[131]
فقال : ياأمير المؤمنين إن الله عزوجل قد فرض على ولاة عهده ، أن
ينعشوا فقراء الامة ، ويقضوا عن الغارمين ، ويؤدوا عن المثقل ، ويكسو العاري
ويحسنوا إلى العاني ، وأنت أولى من يفعل ذلك فقال : أفعل ياأبا الحسن ، ثم
قام ، فقام الرشيد لقيامه ، وقبل عينيه ووجهه ، ثم أقبل علي وعلى الامين و
المؤتمن فقال : يا عبدالله ويا محمد ويا إبراهيم بين يدي عمكم وسيدكم ، خذوا
بركابه ، وسووا عليه ثيابه ، وشيعوه إلى منزله ، فأقبل أبوالحسن موسى بن جعفر
عليهما السلام سرا بيني وبينه فبشرني بالخلافة وقال لي : إذا ملكت هذا الامر
فأحسن إلى ولدي ، ثم انصرفنا ، وكنت أجرأ ولد أبي عليه .
فلما خلا المجلس قلت : ياأمير المؤمنين من هذا الرجل الذي قد عظمته
وأجللته ، وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته ، وأقعدته في صدر المجلس ، وجلست دونه
ثم أمرتنا بأخذ الركاب له ؟ قال : هذا إمام الناس ، وحجة الله على خلقه ، وخليفته
على عباده فقلت : ياأمير المؤمنين أو ليست هذه الصفات كلها لك وفيك ؟ ! فقال :
أنا إمام الجماعة في الظاهر بالغلبة والقهر ، وموسى بن جعفر إمام حق ، والله يابني
إنه لاحق بمقام رسول الله صلى الله عليه وآله مني ، ومن الخلق جميعا ، ووالله لو نازعتني هذا
الامر لاخذت الذي فيه عيناك ، فان الملك عقيم .
فلما أراد الرحيل من المدينة إلى مكة أمر بصرة سوداء ، فيها مائتا دينار
ثم أقبل على الفضل بن الربيع فقال له : اذهب بهذه إلى موسى بن جعفر وقل له :
يقول لك أمير المؤمنين : نحن في ضيقة وسيأتيك برنا بعد هذا الوقت .
فقمت في صدره فقلت : ياأمير المؤمنين تعطي أبناء المهاجرين والانصار و
سائر قريش ، وبني هاشم ، ومن لايعرف حسبه ونسبه خمسة آلاف دينار إلى مادونها
وتعطي موسى بن جعفر وقد أعظمته وأجللته مائتي دينار ؟ ! أخس عطية أعطيتها أحدا
من الناس ؟ فقال : اسكت لا ام لك ، فإني لو أعطيت هذا ماضمنته له ، ماكنت آمنه
وكتب الموت على جميع خلقه ، وجعلهم اسوة فيه ، عدلا منه عليهم عزيزا ، وقدرة
منه عليهم ، لا مدفع لاحد منهم ، ولا محيص له عنه ، حتى يجمع الله تبارك و
[132]
تعالى بذلك إلى دار البقاء خلقه ، ويرث به أرضه ومن عليها ، وإليه يرجعون .
بلغنا أطال الله بقاك ماكان من قضاء الله الغالب في وفاة أمير المؤمنين موسى
صلوات الله عليه ، ورحمته ، ومغفرته ، ورضوانه ، وإنا لله وإنا إليه راجعون
إعظاما لمصيبته ، وإجلالا لرزئه وفقده .
ثم إنا لله وإنا إليه راجعون ، صبرا
لامر الله عزوجل ، وتسليما لقضائه ، ثم إنا لله وإنا إليه راجعون لشدة مصيبتك
علينا خاصة ، وبلوغها من حر قلوبنا ، ونشوز أنفسنا ، نسأل الله أن يصلي على
أمير المؤمنين وأن يرحمه ، ويلحقه بنبيه صلى الله عليه وآله ، ويصالح سلفه ، وأن يجعل مانقله
إليه خيرا مما أخرجه منه .
ونسأل الله أن يعظم أجرك أمتع الله بك ، وأن يحسن عقباك ، وأن يعوضك
من المصيبة بأمير المؤمنين أفضل ماوعد الصابرين ، من صلواته ورحمته وهداه ، و
نسأل الله أن يربط على قلبك ، ويحسن عزاك وسلوتك ، والخلف عليك ، ولا يريك
بعده مكروها في نفسك ، ولا في شئ من نعمته .
وأسأل الله أن يهنيك خلافة أمير المؤمنين أمتع الله به ، وأطال بقاه ، ومد في
عمره ، وأنسأ في أجله ، وأن يسوغكما بأتم النعمة ، وأفضل الكرامة ، وأطول العمر
وأحسن الكفاية ، وأن يمتعك وإيانا خاصة ، والمسلمين عامة بأمير المؤمنين حتى
نبلغ به أفضل الامل فيه لنفسه ومنك أطال الله بقاه ومنا له .
أن يضرب وجهي غدا بمائة ألف سيف من شيعته ومواليه ، وفقر هذا وأهل بيت أسلم
لي ولكم ، من بسط أيديهم وأعينهم ( 1 ) .
فلما نظر إلى ذلك مخارق المغني دخله في ذلك غيظ ، فقام إلى الرشيد فقال :
ياأمير المؤمنين قد دخلت المدينة وأكثر أهلها يطلبون مني شيئا ، وإن خرجت ولم
أقسم فيهم شيئا لم يتبين لهم تفضل أمير المؤمنين علي ، ومنزلتي عنده ، فأمر له بعشرة
آلاف دينار فقال له : ياأمير المؤمنين هذا لاهل المدينة ، وعلي دين أحتاج أن
___________________________________________________________________
( 1 ) الظاهر ان الصحيح " وغناهمص بدل و " اعينهم " كما يدل الخبر الاخر قبل البيان
الا ان الموجود في النسخ الموجودة " واعينهم " عن هامش مطبوعة الكمباني .
[133]
أقضيه فأمر له بعشرة آلاف دينار اخرى .
فقال له : ياأمير المؤمنين بناتي اريد أن أزوجهن وأنا محتاج إلى جهازهن
فأمر له بعشرة آلاف دينار اخرى فقال له : ياأمير المؤمنين لابد من غلة تعطينيها
ترد علي وعلى عيالي وبناتي وأزواجهن القوت ، فأمر له بأقطاع مايبلغ غلته في
السنة عشرة آلاف دينار ، وأمر أن يعجل ذلك له من ساعته .
ثم قام مخارق من فوره وقصد موسى بن جعفر عليه السلام وقال له : قد وقفت على
ماعاملك به هذا الملعون ، وما أمر لك به ، وقد احتلت عليه لك ، وأخذت منه صلات
ثلاثين ألف دينار ، وأقطاعا تغل في السنة عشرة آلاف دينار ، ولا والله ياسيدي ما
أحتاج إلى شئ من ذلك ، وما أخذته إلا لك ، وأنا أشهد لك بهذه الاقطاع ، وقد
حملت المال إليك .
فقال : بارك الله لك في مالك ، وأحسن جزاك ماكنت لآخذ منه درهما واحدا
ولا من هذه الاقطاع شيئا ، وقد قبلت صلتك وبرك ، فانصر راشدا ، ولا تراجعني
في ذلك ، فقبل يده وانصرف ( 1 ) .
5 ج : روي أن المأمون قال لقومه : أتدرون من علمني التشيع إلى قوله
أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وإغنائهم ( 2 ) .
بيان : قال الفيروزآبادي ( 3 ) الملك عقيم أي لاينفع فيه نسب لانه يقتل
في طلبه الاب والاخ والعم والولد وقال الجوهري ( 4 ) أصبح فلان مسخدا إذا
أصبح مصفرا ثقيلا مورما قوله عليه السلام وصلتك رحم أي صارت الرحم سببا لصلتك
لنا ، أو دعآء له بأن تصله الرحم وتعينه وتجزيه بما رعى لها والاخير أظهر ، والواشجة
المشتبكة ، والمحتد الاصل ، ونعشه أي رفعه ، والعاني الاسير .
___________________________________________________________________
( 1 ) عيون اخبار الرضا " ع " ج 1 ص 88 .
( 2 ) الاحتجاج ص 213 .
( 3 ) القاموس ج 4 ص 152 .
( 4 ) الصحاح ج 1 ص 482 .
[134]
6 لى ( 1 ) ن : أبي ، عن علي ، عن أبيه ، عن الريان بن شبيب قال : سمعت
المأمون يقول : مازلت احب أهل البيت عليهم السلام واظهر للرشيد بغضهم تقربا إليه
فلما حج الرشيد وكنت أنا ومحمد ( 2 ) والقاسم ( 3 ) معه ، فلما كان بالمدينة استأذن
عليه الناس فكان آخر من أذن له موسى بن جعفر عليه السلام فدخل فلما نظر إليه الرشيد
تحرك ، ومد بصره وعنقه إليه حتى دخل البيت الذي كان فيه .
فلما قرب منه جثا ( 4 ) الرشيد على ركبتيه وعانقه ، ثم أقبل عليه فقال له :
كيف أنت ياأبا الحسن ؟ كيف عيالك وعيال أبيك ؟ كيف أنتم ؟ ماحالكم ؟ فما زال
يسأله عن هذا ، وأبوالحسن عليه السلام يقول : خير خير ، فلما قام أراد الرشيد أن
ينهض فأقسم عليه أبوالحسن عليه السلام فقعد ، وعانقه ، وسلم عليه وودعه ، قال المأمون :
وكنت أجرا ولد أبي عليه .
فلما خرج أبوالحسن موسى بن جعفر عليه السلام قلت لابي : ياأمير المؤمنين
لقد رأيتك عملت بهذا الرجل شيئا مارأيتك فعلته بأحد من أبناء المهاجرين و
الانصار ، ولا ببني هاشم ، فمن هذا الرجل ؟ فقال : يابني هذا وارث علم النبيين
هذا موسى بن جعفر بن محمد ، إن أردت العلم الصحيح فعند هذا ، قال المأمون :
فحينئذ انغرس في قلبي حبهم ( 5 ) .
7 ب : محمد بن عيسى ، عن بعض من ذكره أنه كتب أبوالحسن موسى عليه السلام
إلى الخيزران ام أمير المؤمنين يعزيها بموسى ابنه ، ويهنيها بهارون ابنها :
بسم الله الرحمن الرحيم للخيزران ام أمير المؤمنين من موسى بن جعفر بن محمد بن
علي بن الحسين أما بعد أصلحك الله ، وأمتع بك ، وأكرمك ، وحفظك ، وأتم
النعمة والعافية في الدنيا والآخرة لك برحمته .
___________________________________________________________________
( 1 ) امالى الصدوق ص 375 .
( 2 ) هو المعروف بالامين وامه زبيدة .
( 3 ) هو المعروف بالمؤتمن ثالث اولاد الرشيد .
( 4 ) جثا : جلس على ركبتيه ، وأقام على أطراف أصابعه فهو جاث .
( 5 ) عيون أخبار الرضا " ع " ج 1 ص 93 وفيه " محبتهم " مكان " حبهم " .
[135]
ثم إن الامور أطال الله بقاءك كلها بيد الله عزوجل يمضيها ، ويقدرها
بقدرته فيها ، والسلطان عليها توكل بحفظ ماضيها ، وتمام باقيها ، فلا مقدم لما
أخر منها ، ولا مؤخر لما قدم ، استأثر بالبقآء ، وخلق خلقه للفناء ، أسكنهم
دنيا سريعا زوالها ، قليلا بقاؤها ، وجعل لهم مرجعا إلى دار لا زوال لها ولا فنآء
لم يكن أطال الله بقاك أحد من أهلي ، وقومك وخاصتك وحرمتك كان
أشد لمصيبتك إعظاما ، وبها حزنا ولك بالاجر عليها دعاءا وبالنعمة التي أحدث الله
لامير المؤمنين أطال الله بقاه دعاءا بتمامها ، ودوامها ، وبقائها ، ودفع المكروه فيها
مني ، والحمد لله لما جعلني الله عليه بمعرفتي بفضلك ، والنعمة عليك ، وبشكري
بلاءك ، وعظيم رجائي لك أمتع الله بك ، وأحسن جزاك ، إن رأيت أطال الله بقاك
أن تكتبي إلي بخبرك في خاصة نفسك ، وحال جزيل هذه المصيبة ، وسلوتك عنها
فعلت ، فإني بذلك مهتم وإلى ماجاءني من خبرك وحالك فيه متطلع ، أتم الله
لك أفضل ماعودك من نعمته ، واصطنع عندك من كرامته ، والسلام عليك ورحمة
الله وبركاته ، وكتب يوم الخميس لسبع ليال خلون من شهر ربيع الآخر سنة
سبعين ومائة ( 1 ) .
توضيح : المحيص المهرب ، والرزء المصيبة ، وقوله ونشوز أنفسا معطوف
على بلوغها من حر قلوبنا ، يقال : نشزت المرأة نشوزا أي استصعبت على بعلها و
أنغصته قوله عليه السلام : أن يسوغكما بأتم النعمة الباء للتعدية ، يقال ساغ الشراب يسوغ
-بحار الانوار مجلد: 44 من ص 135 سطر 18 الى ص 143 سطر 18
سوغا أي سهل مدخله في الحلق وسغته أنا أسوغه وأسيغه يتعدى ولا يتعدى .
أقول : انظر إلى شدة التقية في زمانه عليه السلام حتى أحوجته إلى أن يكتب مثل
هذا الكتاب لموت كافر لايؤمن بيون الحساب ، فهذا يفتح لك من التقية كل باب .
8 ج : قيل : لما دخل هارون الرشيد المدينة توجه لزيارة النبي صلى الله عليه وآله ومعه
الناس فتقدم إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله فقال : السلام عليك ياابن عم ، مفتخرا بذلك على
غيره فتقدم أبوالحسن موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام إلى القبر فقال : السلام عليك
___________________________________________________________________
( 1 ) قرب الاسناد ص 171 .
[136]
يارسول الله ، السلام عليك ياأبة ، فتغير وجه الرشيد ، وتبين الغيظ فيه ( 1 ) .
9 مل : الكليني العدة من أصحابه ، عن سهل ، عن علي بن حسان ، عن
بعض أصحابنا ، قال : حضرت أبا الحسن الاول وهارون الخليفة ، وعيسى بن
جعفر ، وجعفر بن يحيى ، بالمدينة ، وقد جآؤا إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله فقال هارون
لابي الحسن عليه السلام : تقدم فأبى ، فتقدم هارون فسلم وقام ناحية ، فقال عيسى
ابن جعفر لابي الحسن عليه السلام : تقدم فأبى ، فتقدم عيسى فسلم ووقف مع هارون
فقال جعفر لابي الحسن عليه السلام : تقدم فأبى ، فتقدم جعفر فسلم ووقف مع هارون
وتقدم أبوالحسن عليه السلام فقال : السلام عليك ياأبه أسأل الله الذي اصطفاك واجتباك و
هداك وهدى بك أن يصلي عليك ، فقال هارون لعيسى : سمعت ما قال ؟ قال : نعم
قال هارون : أشهد أنه أبوه حقا ( 2 ) .
10 من كتاب حقوق المؤمنين : لابي علي بن طاهر قال : استأذن علي
ابن يقطين مولاي الكاظم عليه السلام في ترك عمل السلطان فلم يأذن له وقال : لاتفعل
فإن لنا بك انسا ، ولاخوانك بك عزا ، وعسى أن يجبر الله بك كسرا ، ويكسر
بك نائرة المخالفين عن أوليائه ، يا علي كفارة أعمالكم الاحسان إلى إخوانكم
اضمن لي واحدة وأضمن لك ثلاثا ، اضمن لي أن لاتلقى أحدا من أوليائنا إلا
قضيت حاجته وأكرمته ، وأضمن لك أن لايظلك سقف سجن أبدا ولا ينالك حد
سيف أبدا ، ولا يدخل الفقر بيتك أبدا ، يا علي من سر مؤمنا فبالله بدأ وبالنبي صلى الله عليه وآله
ثنى وبنا ثلث .
11 يج : روي أن علي بن يقطين كتب إلى موسى بن جعفر عليه السلام اختلف
في المسح على الرجلين ، فإن رأيت أن تكتب مايكون عملي عليه فعلت ، فكتب
أبوالحسن : الذي آمرك به أن تتمضمض ثلاثا ، وتستنشق ثلاثا ، وتغسل وجهك ثلاثا
وتخلل شعر لحيتك ثلاثا .
وتغسل يديك ثلاثا ، وتمسح ظاهر اذنيك وباطنهما
___________________________________________________________________
( 1 ) الاحتجاج ص 214 .
( 2 ) كامل الزيارات باب 3 ص 18 .
[137]
وتغسل رجليك ثلاثا ، ولا تخالف ذلك إلى غيره .
فامتثل أمره وعمل عليه .
فقال الرشيد : احب أن أستبرئ أمر علي بن يقطين فانهم يقولون إنه رافضي
والرافضة يخففون في الوضوء ، فناطه بشئ من الشغل في الدار حتى دخل وقت
الصلاة ، ووقف الرشيد وراء حائط الحجرة ، بحيث يرى علي بن يقطين ولا يراه
هو ، وقد بعث إليه بالمآء للوضوء فتوضأ كما أمره موسى ، فقام الرشيد وقال :
كذب من زعم أنك رافضي ، فورد على علي بن يقطين كتاب موسى بن جعفر :
توضأ من الآن كما أمر الله ، اغسل وجهك مرة فريضة ، والاخرى إسباغا واغسل
يديك من المرفقين كذلك وامسح مقدم رأسك ، وظاهر قدميك ، من فضل نداوة
وضوئك فقد زال مايخاف عليك ( 1 ) .
12 عم ( 2 ) شا : روى عبدالله بن إدريس ، عن ابن سنان قال : حمل
الرشيد في بعض الايام إلى علي بن يقطين ثيابا أكرمه بها وكان في جملتها دراعة
خز سوداء من لباس الملوك ، مثقلة بالذهب ، فأنفذ علي بن يقطين جل تلك الثياب
إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام وأنفذ في جملتها تلك الدراعة ، وأضاف إليها
مالا كان أعده له على رسم له فيما يحمله إليه من خمس ماله ، فلما وصل ذلك إلى
أبي الحسن قبل المال والثياب ، ورد الدراعة على يد الرسول إلى علي بن يقطين
وكتب إليه أن احتفظ بها ، ولا تخرجها عن يدك ، فسيكون لك بها شأن ، تحتاج
إليها معه ، فارتاب علي بن يقطين بردها عليه ، ولم يدر ما سبب ذلك ، فاحتفظ
بالدراعة .
فلما كان بعد أيام تغير علي بن يقطين على غلام كان يختص به فصرفه عن
خدمته ، وكان الغلام يعرف ميل علي بن يقطين إلى أبي الحسن عليه السلام ويقف على
مايحمله إليه في كل وقت من مال وثياب وألطاف وغير ذلك ، فسعى به إلى الرشيد
فقال : إنه يقول بامامة موسى بن جعفر ، ويحمل إليه خمس ماله في كل سنة
___________________________________________________________________
( 1 ) الخرائج والجرائح ص 203 بتفاوت يسير .
( 2 ) اعلام الورى ص 293 .
[138]
وقد حمل إليه الدراعة التي أكرمه بها أمير المؤمنين في وقت كذا وكذا .
فاستشاط الرشيد لذلك ، وغضب غضبا ، وقال لاكشفن عن هذه الحال
فان كان الامر كما يقول أزهقت نفسه ، وأنفذ في الوقت باحضار علي بن يقطين
فلما مثل بين يديه ، قال له : مافعلت بالدراعة التي كسوتك بها ؟ قال : هي يا
أمير المؤمنين عندي في سفط مختوم ، فيه طيب ، وقد احتفظت بها ، وقلما أصبحت
إلا وفتحت السفط ، فنظرت إليها تبركا بها ، وقبلتها ، ورددتها إلى موضعها ، و
كلما أمسيت صنعت مثل ذلك .
فقال : أحضرها الساعة ! قال : نعم ياأمير المؤمنين ، واستدعى بعض خدمه
وقال له : امض إلى البيت الفلاني من الدار ، فخذ مفتاحه من خازنتي ، فافتحه
وافتح الصندوق الفلاني ، وجئني بالسفط الذي فيه بختمه ، فلم يلبث الغلام أن جآءه
بالسفط مختوما فوضع بين يدى الرشيد ، فأمر بكسر ختمه وفتحه .
فلما فتح نظر إلى الدراعة فيه بحالها ، مطوية مدفونة في الطيب ، فسكن
الرشيد من غضبه ثم قال لعلي بن يقطين : ارددها إلى مكانها ، وانصرف راشدا فلن
اصدق عليك بعدها ساعيا ، وامر أن يتبع بجائزة سنية ، وتقدم بضرب الساعي
ألف سوط ، فضرب نحوا من خمسمائة سوط فمات في ذلك ( 1 ) .
13 شى : عن محمد بن سابق بن طلحة الانصاري قال : كان مما قال هارون
لابي الحسن موسى عليه السلام حين ادخل عليه : ماهذه الدار ؟ قال : هذه دار الفاسقين
قال : وقرأ " سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الارض بغير الحق وإن يروا
كل آية لايؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لايتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي
يتخذوه سبيلا " ( 2 ) فقال لها هارون : فدار من هي ؟ قال : هي لشيعتنا فترة ، ولغيرهم
فتنة قال : فما بال صاحب الدار لايأخذها ؟ قال : اخذت منه عامرة ، ولا يأخذها
___________________________________________________________________
( 1 ) الارشاد ص 313 .
( 2 ) سورة الاعراف الاية : 146 .
[139]
إلا معمورة ( 1 ) .
بيان : لعل المعنى أنه لايأخذها إلا في وقت يمكنه عمارتها ، وهذا ليس
أوانه .
14 قب : ابن عبد ربه في العقد ( 2 ) أن المهدي رأى في منامه شريكا القاضي
مصروفا وجهه عنه ، فلما انتبه قص رؤياه على الربيع فقال : إن شريكا مخالف
لك ، فانه فاطمي محض ، قال المهدي : علي بشريك ، فاتي به ، فلما دخل عليه
قال : بلغني أنك فاطمي قال : اعيذك بالله أن تكون غير فاطمي إلا أن تعني فاطمة
بنت كسرى قال : لا ولكن أعني فاطمة بنت محمد قال : فتلعنها ؟ قال : لا معاذ الله قال :
فما تقول فيمن يلعنها قال : عليه لعنة الله قال : فالعن هذا يعني الربيع قال : لا والله
ماألعنها ياأمير المؤمنين .
قال له شريك : يا ماجن فما ذكرك لسيدة نسآء العالمين ، وابنة سيد المرسلين
في مجالس الرجال ، قال المهدي : فما وجه المنام ؟ قال : إن رؤياك ليست برؤيا
يوسف عليه السلام وإن الدماء لاتستحل بالاحلام ( 3 ) .
واتي برجل شتم فاطمة إلى الفضل بن الربيع فقال لابن غانم : انظر في أمره
ماتقول ؟ قال : يجب عليه الحد قال له الفضل : هي ذا امك إن حددته فأمر بأن
يضرب ألف سوط ، ويصلب في الطريق ( 4 ) .
15 قب : لما بويع محمد المهدي دعا حميد بن قحطبة نصف الليل وقال :
إن إخلاص أبيك وأخيك فينا أظهر من الشمس ، وحالك عندي موقوف فقال :
أفديك بالمال والنفس فقال : هذا لسائر الناس قال : أفديك بالروح والمال والاهل
والولد ، فلم يجبه المهدي فقال : أفديك بالمال والنفس والاهل والولد والدين
فقال : لله درك ، فعاهده على ذلك ، وأمره أن يقتل الكاظم عليه السلام في السحرة بغتة
___________________________________________________________________
( 1 ) تفسير العياشى ج 2 ص 29 .
( 2 ) العقد الفريد ج 2 ص 178 طبع لجنة التأليف والترجمة والنشر سنة 1359 .
( 3 ) المناقب ج 3 ص 114 .
( 4 ) نفس المصدر ج 3 ص 115 .
[140]
فنام فرأى في منامه عليا عليه السلام يشير إليه ويقرأ " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا
في الارض وتقطعوا أرحامكمم " ( 1 ) فانتبه مذعورا ، ونهى حميدا عما أمره ، وأكرم
الكاظم ووصله ( 2 ) .
بيان : السحرة بالضم السحر .
16 قب : علي بن أبي حمزة قال : كان يتقدم الرشيد إلى خدمه إذا خرج
موسى بن جعفر من عنده أن يقتلوه ، فكانوا يهمون به فيتداخلهم من الهيبة والزمع
فلما طال ذلك أمر بتمثال من خشب وجعل له وجها مثل وجه موسى بن جعفر
وكانوا إذا سكروا أمرهم أن يذبحوها بالسكاكين ، وكانوا يفعلون ذلك أبدا ، فلما
كان في بعض الايام جمعهم في الموضع ، وهم سكارى ، وأخرج سيدي إليهم فلما
بصروا به هموا به على رسم الصورة .
فلما علم منهم مايريدون كلمهم بالخزرية والتركية ، فرموا من أيديهم
السكاكين ، ووثبوا إلى قدميه فقبلوهما ، وتضرعوا إليه ، وتبعوه إلى أن شيعوه
إلى المنزل الذي كان ينزل فيه فسألهم الترجمان عن حالهم فقالوا : إن هذا الرجل
يصير إلينا في كل عام ، فيقضي أحكامنا ، ويرضي بعضنا من بعض ، ونستسقي به إذا
قحط بلدنا ، وإذا نزلت بنا نازلة فزعنا إليه ، فعاهدهم أنه لايأمرهم بذلك
فرجعوا ( 3 ) .
بيان : الزمع بالتحريك الدهش .
17 قب : حكي أنه مغص بعض الخلفاء فعجز بختيشوع النصراني عن دوائه
وأخذ جليدا فأذابه بدواء ، ثم أخذ ماءا وعقده بدواء وقال : هذا الطب إلا أن
يكون مستجاب دعاء ذا منزلة عند الله يدعو لك فقال الخليفة : علي بموسى بن جعفر
فاتي به فسمع في الطريق أنينه ، فدعا الله سبحانه ، وزال مغص الخليفة فقال له :
___________________________________________________________________
( 1 ) سورة محمد الاية : 22 .
( 2 ) المناقب ج 3 ص 417 .
( 3 ) نفس المصدر ج 3 ص 418 .