت فاحترز و اخزن كل ما تملكه فإن المتوكل يموت أو يقتل بعد ثلاثة أيام .

فغضبت عليه و شتمته و طردته من بين يدي فخرج .

فلما خلوت بنفسي تفكرت و قلت ما يضرني أن آخذ بالحزم فإن كان من

[403]

هذا شي‏ء كنت قد أخذت بالحزم و إن لم يكن لم يضرني ذلك قال فركبت إلى دار المتوكل فأخرجت كل ما كان لي فيها و فرقت كل ما كان في داري إلى عند أقوام أثق بهم و لم أترك في داري إلا حصيرا أقعد عليه .

فلما كانت الليلة الرابعة قتل المتوكل و سلمت أنا و مالي فتشيعت عند ذلك و صرت إليه و لزمت خدمته و سألته أن يدعو لي و توليته حق الولاية .

و منها ما روي عن أبي القاسم بن القاسم عن خادم علي بن محمد (عليه السلام) قال : كان المتوكل يمنع الناس من الدخول إلى علي بن محمد فخرجت يوما و هو في دار المتوكل فإذا جماعة من الشيعة جلوس بقرب الباب .

فقلت ما شأنكم جلستم هاهنا قالوا ننتظر انصراف مولانا لننظر إليه و نسلم عليه و ننصرف قلت لهم و إذا رأيتموه تعرفونه قالوا كلنا نعرفه .

فلما وافى قاموا إليه فسلموا عليه و نزل فدخل داره و أراد أولئك الانصراف .

فقلت يا فتيان اصبروا حتى أسألكم أ ليس قد رأيتم مولاكم قالوا بلى .

قلت فصفوه فقال واحد هو شيخ أبيض الرأس أبيض مشرب بحمرة .

و قال آخر لا يكذب ما هو إلا أسمر أسود اللحية .

و قال الآخر لا لعمري ما هو كذلك هو كهل ما بين البياض و السمرة .

فقلت أ ليس زعمتم أنكم تعرفونه انصرفوا في حفظ الله .

[404]

و منها ما قال أبو هاشم الجعفري : أنه كان للمتوكل مجلس بشبابيك كيما تدور الشمس في حيطانه قد جعل فيها الطيور التي تصوت فإذا كان يوم السلام جلس في ذلك المجلس فلا يسمع ما يقال له و لا يسمع ما يقول من اختلاف أصوات تلك الطيور فإذا وافاه علي بن محمد بن الرضا (عليه السلام) سكتت الطيور فلا يسمع منها صوت واحد إلى أن يخرج من عنده فإذا خرج من باب المجلس عادت الطيور في أصواتها .

قال و كان عنده عدة من القوابج في الحيطان و كان يجلس في مجلس له عال و يرسل تلك القوابج تقتتل و هو ينظر إليها و يضحك منها فإذا وافى علي بن محمد (عليه السلام) إليه في ذلك المجلس لصقت تلك القوابج بالحيطان فلا تتحرك من مواضعها حتى ينصرف فإذا انصرف عادت في القتال .

و منها أن أبا هاشم الجعفري قال : ظهرت في أيام المتوكل امرأة تدعي

[405]

أنها زينب بنت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال لها المتوكل أنت امرأة شابة و قد مضى من وقت وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما مضى من السنين .

فقالت إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مسح على رأسي و سأل الله أن يرد علي شبابي في كل أربعين سنة و لم أظهر للناس إلى هذه الغاية فلحقتني الحاجة فصرت إليهم .

فدعا المتوكل مشايخ آل أبي طالب و ولد العباس و قريش فعرفهم حالها فروى جماعة وفاة زينب بنت فاطمة (عليها السلام) في سنة كذا فقال لها ما تقولين في هذه الرواية فقالت كذب و زور فإن أمري كان مستورا عن الناس فلم يعرف لي حياة و لا موت .

فقال لهم المتوكل هل عندكم حجة على هذه المرأة غير هذه الرواية قالوا لا قال أنا بري‏ء من العباس إن لا أنزلها عما ادعت إلا بحجة تلزمها .

قالوا فأحضر علي بن محمد بن الرضا (عليه السلام) فلعل عنده شيئا من الحجة غير ما عندنا فبعث إليه فحضر فأخبره بخبر المرأة فقال كذبت فإن زينب توفيت في سنة كذا في شهر كذا في يوم كذا قال فإن هؤلاء قد رووا مثل هذه الرواية و قد حلفت أن لا أنزلها عما ادعت إلا بحجة تلزمها .

قال و لا عليك فهاهنا حجة تلزمها و تلزم غيرها قال و ما هي قال لحوم ولد فاطمة محرمة على السباع فأنزلها إلى السباع فإن كانت من ولد فاطمة فلا تضرها السباع فقال لها ما تقولين قالت إنه يريد قتلي قال فهاهنا جماعة من ولد الحسن و الحسين (عليه السلام) فأنزل من شئت منهم قال فو الله لقد تغيرت وجوه الجميع فقال بعض المتعصبين هو يحيل على غيره لم لا يكون هو .

فمال المتوكل إلى ذلك رجاء أن يذهب من غير أن يكون له في أمره صنع .

فقال يا أبا الحسن لم لا يكون أنت ذلك قال ذاك إليك قال فافعل قال

[406]

أفعل إن شاء الله فأتي بسلم و فتح عن السباع و كانت ستة من الأسد فنزل الإمام أبو الحسن (عليه السلام) إليها فلما دخل و جلس صارت الأسود إليه و رمت بأنفسها بين يديه و مدت بأيديها و وضعت رءوسها بين يديه .

فجعل يمسح على رأس كل واحد منها بيده ثم يشير له بيده إلى الاعتزال فيعتزل ناحية حتى اعتزلت كلها و قامت بإزائه .

فقال له الوزير ما كان هذا صوابا فبادر بإخراجه من هناك قبل أن ينتشر خبره فقال له أبا الحسن ما أردنا بك سوءا و إنما أردنا أن نكون على يقين مما قلت فأحب أن تصعد فقام و صار إلى السلم و هي حوله تتمسح بثيابه .

فلما وضع رجله على أول درجة التفت إليها و أشار بيده أن ترجع فرجعت و صعد فقال كل من زعم أنه من ولد فاطمة فليجلس في ذلك المجلس .

فقال لها المتوكل انزلي .

قالت الله الله ادعيت الباطل و أنا بنت فلان حملني الضر على ما قلت .

فقال المتوكل ألقوها إلى السباع فبعثت والدته و استوهبتها منه و أحسنت إليها .

و منها ما روي عن محمد بن علي قال أخبرني زيد بن علي بن

[407]

الحسين بن زيد قال :
مرضت فدخل علي الطبيب ليلا و وصف لي دواء آخذه في السحر كذا و كذا يوما فلم يمكنني تحصيله من الليل و خرج الطبيب من الباب و ورد صاحب أبي الحسن (عليه السلام) في الحال و معه صرة فيها ذلك الدواء بعينه فقال لي أبو الحسن يقرئك السلام و يقول خذ هذا الدواء كذا و كذا يوما فشربت فبرأت قال محمد قال زيد أين الغلاة عن هذا الحديث .

و منها ما روي عن خيران الأسباطي قال : قدمت المدينة على أبي الحسن (عليه السلام) فقال لي ما فعل الواثق قلت هو في عافية .

و قال ما فعل جعفر قلت تركته أسوأ الناس حالا في السجن و قال ما فعل ابن الزيات قلت الأمر أمره و أنا منذ عشرة أيام خرجت من هناك .

فقال مات الواثق و قد قعد المتوكل جعفر و قتل ابن الزيات .

قلت متى قال بعد خروجك بستة أيام و كان كذلك .

[408]

و منها أن أحمد بن هارون قال : كنت جالسا أعلم غلاما من غلمانه في فازة داره فيها بستان إذ دخل علينا أبو الحسن (عليه السلام) راكبا على فرس له فقمنا إليه فسبقنا فنزل قبل أن ندنو منه فأخذ بعنان فرسه بيده فعلقه في طنب من أطناب الفازة ثم دخل و جلس معنا فأقبل علي فقال متى رأيك تنصرف إلى المدينة فقلت الليلة .

[409]

قال فأكتب إذا كتابا معك توصله إلى فلان التاجر قلت نعم .

قال يا غلام هات الدواة و القرطاس فخرج الغلام ليأتي بهما من دار أخرى .

فلما غاب الغلام صهل الفرس و ضرب بذنبه فقال له بالفارسية ما هذا القلق فصهل الثانية فضرب بذنبه فقال له بالفارسية لي حاجة أريد أن أكتب كتابا إلى المدينة فاصبر حتى أفرغ فصهل الثالثة و ضرب بيديه فقال له بالفارسية اقلع فامض إلى ناحية البستان و بل هناك و رث و ارجع فقف هناك مكانك فرفع الفرس رأسه و أخرج العنان من موضعه ثم مضى إلى ناحية البستان حتى لا نراه في ظهر الفازة فبال و راث و عاد إلى مكانه .

فدخلني من ذلك ما الله به عليم و وسوس الشيطان في قلبي فأقبل إلي فقال يا أحمد لا يعظم عليك ما رأيت إن ما أعطى الله محمدا و آل محمد أكثر مما أعطى داود و آل داود .

قلت صدق ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فما قال لك و ما قلت له فما فهمته .

فقال قال لي الفرس قم فاركب إلى البيت حتى تفرغ عني قلت ما هذا القلق قال قد تعبت فقلت لي حاجة أريد أن أكتب كتابا إلى المدينة فإذا فرغت ركبتك قال إني أريد أن أروث و أبول و أكره أن أفعل ذلك بين يديك فقلت له اذهب إلى ناحية البستان فافعل ما أردت ثم عد إلى مكانك ففعل الذي رأيت .

ثم أقبل الغلام بالدواة و القرطاس و قد غابت الشمس فوضعها بين يديه فأخذ في الكتابة حتى أظلم الليل فيما بيني و بينه فلم أر الكتاب و ظننت أنه قد أصابه الذي أصابني .

[410]

فقلت للغلام قم فهات بشمعة من الدار حتى يبصر مولاك كيف يكتب فمضى فقال للغلام ليس لي إلى ذلك حاجة .

ثم كتب كتابا طويلا إلى أن غاب الشفق ثم قطعه فقال للغلام أصلحه فأخذ الغلام الكتاب و خرج من الفازة ليصلحه ثم عاد إليه و ناوله ليختمه فختمه من غير أن ينظر الخاتم مقلوبا أو غير مقلوب فناولني الكتاب فأخذت فقمت لأذهب فعرض في قلبي قبل أن أخرج من الفازة أصلي قبل أن آتي المدينة .

قال يا أحمد صل المغرب و العشاء الآخرة في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم اطلب الرجل في الروضة فإنك توافيه إن شاء الله .

قال فخرجت مبادرا فأتيت المسجد و قد نودي للعشاء الآخرة فصليت المغرب ثم صليت معهم العتمة و طلبت الرجل حيث أمرني فوجدته فأعطيته الكتاب فأخذه ففضه ليقرأه فلم يتبين قراءة في ذلك الوقت فدعا بسراج فأخذته فقرأته عليه في السراج في المسجد فإذا خط مستو ليس حرف ملتصقا بحرف و إذا الخاتم مستو ليس بمقلوب فقال لي الرجل عد إلي غدا حتى أكتب جواب الكتاب فغدوت فكتب الجواب فمضيت به إليه فقال أ ليس قد وجدت الرجل حيث قلت لك فقلت نعم قال أحسنت .

[411]

و منها ما روى عن علي بن جعفر قال : قلت لأبي الحسن (عليه السلام) أينا أشد حبا لدينه قال أشدكم حبا لصاحبه في حديث طويل ثم قال لي يا علي إن هذا المتوكل يبني بين المدينة بناء لا يتم بناؤه و يكون هلاكه قبل تمامه على يدي فرعون من فراعنة الترك .

و منها ما روى عن أحمد بن عيسى الكاتب قال : رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما يرى النائم كأنه نائم في حجرتي و كأنه دفع إلي كفا من تمر عدده خمس و عشرون تمرة قال فما لبثت حتى أقدم بأبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) و معه قائد فأنزله في حجرتي و كان القائد يبعث و يأخذ من العلف من عندي فسألني يوما كم لك علينا قلت لست آخذ منك شيئا من ثمنه .

قال لي أ فتحب أن تدخل إلى هذا العلوي فتسلم عليه قلت لست أكره ذلك .

فدخلت فسلمت عليه و قلت له إن في هذه القرية كذا و كذا من مواليك فإن أمرتنا بإحضارهم فعلنا قال لا تفعلوا قلت فإن عندنا تمورا جيادا فتأذن لي أن أحمل لك بعضها قال إن حملت شيئا لم يصل إلي و لكن احمله إلى القائد فإنه سيبعث إلي منه فحملت إلى القائد أنواعا من التمر و أخذت نوعا جيدا في

back page fehrest page next page