[201]
رسول الله ، فتصل دعوته إلى كل بر وفاجر ، وعالم وجاهل ، ومقر ومنكر ، في
شرق الارض وغربها ، ولو جاز أن يكون الحجة من الله على هذا الخلق في غير هذا
الجنس لاتى على الطالب المرتاد دهر من عصره لايجده ، ولو جاز أن يطلبه في
أجناس هذا الخلق من العجم وغيرهم لكان من حيث أراد الله أن يكون صلاحا
يكون فسادا ، ولا يجوز هذا في حكم الله تبارك وتعالى وعدله ، أن يفرض على الناس
فريضة لا توجد .
فلما لم يجز ذلك لم يجز إلا أن يكون إلا في هذا الجنس لاتصاله بصاحب
الملة والدعوة ، ولم يجز أن يكون من هذا الجنس إلا في هذه القبيلة لقرب نسبها
من صاحب الملة وهي قريش ، ولما لم يجز أن يكون من هذا الجنس إلا في هذه
القبيلة لم يجز أن يكون من هذه القبيلة إلا في هذا البيت لقرب نسبه من صاحب
الملة والدعوة ، ولما كثر أهل هذا البيت ، وتشاجروا في الامامة لعلوها وشرفها
ادعاها كل واحد منهم ، فلم يجز إلا أن يكون من صاحب الملة والدعوة إليه إشارة
بعينه واسمه ونسبه لئلا يطمع فيها غيره .
وأما الاربع التي في نعت نفسه : أن يكون أعلم الناس كلهم بفرائض الله
وسننه ، وأحكامه ، حتى لايخفى عليه منها دقيق ولا جليل ، وأن يكون معصوما من
الذنوب كلها ، وأن يكون أشجع الناس ، وأن يكون أسخى الناس ، قال : من أين
قلت : إنه أعلم الناس ؟ قال : لانه إن لم يكن عالما بجميع حدود الله وأحكامه
وشرائعه وسننه ، لم يؤمن عليه أن يقلب الحدود ، فمن وجب عليه القطع حده ، و
من وجب عليه الحد قطعه ، فلا يقيم لله حدا على ماأمر به ، فيكون من حيث أراد
الله صلاحا يقع فسادا .
قال : فمن أين قلت : إنه معصوم من الذنوب ؟ قال : لانه إن لم يكن
معصوما من الذنوب ، دخل في الخطاء فلا يؤمن أن يكتم على نفسه ، ويكتم على
حميمه وقريبه ، ولا يحتج الله عزوجل بمثل هذا على خلقه .
قال : فمن أين قلت : إنه أشجع الناس ؟ قال : لانه فئة للمسلمين الذين
[202]
يرجعون إليه في الحروب وقال الله عزوجل " ومن لولهم يومئذ دبره إلا متحرفا
لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد بآء بغضب من الله " ( 1 ) فان لم يكن شجاعا فر فيبوء
بغضب من الله ، فلا يجوز أن يكون من يبوء بغضب من الله حجة لله على خلقه .
قال : فمن أين قلت : إنه أسخى الناس ؟ قال : لانه خازن المسلمين ، فان
لم يكن سخيا تاقت نفسه إلى أموالهم فأخذها ، فكان خائنا ، ولا يجوز أن يحتج
الله على خلقه بخائن ، فقال عند ذلك ضرار : فمن هذا بهذه الصفة في هذا الوقت ؟
فقال : صاحب العصر أمير المؤمنين وكان هارون الرشيد : قد سمع الكلام كله
فقال عند ذلك : أعطانا والله من جراب النورة ، ويحك ياجعفر وكان جعفر بن
يحيى جالسا معه في الستر من يعني بهذا ؟ قال : ياأمير المؤمنين يعني موسى بن
جعفر قال : ماعنى بها غير أهلها ، ثم عض على شفته ، وقال : مثل هذا حي ويبقى
لي ملكي ساعة واحدة ؟ ! فوالله للسان هذا أبلغ في قلوب الناس من مائة ألف
سيف .
وعلم يحيى أن هشاما قد اتي فدخل الستر فقال : ويحك ياعباسي من هذا
الرجل ؟ فقال : ياأمير المؤمنين تكفى تكفى ، ثم خرج إلى هشام فغمزه ، فعلم هشام
أنه قد اتى فقام يريهم أنه يبول أو يقضي حاجة ، فلبس نعليه وانسل ، ومر ببنيه
وأمرهم بالتواري ، وهرب ، ومر من فوره نحو الكوفة ، ونزل على بشير النبال
وكان من حملة الحديث من أصحاب أبي عبدالله عليه السلام فأخبره الخبر ، ثم اعتل علة
شديدة فقال له بشير : آتيك بطبيب ؟ قال لا : أنا ميت .
فلما حضره الموت قال لبشير : إذا فرغت من جهازي فاحملني في جوف الليل
وضعني بالكناسة ، واكتب رقعة وقل هذا هشام بن الحكم الذي طلبه أمير المؤمنين
مات حتف أنفه ، وكان هارون قد بعث إلى إخوانه وأصحابه ، فأخذ الخلق به
فلما أصبح أهل الكوفة رأوه ، وحضر القاضي ، وصاحب المعونة ، والعامل
والمعدلون بالكوفة ، وكتب إلى الرشيد بذلك فقال : الحمد لله الذي كفانا أمره
___________________________________________________________________
( 1 ) سورة الانفال الاية : 16 .
[203]
فخلى عمن كان اخذ به ( 1 ) .
بيان : قد اتي على المجهول أي هلك من قولهم : أتى عليه أي أهلكه ، وقوله
تكفى على المجهول أي تكفى شره ونقتله .
7 عم ( 2 ) شا : ابن قولويه ، عن الكليني ، عن علي ، عن أبيه ، عن جماعة
من رجاله ، عن يونس بن يعقوب قال : كنت عند أبي عبدالله عليه السلام فورد عليه رجل
من أهل الشام فقال له : إني رجل صاحب كلام وفقه وفرائض ، وقد جئت لمناظرة
أصحابك فقال له أبوعبدالله عليه السلام : كلامك هذا من كلام رسول الله ؟ أو من عندك ؟
فقال : من كلام رسول الله صلى الله عليه وآله بعضه ، ومن عندي بعضه ، فقال له أبوعبدالله عليه السلام :
فأنت إذا شريك رسول الله صلى الله عليه وآله ! ؟ قال : لا قال : فسمعت الوحي عن الله تعالى ؟
قال : لا قال : فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله ؟
قال : لا .
قال : فالتفت أبوعبدالله عليه السلام إلي وقال لي : يايونس بن يعقوب هذا قد
خصم نفسه قبل أن يتكلم ، قال : يايونس لو كنت تحسن الكلام لكلمته ، قال
يونس : فيالها من حسرة فقلت : جعلت فداك سمعتك تنهى عن الكلام ، وتقول ويل
لاصحاب الكلام ، يقولون هذا ينقاد ، وهذا لاينقاد ، وهذا ينساق ، وهذا لاينساق
وهذا نعقله ، وهذا لانعقله ، فقال أبوعبدالله عليه السلام : إنما قلت ويل لقوم تركوا
قولي ، وذهبوا إلى مايريدون .
ثم قال : اخرج إلى الباب فانظر من ترى من المتكلمين فأدخله ! قال :
فخرجت فوجدت حمران بن أعين وكان يحسن الكلام ومحمد بن النعمان الاحول
وكان متكلما وهشام بن سالم وقيس الماصر وكانا متكلمين فأدخلتهم عليه .
فلما استقر بنا المجلس ، وكنا في خيمة لابي عبدالله عليه السلام على طرف جبل
في طرف الحرم ، وذلك قبل الحج بأيام أخرج أبوعبدالله عليه السلام رأسه من الخيمة
___________________________________________________________________
( 1 ) كمال الدين وتمام النعمة ج 2 ص 31 بتفاوت .
( 2 ) اعلام الورى ص 273 بتفاوت .
[204]
فاذا هو ببعير يخب فقال : هشام ورب الكعبة ، فظننا أن هشاما رجل من ولد
عقيل كان شديد المحبة لابي عبدالله عليه السلام فاذا هشام بن الحكم قد ورد وهو أول ما
اختطت لحيته ، وليس فينا إلا من هو أكبر منه سنا .
قال : فوصع إليه أبو عبدالله عليه السلام وقال : ناصرنا بقلبه ولسانه ويده ، ثم
قال لحمران : كلم الرجل يعني الشامي فتكلم حمران ، فظهر عليه ثم قال :
ياطاقي كلمه فكلمه فظهر عليه محمد بن النعمان ، ثم قال : ياهشام بن سالم كلمه
فتعارفا ثم قال لقيس الماصر : كلمه فكلمه وأقبل أبوعبدالله عليه السلام فتبسم من كلامهما
وقد استخذل الشامي في يده ثم قال للشامي : كلم هذا الغلام يعني هشام بن الحكم
فقال : نعم .
ثم قال الشامي لهشام : ياغلام سلني في إمامة هذا يعني أبا عبدالله عليه السلام
فغضب هشام حتى ارتعد ثم قال : أخبرني ياهذا أربك أنظر لخلقه ؟ أم هم لانفسهم ؟
فقال الشامي : بل ربي أنظر لخلقه قال : ففعل بنظره لهم في دينهم ماذا ؟ قال : كلفهم
وأقام لهم حجة ودليلا على ماكلفهم ، وأزاح في ذلك عللهم ، فقال له هشام : فما
هذا الدليل الذي نصبه لهم ؟ قال الشامي : هو رسول الله صلى الله عليه وآله قال هشام : فبعد
رسول الله صلى الله عليه وآله من ؟ قال : الكتاب والسنة .
قال هشام : فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنة فيما اختلفنا فيه ، حتى رفع
عنا الاختلاف ، ومكننا من الاتفاق ؟ قال الشامي : نعم فقال له هشام : فلم اختلفنا
نحن وأنت ، وجئت لنا من الشام تخالفنا ، وتزعم أن الرأي طريق الدين
وأنت مقر بأن الرأي لايجمع على القول الواحد المختلفين ؟ فسكت الشامي
كالمفكر .
فقال له أبوعبدالله عليه السلام : مالك لاتتكلم ؟ قال : إن قلت : إنا ما اختلفنا
كابرت ، وإن قلت : إن الكتاب والسنة يرفعان عنا الاختلاف ، أبطلت ، لانهما
يحتملان الوجوه ، لكن لي عليه مثل ذلك فقال له أبوعبدالله عليه السلام : سله تجده مليا .
فقال الشامي لهشام : من أنظر للخلق ربهم أم أنفسهم ؟ فقال هشام : بل ربهم
[205]
أنظر لهم فقال الشامي : فهل أقام لهم من يجمع كلمتهم ، ويرفع اختلافهم ، ويبين
لهم حقهم من باطلهم ؟ قال هشام : نعم قال الشامي : من هو ؟ قال هشام : أما في
ابتداء الشريعة فرسول الله ، وأما بعد النبي فغيره فقال الشامي : ومن هو غير النبي
القائم مقامه في حجته ؟ قال هشام : في وقتنا هذا ؟ أم قبله ؟ قال الشامي : بل في
وقتنا هذا قال هشام : هذا الجالس يعني أبا عبدالله عليه السلام الذي تشد إليه الرحال
ويخبرنا بأخبار السماء ، وراثة عن أب عن جد فقال الشامي : وكيف لي بعلم ذلك ؟
قال هشام : سله عما بدا لك قال الشامي : قطعت عذري فعلي السؤال .
فقال له أبوعبدالله عليه السلام : أنا أكفيك المسألة ياشامي ، اخبرك عن مسيرك و
سفرك ، خرجت في يوم كذا وكذا ، وكان طريقك من كذا ، ومررت على كذا ، و
مر بك كذا ، فأقبل الشامي كلما وصف له شيئا من أمره يقول : صدقت والله .
ثم قال له الشامي : أسلمت لله الساعة ، فقال له أبوعبدالله عليه السلام : بل آمنت
بالله الساعة ، إن الاسلام قبل الايمان ، وعليه يتوارثون ، ويتناكحون ، والايمان
عليه يثابون ، قال الشامي : صدقت فأنا الساعة أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا
رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأنك وصي الانبياء .
قال : فأقبل أبوعبدالله عليه السلام على حمران بن أعين فقال : ياحمران تجري
الكلام على الاثر فتصيب ، والتفت إلى هشام بن سالم فقال : تريد الاثر ولا تعرف
ثم التفت إلى الاحوال فقال : قياس رواغ ، تكسر باطلا بباطل ، لكن باطلك
أظهر ، ثم التفت إلى قيس الماصر فقال : يتكلم وأقرب مايكون من الخبر عن
الرسول صلى الله عليه وآله أبعد ما يكون منه ، يمزج الحق بالباطل ، وقليل الحق يكفي عن
كثير الباطل ، أنت والاحول قفازان ، حاذقان ، قال يونس بن يعقوب : وظننت والله
أنه يقول لهشام قريبا مما قال لهما فقال : ياهشام لاتكاد تقع ، تلوي رجليك إذا
هممت بالارض طرت ، مثلك فليكلم الناس ، اتق الزلة ، والشفاعة من ورائك ( 1 ) .
أقول : إنما أوردنا أحوال هشام في أبواب أحواله عليه السلام لاشتمالها على بعض
أحواله عليه السلام ، وقد مضى كثير من احتجاجات هشام في كتاب الاحتجاجات .
___________________________________________________________________
( 1 ) الارشاد للشيخ المفيد ص 296 .
[206]
1 مصبا : في الخامس والعشرين من رجب كانت وفاة أبي الحسن موسى بن
جعفر عليهما السلام ( 1 ) .
2 كا : قبض عليه السلام لست خلون من رجب من سنة ثلاث وثمانين ومائة ، و
هو ابن أربع أو خمس وخمسين سنة ، وقبض عليه السلام ببغداد في حبس السندي بن
شاهك ، وكان هارون حمله من المدينة لعشر ليال بقين من شوال سنة تسع وسبعين
ومائة ، وقد قدم هارون المدينة منصرفه من عمرة شهر رمضان ، ثم شخص هارون
إلى الحج وحمله معه ثم انصرف على طريق البصرة ، فحبسه عند عيسى بن جعفر
ثم أشخصه إلى بغداد فحبسه عند السندي بن شاهك ، فتوفي عليه السلام في حبسه ، ودفن
ببغداد في مقبرة قريش ( 2 ) .
3 كا : سعد والحميري معا ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه علي ، عن
الحسين بن سعيد ، عن محمد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير قال : قبض موسى
ابن جعفر عليه السلام وهو ابن أربع وخمسين سنة في عام ثلاث وثمانين ومائة ، وعاش بعد
جعفر عليه السلام خمسا وثلاثين سنة ( 3 ) .
___________________________________________________________________
( 1 ) مصباح المتهجد ص 566 .
( 2 ) الكافى ج 1 ص 476 بزيادة في آخره .
( 3 ) نفس المصدر ج 1 ص 486 .
[207]
4 ضه : وفاته عليه السلام كانت ببغداد يوم الجمعة لست بقين من رجب ، وقيل
لخمس خلون منه سنة ثلاث وثمانين ومائة ( 1 ) .
5 قل : محمد بن علي الطرازي باسناده إلى أبي علي بن إسماعيل بن يسار
قال : لما حمل موسى عليه السلام إلى بغداد ، وكان ذلك في رجب سنة تسع وسبعين و
مائة دعا بهذا الدعاء ، كان ذلك يوم السابع والعشرين منه يوم المبعث ( 2 ) .
6 الدروس : قبض عليه السلام مسموما ببغداد في حبس السندي بن شاهك لست
بقين من رجب ، سنة ثلاث وثمانين ومائة ، وقيل : يوم الجمعة لخمس خلون من رجب
سنة إحدى وثمانين ومائة ( 3 ) .
7 ن : الطالقاني ، عن محمد بن يحيى الصولي ، عن أبي العباس أحمد بن عبدالله
عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي ، عن صالح بن علي بن عطية قال : كان السبب
في وقوع موسى بن جعفر عليه السلام إلى بغداد أن هارون الرشيد أراد أن يعقد الامر
لابنه محمد بن زبيدة ، وكان له من البنين أربعة عشر ابنا فاختار منهم ثلاثة : محمد بن
زبيدة ، وجعله ولي عهده ، وعبدالله المأمون ، وجعل الامر له بعد ابن زبيدة ، و
القاسم المؤتمن ، وجعل الامر له بعد المأمون ، فأراد أن يحكم الامر في ذلك ، و
يشهره شهرة يقف عليها الخاص والعام .
فحج في سنة تسع وسبعين ومائة وكتب إلى جميع الآفاق يأمر الفقهآء والعلمآء
والقراء والامراء أن يحضروا مكة أيام الموسم ، فأخذ هو طريق المدينة قال علي
ابن محمد النوفلي : فحدثني أبي أنه كان سبب سعاية يحيى بن خالد بموسى بن جعفر
-بحار الانوار مجلد: 44 من ص 207 سطر 19 الى ص 215 سطر 18
عليه السلام وضع الرشيد ابنه محمد بن زبيدة في حجر جعفر بن محمد بن الاشعث ، فساء
ذلك يحيى ، وقال : إذا مات الرشيد وأفضى الامر إلى محمد انقضت دولتي ودولة
___________________________________________________________________
( 1 ) روضة الواعظين ص 264 بأدنى تفاوت .
( 2 ) الاقبال ص 169 .
( 3 ) الدورس للشهيد ص 155 طبع ايران سنة 1269 .
[208]
ولدي وتحول الامر إلى جعفر بن محمد بن الاشعث وولده ، وكان قد عرف مذهب
جعفر في التشيع ، فأظهر له أنه على مذهبه فسر به جعفر وأفضى إليه بجميع اموره
وذكر له ماهو عليه في موسى بن جعفر عليه السلام .
فلما وقف على مذهبه سعى به إلى الرشيد ، فكان الرشيد يدعى له موضعه و
موضع أبيه من نصرة الخلافة فكان يقدم في أمره ويؤخر ، ويحيى لايألوأن يخطب
عليه ، إلى أن دخل يوما إلى الرشيد فأظهر له إكراما ، وجرى بينهما كلام
مت به جعفر بحرمته وحرمة أبيه ، فأمر له الرشيد في ذلك اليوم بعشرين ألف دينار ، فأمسك يحيى عن أن يقول فيه شيئا حتى أمسى ، ثم قال للرشيد : يا
أمير المؤمنين قد كنت اخبرك عن جعفر ومذهبه فتكذب عنه ، وههنا أمر فيه الفيصل
قال : وماهو ؟ قال : إنه لا يصل إليه مال من جهة من الجهات إلا أخرج خمسه
فوجه به إلى موسى بن جعفر ، ولست أشك أنه قد فعل ذلك في العشرين الالف
الدينار التي أمرت بها له فقال هارون : إن في هذا لفيصلا .
فأرسل إلى جعفر ليلا ، وقد كان عرف سعاية يحيى به ، فتباينا وأظهر كل
واحد فيهما لصاحبه العداوة ، فلما طرق جعفرا رسول الرشيد بالليل خشي أن
يكون قد سمع فيه قول يحيى ، وأنه إنما دعاه ليقتله ، فأفاض عليه مآءا ودعا
بمسك وكافور فتحنط بهما ، ولبس بردة فوق ثيابه ، وأقبل إلى الرشيد ، فلما
وقعت عليه عينه وشم رائحة الكافور ، ورأى البردة عليه ، قال : ياجعفر
ماهذا ! ؟
فقال : ياأمير المؤمنين قد علمت أنه قد سعي بي عندك ، فلما جآءني رسولك
في هذه الساعة لم آمن أن يكون قد قدح في قلبك مايقال علي فأرسلت إلي لتقتلني .
فقال : كلا ، ولكن قد خبرت أنك تبعث إلى موسى بن جعفر من كل
مايصير إليك بخمسه : وأنك قد فعلت ذلك في العشرين الالف الدينار ، فأحببت
أن أعلم ذلك ، فقال جعفر : الله أكبر ياأمير المؤمنين تأمر بعض خدمك يذهب
فيأتيك بها بخواتيمها .
[209]
فقال الرشيد لخادم له : خذ خاتم جعفر وانطلق به حتى تأتيني بهذا المال
وسمى له جعفر جاريته التي عندها المال فدفعت إليه البدر بخواتيمها فأتى بها الرشيد
فقال له جعفر : هذا أول ماتعرف به كذب من سعى بي إليك قال : صدقت ياجعفر
انصرف آمنا فإني لا أقبل فيك قول أحد ، قال : وجعل يحيى يحتال في إسقاط
جعفر .
قال النوفلي : فحدثني علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي عن بعض
مشايخه ، وذلك في حجة الرشيد قبل هذه الحجة ، قال : لقيني علي بن إسماعيل بن
جعفر بن محمد فقال لي : مالك قد أخملت نفسك مالك لاتدبر أمر الوزير ؟ فقد أرسل
إلي فعادلته وطلبت الحوائج إليه .
وكان سبب ذلك أن يحيى بن خالد قال ليحيى بن أبي مريم : ألا تدلني على
رجل من آل أبي طالب له رغبة في الدنيا ، فاوسع له منها ؟ قال : بلى ، أدلك على
رجل بهذه الصفة وهو علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد ، فأرسل إليه يحيى فقال :
أخبرني عن عمك ، وعن شيعته ، والمال الذي يحمل إليه فقال له : عندي الخبر
فسعى بعمه ، فكان في سعايته أن قال : إن من كثرة المال عنده أنه اشترى ضيعة
تسمى البشرية بثلاثين ألف دينار ، فلما أحضر المال قال البايع : لا اريد هذا النقد
اريد نقد كذا وكذا ، فأمر بها فصبت في بيت ماله ، وأخرج منه ثلاثين ألف دينار
من ذلك النقد ووزنه في ثمن الضيعة .
قال النوفلي : قال أبي : وكان موسى بن جعفر عليهما السلام يأم لعلي بن إسماعيل
بالمال ويثق به حتى ربما خرج الكتاب منه إلى بعض شيعته بخط علي بن إسماعيل
ثم استوحش منه ، فلما أراد الرشيد الرحلة إلى العراق بلغ موسى بن جعفر عليه السلام
أن عليا ابن أخيه يريد الخروج مع السلطان إلى العراق ، فأرسل إليه : مالك
والخروج مع السلطان ؟ قال : لان علي دينا فقال : دينك علي قال : وتدبير
عيالي قال : أنا أكفيهم فأبى إلا الخروج فأرسل إليه مع أخيه محمد بن جعفر بثلاثمائة
[210]
دينار ، وأربعة آلاف درهم فقال : اجعل هذا في جهازك ، ولا توتم ولدي ( 1 ) .
توضيح : قوله أن يخطب عليه في أكثر النسخ بالخاء المعجمة أي ينشئ الخطب
مغريا عليه أي يحسن الكلام ويحبره في ذمه ، وفي بعضها بالمهملة قال الفيروزآبادي ( 2 )
حطب به سعى وقال الجزري ( 3 ) : المت التوسل والتوصل بحرمة أو قرابة أو غير
ذلك ، قوله قد قدح في قلبك أي أثر من قولهم قدحت النار ، قوله فعادلته أي
ركبت معه في المحمل .
أقول : قد مضى سبب تشيع جعفر بن محمد بن الاشعث في باب معجزات
الصادق عليه السلام .
8 ن : المكتب عن علي بن إبراهيم ، عن اليقطيني ، عن موسى بن القاسم
البجلي ، عن علي بن جعفر قال : جائني محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد و
ذكر لي أن محمد بن جعفر دخل على هارون الرشيد فسلم عليه بالخلافة ثم قال
له : ماظننت أن في الارض خليفتين حتى رأيت أخي موسى بن جعفر يسلم عليه
بالخلافة ، وكان ممن سعى بموسى بن جعفر عليه السلام يعقوب بن داود وكان يرى
رأي الزيدية ( 4 ) .
9 ن ( 5 ) لى : أبي ، عن علي بن إبراهيم ، عن اليقطيني ، عن أحمد بن
عبدالله القروي ، عن أبيه قال : دخلت على الفضل بن الربيع وهو جالس على سطح
فقال لي : ادن مني فدنوت حتى حاذيته ثم قال لي : أشرف إلى البيت في الدار ، فأشرفت
فقال : ماترى في البيت ؟ قلت : ثوبا مطروحا فقال : انظر حسنا فتأملت ونظرت
فتيقنت فقلت : رجل ساجد فقال لي : تعرفه ؟ قلت : لا قال : هذا مولاك قلت :
___________________________________________________________________
( 1 ) عيون أخبار الرضا " ع " ج 1 ص 69 .
( 2 ) القاموس ج 1 ص 560 .
( 3 ) النهاية ج 4 ص 75 .
( 4 ) عيون أخبار الرضا " ع " ج 1 ص 72 .
( 5 ) نفس المصدر ج 1 ص 106 بتفاوت .