[191]

فلما تناهوا إلى هذا الموضع قال لهم يحيى بن خالد : أترضون فيما بينكم هشاما حكما ؟ قالوا : قد رضينا أيها الوزير ، فأنى لنا به وهو عليل ، فقال يحيى فأنا اوجه إليه ، فأرسله أن يتجشم المشي فوجه إليه فأخره بحضورهم وأنه إنما منعه أن يحضروه أول المجلس إبقاءا عليه من العلة وإن القوم قد اختلفوا في المسائل والاجوبة ، وتراضوا بك حكما بينهم فان رأيت أن تتفضل ، وتحمل على نفسك فافعل .
فلما صار الرسول إلى هشام قال لي : يايونس قلبي ينكر هذا القول ولست آمن أن يكون ههنا أمرا لا أقف عليه ، لان هذا الملعون يحيى بن خالد قد تغير علي لامور شتى ، وقد كنت عزمت إن من الله علي بالخروج من هذه العلة أن أشخص إلى الكوفة ، واحرم الكلام بتة ، وألزم المسجد ليقطع عني مشاهدة هذا الملعون يعني يحيى بن خالد قال : قلت : جعلت فداك لايكون إلا خيرا ، فتحرز ماأمكنك فقال لي : يايونس أترى التحرز عن أمر يريد الله إظهاره على لساني ، أنى يكون ذلك ، ولكن قم بنا على حول الله وقوته .
فركب هشام بغلا كان مع رسوله ، وربكت أنا حمارا كان لهشام قال : فدخلنا المجلس فاذا هو مشحون بالمتكلمين قال : فمضى هشام نحو يحيى فسلم عليه وسلم على القوم ، وجلس قريبا منه ، وجلست أنا حيث انتهى بي المجلس .
قال : فأقبل يحيى على هشام بعد ساعة فقال : إن القوم حضروا وكنا مع حضورهم نحب أن تحضر ، لا لان نتاظر بل لان نأنس بحضورك ، إن كانت العلة
-بحار الانوار مجلد: 44 من ص 191 سطر 19 الى ص 199 سطر 18 تقطعك عن المناظرة ، وأنت بحمد الله صالح ، ولست علتك بقاطعة من المناظرة ، و هؤلاء القوم قد تراضوا بك حكما بينهم .
قال : فقال هشام : ماالموضع الذي تناهت به المناظرة ؟ فأخبره كل فريق منهم بموضع مقطعه ، فكان من ذلك أن حكم لبعض على بعض ، فكان من المحكومين عليه سليمان بن جرير ، فحقدها على هشام .
قال : ثم إن يحيى بن خالد قال لهشام : إنا قد أعرضنا عن المناظرة و

[192]

المجادلة منذ اليوم ولكن إن رأيت أن تبين عن فساد اختيار الناس الامام وأن الامامة في آل بيت الرسول دون غيرهم ؟ قال هشام : أيها الوزير العلة تقطعني عن ذلك ، ولعل معترضا يعترض ، فيكتسب المناظرة والخصومة قال : إن اعترض معترض قبل أن تبلغ مرادك وغرضك ، فليس ذلك له بل عليه أن يحفظ المواضع التي له فيها مطعن فيقفها إلى فراغك ولا يقطع عليك كلامك .
فبدأ هشام وساق الذكر لذلك وأطال ، واختصرنا منه موضع الحاجة ، فلمات فرغ مما قد ابتدأ فيه من الكلام في فساد اختيار الناس الامام ، قال يحيى لسليمان ابن جرير : سل أبا محمد عن شئ من هذا الباب ؟ قال سليمان لهشام : أخبرني عن علي بن أبي طالب عليه السلام مفروض الطاعة ؟ فقال هشام : نعم .
قال : فان أمرك الذي بعده بالخروج بالسيف معه تفعل وتطيعه ؟ فقال هشام : لايأمرني قال : ولم إذا كانت طاعته مفروضة عليك ، وعليك أن تطيعه ؟ فقال هشام : عد عن هذا ، فقد تبين فيه الجواب ، قال سليمان : فلم يأمرك في حال تطيعه وفي حال لاتطيعه ؟ فقال هشام : ويحك لم أقل لك إني لااطيعه فتقول : إن طاعته مفروضة إنما قلت لك : لايأمرني .
قال سليمان : ليس أسألك إلا على سبيل سلطان الجدل ، ليس على الواجب انه لايأمرك فقال هشام : كم تحول حول الحمى ، هل هو إلا أن أقول لك إن أمرني فعلت ، فتنقطع أقبح الانقطاع ، ولا يكون عندك زيادة ، وأنا أعلم بما يجب قولي ، وما إليه يؤل جوابي .
قال : فتغير وجه هارون ، وقال هارون : قد أفصح ، وقام الناس واغتنمها هشام ، فخرج على وجهه إلى المدائن .
قال : فبلغنا أن هارون قال ليحيى : شد يدك بهذا وأصحابه ، وبعث إلى أبي الحسن موسى عليه السلام فحبسه فكان هذا سبب حبسه مع غيره من الاسباب وإنما أراد يحيى أن يهرب هشام فيموت مخفيا مادام الهارون سلطان قال : ثم صار هشام إلى الكوفة وهو يعقب عليه ، ومات في دار ابن شرف بالكوفة رحمه الله .

[193]

قال : فبلغ هذا المجلس محمد بن سليمان النوفلي وابن ميثم وهما في حبس هارون فقال النوفلي : أرى هشاما مااستطاع أن يعتل فقال ابن ميثم : بأي شئ يستطيع أن يعتل ؟ وقد أوجب أن طاعته مفروضة من الله قال : يعتل بأن يقول : الشرط علي في إمامته أن لايدعوا أحدا إلى الخروج ، حتى ينادي مناد من السمآء فمن دعاني ممن يدعي الامامة قبل ذلك الوقت علمت أنه ليس بامام ، وطلبت من أهل هذا البيت من لا يقول إنه يخرج ولا يأمر بذلك حتى ينادي مناد من السمآء فأعلم أنه صادق .
فقال ابن ميثم : هذا من أخبث الخرافة ، ومتى كان هذا في عقد الامامة إنما يروى هذا في صفة القائم عليه السلام وهشام أجدل من أن يحتج بهذا ، على أنه لم يفصح بهذا الافصاح الذي قد شرطته أنت ، إنما قال : إن أمرني المفروض الطاعة بعد علي عليه السلام فعلت ، ولم يسم فلان دون فلان كما تقول : إن قال لي طلبت غيره ، فلو قال هارون له : وكان المناظر له من المفروض الطاعة ؟ فقال له : أنت .
لم يكن أن يقول له فان أمرتك بالخروج بالسيف تقاتل أعدائي تطلب غيري ، وتنتظر المنادي من السمآء ، هذا لايتكلم به مثل هذا ، لعلك لو كنت أنت تكلمت به .
قال : ثم قال علي بن اسماعيل الميثمي : إنا لله وإنا إليه راجعون ، على مايمضي من العلم إن قتل ، ولقد كان عضدنا وشيخنا ، والمنظور إليه فينا ( 1 ) .
بيان : قوله فشيعه عنده أي نسب يحيى هشاما إلى التشيع عند هارون ، و الالباد بالارض الالصاق بها كناية عن ترك الخروج ، وعدم الرضا به ، قوله : إذ لم يعلمه بذلك أي يعلمه أولا واغتنم تلك المناظرة وحيرتهم ، لتكون وسيلة إلى إحضار هشام بحيث لايشعر بالحيلة ، قوله : على مايمضي من العلم إن قتل أي إن قتل يمضي مع علوم كثيرة .
2 كش : روي عن عمر بن يزيد قال : كان ابن أخي هشام يذهب في الدين مذهب الجهمية خبيثا فيهم فسالني أن ادخله على أبي عبدالله عليه السلام ليناظره فأعلمته

___________________________________________________________________
( 1 ) رجال الكشى ص 167 بتفاوت .

[194]

أني لاأفعل مالم أستأذنه .
فدخلت على أبي عبدالله فاستأذنته في إدخال هشام عليه ، فأذن لي فيه ، فقمت من عنده وخطوت خطوات ، فذكرت رداءته وخبثه ، فانصرفت إلى أبي عبدالله عليه السلام فحدثته رداءته وخبثه فقال لي أبوعبدالله عليه السلام : يا عمر تتخوف علي ؟ فخجلت من قولي ، وعلمت أني قد عثرت ، فخرجت مستحييا إلى هشام فسألته تأخير دخوله و أعلمته أنه قد أذن له بالدخول .
فبادر هشام فاستأذن ودخل ، فدخلت معه ، فلما تمكن في مجلسه ، سأله أبوعبدالله عليه السلام عن مسألة فحار فيها هشام وبقي ، فسأله هشام أن يؤجله فيها ، فأجله أبوعبدالله عليه السلام فذهب هشام ، فاضطرب في طلب الجواب أياما ، فلم يقف عليه فرجع إلى أبي عبدالله عليه السلام فأخبره أبوعبدالله عليه السلام بها ، وسأله عن مسائل اخرى فيها فساد أصله ، وعقد مذهبه ، فخرج هشام من عنده مغتما متحيرا قال : فبقيت أياما لاافيق من حيرتي .
قال عمر بن يزيد : فسألني هشام أن أستأذن له على أبي عبدالله عليه السلام ثالثا فدخلت على أبي عبدالله فاستأذنت له فقال أبوعبدالله عليه السلام : لينتظرني في موضع سماه بالحيرة ، لالتقي معه فيه غدا إنشاء الله إذا راح إليها ، فقال عمر : فخرجت إلى هشام فأخبرته بمقالته وأمره ، فسر بذلك هشام واستبشر وسبقه إلى الموضع الذي سماه .
ثم رأيت هشاما بعد ذلك فسألته عما كان بينهما فأخبرني أنه سبق أبا عبدالله عليه السلام إلى الموضع الذي كان سماه له ، فبينا هو إذا بأبي عبدالله عليه السلام قد أقبل على بغلة له ، فلما بصرت به وقرب مني هالني منظره ، وأرعبني حتى بقيت لا أجد شيئا أتفوه به ، ولا انطلق لساني لما أردت من مناطقته ووقف علي أبوعبدالله مليا ينتظر مااكلمه وكان وقوفه علي لايزيدني إلا تهيبا وتحيرا ، فلما رأى ذلك مني ضرب بغلته وسار حتى دخل بعض السكك في الحيرة ، وتيقنت أن ما أصابني من هيبته لم يكن إلا من قبل الله عزوجل من عظم موقعه ، ومكانه من

[195]

الرب الجليل .
قال عمر : فانصرف هشام إلى أبي عبدالله عليه السلام وترك مذهبه ، ودان بدين الحق ، وفاق أصحاب أبي عبدالله عليه السلام كلهم والحمد لله ( 1 ) .
قال : واعتل هشام بن الحكم علته التي قبض فيها ، فامتنع من الاستعانة بالاطباء ، فسألوه أن يفعل ذلك فجاؤوا بهم إليه فأدخل عليه جماعة من الاطباء فكان إذا دخل الطبيب عليه وأمره بشئ سأله فقال : ياهذا هل وقفت على علتي ؟ فمن بين قائل يقول : لا ومن قائل يقول : نعم ، فان استوصف ممن يقول نعم وصفها فاذا أخبره كذبه ويقول : علتى غير هذه ، فيسأل عن علته فيقول : علتي فزع القلب مما أصابني من الخوف ، وقد كان قدم ليضرب عنقه ، ففزع قلبه لذلك حتى مات رحمه الله ( 2 ) .
3 كش : محمد بن مسعود ، عن جبرئيل بن أحمد ، عن محمد بن عيسى العبيدي عن يونس قال : قلت لهشام : إنهم يزعمون أن أبا الحسن عليه السلام بعث إليك عبد الرحمن بن الحجاج يأمرك أن تسكت ولا تتكلم فأبيت أن تقبل رسالته ، فأخبرني كيف كان سبب هذا ، وهل أرسل إليك ينهاك عن الكلام ، أولا ؟ وهل تكلمت بعد نهيه إياك ؟ فقال هشام : إنه لما كان أيام المهدي شدد على أصحاب الاهواء ، و كتب له ابن المفضل صنوف الفرق صنفا صنفا ، ثم قرأ الكتاب على الناس .
فقال يونس : قد سمعت الكتاب يقرأ على الناس على باب الذهب بالمدينة ومرة اخرى بمدينة الوضاح ( 3 ) فقال : إن ابن المفضل صنف لهم صنوف الفرق فرقة فرقة حتى قال في كتابه : وفرقة يقال لهم : الزرارية ، وفرقة يقال لهم : العمارية ، أصحاب عمار الساباطي ، وفرقة يقال لهم : اليعفورية ، ومنهم فرقة

___________________________________________________________________
( 1 ) نفس المصدر ص 166 .
( 2 ) نفس المصدر ص 167 .
( 3 ) مدينة الوضاح : لعلها الوضاحية وهى قرية منسوبة إلى بنى وضاح مولى لبنى أمية وكان بربريا .

[196]

أصحاب سليمان الاقطع ، وفرقة يقال لهم الجواليقية ، قال يونس : ولم يذكر يومئذ هشام بن الحكم ، ولا أصحابه .
فزعم هشام ليونس أن أبا الحسن عليه السلام بعث إليه فقال له : كف هذه الايام عن الكلام ، فان الامر شديد ، قال هشام : فكففت عن الكلام حتى مات المهدي وسكن الامر ، فهذا الامر الذي كان من أمره وانتهائي إلى قوله .
وبهذا الاسناد عن يونس قال : كنت مع هشام بن الحكم في مسجده بالعشاء حيث أتاه مسلم صاحب بيت الحكم فقال له : إن يحيى بن خالد يقول : قد أفسدت على الرفضة دينهم ، لانهم يزعمون أن الدين لايقوم إلا بامام حي ، وهم لايدرون إمامهم اليوم حي أو ميت ، فقال هشام عند ذلك : إنما علينا أن ندين بحياة الامام أنه حي حاضرا عندنا أو متواريا عنا حتى يأتينا موته ، فما لم يأتنا موته فنحن مقيمون على حياته ، ومثل مثالا فقال : الرجل إذا جامع أهله وسافر إلى مكة أو توارى عنه ببعض الحيطان ، فعلينا أن نقيم على حياته حتى يأتينا خلاف ذلك .
فانصرف سالم ابن عم يونس بهذا الكلام ، فقصه على يحيى بن خالد فقال : يحيى : ماترى ؟ ماصنعنا شيئاتلا فدخل يحيى على هارون فأخبره فأرسل من الغد فطلبه ، فطلب في منزله فلم يوجد ، وبلغه الخبر ، فلم يلبث إلا شهرين أو أكثر حتى مات في منزل محمد وحسين الحناطين فهذا تفسير أمر هشام ، وزعم يونس أن دخول هشام على يحيى بن خالد ، وكلامه مع سليمان بن جرير بعد أن اخذ أبوالحسن عليه السلام بدهر إذ كان في زمن المهدي ودخوله إلى يحيى بن خالد في زمن الرشيد ( 1 ) .
4 ب : ابن أبي الخطاب ، عن البزنطي ، عن الرضا عليه السلام قال : أما كان لكم في أبي الحسن صلوات الله عليه عظة ؟ ماترى حال هشام ؟ هو الذي صنع بأبي الحسن

___________________________________________________________________
( 1 ) رجال الكشى ص 172 .

[197]

عليه السلام ماصنع ، وقال لهم وأخبرهم ، أترى الله يغفر له ماركب منا ( 1 ) .
5 ما : الحسين بن أحمد ، عن حيدر بن محمد بن نعيم ، عن محمد بن عمر عن محمد بن مسعود ، عن جعفر بن معروف ، عن العمركي ، عن الحسن بن أبي لبابة عن أبي هاشم الجعفري قال : قلت لابي جعفر محمد بن علي الثاني عليهما السلام : ماتقول جعلت فداك في هشام بن الحكم ؟ فقال : رحمه الله ما كان أذهبه عن هذه الناحية ( 2 ) .
6 ن ( 3 ) يد : ابن المتوكل ، عن علي ، عن أبيه ، عن الصقر بن دلف قال : سألت الرضا عليه السلام ، عن التوحيد وقلت له : إني أقول بقول هشام بن الحكم فغضب عليه السلام ثم قال : مالكم ولقول هشام ، إنه ليس منا من زعم أن الله عزوجل جسم ، ونحن منه براء في الدنيا والآخرة ( 4 ) .
7 ك : الهمداني وابن ناتانة معا ، عن علي عن أبيه ، عن ابن أبي عمير عن علي الاسواري قال : كان ليحيى بن خالد مجلس في دار يحضره المتكلمون من كل فرقة وملة ، يوم الاحد ، فيتناظرون في أديانهم ، ويحتج بعضهم على بعض فبلغ ذلك الرشيد فقال ليحيى بن خالد : يا عباسي ماهذا المجلس الذي بلغني في منزلك يحضره المتكلمون ؟ فقال : ياأمير المؤمنين ماشئ مما رفعني به أمير المؤمنين وبلغ من الكرامة والرفعة أحسن موقعا عندي من هذا المجلس ، فانه يحضره كل قوم مع اختلاف مذاهبهم ، فيحتج بعضهم على بعض ، ويعرف المحق منهم ، ويتبين لنا فساد كل مذهب من مذاهبهم .

___________________________________________________________________
( 1 ) قرب الاسناد ص 225 .
( 2 ) أمالى الشيخ الطوسي ص 29 .
( 3 ) عيون أخبار الرضا " ع " في ج 1 ص 114 حديثا بنفس السند إلى الصقر بن دلف عن ياسر الخادم قال : سمعت ابا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول : من شبه الله تعالى بخلقه فهو مشرك ، ومن نسب اليه مانهى عنه فهو كافر ، ومعنى المتن قريب ولكن أين ذكر هشام ؟ ولم نجد حديثا آخر في هذا المعنى في المصدر .
( 4 ) توحيد الصدوق ص 92 بزيادة في آخره .

[198]

قال له الرشيد : فأنا احب أن أحضر هذا المجلس ، وأسمع كلامهم من غير أن يعلموا بحضوري ، فيحتشمون ولايظهرون مذاهبهم قال : ذلك إلى أمير المؤمنين متى شآء قال : فضع يدك على رأسي ولا تعلمهم بحضوري ، ففعل ، وبلغ الخبر المعتزلة فتشاوروا فيما بينهم ، وعزموا أن لايكلموا هشاما إلا في الامامة ، لعلمهم بمذهب الرشيد وإنكاره على من قال بالامامة .
قال : فحضروا وحضر هشام ، وحضر عبدالله بن يزيد الاباضي وكان من أصدق الناس لهشام بن الحكم ، وكان يشاركه في التجارة فلما دخل هشام سلم على عبدالله ابن يزيد من بينهم ، فقال يحيى بن خالد لعبد الله بن يزيد : ياعبدالله كلم هشاما فيما اختلفتم فيه من الامامة فقال هشام : أيها الوزير ليس لهم علينا جواب ولا مسألة هؤلاء قوم كانوا مجتمعين معنا على إمامة رجل ثم فارقونا بلا علم ولا معرفة ، فلا حين كانوا معنا عرفوا الحق ، ولا حين فارقونا علموا على ما فارقونا ؟ فليس لهم علينا مسألة ولا جواب .
فقال بيان وكان من الحرورية : أنا أسألك ياهشام ، أخبرني عن أصحاب علي يوم حكموا الحكمين أكانوا مؤمنين ؟ أم كافرين ؟ قال هشام : كانوا ثلاثة أصناف ، صنف مؤمنون ، وصنف مشركون ، وصنف ضلال .
فأما المؤمنون : فمن قال مثل قولي ، الذين قالوا : إن عليا إمام من عند الله ومعاوية لايصلح لها فآمنوا بما قال الله عزوجل في علي وأقروا به .
وأما المشركون : فقوم قالوا : علي إمام ، ومعاوية يصلح لها ، فأشركوا إذ أدخلوا معاوية مع علي .
وأما الضلال : فقوم خرجوا على الحمية والعصبية للقبائل والعشائر ، لم يعرفوا شيئا من هذا ، وهم جهال .
قال : وأصحاب معاوية ماكانوا ؟ قال : كانوا ثلاثة أصناف : صنف كافرون

[199]

وصنف مشركون ، وصنف ضلال .
فأما الكافرون : فالذين قالوا : إن معاوية إمام ، وعلي لا يصلح لها ، فكفروا من جهتين أن جحدوا إماما من الله ، ونصبوا إماما ليس من الله .
وأما المشركون فقوم قالوا : معاوية إمام ، وعلي يصلح لها ، فأشركوا معاوية مع علي عليه السلام .
وأما الضلال فعلى سبيل اولئك خرجوا للحمية والعصبية للقبائل والعشائر .
فانقطع بيان عند ذلك .
فقال ضرار : فأنا أسألك ياهشام في هذا ؟ فقال هشام : أخطأت قال : ولم ؟ قال : لانكم مجتمعون على دفع إمامة صاحبي ، وقد سألني هذا عن مسألد وليس لكم أن تثنوا بالمسألة علي حتى أسألك ياضرار عن مذهب في هذا الباب قال ضرار : فسل قال : أتقول إن الله عدل لايجور ؟ قال : نعم ، هو عدل لايجور ، تبارك وتعالى قال : فلو كلف الله المقعد المشي إلى المساجد ، والجهاد في سبيل الله ، وكلف الاعمى قراءة المصاحف والكتب ، أتراه كان عادلا أم جائرا ؟ قال ضرار : ماكان الله ليفعل ذلك قال هشام : قد علمنا أن الله لايفعل ذلك ، ولكن على سبيل الجدل والخصومة ، أن لو فعل ذلك أليس كان في فعله جائرا ؟ وكلفه تكليفا لا يكون له السبيل إلى إقامته وأدائه .
قال : لو فعل ذلك لكان جائرا قال : فأخبرني عن الله عزوجل كلف العباد دينا واحدا لااختلاف فيه لايقبل منهم إلا أن يأتوا به كما كلفهم ؟ قال : بلى قال :
-بحار الانوار مجلد: 44 من ص 199 سطر 19 الى ص 207 سطر 18 فجعل لهم دليلا على وجود ذلك الدين ؟ أو كلفهم مالا دليل على وجوده ؟ فيكون بمنزلة من كلف الاعمى قراءة الكتب ، والمقعد المشي إلى المساجد والجهاد ؟ .
قال : فسكت ضرار ساعة ثم قال : لابد من دليل ، وليس بصاحبك ، قال : فضحك هشام وقال : تشيع شطرك وصرت إلى الحق ضرورة ، ولا خلاف بيني وبينك إلافي التسمية قال : ضرار : فإني أرجع إليك في هذا القول قال : هات ، قال ضرار :

[200]

كيف تعقد الامامة ؟ قال هشام : كما عقد الله النبوة ؟ قال : فاذا هو نبي ؟ قال هشام : لا لان النبوة يعقدها أهل السماء ، والامامة يعقدها أهل الارض ، فعقد النبوة بالملائكة ، وعقد الامامة بالنبي ، والعقدان جميعا بإذن الله عزوجل .
قال : فما الدليل على ذلك ؟ قال هشام : الاضطرار في هذا قال ضرار : وكيف ذلك ؟ قال هشام : لايخلو الكلام في هذا من أحد ثلاثة وجوه : إما أن يكون الله عزوجل رفع التكليف عن الخلق بعد الرسول صلى الله عليه وآله فلم يكلفهم ولم يأمرهم ولم ينههم ، وصاروا بمنزلة السباع والبهائم التي لاتكليف عليها ، أفتقول هذا ياضرار أن التكليف عن الناس مرفوع بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال : لا أقول هذا .
قال هشام : فالوجه الثاني ينبغي أن يكون الناس المكلفون قد استحالوا بعد الرسول علماء ، في مثل حد الرسول في العلم ، حتى لايحتاج أحد إلى أحد فيكونوا كلهم قد استغنوا بأنفسهم ، وأصابوا الحق الذي لا اختلاف فيه أفتقول هذا أن الناس قد استحالوا علماء حتى صاروا في مثل حد الرسول في العلم حتى لايحتاج أحد إلى أحد ، مستغنين بأنفسهم عن غيرهم في إصابة الحق ؟ قال : لا أقول هذا ، ولكنهم يحتاجون إلى غيرهم .
قال : فبقي الوجه الثالث لانه لابد لهم من علم يقيمه الرسول لهم لايسهو ولا يغلط ، ولا يحيف ، معصوم من الذنوب ، مبرأ من الخطايا ، يحتاج إليه ولا يحتاج إلى أجد .
قال : فما الدليل عليه ؟ قال هشام : ثمان دلالات أربع في نعت نسبه ، وأربع في نعت نفسه .
فأما الاربع التي في نعت نسبه : بأن يكون معروف الجنس ، معروف القبيلة معروف البيت ، وأن يكون من صاحب الملة والدعوة إليه إشارة ، فلم ير جنس من هذا الخلق أشهر من جنس العرب ، الذين منهم صاحب الملة والدعوة ، الذي ينادى باسمه في كل يوم خمس مرات على الصوامع ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا