(330)
وأخذ
عمامته أخنس بن مرثد بن علقمة الحضرمي ، وقيل جابر بن يزيد الاودي لعنهما اللّه ،
فاعتم بها فصار معتوها .
وأخذ
نعليه الاسود بن خالد لعنه اللّه .
وأخذ
خاتمه بجدل بن سليم الكلبي لعنه اللّه وقطع اصبعه مع الخاتم ، وبجدل هذا أخذه المختار
بعد ذلك فقطع يديه ورجليه وتركه يتشحط في دمه حتى هلك .
وأخذ
قطيفة له كانت من خز قيس بن الاشعث لعنه اللّه ، ولذا سمى بقيس القطيفة .
وروى
انّه أصابه الجذام فتركه أهل بيته وقذفوه في المزابل فقطعته الكلاب وهو حيّ حتى
مات لعنه اللّه وأخزاه .
وأخذ
درعه البتراء عمر بن سعد لعنه اللّه ، فلما قتل عمر وهبها المختار لأبي عمرة
قاتله ، ويظهر انّ للامام درعين لانّه قيل انّ مالك بن يسر أخذ درعه فجن .
وأخذ
سيفه جُميع بن الخلق الأزدي ، وقيل رجل من بني تميم يقال له الأسود إبن حنظلة ، وقيل
القلافس النهشليّ ، وهذا السيف المنهوب ليس بذي الفقار ، فانّ ذلك كان مذخورا
ومصونا مع أمثاله من ذخائر النبوة والامامة ، ومثله الخاتم
(1) .
يقول
المؤلف :
لم
يذكر في كتب المقاتل شيء عن سلب ونهب سائر الشهداء ، ولكن الظاهر انّ هؤلاء
الاجلاف الطغاة لم يتركوا أحدا الاّ وسلبوه ، فقد قال إبن نما : انّ حكيم بن طفيل
لعنه اللّه سلب ثياب وسلاح العباس عليهالسلام ، وجاء في الزيارة الصادقية
للشهداء : « وسلبوكم لابن سمية وإبن آكلة الاكباد » ، وذكرنا في باب مقتل عبد
اللّه بن مسلم انّ قاتله لم يترك السهم الذي نفذ في جبينه وأخرجه بصعوبة ومشقّة ،
فمن لم يترك السهم حتى اخذه فكيف بثياب وسلاح مقتوله .
وفي
الحديث المروي عن زايدة عن عليّ بن الحسين عليهالسلام تصريح بما نقول ، حيث قال :
وكيف لا أجزع وأهلع وقد أرى سيدي وأخوتي وعمومتي وولد عمي وأهلي مضرجين بدمائهم ،
مرملين بالعراء ، مسلبين لا يكفنون ولا يوارون
(2) .
* * *
(1) البحار 45:58 .
(2) البحار 45:179 .
(331)
الفصل الخامس
في نهب ثقل الحسين عليهالسلام
قال
الراوي : وتسابق القوم على نهب بيوت آل الرسول وقرّة عين الزهراء البتول .
فعندما
انتهى جيش الضلال من قتل الحسين عليهالسلام توجهوا نحو الخيام المقدسة وسرادق آل
العصمة ، وتسابقوا في الذهاب اليها ، وحينما وصلوها ، بدؤوا بنهب وسلب جميع ما
رأوه من الثياب والحليّ والحلل والرواحل والمواشي والورس ، حتى جعلوا ينتزعون
ملحفة المرأة عن ظهرها ، ولا أرى من المناسب تفصيل هذه الواقعة الهائلة وكيفيتها ،
وعلت أصوات النساء بالعويل والبكاء ولم يترحم عليهنّ أحد الاّ امرأة من بني بكر بن
وائل كانت مع زوجها في أصحاب عمر بن سعد ، فلما رأت القوم قد اقتحموا على نساء
الحسين عليهالسلام وفسطاطهنّ وهم يسلبوهنّ ، أخذت سيفا وأقبلت نحو الفسطاط وقالت
:
يا
آل بكر أتسلب بنات رسول اللّه ، لا حكم الاّ للّه ، يا لثارات رسول اللّه ،
فأخذها زوجها وردّها الى رحله .
قال
الراوي : ثم أخرجوا النساء من الخيمة ، وأشعلوا فيها النار ، فخرجن حواسر ، مسلبات
، حافيات ، باكيات ، يمشين سبايا في أسر الذلّة
(1) .
قال
حميد بن مسلم :
ثم
انتهينا الى عليّ بن الحسين عليهالسلام وهو منبسط على فراش وهو شديد المرض ، ومع
شمر جماعة من الرجالة ، فقالوا له : ألا نقتل هذا العليل ؟ فقلت : سبحان اللّه
أيقتل الصبيان ؟ انما هذا صبي وانّه لما به ، فلم أزل حتى دفعتهم عنه ، وجاء عمر
بن سعد فصاحت النساء في وجهه وبكين ، فقال لأصحابه : لا يدخل احد منكم بيوت هؤلاء
النسوة ، ولا تتعرضوا لهذا الغلام المريض .
وسألته
النسوة (لما رأين رقة في قلبه) أن يسترجع ما أخذ منهن ليستترن به ، فقال : من أخذ
من متاعهنّ شيئا فليرده عليهنّ ، فو اللّه ما ردّ أحد منهم شيئا ، فوكل بالفسطاط
وبيوت النساء وعليّ بن الحسين عليهماالسلام جماعة ممن كانوا معه وقال : احفظوهم
لئلا يخرج منهم أحد ولا تسوؤن اليهم ، ثم عاد الى مضربه فنادى في أصحابه : من ينتدب
للحسين فيوطئه فرسه ؟
(2)
(1) البحار 45:58 .
(332)
فانتدب
منهم عشرة (كلهم اولاد زنا فركبوا خيولهم) وداسوا الحسين عليهالسلام بحوافر خيلهم
حتى رضوا ظهره وصدره ، قال : وجاء هؤلاء العشرة الى إبن زياد لعنه اللّه حتى
وقفوا أمامه ، فقال أسَيْد بن مالك أحد العشرة لعنهم اللّه ـ وأراد بقوله اظهار
اخلاصه له وأخذ جائزة مضاعفة ـ فقال :
نحن رضضنا الصدر بعد الظهر
بكل يعبوب(1) شديد الأسر
فقال إبن زياد : من أنتم ؟
فقالوا : نحن الذين وطأنا بخيولنا ظهر الحسين حتى طحنا جناجن(2) صدره ،
فأمر لهم بجائزة يسيرة .
قال
أبو عمر الزاهد : فنظرنا الى هؤلاء العشرة فوجدناهم جميعا أولاد زنا ، وهؤلاء
أخذهم المختار فشدّ أيديهم وأرجلهم بسكك الحديد وأوطأ الخيل ظهورهم حتى هلكوا(3)
.
تنبيه
وتـتميم :
إعلم
انه قد اختلفت كلمات علماء الاخبار والمؤرخين في عدد شهداء كربلاء ، وقد أشرنا
سابقا الى ذلك في عدد أصحاب الحسين عليهالسلام ، ووقع الاختلاف ايضا في عدد
الشهداء من بني هاشم فقيل : سبعة وعشرون نفرا وقال أبو الفرج :
فجميع
من قتل يوم الطف من ولد أبي طالب سوى من يختلف في أمره اثنان وعشرون رجلاً .
وروى
الشيخ إبن نما عن الباقر عليهالسلام انّه قال : قتلوا سبعة عشر انسانا ، كلهم
ارتكض في بطن فاطمة بنت اسد أم عليّ عليهالسلام
(4) .
وعلمت
سابقا من حديث ريان بن شبيب انّه استشهد مع الحسين عليهالسلام من أهل بيته ثمانية
عشر رجلاً ما لهم على الارض شبيه .
ذكر
في الزيارة التي رواها السيد بن طاووس عن الناحية المقدسة ، من أولاد الحسين
عليهالسلام علي وعبد اللّه ، ومن ابناء امير المؤمنين عليهالسلام عبد اللّه
والعباس وجعفر وعثمان ومحمد ، ومن ابناء الحسن عليهالسلام أبو بكر وعبد اللّه
والقاسم ، ومن اولاد عبد اللّه بن جعفر عون ومحمد ، ومن اولاد عقيل جعفر وعبد
الرحمن ومحمد بن ابي سعيد
(1) الارشاد : 242 .
(2) اليعبوب : وهو
الفرس الطويل السريع وقيل الكثير الجري .
(3) الجناجن : عظام الصدر
.
(4) البحار 45:59 .
(5) مثير الاحزان : 111 .
(333)
بن عقيل
وعبد اللّه وابي عبد اللّه اولاد مسلم ، يبلغ عددهم مع الامام الحسين
عليهالسلام ثمانية عشر رجلاً ، وقد ذكر في تلك الزيارة اسم أربعة وستين نفرا من
سائر الشهداء الذين استشهدوا مع الحسين عليهالسلام (1) .
وروى
الشيخ الطوسي في المصباح عن عبد اللّه بن سنان انّه قال :
دخلت
على سيدي ابي عبد اللّه جعفر بن محمد عليهماالسلام في يوم عاشوراء ، فألقيته كاسف
اللون ، ظاهر الحزن ، ودموعه تنحدر من عينيه كاللؤلؤ المتساقط ، فقلت : يا ابن
رسول اللّه مم بكاؤك لا أبكى اللّه عينيك ؟ فقال لي : أو في غفلة أنت ؟ أما علمت
انّ الحسين عليهالسلام أصيب في مثل هذا اليوم ؟ فقلت : يا سيدي فما قولك في صومه
؟ فقال لي : صمه من غير تبييت ، وافطره من غير تشميت ، ولا تجعله يوم صوم كملاً ،
وليكن افطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء ، فانّه في مثل ذلك الوقت من
ذلك اليوم تجلت الهيجاء عن آل رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ، وانكشفت الملحمة
عنهم وفي الارض منهم ثلاثون صريعا في مواليهم ، يعز على رسول اللّه
صلىاللهعليهوآله مصرعهم ، ولو كان في الدنيا يومئذ حيّا لكان
صلىاللهعليهوآله هو المعزّى بهم ، قال : وبكى أبو عبد اللّه حتى اخضلت لحيته
بدموعه ... الخ
(2) .
ويستفاد
من هذا الحديث الشريف انّ عدد شهداء آل الرسول صلىاللهعليهوآله يوم كربلاء
ثمانية عشر ، لانّ إبن شهر آشوب قال في المناقب : استشهد بكربلاء عشرة من موالي
الحسين وموليان من موالي امير المؤمنين عليهالسلام (3) ، فصار المجموع
ثلاثين نفرا بأضافة شهداء آل الرسول صلىاللهعليهوآله .
وعلى
أي حال ، وقع الاختلاف في الشهداء والطالبيين ، والأقوى في المستشهدين من آل
الرسول يوم عاشوراء ، كما في الرواية عن العيون والامالي عن الرضا عليهالسلام
المروية عن ريان بن شبيب ، وكما قال زجر بن قيس الذي شهد الواقعة وسيأتي كلامه ،
وكما روي عن السجاد عليهالسلام حيث قال : رأيت أبي وأخي وسبعة عشر نفرا من أهل
بيتي صرعى قتلى
(4) ، وغيرها من الاخبار ، هو كونهم ثمانية عشر
رجلاً كما ذكرنا .
وهذا
القول هو مختار صاحب كامل البهائي ، ويظهر انّ الذين عدوّهم سبعة عشر ، اسقطوا
الطفل الرضيع عنهم ، ولو عدّوه لصار عددهم كما ذكرنا ، ونحمل رواية معاوية بن وهب
التي ذكرت في اوّل الباب على هذا ، واللّه تعالى هو العالم .
(1) راجع الاقبال : 573 .
(2) مصباح المتهجد وسلاح
المتعبد : 724 .
(3) المناقب 4:113 .
(4) اللهوف : 210 .
(334)
* * *
(335)
الباب السادس
في تاريخ سيّد الساجدين وامام الزاهدين مولانا عليّ
بن الحسين زين العابدين عليهالسلام
(336)
(337)
الفصل الأول
في بيان ولادته واسمه ولقبه وكنيته الشريفة
اعلم
انّه وقع خلاف كثير في تاريخ ولادته عليهالسلام ، ولعلّ أصحّها كونها في النصف من
جُمادى الاولى سنة (36) ، أو الخامس من جمادى الاولى سنة (38) ه .
أمّه
المكرّمة شهربانو بنت يزدجرد بن شهريار بن پرويز بن هرمز بن انوشيروان ملك الفُرس
، وقيل شاه زنان كما قال شيخنا الحرّ العاملي في ارجوزته :
وامّه ذات العلا والمجد
شاه زنان بنت يزدجرد وهو ابن شهريار ابن كسرى ذو سؤدد ليس يخاف
كسرى
قال
العلامة المجلسي في جلاء العيون : روى ابن بابويه بسند معتبر عن الرضا عليهالسلام
: انّ عبد اللّه بن عامر بن كريز لما افتتح خراسان أصاب ابنتين ليزدجرد بن شهريار
ملك الأعاجم ، فبعث بهما الى عثمان بن عفان ، فوهب احداهما للحسن والأخرى للحسين
عليهماالسلام فماتتا عندهما نفساوين ، وكانت صاحبة الحسين عليهالسلام نفست بعليّ
بن الحسين عليهالسلام فكفل عليّا بعضُ أمّهات ولد أبيه ، فنشأ وهو لا يعرف أمّا
غيرها ثم علم انّها مولاته ، وكان الناس يسمّونها امّه وزعموا انّه زوّج أمّه ،
ومعاذ اللّه انّما زوّج هذه على ما ذكرناه
(1) .
يقول
المؤلّف : انّ هذه الرواية تخالف ما مضى في ذكر أولاد الحسين عليهالسلام من انّ
شهربانو أسرت في خلافة عمر ، ولعل هذا خلط من الرواي ، وتلك الرواية المذكورة هناك
أشهر وأقوى .
وروى
القطب الراوندي بسند معتبر عن مولانا الباقر عليهالسلام انّه قال : لما قدموا
ببنت يزدجرد بنت شهريار ـ آخر ملوك الفرس وخاتمهم ـ على عمر ، وأدخلت المدينة
استشرفت لها عذارى المدينة ، وأشرق المجلس بضوء وجهها ورأت عمر فقالت : أفيروزان
(2) ، فغضب عمر ، فقال : شتمتني العلجة(3)
، وهمّ بها .
(1) البحار 46:8 ، ح 19 عن
عيون أخبار الرضا عليهالسلام 2:128 ، ح 6 .
(2) وفي نسخة : افّ بيروج
بادا هرمز ، أي اسودّ يوم هرمز وأساء الدهر إليه وانقلب الزمان عليه حيث صارت
أولاده أسارى تحت حكم مثل هذا ، أو دعاء على جدّها هرمز يعني لا كان لهرمز يوم حتى
تصير أولاده كذلك . (المترجم) .
(3) العلج : الرجل من كفار
العجم ، والأنثى : العلجة / لسان العرب .
(338)
فقال
له عليّ عليهالسلام : ليس لك انكار ما لا تعلمه ، فأمر (عمر) ان ينادى عليها ،
فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : لا يجوز بيع بنات الملوك وان كانوا كافرين ،
ولكن أعرض عليها أن تختار رجلاً من المسلمين حتى تزوّج منه ، ويحسب صداقها عليه من
عطائه من بيت المال يقوم مقام الثمن .
فقال
عمر : أفعل ، وعرض عليها أن تختار ، فجاءت فوضعت يدها على منكب الحسين عليهالسلام
، فقال لها أمير المؤمنين عليهالسلام : چه نامى دارى اى كنيزك؟ أي أيش اسمك يا
صبية؟ قالت : جهان شاه ، فقال عليهالسلام : شهربانويه ؟ قالت : خواهرم شهربانويه
، أي تلك أختي .
قال
عليهالسلام : راست گفتى ، أي صدقت ، ثم التفت الى الحسين عليهالسلام فقال له :
احتفظ بها وأحسن اليها ، فستلد لك خير أهل الأرض في زمانه بعدك ، وهي أم الأوصياء
الذريّة الطيّبة ، فولدت عليّ بن الحسين زين العابدين عليهالسلام .
وروي
انّها قالت : رأيت في النوم قبل ورود عسكر المسلمين علينا ، كأنّ محمدا رسول
اللّه صلىاللهعليهوآله دخل دارنا وقعد ومعه الحسين عليهالسلام وخطبني له
وزوّجني أبي منه ، فلما أصبحت كان ذلك يؤثّر في قلبي ، وما كان لي خاطب غير هذا .
فلمّا
كان في الليلة الثانية رأيت فاطمة بنت محمد صلىاللهعليهوآله ، وقد أتتني وعرضت
عليّ الاسلام وأسلمت ، ثم قالت : انّ الغلبة تكون للمسلمين وانّك تصلين عن قريب
الى ابني الحسين عليهالسلام سالمة لا يصيبك بسوء أحد ، قالت : وكان من الحال إنّي
خرجت الى المدينة ما مسّ يدي انسان
(1) .
وروى
الشيخ المفيد رحمهالله انّ أمير المؤمنين عليهالسلام ولّى حريث بن جابر الحنفي
جانبا من المشرق ، فبعث إليه ابنتي يزدجرد بن شهريار بن كسرى ، فنحل ابنه الحسين
عليهالسلام شاه زنان منهما ، فأولدها زين العابدين عليهالسلام ، ونحل الأخرى
محمد بن أبي بكر فولدت له القاسم (جدّ الامام الصادق عليهالسلام من أمّه) فهما
(أي القاسم والامام زين العابدين عليهالسلام ) ابنا خالة(2) .
أمّا
كناه والقابه عليهالسلام فأشهرها أبو الحسن وأبو محمد ، وألقابه المشهورة زين
العابدين ، وسيّد الساجدين والعابدين ، والزكي ، والامين ، والسجاد ، وذو الثفنات
، وكان نقش خاتمه : « الحمد للّه العلي » وعلى رواية مولانا الامام الباقر
عليهالسلام : « العزة للّه » وعلى رواية مولانا أبو الحسن موسى الكاظم
عليهالسلام : « خزي وشقي قاتل الحسين بن علي عليهالسلام » .
روى
ابن بابويه عن الامام الباقر عليهالسلام انّه قال : انّ أبي عليّ بن الحسين
عليهالسلام ما ذكر
(1) الخرائج 2:750 ، عنه
في البحار 46:10 ، ح 21 .
(2) الارشاد : 253 ، عنه
في البحار 46:12 ، ح 23 .
(339)
نعمة
اللّه عليه الاّ سجد ، ولا قرأ آية من كتاب اللّه عزوجل فيها سجود الاّ سجد ،
ولا دفع اللّه تعالى عنه سوء يخشاه أو كيد كايد الاّ سجد ، ولا فرغ من صلاة
مفروضة الاّ سجد ، ولا وفق لأصلاح بين اثنين الاّ سجد ، وكان أثر السجود في جميع
مواضع سجوده ، فسمّي السجاد لذلك .
وقال
عليهالسلام أيضا : كان لأبي عليهالسلام في موضع سجوده آثار ناتئة ، وكان يقطعها
في السنة مرّتين في كلّ مرّة خمس ثفنات ، فسمّي ذا الثفنات لذلك
(1) .
يقول
المؤلف :
قال
أهل اللغة : انّ الثفنة مفرد ثفنات البعير أي الموضع الذي يمس الارض من البعير
فيشتد ويغلظ ، فيعلم حينئذ انّ جبهة زين العابدين عليهالسلام وكفّي يديه وركبتيه
ظهرت فيها الثفنات من كثرة السجود فكانت تقطع في السنة مرّتين .
وروي
ايضا أنّ الزهري إذا حدّث عن عليّ بن الحسين عليهالسلام قال : حدّثني زين
العابدين عليّ بن الحسين ، فقال له سفيان بن عيينة : ولم تقول له زين العابدين ؟
قال : لأنّي سمعت سعيد بن المسيب يحدّث عن ابن عباس انّ رسول اللّه
صلىاللهعليهوآله قال : إذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين زين العابدين ؟
فكأنّي أنظر الى ولدي عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب يخطر بين الصفوف
(2) .
وفي
كشف الغمّة انّه كان سبب لقبه بزين العابدين ، انّه كان ليلة في محرابه قائما في
تهجّده ، فتمثّل له الشيطان في صورة ثعبان ليشغله عن عبادته فلم يلتفت إليه ، فجاء
الى ابهام رجله فالتقمها فلم يلتفت إليه ، فآلمه فلم يقطع صلاته ، فلمّا فرغ منها
وقد كشف اللّه له فعلم انّه شيطان فسبّه ولطمه وقال له : اخسأ يا ملعون ، فذهب
وقام الى تمام ورده ، فسمع صوت لا يرى قائله وهو يقول :
«
أنت زين العابدين حقا » ثلاثا ، فظهرت هذه الكلمة واشتهرت لقبا له عليهالسلام
(3) .
* * *
(1) علل الشرايع : 232 ، ح
1 ، باب 166 ، وعنه في البحار 46:6 ، ح 10 .
(2) علل الشرايع : 230 ،
عنه في البحار 46:2 .
(3) كشف الغمة 2:286 ، عنه
في البحار 46:5 ، ح 6 .
(340)
الفصل الثاني
في مكارم أخلاقه عليهالسلام وفيه أخبار
الأول
: روى الشيخ المفيد وغيره انّه : وقف على عليّ بن الحسين عليهالسلام رجل من أهل
بيته فأسمعه وشتمه فلم يكلمه ، فلمّا انصرف قال لجلسائه : قد سمعتم ما قال هذا
الرجل ، وأنا احب أن تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا منّي ردي عليه .
فقالوا
له : نفعل ، ولقد كنّا نحب ان تقول له ونقول ، قال : فأخذ نعليه ومشى وهو يقول : «
... وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ
الُْمحْسِنِينَ »
(1) .
فعلمنا
انّه لا يقول له شيئا ، قال : فخرج حتى أتى منزل الرجل فصرخ به ، فقال : قولوا له
هذا عليّ بن الحسين ، قال : فخرج الينا متوثبا للشر ، وهو لا يشك انّه انما جاءه
مكافيا له على بعض ما كان منه ، فقال له عليّ بن الحسين عليهالسلام : يا أخي انّك
كنت قد وقفت عليّ آنفا قلت وقلت ، فان كنت قد قلت ما فيّ فانا استغفر اللّه منه ،
وان كنت قلت ما ليس فيّ فغفر اللّه لك .
قال
(الراوي) : فقبل الرجل بين عينيه ، وقال : بلى قلت فيك ما ليس فيك وأنا أحقّ به ،
قال الراوي للحديث : والرجل هو الحسن بن الحسن عليهالسلام
(2) .
الثاني
: روي في كشف الغمة انّه : كان (السجاد عليهالسلام ) يوما خارجا فلقيه رجل فسبّه
، فثارت إليه العبيد والموالي ، فقال لهم عليّ : مهلاً كفّوا ، ثم أقبل على ذلك
الرجل ، فقال له : ما ستر عنك من أمرنا أكثر ، ألك حاجة نعينك عليها . فاستحيى
الرجل فألقى إليه عليّ خميصة كانت عليه وأمر له بألف درهم ، فكان ذلك الرجل بعد
ذلك يقول : أشهد انّك من اولاد الرسل(3) .
الثالث
: وروى ايضا انّه : كان عنده عليهالسلام قوم أضياف ، فاستعجل خادما له بشواء كان
في التنّور ، فأقبل به الخادم مسرعا فسقط السفود منه على رأس بني لعلي بن الحسين
تحت الدرجة فأصاب رأسه فقتله ، فقال عليّ للغلام وقد تحيّر الغلام واضطرب : أنت حر
فانّك لم تعتمده ، وأخذ في جهاز ابنه ودفنه(4) .
الرابع
: وروي في الكتب المعتبرة انّه عليهالسلام : دعا مملوكه مرّتين فلم يجبه وأجابه
(1) آل عمران : 134 .
(2) الارشاد : 257 ، عنه
في البحار 46:54 ، ح 1 .
(3) كشف الغمّة 2:293 ،
وعنه في البحار 46:99 ، ح 87 .
(4) كشف الغمّة 2:293 ،
البحار 46:99 ح87 .
(341)
في الثالثة
، فقال له : يا بني أما سمعت صوتي ؟ قال : بلى ، قال : فما لك لم تجبني ؟ قال :
امنتك ، قال : الحمد للّه الذي جعل مملوكي يأمنني(1) .
الخامس
: وروي ان عليّ بن الحسين عليهالسلام كان يدعو خدمه كلّ شهر ويقول :
إنّي
قد كبرت ولا أقدر على النساء ، فمن أراد منكنّ التزويج زوّجتها ، أو البيع بعتها ،
أو العتق أعتقتها ، فإذا قالت احداهنّ : لا ، قال : اللهم اشهد ، حتى يقول ثلاثا ،
وان سكتت واحدة منهنّ قال لنسائه : سلوها ما تريد وعمل على مرادها
(2) .
السادس
: روى الصدوق عن الصادق عليهالسلام انّه قال :
كان
عليّ بن الحسين عليهالسلام لا يسافر الاّ مع رفقة لا يعرفونه ، ويشترط عليهم ان
يكون من خدم الرفقة فيما يحتاجون إليه ، فسافر مرّة مع قوم فرآه رجل فعرفه ، فقال
لهم : أتدرون من هذا ؟ قالوا : لا ، قال : هذا عليّ بن الحسين عليهالسلام ،
فوثبوا إليه فقبّلوا يده ورجله وقالوا : يا بن رسول اللّه أردت ان تصلينا نار
جهنّم لو بدرت منّا اليك يد أو لسان اما كنّا قد هلكنا الى آخر الدهر ؟ فما الذي
يحملك على هذا ؟
فقال
: إنّي كنت سافرت مرّة مع قوم يعرفونني فأعطوني برسول اللّه صلىاللهعليهوآله
ما لا أستحق ، فإنّي أخاف ان تعطوني مثل ذلك فصار كتمان أمري أحبّ اليّ
(3) .
السابع
: وروى ايضا عنه ، قال عليهالسلام : كان بالمدينة رجل بطّال يضحك الناس منه ،
فقال : قد أعياني هذا الرجل أن أضحكه ، يعني عليّ بن الحسين عليهالسلام ، قال :
فمرّ عليّ عليهالسلام وخلفه موليان له قال : فجاء الرجل حتى انتزع رداءه من رقبته
ثم مضى ، فلم يلتفت إليه عليّ عليهالسلام ، فاتبعوه وأخذوا الرداء منه فجاؤوا به
فطرحوه عليه ، فقال لهم : من هذا ؟ فقالوا له : هذا رجل بطّال يضحك أهل المدينة ،
فقال : قولوا له : انّ للّه يوما يخسر فيه المبطلون(4) .
الثامن
: روى الشيخ الصدوق في الخصال عن مولانا محمد الباقر عليهالسلام انّه قال :
كان
عليّ بن الحسين عليهالسلام يصلّي في اليوم والليلة الف ركعة كما كان يفعل أمير
المؤمنين عليهالسلام ، كانت له خمس مائة نخلة فكان يصلي عند كلّ نخلة ركعتين ،
وكان إذا قام في صلاته غشى لونه لون آخر ، وكان قيامه في صلاته قيام العبد الذليل
بين يدي الملك الجليل ، كانت أعضاؤه ترتعد من خشية اللّه عزوجل ، وكان يصلّي صلاة
مودّع يرى انّه لا يصلّي بعدها أبدا ، ولقد صلّى ذات يوم فسقط الرداء عن احدى
منكبيه فلم يسوِّه حتى فرغ من صلاته ، فسأله بعض أصحابه عن ذلك فقال : ويحك أتدري
بين
(1) كشف الغمّة 2:299 ،
الارشاد 2:147 .
(2) المناقب 4:163 .
(3) عيون أخبار الرضا
عليهالسلام 2:145 ، ح 13 ، عنه في البحار 46:69 ، ح 41 .
(4) امالي الصدوق : 183 ،
ح 6 ، المجلس 39 ، عنه في البحار 46:68 ، ح 39 .
(342)
يدي من كنت
، انّ العبد لا يقبل من صلاته الاّ ما أقبل عليه منها بقلبه ، فقال الرجل : هلكنا
، فقال : كلاّ ، انّ اللّه عزوجل متمّم ذلك بالنوافل .
وكان
عليهالسلام ليخرج في الليلة الظلماء ، فيحمل الجراب على ظهره وفيه الصرر من
الدنانير والدراهم ، وربّما حمل على ظهره الطعام أو الحطب حتى يأتي بابا بابا
فيقرعه ثم يناول من يخرج إليه ، وكان يغطّي وجهه إذا ناول فقيرا لئلاّ يعرفه ،
فلمّا توفى عليهالسلام فقدوا ذلك فعلموا انّه كان عليّ بن الحسين عليهالسلام ،
ولمّا وضع على المغتسل نظروا الى ظهره وعليه مثل ركب الابل مما كان يحمل على ظهره
الى منازل الفقراء والمساكين .
ولقد
خرج ذات يوم وعليه مطرف خزّ ، فعرض له سائل فتعلّق بالمطرف (فأخذه من الامام) فمضى
وتركه ، وكان يشتري الخزّ في الشتاء فإذا جاء الصيف باعه فتصدّق بثمنه ، ولقد نظر
عليهالسلام يوم عرفة الى قوم يسألون الناس ، فقال : ويحكم ، أغير اللّه تسألون
في مثل هذا اليوم ، انّه ليرجى في هذا اليوم لما في بطون الحبالى أن يكونوا سعداء
.
ولقد
كان عليهالسلام يأبى أن يؤاكل امّه ، فقيل له : يابن رسول اللّه أنت أبرّ الناس
وأوصلهم للرحم فكيف لا تؤاكل أمّك ؟ فقال : إنّي أكره أن تسبق يدي الى ما سبقت
عينها إليه ، ولقد قال له عليهالسلام رجل : يا بن رسول اللّه إنّي لأحبّك في
اللّه حبّا شديدا ، فقال : اللهم إنّي أعوذ بك أن أحبّ لك وانت لي مبغض ، ولقد حجّ
على ناقة له عشرين حجّة فما قرعها بسوط ، فلمّا توفّت أمر بدفنها لئلاّ تأكلها
السباع .
ولقد
سُئلت عنه مولاة له فقالت : أطنب أو أختصر ؟ فقيل لها : بل اختصري ، فقالت : ما
أتيته بطعام نهارا قط ، وما فرشت له فراشا بليل قط .
ولقد
انتهى ذات يوم الى قوم يغتابونه ، فوقف عليهم فقال : ان كنتم صادقين فغفر اللّه
لي ، وان كنتم كاذبين فغفر اللّه لكم .
فكان
عليهالسلام إذا جاءه طالب علم فقال : مرحبا بوصيّة رسول اللّه
صلىاللهعليهوآله ، ثم يقول : انّ طالب العلم إذا خرج من منزله لم يضع رجله على
رطب ولا يابس من الارض الاّ سبّحت له الى الأرضين السابعة ، ولقد كان يعول مائة
أهل بيت من فقراء المدينة ، وكان يعجبه أن يحضر طعامه اليتامى والأضرّاء والزُمنى
والمساكين الذين لا حيلة لهم ، وكان يناولهم بيده ومن كان له منهم عيال حمله الى
عياله من طعامه ، وكان لا يأكل طعاما حتى يبدأ فيتصدّق بمثله .
ولقد
كان يسقط منه كلّ سنة سبع ثفنات من مواضع سجوده لكثرة صلاته ، وكان يجمعها فلمّا
مات دفنت معه ، ولقد بكى على أبيه الحسين عليهالسلام عشرين سنة ، وما وضع بين
يديه طعام الاّ بكى حتى قال له مولى له : يا بن رسول اللّه أما آن لحزنك أن ينقضي
؟ فقال له : ويحك انّ يعقوب النبي عليهالسلام كان له اثنا عشر ابنا فغيّب اللّه
عنه واحدا منه فابيضّت عيناه من كثرة بكائه عليه ، وشاب رأسه من الحزن واحدودب
ظهره من الغم ،
(343)
وكان ابنه
حيّا في الدنيا ، وأنا نظرت الى أبي وأخي وعمّي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين
حولي فكيف ينقضي حزني ؟!(1)
التاسع
: وفي خبر : انّه كان إذا جنّ الليل وهدأت العيون ، قام الى منزله فجمع ما يبقى
فيه من قوت أهله ، وجعله في جراب ورمى به على عاتقه وخرج الى دور الفقراء وهو
متلثّم ، ويفرّق عليهم ، وكثيرا ما كانوا قياما على أبوابهم ينتظرونه ، فإذا رأوه
تباشروا به وقالوا : جاء صاحب الجراب(2) .
العاشر
: وفي دعوات الراوندي عن الباقر عليهالسلام انّه قال : قال عليّ بن الحسين
عليهالسلام : مرضت مرضا شديدا ، فقال لي أبي عليهالسلام : ما تشتهي ؟ فقلت :
أشتهي أن أكون ممن لا أقترح على اللّه ربّي ما يدبّره لي .
فقال
لي : أحسنت ضاهيت ابراهيم الخليل صلوات اللّه عليه حيث قال له جبرئيل عليهالسلام
: هل من حاجة ؟ فقال : لا أقترح على ربّي بل حسبي اللّه ونعم الوكيل
(3) .
الحادي
عشر : قال ابن الأثير في كامل التواريخ : وقد كان مروان بن الحكم كلّم ابن عمر
لمّا أخرج أهل المدينة عامل يزيد وبني أميّة (لمّا نقضوا بيعة يزيد بعد قتل الحسين
عليهالسلام ) في أن يُغيّبَ أهله عنده ، فلم يفعل ، فكلّم عليّ بن الحسين ، فقال
: انّ لي حرما وحُرمي تكون مع حُرمك ، فقال : أفعل ، فبعث بامرأته وهي عائشة ابنة
عثمان بن عفان وحُرمه الى عليّ بن الحسين ، فخرج عليّ بحُرمه وحُرم مروان الى ينبع
، وقيل : بل أرسل حرم مروان وأرسل معهم ابنه عبد اللّه بن علي الى الطائف(4)
.
الثاني
عشر : قال الزمخشري في ربيع الأبرار : لمّا وجّه يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة
لاستباحة أهل المدينة ، ضمّ عليّ بن الحسين الى نفسه أربع مائة منافية(5)
بحشمهنّ يعولهنّ الى أن تقوض جيش مسلم ، فقالت امرأة منهنّ : ما عشت واللّه بين
أبوي مثل ذلك التريف(6) .
* * *
(1) الخصال : 517 ، باب
ذكر ثلاث وعشرين خصلة من الخصال المحمودة التي وصف بها عليّ بن الحسين زين
العابدين عليهالسلام ، وعنه في البحار 46:61 ، ح 19 .
(2) المناقب 4:153 .
(3) البحار 46:67 ، عن
دعوات الراوندي : 168 ، ح 468 .
(4) الكامل في التاريخ
4:113 .
(5) منافية نسبة الى عبد
مناف جدّ الهاشميين والأمويين ، والتريف عيش الترف وهو السعة في المأكل والمشرب ،
والجدير بالذكر ان يزيد أمر مسلم بن عقبة باستباحة أهل المدينة ثلاثة أيّام له
ولجيشه يفعل فيها ما يشاء ، ولكن لا يتعرض لعليّ بن الحسين بسوء .
(6) ربيع الأبرار 1:427 .
(344)
(345)
الفصل الثالث
في عبادته عليهالسلام
انّ
كثرة عبادة زين العابدين أشهر من أن تُذكر ، فانّه عليهالسلام كان أعبد أهل زمانه
كما أشير إليه في ذكر ألقابه عليهالسلام ، ويكفينا في الاشارة الى هذا المعنى عدم
تمكن أحد من الناس على مضاهاة أمير المؤمنين عليهالسلام في العبادة الاّ هو ،
فانّه كان يصلّي في كل يوم وليلة ألف ركعة ، فإذا دخل وقت الصلاة ارتعش جسمه
الشريف واصفر لونه ، وإذا شرع فيها كان كجذع الشجرة لا يتحرّك الاّ ما حرّكت منه
الريح ، وإذا وصل في القراءة الى « مالك يوم الدين » ظلّ يكررها الى ان يوشك على
الموت ، وإذا سجد لم يرفع رأسه الشريف حتى يتصبب عرقا ، وإذا أصبح أصبح صائما ،
وإذا أمسى أمسى عابدا ، وكان يستمر في صلاته ليلاً حتى يصيبه التعب الى درجة أنه
لا يقدر على النهوض الى الفراش ، فكان يذهب إليه كهيئة الاطفال الذين لا يقدرون
على المشي ، وإذا دخل شهر رمضان لم يتكلم الاّ بالدعاء والتسبيح والاستغفار ،
وكانت لديه صرّة فيها تراب قبر الحسين عليهالسلام فإذا أراد السجود سجد عليها .
وفي
عين الحياة عن حلية الأولياء انّه : كان عليّ بن الحسين عليهالسلام إذا فرغ من
وضوء الصلاة وصار بين وضوئه وصلاته أخذته رعدة ونفضة ، فقيل له في ذلك ، فقال :
ويحكم أتدرون الى من أقوم ؟ ومن أريد أناجي ؟
(1) وكانت تطرأ عليه هذه الحالة أيضاً عند
الوضوء .
وروي
انّ فاطمة بنت عليّ بن أبي طالب عليهالسلام أتت الى جابر بن عبد اللّه ، فقالت
له : يا صاحب رسول اللّه صلىاللهعليهوآله إنّ لنا عليكم حقوقا ومن حقّنا
عليكم أن إذا رأيتم أحدنا يهلك نفسه اجتهادا أن تذكّروه اللّه ، وتدعوه الى
البقيا على نفسه ، وهذا عليّ بن الحسين بقية أبيه الحسين قد انخرم أنفه ، ونقبت
جبهته وركبتاه وراحتاه ، أذاب نفسه في العبادة .
فأتى
جابر الى بابه واستأذن ، فلمّا دخل عليه وجده في محرابه قد أنضته العبادة ، فنهض
عليّ فسأله عن حاله سؤالاً حفيا ، ثم أجلسه بجنبه ، ثم أقبل جابر يقول : يابن رسول
اللّه أما علمت أنّ اللّه انّما خلق الجنة لكم ولمن أحبّكم ، وخلق النار لمن
أبغضكم وعاداكم ، فما هذا الجهد الذي كلّفته نفسك ؟
فقال
له عليّ بن الحسين عليهالسلام : يا صاحب رسول اللّه أما علمت أنّ جدّي
(1) حلية الاولياء 3:132 ،
العقد الفريد 3:103 .
(346)
رسول
اللّه صلىاللهعليهوآله قد غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فلم يدع
الاجتهاد له وتعبّد ـ بأبي هو وأمّي ـ حتى انتفخ الساق وورم القدم وقيل له : أتفعل
هذا وقد غفر اللّه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخّر ؟ قال : أفلا أكون عبدا شكورا .
فلمّا
نظر إليه جابر وليس يغني فيه قول ، قال : يا بن رسول اللّه البقيا على نفسك ،
فانّك من أسرة بهم يستدفع البلاء ، وبهم تستكشف اللأواء ، وبهم تستمسك السماء ،
فقال : يا جابر لا أزال على منهاج أبويّ مؤتسيا بهما حتى ألقاهما
(1) .
وروي
عن الصادق عليهالسلام انّه قال : ولقد دخل أبو جعفر (الباقر عليهالسلام ) ابنه
عليه ، فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد ، فرآه وقد اصفرّ لونه من السهر
ورمضت عيناه من البكاء ، ودبرت جبهته ، وانخرم أنفه من السجود ، وقد ورمت ساقاه
وقدماه من القيام في الصلاة ، فقال أبو جعفر عليهالسلام : فلم أملك حين رأيته
بتلك الحال البكاء ، فبكيت رحمة له ، فإذا هو يفكّر ، فالتفت اليّ بعد هنيئة من
دخولي فقال :
يا
بني أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة عليّ بن أبي طالب عليهالسلام فأعطيته ،
فقرأ فيها شيئا يسيرا ، ثم تركها من يده تضجّرا وقال : من يقوى على عبادة عليّ بن
أبي طالب عليهالسلام
(2) .
وروى
الكليني عن أبي عبد اللّه (الصادق عليهالسلام ) انّه قال : كان عليّ بن الحسين
عليهالسلام إذا قام الى الصلاة تغيّر لونه ، فإذا سجد لم يرفع رأسه حتى يرفضّ
عرقا(3) .
وروي
عن الباقر عليهالسلام انّه قال : كان عليّ بن الحسين عليهالسلام يصلّي في اليوم
والليلة الف ركعة ، وكان إذا قام في صلاته غشي لونه لون آخر ، وكان قيامه في صلاته
قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل ، كانت اعضاؤه ترتعد من خشية اللّه ،
وكان يصلّي صلاة مودّع يرى انّه لا يصلّي بعدها أبدا ، فربّما سأله مَن لا يعرف
أمره في ذلك ، فيقول : إنّي أريد الوقوف بين يدي ملك عظيم .
وسقط
بعض ولده في بعض الليالي فانكسرت يده ، فصاح أهل الدار واتاهم الجيران ، وجيء
بالمجبّر فجبّر الصبيّ وهو يصيح من الألم ، وكلّ ذلك لا يسمعه ، فلمّا أصبح رأى
الصبي يده مربوطة الى عنقه فقال : ما هذا ؟ فأخبروه .
ووقع
حريق في بيت هو فيه ساجد فجعلوا يقولون : يابن رسول اللّه النار النار ، فما رفع
رأسه حتى أطفئت ، فقيل له بعد قعوده : ما الذي ألهاك عنها ؟ قال : ألهتني عنها
النار الكبرى
(4) . (تمّ ما نقلناه عن عين الحياة)
(1) راجع البحار 46:78 ، ح
75 .
(2) الارشاد : 256 ، عنه
البحار 46:74 ، ح 65 .
(3) الكافي 3:300 .
(4) عين الحياة : 38 ،
وانظر المناقب لابن شهر آشوب 4:148 .
(347)
وروي
عن أبي حمزة الثمالي ـ من زهاد الكوفة ومشائخها ـ أنّه قال : بينا أنا قاعد يوما
في المسجد عند السابعة إذا رجل مما يلي أبواب كندة قد دخل ، فنظرت الى أحسن الناس
وجها وأطيبهم ريحا وأنظفهم ثوبا معمم بلا طيلسان ولا ازار ، عليه قميص ودراعة
وعمامة وفي رجليه نعلان عربيتان ، فخلع نعليه ثم قام عند السابعة ورفع مسّبحتيه
حتى بلغتا شحمتي أذنيه ثم أرسلهما بالتكبير ، فلم يبق في بدني شعرة الاّ قامت ، ثم
صلى أربع ركعات أحسن ركوعهن وسجودهن ...(1)
وروي
انّه : كان عليّ بن الحسين عليهالسلام أحسن الناس صوتا بالقرآن ، وكان السقاؤن
يمرّون فيقفون ببابه يستمعون قراءته(2) .
وقال
الغزّالي في كتاب أسرار الحج عن سفيان بن عيينة قال : حجّ عليّ بن الحسين فلمّا
أراد الأحرام وقفت راحلته واصفرّ لونه وأخذته رعشة ولم يقدر على التلبية ، فقلت :
لم لا تلبّي ، فأجابني بانّه يخاف أن يقول له اللّه تعالى لا لبيك ولا سعديك ،
فلمّا لبّى أغمي عليه وسقط عن راحلته ، وكان هذا حاله الى أن فرغ من الحج(3)
.
وفي
كتاب حديقة الشيعة انّه قال طاووس اليماني : دخلت حجر اسماعيل ليلة فرأيت عليّ بن
الحسين عليهالسلام في السجود وهو يكرّر كلاما ، فأصغيت جيدا فإذا هو يقول : «
الهي عبيدك بفنائك ، مسكينك بفنائك ، فقيرك بفنائك » فما أصابني بلاء أو مرض أو
ألم فصلّيت وسجدت وقلتها الاّ كُشف عنّي وفُرّج بي .
والفناء
في اللغة فضاء البيت أي عبدك ومسكينك والمحتاج اليك واقف ببابك منتظر رحمتك ورأفتك
، فمن قالها باخلاص رأى أثرها وقضيت حاجاته (انتهى)
(4) .
وعلى أية حال لا يمكن لنا احصاء
عبادته عليهالسلام لكثرتها لكن نكتفي هنا بحديث واحد ونختم به هذا الفصل :
روى
القطب الراوندي وغيره عن حماد بن حبيب الكوفي انّه قال : خرجنا سنة حجّاجا فرحلنا
من زبالة ، فاستقبلتنا ريح سوداء مظلمة فتقطّعت القافلة ، فَتِهْتُ في تلك البراري
، فانتهيت الى واد قفر وجنّني الليل فآويت الى شجرة ، فلمّا اختلط الظلام إذا أنا
بشاب عليه أطمار بيض ، قلت :
هذا
وليّ من أولياء اللّه متى ما أحسّ بحركتي خشيت نفاره ، فأخفيت نفسي فدنا الى موضع
فتهيّأ للصلاة وقد نبع له ماء ثم وثب قائما يقول : « يا من حاز كلّ شيء
(1) سفينة البحار 1:339 ،
باب الحاء .
(2) الكافي 2:451، باب
ترتيل القرآن بالصوت الحسن ، وعنه في البحار 46:70، ح 45 .
(3) احياء العلوم 1:268 .
(4) حديقة الشيعة 2:693 ،
البحار 46:75 .
(348)
ملكوتا ،
وقهر كلّ شيء جبروتا ، صلّ على محمد وآل محمد ، وأولج قلبي فرح الاقبال اليك ،
وألحقني بميدان المطيعين لك » .
ودخل
في الصلاة فتهيّأت ايضا للصلاة ، ثم قمت خلفه وإذا بمحراب مثّل في ذلك الوقت
قدّامه ، وكلّما مرّ بآية فيها الوعد والوعيد يرددها بانتحاب وحنين ، فلمّا تقشّع
الظلام قام فقال : « يا من قصده الضالون فأصابوه مرشدا ، وأمّه الخائفون فوجدوه
معقلاً ، ولجأ اليه العائدون فوجدوه موئلاً ، متى راحة من نصب لغيرك بدنه ؟ ومتى
فرح من قصد سواك بهمّته ؟! الهي قد انقشع الظلام ولم أقض من خدمتك وطرا ، ولا من
حياض مناجاتك صدرا ، صلى على محمد وآل محمد ، وافعل بي أولى الأمرين بك » .
ونهض
فعلّقت به ، فقال : لو صدق توكلك ما كنت ضالاً ولكن اتّبعني واقف أثري ، وأخذ بيدي
فخيّل اليّ انّ الأرض تميد من تحت قدمي ، فلمّا انفجر عمود الصبح قال : هذه مكّة .
فقلت
: من أنت بالذي ترجوه ؟ قال إمّا : إذا أقسمت ، فأنا عليّ بن الحسين
(1) .
* * *
(1) الخرائج 1:265 ، ح 9 ،
عنه البحار 46:41 ، ح 35 ، ملخّصا .
(349)
الفصل الرابع
في معاجزه عليهالسلام
لا
يخفى انّه ليست هناك معجزة أبلغ وأعظم من الآداب والاخلاق الكريمة والكلمات
والمواعظ البليغة والصحائف والادعية الشريفة التي كانت لعليّ بن الحسين
عليهالسلام ، والمفروض ان نكتفي بما ذكرناه في الفصول السابقة ، ولكن الواجب
يدعونا الى ذكر بعض الروايات تبرّكا وتيمّنا :
الأولى ؛
في شهادة الحجر الاسود بأمامته عليهالسلام :
روى
الشيخ الكليني وغيره عن الامام محمد الباقر عليهالسلام (وكذلك الطبرسي واللفظ
للطبرسي في الاحتجاج) قال : لما قتل الحسين بن عليّ عليهمالسلام أرسل محمد بن
الحنفية الى عليّ بن الحسين عليهالسلام ، فخلا به ثم قال : يا ابن أخي قد علمت
أنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآله كان جعل الوصية والامامة من بعده لعليّ بن
ابي طالب عليهالسلام ، ثم الى الحسن ثم الى الحسين ، وقد قتل أبوك رضي اللّه عنه
وصلى عليه ولم يوص ، وأنا عمك وصنو أبيك ، وأنا في سنّي وقدمتي أحقّ بها منك في
حداثتك ، فلا تنازعني الوصية والامامة ولا تخالفني .
فقال
له عليّ بن الحسين عليهالسلام : (يا عم) اتّق اللّه ولا تدّع ما ليس لك بحق ،
إنّي أعظك أن تكون من الجاهلين ، يا عمّ انّ أبي صلوات اللّه عليه أوصى اليّ قبل
أن يتوجه الى العراق ، وعهد اليّ في ذلك قبل أن يستشهد بساعة ، وهذا سلاح رسول
اللّه صلىاللهعليهوآله عندي ، فلا تعرض لهذا فاني أخاف عليك بنقص العمر
وتشتّت الحال ، وانّ اللّه تبارك وتعالى أبى الا أن يجعل الوصية والامامة الاّ في
عقب الحسين عليهالسلام ، فان أردت أن تعلم فانطلق بنا الى الحجر الاسود حتى
نتحاكم إليه ونسأله عن ذلك .
قال
الباقر عليهالسلام : وكان الكلام بينهما وهما يومئذ بمكة ، فانطلقا حتى أتيا
الحجر الأسود ، فقال عليّ بن الحسين عليهالسلام لمحمد : « ابدأ فابتهل الى اللّه
واسأله أن ينطق لك الحجر ثم سله ، فابتهل محمد في الدعاء وسأل اللّه ثم دعا الحجر
فلم يجبه ، فقال عليّ بن الحسين عليهالسلام : اما انّك يا عم لو كنت وصيا واماما
لأجابك ، فقال له محمد : فادع أنت يا ابن أخي (و اسأله) ، فدعا اللّه عليّ بن
الحسين عليهالسلام بما أراد ثم قال :
«
أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الانبياء ، وميثاق الأوصياء ، وميثاق الناس أجمعين لمّا
أخبرتنا بلسان عربي مبين ، من الوصي والامام بعد الحسين بن عليّ ؟ » .
فتحرّك
الحجر حتى كاد أن يزول عن موضعه ، ثم انطقه اللّه بلسان عربيّ مبين
(350)
فقال : «
اللهم انّ الوصية والامامة بعد الحسين بن عليّ بن أبي طالب الى عليّ بن الحسين بن
عليّ بن أبي طالب وابن فاطمة بنت رسول اللّه صلىاللهعليهوآله »(1)
.
وفي
بعض الروايات أن محمد بن الحنفية أهوى الى قدمي الامام عليهالسلام فقبّلهما وقال
ان الامامة مختصة بك .
الثانية ؛
خبر الزهري وما شاهده من الدلائل :
ذكر
في حديقة الشيعة من معاجزه عليهالسلام عن كشف الغمة عن شهاب الزهري ، قال :
شهدت
عليّ بن الحسين عليهالسلام يوم حمله عبد الملك بن مروان من المدينة الى الشام ،
فأثقله حديدا ووكّل به حفاظا في عدّة وجمع ، فاستأذنتهم في التسليم عليه والتوديع
له ، فأذنوا لي فدخلت عليه وهو في قبة والاقياد في رجليه والغلّ في يديه ، فبكيت
وقلت : وددت إنّي في مكانك وأنت سالم ، فقال لي : يا زهري أو تظن هذا مما ترى عليّ
وفي عنقي مما يكربني ؟ أما لو شئت ما كان ، وانّه ان بلغ بك وبأمثالك غمر ليذكر
عذاب اللّه ، ثم أخرج يده من الغل ورجليه من القيد ، ثم قال : يا زهري لا جزت
معهم على ذا منزلتين من المدينة ، فما لبثنا الاّ أربع ليال حتى قدم الموكّلون به
يطلبونه من المدينة فما وجدوه ، فكنت فيمن سألهم عنه فقال لي بعضهم : انّا نراه
متبوعا انّه لنازل ونحن حوله لا ننام نرصده إذ أصبحنا فما وجدنا بين محمله الاّ
حديده .
قال
الزهري : فقدمت بعد ذلك على عبد الملك بن مروان ، فسألني عن عليّ بن الحسين
فأخبرته ، فقال لي : انّه جاءني في يوم فقده الأعوان فدخل عليّ فقال : ما أنا وأنت
؟ فقلت : أقم عندي ، فقال : لا أحبّ ثم خرج ، فو اللّه لقد امتلأ ثوبي منه خيفة .
قال
الزهري : فقلت : يا أمير المؤمنين ليس عليّ بن الحسين عليهالسلام حيث تظن انّه
مشغول بربّه ، فقال : حبّذا شغل مثله فنعم ما شغل به
(2) .
الثالثة ؛
خبر عثور شخص فقير على درّتين في بطن سمكة ببركة الإمام :
جاء
في الكتاب المذكور عن الزهري انّه قال : كنت عند عليّ بن الحسين عليهالسلام فجاءه
رجل من أصحابه ، فقال له عليّ بن الحسين عليهالسلام : ما خبرك أيّها الرجل ؟ فقال
الرجل : خبري يا بن رسول اللّه إنّي أصبحت وعليّ أربعمائة دينار دين لا قضاء عندي
لها ، ولي عيال ثقال ليس لي ما أعود عليهم به ، قال : فبكى عليّ بن الحسين
عليهالسلام بكاءا شديدا ، فقلت له : ما يبكيك يا بن رسول اللّه ؟
(1) الاحتجاج 2:46 ، وعنه
في البحار 46:111 ، ح 2 ، وفي الكافي 1:282 ، البصائر : 522 .
(2) كشف الغمة 2:288 ،
حديقة الشيعة 2:687 .
(351)
فقال
: وهل يعدّ البكاء الاّ للمصائب والمحن الكبار ؟ قالوا : كذلك يا بن رسول اللّه ،
قال : فأيّة محنة ومصيبة أعظم على حرّ مؤمن من أن يرى بأخيه المؤمن خلّة فلا يمكنه
سدّها ، ويشاهده على فاقة فلا يطيق رفعها .
قال
: فتفرّقوا عن مجلسهم ، فقال بعض المخالفين (وهو يطعن على عليّ بن الحسين
عليهالسلام ) : عجبا لهؤلاء يدّعون مرّة انّ السماء والارض وكلّ شيء يطيعهم ،
وانّ اللّه لا يردّهم عن شيء من طلباتهم ، ثم يعترفون أخرى بالعجز عن اصلاح حال
خواص اخوانهم ، فاتصل ذلك بالرجل صاحب القصة ، فجاء الى عليّ بن الحسين
عليهالسلام فقال له : يا بن رسول اللّه بلغني عن فلان كذا وكذا وكان ذلك أغلظ
عليّ من محنتي .
فقال
عليّ بن الحسين عليهالسلام : قد أذن اللّه في فرجك ، يا فلانة احملي سحوري
وفطوري ، فحملت قرصتين ، فقال عليّ بن الحسين عليهالسلام للرجل : خذهما ليس عندنا
غيرهما ، فانّ اللّه يكشف عنك بهما ، وينيلك خيرا واسعا منهما ، فأخذهما الرجل
ودخل السوق لا يدري ما يصنع بهما ، يتفكّر في ثقل دينه وسوء حال عياله ، ويوسوس
إليه الشيطان أين موقع هاتين من حاجتك ، فمرّ بسماك قد بارت عليه سمكة قد أراحت ،
فقال له : سمكتك هذه بائرة عليك واحدى قرصتيّ هاتين بائرة عليّ ، فهل لك أن تعطيني
سمكتك البائرة وتأخذ قرصتي هذه البائرة ؟
فقال
: نعم ، فأعطاه السمكة وأخذ القرصة ، ثم مرّ برجل معه ملح قليل مزهود فيه ، فقال :
هل لك أن تعطيني ملحك هذا المزهود فيه بقرصتي هذه المزهود فيها ؟ قال : نعم ، ففعل
، فجاء الرجل بالسمكة والملح فقال : اصلح هذه بهذا ، فلمّا شق بطن السمكة وجد فيه
لؤلؤتين فاخرتين فحمد اللّه عليهما ، فبينما هو في سروره ذلك إذ قرع بابه فخرج
ينظر من بالباب ، فإذا صاحب السمكة وصاحب الملح قد جاءا يقول كلّ واحد منهما له :
يا عبد اللّه جهدنا أن نأكل نحن أو أحد من عيالنا هذا القرص فلم تعمل فيه أسناننا
، وما نظنّك الاّ وقد تناهيت في سوء الحال ومرنت على الشقاء ، قد رددنا اليك هذا
الخبز وطيّبنا لك ما أخذته منّا .
فأخذ
القرصتين منهما ، فلمّا استقرّ بعد انصرافهما عنه قرع بابه فإذا رسول عليّ بن
الحسين عليهالسلام فدخل فقال : انّه يقول لك : انّ اللّه قد أتاك بالفرج فأردد
علينا طعامنا فانّه لا يأكله غيرنا ، وباع الرجل اللؤلؤتين بمال عظيم قضى منه دينه
وحسنت بعد ذلك حاله .
فقال
بعض المخالفين : ما أشد هذا التفاوت ، بينا عليّ بن الحسين لا يقدر أن يسدّ منه
فاقة إذ أغناه هذا الغناء العظيم ، كيف يكون هذا ؟ وكيف يعجز عن سدّ الفاقة من
يقدر على هذا الغناء العظيم ؟
فقال
عليّ بن الحسين عليهالسلام : هكذا قالت قريش للنبي صلىاللهعليهوآله : كيف
يمضي الى بيت المقدس ويشاهد ما فيه من آثار الانبياء من مكة ويرجع اليها في ليلة
واحدة من لا يقدر
(352)
أن يبلغ من
مكة الى المدينة الاّ في اثني عشر يوما ؟! وذلك حين هاجر منها ، ثم قال عليّ بن
الحسين عليهالسلام : جهلوا واللّه أمر اللّه وأمر أوليائه معه(1) .
الرابعة ؛
في قضية حبابة الوالبيّة ورجوع شبابها اليها بمعجزة الامام :
روى
الشيخ الصدوق وغيره عن حبابة الوالبيّة انّها قالت : رأيت أمير المؤمنين عليهالسلام
في شرطة الخميس ، ومعه درّة يضرب بها بيّاع الجريّ والمارماهي والزمّار والطافي
ويقول لهم : يا بيّاعي مسوخ بني اسرائيل وجند بني مروان ، فقام إليه فرات بن
الأحنف فقال له : يا أمير المؤمنين فما جند بني مروان ؟
فقال
له : أقوام حلقوا اللحاء وفتلوا الشوارب ، فلم أر ناطقا أحسن نطقا منه ، ثم أتبعته
فلم أزل أقفو أثره حتى قعد في رحبة المسجد ، فقلت له : يا أمير المؤمنين ما دلالة
الامامة رحمك اللّه ؟ فقال لي : ايتيني بتلك الحصاة ـ وأشار بيده الى حصاة ـ
فأتيته بها فطبع لي فيها بخاتمه ، ثم قال لي : يا حبابة إذا ادّعي مدّع الامامة
فقدر أن يطبع كما رأيت فاعلمي انّه امام مفترض الطاعة ، والامام لا يعزب عنه شيء
يريده .
قالت
: ثم انصرفت حتى قبض أمير المؤمنين عليهالسلام ، فجئت الى الحسن عليهالسلام وهو
في مجلس أمير المؤمنين والناس يسألونه ، فقال لي : يا حبابة الوالبيّة ، فقلت :
نعم يا مولاي ، فقال : هاتي ما معك ، قلت : فأعطيته الحصاة ، فطبع لي فيها كما طبع
أمير المؤمنين عليهالسلام .
قالت
: ثم أتيت الحسين عليهالسلام وهو في مسجد الرسول صلىاللهعليهوآله فقرّب ورحّب
بي ثم قال لي : انّ في الدلالة دليلاً على ما تريدين ، أفتريدين دلالة الامامة ؟
فقلت : نعم يا سيدي ، فقال : هاتي ما معك ، فناولته الحصاة فطبع لي فيها .
قالت
: ثم أتيت عليّ بن الحسين عليهالسلام ، وقد بلغ بي الكبر الى أن أعييت وأنا أعدّ
يومئذ مائة وثلاث عشرة سنة ، فرأيته راكعا ساجدا مشغولاً بالعبادة ، فيئست من
الدلالة فأومأ اليّ بالسبابة فعاد اليّ شبابي ، قالت : فقلت : يا سيدي كم مضى من
الدنيا وكم بقي ؟ قال : امّا ما مضى فنعم (أي اُخبرك به) وامّا ما بقى فلا ، قالت
: ثم قال لي : هاتي ما معك ، فأعطيته الحصاة فطبع لي فيها .
ثم
أتيت أبا جعفر عليهالسلام فطبع لي فيها ، ثم أتيت أبا عبد اللّه عليهالسلام
فطبع لي فيها ، ثم أتيت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهالسلام فطبع لي فيها ، ثم
أتيت الرضا عليهالسلام فطبع لي فيها ، ثم عاشت حبابة الوالبيّة بعد ذلك تسعة أشهر
على ما ذكره عبد اللّه بن همام
(2) .
(1) المناقب لابن شهر آشوب
2:691 ـ 693 ، البحار 46:20 ، ح 1 ، حديقة الشيعة 4:146 .
(2) كمال الدين : 536 ،
وعنه البحار 25:175 .
(353)
الخامسة :
روي
في مدينة المعاجز عن أبي جعفر الطبري عن أبي النمير عليّ بن يزيد انّه قال : كنت
مع عليّ بن الحسين عند ما انصرف من الشام الى المدينة فكنت أحسن الى نسائه ،
أتوارى عنهم إذا نزلوا وأبعد عنهم إذا رحلوا ، فلمّا نزلوا المدينة بعثوا اليّ
بشيء من الحليّ فلم آخذه وقلت : فعلت هذه للّه ولرسوله ، فأخذ عليّ بن الحسين
عليهالسلام حجرا أسود صما فطبعه بخاتمه وقال : خذه واقض كل حاجة لك منه .
فو
اللّه الذي بعث محمدا بالحق لقد كنت أجعله في البيت المظلم فيسرج لي ، وأضعه على
الأقفال فتفتح لي ، وآخذه بيدي وأقف بين أيدي الملوك فلا أرى الاّ ما أحب
(1) .
السادسة ؛
في افتراس السباع لقاطع الطريق على الامام عليهالسلام :
خرج
عليّ بن الحسين عليهالسلام الى مكة حاجّا حتى انتهى الى واد بين مكة والمدينة ،
فإذا هو برجل يقطع الطريق ، فقال لعليّ بن الحسين عليهالسلام انزل ، قال : تريد
ماذا ؟ قال : أريد أن أقتلك وآخذ ما معك ، قال : فأنا أقاسمك ما معي واُحلّلك ،
فقال اللّص : لا ، قال : فدع معي ما أتبلّغ به ، فأبى ، قال : فأين ربك ؟ قال :
نائم ، فإذا أسدان مقبلان بين يديه فأخذ هذا برأسه وهذا برجليه ، قال : زعمت انّ
ربّك عنك نائم
(2) .
السابعة ؛
في توكله عليهالسلام :
روي
في المناقب ومدينة المعاجز وغيرهما عن ابراهيم بن أدهم وفتح الموصلي قال كلّ واحد
منهما (واللفظ للمناقب) : كنت أسيح في البادية مع القافلة فعرضت لي حاجة فتنحيت عن
القافلة فإذا أنا بصبيّ يمشي ، فقلت : سبحان اللّه بادية بيداء وصبيّ يمشي ،
فدنوت منه وسلّمت عليه ، فردّ عليّ السلام ، فقلت له : الى أين ؟ قال : أريد بيت
ربّي ، فقلت : حبيبي إنّك صغير ليس عليك فرض ولا سنّة ، فقال : يا شيخ ما رأيت من
هو أصغر سنّا منّي مات ؟ فقلت : أين الزاد والراحلة ؟ فقال : زادي تقواي ، وراحلتي
رجلاي ، وقصدي مولاي .
فقلت
: ما أرى شيئا من الطعام معك ؟ فقال : يا شيخ هل يستحسن أن يدعوك انسان الى دعوة
فتحمل من بيتك الطعام ؟ قلت : لا ، قال : الذي دعاني الى بيته هو يطعمني ويسقيني ،
فقلت : ارفع رجلك حتى تدرك ، فقال : عليّ الجهاد وعليه الابلاغ ، أما سمعت قوله
تعالى :
(1) دلائل الامامة : 85 ،
عنه مدينة المعاجز .
(2) البحار 46:41 .
(354)
«
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهِديَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإنَّ اللّهَ لَمَعَ
الُْمحْسِنِينَ »
(1) .
قال
: فبينا نحن كذلك إذ أقبل شابّ حسن الوجه عليه ثياب بيض حسنة فعانق الصبيّ وسلّم
عليه ، فأقبلت على الشاب وقلت له : أسألك بالذي حسّن خلقك من هذا الصبيّ ؟ فقال :
أما تعرفه ؟ هذا عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، فتركت الشاب وأقبلت على
الصبي ، وقلت : أسألك بآبائك من هذا الشاب ، فقال : اما تعرفه ؟ هذا أخي الخضر
يأتينا كلّ يوم فيسلّم علينا .
فقلت
: أسألك بحق آبائك لمّا أخبرتني بما تجوز المفاوز بلا زاد ؟ قال : بل أجوز بزاد ،
وزادي فيها أربعة أشياء ، قلت : وما هي ؟ قال : أرى الدنيا كلّها بحذافيرها مملكة
اللّه ، وأرى الخلق كلّهم عبيد اللّه واماءه وعياله ، وأرى الاسباب والارزاق بيد
اللّه ، وأرى قضاء اللّه نافذا في كلّ أرض اللّه ، فقلت : نعم الزاد زادك يا
زين العابدين ، وأنت تجوز بها مفاوز الآخرة فكيف مفاوز الدنيا
(2) .
الثامنة ؛
في جلالته وعظمته عليهالسلام :
روي
في الكتب المعتبرة انّه حجّ هشام بن عبد الملك فلم يقدر على الاستلام (أي استلام
الحجر الأسود) من الزحام ، فنصب له منبر فجلس عليه وأطاف به أهل الشام ، فبينما هو
كذلك إذ أقبل عليّ بن الحسين عليهالسلام وعليه إزار ورداء ، من أحسن الناس وجها
وأطيبهم رائحة ، بين عينيه سجّادة كأنّها ركبة عنز ، فجعل يطوف فإذا بلغ الى موضع
الحجر تنحّى الناس حتى يستلمه هيبة له .
فقال
شاميّ : من هذا يا أمير المؤمنين ؟ فقال : لا أعرفه ، لئلاّ يرغب فيه أهل الشام ،
فقال الفرزدق وكان حاضرا : لكنّي أنا أعرفه ، فقال الشامي : من هو يا أبا فراس ؟
فأنشأ
الفرزدق :
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
والبيت يعرفه والحل والحرم هذا ابن خير عباد اللّه كلّهم هذا
التقي النقي الطاهر العلم إذا رأته قريش قال قائلها الى مكارم هذا
ينتهي الكرم يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
وليس قولك من هذا ؟ بضائره العرب تعرف من انكرت والعجم هذا ابن
فاطمة ان كنت جاهله بجدّه انبياء اللّه قد ختموا مقدم بعد ذكر اللّه
ذكرهم في كل فرض ومختوم به الكلم يستدفع الضر والبلوى بحبهم
ويسترب به الاحسان والنعم
(1) العنكبوت : 69 .
(2) المناقب 4:137 ، وعنه
في البحار 46:38 ، ضمن حديث 33 .
(355)
ان عد أهل التقى كانوا
أئمتهم أو قيل من خير أهل الارض ؟ قيل هم ما قال لاقط الاّ في تشهده
لو لا التشهد كانت لاؤه نعم
فغضب
هشام ومنع جائزته ، فحبسوه بعسفان بين مكة والمدينة ، فبلغ ذلك علي بن الحسين
عليهالسلام ، فبعث إليه باثني عشر الف درهم وقال : اعذرنا يا أبا فراس فلو كان
عندنا أكثر من هذا لوصلناك به ، فردّها وقال : يا بن رسول اللّه ما قلت الذي قلت
الاّ غضبا للّه ولرسوله وما كنت لأرزأ عليه شيئا .
فردّها
إليه وقال : بحقّي عليك لما قبلتها فقد رأى اللّه مكانك وعلم نيتك ، فقبلها
(1) .
وفي
رواية انّه : لما طال الحبس عليه (وكان هشام يوعده بالقتل) شكا الى عليّ بن الحسين
عليهالسلام فدعا له فخلّصه اللّه ، فجاء إليه وقال : يابن رسول اللّه انّه محا
اسمي من الديوان ، فقال : كم كان عطاؤك ؟ قال : كذا ، فأعطاه لأربعين سنة ، وقال
عليهالسلام : لو علمت انّك تحتاج الى أكثر من هذا لأعطيتك ، فمات الفرزدق بعد أن
مضى أربعون سنة(2) .
التاسعة ؛
في تكلّم الغزال معه عليهالسلام :
روي
في كشف الغمة وغيره من الكتب المعتبرة انّ عليّ بن الحسين عليهالسلام كان جالسا
مع أصحابه إذ أقبلت ظبية من الصحراء حتى قامت بحذاه وضربت بذنبها وحمحمت ، فقال بعض
القوم : يا بن رسول اللّه ما تقول هذه الظبية ؟ قال : تزعم انّ فلان بن فلان
القرشي أخذ خشفها بالأمس وانها لم ترضعه منذ أمس شيئا ، فوقع في قلب رجل من القوم
شيء .
فأرسل
عليّ بن الحسين عليهالسلام الى القرشي فأتاه فقال له : ما لهذه الظبية تشكوك ؟ قال
: وما تقول ؟ قال : تقول : انّك أخذت خشفها بالأمس في وقت كذا وكذا ، وانّها لم
ترضعه شيئا منذ أخذته ، وسألتني ان أبعث اليك فأسألك أن تبعث به اليها لترضعه
وترده اليك .
فقال
الرجل : والذي بعث محمدا بالحق لقد صدقت عليّ ، قال له : فأرسل الى الخشف فجيء به
، قال : فلمّا جاء به أرسله اليها ، فلمّا رأته حمحمت وضربت بذنبها ثم رضع منها ،
فقال عليّ بن الحسين عليهالسلام للرجل : بحقي عليك الاّ وهبته لي فوهبه له ووهبه
عليّ بن الحسين عليهالسلام لها ، وكلّمها بكلامها فحمحمت وضربت بذنبها وانطلقت
وانطلق الخشف معها ، فقالوا : يا بن رسول اللّه ما الذي قالت ؟ قال : دعت لكم
وجزتكم خيرا
(3) .
(1) المناقب 4:169 ، وعنه
في البحار 46:124 ، ح 17 .
(2) الخرائج 1:267 ، وعنه
في البحار 46:141 .
(356)
العاشرة ؛
في دلائل الامام عليهالسلام في وقعة الحرّة :
في
المناقب انّه سأل ليث الخزاعي سعيد بن المسيّب عن إنهاب المدينة قال :
نعم
شدّوا الخيل الى أساطين مسجد رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ، ورأيت الخيل حول
القبر ، وانتهبت المدينة ثلاثا ، فكنت أنا وعليّ بن الحسين عليهالسلام نأتي قبر
النبي صلىاللهعليهوآله فيتكلّم عليّ بن الحسين بكلام لم أقف عليه ، فيحال ما
بيننا وبين القوم ، ونصلّي ونرى القوم وهم لا يروننا .
وقام
رجل عليه حلل خضر على فرس محذوف أشهب بيده حربة مع عليّ بن الحسين عليهالسلام ،
فكان إذا أومأ الرجل (من جيش الشام) الى حرم رسول اللّه صلىاللهعليهوآله يشير
ذلك الفارس بالحربة نحوه فيموت من غير أن يصيبه ، فلمّا أن كفّوا عن النهب دخل
عليّ بن الحسين عليهالسلام على النساء ، فلم يترك قرطا في إذن صبيّ ولا حليا على
امرأة ولا ثوبا الاّ أخرجه الى الفارس .
فقال
له الفارس : يا بن رسول اللّه ، إنّي ملك من الملائكة من شيعتك وشيعة أبيك لمّا
أن ظهر القوم بالمدينة استأذنت ربّي في نصرتكم آل محمد ، فأذن لي لأن أدّخرها يدا
عند اللّه تبارك وتعالى وعند رسوله صلىاللهعليهوآله وعندكم أهل البيت الى يوم
القيامة
(1) .
الحادية
عشرة ؛ في نزول المطر بدعائه عليهالسلام :
روى
الشيخ الطبرسي في الاحتجاج وغيره عن ثابت البناني قال : كنت حاجا وجماعة عبّاد
البصرة مثل أيوب السجستاني وصالح المرّي وعتبة الغلام وحبيب الفارسي ومالك بن
دينار ، فلمّا دخلنا مكة رأينا الماء ضيقا وقد اشتد بالناس العطش لقلّة الغيث ،
ففزع الينا أهل مكة والحجّاج يسألونا أن نستسقي لهم .
فأتينا
الكعبة وطفنا بها ، ثم سألنا اللّه خاضعين متضرّعين بها فمُنعنا الاجابة ، فبينما
نحن كذلك إذا نحن بفتى قد أقبل قد أكربته أحزانه وأقلقته أشجانه ، فطاف بالكعبة
أشواطا ثم أقبل علينا فقال : يا مالك بن دينار ، ويا ثابت البناني ، ويا أيوب
السجستاني ، ويا صالح المري ، ويا عتبة الغلام ، ويا حبيب الفارسي ، ويا سعد ، ويا
عمر ، ويا صالح الاعمى ... فقلنا : لبيك وسعديك يا فتى .
فقال
: اما فيكم أحد يحبّه الرحمن ؟ فقلنا : يا فتى علينا الدعاء وعليه الاجابة ، فقال
: ابعدوا من الكعبة ، فلو كان فيكم أحد يحبّه الرحمن لأجابه .
(1) كشف الغمة 2:321 ،
البحار 46:30 ، مدينة المعاجز : 313 .
(2) المناقب 4:143 ، وعنه
في البحار 46:131 ، ح 21 .
(357)
ثم
أتى الكعبة فخرّ ساجدا ، فسمعته يقول في سجوده : « سيدي بحبك لي الاّ سقيتهم الغيث
» .
قال
: فما استتم الكلام حتى أتاهم الغيث كأفواه القرب ، فقلت : يا فتى من أين علمت
انّه يحبّك ؟ قال : لو لم يحبني لم يستزرني ، (لم يطلبني لزيارته) ، فلمّا
استزارني علمت انّه يحبني ، فسألته بحبّه لي فأجابني ، ثم ولّى عنّا وأنشأ يقول :
من عرف الرب فلم تغنه
معرفة الرب فذاك الشقي ما ضرّ في الطاعة ما ناله في طاعة اللّه
وماذا لقي ما يصنع العبد بغير التقى والعزّ كلّ العزّ للمتقي
فقلت
: يا أهل مكة من هذا الفتي ؟ قالوا : عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب
عليهمالسلام
(1) .
يقول
المؤلف :
لا
عجب من نزول المطر بدعائه عليهالسلام بل أهون عبيد مولانا عليّ بن الحسين
عليهالسلام لو طلب المطر من اللّه لأنزله لأجله ، أما سمعت قول المسعودي في
اثبات الوصية نقلاً عن سعيد بن المسيب حيث قال : قحط الناس يمينا وشمالاً ، فمددت
عيني فرأيت شخصا أسود على تل قد انفرد ، فقصدت نحوه فرأيته يحرك شفتيه ، فلم يتم
دعاءه حتى أقبلت غمامة ، فلمّا نظر اليها حمد اللّه وانصرف وادركنا المطر حتى
ظنناه المغرق ، فأتبعته حتى دخل دار عليّ بن الحسين عليهالسلام .
فدخلت
إليه فقلت له : يا سيدي في دارك غلام أسود تفضل علىّ بيعه ، فقال : يا سعيد ولم لا
يوهب لك ، ثم أمر القيم على غلمانه يعرض كل مَن في الدار عليه ، فجمعوا فلم أر
صاحبي بينهم ، فقلت : فلم أره ، فقال : انّه لم يبق الاّ فلان السايس ، فأمر به
فاحضر فإذا هو صاحبي ، فقلت له : هذا هو .
فقال
له : يا غلام ان سعيدا قد ملكك فامض معه ، فقال لي الأسود : ما حملك على أن فرقت
بيني وبين مولاي ، فقلت له : إنّي رأيت ما كان منك على التل ، فرفع يده الى السماء
مبتهلاً ثم قال : ان كانت سريرة ما بينك وبيني قد اذعتها عليّ فاقبضني اليك ، فبكى
عليّ بن الحسين عليهالسلام وبكى من حضره ، وخرجت باكيا .
فلمّا
صرت الى منزلي وافاني رسوله فقال لي : ان أردت أن تحضر جنازة صاحبك فافعل ، فرجعت
معه ووجدت العبد قد مات بحضرته
(2) .
* * *
(1) الاحتجاج 2:47 ، وعنه
في البحار 46:50 ، ح 1 .
(2) اثبات الوصية : 148 .
(358)
الفصل السادس
في انتقاله عليهالسلام من الدنيا الفانية إلى دار
الخالدة
إعلم
انّه وقع اختلاف كبير بين العلماء في وفاة الامام السجاد عليهالسلام ، والمشهور
انّه استشهد في أحد الأيام الثلاثة : أما الثاني عشر من محرم ، أو الثامن عشر ، أو
الخامس والعشرون منه في السنة الخامسة والتسعين أو الرابعة والتسعين للهجرة ، وقيل
في سنة وفاته عليهالسلام سنة الفقهاء لكثرة موت الفقهاء والعلماء آنذاك ، ووقع
الاختلاف أيضا في عمره الشريف ، وقال الاكثر انّه توفي عليهالسلام وهو ابن (57)
سنة .
وروى
الشيخ الكليني بسند معتبر عن الصادق عليهالسلام انّه قال : قبض عليّ بن الحسين
عليهالسلام وهو ابن سبع وخمسين سنة ، في عام خمس وتسعين (للهجرة) ، عاش بعد
الحسين عليهالسلام خمسا وثلاثين سنة
(1) .
ويظهر
من الأخبار المعتبرة بشكل عام انّه عليهالسلام مات بالسم ، وذهب ابن بابويه وجمع
آخر الى انّ الوليد بن عبد الملك هو الذي دسّ السّم إليه ، وقيل هشام بن عبد الملك(2)
.
ويحتمل
أن هشام بن عبد الملك ، حرّض أخاه الخليفة الوليد بن عبد الملك على قتل الامام
عليهالسلام ، وذلك للحقد والحسد الذي كان في قلب هشام على الامام عليهالسلام ،
ومنشأه عدم تمكّنه من استلام الحجر الأسود مع مشاهدته احترام الناس للامام
وتنحّيهم عنه كي يستلم الحجر ، فمدحه الفرزدق بتلك القصيدة الغرّاء ، ولأسباب أخر
، فحينئذ يصح نسبة دس السم للامام واستشهاده به إليهما .
روى
الشيخ الثقة الجليل عليّ بن محمد الخزاز القمي في كفاية الأثر عن عثمان بن عثمان
بن خالد انّه قال : مرض عليّ بن الحسين عليهالسلام في مرضه الذي توفي فيه ، فجمع
أولاده محمدا والحسن وعبد اللّه وعمر وزيدا والحسين ، وأوصى الى إبنه محمد بن
عليّ عليهالسلام وكنّاه الباقر ، وجعل أمرهم إليه ، وكان فيما وعظه في وصيّته أن
قال : « يا بنيّ انّ العقل رائد الروح ، والعلم رائد العقل (الى أن قال) واعلم انّ
الساعات تذهب عمرك ، وانّك لا تنال النعمة الاّ بفراق أخرى ، فإيّاك والأمل الطويل
، فكم من مؤمل أملاً لا يبلغه وجامع مال لا يأكله ... »
(3) .
(1) الكافي 1:360 ، باب
عليّ بن الحسين عليهماالسلام .
(2) البحار 46:149 ، 153 .
(3) كفاية الأثر : 239 ،
عنه في البحار 46:230 ، ح 7 .
(359)
وروي
أيضا عن الزهري انّه قال : دخلت على عليّ بن الحسين عليهالسلام في المرض الذي
توفي فيه إذ قُدّم إليه طبق فيه خبز والهندباء ، فقال لي : كله ، قلت : قد أكلت يا
بن رسول اللّه ، قال : انّه الهندباء ، قلت : وما فضل الهندباء ؟ قال : ما من
ورقة من الهندباء الاّ وعليها قطرة من ماء الجنّة ، فيه شفاء من كلّ داء .
قال
: ثم رُفع الطعام وأتي بالدهن ، فقال : ادهن يا أبا عبد اللّه ، قلت : قد ادّهنت
، قال : انّه هو البنفسج ، قلت : وما فضل البنفسج على سائر الأدهان ؟ قال : كفضل
الاسلام على سائر الأديان ، ثم دخل عليه محمد ابنه فحدّثه طويلاً بالسرّ ، فسمعته
يقول فيما يقول : « عليك بحسن الخلق » .
قلت
: يا بن رسول اللّه ان كان من أمر اللّه ما لابد لنا منه ـ ووقع في نفسي انّه قد
نعى نفسه ـ فإلى من يُختلف بعدك ؟ قال : يا أبا عبد اللّه الى ابني هذا ـ وأشار
الى محمد ابنه ـ انّه وصيّي ووارثي وعيبة علمي ، معدن العلم وباقر العلم ، قلت :
يابن رسول اللّه ما معنى باقر العلم ؟ قال : سوف يختلف إليه خلاّص شيعتي ويبقر
العلم عليهم بقرا .
قال
: ثم أرسل محمدا (الباقر) إبنه في حاجة له في السوق ، فلمّا جاء محمد قلت : يا بن
رسول اللّه هلاّ أوصيت الى أكبر أولادك ؟ قال : يا أبا عبد اللّه ليست الامامة
بالصغر والكبر ، هكذا عهد إلينا رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ، وهكذا وجدناه
مكتوبا في اللوح والصحيفة .
قلت
: يا بن رسول اللّه فكم عهد اليكم نبيّكم أن يكون الأوصياء من بعده ؟ قال : وجدنا
في الصحيفة واللوح إثنا عشر أسامي مكتوبة بامامتهم وأسامي آبائهم وأمّهاتهم ، ثم
قال : يخرج من صلب محمد ابني سبعة من الأوصياء فيهم المهديّ صلوات اللّه عليهم
(1) .
وروى
الكليني عن الباقر عليهالسلام انّه قال : لمّا حَضَرَ عليّ بن الحسين عليهالسلام
الوفاة ضمّني الى صدره ثم قال : يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي عليهالسلام حين
حضرته الوفاة ومما ذكر انّ أباه أوصاه به قال : « يا بنيّ إياك وظلم من لا يجد
عليك ناصرا الاّ اللّه »(2) .
وروي
في البحار عن بصائر الدرجات انّه التفت عليّ بن الحسين عليهالسلام الى ولده وهو
في الموت وهم مجتمعون عنده ، ثم التفت الى محمد بن عليّ ابنه فقال : يا محمد هذا
الصندوق فاذهب به الى بيتك ، ثم قال : أما انّه لم يكن فيه دينار ولا درهم ولكنّه
كان مملوءا علما(3) .
وفي
رواية انّه حمل الصندوق بين أربعة رجال وكان فيه سلاح رسول اللّه وكتبه .
(1) كفاية الأثر : 241 ،
عنه البحار 46:232 ، ح 9 .
(2) الكافي 2:249 ، عنه
البحار 46:153 ، وفي عوالم العلوم 18:297 .
(3) البحار 46:229 ، بصائر
الدرجات : 185 ح13 باب 1 .
(360)
وروى
في جلاء العيون عن بصائر الدرجات عن الامام الصادق عليهالسلام انّه قال : لما كان
الليلة التي وعدها عليّ بن الحسين عليهالسلام قال لمحمد : يا بني أبغي وضوءً ،
قال : فقمت فجئت بوضوء ، قال : لا ينبغي هذا فانّ فيه شيئا ميتا ، قال : فخرجت
فجئت بالمصباح فإذا فيه فأرة ميتة ، فجئته بوضوء غيره .
قال
: فقال : يا بني هذه الليلة التي وعدتها ، فأوصى بناقته أن يحضر لها عصام ويقام
لها علف ، فجعلت فيه فلم نلبث أن خرجت حتى أتت القبر فضربت بجرانها ورغت وهملت
عيناها ، (فأتي محمد بن عليّ فقيل : انّ الناقة قد خرجت الى القبر فضربت بجرانها
ورغت وهملت عيناها) .
فأتاها
فقال : مه الآن قومي بارك اللّه فيك ، فسارت ودخلت موضعها فلم نلبث أن خرجت حتى
أتت القبر فضربت بجرانها ورغت وهملت عيناها ، فأتي محمد بن عليّ فقيل له : انّ
الناقة قد خرجت ، فأتاها فقال : مه الآن قومي ، فلم تفعل ، قال : دعوها فانّها
مودّعة ، فلم تلبث الاّ ثلاثة حتى نفقت
(1) .
ولقد
حجّ عليها اثنين وعشرين حجة فلم يقرعها بسوط قط .
وروى
عليّ بن ابراهيم بسند أبي الحسن عن الامام الرضا عليهالسلام انّه قال : لما حضر
عليّ بن الحسين عليهالسلام الوفاة أغمي عليه ثلاث مرّات فقال في المرّة الأخيرة :
« الحمد للّه الذي صدقنا وعده وأورثنا الارض نتبوء من الجنّة حيث نشاء فنعم أجر
العاملين » ، ثم توفي عليهالسلام
(2) .
ورواها
الكليني بسند حسن عن الامام الرضا عليهالسلام ، وأضاف انّه قرأ سورة الواقعة
وسورة الفتح ثمّ تلى الآية الكريمة . (انتهى)(3)
وذكر
في مدينة المعاجز عن محمد بن جرير الطبري انّه : لما حضرت عليّ بن الحسين الوفاة
قال لولده : يا محمد أيّ ليلة هذه ؟ قال : ليلة كذا ، قال : وكم مضى من الشهر ؟
قال : كذا وكذا ، قال : وكم بقي ؟ قال : كذا وكذا ، قال : انّها الليلة التي
وعدتها .
قال
: ودعا بوضوء وقال : انّ فيه فأرة ... فأمر بذلك الماء فاهريق وأتوه بماء آخر ، ثم
توضأ وصلّى حتى إذا كان آخر الليل توفي
(4) .
وفي
دعوات الراوندي انّه كان زين العابدين عليهالسلام يقول عند الموت : « اللهم
ارحمني فانّك كريم ، اللهم ارحمني فانّك رحيم » فلم يزل يرددها حتى توفي
عليهالسلام (5) .
(1) راجع بصائر الدرجات :
503 ح11 باب 9 .
(2) تفسير القمي 2:254 ،
سورة الزمر : 74 ، وعنه في البحار 46:147 ، ح 1 .
(3) جلاء العيون : 500 ،
وفي الكافي 1:468 .
(4) دلائل الامامة : 90 .
(5) دعوات الراوندي : 250
، ح 704 ، وعنه البحار 81:241 ، ضمن حديث 26 .
(361)
فلمّا
توفي ضجت المدينة بالبكاء والنحيب ، وبكى عليه الرجل والمرأة ، والصغير والكبير ،
والحرّ والعبد ، وظهر الحزن في السماء والأرض .
وروي
عن عليّ بن زيد وعن الزهري انّه قال : قلت لسعيد بن المسيب : انّك أخبرتني أنّ
عليّ بن الحسين النفس الزكية وانّك لا تعرف له نظيرا ، قال : كذلك وما هو مجهول ما
أقول فيه ، واللّه ما رؤي مثله ، قال عليّ بن زيد : فقلت : واللّه انّ هذه الحجة
الوكيدة عليك يا سعيد فلم لم تصلّ على جنازته ؟
فقال
: انّ القراء كانوا لا يخرجون الى مكة حتى يخرج عليّ بن الحسين عليهالسلام ، فخرج
وخرجنا معه ألف راكب ، فلمّا صرنا بالسقيا نزل فصلّى وسجد (و) سبّح في سجوده ، فلم
يبق حوله شجرة ولا مدرة الاّ سبحت بتسبيحه ، ففزعت من ذلك وأصحابي ، ثم قال : يا
سعيد انّ اللّه جلّ جلاله لمّا خلق جبرئيل ألهمه هذا التسبيح ، فسبحت السماوات
ومن فيهنّ لتسبيحه الأعظم وهو اسم اللّه جلّ وعزّ الأكبر .
يا
سعيد أخبرني أبي الحسين عن أبيه عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله عن جبرئيل عن
اللّه جلّ جلاله انّه قال : ما من عبد من عبادي آمن بي ، وصدّق بك وصلّى في مسجدك
ركعتين على خلاء من الناس ، الاّ غفرت له ما تقدم من ذنبه وما تأخّر ، فلم أر
شاهدا أفضل من عليّ بن الحسين عليهالسلام حيث حدّثني بهذا الحديث .
فلمّا
أن مات شهد جنازته البرّ والفاجر ، وأثنى عليه الصالح والطالح ، وانهال (الناس)
يتبعونه حتى وضعت الجنازة ، فقلت : ان أدركت الركعتين يوما من الدهر فاليوم هو ،
ولم يبق الاّ رجل وامرأة ثم خرجا الى الجنازة ، وثبت لأصلّي فجاء تكبير من السماء
فأجابه تكبير من الارض ، وأجابه تكبير من السماء فأجابه تكبير من الارض ، ففزعت
وسقطت على وجهي ، فكبّر من في السماء سبعا ومن في الارض سبعا وصلّى على عليّ بن
الحسين صلوات اللّه عليهما ، ودخل الناس المسجد فلم أدرك الركعتين ولا الصلاة على
عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما .
فقلت
: يا سعيد لو كنت أنا لم أختر الاّ الصلاة على عليّ بن الحسين انّ هذا لهو الخسران
المبين ، فبكى سعيد ، ثم قال : ما أردت الاّ خير ليتني كنت صلّيت عليه فانّه ما
رؤي مثله
(1) .
وذكر
في جنات الخلود انّ علي بن الحسين عليهالسلام توفي بالمدينة في بيته ، ودفن في
البقيع عند عمّه ، ولذلك المكان شرف عظيم ، وهو من البقاع المكرمة التي من دفن
فيها دخل الجنة بغير حساب لكن بشرط الايمان الكامل ، والصحيح كما في الحديث
المعتبر : الحجون والبقيع يؤخذان بأطرافهما وينثران في الجنة(2) .
(1) اختيار معرفة الرجال :
333 ، رقم 186 ، وعنه البحار 46:149 ، والعوالم 18:302 .
(2) سفينة البحار 1:227 /
حجن ، وفي جنات الخلود : 25 .
(362)
والحجون
مقبرة بمكة .
وأيضا
في الكتاب المذكور انّ من جملة خصائص عليّ بن الحسين عليهالسلام :
1
ـ تأليف الصحيفة الكاملة التي هي مصحف أهل البيت والعروة الوثقى للشيعة .
2
ـ انّه جمع بين الخيرتين ، خيرة العرب وخيرة العجم باعتبار امّه وأبيه ، وقد قال
رسول اللّه صلىاللهعليهوآله : انّ للّه من عباده خيرتين فخيرته من العرب
قريش ومن العجم فارس
(1) ، فلذا لقب عليهالسلام بابن الخيرتين .
3
ـ انتشار نسل رسول اللّه صلىاللهعليهوآله منه ، فلذا قيل فيه : آدم بني
الحسين ، وهو اوّل من اختار العزلة ، وأوّل من سجد على تربة الحسين عليهالسلام
وأكثر من بكى .
وروي
انّ البكائين خمسة : آدم ، ويعقوب ، ويوسف ، وفاطمة بنت محمد صلىاللهعليهوآله
، وعليّ بن الحسين عليهالسلام
(2) .
يقول
المؤلف : انّ الصحيفة الكاملة هي الادعية المباركة السجادية الملقبة بأخت القرآن ،
وانجيل أهل البيت ، وزبور آل محمد عليهمالسلام .
قال
ابن شهر آشوب في المناقب : وذكرت فصاحة الصحيفة الكاملة عند بليغ في البصرة ، فقال
: خذوا عنّي حتى أملي عليكم (كناية عن انّه سيجيء بأبلغ وأفصح منها) وأخذ القلم
وأطرق رأسه فما رفعه حتى مات
(3) .
* * *
(1) البحار 46:7 ، ح 18 ،
باب 1 .
(2) العوالم 18:156 .
(3) المناقب 4:137 .
(363)
الباب السابع
في تاريخ الامام أبي جعفر محمد بن عليّ بن الحسين
عليهالسلام باقر علوم الأوّلين والآخرين
(364)
(365)
الفصل الأول
في بيان ولادته واسمه وكنيته ولقبه
إعلم
انّه عليهالسلام ولد يوم الاثنين في الثالث من صفر أو غرّة رجب سنة (57) ه
بالمدينة المنورة ، وكان عليهالسلام حاضرا في وقعة الطف وعمره أربع سنين ، امّه
الماجدة فاطمة بنت الامام الحسن المجتبى عليهالسلام ، وقيل لها ام عبد اللّه ،
فأصبح عليهالسلام ابن الخيرتين وعلويا بين العلويين .
روي
في دعوات الراوندي عن الامام محمد الباقر عليهالسلام انّه قال : كانت أمي قاعدة
عند جدار فتصدع الجدار وسمعنا هدة شديدة ، فقالت بيدها : لا وحقّ المصطفى ما أذن
اللّه لك في السقوط ، فبقى معلقا حتى جازته ، فتصدق عنها أبي عليهالسلام بمائة
دينار .
وذكرها
الصادق عليهالسلام يوما فقال : كانت صدّيقة لم يدرك في آل الحسن عليهالسلام
امرأة مثلها
(1) .
وروى
عن الامام الصادق عليهالسلام باسانيد معتبرة انّه قال : « الأوصياء إذا حَمَلتْ
بهم امهاتُهم أصابها فترة شبهُ الغشية ، فأقامت في ذلك يومها ذلك ... ثم ترى في
منامها رجلاً يبشرها بغلام عليم حليم ، فتفرح لذلك ، ثم تنتبه من نومها فتسمع من
جانبها الايمن في جانب البيت صوتا يقول : حملت بخير وتصيرين الى خير وجئت بخير ،
أبشري بغلام حليم عليم .
وتجد
خفّة في بدنها ثم لم تجد بعد ذلك امتناعا من جنبيها وبطنها ، فاذا كان لتسع من
شهرها سمعت في البيت حسّا شديدا ، فاذا كانت الليلة التي تلد فيها ظهر لها في
البيت نورٌ تراه لا يراه غيرها الاّ أبوه ، فاذا ولدته ولدته قاعدا وتفتّحت له حتى
يخرج متربّعا يستدير بعد وقوعه الى الأرض ، فلا يُخطيء القبلة حيث كانت بوجهه ، ثم
يعطسُ ثلاثا يشير باصبعه بالتحميد ، ويقع مسرورا مختونا ، ورُباعيتاه من فوق وأسفل
وناباهُ وضاحكاه ، ومن بين يديه مثل سبيكة الذهب نور ، ويقيم يومه وليلته تسيلُ
يداه ذهبا (نورا أصفرا مثل الذهب) ... »
(2) .
إسمه
الشريف محمد ، وكنيته أبو جعفر ، والقابه الشريفة الباقر والشاكر والهادي ، وأشهر
ألقابه الباقر ، وقد لقبه رسول اللّه صلىاللهعليهوآله به كما ورد في رواية
سفينة عن
(1) دعوات الراوندي : 68 ،
ح 165 ، وعنه في البحار 46:215 ، وفي الكافي 1:469 .
(2) الكافي 1:318 ، ح 5 ،
باب مواليد الائمة عليهمالسلام .
(366)
جابر بن
عبد اللّه انّه قال : قال رسول اللّه صلىاللهعليهوآله : يوشك أن تبقى حتى
تلقى ولدا لي من الحسين عليهالسلام يقال له محمد ، يبقر علم الدين بقرا فاذا
لقيته فاقرأه منّي السلام(1) .
وروى
الشيخ الصدوق رحمهالله عن عمرو بن شمر قال : سألت جابر بن يزيد الجُعفي فقلت له :
ولم سمّي الباقر باقرا ؟ قال : لانّه بقر العلم بقرا أي شقّه شقّا وأظهره إظهارا .
ولقد
حدّثني جابر بن عبد اللّه الانصاري انّه سمع رسول اللّه صلىاللهعليهوآله
يقول : يا جابر انّك ستبقى حتى تلقى ولدي محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي
طالب المعروف في التوراة بباقر ، فاذا لقيته فاقرأه منّي السلام ، فلقيه جابر بن
عبد اللّه الانصاري في بعض سكك المدينة ، فقال له : يا غلام من أنت ؟ قال : أنا
محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب .
قال
له جابر : يا بني أقبل فأقبل ، ثم قال : أدبر فأدبر ، فقال : شمائل رسول اللّه
صلىاللهعليهوآله وربّ الكعبة ، ثم قال : يا بنيّ رسول اللّه
صلىاللهعليهوآله يقرئك السلام ، فقال : على رسول اللّه السلام ما دامت السماوات
والأرض وعليك يا جابر بما بلّغت السلام ، فقال له جابر : يا باقر ، يا باقر ، أنت
الباقر حقا أنت الذي تبقر العلم بقرا .
ثم
كان جابر يأتيه فيجلس بين يديه فيعلّمه ، فربمّا غلط جابر فيما يحدّث به عن رسول
اللّه صلىاللهعليهوآله فيردّ عليه ويذكره ، فيقبل ذلك منه ويرجع الى قوله ،
وكان يقول : يا باقر ، يا باقر ، يا باقر ، اشهد باللّه انّك قد أوتيت الحكم
صبيّا
(2) .
وفي
تذكرة سبط بن الجوزي : انّما سمّي الباقر من كثرة سجوده ، بقر السجود جبهته ، أي
فتحها ووسعها ، وقيل لغزارة علمه(3) .
وقال
ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة مع كثرة عناده ونصبه : « أبو جعفر محمد الباقر
، سمّى بذلك من بَقَرِ الأرض أي شقّها وأثار مُخبآتها ومكامنها ، فلذلك هو أظهر من
مُخبئآت كنوز المعارف وحقائق الاحكام واللطائف ما لا يخفى الاّ على منطمس البصيرة
أو فاسد الطويّة والسريرة ، ومن ثمّ قيل هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه
الخ »(4) .
وكان
نقش خاتمه : (العزة للّه) أو (العزّة للّه جميعا)(5) وعلى رواية انّه
كان يلبس خاتم جدّه الحسين عليهالسلام وكان نقشه (انّ اللّه بالغ أمره)(6)
وروي غير هذا ايضا ، ولا منافاة بينها لإمكان تعدّد خواتيمه ولكلٍ نقشٌ مستقل .
(1) الارشاد : 262 ، وعنه
في البحار 46:222 ، ح 6 .
(2) علل الشرايع : 233 ،
وعنه في البحار 46:225 ، ح 4 .
(3) تذكرة الخواص : 336 .
(4) الصواعق المحرقة : 201
، الفصل الثالث .
(5) التهذيب 1:32 .
(6) مكارم الأخلاق : 91 ،
عيون الاخبار 2:56 .
(367)
* * *
(368)
الفصل الثاني
في مكارم أخلاقه ونبذة من فضائله ومناقبه
عليهالسلام
لا
يخفى على كلّ متأمل منصف ، كثرة ما روي عنه عليهالسلام من الأخبار والآثار في
علوم الدين والتفسير والفنون والآداب والاحكام بحيث يصعب على العقل احصاؤها ، وقد
اقتبس الصحابة والوجوه والاعيان والرؤساء والفقهاء من علمه ، وكانوا يضربون المثل
بكثرة علمه :
يا باقر العلم لاهل التقى
وخير من لبّى على الأجبل
روى
الشيخ المفيد مسندا عن عبد اللّه بن عطاء المكي انّه قال : ما رأيت العلماء عند
أحد قط أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن عليّ بن الحسين عليهمالسلام ، ولقد رأيت
الحكم بن عتيبة مع جلالته في القوم بين يديه كأنّه صبيّ بين يدي معلمه ، وكان جابر
بن يزيد الجعفي إذا روى عن محمد بن عليّ عليهماالسلام شيئا قال : حدّثني وصيّ
الأوصياء ووراث علوم الانبياء محمد بن عليّ بن الحسين عليهمالسلام
(1) .
وروى
الشيخ الكشي عن محمد بن مسلم انّه قال : ما شجر في رأيي شيء قط الاّ سألت عنه أبا
جعفر عليهالسلام حتى سألته عن ثلاثين ألف حديث ، وسألت أبا عبد اللّه عن ستة عشر
ألف حديث(2) .
وروي
عن حبابة الوالبيّة انّها قالت : رأيت رجلاً بمكة أصيلاً (وقت العصر) بالملتزم أو
بين الباب والحجر على صعدة من الأرض ، وقد حزم وسطه على المئزر بعمامة خز والغزالة(3)
تخال على ذلك الجبل كالعمايم على قمم الرجال ، وقد صاعد كفه وطرفه نحو السماء
ويدعو ، فلمّا انثال الناس عليه يستفتونه عن المعضلات ويستفتحون أبواب المشكلات
فلم يرم حتى أفتاهم في ألف مسألة .
ثم
نهض يريد رحله ومناد ينادي بصوت صهل (عالٍ) : الا انّ هذا النور الأبلج المسرّج
والنسيم الأَرِج والحق المَرِج (أي الحق المضيع الذي لا يعرف الناس قدره جهلاً أو
خوفا من الاعداء) وآخرون يقولون : من هذا ؟ فقيل : محمد بن عليّ الباقر ، علم
العلم ، الناطق عن الفهم ، محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب
عليهمالسلام
(4) .
(1) الارشاد : 263 ، وعنه
في البحار 46:286 ، ح 2 .
(2) اختيار معرفة الرجال
1:386 ، وعنه في البحار 46:292 ، ح 17 .
(3) الغزالة : الشمس .
(4) المناقب لابن شهر آشوب
4:182 ، وعنه في البحار 46:259 ، ح 60 .
(369)
قال
ابن شهر آشوب : لم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين عليهماالسلام من العلوم ما
ظهر منه في التفسير والكلام والفتيا والاحكام والحلال والحرام (وحديث جابر
رضىاللهعنه في حقه عليهالسلام مشهور ومعروف وذكره فقهاء المدينة والعراق
بأجمعهم) .
وقد
أخبرني جدّي شهر آشوب والمنتهى ابن كيابكي الحسيني بطرق كثيرة عن سعيد بن المسيّب
، وسليمان الأعمش ، وأبان بن تغلب ، ومحمد بن مسلم ، وزرارة بن أعين ، وأبي خالد
الكابلي : انّ جابر بن عبد اللّه الانصاري كان يقعد في مسجد رسول اللّه
صلىاللهعليهوآله ينادي : يا باقر ، يا باقر العلم ، فكان أهل المدينة يقولون :
جابر يهجر .
وكان
يقول : واللّه ما أهجر ولكنّي سمعت رسول اللّه صلىاللهعليهوآله يقول : انّك
ستدرك رجلاً من أهل بيتي اسمه اسمي وشمائله شمائلي يبقر العلم بقرا ، فذاك الذي
دعاني الى ما أقول .
وروي
ايضا عن أبي السعادات في فضائل الصحابة انّ جابر الانصاري بلّغ سلام رسول اللّه
صلىاللهعليهوآله الى محمد الباقر ، فقال له محمد بن عليّ : أثبت وصيتك فانّك
راحل الى ربك ، فبكى جابر فقال له : يا سيدي وما علمك بذلك فهذا عهد عهده اليّ
رسول اللّه ، فقال له : واللّه يا جابر لقد أعطاني اللّه علم ما كان وما هو
كائن الى يوم القيامة ، وأوصى جابر وصاياه وادركته الوفاة
(1) .
وروي
عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله انّه قال : إذا فارق الحسين الدنيا ، فالقائم
بالامر بعده عليّ ابنه وهو الحجة والامام ، وسيخرج اللّه من صلب علي ابنا اسمه
اسمي وعلمه علمي وحكمه حكمي ، وهو أشبه الناس اليّ وهو الامام والحجة بعد أبيه(2)
.
روى
صاحب كشف الغمة عن أفلح مولى أبي جعفر عليهالسلام انّه قال : خرجت مع محمد بن
عليّ عليهماالسلام حاجا ، فلمّا دخل المسجد نظر الى البيت فبكى حتى علا صوته ،
فقلت : بأبي أنت وأمّي انّ الناس ينظرون اليك فلو رفقت بصوتك قليلاً ، قال : ويحك
يا أفلح ولِمَ لا أبكي لعلّ اللّه تعالى أن ينظر اليّ منه برحمة فأفوز بها عنده
غدا .
قال
: ثم طاف بالبيت ، ثم جاء حتى ركع عند المقام فرفع رأسه من سجوده ، فاذا موضع
سجوده مبتل من دموع عينيه
(3) .
وكان
إذا ضحك قال : اللهم لا تمقتني ، وروي عن ولده جعفر عليهالسلام قال : كان أبي
يقول في جوف الليل في تضرّعه : أمرتني فلم أءتمر ، ونهيتني فلم أنزجر ، فها أنا ذا
عبدك بين يديك ولا أعتذر(4) ، وكان عليهالسلام يتصدق في كلّ جمعة
بدينار ، ويقول : ان
(1) راجع المناقب 4:195 ـ
197 ، وعنه في البحار 46:294 .
(2) مضمون النص .
(3) كشف الغمة 2:360 ،
وعنه في البحار 46:290 ، ح 14 .
(4) البحار 46:290 ، ضمن
حديث 14 .
(370)
الصدقة يوم
الجمعة تتضاعف .
روى
الشيخ الكليني عن الامام الصادق عليهالسلام انّه قال : كان أبي إذا أحزنه أمرٌ
جمع النساء والصبيان ثم دعا وأمنّوا
(1) .
وروى
ايضا عنه عليهالسلام انّه قال : كان أبي عليهالسلام كثير الذكر ، لقد كنت أمشي
معه وانّه ليذكر اللّه ، وآكل معه وانّه ليذكر اللّه ، ولقد كان يُحدّث القوم
وما يشغله ذلك عن ذكر اللّه ، وكنت أرى لسانه لازقا بحنكه يقول : لا اله الاّ
اللّه ، وكان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتّى تطلع الشمس ، ويأمر بالقراءة من كان
يقرأ منّا ومن كان لا يقرأ منّا أمره بالذكر(2) .
وكان
عليهالسلام ظاهر الجود في الخاصة والعامة ، مشهود الكرم في الكافة ، معروفا
بالتفضل والاحسان مع كثرة عياله وتوسط حاله(3) .
وروي
عن سلمى مولاة أبي جعفر قالت : كان يدخل عليه إخوانه فلا يخرجون من عنده حتى
يطعمهم الطعام الطيب ، ويلبسهم الثياب الحسنة ، ويهب لهم الدراهم(4) .
وحكي
أنّ الكميت كان عند أبي جعفر عليهالسلام فسمعه يقول :
ذهب الذين يعاش في اكنافهم
لم يبق الاّ شامت أو حاسد
فقال
الكميت بالبداهة :
وبقى على ظهر البسيطة واحد
فهو المراد وأنت ذاك الواحد
وكان
احسانه خمسمائة درهم الى ستمائة الف درهم ، ولا يملّ من صلة اخوانه ، والاحسان الى
الذين جاؤوا إليه رجاء احسانه
(5) ، ونقل انّه كان لا يسمع من داره يا سائل بورك
فيك ولا يا سائل خذ هذا ، وكان يقول عليهالسلام : سموهم بأحسن أسمائهم(6)
.
وفي
جنّات الخلود عند ذكر اخلاقه الحميدة : انّه كان كثير البكاء في اكثر الأوقات خوفا
من اللّه ويعلو صوته بالبكاء ، وكان اكثر الناس تواضعا ، وله مزارع واملاك ومواشي
ومراع وعبيد كثيرون ، وكان يذهب الى المزرعة ويعمل فيها حتى في اليوم القائظ ،
فيجيء اليها متكئا على موليين من مواليه ، وإذا حصل على شيء من ذلك انفقه في سبيل
اللّه فكان اسخى الناس ، وإذا قيس علم كل عالم الى علمه كان كالقطرة بالنسبة الى
البحر ، فكانت ينابيع الحكم تسيل عنه وقد صغر كل جليل امام جلالته(7) .
(1) الكافي 2:353 ، باب
الاجتماع في الدعاء ، عنه البحار 46:297 ، ح 28 .
(2) الكافي 2:392 ، باب
ذكر اللّه عزوجل كثيرا ـ وعنه في البحار 46:297 ، ح 29 .
(3) الارشاد : 266 .
(4) كشف الغمة 2:332 .
(5) الارشاد : 266 .
(6) البحار 46:291 ، عن
كشف الغمة .
(7) جنات الخلود ، الجدول
الثاني عشر في معرفة احوال الامام الخامس ، فصل في اخلاقه .
(371)
قال
ابن حجر السنّي المتعصب في الصواعق : هو باقر العلم وجامعه ، وشاهر علمه ورافعه ،
صفا قلبه ، وزكى علمه وعمله ، وطهرت نفسه ، وشرفت خلقه ، وعمرت أوقاته بطاعة
اللّه ، وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكلّ عنه ألسنة الواصفين ، وله
كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة(1) .
يقول
المؤلف : أرى من المناسب هنا ذكر أخبار في مناقب ومفاخر الامام محمد الباقر عليهالسلام
لأزيّن كتابي بها .
الاول ؛ في
اجتهاده في كسب المعاش :
روى
الشيخ المفيد وغيره عن الامام الصادق عليهالسلام انّه قال : انّ محمد بن المنكدر
كان يقول : ما كنت أرى مثل عليّ بن الحسين عليهماالسلام يدع خلفا ، لفضل عليّ بن
الحسين عليهماالسلام حتى رأيت ابنه محمد بن عليّ فأردت أن أعظه فوعظني ، فقال له
أصحابه : بأي شيء وعظك ؟
قال
: خرجت الى بعض نواحي المدينة في ساعة حارّة ، فلقيت محمد بن عليّ عليهماالسلام
وكان رجلاً بدينا وهو متكيء على غلامين له أسودين أو موليين له ، فقلت في نفسي :
شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا لأعظنّه ، فدنوت منه
فسلّمت عليه فسلّم عليّ بنهر وقد تصبب عرقا .
فقلت
: اصلحك اللّه شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا لو
جاءك الموت وأنت على هذه الحال ، قال : فخلّى عن الغلامين من يده ثم تساند وقال :
لو جاءني واللّه الموت وأنا في هذه الحال جاءني وأنا في طاعة من طاعات اللّه ،
اكفّ بها نفسي عنك وعن الناس ، وانما كنت أخاف الموت لو جاءني وأنا على معصية من
معاصي اللّه ، فقلت : يرحمك اللّه أردت أن أعظك فوعظتني
(2) .
يقول
المؤلف : والظاهر عندي انّ محمد بن المنكدر أحد متصوّفي العامّة كطاووس وابن أدهم
وامثالهما الذين يصرفون اوقاتهم بالعبادة الظاهرية ، ويدعون الكسب ، وهم كلٌّ على
الناس ، ذكر صاحب المستطرف انّه : « ... جزّأ محمد بن المنكدر عليه وعلى امّه وعلى
أخته الليل اثلاثا فماتت اخته ، فجزأهُ عليه وعلى أمّه ، فماتت امّه فقام الليل
كلّه »(3) .
يقول
المؤلف : الظاهر انّ محمد بن المنكدر أخذ هذا العمل من آل داوود ، فيما ورد من انّ
داوود النبي عليهالسلام قد قسّم ساعات الليل على أهل بيته ، فكانت لا تمضي ساعة
(1) الصواعق المحرقة : 201
، الفصل الثالث .
(2) الارشاد : 263 ،
الكافي 5:73 ، البحار 46:287 .
(3) المستطرف 1:20 ، الباب
الاول ، الفصل الثاني .
(372)
من الليل
الاّ وأحد أولاده مشغولاً بالصلوة ، قال اللّه تعالى : «اعملوا آل داوود شكرا»(1)
.
وكلام
الامام الباقر عليهالسلام : « لو جاءني واللّه الموت وأنا في هذه الحال ، جاءني
وأنا في طاعة من طاعات اللّه ، اكف بها نفسي عنك وعن الناس ، وانما كنت أخاف
الموت لو جاءني وأنا على معصية من معاصي اللّه ... » تعريضا به وبأقرانه .
ويؤيد
هذا المطلب ما رواه صاحب كشف الغمة عن شقيق البلخي قال : خرجت حاجا في سنة تسع
وأربعين ومائة ، فنزلنا القادسية فبينا أنا أنظر الى الناس في زينتهم وكثرتهم
فنظرت الى فتى حسن الوجه شديد السمرة ضعيف ، فوق ثيابه ثوب من صوف ، مشتمل بشملة ،
في رجله نعلان وقد جلس منفردا ، فقلت في نفسي : هذا الفتى من الصوفيّة يريد أن
يكون كلاًّ على الناس في طريقهم ، واللّه لأمضينّ إليه ولأوبخنّه ... (وتمام
الخبر في باب حياة موسى بن جعفر عليهالسلام )
(2) .
والغرض
، الاعلام بانّ المتصوفة كانوا كلاًّ على الناس انذاك ، ولذا وردت روايات كثيرة عن
الصادقين عليهماالسلام في الحث على التكسب والنهي عن تركه ، والذي ينشغل بالعبادة
ويتقوّت من غيره تكون عبادة هذا الذي يقوّته أفضل من عبادته بل روى الامام الصادق
عن النبي الصادق صلىاللهعليهوآله انّه قال : ملعون من ألقى كلّه على الناس(3)
.
الثاني :
روي
عن الامام جعفر الصادق عليهالسلام انّه قال : فَقَدَ أبي بغلة له ، فقال : لئن
ردّها اللّه تعالى لأحمدنّه بمحامد يرضاها ، فما لبث أن أُتي بها بسرجها ولجامها
، فلمّا استوى عليها وضمّ إليه ثيابه رفع رأسه الى السماء فقال : الحمد للّه ،
فلم يزد ، ثم قال : ما تركت ولا بقيّت شيئا جعلت كلّ أنواع المحامد للّه عزوجل ،
فما من حمد الاّ هو داخل فيما قلت
(4) .
وهو
كما قال عليهالسلام ، لانّ الألف واللام في الحمد للّه للاستغراق ، فاستغرق جميع
الأفراد .
الثالث :
نقل
عن كتاب البيان والتبيين للجاحظ انّه قال : قد جمع محمد بن عليّ بن الحسين
عليهمالسلام صلاح شأن الدنيا بحذافيرها في كلمتين فقال : صلاح شأن المعاش
(1) سبأ : 13 .
(2) راجع كشف الغمة 3:3 .
(3) البحار 77:142 ، ح 1 ،
باب 7 .
(4) البحار 46:290 .
(373)
والتعاشر
ملء مكيال : ثلثان فطنة وثلث تغافل(1) .
وقال
له نصراني : أنت بقر ؟ قال : لا ، أنا باقر ، قال : أنت ابن الطبّاخة ؟ قال : ذاك
حرفتها ، قال : أنت ابن السوداء الزنجيّة البذيّة ؟ قال : ان كنت صدقت غفر اللّه
لها وان كنت كذبت غفر اللّه لك ، قال : فأسلم النصرانيّ(2) .
الرابع :
روي
عن زرارة انّه قال : حضر أبو جعفر عليهالسلام جنازة رجل من قريش وأنا معه ، وكان
فيها عطاء (مفتي مكة مع المشيعين) فصرخت صارخة ، فقال عطاء : لتسكتنّ أو لنرجعنّ ،
قال : فلم تسكت فرجع عطاء ، قال : فقلت لأبي جعفر عليهالسلام : انّ عطاء قد رجع ،
قال : ولم ؟ قلت : صرخت هذه الصارخة فقال لها : لتسكتنّ أو لنرجعنّ ، فلم تسكت
فرجع .
فقال
: امض بنا فلو انّا إذا رأينا شيئا من الباطل مع الحقّ تركنا له الحق لم نقض حقّ
مسلم ، قال : فلمّا صلّى على الجنازة قال ولّيها لأبي جعفر : ارجع مأجورا رحمك
اللّه ، فانّك لا تقوى على المشي فأبى أن يرجع ، قال : فقلت له : قد أذن لك في
الرجوع ولي حاجة أريد أن أسألك عنها ، فقال : امض فليس باذنه جئنا ولا باذنه نرجع
، انّما هو فضل وأجر طلبناه ، فبقدر ما يتبع الجنازة الرجل يؤجر على ذلك
(3) .
الخامس :
روى
الكليني (عن يونس بن يعقوب عن بعض اصحابنا) قال : كان قوم أتوا أبا جعفر
عليهالسلام فوافقوا صبيّا له مريضا فرأوا منه اهتماما وغمّا وجعل لا يقرّ ، قال :
فقالوا : واللّه لئن أصابه شيء انّا لنتخوّف أن نرى منه ما نكره ، قال : فما
لبثوا أن سمعوا الصياح عليه ، فاذا هو قد خرج عليهم منبسط الوجه في غير الحال التي
كان عليها ، فقالوا له : جعلنا اللّه فداك لقد كنّا نخاف مما نرى منك أن لو وقع
(اي إذا مات الصبي) أن نرى منك ما يغمّنا، فقال لهم: انّا لنحبّ أن نعافي فيمن
نحبّ ، فاذا جاء أمر اللّه سلّمنا فيما أحبّ
(4) .
السادس :
قال
أبو عبد اللّه عليهالسلام : في كتاب رسول اللّه صلىاللهعليهوآله إذا
استعملتم ما ملكت أيمانكم في
(1) كشف الغمة 2:363 ، عن
البيان والتبيين 1:61 ، البحار 46:289 .
(2) المناقب 4:207 .
(3) البحار 46:300 ، ح 43
.
(4) الكافي 3:226 ، باب
الصبر والجزع والاسترجاع ، ح 14 .
(374)
شيء يشقّ
عليهم فاعملوا معهم فيه ، قال : وإن كان أبي ليأمرهم فيقول : كما أنتم ، فيأتي
فينظر فان كان ثقيلاً قال : بسم اللّه ، ثم عمل معهم وإن كان خفيفا تنحّى عنهم(1)
.
السابع ؛
في عطائه عليهالسلام :
روى
الشيخ المفيد رحمهالله عن الحسن بن كثير قال : شكوت الى أبي جعفر محمد بن عليّ
عليهمالسلام الحاجة وجفاء الاخوان ، فقال : بئس الأخ أخ يرعاك غنيّا ويقطعك فقيرا
، ثم أمر غلامه فاخرج كيسا فيه سبعمائة درهم وقال : استنفق هذه فاذا نفدت فأعلمني
(2) ، وفي رواية : استعن بهذا القوت فاذا فرغت
فأعلمني .
الثامن ؛
في حلمه وحسن خلقه عليهالسلام :
روى
الشيخ الطوسي عن محمد بن سليمان عن أبيه قال : كان رجل من أهل الشام يختلف الى أبي
جعفر عليهالسلام وكان مركزه بالمدينة ، يختلف الى مجلس أبي جعفر يقول له : يا
محمد ألا ترى انّي انّما اغشى مجلسك حياءً منّي منك ، ولا أقول انّ أحدا في الارض
أبغض اليّ منكم أهل البيت ، وأعلم انّ طاعة اللّه وطاعة رسوله وطاعة أمير
المؤمنين في بغضكم ، ولكن أراك رجلاً فصيحا لك أدب وحسن لفظ ، فانّما اختلافي اليك
لحسن أدبك .
وكان
أبو جعفر يقول له خيرا ويقول : لن تخفى على اللّه خافية ، فلم يلبث الشاميّ الاّ
قليلاً حتى مرض واشتدّ وجعه ، فلمّا ثقل دعا وليّه وقال له : إذا أنت مددت عليّ
الثوب فأت محمد بن عليّ عليهالسلام وسله أن يصلّي عليّ ، واعلمه انّي أنا الذي
أمرتك بذلك .
قال
: فلمّا أن كان في نصف الليل ظنّوا أنّه قد برد وسجّوه ، فلمّا أن أصبح الناس خرج
وليّه الى المسجد ، فلمّا أن صلّى محمد بن عليّ عليهالسلام وتورّك وكان إذا صلّى
عقّب في مجلسه ، قال له : يا أبا جعفر انّ فلان الشاميّ قد هلك وهو يسألك أن تصلّي
عليه .
فقال
أبو جعفر عليهالسلام : كلاّ إنّ بلاد الشام بلاد صرد والحجاز بلاد حر لهبها شديد
، فانطلق فلا تعجلنّ على صاحبك حتّى أتيكم ، ثم قام عليهالسلام من مجلسه فأخذ
وضوءا ثم عاد فصلّى ركعتين ثم مدّ يده تلقاء وجهه ما شاء اللّه ثم خرّ ساجدا حتى
طلعت الشمس ، ثم نهض فانتهى الى منزل الشاميّ فدخل عليه فدعاه ، فأجابه ثم أجلسه
وأسنده ودعا له بسويق فسقاه وقال لأهله : املؤوا جوفه وبرّدوا صدره بالطعام البارد
.
ثم
انصرف عليهالسلام فلم يلبث الاّ قليلاً حتى عوفي الشاميّ ، فأتى أبا جعفر
عليهالسلام فقال :
(1) البحار 74:142 ، ح 13
.
(2) الارشاد : 226 ، وعنه
في البحار 46:287 ، ح 6 .
(375)
أخلني
فأخلاه ، فقال : أشهد انّك حجة اللّه على خلقه وبابه الذي يؤتى منه ، فمن أتى من
غيرك خاب وخسر وضلّ ضلالاً بعيدا ، قال له أبو جعفر عليهالسلام : وما بدالك ؟ قال
: أشهد انّي عهدت بروحي وعاينت بعيني ، فلم يتفاجأني الاّ ومناد ينادي ، اسمعه
بأُذني ينادي وما أنا بالنائم : ردّوا عليه روحه فقد سألنا ذلك محمد بن عليّ ،
فقال له أبو جعفر : أما علمت انّ اللّه يحبّ العبد ويبغض عمله ، ويبغض العبد
ويحبّ عمله ؟ (أي كما انّك كنت مبغوضا لدى اللّه لكنّ عملك وهو حبّنا مطلوبا عنده
تعالى) قال (الراوي) : فصار بعد ذلك من أصحاب أبي جعفر عليهالسلام (1).
* * *
(1) البحار 46:233 ، عن
أمالي الطوسي ، ونحوه في المناقب 4:186 .
(376)
الفصل الثالث
في معاجزه عليهالسلام
ونكتفي
بذكر بعضها :
الأولى :
ذكر معجزة عن الامام عليهالسلام برواية أبي بصير :
روى
القطب الراوندي عن أبي بصير قال : دخلت المسجد مع أبي جعفر عليهالسلام والناس
يدخلون ويخرجون ، فقال لي : سل الناس هل يرونني ؟ فكلّ من لقيته قلت له : أرأيت
أبا جعفر ؟ فيقول : لا ـ وهو واقف ـ حتى دخل أبو هارون المكفوف ، فقال : سل هذا ،
فقلت : هل رأيت أبا جعفر ؟ فقال : أليس هو بقائم ؟ قلت : وما علمك ؟ قال : وكيف لا
أعلم وهو نور ساطع .
قال
: وسمعته يقول لرجل من أهل افريقيا : ما حال راشد ؟ قال : خلّفته حيّا صالحا يقرؤك
السلام ، قال : رحمه اللّه ، قال : مات ؟ قال : نعم ، قال : ومتى ؟ قال : بعد
خروجك بيومين ، قال : واللّه ما مرض ولا كان به علّة ، قال : انّما من يموت من
مرض أو علّة .
قلت
: من الرجل ؟ قال : رجل كان لنا مواليا ولنا محبا ، ثم قال : لئن ترون انّه ليس
لنا معكم أعين ناظرة أو أسماع سامعة لبئس ما رأيتم ، واللّه لا يخفى علينا شيء من
أعمالكم ، فأحضرونا جميلاً ، وعوّدوا أنفسكم الخير وكونوا من أهله تعرفون به ،
فانّي بهذا آمر ولدي وشيعتي
(1) .
الثانية :
إحضار الميت بأمره عليهالسلام :
روى
القطب الراوندي عن أبي عيينة قال : كنت عند أبي جعفر عليهالسلام فدخل رجل ، فقال
: أنا من أهل الشام أتولاكم وأبرأ من عدوّكم ، وأبي كان يتولّى بني أمية وكان له
مال كثير ولم يكن له ولد غيري ، وكان مسكنه بالرملة ، وكانت له جنينة يتخلّى فيها
بنفسه ، فلمّا مات طلبت المال فلم أظفر به ، ولا أشك انّه دفنه وأخفاه منّي .
قال
أبو جعفر عليهالسلام : أفتحبّ ان تراه وتسأله أين موضع ماله ؟ قال : إي واللّه
انّي فقير محتاج ، فكتب أبو جعفر عليهالسلام كتابا وختمه بخاتمه ، ثم قال : انطلق
بهذا الكتاب الليلة الى البقيع حتى تتوسّطه ثم تنادي : يا درجان يا درجان ، فانّه
يأتيك رجل معتم
(1) الخرائج 2:595 ، وعنه
في البحار 46:243 ، ح 31 .
(377)
فادفع إليه
كتابي ، وقل : أنا رسول محمد بن عليّ بن الحسين ، فانّه يأتيك به فاسأله عمّا
بدالك ، فأخذ الرجل الكتاب وانطلق .
قال
أبو عيينة : فلمّا كان من الغد أتيت أبا جعفر عليهالسلام لأنظر ما حال الرجل ،
فاذا هو على الباب ينتظر أن يؤذن له ، فاذن له فدخلنا جميعا ، فقال الرجل : اللّه
يعلم عند من يضع العلم ، قد انطلقت البارحة وفعلت ما أمرت ، فأتاني الرجل فقال :
لا تبرح من موضعك حتى آتيك به .
فأتاني
برجل أسود ، فقال : هذا أبوك ، قلت : ما هو أبي ، قال : بل غيّره اللهب ودخان
الجحيم والعذاب الأليم ، فقلت له : أنت أبي ؟ قال : نعم ، قلت : فما غيّرك عن
صورتك وهيئتك ؟ قال : يا بني كنت أتولّى بني أمية وأفضلهم على أهل بيت النبي بعد
النبي صلىاللهعليهوآله فعذّبني اللّه بذلك ، وكنت أنت تتولاّهم فكنت أبغضك
على ذلك ، وحرمتك مالي فزويته عنك ، وأنا اليوم على ذلك من النادمين ، فانطلق يا
بني الى جنينتي فاحتفر تحت الزيتونة ، وخذ المال (وهو مائة الف وخمسون الفا) فادفع
الى محمد بن عليّ عليهالسلام خمسين الفا والباقي لك ، ثم قال : فأنا منطلق حتى
آخذ المال وآتيك بمالك .
قال
أبو عيينة : فلمّا كان من قابل دخلت على أبي جعفر ، فقلت : ما فعل الرجل صاحب
المال ؟ قال : قد أتاني بخمسين ألف درهم فقضيت منها دينا كان عليّ ، وابتعت منها
أرضا بناحية خيبر ، ووصلت منها أهل الحاجة من أهل بيتي
(1) .
يقول
المؤلف : قد ذكر ابن شهر آشوب هذه الرواية مع اختلاف يسير وفي روايته : ... فانطلق
درجان فلم يلبث الاّ قليلاً حتى أتاني رجل أسود في عنقه حبل أسود مدلع لسانه يلهث
وعليه سرابيل أسود ، وفي آخر الرواية قال عليهالسلام : اما انّه سينفع الميت
الندم على ما فرط من حبّنا وضيّع من حقنا بما أدخل علينا من الرفق والسرور(2)
.
الثالثة :
في دلائله عليهالسلام لجابر بن يزيد :
روي
في البحار عن الكافي عن النعمان بن بشير ، قال : كنت مزاملاً لجابر بن يزيد الجعفي
، فلمّا أن كنّا بالمدينة دخل على أبي جعفر عليهالسلام فودّعه وخرج من عنده وهو
مسرور حتى وردنا (الأخيرجة) أول منزل تعدل من فيد الى المدينة ، يوم الجمعة
فصلّينا الزوال ، فلمّا نهض بنا البعير إذا أنا برجل طوال آدم معه كتاب فناوله
فقبّله ووضعه على عينيه ، وإذا هو من محمد بن عليّ عليهالسلام الى جابر بن يزيد
وعليه طين أسود رطب .
فقال
له : متى عهدك بسيدي ؟ فقال : الساعة ، فقال له : قبل الصلاة أو بعد
(1) الخرائج 2:597 ، وعنه
في البحار 46:245 .
(2) المناقب 4:194 .