(292)

 

        وكان مسلم بن عوسجة من شجعان ذلك العصر ، كما نقل شبث شجاعته في حرب آذربيجان ، وكان ايضا وكيل مسلم بن عقيل في قبض الاموال وابتياع الاسلحة وأخذ البيعة ، مضافا الى انّه كان من عبّاد الدهر ملازما لمسجد الكوفة يعبد اللّه‏ بجنب اسطوانة ، كما يظهر ذلك من الأخبار الطوال للدينوري ، وقال أصحاب السير فيه انّه من اوائل اصحاب الحسين عليه‏السلام ، وقد قرأت آنفا قوله ليلة عاشوراء . وقاتل يوم عاشوراء قتالاً شديدا وهو يقول :

 

 ان تسألوا عنّي فانّي ذو لبد  من فرغ قوم من ذرى بني أسد  فمن بغانا حائد عن الرشد  وكافر بدين جبّار صمد(1)         وكنيته أبو جحل كما أشار اليه الكميت الأسدي في شعره :

وانّ أبا جَحْلٍ قليلٌ مُجحَلُ

        وقاتله مسلم الضبابي وعبد الرحمن البجلي .

        ثم تراجع القوم الى الحسين عليه‏السلام ، فحمل شمر بن ذي الجوشن في الميسرة على أهل الميسرة ، فثبتوا له وطاعنوه ، وحمل على الحسين عليه‏السلام واصحابه من كل جانب ، وقاتلهم أصحاب الحسين عليه‏السلام قتالاً شديدا فأخذت خيلهم تحمل وانّما هي اثنان وثلاثون فرسا فلا تحمل على جانب من خيل الكوفة الا كشفته ، فلما رأى ذلك عروة بن قيس ـ من قواد الجيش ـ وهو على خيل أهل الكوفة ، بعث الى عمر بن سعد : اما ترى ما يلقي خيلي هذا اليوم من هذه العدة اليسيرة ، ابعث اليهم الرجال والرماة ، فبعث بالرماة وأمرهم برمي أصحاب الحسين عليه‏السلام .

        قال الرواي : وقاتل اصحاب الحسين عليه‏السلام القوم أشدّ القتال حتى انتصف النهار ، فلما رأى الحصين بن تميم ـ وكان على الرماة ـ صبر أصحاب الحسين عليه‏السلام تقدم الى أصحابه وكانوا خمسمائة نابل أن يرشقوا أصحاب الحسين عليه‏السلام بالنبل ، فرشقوهم فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم وجرحوا الرجال وأرجلوهم

(2) .

        قال الراوي : وقاتلوهم حتى انتصف النهار أشد قتال خلقه اللّه‏ ، وأخذوا لا يقدرون على ان يأتوهم الاّ من وجه واحد لاجتماع أبنيتهم وتقارب بعضها من بعض ، فلمّا رأى ذلك عمر بن سعد أرسل رجالاً يقوّضونها عن أيمانهم وعن شمائلهم ليحيطوا بهم ، فأخذ الثلاثة والاربعة من أصحاب الحسين عليه‏السلام يتخللون البيوت فيشدون على الرجل وهو يقوّض وينتهب ، فيقتلونه ويرمونه من قريب ويعقرونه ، فأمر بها عمر بن سعد عند ذلك فقال : احرقوها بالنار ولا تدخلوا بيتا ولا تقوضوه .

        فجاؤا بالنار فأخذوا يحرقون فقال الحسين عليه‏السلام : دعوهم فليحرّقوها فانّهم لو

 

 (1) البحار 45:19 .
(2) الارشاد : 238 .
(293)

 

قد حرقوها لم يستطيعوا أن يجوزوا اليكم منها ، وكان كذلك وأخذوا لا يقاتلونهم الاّ من وجه واحد(1) .

        قال الراوي : وحمل شمر بن ذي الجوشن حتى طعن فسطاط الحسين عليه‏السلام برمحه ونادى : عليّ بالنار حتى أحرق هذا البيت على أهله ، قال : فصاح النساء وخرجن من الفسطاط ، فصاح به الحسين عليه‏السلام : يا بن ذي الجوشن أنت تدعو بالنار لتحرق بيتي على أهلي حرّقك اللّه‏ بالنار .

        قال حميد بن مسلم : قلت لشمر بن ذي الجوشن : سبحان اللّه‏ انّ هذا لا يصلح لك ، أتريد أن تجمع على نفسك خصلتين تعذب بعذاب اللّه‏ وتقتل الولدان والنساء ، واللّه‏ انّ في قتلك الرجال لما ترضي به أميرك ، فقال لي : من أنت ؟ قلت : لا أخبرك من انا ، وخشيت واللّه‏ أن لو عرفني أن يضرّني عند السلطان .

        فجاءه رجل كان أطوع له منّي شبث بن ربعي ، فقال : ما رأيت مقالاً أسوء من قولك ، ولا موقفا أقبح من موقفك ، أمرعبا للنساء صرت ؟ قال : فأشهد انه استحيى فذهب لينصرف وحمل عليه زهير بن القين رحمه‏الله في رجال عشرة ، فشد على شمر وأصحابه فكشفهم عن البيوت حتى ارتفعوا عنها ، فصرعوا أبا عزة الضبابي فقتلوه وكان من أصحاب شمر ، فلا يزال الرجل من أصحاب الحسين عليه‏السلام قد قتل فاذا قتل منهم الرجل والرجلان تبين فيهم واولئك كثير لا يتبين فيهم ما يقتل منهم

(2) ، فاشتدّ القتال حتى حان الزوال .

« تذكر أبي ثمامة الصائدي الصلاة ومقتل حبيب بن مظاهر »

        لما رأى أبو ثمامة عمرو بن عبد اللّه‏ انّه قد حان وقت الزوال قال للحسين عليه‏السلام : يا أبا عبد اللّه‏ نفسي لك الفداء ، انّي أرى هؤلاء قد اقتربوا منك ولا واللّه‏ لا تقتل حتى أقتل دونك انشاء اللّه‏ ، وأحب أن ألقى ربي وقد صليت هذه الصلاة التي قد دنا وقتها .

        فرفع الحسين عليه‏السلام رأسه ثم قال : ذكرت الصلاة جعلك اللّه‏ من المصلين الذاكرين ، نعم هذا أول وقتها ، ثم قال : سلوهم أن يكفوا عنّا حتى نصلّي ، فقال لهم الحصين بن تميم : انّها لا تقبل ، فقال له حبيب بن مظاهر : لا تقبل زعمت الصلاة من آل رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله وتقبل منك يا حمار .

        فحمل عليهم الحصين بن تميم ، وخرج اليه حبيب بن مظاهر فضرب وجه فرسه بالسيف ، فشب ووقع عنه وحمله أصحابه استنقذوه وأخذ حبيب يقول :

 

 اقسم لو كنّا لكم أعدادا  أو شطركم ولّيتم الاكتادا

 

(1) الطبري 4:333 .
(2) تاريخ الطبري 4:334 .
(294)

 

 

يا شرَّ قوم حسبا وأَدّا

        وجعل يقول ايضا :

 

 انا حبيب وأبي مظهرَّ  فارس هيجاء وحرب تسعر  انتم أعدّ عدّةً واكثر  ونحن أوفى منكم وأصبر  ونحن أولى حجة وأظهر  حقا وأتقى منكم وأعْذَر

        وقاتل قتالاً شديدا (وحكي انّه قتل اثنين وستين رجلاً) فحمل عليه رجل من بني تميم (يقال له بديل بن صريم) فضربه بالسيف على رأسه

(1) ، وحمل عليه آخر من بني تميم فطعنه ، فوقع وذهب ليقوم فضربه الحصين بن تميم على رأسه بالسيف ، فوقع ونزل اليه التميمي فاحتز رأسه ، فقال له الحصين : انّي لشريكك في قتله ، أعطنيه اعلقه في عنق فرسي كيما يرى الناس ويعلموا انّي شركت في قتله ، ثم خذه أنت بعد فامض به الى عبيد اللّه‏ بن زياد وخذ جائزتك منه ، فدفع اليه رأس حبيب بن مظاهر فجال به في العسكر وقد علقه في عنق فرسه ، ثم دفعه بعد ذلك اليه .

        فلما رجعوا الى الكوفة أخذ الآخر رأس حبيب فعلقه في لبان فرسه ثم أقبل به الى إبن زياد في القصر ، فبصر به ابنه قاسم بن حبيب وهو يومئذ قد راهق ، فأقبل مع الفارس لا يفارقه كلما دخل القصر دخل معه واذا خرج خرج معه ، فارتاب به فقال : ما لك يا بني تتبعني ، قال : لا شيء ، قال : بلى يا بني أخبرني ، قال له : انّ هذا الرأس الذي معك رأس أبي أفتعطينيه حتى أدفنه ، قال : يا بني لا يرضى الامير أن يدفن وأنا أريد أن يثيبني الامير على قتله ثوابا حسنا .

        قال الغلام : لكن اللّه‏ لا يثيبك على ذلك الاّ أسوء الثواب ، أما واللّه‏ لقد قتلته خيرا منك وبكى ، فمكث الغلام حتى اذا أدرك لم يكن له همة الا اتباع أثر قاتل ابيه ليجد منه غرة فيقتله بأبيه ، فلما كان زمان مصعب بن الزبير

(2) ، فوجده في مكان فقتله .

        وروى أبو مخنف عن محمد بن قيس انّه قال : لما قتل حبيب بن مظاهر هدّ ذلك حسينا عليه‏السلام وقال عند ذلك : أحتسب نفسي وحماة أصحابي(3) .

        وفي بعض المقاتل قال عليه‏السلام : للّه‏ درك يا حبيب ، لقد كنت فاضلاً تختم القرآن في ليلة واحدة .

        ولا يخفى انّ حبيب من الذين حملوا علوم أهل البيت عليهم‏السلام ، وهو من خواص اصحاب امير المؤمنين عليه‏السلام .

        وفي رواية انّه مرّ ميثم التمار على فرس له فاستقبل حبيب بن مظاهر الاسدي

 

(1) تاريخ الطبري 4:334 .
(2) تاريخ الطبري 4:335 .
(3) مقتل ابي مخنف : 147 .
(295)

 

فتحدثا ، فقال حبيب : لكأنّي بشيخ أصلع ضخم البطن يبيع البطيخ عند دار الزرق قد صلب في حب أهل بيت نبيه صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ويبقر بطنه على الخشب ، وكان يعني ميثما فكان كما قال .

        وجاء في آخر الرواية : انّ حبيب كان من السبعين الرجال الذين نصروا الحسين عليه‏السلام ولقوا جبال الحديد ، واستقبلوا الرماح بصدورهم والسيوف بوجوههم ، وهم يعرض عليهم الامان والاموال فيأبون ويقولون : لا عذر لنا عند رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ان قتل الحسين ومنّا عين تطرف ، حتى قتلوا حوله ، رحمة اللّه‏ وبركاته عليهم اجمعين

(1) .

        وقد ذكرنا كلامه بعد كلام عابس في أحوال مسلم بن عقيل ، وأشار الكميت الاسدي في قصيدته الى استشهاده بقوله :

 

 سوى عصبة فيهم حبيب معفر  قضى نحبه والكاهلي مرمَّل

        ومراده من الكاهلي ، أنس بن الحرث الاسدي الكاهلي الذي كان من كبار الصحابة ، وقد كتب في حقّه أهل السنة : انّه سمع النبي صلى‏الله‏عليه‏و‏آله يقول والحسين عليه‏السلام في جنبه : الا سيقتل ابني هذا بأرض من أراضي العراق ، فلينصره من أدركه ، فكان أنس حتى استشهد يوم عاشوراء في نصرة الحسين عليه‏السلام .

        يقول المؤلف : انّ البعض قد عدّ حبيب بن مظاهر ، ومسلم بن عوسجة ، وهاني بن عروة ، وعبد اللّه‏ بن يقطر ، من صحابة النبي صلى‏الله‏عليه‏و‏آله وجاء في شرح قصيدة ابي فراس : انّ جابر بن عروة الغفاري الذي أدرك النبي وشهد بدرا وحنينا وكان شيخا كبير السن حضر كربلاء لنصرة إبن بنت رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ، فشد ظهره بعمامته وشدّ حاجبيه المتدليين على عينيه من كبر السن بخرقة ، وبدأ بالقتال وقتل ستين نفرا ، فكان الحسين عليه‏السلام يراه ويقول : شكر اللّه‏ سعيك يا شيخ ، فقاتل حتى قتل ، رحمة اللّه‏ عليه ورضوانه .

« مقتل سعيد بن عبد اللّه‏ الحنفي رحمه‏الله »

        روي انّ الحسين عليه‏السلام أمر زهير بن القين وسعيد بن عبد اللّه‏ أن يتقدما أمامه حتى يصلّي الظهر ، فتقدما أمامه في نحو من نصف اصحابه حتى صلى بهم صلاة الخوف

(2) .

        وروي انّ سعيد بن عبد اللّه‏ الحنفي تقدم امام الحسين عليه‏السلام ، فاستهدف لهم يرمونه بالنبل كلما أخذ الحسين عليه‏السلام يمينا وشمالاً قام بين يديه ، فما زال يُرمى حتى سقط على الارض وهو يقول :

        اللهم العنهم لعن عاد وثمود ، اللهم أبلغ نبيّك عنّي السلام ، وأبلغه ما لقيت من

 
(1) اختيار معرفة الرجال 1:292 .
(2) البحار 45:21 .
(296)

 

الم الجراح ، فانّي أردت ثوابك في نصرة ذرية نبيّك ، ثم قضى نحبه رضى‏الله‏عنه ، فوجد به ثلاثة عشر سهما سوى ما به من ضرب السيوف و طعن الرماح(1) .

        وقال الشيخ إبن نما : وقيل صلى الحسين عليه‏السلام وأصحابه فرادى بالايماء(2) .

        يقول المؤلف : كان سعيد بن عبد اللّه‏ من وجوه الشيعة بالكوفة وهو رجل شجاع ذو عبادة كثيرة ، وقد ذكر سابقا أنّ أهل الكوفة أرسلوه مع هاني بن هاني السبيعي ، الى الحسين عليه‏السلام كي يعطيه كتبهم ويرغبه بالقدوم الى الكوفة .

        وهما آخر من أرسلهما أهل الكوفة بكتبهم ، وقد ذكر كلامه ليلة عاشوراء لما اذن لهم الحسين بالانصراف في كتب المقاتل المعتبرة ، وذكر اسمه في الزيارة المشتملة على أسامي الشهداء ، وقال عبيد اللّه‏ بن عمرو البديِّ الكندي في حقه وحق الحر ومواساته مع زهير بن القين :

 

 سعيد بن عبد اللّه‏ لا تنسينّه  ولا الحر اذ آسى زهيرا على قسر  فلو وقفت صمُّ الجبال مكانهم  لمارتْ على سهل ودكت على وعر  فمن قائم يستعرض النبل وجهه  ومن مقدم يلقي الأسنة بالصدر

        حشرنا اللّه‏ معهم في المستشهدين ورزقنا مرافقتهم في أعلا عليّين .

« مقتل زهير بن القين رحمه‏الله »

        قال الراوي : وقاتل زهير بن القين قتالاً شديدا وأخذ يقول :

 

 أنا زهير وانا إبن القين  أذودكم بالسيف عن حسين  انّ حسينا أحد السبطين  أضربكم ولا أرى من شين

        وكان يهجم على هؤلاء الاشرار كالليث حتى قتل كثيرا من أبطالهم ورجالهم ، وعلى رواية محمد بن ابي طالب : قتل مائة وعشرين رجلاً من هؤلاء المنافقين ، فشدّ عليه كثير بن عبد اللّه‏ الشعبي ومهاجر بن أوس التميمي فقتلاه ، وقال الحسين عليه‏السلام حين صرع زهير : « لا يبعدك اللّه‏ يا زهير ، ولعن قاتلك لعن الذين مسخوا قردة وخنازير »

(3) .

        يقول المؤلف : انّ جلالة شأن زهير بن القين أكثر من أن تذكر ، ويكفينا جعل الامام ايّاه يوم عاشوراء على ميمنته ، ولما أراد الصلاة أمره وأمر سعيد بن عبد اللّه‏ أن يقفا أمامه حتى يقيانه ، وقد ذكر احتجاجه على القوم وجلادته وصموده مع الحر ، وغير ذلك مما يتعلق به .

 

(1) البحار 45:21 .
(2) مثير الاحزان : 65 .
(3) البحار 45:25 .
(297)

 

« مقتل نافع بن هلال بن نافع بن جمل رحمه‏الله »

        كان نافع بن هلال الجملي ـ وهو من شجعان جيش الحسين عليه‏السلام ـ قد كتب أسمه على أفواق نبله ، فجعل يرمي بها مسمومة وهو يقول :

 

 أرمي بها مُعْلَمةً أفواقُها  مسمومة تجرى بها اخفاقُها(1) ليملانّ أرضها رشاقها    والنّفس لا ينفعها اشفاقها

        فلم يزل يرميهم حتى فنيت سهامه ، ثم ضرب يده الى سيفه وجعل يقول :

 

 أنا الغلام اليمني الجملي  ديني على دين حسين بن عليّ  ان أقتل اليوم فهذا املي  فذاك رأيي وألاقي عملي

        فقتل أثني عشر وقيل سبعين نفرا من أصحاب عمر بن سعد سوى من جرح ، فحمل عليه القوم وضرب حتى كُسِرَ عضداه وأخذ أسيرا .

        قال الراوي : فأخذه شمر ومعه أصحاب له يسوقون نافعا ، والدم يجري على وجهه ولحيته حتى أوتى به الى عمر بن سعد ، فقال له عمر بن سعد : ويحك ما حملك على ما صنعت بنفسك ؟ قال : انّ ربي يعلم ما أردت ، وما ألوم نفسي على الجهد ولو بقيت لي عضد وساعد ما أسرتموني ، فقال شمر لعمر : أقتله أصلحك اللّه‏ ، قال : أنت جئت به فان شئت فاقتله .

        فانتضى شمر سيفه فقال له نافع : أما واللّه‏ ان لو كنت من المسلمين ، لعظم عليك أن تلقى اللّه‏ بدمائنا ، فالحمد للّه‏ الذي جعل منايانا على يدي شر خلقه ، فقتله شمر اللعين

(2) .

        وقد ذكرت هذه القضية في بعض الكتب باسم هلال بن نافع ، وأظن سقوط اسم نافع من أوله وسببه تكرار نافع في الاسم ، وكان نافع شجاعا ذا بصيرة وشرفا وله مرتبة وقدر عظيم .

        وقد ذكر سابقا انّه جاء لنصرة الحسين عليه‏السلام من الكوفة ، وكان دليله الطرماح ، فخرج من الطريق الوعر حتى لحق بالحسين عليه‏السلام ومعه مجمّع بن عبد اللّه‏ وجمع آخر ، وكان اسم جواده الكامل فكانوا يسوقونه معهم .

        وقال الطبري : لما اشتدّ على الحسين عليه‏السلام وأصحابه العطش ، دعا العباس بن عليّ أخاه فبعثه في ثلاثين فارسا وعشرين راجلاً وبعث معهم بعشرين قربة ، فجاؤا حتى دنوا من الماء ليلاً ، واستقدم امامهم باللواء نافع بن هلال الجملي ، فقال عمرو بن الحجاج الزبيدي : من الرجل ؟ فجيء ما جاء بك ، قال : جئنا نشرب من هذا الماء الذي

 

 (1) الاخفاق الصرع يقال أخفق زيدٌ عمرا : أي صرعه فكأنّ النبل يجري بها الصرع ، والرشاق جمع رشيق وهو اسم السهم اللطيف . (منه رحمه‏الله )
(2) تاريخ الطبري 4:336 .
(298)

 

حلأتمونا عنه ، قال : فاشرب هنيئا ، قال : لا واللّه‏ لا أشرب منه قطرة وحسين عطشان ومن ترى من أصحابه .

        فطلعوا عليه فقال : لا سبيل الى سقي هؤلاء ، انّما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء ، فلما دنا منه أصحابه قال لرجاله : املئوا قربكم ، فشدّ الرجالة فملؤا قربهم ، وثار اليهم عمرو بن الحجاج وأصحابه ، فحمل عليهم العباس بن عليّ ونافع بن هلال ، فكفوهم ثم انصرفوا الى رحالهم

(1) .

        ونافع هو الذي قال للحسين عليه‏السلام في طي كلامه : وانّا على نياتنا وبصائرنا نوالي من والاك ونعادي من عاداك .

« مقتل عبد اللّه‏ وعبد الرحمن الغفاريين رحمهماالله »

        لما رأى أصحاب الحسين عليه‏السلام انهم قد كثر قتلاهم ، وانّهم لا يقدرون على أن يمنعوا حسينا ولا أنفسهم ، تنافسوا في أن يقتلوا بين يديه ، فجاءه عبد اللّه‏ وعبد الرحمن ابنا عروة الغفاري ـ من شجعان الكوفة واشرافها ـ فقالا : يا ابا عبد اللّه‏ عليك السلام ، حازنا العدو إليك ، فأحببنا أن نقتل بين يديك نمنعك وندفع عنك .

        قال : مرحبا بكما أدنوا منّي ، فدنوا منه فجعلا يقاتلان قريبا منه وعبد الرحمن يقول :

 

 قد علمت حقا بنو غفار  وخندف بعد بني نزار  لنضربنّ معشر الفجار  بكل عضب صارم بتّار  يا قوم ذودوا عن بني الاحرار  بالمشرفيّ والقنا الخطّار

        ثم قاتل حتى قتل .

« مقتل سيف بن الحارث بن سريع ومالك بن عبد بن سريع »

        قال الراوي : وجاء الفتيان الجابريان ـ سيف بن الحارث بن سريع ، ومالك بن عبد بن سريع ، وهما ابنا عم واخوان لأمّ ـ فأتيا الحسين عليه‏السلام فدنوا منه وهما يبكيان ، فقال : أي بني أخي ما يبكيكما ، فو اللّه‏ انّي لأرجوا أن تكونا ساعة قريريّ العين .

        قالا : جعلنا اللّه‏ فداك لا واللّه‏ ما على انفسنا نبكي ولكنّا نبكي عليك ، نراك قد أحيط بك ولا نقدر ان نمنعك ، فقال : جزاكما اللّه‏ يا ابني أخي بوجدكما من ذلك ومواساتكما اياي بأنفسكما أحسن جزاء المتقين .

        ثم ودعا الحسين عليه‏السلام وقاتلا حتى قتلا

(2) .

 

 
(1) تاريخ الطبري 4:312 .
(2) الطبري 4:337 .
(299)

 

« مقتل حنظلة بن أسعد الشِباميّ رحمه‏الله »

        وجاء حنظلة بن اسعد الشِباميّ ، فقام بين يدي الحسين عليه‏السلام يقيه السهام والرماح والسيوف بوجهه ونحره وأخذ ينادي :

        « ... يَا قَوْمِ إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِّثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللّه‏ُ يُرِيدُ ظُلْما لِلْعِبَادِ * وَيَا قَوْمِ إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِّنَ اللّه‏ِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللّه‏ُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ » .

        « يا قوم لا تقتلوا الحسين فيسحتكم اللّه‏ بعذاب وقد خاب من افترى »

(1) .

        وقد أشار بهذا الى نصائح مؤمن آل فرعون الى قومه .

        وفي بعض المقاتل انّ الحسين عليه‏السلام قال : يا ابن أسعد رحمك اللّه‏ انّهم قد استوجبوا العذاب حين ردوا عليك ما دعوتهم اليه من الحق ونهضوا إليك ليستبيحوك وأصحابك ، فكيف بهم الان وقد قتلوا اخوانك الصالحين ، قال : صدقت جعلت فداك أفلا نروح الى الاخرة ونلحق باخواننا .

        فقال : بلى رح الى ما هو خير لك من الدنيا وما فيها والى ملك لا يبلى ، فقال : السلام عليك يا ابا عبد اللّه‏ صلى اللّه‏ عليك وعلى أهل بيتك وعرف بيننا وبينك في جنته ، فقال : آمين آمين ، فاستقدم وقاتل قتال الابطال ، وصبر على احتمال الأهوال حتى قتل ، عليه رحمة المتعال

(2) .

        يقول المؤلف : كان حنظلة بن أسعد من وجوه الشيعة والشجعان والفصحاء ، وقيل فيه شبامي لانّ أصله ينتهى الى شبام (على وزن كتاب موضع بالشام) وبنو شبام بطن من قبيلة همدان (بسكون الميم) .

« مقتل شوذب وعابس رضي اللّه‏ عنهما »

        لما عزم عابس بن أبي شبيب الشاكري على ادراك السعادة العظمى ، توجه الى صاحبه شوذب مولى شاكر ـ من متقدمي الشيعة وحفاظ الحديث وحامليه وذو مقام رفيع ، بل نقل انه كان له مجلس يجتمع الشيعة فيه ويأخذوا منه الحديث ، وكان رحمه‏الله وجها فيهم ـ فقال له : يا شوذب ما في نفسك أن تصنع ؟ قال : ما أصنع ، أقاتل معك دون إبن بنت رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله حتى أقتل .

        قال : ذلك الظن بك ، فتقدم بين يدي ابي عبد اللّه‏ عليه‏السلام حتى يحتسبك كما

 

(1) سورة المؤمن : الايات 28 ـ 32 والجملة الاخيرة مقتبسة من الاية 61 من سورة طه .
(2) تاريخ الطبري 4:337 .
(300)

 

احتسب غيرك من اصحابه وحتى أحتسبك أنا ، فانّه لو كان معي الساعة أحد أنا أولى به منّي بك ، لسرّني أن يتقدم بين يدي حتى أحتسبه ، فانّ هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب الاجر فيه بكل ما قدرنا عليه ، فانّه لا عمل بعد اليوم وانّما هو الحساب .

        فتقدم فسلم على الحسين عليه‏السلام ثم مضى ، فقاتل حتى قتل رحمة اللّه‏ ورضوانه عليه .

        قال الراوي : ثم قال عابس بن ابي شبيب : يا ابا عبد اللّه‏ أما واللّه‏ ما أمسى على ظهر الارض قريب ولا بعيد أعزّ عليّ ولا أحبّ اليّ منك ، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم والقتل بشيء أعزّ عليّ من نفسي ودمي لفعلته ، السلام عليك يا ابا عبد اللّه‏ أشهد اللّه‏ انّي على هديك وهدي ابيك . ثم مشى بالسيف مصلتا نحوهم وبه ضربة على جبينه

(1) .

        قال ربيع بن تميم الذي كان في جيش عمر بن سعد : لما رأيته مقبلاً عرفته ، وقد شاهدته في المغازي وكان أشجع الناس وقلت : ايها الناس هذا أسد الاسود هذا إبن أبي شبيب ، لا يخرجن اليه أحد منكم ، فأخذ ينادي : ألا رجل ألا رجل ، فقال عمر بن سعد : أرضخوه بالحجارة ، فرمي بالحجارة من كل جانب ، فلما رأى ذلك ألقى درعه ومِغْفَره ، ثم شدّ على الناس .

        وكأنّ حسان بن ثابت قال في هذا المقام :

 

 يلقى الرماح الشاجرات بنحره  ويقيم هامته مقام المغفر  ما أن يريد اذا الرماح شجرنه  درعا سوى سربال طيب العُنصرُ  ويقول للطرف اصطبر لشبا القنا  فَهَدَمْتُ ركنَ المجدِ ان لَم تَعقَرِ

        قال ربيع : فو اللّه‏ لرأيته يطرد اكثر من مائتين من الناس ، ثم انهم تعطفوا من كل جانب عليه « فضربوه بالحجارة والرماح والسيوف » حتى قتل رحمه‏الله ، فرأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عدة هذا يقول : انا قتلته وهذا يقول : أنا قتلته ، فأتوا عمر بن سعد اللعين فقال : لا تختصموا هذا لم يقتله سنان واحد ، ففرق بينهم بهذا القول

(2) .

        يقول المؤلف : قيل انّ عابس من رجال الشيعة كان شجاعا رئيسا خطيبا عابدا متهجدا ، وقد ذكر سابقا كلامه مع مسلم بن عقيل لما قدم الكوفة وقال الطبري : انّ مسلم كتب الى الحسين يدعوه بعد ما بايعه أهل الكوفة ، فأرسل كتابه بيد عابس(3) .

« مقتل ابي الشعثاء البهدلي الكندي رحمه‏الله »

 
(1) تاريخ الطبري 4:338 .
(2) مقتل أبي مخنف : 155 .
(3) تاريخ الطبري 4:281 .
(301)

 

        قال الراوي : كان يزيد بن زياد البهدلي ، وهو أبو الشعثاء راميا شجاعا ، فجثى على ركبتيه بين يدي الحسين عليه‏السلام فرمى بمائة سهم ما سقط منها الاّ خمسة أسهم ، فكان كلما رمى قال : انا ابن بهدلة فرسان العرجلة . ويقول الحسين عليه‏السلام : اللهم سدد رميته واجعل ثوابه الجنة .

        وكان مرتجزا :

 

 انا يزيد وابي مهاصر  أشجع من ليث بغيلٍ خادرٌ  يا رب انّي للحسين ناصر  ولابن سعد تارك مهاجر

        فقاتل حتى قتل

(1) .

        يقول المؤلف : جاء في المناقب هذا المصرع من الشعر بدل المصرع الثاني : « ليث هصور في العرين خادر » وهذا ألطف بملاحظة الهصور أو المهاصر ، والهصور هو الاسد ، وقال الفيروز آبادي : انّ يزيد بن مهاصر من المحدثين .

« مقتل جمع من اصحاب الحسين عليه‏السلام »

        روي انّ عمرو بن خالد الصيداوي ، وجابر بن الحارث السلماني ، وسعد مولى عمرو بن خالد ، ومجمع بن عبد اللّه‏ العائذي ، من الذين قاتلوا في اول القتال ، فشدوا مقدمين بأسيافهم على الناس ، فلما أوغلوا عطف عليهم الناس فأخذوا يحوزونهم وقطعوهم من أصحابهم غير بعيد .

        فحمل عليهم العباس بن عليّ عليه‏السلام فاستنقذهم فجاؤوا وقد جرحوا ، فلما دنا منهم عدوهم شدوا بأسيافهم فقاتلوا في أول الامر حتى قتلوا في مكان واحد

(2) ، رحمة اللّه‏ عليهم .

        وروي عن مهران الكابلي انّه قال : شهدت كربلاء مع الحسين عليه‏السلام ، فرأيت رجلاً يقاتل قتالاً شديدا لا يحمل على القوم الاّ كشفهم ، ثم يرجع الى الحسين عليه‏السلام ويرتجز ويقول :

 

 أبشر هديت الرشد يا بن احمدا  في جنة الفردوس تعلوا صعدا

        فقلت : من هذا ؟ فقالوا : أبو عمرة الحنظلي ، فاعترضه عامر بن نهشل فقتله واجتز رأسه

(3) .

        يقول المؤلف : قيل انّ ابا عمرة اسمه زياد بن غريب ، وكان أبوه من الصحابة ، وأدرك هو ايضا النبي صلى‏الله‏عليه‏و‏آله وكان رجلاً شجاعا متعبدا متهجدا معروفا بكثرة العبادة

 

(1) تاريخ الطبري 4:339 ، مع اختلاف يسير .
(2) تاريخ الطبري 4:340 .
(3) البحار 45:30 ، لكن فيه بدل (الحنظلي) النهشلي وقيل الخثعمي .
(302)

 

والصلاة رضى‏الله‏عنه .

« مقتل جون رضى‏الله‏عنه »

        كان جون مولى أبي ذر ملازما لركب الحسين عليه‏السلام وهو عبدٌ أسود ، فجاء الى الحسين عليه‏السلام يستأذنه للقتال ، فقال الحسين عليه‏السلام : أنت في اذن منّي فانّما تبعتنا طلبا للعافية فلا تبتل بطريقنا .

        فقال : يا بن رسول اللّه‏ أنا في الرخاء ألحس قصاعكم وفي الشدّة أخذلكم ، واللّه‏ انّ ريحي لمنتن وحسبي للئيم ولوني لأسود ، فتنفّس علي بالجنّة فيطيب ريحي ويشرف حسبي ويبيض وجهي ، لا واللّه‏ لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم . فقال هذا واستأذن وذهب للقتال مرتجزا :

 

 كيف يرى الكفار ضرب الأسود  بالسيف ضربا عن بني محمد  أذبّ عنهم باللسان واليد  أرجو به الجنة يوم المورد

        فقاتل حتى قتل خمسة وعشرين نفرا ثم قتل .

        وورد في بعض المقاتل انّ الحسين عليه‏السلام جاء ووقف عليه فقال : اللهم بيض وجهه ، وطيّب ريحه ، واحشره مع الابرار ، وعرّف بينه وبين محمد وآل محمد

(1) .

        وفي رواية : انّ الناس كانوا يحضرون المعركة ويدفنون القتلى ، فوجدوا جونا بعد عشرة أيام تفوح منه رائحة المسك رضى‏الله‏عنه (2) .

« مقتل الحجاج بن مسروق »

        وكان مؤذن الحسين عليه‏السلام فخرج مرتجزا :

 

 أقدم حسينا هاديا مهديا  فاليوم تلقى جدّك النبيا  ثم أباك ذا الندى عليا  ذاك الذي نعرفه وصيّا

        فقتل خمسة وعشرين نفرا ثم قتل رحمه‏الله

(3) .

« مقتل شاب قد قتل أبوه »

        ثم خرج شاب قد قتل أبوه في المعركة وكانت امّه معه ، فقالت له امّه : أخرج يا بني وقاتل بين يدي إبن بنت رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ، فخرج فقال الحسين عليه‏السلام : هذا شاب قتل

 
(1) البحار 45:22 .
(2) راجع البحار 45:22 .
(3) البحار 45:25 .
(303)

 

أبوه ولعل امّه تكره خروجه ، فقال الشاب : أمّي أمرتني بذلك فبرز وهو يقول :

 

 أميري حسين ونعم الامير  سرور فؤاد البشير النذير  علي وفاطمة والداه  فهل تعلمون له من نظير  له طلعة مثل شمس الضحى  له غرة مثل بدر منير

        وقاتل حتى قتل ، وجزّ رأسه ورمي به الى عسكر الحسين عليه‏السلام ، فحملت امّه رأسه وقالت : أحسنت يا بني يا سرور قلبي ويا قرّة عيني ، ثم رمت برأس ابنها رجلاً فقتلته ، وأخذت عمود خيمة وحملت عليهم وهي تقول :

 

 انا عجوز سيدي ضعيفة  خاوية بالية نحيفة  اضربكم بضربة عنيفة  دون بني فاطمة الشريفة

        وضربت رجلين فقتلتهما فأمر الحسين عليه‏السلام بصرفها ودعا لها

(1) .

« مقتل العبد التركي »

        قيل انّ الحسين عليه‏السلام كان له عبد تركي وكان قارئا للقرآن وفي غاية الصلاح والسداد ، فهجم على صفوف العدو وهو يقول :

 

 البحر من طعني وضربي يصطلي  والجو من سهمي ونبلي يمتلي  اذا حسامي في يميني ينجلي  ينشق قلب الحاسد المبجَّلِ

        فقتل جماعة قيل كانوا سبعين ثم سقط صريعا ، فجاءه الحسين عليه‏السلام فبكى ووضع خدّه على خدّه ، ففتح عينه فرأى الحسين عليه‏السلام فتبسم ثم صار الى ربه .

« مقتل عمرو بن قرظة

(2) بن كعب الانصاري الخزرجي »

        ثم خرج عمرو بن قرظة فاستأذن الحسين عليه‏السلام وذهب للقتال مرتجزا :

 

 قد علمت كتيبة الانصار  انّي ساحمي حوزة الذِّمار  ضرب غلام غير نُكسٍ شار  دون حسينٍ مهجتي وداري

        فقاتل قتال الرجل الباسل ، وصبر على الخطب الهائل ، وكان يلتقي السهام بمهجته ، فلم يصل الى الحسين عليه‏السلام سوء حتى اثخن بالجراح فالتفت اليه وقال : أوفيت ؟ قال : نعم ، انت أمامي في الجنة فاقرأ رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله واعلمه أنّي في الأثر ، فقاتل حتى قتل

(3) .

        يقول المؤلف : قرظة (بفتحات ثلاث) والد عمرو من كبار الصحابة ومن

 

(1) البحار 45:27 .
(2) البحار 45:30 .
(3) البحار 45:22 ، واللهوف : 107 ، بلفظ (قرطه) بالطاء المهملة .
(304)

 

أصحاب امير المؤمنين عليه‏السلام وكان رجلاً شجاعا ، وقد فتح الري سنة (24) مع موسى ، وقد أعطاه امير المؤمنين عليه‏السلام يوم صفين راية الانصار ، وتوفى سنة (51) وكان له إبن آخر سوى عمرو ، اسمه علي وقد شهد كربلاء وهو مع جيش عمر بن سعد ، فلما استشهد أخوه عمرو نادى الحسين عليه‏السلام وقال : يا حسين يا كذاب بن الكذاب أضللت أخي وغررته حتى قتلته . فقال الحسين عليه‏السلام : « انّ اللّه‏ لم يضل أخاك ، ولكنّه هدى أخاك وأضلك » .

        فقال اللعين : قتلني اللّه‏ ان لم أقتلك الاّ أن أقتل قبل وصولي إليك ، فهجم على الحسين عليه‏السلام فاعترضه نافع بن هلال وضربه بالرمح فصرع فهجم اصحاب عمر بن سعد فخلصوه من المعركة ، فعالج جرحه حتى برء

(1) .

        وعمرو بن قرظة هو الذي أرسله الحسين عليه‏السلام الى عمر بن سعد كي يلقاه في الليل ، وقيل انّه لما تلاقيا دعاه الحسين عليه‏السلام لنصرته ، فاعتذر عمر بن سعد وقال : اذن تهدم داري ، قال : أنا أبنيها لك ، قال : اذن تؤخذ ضيعتي ، قال : اذن أعطيك خيرا منها من مالي بالحجاز ، فأبى عمر ذلك(2) .

        وأشار عمرو بن قرظة يوم عاشوراء في رجزه الى عمر بن سعد بقوله : « دون حسين مهجتي وداري » أي انّ عمر بن سعد لم ينصر الحسين عليه‏السلام خوفا من هدم داره ، لكن أنا أفدي الحسين بنفسي وداري وجميع ما أملك .

« مقتل سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي رحمه‏الله »

        وخرج سويد بن عمرو للقتال ـ وكان رجلاً شريف النسب زاهدا كثير الصلاة ـ فقاتل كالليث الهائج ، وصبر على الخطب الهائل ، وتلقى ضربات السيوف والرماح بجسده حتى أثخن بالجراح وانهد ركناه ، فوقع مغشيا عليه بين القتلى ، فلما أفاق سمع قائل يقول : ألا قد قتل الحسين ، فلم يتحمل ولم يملك نفسه ، فأخرج سكينا من خفّه وبدء يقاتل القوم حتى قتل بيد عروة بن بكار التغلبي وزيد بن ورقاء ، وكان سويد آخر شهيد من أصحاب الحسين عليه‏السلام رحمة اللّه‏ ورضوانه عليهم اجمعين واشركنا معهم إله الحق آمين .

        قال ارباب المقاتل : وكان يأتي الحسين عليه‏السلام الرجل بعد الرجل فيقول : السلام عليك يا ابن رسول اللّه‏ ، فيجيبه الحسين ويقول : وعليك السلام ونحن خلفك ، ثم يقرأ : « ... فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْديلاً »

(3)(4) .

 

 
(1) مقتل أبي مخنف : 131 .
(2) مقتل أبي مخنف : 99 .
(3) الاحزاب : 23 .
(305)

 

« في مقاتلة أهل بيت الحسين عليه‏السلام ومقتلهم »

        لما لم يبق من الاصحاب أحد الا وقد قتل ، وصل الامر الى فتيان بني هاشم ، فتهيّأ اولاد امير المؤمنين عليه‏السلام ، وأولاد جعفر وعقيل ، واولاد الحسن والحسين عليهماالسلام للقتال وتوادعوا ، ولنعم ما قيل :

 

 لو كنت ساعة بيننا ما بيننا  وشمدت كيف ننكر التوديعا  أيقنت أنّ من الدموع محدّثا  وعلمت أنّ من الحديث دموعا

« أبو الحسن علي بن الحسين الاكبر سلام اللّه‏ عليه »

        أمّه ليلى بنت أبي عروة بن مسعود الثقفي ، وكان عروة بن مسعود أحد السادة الاربعة في الاسلام ، ومن العظماء المعروفين ، وقيل انّه مثل صاحب يس وأشبه الناس بعيسى بن مريم .

        وكان علي الاكبر شابا جميلاً حسن المنظر ، واشبه الناس برسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله خَلْقا وخُلُقا ومنطقا ، وقد اكتسب الشجاعة من جده علي بن ابي طالب عليه‏السلام وموصوفا بجميع المحامد والمحاسن ، كما روى أبو الفرج عن المغيرة انّه قال : قال معاوية : من أحق الناس بهذا الامر (أي الخلافة) ؟ قالوا : أنت ، قال : لا ، أولى الناس بهذا الامر علي بن الحسين بن علي ، جدّه رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ، وفيه شجاعة بني هاشم وسخاء بني أمية وزهو ثقيف

(1) .

        فلما أراد الخروج جاء الى أبيه يستأذنه فأذن له ، فلما ذهب نظر الحسين عليه‏السلام اليه نظر آيس منه وأرخى عينه وبكى ، ورفع شيبته الكريمة نحو السماء وقال :

        اللهم اشهد على هؤلاء القوم ، فقد برز اليهم غلام اشبه الناس خَلقا وخُلُقا ومنطقا برسولك ، كنّا اذا اشتقنا الى نبيك نظرنا الى وجهه ، اللهم امنعهم بركات الارض وفرقهم تفريقا ، ومزقهم تمزيقا ، واجعلهم طرائق قددا ، ولا ترض الولاة عنهم أبدا ، فانهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا .

        ثم صاح بعمر بن سعد : ما لك قطع اللّه‏ رحمك ولا بارك اللّه‏ في أمرك ، وسلط عليك من يذبحك بعدي على فراشك كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله . ثم رفع صوته وتلى :

        « إِنَّ اللّه‏َ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحا وآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللّه‏ُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ »

(2)(3) .

 
(1) البحار 45:31 .
(2) مقاتل الطالبيين : 52 .
(306)

 

        فخرج عليّ الاكبر كالشمس الوضّاءة ، ونوّر الميدان بطلعته المكتسبة من جمال محمد صلى‏الله‏عليه‏و‏آله .

 

 ذكروا بطلعته النبي فهللوا  لما بدا بين الصفوف وكبروا  فافتنّ فيه الناظرون فاصبع  يومي اليه بها وعين تنظرُ

        فحمل على القوم بقوّة وشجاعة تذكر الناس بشجاعة امير المؤمنين عليه‏السلام وهو يقول :

 

 أنا علي بن الحسين بن عليّ  نحن وبيت اللّه‏ أولى بالنبي  اضربكم بالسيف حتى ينثني  ضرب غلام هاشميّ علوي  ولا أزال اليوم أحمي عن أبي  تا اللّه‏ لا يحكم فينا إبن الدعي

        وشدّ على الناس مرارا وقتل منهم جمعا كثيرا حتى ضج الناس من كثرة من قتل منهم ، وروي انه قتل مائة وعشرين رجلاً

(1) ، فأثّرت فيه حرارة الجوّ وشدّة العطش وكثرة الجراح وثقل الحديد ، فجاء الى ابيه فقال : يا أبه العطش قد قتلني وثقل الحديد أجهدني ، فهل الى شربة من ماء سبيل أتقوى بها على الاعداء ؟

        فبكى الحسين عليه‏السلام وقال : وا غوثاه يا بني قاتل قليلاً فما أسرع ما تلقى جدّك محمدا صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ، فيسقيك بكأسه الاوفى شربة لا تظمأ بعدها ابدا .

        وفي رواية انّه قال : يا بني هات لسانك ، فأخذ لسانه فمصه ، ودفع اليه خاتمه وقال : أمسكه في فيك وارجع الى قتال عدوك ، فانّي أرجو انّك لا تمسي حتى يسقيك جدك بكأسه الاوفى شربة لا تظمأ بعدها ابدا .

        فرجع الى الحرب آيسا من نفسه راجيا ثواب ربه وهو يقول :

 

 الحرب قد بانت لها الحقائق  وظهرت من بعدها مصادق  واللّه‏ رب العرش لا نفارق  جموعكم أو تغمد البوارق

        فهجم عليهم يمينا وشمالاً وبدّدهم حتى قتل منهم ثمانين رجلاً ، ثم ضربه مرة بن منقذ العبدي اللعين على مفرق رأسه ضربة صرعته وضربه الناس بأسيافهم

(2) .

        وفي رواية : انّ مرة بن منقذ لما رأى عليّ الاكبر (سلام اللّه‏ عليه) يحمل ويرتجز قال : عليّ آثام العرب ان مرّ بي يفعل مثل ما أراه يفعل ان لم أثكله أباه ، فمر يشد على الناس بسيفه فاعترضه مرة بن منقذ فطعنه فصرع(3) .

 

 
(1) آل عمران : 33 ـ 34 .
(2) راجع البحار 45:42 ـ 43 ، ونفس المهموم : 308 .
(3) راجع البحار 45:42 ـ 43 ، ونفس المهموم : 308 .
(4) راجع البحار 45:42 ـ 43 ، ونفس المهموم : 308 .
(5) مقاتل الطالبيين : 76 ، مع اختلاف يسير .
(307)

 

        وعلى الرواية السابقة : لما ضربه الناس بأسيافهم ، اعتنق فرسه فاحتمله الفرس الى عسكر الاعداء فقطعوه بسيوفهم اربا اربا .

        وقال أبو الفرج : وجعل يكر كرة بعد كرة حتى رمى بسهم فوقع في حلقه فخرقه وأقبل ينقلب في دمه ، ثم نادى : يا ابتاه عليك منّي السلام ، هذا جدّي رسول اللّه‏ يقرؤك السلام ويقول عجل القدوم الينا

(1) .

        وفي رواية أخرى انّه قال : يا ابتاه هذا جدي رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله قد أسقاني بكأسه الاوفى شربة لا أظمأ بعدها ابدا وهو يقول : العجل العجل فان لك كأسا مذخورة حتى تشربها الساعة .

        فجاء الحسين عليه‏السلام اليه ، وعلى رواية سيد بن طاووس : فجاء حتى وقف عليه فوضع خده على خده وقال : قتل اللّه‏ قوما قتلوك ما أجرأهم على اللّه‏ وعلى انتهاك حرمة الرسول ، على الدنيا بعدك العفا

(2) .

        وقال المفيد رحمه‏الله : وخرجت زينب أخت الحسين عليه‏السلام مسرعة تنادي يا اخياه وإبن أخياه ، وجاءت حتى اكبت عليه ، فأخذ الحسين عليه‏السلام برأسها فردها الى الفسطاط وأمر فتيانه فقال : احملوا أخاكم ، فحملوه حتى وضعوه بين يدي الفسطاط الذي كانوا يقاتلون امامه(3) .

        يقول المؤلف : قد وقع اختلافان بين الاصحاب في باب عليّ الاكبر عليه‏السلام أحدهما زمان شهادته ، فقال الشيخ المفيد ، والسيد بن طاووس ، وإبن أثير ، وأبو الفرج وغيره : انّه اول شهيد من أهل البيت عليهم‏السلام ، ويؤيد كلامهم ما جاء في زيارة الشهداء المعروفة :

        « السلام عليك يا أوّل قتيل من نسل خير سليل » .

        ولكن قال بعض ارباب المقاتل انّ أوّل شهيد من أهل البيت عليهم‏السلام هو عبد اللّه‏ بن مسلم ، وذكروا شهادة علي الاكبر عليه‏السلام في آخر الشهداء من أهل البيت .

        الخلاف الثاني في عمره الشريف؛ هل كان عمره حين استشهاده ثماني عشرة سنة ؟ أو تسع عشرة سنة ؟ أو خمسا وعشرين سنة ؟ وهل كان أكبر من سيد الساجدين زين العابدين عليه‏السلام أو أصغر منه ؟

        وقع اختلاف كبير بين فحول العلماء في هذا الباب ، وقد أشرت الى هذا الخلاف وذكرت مختاري في كتاب آخر ، وعلى أي حال قد صرف عمره الشريف بالزهد والعبادة واطعام المساكين واكرام الوافدين ، وقد بلغ مبلغا عظيما في الاخلاق

 
(1) مقاتل الطالبيين : 77 .
(2) اللهوف : 114 .
(3) الارشاد : 239 .
(308)

 

والاكرام حتى مدحوه وقالوا فيه :

 

 لم تر عين نظرت مثله  من محتف يمشي ولا ناعل

        وفي زيارته عليه‏السلام : « السلام عليك ايها الصديق والشهيد المكرّم والسيد المقدّم الذي عاش سعيدا ومات شهيدا وذهب فقيدا ، فلم تتمتّع من الدنيا الاّ بالعمل الصالح ، ولم تتشاغل الا بالمتجر الرّابح » .

        وكيف لا يكون كذلك من كان أشبه الناس برسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ومن أخذ الآداب من سيّدي شباب أهل الجنة كما نقرأه في الزيارة المعتبرة المروية في حقّه : « السلام عليك يا بن الحسن والحسين » .

        ويبقى هنا سؤال وهو هل كانت امّه حاضرة في كربلاء أو لا ؟ الظاهر عدم حضورها هناك ، ولم أجد في الكتب المعتبرة شيئا ، وأما ما اشتهر من انّ الحسين عليه‏السلام جاء الى ام علي الاكبر بعد ذهابه الى الميدان ، وقال لها قومي وادعي لولدك فانّي سمعت جدّي رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله يقول : انّ دعاء الام مستجاب في حق ولدها ، فانّه كذب محض من اوله الى آخره كما قاله شيخنا (النوري) .

« مقتل عبد اللّه‏ بن مسلم بن عقيل رضى‏الله‏عنه »

        قال محمد بن ابي طالب : اول من برز من أهل بيت الحسين عليه‏السلام عبد اللّه‏ بن مسلم بن عقيل وهو يرتجز ويقول :

 

 اليوم القى مسلما وهو أبي  وفتية بادوا على دين النبي  ليسوا بقوم عرفوا بالكذب  لكن خيارٌ وكرامُ النسب

من هاشم السادات أهل النسبِ

        فقاتل حتى قتل ثمانية وتسعين رجلاً في ثلاث حملات ، ثم قتله عمرو بن صبيح الصيداوي

(1) .

        وقال أبو الفرج : أمّه رقيّة بنت علي بن ابيطالب عليه‏السلام (2) .

        وروى الشيخ المفيد والطبري انّه : رمى رجل من أصحاب عمر بن سعد يقال له عمرو بن صبيح عبد اللّه‏ بن مسلم بن عقيل بسهم ، فوضع عبد اللّه‏ يده على جبهته يتّقيه فأصاب السهم كفّه ونفذ الى جبهته فسمّرها به فلم يستطع تحريكها ، ثم انتحى عليه آخر برمحه فطعنه في قلبه فقتله(3) .

        قال إبن الاثير في الكامل : وبعث المختار الى زيد بن رقاد الحبّاني ، كان يقول :

 

(1) البحار 45:32 ، نقلاً عن مقتل محمد بن ابي طالب .
(2) مقاتل الطالبيين : 62 .
(3) الارشاد : 239 ، تاريخ الطبري 4:341 .
(309)

 

لقد رميت فتى منهم بسهم وكفه على جبهته ، وكان ذلك الفتى عبد اللّه‏ بن مسلم بن عقيل ، وانّه قال حين رميته : اللهم انهم استقلّونا واستذلّونا فاقتلهم كما قتلونا ، ثم انّه رمى الغلام بسهم آخر وكان يقول : جئته وهو ميت فنزعت سهمي الذي قتلته به من جوفه ، ولم أزل انضنضه عن جبهته حتى أخذته وبقي النصل .

        فلما أتاه أصحاب المختار خرج اليهم بالسيف ، فقال لهم اميرهم إبن كامل : لا تطعنوه ولا تضربوه بالسيف ولكن ارموه بالنبل والحجارة ، ففعلوا ذلك به فسقط فأحرقوه حيا (لعنه اللّه‏ وأخزاه)

(1) .

        وقال بعض المؤرخين : هجم آل ابي طالب على القوم بعد مقتل عبد اللّه‏ بن مسلم ، فلما رأى الحسين عليه‏السلام ذلك صاح بهم : « صبرا على الموت يا بني عمومتي » .

        فقتل محمد بن مسلم في تلك الحملة رضى‏الله‏عنه ، وكان قاتله أبا مرهم الا ءزدي ولقيط بن أياس الجهني

(2) .

« مقتل محمد بن عبد اللّه‏ بن جعفر رضى‏الله‏عنه »

        وخرج محمد بن عبد اللّه‏ بن جعفر رضى‏الله‏عنه وهو يقول :

 

 نشكوا الى اللّه‏ من العدوان  فعال قوم في الرّدى عُميانِ  قد بدّلوا معالمَ القرآنِ  ومُحكمِ التنزيلِ والتبيانِ

وأظهروا الكفرَ معَ الطغيانِ

(3)

        فقتل عشرة رجال حتى قتله عامر بن نهشل التميمي .

        قال أبو الفرج : وأمه الخوصا بنت حفصة من بكر إبن وائل ، وأياه عنى سليمان بن قِنّه بقوله :

 

 وسَمّىِ النبيِّ غودرَ فيهم  قد علوه بصارمِ مصقولِ  فاذا ما بكيت عيني فجودي  بدموع تسيلُ كلّ مسيلِ(4)

« مقتل عون بن عبد اللّه‏ بن جعفر رضى‏الله‏عنه »

        قال الطبري : فاعتورهم الناس من كل جانب ، فحمل عبد اللّه‏ بن قُطنَة الطائي ثم النّبهاني على عون بن عبد اللّه‏ بن جعفر بن ابيطالب (رضي اللّه‏ عنهم) فقتله

(5)

 

 

(1) الكامل في التاريخ 4:243 .
(2) البحار 45:32 .
(3) البحار 45:34 .
 (4) مقاتل الطالبيين : 60 .
(5) تاريخ الطبري 4:341 .
(310)

 

        وفي مناقب إبن شهر آشوب انّ عون لما برز ارتجز فقال :

 

 ان تنكروني فانا إبنُ جعفرٍ  شهيد صدق في الجنان أزهرِ  يطير فيها بجناحٍ أخضرِ  كفى بهذا شرفا في المحشر

        فقتل ثلاثة فوارس وثمانية عشر راجلاً ، وقتله عبد اللّه‏ بن قطنة الطائي

(1)

        قال أبو الفرج : وامه زينب العقيلة بنت علي بن ابيطالب وامها فاطمة بنت رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله وايّاه عنى سليمان بن قتّة بقوله :

 

 واندبي ان بكيت عونا أخاه  ليس فيما ينوبُهُم بخذولِ  فلمعرى لقد أصيب ذو القر  بى فبكى على المصاب الطويل(2)         وفي الزيارة التي زار بها المرتضى علم الهدى رحمه‏الله :

        « السلام عليك يا عون بن عبد اللّه‏ بن جعفر بن ابيطالب ، السلام عليك يا بن الناشيء في حجر رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ، والمقتدى بأخلاق رسول اللّه‏ ، والذابّ عن حريم رسول اللّه‏ صبيّا ، والذائدِ عن حرم رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله مباشرا للحتوف مجاهدا بالسيوف قبل ان يقوي جسمه ويشتدّ عظمُهُ ويبلغ أشدّه (الى أن قال) فتقرّبتَ والمنايا دانية ، وزَحَفْتَ والنفس مطمئنّة طيّبة تلقى بوجهك بوادر السهام ، وتباشرُ بمهجتكَ حدّ الحسام ، حتى وفدتَ الى اللّه‏ تعالى بأحسن عمل ... الخ »

(3) .

« ومنهم عبد الرحمن بن عقيل رضى‏الله‏عنه »

        فخرج مرتجزا :

 

 أبي عقيلٌ فاعرفوا مكاني  من هاشم وهاشمٌ اخواني  كهولُ صدقٍ سادةُ الاقران  هذا حسين شامخ البنيانِ

وسيّد الشيبِ مع الشبّانِ

(4)

        فقتل سبعة عشر فارسا ، وقتله عثمان بن خالد الجهني .

        قال الطبري : أخذ المختار رجلين في دم عبد الرحمن بن عقيل وفي سلبه ، فضرب عنقهما ثم أحرقهما بالنار

(5) .

« ومنهم جعفر بن عقيل رحمه‏الله »

 

(1) المناقب 4:106 .

 (2) مقاتل الطالبيين : 60 .

(3) البحار 110:233 .

(4) البحار 45:33 .

(5) مقاتل الطالبيين : 60 .

(311)

 

        فخرج مرتجزا :

 

 انا الغلام الأبطحي الطالبي  من معشرٍ في هاشم من غالبِ  ونحن حقا سادةُ الذوائبِ  هذا حسين أطيب الأطايبِ

        فقتل رجلين وقيل خمسة عشر فارسا ، وقتله بشر بن سوط الهمداني لعنه اللّه‏

(1) .

« ومنهم عبد اللّه‏ الاكبر بن عقيل رضى‏الله‏عنه »

        الذي قتله عثمان بن خالد ورجل من همدان .

« ومنهم محمد بن مسلم بن عقيل رضى‏الله‏عنه »

        الذي قتله أبو مرهم الأزدي ولقيط بن أياس الجُهَني .

« ومنهم محمد بن ابي سعيد بن عقيل رحمه‏الله »

        ضربه لقيط بن ياسر الجهني بسهم فقتله

(2) .

        يقول المؤلف : قد ذكرنا خبر استشهاد عبد اللّه‏ بن مسلم بن عقيل بعد مقتل علي الاكبر عليه‏السلام ، فيكون جملة المستشهدين من آل عقيل في نصرة الحسين عليه‏السلام سبعة بانضمام مسلم اليهم ، وقد ذكر سليمان بن قَتَّة سبعة ايضا ، كما قال في رثائه للحسين عليه‏السلام :

 

 عين جودي بعبرة وعويل  فاندبي ان بكيت آل الرسول  ستة كلهم لصلب علي  قد اصيبوا وسبعة لعقيل

« مقتل القاسم بن الحسن بن علي بن ابيطالب عليهم‏السلام »

        وخرج القاسم بن الحسن عليه‏السلام فلما نظر الحسين عليه‏السلام اليه قد برز اعتنقه وجعلا يبكيان حتى غشي عليهما ، ثم استأذن الحسين عليه‏السلام في المبارزة فأبى عليه‏السلام أن يأذن له ، فلم يزل الغلام يقبل يديه ورجليه حتى أذن له ، فخرج ودموعه تسيل على خديه وهو يقول :

 

 ان تنكروني فانا ابن الحسن  سبط النبيّ المصطفى المؤتمن  هذا حسين كالاسير المرتهن  بين أناس لاسُقُوا صَوبَ المزن

        فقاتل قتالاً شديدا حتى قتل على صغره خمسة وثلاثين رجلاً .

        قال حميد بن مسلم : خرج الينا غلام كأنّ وجهه شقّة قمر ، وفي يده السيف

 
(1) البحار 45:32 .
(2) الارشاد : 239 ، مثله .
(312)

 

وعليه قميص وازار ونعلان ، قد انقطع شسع احداهما ما أنسى انها اليسرى ، فقال لي عمرو بن سعد بن نفيل الازدي (لعنه اللّه‏) : واللّه‏ لأشدّن عليه ، فقلت له : سبحان اللّه‏ وما تريد الى ذلك ؟ يكفيك قتله هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه من كل جانب .

        قال : واللّه‏ لأشدّن عليه ، فشدّ عليه فما ولى وجهه حتى ضرب رأسه بالسيف فوقع الغلام لوجهه ، فقال : يا عماه ، قال : فجلى الحسين عليه‏السلام كما يجلي الصقر ، ثم شدّ شدّة ليث أغضب ، وضرب عمروا بالسيف فاتقاه بالساعد . فأطنها من لدن المرفق ، فصاح صيحة سمعها أهل العسكر .

        ثم تنحى عنه الحسين عليه‏السلام وحملت خيل أهل الكوفة ليستنقذوا عمروا من الحسين عليه‏السلام ، فلما حملت الخيل استقبلته بصدورها وجالت فتوطأته حتى مات (لعنه اللّه‏ وأخزاه) وانجلت الغبرة فاذا انا بالحسين عليه‏السلام وهو جالس عند الغلام ورجلاه تفحصان في الارض يقول :

        « بعدا لقوم قتلوك ، ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدّك ، ثم قال : عزّ واللّه‏ على عمك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك فلا ينفعك ، هذا يوم كثر واللّه‏ واتره وقل ناصره » .

        ثم حمله على صدره ، فكأنّي أنظر الى رجلي الغلام تخطان في الارض وقد وضع الحسين عليه‏السلام صدره على صدره ، قال : فقلت في نفسي : ما يصنع به ؟ فجاء به حتى ألقاه مع ابنه علي بن الحسين وقتلى قد قُتلت حوله من أهل بيته ، فسألت عن الغلام فقيل : هو القاسم بن الحسن بن عليّ بن ابيطالب عليهم‏السلام

(1) .

        وروى أنّ الحسين عليه‏السلام قال : اللهم أحصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تغادر منهم أحدا ، ولا تغفر لهم أبدا ، صبرا يا بني عمومتي(2) صبرا يا أهل بيتي لا رأيتم هوانا بعد ذلك اليوم أبدا(3) .

        ولا يخفى عليكم عدم صحة قصة عرس القاسم عليه‏السلام ، وانه تزوج فاطمة بنت الحسين عليه‏السلام في كربلاء ، لعدم وجودها في الكتب المعتبرة ، مضافا الى انّ الحسين عليه‏السلام كان له بنتان كما في الكتب المعتبرة أحداهما سكينة التي زوجها الحسين من عبد اللّه‏ فاستشهد قبل الزفاف ـ كما قاله الشيخ الطبرسي ـ والاخرى فاطمة زوجة الحسن المثنى الذي حضر كربلاء ولو قيل استنادا الى الاخبار غير المعتبرة : انّ للحسين فاطمة أخرى ، قلنا : انها فاطمة الصغرى التي بقيت في المدينة ولا يمكن تزويجها بالقاسم ، واللّه‏ تعالى العالم .

        وقال الشيخ الاجل المحدث المتتبع الماهر ، ثقة الاسلام الحاج ميرزا حسين

 
(1) عن تاريخ الطبري 4:341 .
(2) انّ بني عمومته هم اولاد عقيل ومسلم واولاد جعفر وعبد اللّه‏ بن جعفر . (منه رحمه‏الله )
(3) البحار 45:36 .
(313)

 

النوري نور اللّه‏ مرقده ، في كتابه اللؤلؤ والمرجان : لم يوجد في تمام الكتب المعتبرة المعتمدة السالفة المؤلفة في فن الحديث والسير والانساب ، انّ للحسين عليه‏السلام بنتا في سن الزواج من دون أن يكون لها بعل حتى يمكن التمسك بهذه القصة من حيث امكانها مع قطع النظر عن صحتها وسقمها .

        وأما قصة زبيدة وشهر بانو والقاسم الثاني في أرض الري وأطرافها التي تتداول على ألسنة العوام من الناس ، فانها من التخيلات الواهية التي لا أساس لها ، ولابد أن تكتب خلف كتاب رموز حمزة وسائر الكتب المجعولة ، وقد كثرت الشواهد على كذبها ، وقد اتّفق كلّ علماء الانساب على انّ القاسم بن الحسن عليه‏السلام لم يعقّب ، انتهى كلامه رفع مقامه

(1) .

« مقتل عبد اللّه‏ بن الحسن عليه‏السلام »

        قال بعض أرباب المقاتل انّه : خرج عبد اللّه‏ بن الحسن بعد مقتل القاسم عليه‏السلام وهو يقول :

 

 ان تنكروني فانا إبن حيدرة  ضرغام آجام وليث قَسوَرة  على الاعادي مثلَ ريح صَرصَرة  أكيلُكم بالسيف كيلَ السّندرة

        فقتل أربعة عشر رجلاً ، وقتله هاني بن ثبيت الحضرمي ، فاسود وجهه

(2) .

        قال أبو الفرج : وكان أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليه‏السلام يذكر انّ حرملة بن كاهل الاسدي قتله(3) .

        يقول المؤلف : سنذكر خبر مقتل عبد اللّه‏ في ضمن مقتل الحسين عليه‏السلام انشاء اللّه‏ تعالى .

        وقتل أبو بكر بن الحسن عليه‏السلام ، وأمّه ام ولد وكان أخو القاسم من أبيه وأمّه ، على يد عبد اللّه‏ بن عُقبة الغنويّ ، وقيل انّ ام القاسم اسمها رَملَة .

        وفي رواية عن الباقر عليه‏السلام : انّ عقبة الغنوي هو الذي قتله ، وايّاه عنى سليمان بن قَتّة بقوله :

 

 وعند غنّيٍ قطرة من دمائنا  وفي أسد أخرى تُعدُّ وتُذكرُ

        يقول المؤلف : رأيت في بعض المشجرات في الانساب انّ ابا بكر بن الحسن بن عليّ بن ابي طالب عليه‏السلام استشهد بالطف ولم يعقّب ، وقد زوّجه الحسين عليه‏السلام ببنته سكينة ودمه في بني غني .

 
(1) اللؤ والمرجان : 194 .
(2) البحار 45:36 .
(3) مقاتل الطالبيين : 58 .
(314)

 

« ذكر مقتل اولاد أمير المؤمنين عليه‏السلام »

        فلما رأى العباس بن عليّ عليهماالسلام كثرة القتلى في أهل بيته ، قال لأخوته من أمّه وهم عبد اللّه‏ ، وجعفر ، وعثمان ، ابناء امير المؤمنين عليه‏السلام من ام البنين : تقدموا بنفسي انتم فحاموا عن سيدكم حتى تموتوا دونه .

        فتقدموا جميعا فصاروا امام الحسين عليه‏السلام يقونه بوجوههم ونحورهم ، فحمل هاني بن ثبيت الحضرميّ على عبد اللّه‏ بن عليّ عليه‏السلام فقتله ، ثم حمل على أخيه جعفر بن عليّ فقتله ايضا ، ورمى يزيد الاصبحي عثمان بن عليّ عليه‏السلام فقتله ، ثم خرج اليه فاحتز رأسه ، وبقي العباس بن عليّ امام الحسين عليهم‏السلام يقاتل دونه ويميل معه حيث مال حتى قتل سلام اللّه‏ عليه

(1) .

        يقول المؤلف : نقلت هذه الاسطر في مقتل اولاد امير المؤمنين عليه‏السلام عن كتاب أبي حنيفة الدينوري الذي كُتب قبل الف عام ، ولكن في المقاتل الاخر انّ عبد اللّه‏ بن عليّ تقدم وهو يرتجز ويقول :

 

 انا إبن ذي النجدة والافضال  ذاك عليُّ الخير ذو الفعالِ  سيف رسول اللّه‏ ذو النّكال  في كل يومٍ ظاهر الاهوال

        فقاتل قتالاً شديدا ، فاختلف هو وهاني بن ثبيت الحضرمي في ضربتين فقتله هاني

(2) .

        وقال أبو الفرج : انه كان يومئذ إبن خمس وعشرون سنة(3) .

        ثم تقدم بعده جعفر بن عليّ عليه‏السلام قائلاً :

 

 انّي انا جعفر ذو المعالي  إبن علي الخير ذو النوال  حسبي بعمي جعفر والخال  أحمي حسينا ذي الندى المفضال

        فشدّ عليه هاني بن ثبيت فقتله ، وقال إبن شهر آشوب : رماه خولي الاصبحي (بسهم) فأصاب شقيقته أو عينه

(4) .

        وروى أبو الفرج عن الباقر عليه‏السلام انّه قال : انّ خولي بن يزيد الاصبحي لعنه اللّه‏ قتل جعفر بن عليّ(5) .

        ثم برز عثمان بن عليّ عليه‏السلام قائلاً :

 

(1) الاخبار الطوال : 257 .
(2) البحار 45:38 ، المناقب 4:107 ، مثله .
(3) مقاتل الطالبيين : 54 .
(4) المناقب 4:107 .
(5) مقاتل الطالبيين : 54 .
(315)

 

 

 انّي انا عثمان ذو المفاخر  شيخي عليّ ذو الفعال الطاهر  هذا حسين سيّد الاخاير  وسيّد الصّغار والاكابر(1)         فقاتل حتى ضربه خولي الاصبحي بسهم على جنبه فسقط على فرسه ، وشدّ عليه رجل من بني أبان بن دارم فقتله وجاء برأسه ، وكان آنذاك إبن احدى وعشرين سنة سماه عليّ عليه‏السلام بعثمان باسم صاحبه عثمان بن مظعون .

« مقتل ابي بكر بن عليّ عليه‏السلام »

        قال البعض : انّه محمد الاصغر أو عبد اللّه‏ ولم يعرف اسمه ، وأمه ليلى بنت مسعود بن خالد ، وفي المناقب انّه :

        ثم برز أبو بكر بن عليّ عليه‏السلام قائلاً :

 

 شيخي عليّ ذو الفقار الاطول  من هاشم الخير كريم المفضل  هذا حسين بن النبي المرسل  عنه نحامي بالحسام المصقل

تفديه نفسي من أخ مبجّل

        فلم يزل يقاتل حتى قتله زحر بن بدر الحجفي ويقال عقبة الغنوي

(2) ، وقال المدائني : وجدت جثته في ساقية ، ولم يعلم قاتله .

        قال السيد بن طاووس : انّ الحسن بن الحسن المثنى قتل بين يدي عمه الحسين عليه‏السلام في ذلك اليوم سبعة عشر نفسا وأصابه ثمانية عشر جراحة ، فوقع فأخذه خاله اسماء بن خارجة فحمله الى الكوفة وداواه حتى برء وحمله الى المدينة

(3) .

« مقتل طفلين من آل الامام الحسين عليه‏السلام »

        قال ارباب المقاتل انّه : خرج طفل من خيام الحسين عليه‏السلام مدهوشا في أذنه قرطان ، ينظر تارة الى اليمين وتارة الى الشمال فزعا وخوفا ، فشدّ عليه لعين قسيّ القلب يسمى هاني إبن ثبيت فقتله ، وقيل كانت شهربانو تنظر الى مقتل ذلك الطفل وهي مدهوشة لم تقدر على الكلام ، ولا يخفى انّ هذه غير شهربانو والدة الامام زين العابدين عليه‏السلام فانها توفيت في ايام ولادته عليه‏السلام .

        وذكر أبو جعفر الطبري مقتل هذا الطفل بنحو مبسط ، فانّه روى عن هشام الكلبي قال : حدّثني أبو هذيل رجل من السكون عن هاني بن ثبيت الحضرميّ قال : رأيته جالسا في مجلس الحضرميين في زمان خالد بن عبد اللّه‏ وهو شيخ كبير ، قال :

 
 (1) المناقب 4:107 ، البحار 45:37 ، مثله .
(2) المناقب 4:107 .
(3) اللهوف : 145 .
(316)

 

فسمعته وهو يقول : كنت ممن شهد قتل الحسين عليه‏السلام قال : فو اللّه‏ انّي لواقف عاشر عشرة ليس منّا رجل الاّ على فرس ، وقد جالت الخيل وتصعصعت اذ خرج غلام من آل الحسين عليه‏السلام وهو ممسك بعود من تلك الابنية عليه ازار وقميص ، وهو مذعور يلتفت يمينا وشمالاً ، فكأنّي انظر الى درّتين في أذنيه تذبذبان كلما التفت اذ اقبل رجل يركض حتى اذا دنى منه مال عن فرسه ثم اقتصد الغلام بالسيف ، قال هشام : قال السكوني : هاني بن ثبيت هو صاحب الغلام فلما عُتِبَ عليه كنى عن نفسه(1) .

« مقتل ابي الفضل العباس عليه‏السلام »

        وهو اكبر أولاد ام البنين ، والرابع من ابناء امير المؤمنين عليه‏السلام ، وكنيته أبو الفضل وملقب بالساقي

(2) ، وهو صاحب لواء الحسين عليه‏السلام ، وقيل له قمر بني هاشم لجماله وحسن طلعته الشريفة ، وكان جسيما طويلاً بحيث لو ركب الفرس المطهم خطت رجلاه على الارض ، وله ثلاثة اخوة من امه وابيه ولم يكن لهم اولاد .

        فأرسلهم أبو الفضل عليه‏السلام واحدا بعد واحد للقتال ، كي يشاهد مقتلهم ويثاب بأجر مصابهم ، فلما قتلوا جاء الى اخيه الحسين عليه‏السلام ـ كما قال بعض ارباب المقاتل ـ فقال له :

        يا أخي هل من رخصة ؟ فبكى الحسين عليه‏السلام بكاءا شديدا ثم قال : يا أخي انت صاحب لوائي واذا مضيت تفرق عسكري ، فقال العباس : قد ضاق صدري وسئمت من الحياة ، وأريد أن أطلب ثاري من هؤلاء المنافقين .

        فقال الحسين عليه‏السلام : فاطلب لهؤلاء الاطفال قليلاً من الماء ، فذهب العباس عليه‏السلام ووعظهم وحذرهم فلم ينفعهم ، فرجع الى أخيه فأخبره ، فسمع الاطفال ينادون :

        العطش العطش ، فركب فرسه وأخذ رمحه والقربة وقصد نحو الفرات ، فأحاط به أربعة الاف ممن كانوا موكلين بالفرات ورموه بالنبال ، فكشفهم وقتل منهم على ما روى ثمانين رجلاً

(3) وهو يقول :

 

 لا أرهب الموت اذ الموت زقا  حتى أوارى في المصاليت لقا

 

(1) تاريخ الطبري 4:343 .
(2) قال ابراهيم بن محمد البيهقي ـ احد اعلام القرن الثالث ـ في كتاب المحاسن والمساوي عند ذكر نزول الحسين عليه‏السلام واصحابه بكربلاء ما لفظه : فنزلوا وبينهم وبين الماء يسير ، قال : فأراد الحسين عليه‏السلام واصحابه الماء فحالوا بينهم وبينه فقال له شمر بن ذي الجوشن : لا تشربون أبدا حتى تذوقوا الحميم فقال العباس بن عليّ عليه‏السلام للحسين : ألسنا على الحق ؟ قال : نعم ، فحمل عليهم فكشفهم عن الماء حتى شربوا واستقوا .
(منه رحمه‏الله )
(3) البحار 45:41 .
(317)

 

 

 نفسي لنفس المصطفى الطهر وقا  انّي انا العباس اغدوا بالسقا

ولا أخاف الشرّ يوم الملتقى

        فقاتل حتى دخل الماء ، فلما أراد أن يشرب غرفة من الماء ذكر عطش الحسين وأهل بيته ، فرمى الماء وملأ القربة وحملها على كتفه الايمن وتوجه نحو الخيمة ، فقطعوا عليه الطريق وأحاطوا به من كل جانب وهو يقاتل كالليث الغضبان ، فكمن له نوفل بن الازرق أو زيد بن ورقاء على رواية وراء نخلة وأعانه وشجّعه حكيم بن الطفيل ، فلما وصل العباس اليه خرج من وراء النخلة وضربه على يمينه فقطعها ، فحمل القربة على كتفه الايسر وأخذ السيف بيده اليسرى وقاتل وهو يرتجز :

 

 واللّه‏ ان قطعتم يميني  انّي أحامي أبدا عن ديني  وعن امام صادق اليقين  نجل النبي الطاهر الامين

        فقاتل حتى غلبه الضعف ، فهجم عليه نوفل اللعين مرة اخرى ، وعلى رواية كمن له حكيم بن الطفيل وراء نخلة فضربه على شماله فقطعها ، فقال العباس عليه‏السلام :

 

 يا نفس لا تخشي من الكفار  وابشري برحمة الجبار  مع النبي السيد المختار  قد قطعوا ببغيهم يساري

فأصلهم يا ربّ حرّ النار

(1)

        فحمل القربة بأسنانه ، وكان همّه ايصال الماء الى الخيام ، فجاء سهم فأصاب القربة وأريق ماؤها ، ثم جاءه سهم آخر فأصاب صدره فسقط عن فرسه(2) .

 

 عموه بالنبل والسمر العواسل وال  بيض الفواصل من فرق الى قدم  فخر للأرض مقطوع اليدين له  من كل مجد يمين غير منجذم

        ونادى أخاه الحسين عليه‏السلام : أخي أدركني .

        وعلى رواية المناقب انّه : ضربه ملعون بعمود من حديد على رأسه فقتله عليه‏السلام ، فلما جاء اليه الحسين عليه‏السلام رأى العباس مرملاً بالدماء مقطّع الاعضاء ، فبكى وقال : الان انكسر ظهري وقلت حيلتي ، وعلى رواية انشأ هذه الابيات :

 

 تعديتم يا شر قوم ببغيكم  وخالفتموا دين النبي محمدٍ  اما كان خير الرسل وصاكم بنا  اما نحن من نسل النبي المسددٍ  اما كانت الزهراء امّي دونكم  اما كان من خير البرية أحمدُ  لُعِنتم وأُخزيتم بما قد جنيتُم  فسوف تلاقوا حرّ نار توقدُ(3)         وفي رواية عن السجاد عليه‏السلام انّه قال : رحم اللّه‏ العباس فلقد آثر وأبلى ، و فدى

 

(1) المناقب 4:108 .
(2) البحار 45:42 .
 (3) المناقب 4:108 .
(318)

 

أخاه بنفسه حتى قطعت يداه ، فأبدله اللّه‏ عزوجل بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن ابي طالب عليه‏السلام ، وانّ للعباس عند اللّه‏ تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة(1) .

        وقيل : انّ العباس عليه‏السلام قتل وهو إبن أربعٍ وثلاثين سنة ، وكانت امه ام البنين تأتي وتبكي عليه وعلى أخوته الثلاثة وتندبهم ، بحيث يبكي من صوتها كل من سمعها ، ومرّ بها حتى مروان بن الحكم مع شدّة عداوته لأم البنين كان اذا مرّ بها بكى لبكائها ، وهذه الاشعار نقلت عنها (رضي اللّه‏ عنها) :

 

 يا من رأى العباس كرّ على جماهير النقد  ووراه من ابناء حيدر كلّ ليث ذي لبد  انبئت انّ ابني أصيب برأسه مقطوع يد  ويلي على شبلي امال برأسه ضرب العمد

لو كان سيفك في يديك لما دنا منه أحد

        ولها ايضا :

 

 لا تدعوني ويك ام البنين  تذكريني بليوث العرين  كانت بنون لي ادعى بهم  واليوم أصبحت ولا من بنين  اربعة مثل نسور الربى  قد واصلوا الموت بقطع الوتين  تنازع الخرصان اشلاءهم  فكلهم أمسى صريعا طعين  يا ليت شعري اكما أخبروا  بانّ عباسا قطيع اليمين

« في قتال الحسين المظلوم عليه‏السلام واستشهاده ومصرعه »

        روي في بعض المقاتل انّ الحسين عليه‏السلام لما نظر الى اثنين وسبعين رجلاً من أهل بيته واصحابه صرعى عزم على جهاد القوم والشهادة ، فالتفت الى الخيام ونادى : يا سكينة يا فاطمة يا زينب يا ام كلثوم ، عليكنّ منّي السلام .

 

 فقُمن وأرسلنَ الدموع تلهُّفا  وأسكنَّ منه الذيل منتحبات  الى أين يا بن المصطفى كوكب الدُّجى  ويا كهف أهل البيت في الأزمات  فيا ليتنا متنا ولم نر ما نرى  ويا ليتنا لم نمتحن بحياة  فمن لليتامى اذ تهدَّم ركنهم  ومن للعذارى عند فقد ولاة

        فنادته سكينة : يا أبة استسلمت للموت ؟ فقال : كيف لا يستسلم للموت من لا ناصر به ولا معين ، فقالت : يا أبة ردّنا الى حرم جدّنا ، فقال : هيهات لو ترك القطا لنام ، فصرخن النساء فأسكتهنّ الحسين عليه‏السلام

(2) ، وقيل انّه توجّه الى ام كلثوم وقال لها :

 
(1) الخصال 1:68 .
(2) المنتخب للطريحي : 440 .
(319)

 

« أوصيك يا أخية بنفسك خيرا وانّي بارز الى هؤلاء القوم »(1) .

        يقول المؤلف : من المعلوم انّ جميع مصائب سيد الشهداء عليه‏السلام تحرق القلب وتسكب الدمع ، لكن يمكن ان نقول أنّ مصيبة الوداع أحرق للقلب وأوجع من سائر المصائب سيّما تجمّع الاطفال والصبيان حوله يبكون وينحبون ، والشاهد على ما أقول ما روي انّ الحسين عليه‏السلام لما نزل بقصر بني مقاتل ، ورأى فسطاط عبيد اللّه‏ بن الحر أرسل اليه الحجاج بن مسروق ودعاه فلم يلبّ الدعوة ، فجاء الحسين عليه‏السلام بنفسه اليه ، وينقل عن عبيد اللّه‏ بن الحر انّه قال :

        دخل عليّ الحسين ولحيته سوداء كجناح الغراب ، فلم أر أحدا مثله قط في الحسن والهيبة ، ولم أتأثر كتأثري حينما رأيت اجتماع صبيانه وأطفاله حوله .

        والمؤيد الآخر هو الرؤيا التي رآها الميرزا يحيى الأبهري ، فانه رأى العلامة المجلسي في صحن سيد الشهداء عليه‏السلام في طاق الصفا جالسا يدرس ثم بدأ بالموعظة ، فلمّا اراد الشروع بالمصيبة جاء اليه رجل وقال له : الصديقة الطاهرة عليهاالسلام تقول : اذكر المصائب المشتملة على وداع ولدي الشهيد ، فبدأ العلامة بذكر مصيبة الوداع ، فاجتمع خلق عظيم وبكوا بكاءا شديدا لم ير مثله قط .

        يقول هذا الفقير : وورد في نفس هذه الرؤيا انّ الامام الحسين عليه‏السلام قال له : قولوا لأوليائنا وامنائنا ليهتموا في اقامة مصائبنا .

        على أي حال ، فقد روي عن الامام الباقر عليه‏السلام انّه قال : انّ الحسين عليه‏السلام لما حضره الذي حضره دعا ابنته الكبرى فاطمة بنت الحسين عليه‏السلام ، فدفع اليها كتابا ملفوفا ووصية ظاهرة ، وكان علي بن الحسين عليهماالسلام مبطونا (مريضا) معهم لا يرون الا انّه لما به ، فدفعت فاطمة الكتاب الى عليّ بن الحسين عليهماالسلام ثم صار ذلك الينا

(2) .

        وفي اثبات الوصية انّه : ثم احضر (الحسين عليه‏السلام ) علي بن الحسين عليهماالسلام وكان عليلاً ، فأوصى اليه بالاسم الاعظم ومواريث الانبياء عليهم‏السلام وعرفه أن قد دفع العلوم والصحف والمصاحف والسلاح الى ام سلمة (رضي اللّه‏ عنها) وأمرها ان تدفع جميع ذلك اليه(3) .

        وروى القطب الراوندي في كتاب الدعوات عن زين العابدين عليه‏السلام قال : ضمني والدي عليه‏السلام الى صدره يوم قتل والدماء تغلي وهو يقول :

        يا بني احفظ عنّي دعاء علمتنيه فاطمة عليهاالسلام وعلمها رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله وعلمه

 
(1) المنتخب للطريحي : 438 .
(2) البحار 46:17 .
(3) اثبات الوصية : 142 .
(320)

 

جبرئيل في الحاجة والمهم والغم والنازلة اذا نزلت والامر العظيم الفادح .

        قال : ادع بحق يس والقرآن الحكيم ، وبحق طه والقرآن العظيم ، يا من يقدر على حوائج السائلين ، يا من يعلم ما في الضمير ، يا منفسا عن المكروبين ، يا مفرجا عن المغمومين ، يا راحم الشيخ الكبير ، يا رازق الطفل الصغير ، يا من لا يحتاج الى التفسير ، صلى على محمد وآل محمد وافعل بي كذا وكذا

(1) .

        وروى في الكافي عن ابي جعفر الباقر عليه‏السلام انه قال : لما حضر عليّ بن الحسين عليه‏السلام الوفاة ضمّني الى صدره ثم قال : يا بنيّ أوصيك بما أوصاني به أبي عليه‏السلام حين حضرته الوفاة وبما ذكر انّ أباه أوصاه به : يا بنيّ ايّاك وظلم من لا يجد عليك ناصرا الاّ اللّه‏(2) .

        يقول الراوي : ثم التفت الحسين عليه‏السلام عن يمينه فلم ير أحدا من الرجال ، والتفت عن يساره فلم ير احدا ، فخرج عليّ بن الحسين عليه‏السلام وكان مريضا لا يقدر أن يحمل سيفه وأم كلثوم تنادي خلفه : يا بنيّ ارجع ، فقال : يا عمّتاه ذريني أقاتل بين يدي إبن رسول اللّه‏ ، فقال الحسين عليه‏السلام : يا ام كلثوم خذيه لئلا تبقى الارض خالية من نسل آل محمد عليهم‏السلام .

        ولم يترك الحسين عليه‏السلام النصيحة لهؤلاء القوم حبا لهداية الامة ولعل أحدا منهم يرجع عن ضلالته ، فنادى : هل من ذاب يذب عن حرم رسول اللّه‏ ؟ هل من موحّدٍ يخاف اللّه‏ فينا ؟ هل من مغيث يرجو اللّه‏ في إغاثتنا ؟ (هل من معين يرجو ما عند اللّه‏ في اعانتنا ؟) فارتفعت الاصوات بالعويل

(3) .

« مقتل الطفل الرضيع »

        وتقدم الحسين عليه‏السلام الى باب الخيمة وقال لزينب : ناوليني ولدي الصغير حتى أودعه ، فأخذه وأومأ اليه ليقبله ، فرماه حرملة بن كاهل الاسدي اللعين بسهم فوقع في نحره فذبحه .

        وأشار الشاعر الى هذه المصيبة بقوله :

 

 ومنعطف أهوى لتقبيل طفله  فقبل منه قبله السهم منحرا

        فقال عليه‏السلام لزينب : خذيه ، ثم تلقى الدم بكفيه فلما امتلأتا رمى به نحو السماء ثم

 
(1) الدعوات : 54 ، حديث رقم 137 ـ عنه في البحار 95:196 .
(2) الكافي 2:331 ، باب الظلم .
(3) البحار 45:46 ـ حكى عن كتاب حدائق الوردية انّه لما استشهد جميع اصحاب الحسين عليه‏السلام وانصاره نادى : الا ناصر فينصرنا ، فارتفعت أصوات النساء والاطفال بالعويل فلما سمع سعد بن الحرث الانصاري العجلاني واخوه أبو الحتوف ذلك مالا الى الحسين عليه‏السلام فقاتلا حتى قتلا .
(321)

 

قال : هوّن عليّ ما نزل بي انّه بعين اللّه‏ .

        وروى سبط إبن الجوزي في التذكرة عن هشام بن محمد الكلبي انّه : لما رآهم الحسين عليه‏السلام مصرّين على قتله أخذ المصحف ونشره وجعله على رأسه ونادى :

        بيني وبينكم كتاب اللّه‏ وجدّي محمد رسول اللّه‏ ، يا قوم بم تستحلون دمي ألست إبن بنت نبيكم ؟ ألم يبلغكم قول جدي فيّ وفي أخي : (هذان سيدا شباب أهل الجنة) ان لم تصدقوني فاسألوا جابرا وزيد بن أرقم ... فكان يتحاجج معهم ، فالتفت فاذا بطفل له يبكي عطشا ، فأخذه على يده وقال : يا قوم ان لم ترحموني فارحموا هذا الطفل .

        فرماه رجل منهم بسهم فذبحه ، فجعل الحسين عليه‏السلام يبكي ويقول : اللهم احكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا فقتلونا ، فنودي من الهواء : دعه يا حسين فانّ له مرضعا في الجنة

(1) .

        وفي الاحتجاج انّه : نزل عليه‏السلام عن فرسه وحفر للصبي بجفن سيفه ورمّله بدمه ودفنه(2) .

        وروى الطبري عن ابي جعفر عليه‏السلام انّه قال : وجاء سهم فأصاب ابنا له معه في حجره ، فجعل يمسح الدم عنه ويقول : اللهم احكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا فقتلونا ، ثم أمر بحبرة فشقّها ثم لبسها وخرج بسيفه فقاتل حتى قتل صلوات اللّه‏ عليه .

        على أي حال ، فلما فرغ من أمر الطفل ركب فرسه وتقدم الى قتال هؤلاء المنافقين قائلاً :

 

 كفر القوم وقدما رغبوا  عن ثواب اللّه‏ ربّ الثقلين  قتل القوم عليا وابنه  حسن الخير كريم الأبوين  حنقا منهم وقالوا أجمعوا  احشروا الناس الى حرب الحسين

... الابيات

        ثم وقف قبالة القوم وسيفه مصلت في يده آيسا من الحياة عازما على الموت وهو يقول :

 

 انا إبن عليّ الطهر من آل هاشم  كفاني بهذا مفخرا حين أفخرُ  وجدي رسول اللّه‏ أكرم من مشى  ونحن سراج اللّه‏ في الخلق يزهرُ  وفاطمة امّي من سلالة أحمد  وعمّي يُدعى ذا الجناحين جعفر  وفينا كتاب اللّه‏ أنزل صادقا  وفينا الهدى والوحي بالخير يذكر  ونحن أمان اللّه‏ للناس كلهم  نَسُرُّ بهذا في الانام ونجهر

 

(1) تذكرة الخواص : 252 .
(2) الاحتجاج 2:25 .
(322)

 

 

 ونحن ولاة الحوض نسقي ولاتنا  بكأس رسول اللّه‏ ما ليس ينكر  وشيعتنا في الناس أكرم شيعة  ومبغضنا يوم القيامة يخسر(1)         ثم انّه دعا الناس الى البراز ، فلم يزل يقتل كل من دنا منه حتى قتل منهم مقتلة عظيمة فلم يجرأ أحد بعد على مبارزته ، ثم حمل على الميمنة وهو يقول :

 

 الموت خير من ركوب العار  والعار أولى من دخول النار

        ثم حمل على الميسرة وهو يقول :

 

 انا الحسين بن عليّ  آليت أن لا أنثني  أحمي عيالات أبي  أمضي على دين النبي(2)         قال بعض الرواة : فو اللّه‏ ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشا منه عليه‏السلام ، وان كانت الرجال لتشدّ عليه فيشد عليها بسيفه فتنكشف عنه انكشاف المعزى اذا شدّ فيها الذئب ، ولقد كان يحمل فيهم وقد تكاملوا ثلاثين ألفا فينهزمون بين يديه كأنهم الجراد المنتشر ، ثم يرجع الى مركزه وهو يقول :

        « لا حول ولا قوة الا باللّه‏ العليّ العظيم »

(3) .

        يقول المؤلف : من الجدير بالذكر هنا ما قاله (جيمز كاركرن) من طائفة الهندوس في الهند في باب شجاعة الحسين عليه‏السلام فنقل شيخنا المرحوم في كتابه اللؤلؤ والمرجان عن هذا الرجل المذكور انّه قد ألّف كتابا في تاريخ الصين بلغة الاردو ـ التي تتداول في الهند الان ـ وقد طبع ، فذكر في الجزء الثاني منه ، ص 111؛ في باب الشجاعة ما ترجمته :

        « قد اشتهرت شجاعة رستم وبطولته في الافاق وفي جميع أقطار العالم ، لكن نرى في صفحات التاريخ رجالاً قد مضوا وهم في أسمى درجات الشجاعة والبطولة بحيث لا يقاس بهم رستم وأمثاله ، كما في الحسين بن عليّ عليه‏السلام الذي تقدم في الشجاعة على جميع الشجعان ، فمن يذكر اسم رستم في مقابل اسم الحسين عليه‏السلام ـ مع صموده وشجاعته وبطولته في تلك الصحراء العارية من الماء والغذاء وفي ذلك الحر الشديد ـ لا علم له بالتاريخ .

        أيّ قلم يتمكن أن يكتب أحوال الحسين عليه‏السلام ؟ وأي لسان يقدر على وصف ومدح اثنين وسبعين رجلاً صامدا امام ثلاثين الف رجل قاسٍ لا يدركون من العاطفة والرحمة شيئا ؟ وأي فكر رقيق يقدر أن يرسم ما في قلوب هؤلاء الليوث من زمن قدوم عمر بن سعد الى كربلاء في عشرة الاف رجلٍ الى أن حزّ الشمر الملعون رأس

 

 (1) البحار 45:47 .  
(2) البحار 45:49 .
(3) الارشاد : 241 ، باختلاف يسير .
(323)

 

الحسين عليه‏السلام ، وفي المثل المشهور ان علاج الواحد أن يصير اثنين (مثل هندي) ومعناه ان الانسان الواحد لا يمكنه عمل شيء الاّ بأن يساعده شخص آخر ، وغاية المبالغة أن يقال انّ الشخص الفلاني حاصره العدو من أربع جهات ، فكيف بالحسين وأصحابه وقد حوصروا بأعداء ثمانية ، ومع هذا بقوا صامدين ولم تهزّهم العواطف ، حوصروا بعشرة الاف جندي يزيدي من أربع جهات ، وقد اسودت السماء من رمي السهام والنبال عليهم ، حتى يخيل للناظر وقوع عاصفة عظيمة سوداء .

        والعدو الخامس هو شدّة حرارة شمس العرب التي لا يوجد مثلها في أي نقطة من هذا الفلك الدوار الاّ في أرضهم ، والعدو السادس هو الرمل الحار المحرق في أرض كربلاء ، بحيث يتصور الماشي عليه كأنّه يمشي على الرماد الحار أو على الجمر ، أو كأنّ الارض بحر موّاج يفور ويغلي من شدّة الحر وتحرق رماله اقدام بني فاطمة من شدّة حرارتها .

        وهناك عدوّان آخران أظلم وأقسى من سائر الاعداء ، وهما العطش والجوع بحيث ما انفكّا عنهم ولا للحظة يسيرة في ذلك الحر الشديد حتى تفطرت ألسنتهم من شدّة العطش . فمن وقفوا في هذه المعركة امام الألآف من الكفار والمنافقين هم حقيقية الشجاعة وقد ختمت بهم » .

        تم موضع الحاجة من هذا الكلام المتين الذي صدر عن هذا الهندي الوثني ، وكلامه هذا بمنزلة الدرّة الثمينة بين الحصى الكثير .

        نرجع بالكلام الى سياقه الاول :

        روى إبن شهر آشوب (في المناقب) وغيره انّه : لم يزل يقاتل حتى قتل الف وتسعمائة وخمسين رجل سوى المجروحين ، (فعلم إبن سعد لعنه اللّه‏ شدّة صولته عليه‏السلام وشجاعته وانّه لو استمر على القتال لم ينج منهم أحدا) فقال عمر بن سعد لقومه : الويل لكم أتدرون من تقاتلون ؟ هذا إبن الانزع البطين ، هذا إبن قتال العرب ، فاحملوا عليه من كل جانب . وكانت الرماة أربعة الاف فرموه بالسهام فحالوا بينه وبين رحله

(1) .

 

 أعياهم أن ينالوه مبارزة  فصوبوا الرأي لما صعَّدوا الفكرا  ان وجَّهوا نحوه في الحرب أربعةً  السيف والسهم والخطّى والحَجرا

        وحمل بعضهم على الخيام ، فصاح بهم الحسين عليه‏السلام : ويحكم يا شيعة آل ابي سفيان ان لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد ، فكونوا أحرارا في دنياكم وارجعوا الى أحسابكم ان كنتم أعرابا .

        فناداه شمر فقال : ما تقول يا بن فاطمة ؟ قال : أقول : أنا الذي أقاتلكم وتقاتلوني

 

(1) المناقب 4:110 .
(324)

 

والنساء ليس عليهنّ جناح ، فامنعوا عتاتكم عن التعرض لحرمي ما دمت حيّا ، فقال شمر : لك هذا ، ثم صاح شمر : اليكم عن حرم الرجل فاقصدوه في نفسه فلعمري هو كفو كريم .

        فحمل عليه القوم وهو يقاتلهم كاللّيث الغضبان ويبدّدهم تبديدا ، فكلّما هجم عليهم تفرقوا عنه كأنهم جراد منتشر ، وقد غلبه عليه‏السلام العطش وكانوا يعلمون انّه لو شرب الماء لزاد في قوته ونشاطه ولقتلهم عن آخرهم ، فكلّما كان يحمل بفرسه على الفرات حملوا عليه بأجمعهم حتى أجلوه عنه ، وكان الأعور السلمي وعمرو بن الحجاج الزبيدي في أربعة الاف رجل على الشريعة ، فصاحوا بالرجال : ويحكم لا تدَعوا الحسين ينفذ الى الشريعة ، ولكن الحسين عليه‏السلام هجم عليهم كالليث الغضبان ، ومزّق صفوفهم حتى وصل الى المشرعة وأقحم الفرس على الفرات ، فلما أولغ الفرس برأسه ليشرب قال : أنت عطشان وأنا عطشان واللّه‏ لا ذقت الماء حتى تشرب ، فلمّا سمع الفرس كلام الحسين عليه‏السلام شال برأسه ولم يشرب كأنّه فهم الكلام ، فقال الحسين عليه‏السلام : فأنا أشرب ، فمد الحسين عليه‏السلام يده فغرف من الماء ، فقال فارس : يا أبا عبد اللّه‏ تتلذذ بشرب الماء وقد هتكت حرمك ، فنفض الماء من يده وحمل على القوم ، فكشفهم فاذا الخيمة سالمة

(1) ، وقد خدعه القائل .

        فودع أهل بيته مرّة أخرى ، فاجتمعوا حوله بأكباد حرى وقلوب منكسرة ، ولا يمكن وصف ما جرى عليهم في تلك الساعة ، ولا يقدر على تحرير تلك الحالة محررٌ أو كاتب أبدا ، على أي حال ، فودّعهم وأمرهم بالصبر ووعدهم بالثواب والأجر ، وأمرهم بلبس أزرهم وقال لهم : استعدوا للبلاء واعلموا انّ اللّه‏ تعالى حافظكم وحاميكم ، وسينجيكم من شرّ الاعداء ، ويجعل عاقبة أمركم الى خير ، ويعذب أعاديكم بأنواع البلاء ، ويعوضكم اللّه‏ عن هذه البلية بأنواع النعم والكرامة ، فلا تشكّوا ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص من قدركم(2) .

        ثم جاء الى الميدان وهجم على الاعداء يقتلهم بالسيف ويبدد جموعهم فيتساقطون على الارض كأنّهم أوراق الشجر حينما يتساقط في الخريف ، فرموه بالسهام والنبال فتلقاها بصدره ونحره ووجهه احتسابا عند اللّه‏ حتى صار صدره الشريف كظهر القنفذ من كثرة السهام النابتة فيه ، وطبقا لرواية الامام الباقر عليه‏السلام انّه أصيب بثلاثمائة وبضعة وعشرين طعنة برمح وضربة بسيف أو رمية بسهم(3) ، وروى اكثر من هذا ايضا .

 

(1) البحار 45:51 .
(2) نفس المهموم : 355 .
(3) المناقب 4:110 .
(325)

 

        وكانت جميع تلك الجروح في مقدم بدنه ، ولم يصب بجرح خلفه لانّه كرار غير فرّار ، فوقف يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال ، فبينما هو واقف اذ أتاه حجر فوقع في جبهته الشريفة ، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن وجهه فأتاه سهم محدد مسموم له ثلاث شعب فوقع السهم في صدره، وفي بعض الروايات في قلبه ، فقال الحسين عليه‏السلام : « بسم اللّه‏ وباللّه‏ وعلى ملّة رسول اللّه‏ » .

        ورفع رأسه الى السماء وقال : الهي انت تعلم انّهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الارض إبن بنت نبي غيره ، ثم أخذ السهم فأخرجه من قفاه ، فانبعث الدم كالميزاب ، فوضع يده على الجرح فلما امتلأت رمى به الى السماء ، فما رجع من ذلك قطرة ، ثم وضع يده ثانيا فلما امتلأت لطّخ بها رأسه ولحيته وقال : هكذا أكون حتى ألقى جدّي رسول اللّه‏ وأنا مخضوب بدمي وأقول : يا رسول اللّه‏ قتلني فلان وفلان

(1) .

 

 تركت الخلق طرّا في هواكا  وايتمت العيال لكي أراكا  ولو قطعتني في الحبّ اربا  لما حنّ الفؤاد الى سواكا

        فغلبه الضعف ووقف عن القتال فكل من كان يقصده يتراجع عنه امّا خوفا واما استحياءا ، حتى جاء اليه رجل من بني كندة اسمه اللئيم مالك بن يسر ، فشتم الحسين عليه‏السلام وضربه على رأسه بالسيف ، وكان عليه قلنسوة فقطعها حتى وصل السيف الى رأسه فأدماه فامتلأت القلنسوة دما ، فقال له الحسين عليه‏السلام : لا اكلت بيمينك ولا شربت بها وحشرك اللّه‏ مع الظالمين ، ثم القى القلنسوة ودعا بخرقة فشدّ بها رأسه ، واستدعى قلنسوة اخرى فلبسها واعتم عليها .

        وأخذ مالك القلنسوة وكانت من خز ، فلما قدم بها بعد ذلك على امرأته أم عبد اللّه‏ ابنة الحر أخت الحسين بن الحر البدّي ، أقبل يغسل البرنس من الدم فقالت له امرأته : أسلب إبن بنت رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله يَدخل بيتي أخرجه عنّي ملأ اللّه‏ قبرك نارا ، فذكر أصحابه انّه لم يزل فقيرا حتى مات لعنه اللّه‏ ، واستجيب دعاء الامام الحسين عليه‏السلام في حقه ، فكانت يداه تيبسان في الصيف كأنّهما عودان ، وتقطران دما في الشتاء .

        وعلى رواية السيد والمفيد انّه : لبث القوم عنه عليه‏السلام هنيئة ثم عادوا وأحاطوا به

(2) .

« مقتل عبد اللّه‏ بن الحسن »

        فخرج من الخيمة عبد اللّه‏ بن الحسن بن عليّ عليه‏السلام ، وهو غلام لم يبلغ الحلم لما رآه على تلك الحالة المؤلمة فلحقته زينب بنت علي لتحبسه ، وقال الحسين عليه‏السلام لها : احبسيه يا أختي ، فأبى وامتنع عليها امتناعا شديدا وقال : لا واللّه‏ لا أفارق عمّي .

 

(1) البحار 45:53 .
(2) اللهوف : 121 ، الارشاد : 241 .
(326)

 

        فجاء الى عمّه ووقف امامه ، فأهوى بحر بن كعب لعنه اللّه‏ الى الحسين عليه‏السلام بالسيف فقال له الغلام : ويلك يا بن الخبيثة أتقتل عمّي ؟ فضربه بحر بالسيف فأتقاه الغلام بيده فأطنها الى الجلدة فاذا يده معلقة ، فنادى الغلام : يا ابتاه ، يا عمّاه ، فأخذه الحسين عليه‏السلام فضمه اليه وقال : يا بن أخي اصبر على ما نزل بك واحتسب في ذلك الخير ، فانّ اللّه‏ يلحقك بآبائك الصالحين

(1) . فرماه حرملة بن كاهل لعنه اللّه‏ بسهم فذبحه وهو في حجر عمه الحسين عليه‏السلام .

        قال حميد بن مسلم لقد سمعت الحسين عليه‏السلام يقول آنذاك : اللهم امسك عنهم قطر السماء وامنعهم بركات الارض ، اللهم فان متعتهم الى حين ففرقهم فرقا ، واجعلهم طرائق قددا ، ولا ترض الولاة عنهم ابدا ، فانّهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا فقتلونا

(2) .

        قال الشيخ المفيد رحمه‏الله : وحملت الرجالة يمينا وشمالاً على من كان بقي مع الحسين عليه‏السلام ، فقتلوهم حتى لم يبق معه الاّ ثلاثة نفر أو أربعة(3) .

        وروى السيد وغيره انّه : قال الحسين عليه‏السلام : ابغوا لي ثوبا لا يرغب فيه أجعله تحت ثيابي لئلا أجرّد منه ، فأتى بتبان ، فقال : لا ذاك لباس من ضربت عليه الذلة ، فأخذ ثوبا خلقا فخرقه وجعله تحت ثيابه ، فلما قتل عليه‏السلام جردوه منه(4) .

        وروى المفيد رحمه‏الله انّه : لما لم يبق مع الحسين الاّ ثلاثة رهط من أهله أقبل على القوم يدفعهم عن نفسه والثلاثة يحمونه حتى قتل الثلاثة وبقي وحده وقد اثخن بالجراح في رأسه وبدنه ، فجعل يضاربهم بسيفه وهم يتفرقون عنه يمينا وشمالاً .

        فلما رأى ذلك شمر بن ذي الجوشن استدعى الفرسان ، فصاروا في ظهور الرجالة وأمر الرماة أن يرموه ، فرشقوه بالسهام حتى صار كالقنفذ ، فأحجم عنهم فوقفوا بأزائه .

        وخرجت زينب الى باب الفسطاط فنادت عمر بن سعد بن أبي وقاص : ويحك يا عمر أيقتل أبو عبد اللّه‏ وأنت تنظر اليه ؟ فلم يجبها عمر بشيء ، وعلى رواية الطبري انّ دموعه سالت على وجهه ولحيته فاعرض عنها بوجهه ، فنادت : ويحكم أما فيكم مسلم ، فلم يجبها أحد بشيء

(5) .

        وروى سيد بن طاووس انّه : لما أثخن الحسين عليه‏السلام بالجراح وبقي كالقنفذ ،

 

(1) الارشاد : 241 ، باختلاف يسير .
(2) الطبري 4:344 .
(3) الارشاد : 241 .
(4) اللهوف : 123 .
(5) الارشاد : 241 .
(327)

 

طعنه صالح بن وهب المزني على خاصرته طعنة ، فسقط الحسين عليه‏السلام عن فرسه الى الارض على خده الايمن وهو يقول : « بسم اللّه‏ وباللّه‏ وعلى ملّة رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله » . ثم قام صلوات اللّه‏ عليه(1) .

        فلما خلى سرج الفرس من هيكل الوحي والتنزيل ، وهوى على الارض عرش الملك الجليل ، جعل يقاتل وهو راجل قتالاً أقعد الفوارس وأرعد الفرائص ، وأذهل عقول فرسان العرب ، واطار عن الرؤوس الالباب واللّبب ، وكانت زينب تنظر الى أخيها وقلبها يخفق ، فلما رأته على تلك الهيئة خرجت من الفسطاط وهي تنادي : وا أخاه وا سيّداه وا أهل بيتاه ، ليت السماء أطبقت على الارض ، وليت الجبال تدكدكت على السهل .

        قال الراوي : وصاح شمر بأصحابه : ما تنتظرون بالرجل ؟ فحملوا عليه من كل جانب ، فرماه الحصين بن تميم بسهم فوقع في فمه المبارك ، ورماه أبو أيوب الغنوي في حلقومه ، وضربه زرعة بن شريك لعنه اللّه‏ على كفّه اليسرى فقطعها ، وضرب آخر على عاتقه المقدس بالسيف ضربة كبا عليه‏السلام بها لوجهه وكان قد أعيا وجعل ينوء ويكب ، فطعنه سنان بن أنس لعنه اللّه‏ في ترقوته ثم انتزع الرمح فطعنه في بواني صدره ، ثم رماه سنان ايضا بسهم فوقع في نحره عليه‏السلام فسقط .

        وروى إبن شهر آشوب انّه : رماه سنان بن أنس لعنه اللّه‏ في صدره ، فوقع على الارض ، وأخذ دمه بكفيه وصبّه على رأسه مرارا ، فدنى منه عمر ، فقال لخولي بن يزيد لعنه اللّه‏ : انزل فجز رأسه

(2) ، فبدر اليه خولي فنزل ليحتز رأسه فأرعد ، فقال شمر : فت اللّه‏ في عضدك ما لك ترعد ؟ ونزل شمر اليه فذبحه(3) .

        وقال سيد بن طاووس رحمه‏الله : فنزل اليه سنان بن أنس لعنه اللّه‏ فضربه بالسيف في حلقه الشريف وهو يقول : واللّه‏ انّي لأحتز رأسك وأعلم انّك إبن رسول اللّه‏ وخير الناس أبا وأما ، ثم احتزّ رأسه المقدّس المعظّم(4) .

        قال الطبري : وجعل سنان بن أنس لعنه اللّه‏ لا يدنو أحدٌ من الحسين الاّ شدّ عليه مخافة أن يغلب على رأسه ، حتى أخذ رأس الحسين فدفعه الى خولي(5) .

 

 فاجعة ان أردتُ أكتُبُها  مجملةً ذكرها لمُدَّكَّر  جرت دموعي وحال حائِلُها  ما بين لحظِ الجفون والزُّبُرِ

 

(1) اللهوف : 124 .
(2) المناقب 4:111 .
(3) الارشاد : 242 .
(4) اللهوف : 126 .
(5) تاريخ الطبري 4:346 .
(328)

 

 

        فثارت غبرة سوداء مظلمة ، وهبت ريح حمراء ، واشتدَّ الغبار حتى لم ير أحدٌ أحدا قط وكانوا مترصدين نزول العذاب ، فذهب الغبار بعد ساعة واعتدل الجو

(1) .

        روى إبن قولويه القمي عن الصادق عليه‏السلام انّه قال : انّ الحسين عليه‏السلام لما قتل أتاهم آت وهم في العسكر فصرخ فزبر ، فقال لهم : وكيف لا أصرخ ورسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله قائم ينظر الى الارض مرة وينظر الى حربكم ، وأنا أخاف أن يدعو اللّه‏ على أهل الارض فأهلك فيهم ، فقال بعضهم لبعض : هذا انسان مجنون ، فقال التوابون : تاللّه‏ ما صنعنا بأنفسنا قتلنا لابن سمية سيد شباب أهل الجنة ، فخرجوا على عبيد اللّه‏ ، فكان من أمرهم ما كان ، قال (الراوي) : قلت له : جعلت فداك من هذا الصارخ ؟ قال : ما نراه الاّ جبرئيل عليه‏السلام (2) .

        وقال الشيخ المفيد في الارشاد : ومضى الحسين عليه‏السلام في يوم السبت العاشر من المحرم سنة أحدى وستين من الهجرة بعد صلاة الظهر منه ، قتيلاً مظلوما ظمآنا صابرا محتسبا على ما شرحناه ، وسنه يومئذ ثمان وخمسون سنة أقام منها مع جدّه رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله سبع سنين ، ومع أبيه امير المؤمنين عليه‏السلام سبعا وثلاثين سنة ، ومع أخيه الحسن عليه‏السلام سبعا واربعين سنة ، وكانت مدّة خلافته بعد أخيه أحدى عشرة سنة ، وكان عليه‏السلام يخضب بالحناء والكتم ، وقتل عليه‏السلام وقد خرج الخضاب من عارضيه .

        وقد جاءت روايات كثيرة في فضل زيارته بل في وجوبها ، فروي عن الصادق عليه‏السلام انّه قال : زيارة الحسين بن عليّ عليهماالسلام واجبة على كلّ من يقرّ للحسين عليه‏السلام بالامامة من اللّه‏ عزوجل .

        وقال رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله : من زار الحسين عليه‏السلام بعد موته فله الجنة ، والأخبار في هذا الباب كثيرة ، وقد أوردنا منها جملة كافية في كتابنا المعروف بمناسك المزار

(3) . (انتهى)

 

(1) اللهوف : 127 .
(2) كامل الزيارات ، باب نوادر الزيارات ، آخر حديث في الخاتمة ـ عنه البحار 45:173 .
(3) الارشاد : 252 .
(329)

 

الفصل الرابع

في الوقائع المتأخرة عن استشهاد الحسين عليه‏السلام

التي وقعت في أرض كربلاء

        لما استشهد الحسين عليه‏السلام أقبل فرسه وقد عدى من بين أيديهم ان لا يؤخذ ، فوضع ناصيته في دم الحسين عليه‏السلام ثم أقبل يركض نحو خيمة النساء ، وهو يصهل ويضرب برأسه الارض عند الخيمة حتى مات ، فلمّا نظر أخوات الحسين وبناته وأهله الى الفرس ليس عليه احد رفعن أصواتهن بالبكاء والعويل ، ووضعت ام كلثوم يدها على أم رأسها ونادت : وا محمداه ، وا جدّاه ، وا نبيّاه ، وا أبا قاسماه ، وا عليّاه ، وا جعفراه ، وا حمزتاه ، وا حسناه ، هذا الحسين بالعراء ، صريع بكربلاء ، مجزوز الرأس من القفا ، مسلوب العمامة والرداء ، ثمّ غشي عليها

(1) .

        وكذلك كان حال سائر أهل البيت ، ولا يمكن أن يخطر على قلب بشر ما جرى عليهم تلك الساعة .

        يقول الشاعر :

 

 وراح جواد السبط نحو نسائه  ينوح وينعى الظاميء المترملا  خرجن بنيات الرسول حواسرا  فعاينّ مهر السبط والسرج قد خلا  فأدمين باللطم الخدود لفقده  وأسكبن دمعا حره ليس يصطلي

        وفي الزيارة المروية عن الناحية المقدسة : « وأسرع فرسك شاردا الى خيامك قاصدا ، مهمهما باكيا ، فلما رأين النساء جوادك مخزيا ، ونظرن سرجك عليه ملويا ، برزن من الخدور ، ناشرات الشعور ، على الخدود لاطمات ، وعن الوجوه سافرات ، وبالعويل داعيات ، وبعد العز مذللات ، والى مصرعك مبادرات ، والشمر جالس على صدرك ، ومولع سيفه على نحرك ، قابض على شيبتك بيده ، ذابح لك بمهنّدة ، قد سكنت حواسك ، وخفيت أنفاسك ، ورفع على القناة رأسك » .

        قال الراوي : ثم أقبلوا على سلب الحسين عليه‏السلام ، فأخذ قميصه اسحاق بن حيوة الحضرمي فلبسه فصار أبرص وامتعط شعره

(2) ، وروي أنّه وجد في قميصه مائة وبضعة عشرة ما بين رمية وطعنة وسهم وضربة(3) .

 

 

(1) البحار 45:60 .
(2) امتعط الشعر : سقط من داء يعرض له .
(3) البحار 45:57 .