back page fehrest page next page

فصل :

إذا كان الصرف هو المعجز فلم لم يجعل القرآن من أرك الكلام و أقله فصاحة ليكون أبهر في باب الإعجاز:

و اعترضوا فقالوا إذا كان الصرف هو المعجز فلم لم يجعل القرآن من أرك الكلام و أقله فصاحة ليكون أبهر في باب الإعجاز .

الجواب : لو فعل ذلك لجاز لكن المصلحة معتبرة في ذلك فلا تمتنع أنها اقتضت أن يكون القرآن على ما هو عليه من الفصاحة فلأجل ذلك لم ينقص منه شي‏ء .

و لا يلزم في باب المعجزات أن يفعل ما هو أبهر و أظهر و إنما يفعل ما تقتضيه المصلحة بعد أن تكون دلالة الإعجاز قائمة فيه .

ثم يقال هلا جعل الله القرآن أفصح مما هو عليه فما قالوا فهو جوابنا عنه و ليس لأحد أن يقول ليس وراء هذه الفصاحة زيادة لأن الغيات التي ينتهي إليها الكلام الفصيح غير متناهية .

[991]

فصل :

قولهم لو كان المعجز الصرف لما خفي ذلك على فصحاء العرب :

و من اعتراضاتهم قولهم لو كان المعجز الصرف لما خفي ذلك على فصحاء العرب لأنهم إذا كانوا يتأتى منهم فعل التحدي ما تعذر بعده و عند روم المعارضة فالحال في أنهم صرفوا عنها ظاهرة فكيف لم ينقادوا .

و الجواب لا بد أن يعلموا تعذر ما كان متأتيا منهم لكنهم يجوز أن ينسبوه إلى الاتفاقات أو إلى السحر أو العناد .

و يجوز أن يدخل عليهم الشبهة على أنهم يلزمهم مثل ما ألزمونا بأن يقال إن العرب إذا علموا أن القرآن خرق العادة بفصاحته فأي شبهة بقيت عليهم و لم لا ينقادوا فجوابهم جوابنا .

فصل :

إذا لم يخرق القرآن العادة بفصاحته فلم شهد له بالفصاحة متقدمو العرب ?:

و اعترضوا فقالوا إذا لم يخرق القرآن العادة بفصاحته فلم شهد له بالفصاحة متقدمو العرب كالوليد بن المغيرة و كعب بن زهير و الأعشى الكبير لأنه ورد ليسلم فمنعه أبو جهل و خدعه و قال إنه يحرم عليك الأطيبين فلو لا أنه بهرهم بفصاحته لم ينقادوا له .

و الجواب جميع ما شهد به الفصحاء من بلاغة القرآن فواقعة موقعه لأن من قال بالصرفة لا ينكر مزية القرآن على غيره بفصاحته و إنما يقول تلك المزية ليست مما يخرق العادة و تبلغ حد الإعجاز .

فليس في قول الفصحاء و شهادتهم بفصاحة القرآن ما يوجب القول ببطلان الصرفة

[992]

و أما دخولهم في الإسلام فلأمر بهرهم و أعجزهم و أي شي‏ء أبلغ من الصرفة في ذلك .

باب في أن إعجازه الفصاحة

قالوا إن الله تعالى جعل معجزة كل نبي من جنس ما يتعاطاه قومه أ لا ترى أن في زمان موسى على نبينا و عليه السلام لما كان الغالب على قومه السحر جعل الله سبحانه معجزته من ذلك القبيل .

فأظهر على يده قلب العصا حية و اليد البيضاء و غير ذلك فعلم أولئك الأقوام أن ذلك مما لا يتعلق بالسحر فآمنوا به .

و كذلك زمان عيسى على نبينا و عليه السلام لما كان الغالب على قومه الطب جعل الله سبحانه معجزته من ذلك القبيل فأظهر الله سبحانه على يده إحياء الموتى و إبراء الأكمه و الأبرص فعلم أولئك الأقوام أن ذلك مما لا يوصل إليه بالطب فآمنوا به .

و كذلك لما كان زمن محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الغالب على قومه الفصاحة و البلاغة حتى كانوا لا يتفاخرون بشي‏ء كتفاخرهم بها جعل الله سبحانه معجزته من ذلك القبيل فأظهر على يده هذا القرآن فعلم الفصحاء منهم أن ذلك ليس من كلام البشر فآمنوا به و لهذا جاء المحضرمن و آمنوا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منهم قيس بن زهير و كعب

[993]

بن زهير و جاء الأعشى و مدح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقصيدة معروفة فأراد أن يؤمن فدافعته قريش و جعلوا يحدثونه بأسوإ ما يقدرون عليه و قالوا إنه يحرم عليك الخمر و الزنا .

فقال لقد كبرت و ما لي في الزنا من حاجة .

فقالوا أنشدنا ما مدحته به فأنشدهم :

أ لم تغتمض عيناك ليلة أرمدا *** و بت كما بات السليم مسهدا

نبيا يرى ما لا ترون و ذكره *** أغار لعمري في البلاد و أنجدا
قالوا لو أنشدته هذا لم يقبله منك فلم يزالوا بالسعي حتى صدوه .

[994]

فقال أخرج إلى اليمامة ألزمه عامي هذا .

فمكث زمانا يسيرا و مات باليمامة .

نعوذ بالله من الشقاء في الدنيا و الآخرة و من سوء القضاء و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و سلم .

و جاء لبيد و آمن برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و ترك قيل الشعر تعظيما لأمر القرآن فقيل له ما فعلت قصيدتاك :
إن تقوى ربنا خير نفل *** و بإذن الله ريثي و العجل
و قولك :

عفت الديار محلها فمقامها *** ....

قال أبدلني الله بهما سورتي البقرة و آل عمران .

[995]

فصل :

و زعموا أن المعجز يلتبس بالحيلة و الشعوذة و خفة اليد :

قالوا و من خالفنا في هذا الباب يقول إن الطريق إلى النبوة ليس إلا المعجز و زعموا أن المعجز يلتبس بالحيلة و الشعوذة و خفة اليد فلا يكون طريقا إلى النبوة فقوله باطل لأن هذا إنما كان يجب لو لم يكن هاهنا طريق إلى الفصل بين المعجز و الحيلة و هاهنا وجوه من الفصل بينه و بينها منها أن المعجز لا يدخل جنسه تحت مقدور العباد كقلب العصا حية و إحياء الموتى و غير ذلك .

و منها : أن المعجز لا يحتاج إلى التعليم بخلاف الحيلة فإنها تحتاج إلى الآلات .

و منها : أن المعجز يكون ناقضا للعادة بخلاف الحيلة فإنها لا تكون ناقضة العادة .

و منها : أن المعجز لا يحتاج إلى الآلات بخلاف الحيلة فإنها تحتاج إلى الآلات .

و منها : أن المعجز إنما يظهر عند من يكون من أهل ذلك الباب و يروج عليهم و الحيلة إنما تظهر عند العوام و الذين لا يكونون من أهل ذلك الباب و يروج على الجهال .

[996]

فصل :

قال من مخالفينا إن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن نبيا لأنه لم يكن معه معجز :

و من قال من مخالفينا إن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن نبيا لأنه لم يكن معه معجز فالكلام عليه أن نقول إنا نعلم ضرورة أنه ادعى النبوة كما نعلم أنه ظهر بمكة و هاجر إلى المدينة و تحدى العرب بالقرآن و ادعى مزية القرآن على كلامهم و هذا يكون تحديا من جهة المعنى و علموا أن شأنه يبطل بمعارضته .

فلم يأتوا بها لضعفهم و عجزهم لانتقاض العادة بالقرآن فأوجب انتفاض العادة كونه معجزا دالا على نبوته .

فإن قيل إنما لم يعارضوه لكونهم أعتاما جهالا لا لعجزهم .

قلنا : المعارضة كانت مسلوكة فيما بينهم فإمرؤ القيس عارض علقمة بن عبدة الطبيب و ناقضه و طريقة المعارضة لا تخفى على الصبيان فكيف على دهاة

[997]

العرب مع ذكائها .

فإن قيل : أخطئوا طريق المعارضة كما أخطئوا في عبادة الأصنام أو لأن القرآن يشتمل على الأخبار بالماضيات و هم لم يكونوا من أهلها .

قلنا : في الأول فرق بينهما لأن عبادة الأصنام طريقها الدلالة و النظر و ما كان طريقه الدلالة و النظر يجوز فيه الخطأ بخلاف المعارضة لأن التحدي وقع بها و هي ضرورية لا يجوز فيها الخطأ إذ ليست من النظريات .

و أما الثاني فقد سألهم ذلك فوجب أن يأتوا بمثله و يعارضوه على أنهم طلبوا ذلك و جاءوا بأشياء و حاولوا أن يجعلوها معارضة للقرآن .

[998]

و اليهود و النصارى كانوا أهل الأقاصيص و كان من الواجب أن يعرفوها منهم و فعلوها معارضة و حاولوا ذلك فعجزوا عنه .

فصل :

لا يجوز أن يكون القرآن معجزا دالا على نبوته من حيث إنه ناقض العادة :

فإن قيل : لا يجوز أن يكون القرآن معجزا دالا على نبوته من حيث إنه ناقض العادة فلا يمتنع أن يكون العرب أفصح الناس و فيهم جماعة أفصح العرب و في تلك الجماعة واحد هو أفصح منهم فإذا أتى بكلام لا يمكنهم أن يأتوا بمثله لا يدل على نبوته .

قلنا : هذا لا يصح لأنه لا يجوز أن يبلغ كلام ذلك الواحد في الفصاحة إلى حد لا يمكنهم أن يأتوا بمثله و لا بما يقاربه .

فإذا أتى بكلام مختص بالفصاحة لا يمكنهم أن يأتوا بمثله و لا بما يقاربه يوجب أن يكون معجزا .

فمثالهم لا يصح و لو اتفق لكان دليلا على صدقه .

فإن قيل : لو كان القرآن معجزا لكان نبيا مبعوثا إلى العرب و العجم و كان يجب أن يعلم سائر الناس إعجاز القرآن من حيث الفصاحة و العجم لا يمكنهم ذلك .

قلنا : هذا لا يصح لأن الفصاحة ليست مقصورة على بعض اللغات و العجم يمكنهم أن يعرفوا ذلك على سبيل الجملة إذ أمكن أن يعرفوا بالأخبار المتواترة أن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) كان ظهر عليه القرآن و تحدى به العرب و عجزوا أن يأتوا بمثله فيجب أن يكون القرآن معجزا دالا على نبوته .

[999]

و العرب يعرفون ذلك على التفصيل لأن القرآن الكريم نزل بلغتهم و العلم به على سبيل الجملة في هذا الباب كاف .

و إنما قلنا أنه معجز : من حيث إنه ناقض العادة لأن العادة لم تجر أن يتعلم واحد الفصاحة ثم يبرز عليهم بحيث لم يمكنهم أن يأتوا بما يقاربه فإذا أتى به كذلك كان معجزا .

باب

في أن إعجازه بالفصاحة و النظم معا

قالوا : إن الذي يدل على أن التحدي كان بالفصاحة و النظم معا أنا رأينا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أرسل التحدي إرسالا و أطلقه إطلاقا من غير تخصيص يحصره أو استثناء يقصره فقال مخبرا عن ربه تعالى قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً و قال تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ فترك القوم استفهامه عن مراده بالتحدي هل أراد مثله في الفصاحة دون النظم أو في النظم وحده أو فيهما معا أو في غيرهما فعل من سبق الفهم إلى قلبه و زال الريب عنه .

لأنهم لو ارتابوا و شكوا لاستفهموا و لم يجر ذلك على هذا إلا و التحدي

[1000]

واقع عندهم و معروف بينهم .

و قد علمنا أن عادتهم جارية في التحدي باعتبار الفن الذي يقع فيه التحدي و تفاوته في الفصاحة و لهذا لا يتحدى الشاعر الخطيب الذي لا يتمكن من الشعر بالشعر و لا الخطيب الشاعر .

و إنما يتحدى كل بنضيره و لا يقنع المعارض حتى يأتي بمثل عروض صاحبه كمناقضة جرير للفرزدق و جرير للأخطل .

و إذا كانت هذه عادتهم جرى الحكم في التحدي عليها .

فصل :

لا يمتنع صحة التحدي بالفصاحة دون طريقة النظم :

فإن قيل عادة العرب و إن جرت في التحدي بما ذكرتموه فلا يمتنع صحة التحدي بالفصاحة دون طريقة النظم لا سيما و الفصاحة هي التي يصح فيها التفاضل و إذا لم يمتنع ذلك فما أنكرتم أن يكون تحداهم بالفصاحة دون النظم و أفهمهم قصده فلهذا لم يستعملوه .

قلنا ليس بممتنع أن يقع التحدي بالفصاحة دون النظم و إنما

[1001]

منعناه بالقرآن من حيث أطلق التحدي به و عري عما يخصه بوجه دون وجه فحملناه على ما عهده القوم و ألفوه في التحدي .

و لو كان (صلى الله عليه وآله وسلم) أفهمهم تخصيص التحدي بقول مسموع لوجب أن ينقل إلينا لفظه و لا نجد له نقلا و لو كان أخطرهم إلى قصده بمخارج الكلام أو بإشارة و غيرها لوجب اتصاله بنا أيضا لأن ما يدعو إلى النقل للألفاظ يدعو إلى نقل ما يتصل بها من مقاصد و مخارج سيما فيما تمس الحاجة إليه .

أ لا ترى أنه لما نفى النبوة بعد نبوته بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا نبي بعدي أفهم مراده السامعين من هذا القول أنه عنى به لا نبي من بعدي لا نبي من البشر كلهم و أراد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالبعد عموم سائر الأوقات اتصل ذلك بها على حد اتصال اللفظ حتى شركنا سامعيه في معرفة الغرض و كنا في العلم به كأحدهم و في ارتفاع كل ذلك من النقل دليل على صحة قولنا .

فصل :

التحدي لو كان مقصورا على الفصاحة دون النظم لوقعت المعارضة :

على أن التحدي لو كان مقصورا على الفصاحة دون النظم لوقعت المعارضة من القوم ببعض فصيح شعرهم أو بليغ كلامهم لأنا نعلم حقا الفرق بين قصار السور و فصيح كلام العرب .

و هذا يدل على التقارب المزيل للإعجاز و العرب بهذا أعلم فكان يجب

[1002]

أن يعارضوه فإذ لم يفعلوا فلأنهم فهموا من التحدي الفصاحة و طريقة النظم و لم يجتمعا لهم .

و اختصاص القرآن الكريم بنظم مخالف لسائر ضروب الكلام أوضح من أن نتكلف الدلالة عليه فالدليل ينصب حيث تتطرق الشبهة فأما في مثل هذا فلا .

فصل :

التحدي وقع بالإتيان بمثله في فصاحته و طريقته في النظم و لم يكن بأحد الأمرين :

و قد قال السيد عندي أن التحدي وقع بالإتيان بمثله في فصاحته و طريقته في النظم و لم يكن بأحد الأمرين .

فلو وقعت المعارضة بشعر منظوم أو برجز موزون أو بمنثور من الكلام ليس له طريقة القرآن في النظم و الفصاحة لكانت واقعة وقعها .

فالصرفة على هذا إنما كانت بأن سلب الله تعالى من البشر جميع العلوم التي يتأتى معها مثل فصاحة القرآن الكريم و طريقته في النظم .

و لهذا لا ينصب في كلام العرب ما يقارب القرآن في فصاحته و نظمه .

[1003]

باب في أن إعجاز القرآن :

المعاني التي اشتمل عليها من الفصاحة

قالوا لما وجدنا الكلام منظوما موزونا و منثورا غير موزون و المنظوم هو الشعر و أكثر الناس لا يقدرون عليه فجعل الله تعالى معجز نبيه النمط الذي يقدر عليه كل أحد و لا يتعذر نوعه على كلهم و هو الذي ليس بموزون فتلزم حجته للجميع .

و الذي يجب أن يعلم في العلم بإعجاز النظم هو أن يعلم مباني الكلام و أسباب الفصاحة في ألفاظها و كيفية ترتيبها و تباين ألفاظها و كيفية الفرق بين الفصيح و الأفصح و البليغ و الأبلغ و يعلم مقادير النظم و الأوزان و ما به يتبين المنظوم من المنثور و فواصل الكلام و مقاطعه و مباديه و أنواع مؤلفه و منظومه .

ثم ينظر فيما أتى به حتى يعلم أنه من أي نوع هو و كيف فضل على ما فضل عليه من أنواع الكلام حتى يعلم أنه نظم مباين لسائر المنظوم و نمط خارج عن جملة ما كانوا اعتادوه فيما بينهم من أنواع الخطب و الرسائل و الشعر و المنظوم و المنثور و الرجز و المخمس و المزدوج و العريض و القصير .

[1004]

فإذا تأملت ذلك و تدبرت مقاطعه و مفاتحه و سهولة ألفاظه و استجماع معانيه و أن كل لفظة منها لو غيرت لم يمكن أن يؤتى بدلها بلفظة هي أوفق من تلك اللفظة و أدل على المعنى منها و أجمع للفوائد و الزوائد منها .

و إذا كان كذلك فعند تأمل جميع ذلك يتحقق ما فيه من النظم اللائق و المعاني الصحيحة التي لا يكاد يوجد مثلها على نظم تلك العبارة و إن اجتهد البليغ و الخطيب

فصل :

في خواص نظم القرآن :

أولها خروج نظمه عن صور جميع أسباب المنظومات و لو لا نزول القرآن لم يقع في خلد فصيح سواه و لذلك قال عتبة بن ربيعة لما اختاره قريش للمصير إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قرأ (صلى الله عليه وآله وسلم) عليه حم السجدة فلما انصرف قال سمعت أنواع كلام العرب فما أشبهه شي‏ء منها أنه أورد على ا أراعني .

و نحوه ما حكى الله عن الجن إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ من قُلْ أُوحِيَ .

فلما عدم وجود شبه القرآن من أنواع المنظوم انقطعت أطماعهم عن معارضته .

[1005]

و الخاصة الثانية هي الروعة التي له في قلوب السامعين فمن كان مؤمنا يجد هشاشة إليه و انجذابا نحوه و حكي أن نصرانيا مر برجل يقرأ القرآن فبكى فقيل له ما أبكاك قال النظم .

و الثالثة أنه لم يزل نظما طريا لا يمل و لا يمل و الكتب المتقدمة عارية عن رتبة النظم و أهل الكتاب لا يدعون ذلك لها .

و الرابعة أنه في صورة كلام هو خطاب لرسوله تارة و لخلقه أخرى .

و الخامسة ما يوجد من جمعه فإن له صفتي الجزالة و العذوبة و هما كالمتضادين .

و السادسة ما وقع في أجزائه من امتزاج بعض أنواع الكلام ببعض و عادة ناظمي البشر تقسيم معاني الكلام .

و السابعة أن كل فضيلة تنعش في تأسيس اللغة في اللسان العربي هي موجودة في القرآن .

و الثامنة وجود التفاضل بين بعض أجزائه من السور و بين بعض و الصورة الحسنة تظهر بين المختلفات كما في التوراة كلمات عشر تشتمل على

[1006]

الوصايا يستحلفون بها لجلالة قدرها و كذا في الإنجيل أربع صحف و كذا في الزبور تحاميد و تسابيح يقرءونها في صلواتهم .

و التاسعة وجود ما يحتاج العباد إلى علمه من أصول دينهم و فروعه من التنبيه على طرق العقليات و إقامة الحجج على الملاحدة و البراهمة و الثنوية و المنكرة للبعث و القائلين بالطبائع بأوجز كلام و أبلغه ففيه من أنواع الإعراب و العربية و الحقيقة و المجاز حتى الطب في قوله كُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لا تُسْرِفُوا فهذا أصل الطب و المحكم و المتشابه و الناسخ و المنسوخ و هو مهيمن على جميع الكتب المتقدمة .

و العاشرة وجود قوة النظم في أجزائه كلها حتى لا يظهر في شي‏ء من ذلك تفاوت و لا اختلاف و له خواص سواها كثير .

[1007]

فصل :

فإن قيل فهلا كانت ألفاظ القرآن بكليتها مؤلفة من مثل الألفاظ الوجيزة التي إذا وقعت في الكلام زادته حسنا :

فإن قيل فهلا كانت ألفاظ القرآن بكليتها مؤلفة من مثل الألفاظ الوجيزة التي إذا وقعت في الكلام زادته حسنا ليكون كلام الله على النظم الأحسن الأفضل إذ كان لا يعجزه شي‏ء عن بلوغ الغاية كما يعجز الخلق عن ذلك .

الجواب قلنا إن هذا يعود إلى أنه كيف ل ترتفع أسباب التفاضل بين الأشياء حتى تكون كلها كشي‏ء واحد متشابه الأجزاء و الأبعاض و كيف فضل بعض الملائكة على بعض و متى كان كذلك لم يوجد اختلاف بين الأشياء يعرف به الشي‏ء و ضده .

على أنه لو كان كلام الله كما ذكر لخرج في صورة المعمى الذي لا يوجد له لذة الب و الشرح و لو كان مبسوطا لم تبق فضيلة الراسخين في العلم على من سواهم .

ثم إنه تعالى حكيم علم أن ألطاف المبعوث إليهم إنما هو في النمط الذي أنزله فلو كان على تركيب آخر لم يكن لطفا لهم .

فصل :

كان تعذر المعارضة المبتغاة و العدول عنها لعلمهم بفضله على سائر كلامهم في الفصاحة :

ثم لنذكر وجها آخر للصرفة و هو أن الأمر لو كان بخلافه و كان تعذر المعارضة المبتغاة و العدول عنها لعلمهم بفضله على سائر كلامهم في الفصاحة و تجاوزه له في الجزالة لوجب أن يقع منهم معارضة على كل حال .

[1008]

لأن العرب الذين خوطبوا بالتحدي و التقريع و وجهوا بالتعنيف و التبكيت كانوا متى أضافوا فصاحة القرآن إلى فصاحتهم و قاسوا بكلامهم كلامه علموا أن المزية بينهما إنما تظهر لهم دون غيرهم .

فمن نقص عن طريقتهم و نزل عن درجتهم دون الناس أجمعين ممن لا يعرف الفصاحة و لا يأنس بالعربية و كان ما عليه دون المعرفة لفصيح الكلام من أهل زماننا ممن خفي الفرق عليهم بين مواضع من القرآن و بين فقرات العرب البديعة و كلمهم الغريبة .

فأي شي‏ء أقعد بهم عن أن يعتمدوا إلى بعض أشعارهم الفصيحة و ألفاظهم المنثورة فيقابلوه و يدعوا أنه ممثل لفصاحته أو أزيد عليها لا سيما و خصمنا في هذه الطريقة يدعي أن التحدي وقع بالفصاحة دون النظم و غيره من المعاني المدعاة في هذا الموضع .

فسواء حصلت المعارضة بمنظوم الكلام أو بمنثوره فمن هذا الذي كان يكون الحكم في هذه الدعوى و في جماعة الفصحاء أو جمهورهم كانوا أعداء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و من أهل الخلاف عليه و الرد لدعوته و الصدود عن محجته لا سيما في بدو الأمر و أوله و قبل استقرار الحجة و ظهور الدعوة و كثرة عدد الموافقين و تظافر الأنصار و المهاجرين .

و لا يعمل إلا على أن هذه الدعوى لو حصلت لردها بالتكذيب من كان في حرب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الفصحاء لكن كان اللبس يحصل و الشبهة تقع لكل من لم يساو هؤلاء في المعرفة من المستجيبين للدعوة و المنحرفين عنها من العرب .

ثم لطوائف الناس جميعا كالفرس و الروم و الترك و من ماثلهم ممن لا حظ له في العربية عند تقابل الدعاوي في وقوع المعارضة موقعها و تعارض الأقوال في

[1009]

الإصابة بها مكانها ما تتأكد الشبهة و تعظم المحنة و يرتفع الطريق إلى إصابة الحق لأن الناظر إذا رأى جل أصحاب الفصاحة و أكثرهم يدعي وقوع المعارضة و المكافأة و المماثلة و قوما منهم كلهم ينكر ذلك و يدفعه كان أحسن حاله أن يشك في القولين و يجوز في كل واحد منهما الصدق و الكذب .

فأي شي‏ء يبقى من المعجز بعد هذا و الإعجاز لا يتم إلا بالقطع على تعذر المعارضة على القوم و قصورهم عن المعارضة و المقاربة و التعذر لا يحصل إلا بعد حصول العلم بأن المعارضة لم تقع مع توفر الدواعي و قوة الأسباب فكانت حينئذ لا تقع الاستجابة ن عاقل و لا المؤازرة من متدين .

فصل :

لا يحجز العرب عما ذكرناه ورع و لا حياء :

و ليس يحجز العرب عما ذكرناه ورع و لا حياء لأنا وجدناهم لم يراعوهما و لم يرعووا عن السب و الهجاء و لم يستحيوا من القذف و الافتراء و ليس في ذلك ما يكون حجة و لا شبهة بل هو كاشف عن شدة عداوتهم و أن الحيرة قد بلغت بهم إلى استحسان القبيح الذي كانت نفوسهم تأباه و أخرجهم ضيق الخناق إلى أن أحضر أحدهم أخبار رستم و إسفنديار و جعل يقص بها و يوهم الناس أنه قد عارض و أن المطلوب بالتحدي هو القصص و الأخبار و ليس يبلغ بهم الأمر إلى هذا و هم متمكنون مما يرفع الشبهة فيعدلوا عنه مختارين .

و أخلاقهم و إن وقرت فإن الحال التي دفعوا إليها حال تصغر الكبير و من أشرف على الهوان بعد العزة جف علمه و غرب غلمه و أقدم على ما لم يكن يقدم عليه .

و ليس يمكن لأحد أن يدعي أن ذلك مما لم يهتد إليه العرب و أنه لو اتفق خطوره ببالهم لفعلوه غير أنه لم يتفق لأنهم كانوا من الفطنة و اللبابة على ما لا يخفى عليهم معه أنفذ الكيدين فضلا عن أن يدفعوا عن الحيلة و هي بادئة هذا مع صدق الحاجة و فوتها و الحاجة تفتق الحيل .

و هب لم يفطنوا لذلك بالبديهة كيف لم يقعوا عليه مع التغلغل و كيف لم يتفق

[1010]

لهم ذلك مع فرط الذكاء و جودة الذهن .

و هذا من قبيح الغفلة التي ينزه القوم عنها و وصفهم الله بخلافها .

و ليس يورد مثل هذا الاعتراض من موافق في إعجاز القرآن و إنما يصير إليه من خالفنا في الملة أو أبهرته الحجة فيرمي العرب بالبله و الغفلة فيقول لعلهم لم يعلموا أن المعارضة أنجع و أنفع و طريق الحجة أصوب و أقرب لأنهم لم يكونوا أصحاب نظر و فكر و إنما كانت الفصاحة صنعتهم فعدلوا إلى الحرب .

و هذا الاعتراض إذا ورد علينا كانت كلمة جماعتنا واحدة في رده و قلنا في جوابه إن العرب إن لم يكونوا نظارين فلم يكونوا غفلة مجانين وته العقول أن مساواة التحدي في فعله و معارضته بمثله أبلغ في الاحتجاج عليه من كل فعل و لا يجوز أن يذهب العرب الألباء عما لا يذهب عنه العامة و الأغبياء .

و الحرب غير مانعة عن المعارضة و قد كانوا يستعملون في حروبهم من الارتجاز ما لو جعلوا مكانه معارضة القرآن كان أنفع لهم و هذا كان في جواب من جعل ذلك كفهم عن المعارضة .

back page fehrest page next page