back page fehrest page next page

فأخبر بذلك قبل كونه و كان معجزا له (صلى الله عليه وآله وسلم) .

فصل :

و عن الصادق (عليه السلام) : أن موسى بن عمران على نبينا و عليه السلام لم يخرج حتى خرج ثمانون كذابا و في القائم (عليه السلام) منا سنة من موسى بن عمران و هو خفاء مولده و غيبته عن قومه و فيه سنة من يوسف قيل كأنك تذكر خبره و غيبته قال و ما ينكر هؤلاء أشباه الخنازير من ذلك إن إخوته و هم أسباط لم يعرفوه حتى قال لهم أنا يوسف فما تنكرون أن يسير القائم في أسواقهم

[935]

و يطأ بسطهم و هم لا يعرفونه حتى يأذن الله أن يعرفهم نفسه .

و إن الخضر (عليه السلام) يراه كثير من الناس في الطواف بمكة حول الكعبة أو في البراري يرشد ضالا أو في البحار عند غرق السفن فيحفظها و الناس لا يعرفونه في الحال فإذا خرج و غاب علموا بأمارات أنه كان الخضر .

و كذلك صاحب الأمر (عليه السلام) قد رآه الكثير من الناس في زمان بعد زمان و في بقاع مختلفة عند وقوع هلاك على جماعة من المسلمين فرأوه على صفاته و هيئته و هم لا يعرفونه فإذا دفع القوم الذين استولوا على هؤلاء المؤمنين و أرادوا هلاكهم إما بالقتل أو بالتشريد و الهزيمة أو على وجه من الوجوه لهؤلاء الظلمة و ذلك أكثر من أن ينطوي عليه كتاب كبير مروي عن المعتمدين علموا أنه لم يكن إلا مهدي آل محمد (عليه السلام) و أن صفاته و هيئته معلومة فيقطع بها على أنه هو و هذا نوع من المعجزات الباهرة و له من الأنبياء المتقدمين نظائر على ما أشرنا إليه .

[936]

فصل :

و إن فرعون لما كان يسمع أن هلاكه و هلاك قومه يكون على يدي رجل من بني إسرائيل قتل في طلبه نيفا و عشرين ألف مولود و لم يصل إلى قتل من يهلكه و يهلك قومه .

فلما ولد موسى على نبينا و عليه السلام و كان ما كان ترك القتل .

و كذلك بنو أمية و بنو مروان و بنو العباس لما سمعوا أن زوال ملكهم على يد القائم من آل محمد (عليه السلام) وضعوا سيوفهم في قتل أولاد أهل البيت (عليه السلام) يهلكونهم بالقتل .

فلما ولد صاحب الزمان (عليه السلام) تركوا ذلك القتل .

و يأبى الله سبحانه أن يكشف إمامه لواحد من الظلمة فإنه (عليه السلام) يعين الشيعة شرقا و غربا و يحفظهم سيما في طريق سرمن‏رأى فإن المخالفين حواليها يتعصبون فيؤذون المؤمنين و لم يزل (عليه السلام) يدفع شرهم بالهينة مرة و بالسوط و السيف أخرى و هذه السمعة من المعتمدين .

و هذا كما كان موسى على نبينا و عليه السلام يدفع القبط عن بني إسرائيل سرا و علانية .

و قد قال أبو عبد الله (عليه السلام) : إن في صاحب هذا الأمر سننا من الأنبياء على نبينا و عليهم السلام سنة من نوح و هو طول عمره و ظهور دولته و بسط يده في هلاك أعدائه

[937]

و سنة من موسى لما كان خائفا يترقب و سنة من عيسى فإنه يقال فيه ما قيل في عيسى و سنة من يوسف بالستر يجعل الله سبحانه بينه و بين الخلق حجابا يرونه و لا يعرفونه و سنة من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يهتدي بهداه و يسير بسيرته يخرج بالسيف كما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و سنة من داود و هو حكمه بالإلهام .

فصل :

و عن الباقر (عليه السلام) : أن موسى بن عمران (عليه السلام) لما انتهى ببني إسرائيل إلى الأرض المقدسة قال لهم ادخلوا فأبوا أن يدخلوها فتاهوا في أربعة فراسخ أربعين سنة و كانوا إذا أمسوا نادى مناديهم أمسيتم الرحيل حتى إذا انتهوا إلى مقدار ما أرادوا من السير أمر الله تعالى الأرض فدارت بهم إلى منازلهم الأولى فيصبحون في منزلهم الذي ارتحلوا منه .

و أن الله تعالى طوى الأرض لأئمة الهدى في أوقات مختلفة فكم من رجال من الحاج كانوا يضلون في البادية في هذه الغيبة فأنقذهم الله من الهلاك بمهدي الزمان (عليه السلام) لرشدهم .

[938]

فإن كتبنا مشحونة بأن كثيرا منهم انقطعوا من القافلة أياما و يئسوا من الحياة و إذا بصاحب الأمر (عليه السلام) أخذ بأيديهم و أطعمهم و سقاهم و بعث معهم من يطوي لهم الأرض فيوصلهم إلى العمران في أسرع زمان .

كما روي أن رجلا من همدان قد حج فلما صدر من مكة مع القافلة تأخر ليلة عنهم و نام لغلبة النعاس عليه في البادية فلما أصبح لم ير أحياء و لا أثرا و لا يدري أي صوب خرج فتاه و أيس و بقي بلا زاد منذ أيام .

فرأى صاحب الزمان (عليه السلام) و طيب قلبه و أطعمه و سقاه ثم بعث معه بعد وهن من الليل من أخذ بيده و أوصله إلى أسدآباد في أوقات معدودة من الليل قليلة و قد رجع إلى بيته قبل وصول الحاج بشهرين .

و كان يقول كأن الأرض كانت تجري من تحت قدمي و قال لأهله قلت له من أنت فقال أنا المهدي الذي شكوا في أهل بلدك و لهذا الرجل بهمدان قبيل كثير يقال لهم بنو راشد متشيعون منهم من يروي كذلك عن جدهم و هو يقول إن المهدي (عليه السلام) قال لي أنت فلان من مدينة في الجبل يقال لها همدان و ناولني صرة فيها خمسون دينارا و لم نزل بخير ما بقي معنا شي‏ء و أكثرهم يسأله من أنت فيقول أنا المهدي الذي ينكرني أهل بلدتكم ثم يستبصرون و يستبصر غيرهم بسبب ذلك .

و قد كان لجماعة كثيرة مثل ذلك من طي الأرض لهم مع زين العابدين و الصادق و الكاظم و التقي و آبائهم و أبنائهم (عليه السلام) .

[939]

فصل :

و إن موسى بن عمران على نبينا و عليه السلام كان مبتلى بابن عمه قارون كما أن القائم المهدي (عليه السلام) كان مبتلى بعمه جعفر الكذاب و إن الله تعالى دفع معرته عن المهدي (عليه السلام) و جعل كلمته العليا و أخافه من المهدي (عليه السلام) .

فإنه لما توفي الحسن العسكري (عليه السلام) اجتمع أصحابه للصلاة عليه في داره فجاء جعفر الكذاب ليصلي عليه و الشيعة حضور إذا هم بفتى جاء و أخذ بذيله و أبعده من عند أبيه و صلى عليه و ائتم الناس به و بقي جعفر الكذاب مبهوتا متحيرا لا يتكلم فلما فرغ من الصلاة على أبيه خرج من بين القوم و غاب فلا يدرى من أي وجه خرج .

و إن قارون أعطى امرأة لها جمال مالا أكثر من مائة ألف درهم على أن تقوم هي على رءوس بني إسرائيل فتقول إن موسى دعاني إلى نفسه فوقفت عليهم و فيهم موسى و قارون في زينته فقامت و قالت يا موسى إن قارون أعطاني مائة ألف درهم على أن أقوم في بني إسرائيل فأقول لهم إنك دعوتني إلى نفسك و معاذ الله .

فكذلك أناس كانوا يتسلطون على أئمة الهدى من آل محمد (عليه السلام) و يؤذونهم و يلطخونهم بالعيوب و الأكاذيب .

فإذا وكل بهم أحد من جهة بني العباس و اطلع على أحوالهم شهد بطهارتهم

[940]

و آمن بهم و تبرأ من بني العباس إلا أن يكون خبيث الأصل دعيا .

و إن موسى على نبينا و عليه السلام لما تأذى من قارون و كان قد خرج في زينته قال للأرض خذيه فأخذته و ابتلعته و إنه ليتخلخل كما قال تعالى فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ .

و كذلك قصد سراقة بن مالك إهلاك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أسره على غرة و كان (صلى الله عليه وآله وسلم) مقبلا إلى المدينة فدعا عليه فأخذت الأرض قوائم فرسه و ساخت فيها فقال يا محمد الأمان فقال يا أرض خليها فطفر فرسه منها .

و إن المتوكل قال لندمائه أعياني أمر علي النقي فإني جهدت أن يشرب معي و ينادمني فامتنع فقالوا هذا أخوه موسى قصاف عزاف يشرب و يتخالع فأحضره و أشهره فإن الخبر يشيع في الدنيا عن ابن الرضا بذلك و لا تفرق الناس بينه و بين أخيه و من عرفه بشرب الخمر و الزنى و القمار اتهم أخاه بمثل فعاله فقال اكتبوا بإشخاصه مكرما فجاء موسى و تلقاه أبو الحسن (عليه السلام) فقال إن المتوكل أحضرك ليهتكك فلا تقر له بأنك شربت نبيذا قط اتق الله يا أخي أن ترتكب محظورا فأبى موسى عليه فكرر عليه أبو الحسن الوعظ و أقام موسى على خلافه فدعا (عليه السلام) أن لا تجتمع أنت و المتوكل أبدا فجاء موسى إلى باب المتوكل و أقام ثلاث سنين يتكرر كل يوم فيقال له

[941]

هو مشغول و مرة يقال له قد شرب الدواء إلى أن قتل المتوكل .

فصل :

و عن الصادق (عليه السلام) : أن دانيال كان في زمن ملك جبار فطرحه في البئر و طرح معه السباع لتأكله فلم تدن منه فأوحى الله تعالى إلى نبي من أنبيائه أن ائت دانيال بطعام قال يا رب و أين دانيال قال تخرج من القرية فيستقبلك ضبع فيدلك عليه فخرج فانتهى به الضبع إلى ذلك الجب فأدلى إليه الطعام فقال دانيال الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره .

و إن موسى بن جعفر (عليه السلام) كان محبوسا ببغداد عند شر الناس من موالي بني العباس فطرحه في الموضع الذي فيه السباع الجياع فلما أصبحوا لم يشكوا أن لم يبق من موسى بن جعفر (عليه السلام) إلا العظام فوجدوه قائما يصلي في ذلك الموضع و الأسود حواليه كالسنانير .

و لا يخفى أن السباع كلها تذل لآل محمد المعصومين و تنتهي إلى أوامرهم .

فإن الباقر (عليه السلام) دعا للكميت لما أراد أعداء آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أخذه و إهلاكه و كان متواريا فخرج في ظلمة الليل هاربا و قد أقعدوا على كل طريق جماعة ليأخذوه

[942]

إن خرج في خفية فلما وصل الكميت إلى الفضاء و أراد أن يسلك طريقا فجاء أسد فمنعه من أن يسري فيها فسلك أخرى فمنعه منها أيضا و كأنه أشار إلى الكميت أن يسلك خلفه و مضى الأسد في جانب و الكميت خلفه إلى أن أمن و تخلص من الأعداء .

و كذلك كان حال السيد الحميري دعا له الصادق (عليه السلام) لما هرب من أبويه و قد حرشا عليه السلطان فدله سبع على طريق و نجا منهما .

فصل :

و إن أصحاب الكهف لما فروا إلى الله تعالى و خرجوا من عند دقيانوس و آووا إلى الغار ركب الملك مع جماعة خلفهم فلما وصلوا إلى باب الغار و رآهم نياما فيه تحير و لم يتعرض لهم بسوء و انصرفوا مدهوشين .

فكذلك كان صاحب الأمر (عليه السلام) بعد وفاة أبيه (عليه السلام) و دفنه خرج جعفر الكذاب إلى بني العباس و أنهى خبره إليهم فبعثوا عسكرا إلى سرمن‏رأى ليهجموا داره و يقتلوا من يجدونه فيها و يأتونه برأسه فلما دخلوها وجدوه (عليه السلام) في آخر السرداب قائما يصلي على حصير على الماء و قدامهم أيضا كأنه بحر لكثرة الماء في السرداب فلما رأوا ذلك يئسوا من الوصول إليه و انصرفوا مدهوشين إلى الخليفة فأمرهم بكتمان ذلك .

ثم بعث بعد ذلك عسكرا أكثر من الأول فلما دخلوا الدار سمعوا من السرداب قراءة القرآن فاجتمعوا على بابه حتى لا يصعد فخرج من حيث الآن عليه شبكة

[943]

و خرج و أميرهم قائم فلما غاب قال انزلوا و خذوه فقالوا إنه مر عليك و ما أمرت بأخذه فقال ما رأيته فانصرفوا خائبين .

و خرج إليه العسكر مرة أخرى فوجدوه في آخر السرداب فوضع يده (عليه السلام) على الجدار و شقه و خرج منه و أثر الشق بعد ظاهر فيه .

فصل :

و إن المخالفين ربما ينكرون إجابة دعواتهم و يقولون إن خرق العادة لا تجوز لغير الأنبياء (عليه السلام) .

ثم يروون عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : أن ثلاثة نفر كانوا يعبدون الله في كهف في جبل و لم يكونوا أنبياء و لا أوصياء فوقعت صخرة من أعلاه على باب الكهف فقال بعضهم و الله لا ينجينا إلا أن نصدق الله تعالى فهلموا ما عملتم خالصا لله تعالى فقال أحدهم اللهم إن كنت تعلم أني طلبت امرأة حسناء و أعطيت فيها مالا جزيلا حتى إذا قدرت عليها ذكرت نار جهنم فقمت فرقا منها قال فانصدعت الصخرة حتى نظروا إلى الضوء ثم قال الآخر اللهم إنك تعلم أني استأجرت قوما فلما فرغوا من عملهم أعطيت كلا منهم فقال أحدهم إني عملت عمل رجلين فترك ماله عندي

[944]

فبذرت بنصف دراهمه في الأرض إذ غضب و لم يأخذه حتى صار عشرة آلاف درهم فلما جاء صاحبه رفعتها إليه و فعلت ذلك مخافة منك فانفرجت حتى نظر بعضهم إلى بعض ثم قال الآخر اللهم إن كنت تعلم أن أبوي كانا نائمين فأتيتهما بقصعة من لبن فكرهت أن أنبههما فلم أزل واقفا حتى استيقظا فشربا و فعلت ذلك ابتغاء وجهك فانفرجت حتى سهل الله لهم المخرج كما كان .

و قد مضى كثير من استجابة دعوات أئمة الهدى فمن ذلك ما لم نذكره .

أن موسى بن جعفر (عليه السلام) دعا علي بن إسماعيل ابن أخيه فقال له إن الرشيد هارون يدعوك فلا تخرج إليه فقال أنا مملق و علي ديون فقال موسى (عليه السلام) أنا أقضيها و أفعل بك و أصنع فلم يلتفت إليه و خرج من عنده

[945]

فدعاه موسى (عليه السلام) و قال له اتق الله و لا تؤتم أولادي و أمر له بثلاثمائة دينار و أربعة آلاف درهم فلما خرج قال (عليه السلام) و الله ليسعين في دمي فقيل له و أنت تعلم هذا و تصله فقال حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الرحم إذا قطعت فوصلت فقطعت قطعها الله و إني أردت أن أصله بعد قطعه حتى إذا قطعني قطعه الله .

و كان كذلك فإنه خرج إلى بغداد و رفع إلى الخليفة أن الأموال تحمل إلى موسى بن جعفر (عليه السلام) من المشرق و المغرب فإنه اشترى ضيعة بثلاثين ألف دينار و أحضرها فقال صاحبها لا آخذ إلا نقد كذا و كذا فأعطاه ذلك فأمر له الرشيد بمائتي ألف درهم و سببوها على النواحي فدعا موسى بن جعفر (عليه السلام) أن لا ينتفع منها بشي‏ء فزحر علي بن إسماعيل زحرة خرجت الأمعاء معها فسقطت فلم يقدروا على ردها فجاءه المال و هو في النزع فقال ما أصنع به و أنا في الموت فلم ينتفع به و هلك .

[946]

فصل :

و إن عيسى على نبينا و عليه السلام لما ولد فكان ابن يوم كأنه ابن شهرين و كذلك كان كل واحد من أئمة الهدى (عليه السلام) إذا كان له يوم كان كمن له شهر و إذا كان له شهر كان كمن له سنة و كذلك رسولنا (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و إن عيسى على نبينا و عليه السلام لما صار له سبعة أشهر أقعدته والدته عند المعلم فقال له قل بسم الله فقال عيسى (عليه السلام) بسم الله الرحمن الرحيم فقال قل أبجد فقال عيسى و ما أبجد و إن كنت لا تدري فسلني حتى أفسره لك قال ففسره لي فقال عيسى (عليه السلام) الألف آلاء الله و الباء بهجة الله و الجيم جلال الله و الدال دين الله هوز الهاء هول جهنم و الواو ويل لأهل النار و الزاء زفير جهنم حطي حطت الذنوب عن المذنبين المستغفرين كلمن كلام الله لا مبدل لكلماته سعفص صاع بصاع و الجزء بالجزء قرشت قرشهم فحشرهم فقال المعلم أيتها المرأة لا حاجة له إلى التعلم .

[947]

و كذلك كان محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و أوصياؤه (عليه السلام) حجج الله علمهم من الله أ لا ترى أن المأمون لما أراد أن يزوج ابنته أم الفضل بمحمد التقي الجواد و كان ابن عشر سنين و كان بنو العباس يمنعون المأمون من تزويجه و يقولون إنه صبي أقعده عند المعلم فقال المأمون إن علم هؤلاء من عند الله و إنهم لا يحتاجون إلى التعلم من الناس فأتوا بيحيى بن أكثم قاضي القضاة ليسأله عما لا يعلم فجرى بينهما مناظرات بهت القوم كلهم لها و ذلك معروف لا يدفعه أحد .

فصل :

و إن عيسى على نبينا و عليه السلام مكث حتى بلغ سبع سنين أو ثمان فجعل يخبرهم بما يأكلون و ما يدخرون في بيوتهم .

و إن أئمة آل محمد صلوات الله عليه و عليهم كانوا يخبرون الناس بما في قلوبهم من الحاجات و الإرادات و بما كانوا يفعلونه في بيوتهم و ما يتعاطونه بظهر الغيب و بجميع أحوالهم الباطنة و تقدم ذكره .

و إن عيسى (عليه السلام) بعث رجلا إلى الروم فكان لا يداوي أحدا إلا برأ فأدخل عليه غلام منخسف الحدقة لم ير شيئا قط فأخذ بندقتين من طين فجعلهما في عينيه و دعا فإذا هو يبصر كل شي‏ء فأنزله ملك الروم بأفضل المنازل فصار

[948]

طبيب الملك و آمنوا كلهم بسببه .

و قد وضع أئمة الهدى من آل محمد (عليه السلام) أيديهم على وجوه العمي و الكمه و مسحوها على أعينهم فصاروا بصراء .

بل يدخل اليوم العميان مشاهدهم الشريفة و يسألون الله سبحانه بحقوقهم فيصيرون بصراء .

فصل :

و إن المسيح (عليه السلام) بعث رجلا آخر و علمه الدعاء الذي يحيي به الموتى فدخل الروم و قال أنا أعلم من طبيب الملك فسمع مقالته الملك فقال اقتلوه فقال له الطبيب لا تفعل و لكن أدخله فإن عرفت خطأه قتلته و لك الحجة فأدخل عليه فقال أنا أحيي الموتى و كان الملك قد توفي له ابن فركب الملك و الناس معه إلى قبر ابنه فدعا رسول المسيح و أمن طبيب الملك الذي هو رسول المسيح أيضا أولا فانشق القبر عن ابن الملك ثم جاء يمشي حتى جلس في حجر أبيه فقال يا بني من أحياك فنظر إلى رسولي المسيح (عليه السلام) و قال هذا و هذا فقاما و قالا إنا كلانا رسولا المسيح فآمن الملك و أهل بلدته الحاضرون في الحال و أعظم أهل مملكته أمر المسيح على نبينا و عليه السلام .

[949]

و قريب من ذلك حال رجل أعجمي كبير المنزلة قد أتى حاجا بأهله و كانا صالحين و دخلا أولا المدينة فزار الرجل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم أتى جعفر بن محمد (عليه السلام) و قد مرضت زوجته و أشرفت على الموت و يئس منها فماتت و سجاها و خرج إلى الصادق (عليه السلام) و أخبره بأن زوجته قد ماتت و رآه حزينا قد غلبت عليه الكآبة فدعا بدعاء ثم قال اخرج فهي حية فلما انصرف الرجل إلى منزله رآها قاعدة ثم رحلوا إلى مكة و خرج الصادق (عليه السلام) أيضا حاجا فبينما زوجة الأعجمي تطوف معه بالبيت رأت الصادق (عليه السلام) فقالت لزوجها هذا الرجل هو الذي شفع إلى الله تعالى حتى أحياني و كنت ميتة فقال زوجها هو إمام الهدى جعفر الصادق (عليه السلام) .

فصل :

و إن عيسى على نبينا و عليه السلام له معجزات كثيرة لم تكن اليهود ينظرون فيها فيؤمنوا به فسألوه بأن يحيي سام بن نوح على نبينا و عليهما السلام فأتى قبره فقال يا سام قم بإذن الله فانشق القبر ثم أعاد الكلام فتحرك فخرج سام فقال له المسيح (عليه السلام) أيهما أحب إليك تبقى أم تعود فقال يا روح الله بل أعود إني لأجد لدغة الموت في جوفي إلى يومي هذا .

و كان في عهد سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رجل كان أهلك ابنة له صغيرة في الجاهلية و كان قد رماها في واد فلما أسلم ندم على ما فعل .

[950]

فقال يا نبي الله إني فعلت كذا بابنة لي صغيرة فخرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) معه إلى شفير الوادي فدعا ابنته فقالت لبيك يا رسول الله فقال لها تريدين أن ترجعي إلى أبويك فهما الآن قد أسلما فقالت يا رسول الله أنا عند ربي لا أختار أبي و أمي على الله تعالى .

و كان عيسى (عليه السلام) يبشر الناس بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و أهل بيته (عليه السلام) .

فقال نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) : أوحى الله تعالى إلى عيسى جد في أمري و لا تترك إني خلقتك من غير فحل آية للعالمين أخبرهم آمنوا بي و برسولي النبي الأمي نسله من مباركة هي مع أمك في الجنة طوبى لمن سمع كلامه و أدرك زمانه و شهد أيامه .

فصل :

و عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جالسا إذا بامرأة تمشي حتى انتهت إليه فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لها مرحبا و أهلا بابنة نبي ضيعه قومه إنه أخي خالد

[951]

بن سنان العبسي ثم قال إن خالدا دعا قومه فأبوا أن يجيبوه و كانت نار تخرج عليهم كل يوم فتأكل ما يليها من مواشيهم و ما أدركت لهم من غلاتهم فقال لقومه يا قوم إن رددتها عنكم تؤمنون بي و تجيبونني و تصدقونني قالوا نعم فاستقبلها عند خروجها بيده حتى أدخلها غارا و هم ينظرون فدخل معها ثم مكث حتى طال مكثه و أبطأ عليهم فقالوا إنا لنراها قد أكلته فخرج من الغار و قال أ تجيبونني و تؤمنون بي قالوا نار خرجت ثم دخلت لوقت فأبوا أن يجيبوه فقال لهم إني ميت يوم كذا فإذا أنا مت فادفنوني ثم دعوني ثلاثة أيام ثم انبشوا عني ثم سلوني أخبركم بما كان و ما يكون إلى يوم القيامة فلما جاء ذلك الوقت توفي فقال بعضهم لم نصدقه حيا أ نصدقه ميتا فتركوه .

[952]

و إنه كان بين النبي و عيسى (عليه السلام) و لم يكن بينهما نبي غيره .

و قد ذكرنا من قبل روايات كثيرة .

أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي (عليه السلام) : إذا مت فغسلني و كفني و سلني عما بدا لك فسأله فأخبره بما يكون إلى يوم القيامة .

فصل :

اعلم أن غيبات الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم) و الأوصياء (عليه السلام) نوع من المعجزات لأن أعداءهم إذا ما أرادوا هلاكهم في خفية أو إيذاءهم و كان في هلاكهم في تلك الحال هلاك الدين فإنهم يغيبون فإذا علموا بأمارات أن خوفهم قد زال حضروا و أن سبب غيبتهم خوفهم على أنفسهم فإن قصر الخوف و قصرت مدته قصرت مدة الغيبة و إن طالت مدة الخوف طالت الغيبة .

و قد كان ليونس (عليه السلام) غيبة و لهود (عليه السلام) غيبة و لصالح (عليه السلام) غيبة و لإبراهيم (عليه السلام) غيبتان و ليوسف (عليه السلام) غيبة و لموسى (عليه السلام) غيبة و لعيسى (عليه السلام) غيبة و لأوصيائهم

[953]

غيبة فغيبة .

و لسيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غيبتان و كذلك لمهدي آل محمد (عليه السلام) غيبة فإذا علم زوال خوفه على نفسه ظهر .

و قد أخبر بغيبته رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي صلوات الله عليهم أجمعين .

و قد روى عن كل واحد منهم جماعة من الثقات فإذا زال خوفه على نفسه انتشرت رايته و أنطقها الله تعالى تنادي اخرج يا ولي الله و اقتل أعداء الله .

و له (عليه السلام) سيف مغمود فإذا حان أجله اقتلع ذلك السيف من غمده و ناداه لا يحل لك يا ولي الله أن تقعد قم و اقتل أعداء الله .

كما كان بعد وفاة موسى (عليه السلام) و وفاة وصيه يوشع استتر جماعة من الحجج عن الناس و كانوا بشروهم بداود (عليه السلام) أنه يطهر الأرض من جالوت و جنوده و كان المؤمنون يعلمون أنه قد ولد و لا يعرفونه بسيماه .

و كان داود على نبينا و عليه السلام خامل الذكر فيما بينهم كانوا يرونه و يشاهدونه و يسمعون اسمه و لا يعلمون أنه هو .

فلما فصل طالوت بالجنود تخلف داود في غنم أبيه و خرج إخوته مع

[954]

أبيهم فاشتدت الحرب و أصاب الناس جهد فرجع أبوه و قال لداود (عليه السلام) احمل إلى إخوتك طعاما يتقوون به على العدو فخرج و القوم متقاربون بعضهم من بعض قد رجع كل واحد منهم إلى مركزه فمر داود على حجر فقال له الحجر بنداء رفيع يا داود خذني فاقتل بي جالوت فإني إنما خلقت لقتله فأخذه و وضعه في مخلاته التي تكون فيها حجارته التي يرمي بها غنمه فلما دخل داود العسكر سمعهم يعظمون أمر جالوت فقال لهم ما تعظمون من أمره فو الله لئن عاينته لأقتلنه فتحدث الناس بخبره حتى أدخل على طالوت فقال له يا فتى ما عندك من القوة فقال قد كان الأسد يأخذ الشاة من غنمي فأدركه و آخذ برأسه و أفك لحييه و أنتزع شاتي من فيه .

و قد كان الله تعالى أوحى إلى طالوت أنه لا يقتل جالوت إلا من لبس درعك فملأها فدعا بدرعه فلبسها داود (عليه السلام) فاستوت عليه فقال داود (عليه السلام) أروني جالوت فلما رآه أخذ الحجر فرماه به فصك بين عينيه فدمغه و تنكس عن دابته فتفرقت العساكر الكافرة كتفرق الأحزاب بعد قتل علي بن أبي طالب (عليه السلام) عمرو بن عبد ود العامري

back page fehrest page next page