[191]
فلما تناهوا إلى هذا الموضع قال لهم يحيى بن خالد : أترضون فيما بينكم
هشاما حكما ؟ قالوا : قد رضينا أيها الوزير ، فأنى لنا به وهو عليل ، فقال يحيى
فأنا اوجه إليه ، فأرسله أن يتجشم المشي فوجه إليه فأخره بحضورهم وأنه
إنما منعه أن يحضروه أول المجلس إبقاءا عليه من العلة وإن القوم قد اختلفوا في
المسائل والاجوبة ، وتراضوا بك حكما بينهم فان رأيت أن تتفضل ، وتحمل على
نفسك فافعل .
فلما صار الرسول إلى هشام قال لي : يايونس قلبي ينكر هذا القول
ولست آمن أن يكون ههنا أمرا لا أقف عليه ، لان هذا الملعون يحيى بن
خالد قد تغير علي لامور شتى ، وقد كنت عزمت إن من الله علي بالخروج
من هذه العلة أن أشخص إلى الكوفة ، واحرم الكلام بتة ، وألزم المسجد ليقطع
عني مشاهدة هذا الملعون يعني يحيى بن خالد قال : قلت : جعلت فداك لايكون
إلا خيرا ، فتحرز ماأمكنك فقال لي : يايونس أترى التحرز عن أمر يريد
الله إظهاره على لساني ، أنى يكون ذلك ، ولكن قم بنا على حول الله وقوته .
فركب هشام بغلا كان مع رسوله ، وربكت أنا حمارا كان لهشام قال :
فدخلنا المجلس فاذا هو مشحون بالمتكلمين قال : فمضى هشام نحو يحيى فسلم عليه
وسلم على القوم ، وجلس قريبا منه ، وجلست أنا حيث انتهى بي المجلس .
قال : فأقبل يحيى على هشام بعد ساعة فقال : إن القوم حضروا وكنا مع
حضورهم نحب أن تحضر ، لا لان نتاظر بل لان نأنس بحضورك ، إن كانت العلة
-بحار الانوار مجلد: 44 من ص 191 سطر 19 الى ص 199 سطر 18
تقطعك عن المناظرة ، وأنت بحمد الله صالح ، ولست علتك بقاطعة من المناظرة ، و
هؤلاء القوم قد تراضوا بك حكما بينهم .
قال : فقال هشام : ماالموضع الذي تناهت به المناظرة ؟ فأخبره كل فريق
منهم بموضع مقطعه ، فكان من ذلك أن حكم لبعض على بعض ، فكان من المحكومين
عليه سليمان بن جرير ، فحقدها على هشام .
قال : ثم إن يحيى بن خالد قال لهشام : إنا قد أعرضنا عن المناظرة و
[192]
المجادلة منذ اليوم ولكن إن رأيت أن تبين عن فساد اختيار الناس الامام وأن
الامامة في آل بيت الرسول دون غيرهم ؟ قال هشام : أيها الوزير العلة تقطعني
عن ذلك ، ولعل معترضا يعترض ، فيكتسب المناظرة والخصومة قال : إن اعترض
معترض قبل أن تبلغ مرادك وغرضك ، فليس ذلك له بل عليه أن يحفظ المواضع
التي له فيها مطعن فيقفها إلى فراغك ولا يقطع عليك كلامك .
فبدأ هشام وساق الذكر لذلك وأطال ، واختصرنا منه موضع الحاجة ، فلمات
فرغ مما قد ابتدأ فيه من الكلام في فساد اختيار الناس الامام ، قال يحيى لسليمان
ابن جرير : سل أبا محمد عن شئ من هذا الباب ؟ قال سليمان لهشام : أخبرني عن
علي بن أبي طالب عليه السلام مفروض الطاعة ؟ فقال هشام : نعم .
قال : فان أمرك الذي بعده بالخروج بالسيف معه تفعل وتطيعه ؟ فقال
هشام : لايأمرني قال : ولم إذا كانت طاعته مفروضة عليك ، وعليك أن تطيعه ؟ فقال
هشام : عد عن هذا ، فقد تبين فيه الجواب ، قال سليمان : فلم يأمرك في حال تطيعه
وفي حال لاتطيعه ؟ فقال هشام : ويحك لم أقل لك إني لااطيعه فتقول : إن طاعته
مفروضة إنما قلت لك : لايأمرني .
قال سليمان : ليس أسألك إلا على سبيل سلطان الجدل ، ليس على الواجب
انه لايأمرك فقال هشام : كم تحول حول الحمى ، هل هو إلا أن أقول لك إن
أمرني فعلت ، فتنقطع أقبح الانقطاع ، ولا يكون عندك زيادة ، وأنا أعلم بما يجب
قولي ، وما إليه يؤل جوابي .
قال : فتغير وجه هارون ، وقال هارون : قد أفصح ، وقام الناس واغتنمها
هشام ، فخرج على وجهه إلى المدائن .
قال : فبلغنا أن هارون قال ليحيى : شد يدك بهذا وأصحابه ، وبعث إلى
أبي الحسن موسى عليه السلام فحبسه فكان هذا سبب حبسه مع غيره من الاسباب وإنما
أراد يحيى أن يهرب هشام فيموت مخفيا مادام الهارون سلطان قال : ثم صار هشام
إلى الكوفة وهو يعقب عليه ، ومات في دار ابن شرف بالكوفة رحمه الله .
[193]
قال : فبلغ هذا المجلس محمد بن سليمان النوفلي وابن ميثم وهما في حبس
هارون فقال النوفلي : أرى هشاما مااستطاع أن يعتل فقال ابن ميثم : بأي شئ
يستطيع أن يعتل ؟ وقد أوجب أن طاعته مفروضة من الله قال : يعتل بأن يقول :
الشرط علي في إمامته أن لايدعوا أحدا إلى الخروج ، حتى ينادي مناد من السمآء
فمن دعاني ممن يدعي الامامة قبل ذلك الوقت علمت أنه ليس بامام ، وطلبت من
أهل هذا البيت من لا يقول إنه يخرج ولا يأمر بذلك حتى ينادي مناد من السمآء
فأعلم أنه صادق .
فقال ابن ميثم : هذا من أخبث الخرافة ، ومتى كان هذا في عقد الامامة إنما
يروى هذا في صفة القائم عليه السلام وهشام أجدل من أن يحتج بهذا ، على أنه لم يفصح
بهذا الافصاح الذي قد شرطته أنت ، إنما قال : إن أمرني المفروض الطاعة بعد
علي عليه السلام فعلت ، ولم يسم فلان دون فلان كما تقول : إن قال لي طلبت غيره ، فلو
قال هارون له : وكان المناظر له من المفروض الطاعة ؟ فقال له : أنت .
لم يكن
أن يقول له فان أمرتك بالخروج بالسيف تقاتل أعدائي تطلب غيري ، وتنتظر
المنادي من السمآء ، هذا لايتكلم به مثل هذا ، لعلك لو كنت أنت تكلمت به .
قال : ثم قال علي بن اسماعيل الميثمي : إنا لله وإنا إليه راجعون ، على
مايمضي من العلم إن قتل ، ولقد كان عضدنا وشيخنا ، والمنظور إليه فينا ( 1 ) .
بيان : قوله فشيعه عنده أي نسب يحيى هشاما إلى التشيع عند هارون ، و
الالباد بالارض الالصاق بها كناية عن ترك الخروج ، وعدم الرضا به ، قوله : إذ لم
يعلمه بذلك أي يعلمه أولا واغتنم تلك المناظرة وحيرتهم ، لتكون وسيلة إلى
إحضار هشام بحيث لايشعر بالحيلة ، قوله : على مايمضي من العلم إن قتل أي إن قتل
يمضي مع علوم كثيرة .
2 كش : روي عن عمر بن يزيد قال : كان ابن أخي هشام يذهب في الدين
مذهب الجهمية خبيثا فيهم فسالني أن ادخله على أبي عبدالله عليه السلام ليناظره فأعلمته
___________________________________________________________________
( 1 ) رجال الكشى ص 167 بتفاوت .
[194]
أني لاأفعل مالم أستأذنه .
فدخلت على أبي عبدالله فاستأذنته في إدخال هشام عليه ، فأذن لي فيه ، فقمت
من عنده وخطوت خطوات ، فذكرت رداءته وخبثه ، فانصرفت إلى أبي عبدالله عليه السلام
فحدثته رداءته وخبثه فقال لي أبوعبدالله عليه السلام : يا عمر تتخوف علي ؟ فخجلت من
قولي ، وعلمت أني قد عثرت ، فخرجت مستحييا إلى هشام فسألته تأخير دخوله و
أعلمته أنه قد أذن له بالدخول .
فبادر هشام فاستأذن ودخل ، فدخلت معه ، فلما تمكن في مجلسه ، سأله
أبوعبدالله عليه السلام عن مسألة فحار فيها هشام وبقي ، فسأله هشام أن يؤجله فيها ، فأجله
أبوعبدالله عليه السلام فذهب هشام ، فاضطرب في طلب الجواب أياما ، فلم يقف عليه
فرجع إلى أبي عبدالله عليه السلام فأخبره أبوعبدالله عليه السلام بها ، وسأله عن مسائل اخرى
فيها فساد أصله ، وعقد مذهبه ، فخرج هشام من عنده مغتما متحيرا قال : فبقيت
أياما لاافيق من حيرتي .
قال عمر بن يزيد : فسألني هشام أن أستأذن له على أبي عبدالله عليه السلام ثالثا
فدخلت على أبي عبدالله فاستأذنت له فقال أبوعبدالله عليه السلام : لينتظرني في موضع
سماه بالحيرة ، لالتقي معه فيه غدا إنشاء الله إذا راح إليها ، فقال عمر : فخرجت
إلى هشام فأخبرته بمقالته وأمره ، فسر بذلك هشام واستبشر وسبقه إلى الموضع
الذي سماه .
ثم رأيت هشاما بعد ذلك فسألته عما كان بينهما فأخبرني أنه سبق أبا عبدالله
عليه السلام إلى الموضع الذي كان سماه له ، فبينا هو إذا بأبي عبدالله عليه السلام قد أقبل
على بغلة له ، فلما بصرت به وقرب مني هالني منظره ، وأرعبني حتى بقيت لا
أجد شيئا أتفوه به ، ولا انطلق لساني لما أردت من مناطقته ووقف علي أبوعبدالله
مليا ينتظر مااكلمه وكان وقوفه علي لايزيدني إلا تهيبا وتحيرا ، فلما رأى
ذلك مني ضرب بغلته وسار حتى دخل بعض السكك في الحيرة ، وتيقنت أن ما
أصابني من هيبته لم يكن إلا من قبل الله عزوجل من عظم موقعه ، ومكانه من
[195]
الرب الجليل .
قال عمر : فانصرف هشام إلى أبي عبدالله عليه السلام وترك مذهبه ، ودان بدين
الحق ، وفاق أصحاب أبي عبدالله عليه السلام كلهم والحمد لله ( 1 ) .
قال : واعتل هشام بن الحكم علته التي قبض فيها ، فامتنع من الاستعانة
بالاطباء ، فسألوه أن يفعل ذلك فجاؤوا بهم إليه فأدخل عليه جماعة من الاطباء فكان
إذا دخل الطبيب عليه وأمره بشئ سأله فقال : ياهذا هل وقفت على علتي ؟ فمن
بين قائل يقول : لا ومن قائل يقول : نعم ، فان استوصف ممن يقول نعم وصفها
فاذا أخبره كذبه ويقول : علتى غير هذه ، فيسأل عن علته فيقول : علتي فزع القلب
مما أصابني من الخوف ، وقد كان قدم ليضرب عنقه ، ففزع قلبه لذلك حتى مات
رحمه الله ( 2 ) .
3 كش : محمد بن مسعود ، عن جبرئيل بن أحمد ، عن محمد بن عيسى العبيدي
عن يونس قال : قلت لهشام : إنهم يزعمون أن أبا الحسن عليه السلام بعث إليك عبد
الرحمن بن الحجاج يأمرك أن تسكت ولا تتكلم فأبيت أن تقبل رسالته ، فأخبرني
كيف كان سبب هذا ، وهل أرسل إليك ينهاك عن الكلام ، أولا ؟ وهل تكلمت بعد
نهيه إياك ؟ فقال هشام : إنه لما كان أيام المهدي شدد على أصحاب الاهواء ، و
كتب له ابن المفضل صنوف الفرق صنفا صنفا ، ثم قرأ الكتاب على الناس .
فقال يونس : قد سمعت الكتاب يقرأ على الناس على باب الذهب بالمدينة
ومرة اخرى بمدينة الوضاح ( 3 ) فقال : إن ابن المفضل صنف لهم صنوف الفرق
فرقة فرقة حتى قال في كتابه : وفرقة يقال لهم : الزرارية ، وفرقة يقال لهم :
العمارية ، أصحاب عمار الساباطي ، وفرقة يقال لهم : اليعفورية ، ومنهم فرقة
___________________________________________________________________
( 1 ) نفس المصدر ص 166 .
( 2 ) نفس المصدر ص 167 .
( 3 ) مدينة الوضاح : لعلها الوضاحية وهى قرية منسوبة إلى بنى وضاح مولى لبنى أمية
وكان بربريا .
[196]
أصحاب سليمان الاقطع ، وفرقة يقال لهم الجواليقية ، قال يونس : ولم يذكر
يومئذ هشام بن الحكم ، ولا أصحابه .
فزعم هشام ليونس أن أبا الحسن عليه السلام بعث إليه فقال له : كف هذه الايام
عن الكلام ، فان الامر شديد ، قال هشام : فكففت عن الكلام حتى مات المهدي
وسكن الامر ، فهذا الامر الذي كان من أمره وانتهائي إلى قوله .
وبهذا الاسناد عن يونس قال : كنت مع هشام بن الحكم في مسجده بالعشاء
حيث أتاه مسلم صاحب بيت الحكم فقال له : إن يحيى بن خالد يقول : قد أفسدت
على الرفضة دينهم ، لانهم يزعمون أن الدين لايقوم إلا بامام حي ، وهم لايدرون
إمامهم اليوم حي أو ميت ، فقال هشام عند ذلك : إنما علينا أن ندين بحياة الامام
أنه حي حاضرا عندنا أو متواريا عنا حتى يأتينا موته ، فما لم يأتنا موته فنحن مقيمون
على حياته ، ومثل مثالا فقال : الرجل إذا جامع أهله وسافر إلى مكة أو توارى
عنه ببعض الحيطان ، فعلينا أن نقيم على حياته حتى يأتينا خلاف ذلك .
فانصرف سالم ابن عم يونس بهذا الكلام ، فقصه على يحيى بن خالد فقال :
يحيى : ماترى ؟ ماصنعنا شيئاتلا فدخل يحيى على هارون فأخبره فأرسل من الغد
فطلبه ، فطلب في منزله فلم يوجد ، وبلغه الخبر ، فلم يلبث إلا شهرين أو أكثر
حتى مات في منزل محمد وحسين الحناطين فهذا تفسير أمر هشام ، وزعم يونس أن
دخول هشام على يحيى بن خالد ، وكلامه مع سليمان بن جرير بعد أن اخذ
أبوالحسن عليه السلام بدهر إذ كان في زمن المهدي ودخوله إلى يحيى بن خالد في زمن
الرشيد ( 1 ) .
4 ب : ابن أبي الخطاب ، عن البزنطي ، عن الرضا عليه السلام قال : أما كان لكم
في أبي الحسن صلوات الله عليه عظة ؟ ماترى حال هشام ؟ هو الذي صنع بأبي الحسن
___________________________________________________________________
( 1 ) رجال الكشى ص 172 .
[197]
عليه السلام ماصنع ، وقال لهم وأخبرهم ، أترى الله يغفر له ماركب منا ( 1 ) .
5 ما : الحسين بن أحمد ، عن حيدر بن محمد بن نعيم ، عن محمد بن عمر
عن محمد بن مسعود ، عن جعفر بن معروف ، عن العمركي ، عن الحسن بن أبي لبابة
عن أبي هاشم الجعفري قال : قلت لابي جعفر محمد بن علي الثاني عليهما السلام : ماتقول
جعلت فداك في هشام بن الحكم ؟ فقال : رحمه الله ما كان أذهبه عن هذه الناحية ( 2 ) .
6 ن ( 3 ) يد : ابن المتوكل ، عن علي ، عن أبيه ، عن الصقر بن دلف قال :
سألت الرضا عليه السلام ، عن التوحيد وقلت له : إني أقول بقول هشام بن الحكم فغضب
عليه السلام ثم قال : مالكم ولقول هشام ، إنه ليس منا من زعم أن الله عزوجل
جسم ، ونحن منه براء في الدنيا والآخرة ( 4 ) .
7 ك : الهمداني وابن ناتانة معا ، عن علي عن أبيه ، عن ابن أبي عمير
عن علي الاسواري قال : كان ليحيى بن خالد مجلس في دار يحضره المتكلمون
من كل فرقة وملة ، يوم الاحد ، فيتناظرون في أديانهم ، ويحتج بعضهم على بعض
فبلغ ذلك الرشيد فقال ليحيى بن خالد : يا عباسي ماهذا المجلس الذي بلغني في
منزلك يحضره المتكلمون ؟ فقال : ياأمير المؤمنين ماشئ مما رفعني به أمير المؤمنين
وبلغ من الكرامة والرفعة أحسن موقعا عندي من هذا المجلس ، فانه يحضره كل
قوم مع اختلاف مذاهبهم ، فيحتج بعضهم على بعض ، ويعرف المحق منهم ، ويتبين
لنا فساد كل مذهب من مذاهبهم .
___________________________________________________________________
( 1 ) قرب الاسناد ص 225 .
( 2 ) أمالى الشيخ الطوسي ص 29 .
( 3 ) عيون أخبار الرضا " ع " في ج 1 ص 114 حديثا بنفس السند إلى الصقر بن دلف
عن ياسر الخادم قال : سمعت ابا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول : من شبه الله
تعالى بخلقه فهو مشرك ، ومن نسب اليه مانهى عنه فهو كافر ، ومعنى المتن قريب ولكن أين
ذكر هشام ؟ ولم نجد حديثا آخر في هذا المعنى في المصدر .
( 4 ) توحيد الصدوق ص 92 بزيادة في آخره .
[198]
قال له الرشيد : فأنا احب أن أحضر هذا المجلس ، وأسمع كلامهم من غير
أن يعلموا بحضوري ، فيحتشمون ولايظهرون مذاهبهم قال : ذلك إلى أمير المؤمنين
متى شآء قال : فضع يدك على رأسي ولا تعلمهم بحضوري ، ففعل ، وبلغ الخبر المعتزلة
فتشاوروا فيما بينهم ، وعزموا أن لايكلموا هشاما إلا في الامامة ، لعلمهم بمذهب
الرشيد وإنكاره على من قال بالامامة .
قال : فحضروا وحضر هشام ، وحضر عبدالله بن يزيد الاباضي وكان من أصدق
الناس لهشام بن الحكم ، وكان يشاركه في التجارة فلما دخل هشام سلم على عبدالله
ابن يزيد من بينهم ، فقال يحيى بن خالد لعبد الله بن يزيد : ياعبدالله كلم هشاما
فيما اختلفتم فيه من الامامة فقال هشام : أيها الوزير ليس لهم علينا جواب ولا مسألة
هؤلاء قوم كانوا مجتمعين معنا على إمامة رجل ثم فارقونا بلا علم ولا معرفة ، فلا حين
كانوا معنا عرفوا الحق ، ولا حين فارقونا علموا على ما فارقونا ؟ فليس لهم علينا
مسألة ولا جواب .
فقال بيان وكان من الحرورية : أنا أسألك ياهشام ، أخبرني عن أصحاب
علي يوم حكموا الحكمين أكانوا مؤمنين ؟ أم كافرين ؟
قال هشام : كانوا ثلاثة أصناف ، صنف مؤمنون ، وصنف مشركون ، وصنف
ضلال .
فأما المؤمنون : فمن قال مثل قولي ، الذين قالوا : إن عليا إمام من عند الله
ومعاوية لايصلح لها فآمنوا بما قال الله عزوجل في علي وأقروا به .
وأما المشركون : فقوم قالوا : علي إمام ، ومعاوية يصلح لها ، فأشركوا
إذ أدخلوا معاوية مع علي .
وأما الضلال : فقوم خرجوا على الحمية والعصبية للقبائل والعشائر ، لم
يعرفوا شيئا من هذا ، وهم جهال .
قال : وأصحاب معاوية ماكانوا ؟ قال : كانوا ثلاثة أصناف : صنف كافرون
[199]
وصنف مشركون ، وصنف ضلال .
فأما الكافرون : فالذين قالوا : إن معاوية إمام ، وعلي لا يصلح لها ، فكفروا
من جهتين أن جحدوا إماما من الله ، ونصبوا إماما ليس من الله .
وأما المشركون فقوم قالوا : معاوية إمام ، وعلي يصلح لها ، فأشركوا معاوية
مع علي عليه السلام .
وأما الضلال فعلى سبيل اولئك خرجوا للحمية والعصبية للقبائل والعشائر .
فانقطع بيان عند ذلك .
فقال ضرار : فأنا أسألك ياهشام في هذا ؟ فقال هشام : أخطأت قال : ولم ؟
قال : لانكم مجتمعون على دفع إمامة صاحبي ، وقد سألني هذا عن مسألد وليس
لكم أن تثنوا بالمسألة علي حتى أسألك ياضرار عن مذهب في هذا الباب قال
ضرار : فسل قال : أتقول إن الله عدل لايجور ؟ قال : نعم ، هو عدل لايجور ، تبارك
وتعالى قال : فلو كلف الله المقعد المشي إلى المساجد ، والجهاد في سبيل الله ، وكلف
الاعمى قراءة المصاحف والكتب ، أتراه كان عادلا أم جائرا ؟ قال ضرار : ماكان
الله ليفعل ذلك قال هشام : قد علمنا أن الله لايفعل ذلك ، ولكن على سبيل الجدل
والخصومة ، أن لو فعل ذلك أليس كان في فعله جائرا ؟ وكلفه تكليفا لا يكون له
السبيل إلى إقامته وأدائه .
قال : لو فعل ذلك لكان جائرا قال : فأخبرني عن الله عزوجل كلف العباد
دينا واحدا لااختلاف فيه لايقبل منهم إلا أن يأتوا به كما كلفهم ؟ قال : بلى قال :
-بحار الانوار مجلد: 44 من ص 199 سطر 19 الى ص 207 سطر 18
فجعل لهم دليلا على وجود ذلك الدين ؟ أو كلفهم مالا دليل على وجوده ؟ فيكون
بمنزلة من كلف الاعمى قراءة الكتب ، والمقعد المشي إلى المساجد والجهاد ؟ .
قال : فسكت ضرار ساعة ثم قال : لابد من دليل ، وليس بصاحبك ، قال :
فضحك هشام وقال : تشيع شطرك وصرت إلى الحق ضرورة ، ولا خلاف بيني وبينك
إلافي التسمية قال : ضرار : فإني أرجع إليك في هذا القول قال : هات ، قال ضرار :
[200]
كيف تعقد الامامة ؟ قال هشام : كما عقد الله النبوة ؟ قال : فاذا هو نبي ؟ قال هشام :
لا لان النبوة يعقدها أهل السماء ، والامامة يعقدها أهل الارض ، فعقد النبوة
بالملائكة ، وعقد الامامة بالنبي ، والعقدان جميعا بإذن الله عزوجل .
قال : فما الدليل على ذلك ؟ قال هشام : الاضطرار في هذا قال ضرار : وكيف
ذلك ؟ قال هشام : لايخلو الكلام في هذا من أحد ثلاثة وجوه :
إما أن يكون الله عزوجل رفع التكليف عن الخلق بعد الرسول صلى الله عليه وآله فلم يكلفهم
ولم يأمرهم ولم ينههم ، وصاروا بمنزلة السباع والبهائم التي لاتكليف عليها ، أفتقول
هذا ياضرار أن التكليف عن الناس مرفوع بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال :
لا أقول هذا .
قال هشام : فالوجه الثاني ينبغي أن يكون الناس المكلفون قد استحالوا
بعد الرسول علماء ، في مثل حد الرسول في العلم ، حتى لايحتاج أحد إلى أحد
فيكونوا كلهم قد استغنوا بأنفسهم ، وأصابوا الحق الذي لا اختلاف فيه أفتقول
هذا أن الناس قد استحالوا علماء حتى صاروا في مثل حد الرسول في العلم حتى
لايحتاج أحد إلى أحد ، مستغنين بأنفسهم عن غيرهم في إصابة الحق ؟ قال : لا أقول
هذا ، ولكنهم يحتاجون إلى غيرهم .
قال : فبقي الوجه الثالث لانه لابد لهم من علم يقيمه الرسول لهم لايسهو
ولا يغلط ، ولا يحيف ، معصوم من الذنوب ، مبرأ من الخطايا ، يحتاج إليه
ولا يحتاج إلى أجد .
قال : فما الدليل عليه ؟ قال هشام : ثمان دلالات أربع في نعت
نسبه ، وأربع في نعت نفسه .
فأما الاربع التي في نعت نسبه : بأن يكون معروف الجنس ، معروف القبيلة
معروف البيت ، وأن يكون من صاحب الملة والدعوة إليه إشارة ، فلم ير جنس من
هذا الخلق أشهر من جنس العرب ، الذين منهم صاحب الملة والدعوة ، الذي ينادى
باسمه في كل يوم خمس مرات على الصوامع ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا