[412]
كمي و سكرجة من زبد فحملته إليه ثم جئت فقال لي القائد أ تحب أن تدخل على صاحبك قلت نعم فدخلت فإذا قدامه من ذلك التمر الذي بعثت به إلى القائد فأخرجت التمر الذي معي و الزبد فوضعته بين يديه فأخذ كفا من تمر فدفعه إلي و قال لو زادك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لزدناك فعددته فإذا هو كما رأيته في النوم لم يزد و لم ينقص .
و منها ما روى أبو سليمان قال حدثنا ابن أورمة قال : خرجت أيام المتوكل إلى سرمنرأى فدخلت على سعيد الحاجب و دفع المتوكل أبا الحسن إليه ليقتله فلما دخلت عليه قال تحب أن تنظر إلى إلهك قلت سبحان الله إلهي لا تدركه الأبصار قال هذا الذي تزعمون أنه إمامكم قلت ما أكره ذلك .
قال قد أمرت بقتله و أنا فاعله غدا و عنده صاحب البريد فإذا خرج فادخل إليه .
فلم ألبث أن خرج قال ادخل .
فدخلت الدار التي كان فيها محبوسا فإذا هو ذا بحياله قبر يحفر فدخلت و سلمت و بكيت بكاء شديدا قال ما يبكيك قلت لما أرى .
قال لا تبك لذلك فإنه لا يتم لهم ذلك فسكن ما كان بي .
فقال إنه لا يلبث أكثر من يومين حتى يسفك الله دمه و دم صاحبه الذي رأيته .
قال فو الله ما مضى غير يومين حتى قتل و قتل صاحبه .
[413]
قلت لأبي الحسن (عليه السلام) حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تعادوا الأيام فتعاديكم قال نعم إن لحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تأويلا أما السبت فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و الأحد أمير المؤمنين (عليه السلام) و الإثنين الحسن و الحسين (عليه السلام) و الثلاثاء علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد و الأربعاء موسى بن جعفر و علي بن موسى و محمد بن علي و أنا علي بن محمد و الخميس ابني الحسن و الجمعة القائم منا أهل البيت (عليه السلام) .
و منها أن أبا محمد الطبري قال : تمنيت أن يكون لي خاتم من عنده (عليه السلام) فجاءني نصر الخادم بدرهمين فصنعت منه خاتما فدخلت على قوم يشربون الخمر فتعلقوا بي حتى شربت قدحا أو قدحين و كان الخاتم ضيقا في إصبعي لا يمكنني
[414]
إدارته للوضوء فأصبحت و قد افتقدته فتبت إلى الله .
و منها حديث تل المخالي و ذلك : أن الخليفة أمر العسكر و هم تسعون ألف فارس من الأتراك الساكنين بسرمنرأى أن يملأ كل واحد مخلاة فرسه من الطين الأحمر و يجعلوا بعضه على بعض في وسط برية واسعة هناك ففعلوا فلما صار مثل جبل عظيم صعد فوقه و استدعى أبا الحسن (عليه السلام) و استصعده و قال استحضرتك لنظارة خيولي و قد كان أمرهم أن يلبسوا التجافيف و يحملوا الأسلحة و قد عرضوا بأحسن زينة و أتم عدة و أعظم هيبة و كان غرضه أن يكسر قلب كل من يخرج عليه و كان خوفه من أبي الحسن (عليه السلام) أن يأمر أحدا من أهل بيته أن يخرج على الخليفة .
فقال له أبو الحسن (عليه السلام) و هل تريد أن أعرض عليك عسكري قال نعم .
فدعا الله سبحانه فإذا بين السماء و الأرض من المشرق إلى المغرب ملائكة مدججون
[415]
فغشي على الخليفة فلما أفاق قال أبو الحسن (عليه السلام) نحن لا ننافسكم في الدنيا نحن مشتغلون بأمر الآخرة فلا عليك شيء مما تظن .
و منها ما روى أبو محمد البصري عن أبي العباس خال شبل كاتب إبراهيم بن محمد قال : كنا أجرينا ذكر أبي الحسن (عليه السلام) فقال لي يا أبا محمد لم أكن في شيء من هذا الأمر و كنت أعيب على أخي و على أهل هذا القول عيبا شديدا بالذم و الشتم إلى أن كنت في الوفد الذين أوفد المتوكل إلى المدينة في إحضار أبي الحسن (عليه السلام) فخرجنا إلى المدينة .
فلما خرج و صرنا في بعض الطريق طوينا المنزل و كان يوما صائفا شديد الحر فسألناه أن ينزل فقال لا فخرجنا و لم نطعم و لم نشرب فلما اشتد الحر و الجوع و العطش فينا و نحن إذ ذاك في أرض ملساء لا نرى شيئا و لا ظل و لا ماء نستريح إليه فجعلنا نشخص بأبصارنا نحوه .
فقال ما لكم أحسبكم جياعا و قد عطشتم فقلنا إي و الله و قد عيينا يا سيدنا .
[416]
قال عرسوا و كلوا و اشربوا .
فتعجبت من قوله و نحن في صحراء ملساء لا نرى فيها شيئا نستريح إليه و لا نرى ماء و لا ظلا قال ما لكم عرسوا فابتدرت إلى القطار لأنيخ ثم التفت إذا أنا بشجرتين عظيمتين يستظل تحتهما عالم من الناس و إني لأعرف موضعهما أنه أرض براح قفر و إذا أنا بعين تسيح على وجه الأرض أعذب ماء و أبرده فنزلنا و أكلنا و شربنا و استرحنا و إن فينا من سلك ذلك الطريق مرارا .
فوقع في قلبي ذلك الوقت أعاجيب و جعلت أحد النظر إليه و أتأمله طويلا و إذا نظرت إليه تبسم و زوي وجهه عني .
فقلت في نفسي و الله لأعرفن هذا كيف هو فأتيت من وراء الشجرة فدفنت سيفي و وضعت عليه حجرين و تغوطت في ذلك الموضع و تهيأت للصلاة .
فقال أبو الحسن استرحتم قلنا نعم قال فارتحلوا على اسم الله فارتحلنا فلما أن سرنا ساعة رجعت على الأثر فأتيت الموضع فوجدت الأثر و السيف كما وضعت و العلامة و كأن الله لم يخلق ثم شجرة و لا ماء و ظلالا و لا بللا فتعجبت من ذلك و رفعت يدي إلى السماء فسألت الله بالثبات على المحبة و الإيمان به و المعرفة منه و أخذت الأثر و لحقت القوم فالتفت إلي أبو الحسن (عليه السلام) و قال
[417]
يا أبا العباس فعلتها قلت نعم يا سيدي لقد كنت شاكا و لقد أصبحت و أنا عند نفسي من أغنى الناس بك في الدنيا و الآخرة .
فقال هو كذلك هم معدودون معلومون لا يزيد رجل و لا ينقص رجل .
و منها ما روى أبو سعيد سهل بن زياد قال حدثنا أبو العباس فضل بن أحمد بن إسرائيل الكاتب و نحن في داره بسامرة فجرى ذكر أبي الحسن فقال : يا أبا سعيد إني أحدثك بشيء حدثني به أبي قال كنا مع المعتز و كان أبي كاتبه قال فدخلنا الدار و إذا المتوكل على سريره قاعد فسلم المعتز و وقف و وقفت خلفه و كان عهدي به إذا دخل عليه رحب به و يأمره بالقعود فأطال القيام و جعل يرفع قدما و يضع أخرى و هو لا يأذن له بالقعود و نظرت إلى وجهه يتغير ساعة بعد ساعة و يقبل على الفتح بن خاقان و يقول هذا الذي تقول فيه ما تقول و يردد القول و الفتح مقبل عليه يسكنه و يقول مكذوب
[418]
عليه يا أمير المؤمنين و هو يتلظى و يشطط و يقول و الله لأقتلن هذا المرائي الزنديق و هو الذي يدعي الكذب و يطعن في دولتي ثم قال جئني بأربعة من الخزر جلاف لا يفهمون فجيء بهم و دفع إليهم أربعة أسياف و أمرهم أن يرطنوا بألسنتهم إذا دخل أبو الحسن و أن يقبلوا عليه بأسيافهم فيخبطوه و يعلقوه و هو يقول و الله لأحرقنه بعد القتل و أنا منتصب قائم خلف المعتز من وراء الستر .
فما علمت إلا بأبي الحسن قد دخل و قد بادر الناس قدامه و قالوا قد جاء و التفت و رأى فإذا أنا به و شفتاه تتحركان و هو غير مكترث و لا جازع فلما بصر به المتوكل رمى بنفسه عن السرير إليه و هو يسبقه فانكب عليه يقبل بين عينيه و يديه و سيفه بيده و هو يقول يا سيدي يا ابن رسول الله يا خير خلق الله يا ابن عمي يا مولاي يا أبا الحسن و أبو الحسن (عليه السلام) يقول أعيذك يا أمير المؤمنين بالله اعفني من هذا فقال ما جاء بك يا سيدي في هذا الوقت قال جاءني رسولك فقال المتوكل يدعوك فقال كذب ابن الفاعلة ارجع يا سيدي من حيث جئت .
يا فتح يا عبيد الله يا معتز شيعوا سيدكم و سيدي .
فلما بصر به الخزر خروا سجدا مذعنين فلما خرج دعاهم المتوكل ثم أمر
[419]
الترجمان أن يخبره بما يقولون ثم قال لهم لم لم تفعلوا ما أمرتم .
قالوا شدة هيبته و رأينا حوله أكثر من مائة سيف لم نقدر أن نتأملهم فمنعنا ذلك عما أمرت به و امتلأت قلوبنا من ذلك رعبا .
فقال المتوكل يا فتح هذا صاحبك و ضحك في وجه الفتح و ضحك الفتح في وجهه و قال الحمد لله الذي بيض وجهه و أنار حجته .
و منها ما روي عن محمد بن الفرج قال : قال لي علي بن محمد (عليه السلام) إذا أردت أن تسأل مسألة فاكتبها و ضع الكتاب تحت مصلاك و دعه ساعة ثم أخرجه و انظر فيه قال ففعلت فوجدت جواب ما سألت عنه موقعا فيه .
[420]
الباب الثاني عشر في معجزات الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السلام)
عن أبي هاشم الجعفري قال : لما مضى أبو الحسن (عليه السلام) صاحب العسكر اشتغل أبو محمد ابنه بغسله و شأنه و أسرع بعض الخدم إلى أشياء احتملوها من ثياب و دراهم و غيرها .
فلما فرغ أبو محمد من شأنه صار إلى مجلسه فجلس ثم دعا أولئك الخدم فقال لهم إن صدقتموني عما أحدثكم فيه فأنتم آمنون من عقوبتي و إن أصررتم على الجحود دللت على كل ما أخذه كل واحد منكم و عاقبتكم عند ذلك بما تستحقونه مني ثم قال أنت يا فلان أخذت كذا و كذا أ كذلك هو قال نعم يا ابن رسول الله قال فرده .
ثم قال و أنت يا فلانة أخذت كذا و كذا أ كذلك هو قالت نعم قال فرديه .
فذكر لكل واحد منهم ما أخذه و صار إليه حتى ردوا جميع ما أخذوه .
[421]
و منها ما قال أبو هاشم : إن أبا محمد (عليه السلام) ركب يوما إلى الصحراء فركبت معه فبينا نسير و هو قدامي و أنا خلفه إذ عرض لي فكر في دين كان علي قد حان أجله فجعلت أفكر من أي وجه قضاؤه .
فالتفت إلي فقال يا أبا هاشم الله يقضيه ثم انحنى على قربوس سرجه فخط بسوطه خطة في الأرض و قال انزل فخذ و اكتم .
فنزلت فإذا سبيكة ذهب قال فوضعتها في خفي و سرنا فعرض لي الفكر .
فقلت إن كان فيها تمام الدين و إلا فإني أرضي صاحبه بها و يجب أن ننظر الآن في وجه نفقة الشتاء و ما نحتاج إليه فيه من كسوة و غيرها .
فالتفت إلي ثم انحنى ثانية و خط بسوطه خطة في الأرض مثل الأولى ثم قال انزل فخذ و اكتم .
قال فنزلت و إذا سبيكة فضة فجعلتها في خفي الآخر و سرنا يسيرا ثم انصرف إلى منزله و انصرفت إلى منزلي فجلست فحسبت ذلك الدين و عرفت مبلغه ثم وزنت سبيكة الذهب فخرجت بقسط ذلك الدين ما زادت و لا نقصت ثم نظرت فيما نحتاج إليه لشتوتي من كل وجه فعرفت مبلغه الذي لم يكن بد منه على الاقتصاد بلا تقتير و لا إسراف .
ثم وزنت سبيكة الفضة فخرجت على ما قدرته ما زادت و لا نقصت .
[422]
و منها ما حدث به نصراني متطبب بالري يقال له مرعبدا و قد أتى عليه مائة سنة و نيف و قال : كنت تلميذ بختيشوع طبيب المتوكل و كان يصطفيني فبعث إليه الحسن بن علي بن محمد بن الرضا (عليه السلام) أن يبعث إليه بأخص أصحابه عنده ليفصده فاختارني و قال قد طلب مني ابن الرضا من يفصده فصر إليه و هو أعلم في يومنا هذا بمن تحت السماء فاحذر أن تعترض عليه فيما يأمرك به .
فمضيت إليه فأمر بي إلى حجرة و قال كن هاهنا إلى أن أطلبك .
قال و كان الوقت الذي دخلت إليه فيه عندي جيدا محمودا للفصد فدعاني في وقت غير محمود له و أحضر طشتا عظيما ففصدت الأكحل فلم يزل الدم يخرج حتى امتلأ الطشت .
ثم قال لي اقطع فقطعت و غسل يده و شدها و ردني إلى الحجرة و قدم من الطعام الحار و البارد شيء كثير و بقيت إلى العصر
[423]
ثم دعاني فقال سرح و دعا بذلك الطشت فسرحت و خرج الدم إلى أن امتلأ الطشت فقال اقطع فقطعت و شد يده و ردني إلى الحجرة فبت فيها .
فلما أصبحت و ظهرت الشمس دعاني و أحضر ذلك الطشت و قال سرح فسرحت فخرج من يده مثل اللبن الحليب إلى أن امتلأ الطشت ثم قال اقطع فقطعت و شد يده و قدم إلي تخت ثياب و خمسين دينارا و قال خذها و أعذر و انصرف فأخذت و قلت يأمرني السيد بخدمة قال نعم تحسن صحبة من يصحبك من دير العاقول .
فصرت إلى بختيشوع و قلت له القصة .
فقال أجمعت الحكماء على أن أكثر ما يكون في بدن الإنسان سبعة أمنان من الدم و هذا الذي حكيت لو خرج من عين ماء لكان عجبا و أعجب ما فيه اللبن ففكر ساعة ثم مكثنا ثلاثة أيام بلياليها نقرأ الكتب على أن نجد لهذه الفصدة ذكرا في العالم فلم نجد ثم قال لم تبق اليوم في النصرانية أعلم بالطب من راهب بدير العاقول .
فكتب إليه كتابا يذكر فيه ما جرى فخرجت و ناديته فأشرف علي فقال من أنت قلت صاحب بختيشوع قال أ معك كتابه قلت نعم فأرخى لي زبيلا فجعلت الكتاب فيه فرفعه فقرأ الكتاب و نزل من ساعته .
فقال أنت الذي فصدت الرجل قلت نعم .
[424]
قال طوبى لأمك و ركب بغلا و سرنا فوافينا سرمنرأى و قد بقي من الليل ثلثه قلت أين تحب دار أستاذنا أم دار الرجل قال دار الرجل فصرنا إلى بابه قبل الأذان الأول ففتح الباب و خرج إلينا خادم أسود و قال أيكما راهب دير العاقول فقال أنا جعلت فداك فقال انزل و قال لي الخادم احتفظ بالبغلين و أخذ بيده و دخلا فأقمت إلى أن أصبحنا و ارتفع النهار .
ثم خرج الراهب و قد رمى بثياب الرهبانية و لبس ثيابا بيضا و أسلم فقال خذني الآن إلى دار أستاذك فصرنا إلى باب بختيشوع فلما رآه بادر يعدو إليه ثم قال ما الذي أزالك عن دينك .
قال وجدت المسيح و أسلمت على يده قال وجدت المسيح .
قال أو نظيره فإن هذه الفصدة لم يفعلها في العالم إلا المسيح و هذا نظيره في آياته و براهينه .
ثم انصرف إليه و لزم خدمته إلى أن مات .
و منها ما روى أحمد بن محمد عن جعفر بن الشريف الجرجاني : حججت سنة فدخلت على أبي محمد (عليه السلام) بسرمنرأى و قد كان أصحابنا حملوا معي شيئا من المال فأردت أن أسأله إلى من أدفعه
[425]
فقال قبل أن قلت له ذلك ادفع ما معك إلى المبارك خادمي .
قال ففعلت و خرجت و قلت إن شيعتك بجرجان يقرءون عليك السلام .
قال أ و لست منصرفا بعد فراغك من الحج قلت بلى .
قال فإنك تصير إلى جرجان من يومك هذا إلى مائة و سبعين يوما و تدخلها يوم الجمعة لثلاث ليال يمضين من شهر ربيع الآخر في أول النهار فأعلمهم أني أوافيهم في ذلك اليوم آخر النهار فامض راشدا فإن الله سيسلمك و يسلم ما معك فتقدم على أهلك و ولدك و يولد لولدك الشريف ابن فسمه الصلت بن الشريف بن جعفر بن الشريف و سيبلغه الله و يكون من أوليائنا .
فقلت يا ابن رسول الله إن إبراهيم بن إسماعيل الجرجاني و هو من شيعتك كثير المعروف إلى أوليائك يخرج إليهم في السنة من ماله أكثر من مائة ألف درهم و هو أحد المتقلبين في نعم الله بجرجان .
فقال شكر الله لأبي إسحاق إبراهيم بن إسماعيل صنيعته إلى شيعتنا و غفر له ذنوبه و رزقه ذكرا سويا قائلا بالحق فقل له يقول لك الحسن بن علي سم ابنك أحمد .
فانصرفت من عنده و حججت و سلمني الله حتى وافيت جرجان في يوم الجمعة في أول النهار من شهر ربيع الآخر على ما ذكر (عليه السلام) و جاءني أصحابنا يهنئوني فأعلمتهم أن الإمام وعدني أن يوافيكم في آخر هذا اليوم فتأهبوا لما تحتاجون إليه و أعدوا مسائلكم و حوائجكم كلها .
فلما صلوا الظهر و العصر اجتمعوا كلهم في داري فو الله ما شعرنا إلا و قد وافانا
[426]
أبو محمد (عليه السلام) فدخل إلينا و نحن مجتمعون فسلم هو أولا علينا فاستقبلناه و قبلنا يده .
ثم قال إني كنت وعدت جعفر بن الشريف أن أوافيكم في آخر هذا اليوم فصليت الظهر و العصر بسرمنرأى و صرت إليكم لأجدد بكم عهدا و ها أنا جئتكم الآن فاجمعوا مسائلكم و حوائجكم كلها .
فأول من انتدب لمسائلته النضر بن جابر قال يا ابن رسول الله إن ابني جابرا أصيب ببصره منذ أشهر فادع الله له أن يرد عليه عينيه قال فهاته .
فمسح بيده على عينيه فعاد بصيرا ثم تقدم رجل فرجل يسألونه حوائجهم و أجابهم إلى كل ما سألوه حتى قضى حوائج الجميع و دعا لهم بخير و انصرف من يومه ذلك .
و منها ما روي عن علي بن زيد بن علي بن الحسين بن زيد بن علي قال : صحبت أبا محمد (عليه السلام) من دار العامة إلى منزله .
فلما صار إلى الدار و أردت الانصراف قال أمهل فدخل ثم أذن لي .
فدخلت فأعطاني مائة دينار و قال صيرها في ثمن جارية فإن جاريتك فلانة
[427]
ماتت و كنت خرجت من منزلي و عهدي بها أنشط ما كانت فمضيت فإذا الغلام قال ماتت جاريتك فلانة الساعة .
قلت ما حالها قال شربت ماء فشرقت فماتت .
و منها ما روي عن إسماعيل بن محمد بن علي بن إسماعيل بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب قال : قعدت على ظهر الطريق لأبي محمد (عليه السلام) فلما مر بي شكوت إليه الحاجة .
قال دفنت مائتي دينار و ليس قولي دفعا و أعطاه مائة دينار .
قال ثم أقبل علي فقال أما إنك تحرمها أحوج ما تكون إليها يعني الدنانير التي دفنتها و صدق فإذا ابن لي قد عرف مكانها و أخذها و هرب فما قدرت منها على شيء .
[428]
و منها ما روي عن أبي هاشم الجعفري قال : كنت عند أبي محمد (عليه السلام) فاستؤذن لرجل من أهل اليمن فدخل رجل طويل جسيم فسلم عليه بالولاية .
فقلت في نفسي ليت شعري من هذا فقال أبو محمد (عليه السلام) هذا من ولد الأعرابية صاحبة الحصاة التي طبع فيها آبائي بخواتيمهم فانطبعت .
فأخرج حصاة و في جانب منها موضع أملس فطبع فيها فانطبع و كأني أقرأ الساعة نقش خاتمه الحسن بن علي ثم نهض الرجل و هو يقول رحمة الله و بركاته عليكم أهل البيت ذرية بعضها من بعض فسألته عن اسمه فقال مهجع بن الصلت بن عقبة بن سمعان بن غانم ابن أم غانم و هي الأعرابية اليمانية صاحبة الحصاة التي ختم فيها أمير المؤمنين (عليه السلام) .
و صاحبات الحصى ثلاث إحداهن هي و تكنى أم غانم .
و الثانية أم الندى حبابة بنت جعفر الوالبية .
و الأولى اسمها سعاد من بني سعد بن بكر بن عبد مناف .
و الثالثة تدعى أم سليم كانت قارئة الكتب و لكل واحدة خبر .
[429]
و منها ما روي عن علي بن محمد بن زياد الصيمري قال : دخلت على أبي
[430]
أحمد بن عبد الله بن طاهر و بين يديه رقعة أبي محمد (عليه السلام) و فيها إني نازلت الله في هذا الطاغي يعني المستعين و هو آخذه بعد ثلاث فلما كان اليوم الثالث خلع و كان من أمره ما كان حتى قتل .
[431]
و منها ما قال أبو هاشم الجعفري : كنت محبوسا مع أبي محمد (عليه السلام) في حبس المهتدي بن الواثق فقال لي إن هذا الطاغي أراد أن يتعبث بالله في هذه الليلة و قد بتر الله عمره و ساء رزقه .
فلما أصبحنا شغب الأتراك على المهتدي فقتلوه و ولي المعتمد مكانه و سلمنا الله .
و منها ما روى الحسن بن ظريف أنه قال : اختلج في صدري مسألتان أردت الكتابة بهما إلى أبي محمد (عليه السلام) فكتبت أسأله عن القائم (عليه السلام) بم يقضي و أين مجلسه و كنت أردت أن أسأله عن شيء لحمى الربع فأغفلت ذكر الحمى .
[432]
فجاء الجواب سألت عن القائم إذا قام يقضي بين الناس بعلمه كقضاء داود و لا يسأل البينة و كنت أردت أن تسأل لحمى الربع فأنسيت .
فاكتب في ورقة و علقه على المحموم يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ فكتبته و علقته على المحموم فبرأ .
و منها ما روي عن أحمد بن الحارث القزويني قال : كنت مع أبي بسرمنرأى و كان أبي يتعاطى البيطرة في مربط أبي محمد و كان عند المستعين بغل لم نر مثله حسنا و كبرا و كان يمنع ظهره و اللجام و قد جمع الرواض فلم يكن له حيلة في ركوبه .
فقال له بعض ندمائه أ لا تبعث إلى الحسن ابن الرضا حتى يجيء إما أن يركبه و إما أن يقتله فبعث إلى أبي محمد (عليه السلام) و مضى معه أبي .
فلما دخل الدار كنت مع أبي فنظر أبو محمد (عليه السلام) إلى البغل واقفا في صحن
[433]
الدار فوضع يده على كتفه فعرق البغل ثم صار إلى المستعين فرحب به و قربه و قال ألجم هذا البغل فقال أبو محمد (عليه السلام) لأبي ألجمه .
فقال المستعين ألجمه أنت يا أبا محمد .
فقام أبو محمد و وضع طيلسانه فألجمه ثم رجع إلى مجلسه .
فقال يا أبا محمد أسرجه فقال أبو محمد لأبي أسرجه .
فقال المستعين أسرجه أنت يا أبا محمد فقام أبو محمد (عليه السلام) ثانية فأسرجه و رجع ثم قال ترى أن تركبه قال نعم .
فركبه أبو محمد (عليه السلام) من غير أن يمتنع عليه ثم ركضه في الدار ثم حمله على الهملجة فمشى له أحسن مشي ثم نزل فرجع إليه فقال المستعين قد حملك عليه أمير المؤمنين فقال أبو محمد لأبي خذه فأخذه و قاده .
[434]
و منها ما روي عن علي بن زيد بن علي بن الحسين بن زيد بن علي قال : كان لي فرس كنت به معجبا أكثر ذكره في المجالس فدخلت على أبي محمد (عليه السلام) يوما فقال ما فعل فرسك قلت هو ذا على بابك الآن .
فقال استبدل به قبل المساء إن قدرت على مشتر لا تؤخر ذلك و دخل داخل فانقطع الكلام فقمت مفكرا و مضيت إلى منزلي فأخبرت أخي بذلك فقال ما أدري ما أقول في هذا و شححت به و نفست على الناس به فلما صليت العتمة جاءني السائس .
فقال نفق فرسك الساعة فاغتممت و علمت أنه عنى هذا بذلك القول .
فدخلت على أبي محمد (عليه السلام) من بعد و أنا أقول في نفسي ليته أخلف علي دابة فقال قبل أن أتحدث بشيء نعم نخلف عليك يا غلام أعطه برذوني الكميت .
ثم قال لي هذا خير من فرسك و أوطأ و أطول عمرا .
[435]
و منها ما قال أبو هاشم الجعفري : شكوت إلى أبي محمد (عليه السلام) ضيق الحبس و شدة القيد فكتب إلي تصلي الظهر في منزلك .
فأخرجت وقت الظهر و صليت في منزلي و كنت مضيقا فأردت أن أطلب منه معونة في الكتاب الذي كتبته إليه فاستحييت .
فلما صرت إلى المنزل وجه إلي مائة دينار و كتب إلي
[436]
إذا كانت لك حاجة فلا تستحي و اطلبها تأتيك على ما تحب أن تأتيك .
و منها : ما روي عن أبي حمزة نصير الخادم قال سمعت أبا محمد (عليه السلام) غير مرة يكلم غلمانه و غيرهم بلغاتهم و فيهم روم و ترك و صقالبة .
فتعجبت من ذلك و قلت هذا ولد هنا و لم يظهر لأحد حتى مضى أبو الحسن و لا رآه أحد فكيف هذا أحدث بهذا نفسي .
فأقبل علي فقال إن الله بين حجته من بين سائر خلقه و أعطاه معرفة كل شيء فهو يعرف اللغات و الأسباب و الحوادث و لو لا ذلك لم يكن بين الحجة
[437]
و المحجوج فرق .
و منها : أن أبا محمد (عليه السلام) سلم إلى نحرير فقالت له امرأته اتق الله فإنك لا تدري من في منزلك و ذكرت عبادته و صلاحه و أنا أخاف عليك منه فقال لأرمينه بين السباع .
ثم استأذن في ذلك فأذن له فرمي به إليها و لم تشك في أكلها له .
فنظروا من الغد إلى الموضع ليعرفوا الحال فوجدوه قائما يصلي و هي حوله فأمر بإخراجه .
[438]
و منها ما روى أبو سليمان داود بن عبد الله قال حدثنا المالكي عن ابن الفرات قال : كنت بالعسكر قاعدا في الشارع و كنت أشتهي الولد شهوة شديدة فأقبل أبو محمد (عليه السلام) فارسا .