[181]

يحيى إلى المدينة فأقام بها إلى أن سعى به عبدالله بن الزبير إلى الرشيد ( 1 ) .
25 كتاب المقتضب لابن عياش ، عن صالح بن الحسين النوفلي ، عن ذي النون المصري قال : خرجت في بعض سياحتي حتى كنت ببطن السماوة فأفضى لي المسير إلى تدمر ( 2 ) فرأيت بقربها أبنية عادية قديمة ، فساورتها فاذا هي من حجارة منقورة فيها بيوت وغرف من حجارة وأبوابها كذلك ، بغير ملاحط ، وأرضها كذلك حجارة صلدة ، فبينا أجول فيها إذ بصرت بكتابة غريبة على حائط منها فقرأته فاذا هو : أنا ابن منى والمشعرين وزمزم ومكة والبيت العتيق المعظم وجدي النبي المصطفى وأبي الذي ولايته فرض على كل مسلم وامي البتول المستضاء بنورها إذا ماعددنا عديلة مريم وسبطا رسول الله عمي ووالدي وأولاده الاطهار تسعة أنجم متى تعتلق منهم بحبل ولاية تفز يوم يجزى الفائزون وتنعم أئمة هذا الخلق بعد نبيهم فان كنت لم تعلم بذلك فاعلم أنا العلوي الفاطمي الذي ارتمى به الخوف والايام بالمرء ترتمي فضاقت بي الارض الفضاء برحبها ولم أستطع نيل السماء بسلم فألممت بالدار التي أنا كاتب عليها بشعري فأقرأ إن شئت والمم وسلم لامر الله في كل حالة فليس أخو الاسلام من لم يسلم قال ذو النون : فعلمت أنه علوي قد هرب ، وذلك في خلافة هارون ووقع إلى ماهناك فسألت من ثم من سكان هذه الدار وكانوا من بقايا القبط الاول هل تعرفون من كتب هذا الكتاب ؟ قالوا : لا والله ماعرفناه إلا يوما واحدا فانه نزل بنا فأنزلناه ، فلما كان صبيحة ليلته غدا ، فكتب هذا الكتاب ومضى ، قلت : أي رجل كان ؟ قالوا : رجل عليه أطمار رثة تعلوه هيبة وجلالة وبين عينيه نور شديد

___________________________________________________________________
( 1 ) عمدة الطالب ص 139 طبعة النجف الاولى .
( 2 ) تدمر : مدينة في الشمال الشرقي من دمشق ، بواحة في بادية الشام .

[182]

لم يزل ليلته قائما وراكعا وساجدا إلى أن انبلج له الفجر فكتب وانصرف ( 1 ) .
اقول : لايبعد كونه الكاظم عليه السلام ذهب وكتب لاتمام الحجة عليهم .
26 مقاتل الطالبيين ( 2 ) بأسانيده ، عن جماعة أنهم قالوا : إن يحيى بن عبدالله بن الحسن لما قتل أصحاب فخ كان في قبلهم فاستتر مدة يجول في البلدان ويطلب موضعا يلجأ إليه ، وعلم الفضل بن يحيى بمكانه في بعض النواحي فأمره بالانتقال عنه ، وقصد الديلم وكتب له منشورا لايعرض له أحد ، فمضى متنكرا حتى ورد الديلم ، وبلغ الرشيد خبره وهو في بعض الطريق فولى الفضل بن يحيى نواحي المشرق وأمره بالخروج إلى يحيى ، فلما علم الفضل بمكان يحيى كتب إليه : إني اريد أن احدث بك عهدا ، وأخشى أن تبتلي بي وابتلى بك ، فكاتب صاحب الديلم فاني قد كاتبته لك لتدخل إلى بلاده فتمتنع به .
ففعل ذلك يحيى ، وكان صحبه جماعة من أهل الكوفة ، وفيهم الحسن بن صالح بن حي ، كان يذهب مذهب الزيدية البترية في تفضيل أبي بكر ، وعمر وعثمان في ست سنين من إمارته ، وتكفيره في باقي عمره ، ويشرب النبيذ ، ويمسح على الخفين ، فكان يخالف يحيى في أمره ، ويفسد أصحابه ، فحصل بينهما بذلك تنافر ، وولى الرشيد الفضل جميع كور المشرق وخراسان ، وأمره بقصد يحيى والجد به ، وبذل الامان والصلة له إن قبل ذلك .
فمضى الفضل فيمن ندب معه ، وراسل يحيى فأجابه إلى قبوله ، لما رأى من تفرق أصحابه وسوء رأيهم فيه ، وكثرة خلافهم عليه إلا أنه لم يرض الشرائط التي شرطت له ، ولا الشهود الذين شهدوا له ، وبعث الكتاب إلى الفضل فبعث به إلى الرشيد ، فكتب له على ماأراد وشهد له من التمس .

___________________________________________________________________
( 1 ) مقتضب الاثر ص 55 طبع المطبعة العلوية في النجف الاشرف سنة 1346 ه ( 2 ) مقاتل الطالبيين ، والحديث منثور في عدة صفحات يتخلله أحاديث متفرقة لاحظ ص 465 إلى ص 485 .

[183]

فلما ورد كتاب الرشيد على الفضل وقد كتب الامان على مارسم يحيى ، و أشهد الشهود الذين التمسهم ، وجعل الامان على نسختين إحداهما مع يحيى والاخرى معه ، شخص يحيى مع الفضل حتى وافى بغداد ، ودخلها معاد له في عمارية على بغل ، فلما قدم يحيى أجازه الرشيد بجوائز سنية ، يقال إن مبلغها مائتا ألف دينار ، وغير ذلك من الخلع والحملان ، فأقام على ذلك مدة وفي نفسه الحيلة على يحيى ، والتتبع له ، وطلب العلل عليه وعلى أصحابه .
ثم إن نفرا من أهل الحجاز تحالفوا على السعاية بيحيى ، وهم : عبدالله بن مصعب الزبيري ، وأبوالبختري وهب بن وهب ، ورجل من بني زهرة ، ورجل من بني مخزوم ، فوافوا الرشيد لذلك ، واحتالوا إلى ان أمكنهم ذكره له ، وأشخصه الرشيد إليه وحبسه عند مسرور الكبير في سرداب ، فكان في أكثر الايام يدعوه ويناظره إلى أن مات في حبسه ، واختلف كيف كانت وفاته ؟ فقيل ؟ إنه دعاه يوما وجمع بينه وبين ابن مصعب ليناظره فيما رفع إليه فجبهه ابن مصعب بحضرة الرشيد وقال : إن هذا دعاني إلى بيعته .
فقال يحيى : ياأمير المؤمنين أتصدق هذا علي وتستنصحه ؟ وهو ابن عبدالله ابن الزبير الذي أدخل أباك وولده الشعب ، وأضرم عليهم النار حتى تخلصهم أبو عبدالله الجدلي صاحب علي عليه السلام ، وهو الذي بقي أربعين يوما لا يصلي على النبي صلى الله عليه وآله في خطبته حتى التاث عليه الناس فقال : إن له أهل بيت سوء إذا ذكرته اشرأبت نفوسهم إليه ، وفرحوا بذلك ، فلا احب أن اقر أعينهم بذلك
-بحار الانوار مجلد: 44 من ص 183 سطر 19 الى ص 191 سطر 18 وهو الذي فعل بعبد الله بن العباس مالاخفاء به عليك ، وطال الكلام بينهما حتى قال يحيى : ومع ذلك هو الخارج مع أخي على أبيك وقال في ذلك أبياتا منها : قوموا ببيعتكم ننهض بطاعتنا إن الخلافة فيكم يابني حسن ( 1 )

___________________________________________________________________
( 1 ) والابيات المشار اليها هى : ان الحمامة يوم الشعب من دثن هاجت فؤاد محب دائم الحزن انا لنأمل أن ترتد الفتنا بعد التدابر والبغضاء والاحن

[184]

قال : فتغير وجه الرشيد عند سماع الابيات ، فابتدأ ابن مصعب يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ، وبأيمان البيعة أن هذا الشعر ليس له .
فقال يحيى : والله ياأمير المؤمنين ما قاله غيره ، وما حلفت بالله كاذبا ولا صادقا قبل هذا وإن الله إذا مجده العبد في يمينه استحيا أن يعاقبه ، فدعني احلفه بيمين ماحلف بها أحد قط كاذبا إلا عوجل قال : حلفه قال : قل : برئت من حول الله وقوته ، واعتصمت بحولي وقوتي ، وتقلدت الحول والقوة من دون الله استكبارا على الله واستغناءا عنه ، واستعلاءا عليه إن كنت قلت هذا الشعر .
فامتنع عبدالله منه فغضب الرشيد وقال للفضل بن الربيع : هنا شئ ماله لايحلف إن كان صادقا ؟ فرفس الفضل عبدالله برجله وصاح به احلف ويحك ، وكان له فيه هوى فحلف باليمين ووجهه متغير وهو يرعد ، فضرب يحيى بين كتفيه ثم قال : ياابن مصعب قطعت والله عمرك ، والله لاتفلح بعدها ، فما برح من موضعه حتى أصابه الجذام فتقطع ومات في اليوم الثالث ، فحضر الفضل جنازته ومشى معها ومشى الناس معه ، فلما وضعوه في لحده ، وجعلوا اللبن فوقه ، انخسف القبر به و خرجت منه غبرة عظيمة .

___________________________________________________________________
حتى يثاب على الاحسان محسننا ويأمن الخائف المأخوذ بالدمن وتنقضى دولة أحكام قادتها فينا كأحكام قوم عابدى الوثن فطالما قد بروا بالجور أعظمنا برى الصناع قداح النبع بالسفن قوموا ببيعتكم ننهض بطاعتنا ان الخلافة فيكم يابنى الحسن لا عز ركنا نزار عند سطوتها ان أسلمتك ولا ركنا ذوى يمن ألست أكرمهم عودا اذا انتسبوا يوما وأطهرهم ثوبا من الدرن وأعظم الناس عند الناس منزلة وأبعد الناس من عيب ومن وهن وقد أخرج الابيات ابن عبد ربه في العقد الفريد ج 5 ص 87 طبع لجنة التأليف والترجمة والنشر ونسبها إلى سديف مولى بنى هاشم ، وذكرها ابن أبي الحديد في شرح النهج ج 4 ص 352 طبع مصر سنة 1329 نقلا عن الاصبهاني .

[185]

فصاح الفضل : التراب التراب ، فجعل يطرح وهو يهوي ، فدعا بأحمال شوك وطرحها فهوت ، فأمر حينئذ بالقبر ، فسقف بخشب وأصلحه ، وانصرف منكسرا .
فكان الرشيد بعد ذلك يقول للفضل : رأيت ياعباسي ماأسرع مااديل يحيى من ابن مصعب .
ثم جمع له الرشيد الفقهاء وفيهم محمد بن الحسن ( 1 ) صاحب أبي يوسف ، و الحسن بن زياد اللؤلؤي ( 2 ) وأبوالبختري ( 3 ) فجمعوا في مجلس فخرج إليهم مسرور الكبير بالامان فبدأ بمحمد بن الحسن فنظر فيه فقال : هذا أمان مؤكد لا حيلة فيه ، فصاح عليه مسرور : هاته ، فدفعه إلى الحسن بن زياد فقال بصوت ضعيف : هو أمان ، فاستلبه أبوالبختري وقال : هذا باطل منتقض ، قد شق العصا ، و سفك الدم ، فاقتله ودمه في عنقي .
فدخل مسرور إلى الرشيد وأخبره فقال : اذهب وقل له : خرفه إن كان باطلا بيدك ، فجاء مسرور فقال له ذلك فقال : شقه أبا هاشم ، قال له مسرور : بل شقه أنت إن كان منتقضا فأخذ سكينا وجعل يشقه ويده ترتعد حتى صيره سيورا فأدخله مسرور على الرشيد فوثب فأخذه من يده وهو فرح ، ووهب لابي البختري ألف ألف وستمائة ألف ، وولاه قضاء القضاة ، وصرف الآخرين ، ومنع محمد بن الحسن

___________________________________________________________________
( 1 ) محمد بن الحسن كان الرشيد ولاه القضاء ، وخرج معه في سفره إلى خراسان فمات بالرى سنة 189 ه لاحظ ترجمته في تاريخ بغداد ج 2 ص 172 182 ووفيات الاعيان ج 1 ص 453 454 .
( 2 ) ولى القضاء في سنة 194 بعد وفاة القاضى حفص بن غياث ، وتوفى سنة 204 ترجمه الخطيب البغدادى في تاريخه ج 7 ص 314 317 .
( 3 ) هو وهب بن وهب القرشى المدنى روى عن الصادق عليه السلام وكان كذابا وله أحاديث مع الرشيد في الكذب قال سعد : تزوج أبوعبدالله عليه السلام بأمه ، وكان قاضيا عاميا الا أن له أحاديث عن جعفر بن محمد " ع " كلها لايوثق بها .
وعن الفضل بن شاذان : كان أبوالبخترى من أكذب البرية ، ترجمه النجاشى والشيخ والعلامة من أصحابنا في كتبهم فلاحظ ، ولاه الرشيد القضاء بعسكر المهدى ثم عزله فولاه مدينة الرسول صلى الله عليه وآله بعد بكار بن عبدالله مات سنة 200 ببغداد ترجمه الخطيب في تاريخه ج 13 ص 481 487 .

[186]

من الفتيا مدة طويلة ، وأجمع على إنفاذ ماأراد في يحيى .
فروي عن رجل كان مع يحيى في المطبق قال : كنت منه قريبا فكان في أضيق البيوت وأظلمها ، فبينا نحن ذات ليلة كذلك إذ سمعنا صوت الاقفال ، وقد مضى من الليل هجعة ، فاذا هارون قد أقبل على برذون له فوقف ثم قال : أين هذا ؟ يعني يحيى قالوا : في هذا البيت قال : علي به فادني إليه فجعل هارون يكلمه بشئ لم أفهمه فقال : خذوه ، فاخذ فضربه مائة عصا ، ويحيى يناشده الله والرحم والقرابة من رسول الله صلى الله عليه وآله ويقول : بقرابتي منك فيقول : مابيني وبينك قرابة .
ثم حمل فرد إلى موضعه فقال : كم أجريتم عليه ؟ قالوا : أربعة أرغفة وثمانية أرطال ماء قال : اجعلوه على النصف ، ثم خرج ومكث ليالي ثم سمعنا وقعا فاذا نحن به حتى دخل ، فوقف موقفه فقال : علي به فاخرج ففعل به مثل فعله ذلك ، وضربه مائة عصا اخرى ، ويحيى يناشده فقال : كم أجريتم عليه ؟ قالوا : رغيفين وأربعة أرطال ماء قال : اجعلوه على النصف ، ثم خرج وعاود الثالثة ، وقد مرض يحيى وثقل .
فلما دخل قال : علي به قالوا : هو عليل مدنف لمابه ، قال : كم أجريتم عليه ؟ قالوا : رغيفا ورطلين ماء قال : اجعلوه على النصف ثم خرج ، فلم يلبث يحيى أن مات فاخرج إلى الناس فدفن .
وعن إبراهيم بن رياح أنه بنى عليه اسطوانة بالرافقة ( 1 ) وهو حي .
وعن علي بن محمد بن سليمان أنه دس إليه في الليل من خنقه حتى تلف قال : وبلغني أنه سقاه سما .

___________________________________________________________________
( 1 ) الرافقة : بلد متصل البناء بالرقة وهما على ضفة الفراب وبينهما مقدار ثلاثمائة ذراع .
.
قال ياقوت هكذا كانت أولا ، فأما الان فان الرقة خربت وغلب اسمها على الرافقة وصار اسم المدينة الرقة وهي من اعمال الجزيرة .
.
قال أحمد بن يحيى : لم يكن للرافقة أثر قديم انما بناها المنصور في سنة 155 على بناء مدينة بغداد ، ورتب بها حندأ من أهل خراسان الخ .

[187]

وعن محمد بن أبي الحسناء أنه أجاع السباع ثم ألقاه إليها فأكلته .
وعن عبدالله بن عمر العمري قال : دعينا لمناظرة يحيى بن عبدالله بحضرة الرشيد فجعل يقول له : يايحيى اتق الله وعرفني أصحابك السبعين لئلا ينتقض أمانك ؟ ، وأقبل علينا فقال : إن هذا لم يسم أصحابه ، فكلما أردت أخذ إنسان يبلغني عنه شئ أكرهه ، ذكر أنه ممن أمنت .
فقال يحيى : ياأمير المؤمنين أنا رجل من السبعين فما الذي نفعني من الامان أفتريد أن أدفع إليك قوما تقتلهم معي لا لا يحل في هذا قال : ثم خرجنا ذلك اليوم ودعانا له يوما آخر فرأيته أصفر اللوم متغيرا فجعل الرشيد يكلمه فلا يجيبه فقال : ألا ترون إليه لايجيبني ! ؟ فأخرج إلينا لسانه قد صار أسود مثل الحممة ( 1 ) يرينا أنه لايقدر على الكلام فاستشاط الرشيد وقال : إنه يريكم أني سقيته السم ووالله لو رأيت عليه القتل لضربت عنقه صبرا ، ثم خرجنا من عنده ، فما صرنا في وسط الدار حتى سقط على وجهه لآخر ما به .
وعن إدريس بن محمد بن يحيى كان يقول : قتل جدي بالجوع والعطش في الحبس .
وعن الزبير بن بكار عن عمه أن يحيى لما أخذ من الرشيد المأتي الالف الدينار قضى بها دين الحسين صاحب فخ ، وكان الحسين خلف مأتي ألف دينار دينا وقال : خرج مع يحيى عامر بن كثير السراج ( 2 ) وسهل بن عامر البجلي ، و

___________________________________________________________________
( 1 ) الحممة : الفحم والرماد وكل مااحترق بالنار جمع حمم .
( 2 ) عامر بن كثير السراج ذكره البرقى في رجاله ص 8 من أصحاب الحسين السبط عليه السلام وكان من دعاته وقد تبعه غيره في ذلك وذكره النجاشى والعلامة وانه زيدى كوفى وتوقف العلامة في روايته ، أقول لقدوهم البرقى في عده من أصحاب الحسين السبط " ع " والصواب انه من أصحاب الحسين صاحب فخ وربما يؤيد ذلك قوله : وكان من دعاته ، وقد صرح بصحابته للحسين صاحب فخ أبوالفرج في مقاتله ص 484 فلاحظ .

[188]

يحيى ( بن عبدالله بن يحيى ) ( 1 ) بن مساور ، وكان من أصحابه علي بن هاشم بن البريد ، وعبدالله بن علقمة ، ومخول بن إبراهيم النهدي ، فحبسهم جميعا هارون في المطبق فمكثوا فيه اثنتي عشرة سنة .
اقول : أوردت أحوال كثير من عشائره وأصحابه في باب معجزاته ، وباب مكارم أخلاقه ، وباب مناظراته ، وماجرى بينه وبين خلفاء زمانه ، وباب شهادته عليه السلام وباب إبطال مذهب الواقفة .

___________________________________________________________________
( 1 ) مابين القوسين زيادة من المصدر .

[189]


باب 8 : احتجاجات هشام بن الحكم في الامامة وبدو أمره وما آل اليه امره إلى وفاته صلوات الله عليه  

1 كش : أحمد بن محمد الخالدي ، عن محمد بن همام ، عن إسحاق بن أحمد عن أبي حفص الحداد ، وغيره ، عن يونس بن عبدالرحمان قال : كان يحيى بن خالد البرمكي قد وجد على هشام بن الحكم شيئا من طعنه على الفلاسفة ، وأحب أن يغري به هارون ونصرته على القتل ، قال : وكان هارون لما بلغه عن هشام مال إليه .
وذلك أن هشاما تكلم يوما بكلام عند يحيى بن خالد في إرث النبي صلى الله عليه وآله فنقل إلى هارون فأعجبه وقد كان قبل ذلك يحيى يسترق أمره عند هارون ، ويرده عن أشياء كان يعزم عليها من أذاه فكان ميل هارون إلى هشام أحد ما غير قلب يحيى على هشام فشيعه عنده وقال له : ياأمير المؤمنين إني قد استبطنت أمر هشام فاذا هو يزعم أن الله في أرضه إماما غيرك مفروض الطاعة قال : سبحان الله ! قال : نعم ، ويزعم أنه لو أمره بالخروج لخرج ، وإنما كنا نرى أنه ممن يرى الالباد بالارض .
فقال هارون ليحيى : فاجمع عندك المتكلمين ، وأكون أنا من وراء الستر بيني وبينهم ، لئلا يفطنوا بي ، ولا يمتنع كل واحد منهم أن يأتي بأصله لهيبتي

[190]

قال : فوجه يحيى فأشحن المجلس من المتكلمين ، وكان فيهم ضرار بن عمرو ( 1 ) وسليمان بن جرير ( 2 ) وعبدالله بن يزيد الاباضي ( 3 ) ومؤبد بن مؤبد ورأس الجالوت قال : فتساءلوا فتكافؤا ، وتناظروا ، وتقاطعوا ، وتناهوا إلى شاذ من مشاذ الكلام كل يقول لصاحبه : لم تجب ، ويقول : قد أجبت ، وكان ذلك عن يحيى حيلة على هشام ، إذ لم يعلم بذلك المجلس ، واغتنم ذلك لعلة كان أصابها هشام بن الحكم .

___________________________________________________________________
( 1 ) ضرار بن عمرو : كان في بدو أمره تلميذا لواصل بن عطاء المعتزلى ثم خالفه في خلق الاعمال وانكار عذاب القبر ، ثم زعم أن الامامة بغير القرشيين اولى منها بالقرشى له نحو ثلاثين مؤلفا ، وكان غطفانيا قال الملطى في كتابه التنبيه والرد ص 43 : ان المجلس كان له بالبصرة قبل ابى الهديل حتى اظهر الخلاف الخ ، وله اتباع يسمون الضرارية نسبة اليه ، لاحظ حاله وحالهم ومقاله ومقالهم في كتب الفرق والديانات كالفرق بين الفرق للبغدادى ص 129 ومختصره للرسعنى ص 131 واعتقادات فرق المسلمين للامام فخر الدين الرازي ص 69 والملل والنحل ج 1 ص 94 بهامش الفصل وغيرها .
( 2 ) سليمان بن جرير الزيدى رئيس الفرقة السليمانية وقد تسمى جريرية ومن مقالته ان الامامة شورى وانها تنعقد برجلين من خيار الامة ، وأجاز امامة المفضول ، وكفره أهل السنة لانه كفر عثمان وتبرؤا منه كما أن محارب على عندهم كافر ، وله أقوال أخر ، لاحظ ذلك في الفرق بين الفرق للبغدادى ص 24 ومختصره ص 32 وفرق الشيعة للنوبختى ص 9 61 واعتقادات فرق المسلمين للرازي ص 52 والملل والنحل وغير ذلك .
( 3 ) عبدالله بن يزيد الاباضى نسه إلى فرقة الاباضية وهم من فرق الخوارج ، منسوبون إلى عبدالله بن اباضى الخارجى الذى خرج في عهد مروان الحمار آخر ملوك بني أمية وقال الملطى في التنبيه والرد انهم أصحاب اباض بن عمرو خرجوا من سواد الكوفة فقتلوا الناس وسبوا الذرية وقتلوا الاطفال وكفروا الامة الخ ومنهم فرقة تدعى الحارثية اتباع حارث ابن يزيد الاباضى وهم الذين قالوا في باب القدر بمثل قول المعتزلة وزعموا أيضا ان الاستطاعة قبل الفعل الخ وزعمت الحارثية انه لم يكن لهم امام بعد المحكمة الاولى الا عبدالله ابن اباض وبعده الحارث بن يزيد الاباضى .
والظاهر انه أخو عبدالله المذكور .
وكان من متكلميهم .