[915]
فصل :
و إن كان داود على نبينا و عليه السلام سخر له الجبال و الطير يسبحن معه و سارت بأمره فالجبل نطق لنبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ جادله اليهود و شهد له بالنبوة ثم سألوه أن يسير الجبل فدعا فسار الجبل إلى فضاء كما تقدم و سبحت الحصى في يد رسولنا (صلى الله عليه وآله وسلم) و سخرت له الحيوانات كما ذكرنا .
و إن لين الحديد لداود (عليه السلام) فقد لين لرسولنا (صلى الله عليه وآله وسلم) الحجارة التي لا تلين بالنار و الحديد يلين بالنار .
و قد لين الله تعالى العمود من الحديد الذي جعله وصيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) في عنق خالد بن الوليد فلما استشفع إليه أخذه من عنقه .
و إن نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) لما استتر من المشركين يوم أحد مال برأسه نحو الجبل حتى خرقه بمقدار رأسه و هو موضع معروف مقصود في شعب و أثر ساعداه (صلى الله عليه وآله وسلم) في جبل أصم من جبال مكة لما استروح في صلاته فلان له الحجر حتى ظهر أثر ذراعيه فيه كما أثر قدما إبراهيم على نبينا و عليه السلام في المقام .
و لانت الصخرة تحت يد نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيت المقدس حتى صارت كالعجين و رئي ذلك من مقام دابته و الناس يلمسونه بأيديهم إلى اليوم .
و إن الرضا من ولده (عليه السلام) دعا في خراسان فلين الله سبحانه له جبلا يؤخذ منه
[916]
القدور و غيرها و احتاج الرضا (عليه السلام) أيضا إلى الطهور بخراسان فمس بيده الأرض فنبع له عين و كلاهما معروف باق ينتفع الناس بهما .
و آثار وصي نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) في الأرض أكثر من أن تحصى .
منها بئر عبادان و إن المخالف و المؤالف كلاهما يروي أن من قال عندها بحق علي يفور الماء من قعرها إلى رأسها و لا يفور بذكر غيره و بحق غيره .
و إن سور حلب من أصلب الحجارة ضربه علي بن أبي طالب (عليه السلام) بسيفه فأثره من فوقه إلى الأرض ظاهر .
و إنه (عليه السلام) لما خرج إلى صفين و كان بينه و بين دمشق مائة فرسخ و أكثر و قد نزل ببرية و كان يصلي فيها فلما فرغ و رفع رأسه من سجدة الشكر قال أسمع صوت بوق التبزيز لمعاوية من دمشق .
و كتبوا التاريخ فكان كما قال و قد بني هناك مشهد يقال له مشهد البوق .
و بكى داود (عليه السلام) على خطيئته حتى سارت الجبال لخوفه معه و نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) قام إلى الصلاة فسمع لخوفه أزيز كأزيز المرجل على الأثافي من شدة البكاء
[917]
و قد آمنه الله تعالى من عقابه فأراد أن يتخشع و قام على أطراف أصابعه عشر سنين حتى تورمت قدماه و اصفر وجهه من قيام الليل فأنزل الله تعالى طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى .
و كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يبكي حتى يغشى عليه فقيل له أ ليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر قال أ فلا أكون عبدا شكورا .
و كذلك كانت عبادة وصيه (عليه السلام) في مقاماته .
فصل :
و إن كان سليمان على نبينا و عليه السلام سأل الله أن يعطيه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عرضت عليه مفاتيح خزائن كنوز الأرض فأبى استحقارا لها فاختار الفقر و القوت .
فأعطاه الله سبحانه الكوثر و الشفاعة و هي أعظم من ملك الدنيا جميعا من أولها إلى آخرها سبعين مرة و وعده الله المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون و الآخرون .
و سار في ليلة إلى بيت المقدس و منها إلى سدرة المنتهى و سخر له الريح حتى حملت بساطه بأصحابه إلى غار أصحاب الكهف .
[918]
و إن كان لسليمان الريح غدوها شهر و رواحها شهر فكذلك كانت لأوصياء محمد و سخرت لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و أوصيائه الجن حتى آمنت منقادة طائعة قال الله تعالى وَ إِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ * قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ و قبض على جني فخنقه .
و محاربة وصيه (عليه السلام) مع الجن و قتله إياهم معروفة و كذلك إتيانهم إليه و إلى أولاده المعصومين (عليه السلام) لأخذ العلم منهم مشهور .
و إن كان سليمان على نبينا و عليه السلام سخرهم للأبنية و المصانع و استنباط القنى ما عجز عنه جميع الناس فنبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يحتج إلى هذه الأشياء و لو أراد منهم ذلك لفعلوا على أن مؤمني الجن يخدمون الأئمة و أنهم (عليه السلام) كانوا يبعثونهم في كل أمر يريدونه على العجلة .
و إن الله سبحانه سخر الملائكة المقربين لمحمد و عترته (عليه السلام) فقد كانوا ينصرون محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) و يقاتلون بين يديه كفاحا يمنعون منه و يدفعون عنه .
[919]
و كذلك كانوا مع علي (عليه السلام) و يكونون مع بقية آل محمد (عليه السلام) على ما روي و إن كان سليمان على نبينا و عليه السلام يفهم كلام الطير و منطقها فكذلك نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يفهم منطق الطير فقد كان (صلى الله عليه وآله وسلم) في برية فرأى طيرا أعمى على شجرة .
و روى من كان معه أنهم سمعوا ذلك الطير يصيح فقال لأصحابه أ تعلمون ما يقول هذا الطير فقالوا الله و رسوله أعلم قال يقول رب إني جائع و لا يمكنني أن أطلب الرزق فوقعت جرادة على منقاره فأكلها .
و كذا فهم منطقها عترته (عليه السلام) على ما مضى .
فصل :
و إن عيسى على نبينا و عليه السلام مر بكربلاء فرأى ظباء فدعاها فقال لها هاهنا لا ماء و لا مرعى فلم مقامك فيها قالت يا روح الله إن الله ألهمنا أن هذه البقعة حرم الحسين (عليه السلام) فأوينا إليها فدعا الله عيسى (عليه السلام) أن يبقي أثرا يعلم آل محمد أن عيسى كان مساعدا لهم في مصيبتهم فلما مر علي بن أبي طالب (عليه السلام) بها و جعل يقول هاهنا مناخ ركابهم و هاهنا مهراق دمائهم فسأله ابن عباس عن ذلك فأخبره بقتل الحسين (عليه السلام) بها
[920]
و إن عيسى على نبينا و عليه السلام مر هاهنا و دعا و من قصته كيت و كيت فاطلب بعرات تلك الظباء فإنها باقية فوجدوا كثيرا من البعر قد صار مثل الزعفران و إن الظباء قد نطقت مع محمد و عترته في مواضع شتى كما تقدم .
و إن يحيى بن زكريا على نبينا و عليهما السلام أوتي الحكم صبيا و كان يبكي من غير ذنب و يواصل الصوم و لم يتزوج و أهدي برأسه إلى بغية فإنما اختار نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) التزوج لأنه كان قدوة في قوله و فعله و النكاح مما أمر الله تعالى آدم به للتناسل .
و كان لسليمان (عليه السلام) من النساء و الجواري ما لا يحصى .
و قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تناكحوا تناسلوا فإني أباهي بكم الأمم .
و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) مباضعتك أهلك حسنة فقيل يا رسول الله نأتي شهوتنا و نفرح أ فنؤجر فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) أ رأيت لو وضعتها في باطل أ كنت تأثم قال نعم قال أ فتحاسبون بالشر و لا تحاسبون بالخير .
[921]
و أراد الله سبحانه أن يكون للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذرية طيبة باقية إلى يوم القيامة .
و قد وصف الله سبحانه عيسى (عليه السلام) بما لم يصف به أحدا من أنبيائه المتقدمين فقال تعالى وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ وَ يُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَ كَهْلًا وَ مِنَ الصَّالِحِينَ و رسولنا و عترته (عليه السلام) وسيلة آدم و دعوة إبراهيم و بشرى عيسى .
فإن قدر عيسى من الطين كهيئة الطير فيجعلها الله سبحانه طيرا فإن الله سبحانه أحيا الموتى لنبينا و عترته .
و إن كان يبرئ الأكمه و الأبرص بإذن الله فكذا كان من نبينا و من آله (عليه السلام) و الآن ربما يدخل العميان و من به برص مشاهدهم فيهب الله تعالى لهم نور العين و يذهب البرص عنهم ببركة تربتهم .
و هذا معروف ما بين خراسان إلى بغداد إلى الكوفة إلى الحجاز .
[922]
باب
في أن معجزات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
و الأئمة من آله (عليهم السلام) ليست ببدع
فقد كان قبلهم للأنبياء (عليهم السلام) و الأوصياء معجزات
اعلم أن الله تعالى لما أعلم الملائكة إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً * عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها فكان علم آدم (عليه السلام) بها في الحال التي نفخ فيه الروح معجزة له فكذلك محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لما ادعى النبوة و ذكر أقاصيص الأنبياء (عليه السلام) و أممهم على ما في كتب الله المتقدمة من غير تعلم و مدارسة كان ذلك معجزا له .
و لما مرض آدم على نبينا و عليه السلام قال لشيث (عليه السلام) إن ربي عهد إلي أن أجعلك وصيي و خازن ما استودعني و هذا كتاب الوصية تحت رأسي فإذا مت فخذه من تحت رأسي و فيها إثرة العلم و اسم الله الأكبر و فيها جميع ما تحتاج إليه من أمر دينك و تلك الصحيفة نزل بها آدم من الجنة فلما توفي آدم على نبينا و عليه السلام شدها شيث ابنه في وسطه و قال له حينئذ جبرئيل (عليه السلام) من مثلك يا شيث لقد خصك الله تعالى بأمر جليل و أعطاك سرور كرامته و ألبسك لباس عافيته .
و كان شيث على نبينا و عليه السلام بعد وفاة أبيه يعلم الأسماء كلها و جميع لغات الملائكة فكان ذلك معجزة له .
فكذلك علم علي بن أبي طالب (عليه السلام) و رضي عن والده جميع اللغات كلها بعد النبي .
[923]
و كذا الحسن (عليه السلام) كان بعد أبيه يعلمها كلها و يعلم الحسين (عليه السلام) جميع لغات الثقلين و الملائكة أيضا و منطق الطير و صوت جميع الحيوانات بعد الحسن (عليه السلام) أيضا .
فكذلك علي بن الحسين عليهم جميعهم صلوات الله و رحمته و بركاته و كذا الأئمة (عليه السلام) ما كانوا يجهلون شيئا منها و كان ذلك معجزة لهم باهرة .
و غسل شيث أباه و جبرئيل معه و كذلك غسل علي محمدا (عليه السلام) و جبرئيل يعاونه .
و لما دفن آدم على نبينا و عليه السلام هبط قابيل من الجبل الذي كان هاربا خلفه من أبيه و قال لشيث لئن تكلمت بشيء مما عهد إليك أبوك لأقتلنك كما قتلت أخاك فكان الأمر و النهي في الظاهر إلى قابيل و كان شيث يثبت المعالم و يحفظ الدين إلى أن أهلك الله تعالى قابيل و وكل الأمر إلى ابنه و كان شيث (عليه السلام) يداريه .
فلما هلك قام أيضا ابنه مقامه و قد كان آدم أوصى إلى شيث جميع ذلك .
و بشره آدم أيضا بنوح النبي (عليه السلام) و أنهم يغرقون في طوفانه .
و كذلك كان الأمر بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) استولى الأول على علي (عليه السلام) و قام بالأمر ظاهرا ثم سلم الأمر إلى صاحبه ثم أخذ ثالث القوم الأمر و كان هتاتا .
ثم عاد الأمر إلى علي (عليه السلام) و بعده ظلمات بعضها فوق بعض إلى مهدي آل محمد
[924]
(عليه السلام) فيطهر الأرض من الأعداء .
و عن الباقر (عليه السلام) : أن الله سبحانه أوحى إلى آدم أني متوفيك فأوص إلى شيث و هو هبتي فإني أحب أن لا تخلو الأرض من عالم يقضي بحكمي أجعله في الأرض حجة لي فجمع آدم ولده و قال أمرني ربي أن أوصي إلى هبة الله و أن الله اختاره لي و لكم بعدي فاسمعوا له و أطيعوا فقالوا نسمع له و نطيعه .
و كذلك فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعلي (عليه السلام) يوم الغدير .
فصل :
و أما إدريس النبي على نبينا و عليه السلام فإنه تنحى عن القرية التي كان فيها و كان أهلها يعبثون و أخبرهم بأن الله سبحانه يحبس عنهم المطر بدعائه و آوى إلى كهف و وكل الله سبحانه به ملكا يأتيه بطعامه كل مساء فمكثوا بعده عشرين سنة لم يمطروا قطرة
[925]
فلما جهدوا و تابوا إلى الله تعالى أمره الله أن يرجع إليهم .
فكذلك مهدي آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لما عاب أهل الأرض خرج من بينهم و غاب عنهم فإذا ما اشتد عليهم الزمان و غلب شرار الناس و ملئوا الأرض ظلما رجع إليهم .
و إن إدريس على نبينا و عليه السلام لما رجع إلى قريته نظر إلى دخان في بعض المنازل و هجم على عجوز كبيرة و هي ترقق قرصين لها على مقلاة فقال بيعي مني هذا الطعام فحلفت أنها ما تملك شيئا غيرهما واحد لي و واحد لابني فقال ابنك صغير يجزيه نصف قرص فأكلت قرصها و كسرت القرص الآخر بين ابنها و بين إدريس و باعته منه فلما رأى ابنها ذلك اضطرب يبكي حتى مات فقالت يا عبد الله قتلت ابني جزعا على قوته فقال أنا أحييه بإذن الله تعالى ثم أخذ بعضد الصبي و قال أيتها الروح الخارجة عن بدن هذا الغلام ارجعي إلى بدنه بإذن الله أنا إدريس فلما أحيا الله تعالى الغلام خرجت فقالت يا أهل القرية هذا إدريس فخرج إلى تل و قعد هناك و اجتمع إليه أصحابه الذين تفرقوا بعده فبلغ ملك القرية خبره فبعث إلى إدريس على نبينا و عليه السلام أربعين رجلا ليأتوا بإدريس فعنفوه فدعا عليهم فماتوا فبعث الملك خمسمائة رجل فقال لهم إدريس انظروا إلى مصارع أصحابكم فقالوا له ارحم و ادع أن تمطر فقد متنا بالجوع فقال حتى يأتي الجبار متواضعا لله حافيا إلي فأتاه أهل القرية خاضعين تائبين فسأل الله تعالى فأظلتهم سحابة و هطلت .
[926]
و كذلك إذا ظهر المهدي (عليه السلام) بمكة ما بين الحجر الأسود و باب الكعبة فنادى جبرائيل (عليه السلام) و اجتمع إليه أصحابه من الآفاق بعث السفياني أكثر من عشرين ألف رجل يقولون لا حاجة لنا في بني علي فإذا بلغوا إلى البيداء خسف الله بهم الأرض فلا يبقى إلا رجلان منهم ينصرف أحدهما إلى السفياني و الآخر يخرج إلى مكة و قد صار قفاهما إلى موضع وجهيهما يخبران الناس بحال عسكر السفياني .
و كذلك كان لما هاجر سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من مكة لتأذيه من أهلها دعا عليهم فعمهم الجدب سنين فخضعوا و سألوه أن يدعو فدعا الله سبحانه و استسقى فمطروا .
و كان لبعض الأنصار عناق فذبحها و قال لأهله اطبخوا بعضا و اشووا بعضا فلعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يشرفنا و يحضر بيتنا الليلة و يفطر عندنا و خرج إلى المسجد و كان له ابنان صغيران و كان يريان أباهما يذبح العناق .
فقال أحدهما للآخر تعال حتى أذبحك فأخذ السكين و ذبحه فلما رأتهما الوالدة صاحت فهرب الذابح خوفا فوقع من الغرفة فمات فسترتهما و طبخت و هيأت الطعام فلما جاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى دار الأنصاري نزل جبرئيل (عليه السلام) و قال يا رسول الله استحضر ولديه فطلبهما فخرج أبوهما فقالت والدتهما ليسا بحاضرين فرجع إلى النبي و أخبره بغيبتهما
[927]
فقال لا بد من إحضارهما فانصرف و أطلعت المرأة زوجها بحالهما فأخذهما إلى مجلس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فدعا الله فأحياهما و عاشا سنين .
فصل :
و كان في بعض الأزمان نبي بين قوم كثيرين يدعوهم إلى الله و لا يجيبونه و كان لهم يوم عيد فأتاهم ذلك النبي و قال لا تفعلوا مثل ذلك و توبوا إلى الله فقالوا له إن سألت الله أن يخرج من خشب يابس ثمارا على لون ثيابنا و كانت ثيابهم صفراء فإنا نؤمن بك و كانت هناك خشبة يابسة فدعا الله تعالى فصارت شجرة ثم أورقت ثم أثمرت المشمش فمنهم من آمن به و منهم من أظهر الإيمان نفاقا فكل مشمشة أكلها مؤمن كان نواها حلوا و كل مشمشة أكلها منافق كان نواها مرا فعرفهم الله ذلك النبي به .
كذلك فعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليهودي كان له حق على مسلم و قد عقد أن يغرس له عدة من النخيل و يربيها إلى أن ترطب ألوانا كثيرة فإنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر عليا (عليه السلام) أن يأخذ نوى على عدد النخل الذي ضمنه المسلم لليهودي فكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يضع النوى في فيه ثم يعطيه عليا (عليه السلام) فيدفنه في الأرض فإذا
[928]
اشتغل بالثاني نبت الأول حتى تمت عدة النخل على الألوان المختلفة من الصفرة و الحمرة و البياض و السواد و غيرها .
و كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يمشي بين نخلات و معه علي (عليه السلام) فنادت نخلة إلى نخلة هذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هذا وصيه فسميت الصيحانية .
و كذلك أكثر حجج الله تعالى من أولادهما (عليه السلام) مروا مع قوم على شجر يابس فدعوا فأورق و أثمر و أكلوا و قد مضى ذكره .
فصل :
و كان إبراهيم على نبينا و عليه السلام مضيافا فنزل عليه يوما قوم أضياف و لم يكن عنده شيء يطعمهم فقال إن أخذت خشب الدار و بعته من النجار فإنه لا بد أن ينحته وثنا أو صنما فلم يفعل فخرج في الطلب و معه إزار إلى موضع بعد أن أنزلهم في دار الضيافة و صلى ركعتين فلما فرغ و لم يجد الإزار علم أن الله سبحانه قد هيأ أسبابه فلما دخل داره رأى سارة تطبخ شيئا فقال لها أنى لك هذا قالت هذا الذي بعثته على يدي رجل و كان الله سبحانه أمر جبرئيل أن يأخذ الرمل الذي كان في الموضع الذي صلى فيه إبراهيم و يجعله في إزاره و الحجرات الملقاة هناك أيضا ففعل جبرئيل (عليه السلام) ذلك فجعل الله سبحانه الرمل جاورسا مقشرا و الحجارة المدورة سلجما
[929]
و المستطيلة جزرا .
و قد كان للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و أهل بيته أمثال ذلك مرارا و قد تقدم في معجزاتهم .
و إن إبراهيم على نبينا و عليه السلام لما ألقي في النار فصارت عليه بردا و سلاما و كذا كان موسى بن جعفر (عليه السلام) قعد في النار بثيابه فلم تحرقه .
و إن إبراهيم لما قال إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي قاصدا إلى بيت المقدس من سلطان نمرود جعل سارة في تابوت لئلا يراها أحد لغيرته فمر بعشار في سلطان رجل من القبط فقال لا أخليك حتى تفتح التابوت ففتحه عنها و كانت موصوفة بالجمال فرفع العشار الخبر إلى الملك فقال احملوه و التابوت معه إلي فلما دخل على الملك قال لإبراهيم افتحه فقال فيه حرمتي و أنا أعطيك ما معي و لا أفتحه فأبى إلا فتحه فلما رآها مد يده إليها فقال إبراهيم (عليه السلام) اللهم احبس يده فشلتا فقال الملك ادع الله أن يرد يدي فدعا فصلحتا ثم أراد أن يمد يده إليها فشلتا فسأل إبراهيم في رد يده فقال بشرط أن لا تمد يدك إليها مرة أخرى فقال لا أفعل فدعا فصلحت يده فقال الملك عندي جارية صالحة بكر تليق بكم فأتى بهاجر فوهبها لها
[930]
و مثل ذلك كان للحسين (عليه السلام) مع فرعون هذه الأمة فإنه مد يده ليضرب على وجه الحسين (عليه السلام) فيبست يده فتضرع إليه ليدعو ربه فترد إليه يده فدعا فصلحت و لم يعتذر كاعتذار الملك القبطي .
و لما خلف إبراهيم على نبينا و عليه السلام إسماعيل (عليه السلام) و أمه هاجر بمكة بإذن الله تعالى عطش إسماعيل و لم يكن بمكة ماء ظاهر على وجه الأرض فطلبت أمه الماء فلم تجده ففحص الصبي برجله فنبعت زمزم .
و كذلك لما ولد عيسى ابن مريم (عليه السلام) جعل الله تعالى لهما شربا أي عينا ينبع و قد أنبط الله تعالى الماء لسيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و لعترته الأئمة (عليه السلام) في زمان بعد زمان على ما أشرنا إليه من قبل .
و عن الباقر (عليه السلام) : أن ذا القرنين كان عبدا صالحا ناصح الله سبحانه فناصحه فسخر له السحاب و طويت له الأرض و بسط له في النور و كان يبصر بالليل كما
[931]
يبصر بالنهار و أن أئمة الحق كلهم قد سخر الله تعالى لهم السحاب و كان يحملهم إلى المشرق و المغرب لمصالح المسلمين و لإصلاح ذات البين .
و على هذا حال المهدي (عليه السلام) و لذلك يسمى صاحب المرأى و المسمع فله نور يرى به الأشياء من بعيد كما يرى من قريب و يسمع من بعيد كما يسمع من قريب و أنه يسيح في الدنيا كلها على السحاب مرة و على الريح أخرى و تطوى له الأرض مرة فيدفع البلايا عن العباد و البلاد شرقا و غربا .
فصل :
و عن الصادق (عليه السلام) : أن أعرابيا اشترى من يوسف على نبينا و عليه السلام طعاما فقال له إذا مررت بوادي كذا و كذا فناد يا يعقوب يا يعقوب فإنه يخرج إليك رجل وسيم فقل له إني رأيت بمصر رجلا يقرئك السلام و يقول إن وديعتك عند الله محفوظة لن تضيع فلما بلغه الأعرابي ذلك خر مغشيا عليه فلما أفاق قال هل لك من حاجة قال لي ابنة عم و هي زوجتي لم تلد فدعا له فرزق منها أربعة أبطن في كل بطن اثنان .
[932]
و مثل ذلك مروي عن أئمة الهدى لكثير من الناس لما سألوا منهم ذلك و قد تقدم كثير منه .
و قال أبو عبد الله (عليه السلام) : إن رجلا من بقية عاد أدرك فرعون يوسف فأجاره و منعه و العادي يحدثه بالصدق و كان يوسف على نبينا و عليه السلام صديقا فلما قدم يعقوب (عليه السلام) أكرمه الجار ليوسف فقال يا يعقوب كم أتى عليك فقال يعقوب (عليه السلام) مائة و عشرون سنة فقال العادي كذب فسكت و شق ذلك على فرعون فقال مرة أخرى كم أتى عليك يا يعقوب فقال يعقوب عشرون و مائة سنة فقال العادي كذب فقال يعقوب (عليه السلام) اللهم إن كان كذب فاطرح لحيته فسقطت لحيته على صدره فبقي واجما فقال فرعون دعوت على من أجرته فادع ربك أن يردها عليه فدعا فردها عليه و كان العادي رأى إبراهيم على نبينا و عليه السلام فلما رأى يعقوب ظنه إبراهيم .
و قد جرى من خارجي مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) مثل ذلك فإنه (عليه السلام) قسم المال فقال له الخارجي ما قسمت بالعدل فدعا عليه فسقطت لحيته فبكى و تضرع و سأله أن يدعو له
[933]
فدعا الله سبحانه فردها عليه .
فصل :
و قال الله تعالى وَ وَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا في قصة أيوب على نبينا و عليه السلام و قد أصابه الله تعالى بمحن توالت عليه شدائدها ليرفع الله سبحانه بها درجاته ثم كشفها عنه و أعاد عليه النعم ليعتبر المؤمنون و يصطبروا و يشكروا .
و قال الصادق (عليه السلام) : إن الله سبحانه رد عليه أهله و ولده الذين هلكوا بأعيانهم و أعطاه مثلهم معهم و كذلك رد عليه مواشيه و أمواله بأعيانها و أعطاه مثلها معها و أمطر الله سبحانه من السماء على أيوب فراشا من الذهب فجعل أيوب يأخذ ما كان خارجا من داره فيدخله داره فقال له جبرئيل (عليه السلام) أ ما تشبع يا أيوب قال و من يشبع من فضل الله .
و كذلك عزير لما أماته الله تعالى مائة عام ثم بعثه و كان معه التين فكان على حاله لم يتغير و كان أيضا معه اللبن لم يتغير و رأى حماره حيا بعد موته .
[934]
و كذلك مر نبي على قرية و هي خاوية على عروشها و رأى أهلها كلهم موتى فعلم أنهم أهلكوا بسخط الله تعالى فدعا الله فقال تعالى رش عليهم الماء ففعل فأحياهم الله تعالى و هم ألوف و بعثه الله تعالى إليهم رسولا و عاشوا سنين .
فمن أقر بصحة ذلك جميعه كيف ينكر الرجعة في الدنيا على ما ذكرناه .
و قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : ما جرى في أمم الأنبياء قبلي شيء إلا و يجري في أمتي مثله و ذكر خروج الصفراء بنت شعيب على يوشع وصي موسى ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم) لأزواجه و إن منكن من تخرج على وصيي و هي ظالمة ثم قال يا حميراء لا تكونيها .