back page fehrest page next page

و لما حضرت أباه (عليه السلام) الوفاة قال له أوصيك بأصحابي خيرا قال لأدعنهم و الرجل يكون منهم في المصر لا يسأل أحدا .

[894]

و كان (عليه السلام) يقول علمنا غابر و مزبور و نكت في القلوب و نقر في الأسماع و إن عندنا الجفر الأحمر و الجفر الأبيض و مصحف فاطمة (عليها السلام) و إن عندنا الجامعة التي فيها جميع ما يحتاج الناس إليه فسئل عن تفسيرها فقال أما الغابر فالعلم بما يكون و أما المزبور فالعلم بما كان و أما النكت في القلوب فالإلهام و النقر في الأسماع حديث الملائكة نسمع كلامهم و لا نرى أشخاصهم و أما الجفر الأحمر فوعاء فيه سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و لن يخرج حتى يقوم قائمنا أهل البيت و أما الجفر الأبيض فوعاء فيه توراة موسى و إنجيل عيسى و زبور داود و فيه كتب الله الأولى و أما مصحف فاطمة ففيه ما يكون من حادث و أسماء كل من يملك إلى أن تقوم الساعة و أما الجامعة فهي كتاب طوله سبعون ذراعا إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من فلق فيه و خط علي بن أبي طالب بيده فيه و الله جميع ما يحتاج الناس إليه إلى

[895]

يوم القيامة حتى أرش الخدش و الجلدة و نصف الجلدة و قال ألواح موسى عندنا و عصا موسى عندنا و نحن ورثة النبيين حديثي حديث أبي و حديث أبي حديث جدي و حديث جدي حديث علي بن أبي طالب و حديث علي حديث رسول الله و حديث رسول الله قول الله عز و جل .

فصل :

و أما موسى بن جعفر (عليه السلام) فقد كان خلال الفضل و الكمال فيه مجتمعة خارقة للعادة .

[896]

و سئل الصادق (عليه السلام) عن صاحب هذا الأمر بعده فقال : صاحب هذا الأمر لا يلهو و لا يلعب فأقبل موسى (عليه السلام) و معه بهمة و هو يقول لها اسجدي لربك فأخذه و ضمه إليه و قال بأبي و أمي من لا يلهو و لا يلعب إنه أفضل ولدي و أفضل من أخلف من بعدي و هو القائم مقامي و الحجة لله على كافة خلقه من بعدي .

و كان أعبد أهل زمانه و أفضلهم و أفقههم و أسخاهم و أكرمهم نسبا كان يصلي نوافل الليل و يصلها بصلاة الصبح و يعقب حتى تطلع الشمس و يخر لله ساجدا و لا يرفع رأسه من السجود حتى يقرب زوال الشمس .

و كان يتفقد فقراء المدينة بالليل فيحمل إليهم الزنبيل فيه العين و الورق و الأدقة و التمور .

و كان أبوه (عليه السلام) يلوم عبد الله ابنه و يعظه و يقول ما يمنعك أن تكون مثل أخيك موسى فو الله إني لأعرف النور في وجهه فقال عبد الله و كيف أ ليس أبي و أبوه واحدا و أصلي و أصله واحدا

[897]

فقال أبو عبد الله إنه من نفسي و أنت ابني .

و كان أحفظهم لكتاب الله و أحسنهم صوتا به و كان إذا قرأ تخدر و يبكي السامعون لتلاوته و سمي بالكاظم لما كظمه من الغيظ و صبر عليه من فعل الظالمين به حتى مضى قتيلا في حبسهم و وثاقهم .

فصل :

فأما علي بن موسى (عليه السلام) ففضله و ظهور علمه و حلمه و ورعه و فقهه و سيرته الخارقة للعادة أظهر من أن يستدل عليه لإجماع الخاصة و العامة على ذلك فيه .

قال الكاظم (عليه السلام) : ابني علي أكبر ولدي و أبرهم عندي و أحبهم إلي و هو ينظر معي في الجفر و لم ينظر فيه إلا نبي أو وصي نبي .

و كان الرضا (عليه السلام) يعجبه العنب فأمر المأمون أن يؤخذ له منه شي‏ء و يجعل في

[898]

موضع أقماعه الإبر أياما ثم نزعت منه و جي‏ء به إليه فقال (عليه السلام) للمأمون اعفني عنه فجرد فأكله و كان هذا بعد أن أكل هو و المأمون طعاما فاعتل الرضا (عليه السلام) و أظهر المأمون تمارضا ثم دخل على الرضا (عليه السلام) و معه عبد الله بن بشير و قد أمره منذ زمان أن يطول أظفاره ففعل ثم أخرج المأمون شيئا شبه التمر الهندي و قال له اعجن هذا بيدك ففعل فلما قال لأبي الحسن (عليه السلام) هل جاءك من الأطباء أحد قال لا قال خذ ماء الرمان الساعة و قال ائتونا بالرمان و أمر عبد الله بن بشير أن يعصره بيديه و قد عصر بهما شبه التمر الهندي ففعل و سقاه المأمون بيده و انصرف فقال الرضا (عليه السلام) لأبي الصلت قد فعلوها و جعل يوحد الله سبحانه و يمجده إلى أن توفي (عليه السلام) .

[899]

فصل :

و أما محمد بن علي التقي (عليه السلام) فقد قال الرضا (عليه السلام) قبل ولادته و الله ليجعلن الله مني ما يثبت به الحق و أهله و يمحق به الباطل و أهله فولد التقي (عليه السلام) بعد سنة فقال هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي و صيرته مكاني إنا أهل بيت يتوارث أصاغرنا أكابرنا القذة بالقذة قيل هذا ابن ثلاث سنين فقال ما يضر من ذلك و قد قام عيسى بالحجة و هو

[900]

ابن أقل من ثلاث سنين .

و كان في إحدى كتفي التقي (عليه السلام) شبه الخاتم داخل في اللحم فقال الرضا (عليه السلام) مثله في هذا الموضع كان من أبي .

و قال (عليه السلام) : هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم على شيعتنا بركة منه .

و قال فيه المأمون : هذا من أهل بيت علمهم من الله تعالى و مواده و إلهامه

[901]

لم يزل آباؤه أغنياء عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال .

فصل :

و أما علي بن محمد النقي (عليه السلام) فقد اجتمعت الإمامة فيه و تكاملت علومه و فضله و ظهرت هيبته على الحيوانات كلها .

و كانت أخلاقه و أخلاق آبائه و أبنائه عليهم خارقة العادة .

و كان بالليل مقبلا على القبلة لا يفتر ساعة عليه جبة صوف و سجادته على حصير و لو ذكرنا محاسن شمائله لطال بها الكتاب .

فصل :

و أما الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) فقد كانت خلائقه كأخلاق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و كان رجلا أسمر حسن القامة جميل الوجه جيد البدن حديث السن له بسالة تذل لها الملوك و له هيبة تسخر له الحيوانات كما سخرت لآبائه (عليه السلام) بتسخير الله لهم إياها دلالة و علامة على حجج الله تعالى .

و له هيئة حسنة تعظمه الخاصة و العامة اضطرارا و يبجلونه و يقدرونه

[902]

لفضله و عفافه و هديه و صيانته و زهده و عبادته و صلاحه و إصلاحه .

و كان جليلا نبيلا فاضلا كريما يحتمل الأثقال و لا يتضعضع للنوائب أخلاقه على طريقة واحدة خارقة للعادة .

فصل :

و أما صاحب المرأى و المسمع (عليه السلام) فإنه لما ولد خر ساجدا لله كما كان آباؤه (عليه السلام) إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) و كما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند ولادته كما روي عنهم جميعا .

و قد كان يسبح الله تعالى و يهلله و يكبره و يمجده لما وقع إلى الأرض .

و آياته منذ صغره إلى كبره أكثر من أن تحصى من حسن الخليقة و العلم و الزهادة و نوره في كل بقعة يحضرها و إعانته في بقاع الأرض للمكروبين و لمن يستغيث به في بر و بحر .

و قد كتب إلى الشيخ المفيد : نحن و إن كنا ثاوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين حسب الذي أراناه الله لنا من الصلاح و لشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين فإنا نحيط علما بأنبائكم و لا يعزب عنا شي‏ء من أخباركم و معرفتنا بالذل الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعا و نبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون

[903]

و إنا غير مهملين لمراعاتكم و لا ناسين لذكركم و لو لا ذلك لنزل بكم اللأواء و اصطلمكم الأعداء و لو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع القلوب لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا فما يحبس عنهم مشاهدتنا إلا لما يتصل بنا مما نكرهه .

و هو (عليه السلام) المسمى باسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المكنى بكنية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

سنه عند وفاه أبيه (عليه السلام) خمس سنين آتاه الله فيها الحكمة و فصل الخطاب و جعله آية للعالمين و آتاه الحكمة كما آتاها يحيى (عليه السلام) صبيا .

و جعله إماما في حال طفوليته كما جعل عيسى (عليه السلام) في المهد نبيا هو المعصوم من الزلات المقوم للعصاة سيرته و سيرة آبائه خارقة للعادات .

[904]

باب في موازاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

و الأئمة من أهل بيته (عليهم السلام)

للأنبياء في المعجزات و غيرها

و قد مضى من أعلام نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) و أوصيائه ما يوازي معجزات الأنبياء على نبينا و عليهم السلام .

اعلم أن الله تعالى كما أمر آدم على نبينا و عليه السلام أن يخرج من الجنة إلى الأرض و يهاجر إليها أمر محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يخرج من مكة إلى المدينة .

و كما ابتلى آدم على نبينا و عليه السلام بقتل ابنه هابيل ابتلى محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) بقتل ابنيه الحسن و الحسين (عليه السلام) و كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يعلمه لإعلام الله إياه ذلك .

و كما أكرم الله سبحانه آدم لما أمره بوضع النوى في الأرض فصار في الحال نخلا باسقا عليه الرطب أكرم محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) بمثله عند إسلام سلمان كما قدمنا ذكره .

و كما قال تعالى في صفة إدريس (عليه السلام) وَ رَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا قال في وصف محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ يذكر مع ذكر الله سبحانه في الأذان و الصلاة و قد رفع (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى سدرة المنتهى فشاهد ما لم يشاهده بشر .

و إن كان أطعم إدريس على نبينا و عليه السلام من الجنة فقد أطعم محمد و آله مرارا كثيرة في الدنيا من الجنة كما ذكرناه فيما مضى .

[905]

و قيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنك لتواصل أي تصوم يومين من غير إفطار بينهما فقال إني لست كأحدكم إني يطعمني ربي و يسقيني .

و إن كان نوح على نبينا و عليه السلام أوتي إجابة الدعوة لما قال لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً فلم يبق منهم باقية إلا المؤمنين فقد أوتي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مثله حين أنزل الله ملك الجبال و أمره بطاعته فيما يأمره به من إهلاك قومه فاختار الصبر على أذاهم و الابتهال في الدعاء لهم بالهداية .

ثم رق نوح على نبينا و عليه السلام على ولده فقال رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي رقة القرابة و المصطفى لما أمره الله سبحانه بالقتال شهر على قرابته سيف النقمة و لم تحركه شفقة القرابة و أخذ بالفضل معهم لما شكوا إليه احتباس المطر فدعا فمطروا من الجمعة إلى الجمعة حتى سألوه أن يقل كما قدمنا ذكره .

و لئن قال الله تعالى في نوح (عليه السلام) إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً فقد قال في محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ * وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ .

و إن خص الله سبحانه إبراهيم على نبينا و عليه السلام بالخلة و فضل بها فقال تعالى وَ اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا فقد جمع الله سبحانه و تعالى الخلة

[906]

و المحبة لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) و لكن صاحبكم خليل الرحمن و حبيب الله و في القرآن فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ .

و عن عبد الله بن أبي الحمساء قال : كان بيني و بين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بيع قبل أن يبعث فبقيت لي بقية فوعدته أن آتيه في مكانه و نسيت يومي و الغد فأتيته في اليوم الثالث و كان هو في مكانه ينتظرني فقلت له في ذلك فقال أنا هاهنا منذ ثلاث أنتظرك .

ضاهى جده إسماعيل فإنه وعد رجلا فبقي في مكانه سنة فشكر الله سبحانه له ذلك فقال وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ كانَ رَسُولًا نَبِيًّا و كان النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في صباه يخرج بغنم له إلى الصحراء

[907]

فقال له بعض الرعاة يا محمد إني وجدت في موضع كذا مرعى خصيبا فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) نخرج غدا إليه فبكر (صلى الله عليه وآله وسلم) من بيته إلى ذلك الموضع و أبطأ الرجل في الوصول فرأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد منع غنمه أن ترعى من ذلك المرعى حتى يصل ذلك الرجل فيرعيا معا .

و لا شك أن الأنبياء كلهم على نبينا و عليهم السلام و أممهم يوم القيامة تحت راية نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) على ما روي .

و إن كلم الله تعالى موسى (عليه السلام) على طور سيناء فقد كلم الله تعالى محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) فوق سبع سماوات .

و جعل الله سبحانه بعد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمامة في قومه عند انقطاع النبوة حتى يأتي أمر الله و ينزل عيسى (عليه السلام) فيصلي خلف رجل من ذرية محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يقال له المهدي (عليه السلام) يملأ الأرض عدلا و يمحو كل جور كما وصفه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

فصل :

و إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما وصف عليا (عليه السلام) و شبهه بعيسى على نبينا و عليه السلام و قال قال الله تعالى وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ قالت قريش لم ينزل خصلة من خصال الخير إلا و قد وصف عليا بها ثم شبهه بنبي من الأنبياء فلامهم الله تعالى على ذلك .

و إن الله تعالى كما أخرج لصالح النبي على نبينا و عليه السلام ناقة من الجبل فكان

[908]

لها شرب و لقومه شرب فقد أخرج الله تعالى لصالح المؤمنين علي بن أبي طالب وصي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) خمسين ناقة أو أربعين ناقة مرة و مائة ناقة مرة أخرى من الجبل فقضى بها دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و وعده .

و قد قال تعالى وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَ جِبْرِيلُ وَ صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ و هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) على ما روى الرواة في تفاسيرهم .

و أنطق الله تعالى لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) البعير و الظبي و الذئب و الأسد و لأوصيائه (عليه السلام) على ما قدمنا معجزة لهم كما أنطقها للأنبياء قبله .

و إن بئر زمزم كان في صدر الإسلام بمكة يوما للمسلمين و يوما للكافرين فكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يستقي للمسلمين منها ما يكون ليومين في يومهم و كان للمشركين على ما كان عليه قبله يوم بيوم .

و إن الله تعالى كما أعطى يعقوب (عليه السلام) الأسباط من سلالة صلبه و مريم

[909]

ابنة عمران التي من بناته فقال تعالى وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ جَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَ الْكِتابَ فقد أعطى محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة (عليها السلام) من صلبه و هي سيدة نساء العالمين .

و جعل الوصية و الإمامة في أخيه و ابن عمه علي بن أبي طالب ثم في الحسن و الحسين و في أولاد الحسين إلى ابن الحسن إلى قيام الساعة كلهم ولد رسول الله من فاطمة صلوات الله عليهم أجمعين كما جعلها في ولد هارون أخي موسى (عليه السلام) و كما كان عيسى (عليه السلام) من ولد الأنبياء قال الله تعالى وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى وَ هارُونَ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَ زَكَرِيَّا وَ يَحْيى وَ عِيسى .

و أعطى محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) الكتاب المجيد و القرآن العظيم و فتح عليه و على أهل بيته باب الحكمة و أوجب الطاعة لهم على الإطلاق بقوله تعالى أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ .

و إن كان يعقوب على نبينا و عليه السلام صبر على فراق ولده حتى كاد أن يكون حرضا من الحزن فقد فجع محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بابن كان له وجده فصبر و وجد يعقوب وجد فراق و حزن محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) على قرة عينيه بوفاته .

و كان يعقوب فقد ابنا واحدا من بنيه و لم يتيقن وفاته

[910]

و إن كان يوسف قد أوتي شطر الحسن فقد وصف جمال رسولنا (صلى الله عليه وآله وسلم) فقيل إذا رأيته رأيته كالشمس الطالعة .

و إن كان يوسف على نبينا و عليه السلام ابتلي بالغربة و امتحن بالفرقة فمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فارق وطنه من أذى المشركين و وقف على الثنية و حول وجهه إلى مكة فقال إني لأعلم أنك أحب البقاع إلى الله و لو لا أن أهلك أخرجوني ما خرجت فلما بلغ الجحفة أنزل الله تعالى إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ .

ثم إن آل محمد عليه و عليهم السلام شردوا في الآفاق و امتحنوا بما لم يمتحن به أحد غيرهم و قد أعلم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) جميع ذلك و كان يخبر به .

و إن كان يوسف على نبينا و عليه السلام بشره الله تعالى برؤيا رآها فقد بشر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) برؤيا في قوله تعالى لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ .

و إن كان يوسف (عليه السلام) اختار الحبس توقيا من المعصية فقد حبس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الشعب ثلاث سنين و نيفا حين ألجأه أقاربه إلى أضيق الضيق حتى كادهم الله ببعثه أضعف خلقه في أكله عهدهم الذي كتبوه في قطيعة رحمه .

و لئن كان يوسف (عليه السلام) في الجب فقد كان محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في الغار .

و لئن غاب يوسف (عليه السلام) فقد غاب مهدي آل محمد (عليه السلام) و سيظهر

[911]

أمره كما ظهر أمره و أكثر ما ذكرناه يجري مجرى المعجزات و منه ما هو معجزة .

فصل :

و إن كان موسى على نبينا و عليه السلام قلب الله تعالى له العصا حية فمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) دفع إلى عكاشة بن محصن يوم بدر لما انقطع سيفه قطعة جريدة ملقاة هناك فتحولت سيفا في يده .

و لما دعا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا جهل ليؤدي ثمن بعير الغريب إذ لم يعطه شيئا أتى إليه ثعبان و قال إن لم تخرج إلى محمد و تقضي الغريب لابتلعتك حتى خرج هائما .

و كذلك قد أظهر الله سبحانه ثعبانا لأجل آل محمد (عليه السلام) حين هموا بقتل واحد منهم (عليه السلام) .

و إن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) دعا الشجرة فأقبلت نحوه تخد الأرض و كذلك أوصياؤه على ما قدمناه .

و إن كان موسى على نبينا و عليه السلام ضرب الحجر بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا فمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يتفجر الماء من بين أصابعه .

[912]

و انفجار الماء من بين اللحم و الدم أعجب من خروجه من الحجر لأن ذلك معتاد على وجه .

و قد أخرج أوصياؤه عليه و عليهم السلام الماء من الجب الذي لا ماء فيه إلى رأسه حتى شرب الناس منه .

و إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : إن المهدي من ولدي يفعل مثل ما فعل موسى عند خروجه من مكة إلى الكوفة .

و إن موسى ضرب البحر بعصاه فانفلق فكان آية فمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لما خرج إلى خيبر إذا هو بواد يشخب فقدروه أكثر من أربع عشرة قامة و العدو من ورائهم فقال الناس إنا لمدركون قال كلا فدعا و عبرت الخيل و الإبل على الماء لا تندى حوافرها و أخفافها .

و لما عبر عمرو بن معديكرب بعسكر الإسلام بالبحر بالمدائن كان كذلك .

و إن كان موسى (عليه السلام) قد أتى فرعون بألوان العذاب من الجراد و القمل و الضفادع و الدم فرسولنا (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أتى بالدخان على المشركين و هو الذي ذكره الله تعالى في قوله يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ و ما أنزل الله سبحانه و تعالى على الفراعنة يوم بدر و ما أنزل على المستهزءين بعقوبات شتى في يوم واحد و قد مضى تفصيل ذلك .

[913]

فأما تكليم الله تعالى لموسى (عليه السلام) فإنه كان على الطور و رسولنا (صلى الله عليه وآله وسلم) قد دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى و قد كلمه الله تعالى هناك فوق السماوات .

و أما المن و السلوى و الغمام و استضاءة الناس من موسى (عليه السلام) بنور سطع من يده فقد أوتي رسولنا (صلى الله عليه وآله وسلم) ما هو أفضل منه و قد أحلت له الغنائم و لم تحل لأحد قبله و أصاب أصحابه مجاعة في سرية بناحية البحر فقذف لهم البحر حوتا فأكلوا منه نصف شهر و قدموا بودكه و كانوا خلقا كثيرا .

و كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يطعم الأنفس الكثيرة من طعام يسير و يسقي الجماعة الجمة من الشربة من اللبن حتى يرووا .

روى حمزة بن عمرو الأسلمي قال إنا نفرنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ليلة ظلماء فأضاءت أصابعه لنا فانكشفت الظلمة و هذا أعجب مما كان لموسى (عليه السلام) .

و أما اليد البيضاء لموسى فقد أعطي رسولنا (صلى الله عليه وآله وسلم) أفضل منه و ذلك أن نورا كان يضي‏ء أبدا عن يمينه و عن يساره حيثما جلس و قام تراه الناس و قد بقي ذلك النور إلى يوم القيامة يسطع من قبره و كذا كان مع وصيه و أولاده المعصومين في حياتهم و الآن يكون يسطع من قبورهم و كذا في كل بقعة مر بها المهدي (عليه السلام) .

[914]

يرى نورا ساطعا .

و إن كان موسى على نبينا و عليه السلام أرسل إلى فرعون فأراه الآية الكبرى فنبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) أرسل إلى فراعنة شتى كأبي لهب و أبي جهل و شيبة و عتبة ابني ربيعة و أبي بن خلف و الوليد بن المغيرة و العاص بن وائل السهمي و النضر بن الحارث و غيرهم و أراهم سبحانه الآيات في الآفاق و في أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق و لم يؤمنوا .

و إن كان الله تعالى انتقم لموسى (عليه السلام) من فرعون فقد انتقم لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم بدر منهم فقتلوا جميعا و ألقوا في القليب و انتقم له من المستهزءين فأخذهم بأنواع البلاء على ما مضى ذكره .

و إن كان موسى (عليه السلام) صارت عصاه ثعبانا و استغاث فرعون منه رهبة فقد أعطي محمد مثله لما جاء إلى أبي جهل شفيعا لصاحب الدين خاف أبو جهل و قضى دين الغريب ثم إنه عوتب فقال رأيت عن يمين محمد و يساره ثعبانين تصطك أسنانهما و تلمع النيران من أبصارهما لو امتنعت لم آمن أن يبتلعني الثعبان .

و إن كان الله سبحانه قال لموسى وَ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي فقال سبحانه في وصي محمد (عليه السلام) و أولاده سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا .

back page fehrest page next page