[211]
ومن مولاي ! ؟ فقال : تتجاهل علي ! ؟ فقلت : ماأتجاهل ولكني لاأعرف لي
مولى .
فقال : هذا أبوالحسن موسى بن جعفر إني أتفقده الليل والنهار ، فلم أجده
في وقت من الاوقات إلا على الحال التي اخبرك بها إنه يصلي الفجر فيعقب ساعة
في دبر صلاته ، إلى أن تطلع الشمس ، ثم يسجد سجدة ، فلا يزال ساجدا حتى تزول
الشمس ، وقد وكل من يترصد له الزوال ، فلست أدري متى يقول الغلام قد زالت
الشمس إذ يثب فيبتدئ بالصلاة ، من غير أن يجدد وضوءآ فأعلم أنه لم ينم في سجوده
ولا أغفى .
فلا يزال كذلك إلى أن يفرغ من صلاة العصر ، فإذا صلى العصر سجد سجدة
فلا يزال ساجدا إلى أن تغيب الشمس ، فاذا غابت الشمس وثب من سجدته فصلى
المغرب من غير أن يحدث حدثا ، ولا يزال في صلاته وتعقيبه إلى أن يصلي العتمة
فإذا صلى العتمة أفطر على شوي يؤتى به ، ثم يجدد الوضوء ، ثم يسجد ثم يرفع
رأسه ، فينام نومة خفيفة ، ثم يقوم فيجدد الوضوء ، ثم يقوم فلا يزال يصلي في
جوف الليل ، حتى يطلع الفجر ، فلست أدري متى يقول الغلام إن الفجر قد طلع
إذ قد وثب هو لصلاة الفجر ، فهذا دأبه منذ حول إلي .
فقلت : اتق الله ، ولا تحدثن في أمره حدثا يكون منه زوال النعمة ، فقد
تعلم أنه لم يفعل أحد بأحد منهم سوء إلا كانت نعمته زائلة ، فقال : قد أرسلوا
إلي في غير مرة يأمرونني بقتله ، فلم اجبهم إلى ذلك ، وأعلمتهم أني لاأفعل
ذلك ولو قتلوني ماأجبتهم إلى ماسألوني .
فلما كان بعد ذلك حول إلى الفضل بن يحيى البرمكي ، فحبس عنده أياما
فكان الفضل بن الربيع يبعث إليه في كل ليلة مائدة ، ومنع أن يدخل إليه من
عند غيره ، فكان لايأكل ولايفطر إلا على المائدة التي يؤتى بها ، حتى مضى على
تلك الحال ثلاثة أيام ولياليها ، فلما كانت الليلة الرابعة ، قدمت إليه مائدة للفضل
[212]
ابن يحيى قال : ورفع عليه السلام يده إلى السماء فقال : يارب إنك تعلم أني لو أكلت
قبل اليوم كنت قد أعنت على نفسي قال : فأكل فمرض ، فلما كان من غد بعث
إليه بالطبيب ليسأله عن العلة فقال له الطبيب : ماحالك ؟ فتغافل عنه ، فلما أكثر
عليه أخرج إليه راحته فأراها الطبيب ثم قال : هذه علتي وكانت خضرة وسط راحته
تدل على أنه سم ، فاجتمع في ذلك الموضع قال : فانصرف الطبيب إليهم وقال :
والله لهو أعلم بما فعلتم به منكم ، ثم توفي عليه السلام ( 1 ) .
10 ن ( 2 ) لى : أبي ، عن سعد ، عن اليقطيني ، عن الحسن بن محمد بن
بشار قال : حدثني شيخ من أهل قطيعة الربيع من العامة ممن كان يقبل قوله قال :
قال لي : قد رأيت بعض من يقرون بفضله من أهل هذا البيت فما رأيت مثله قط
في نسكه وفضله قال : قلت : من ؟ وكيف رأيته ؟ قال : جمعنا أيام السندي بن
شاهك ثمانين رجلا من الوجوه ممن ينسب إلى الخير ، فأدخلنا على موسى بن
جعفر فقال لنا السندي : ياهؤلاء انظروا إلى هذا الرجل هل حدث به حدث ؟ فإن
الناس يزعمون أنه قد فعل مكروه به ، ويكثرون في ذلك ، وهذا منزله وفرشه
موسع عليه غير مضيق ولم يرد به أمير المؤمنين سوءا ، وإنما ينتظره أن يقدم فيناظره
أمير المؤمنين ، وها هوذا صحيح ، موسع عليه في جميع أمره فاسألوه .
قال : ونحن ليس لنا هم إلا النظر إلى الرجل ، وإلى فضله وسمته فقال :
أما ماذكر من التوسعة وما أشبه ذلك فهو على ماذكر غير أني اخبركم أيها النفر
أني قد سقيت السم في تسع تمرات وإني أخضر غدا وبعد غد أموت .
قال : فنظرت إلى السندي بن شاهك يرتعد ويضطرب مثل السعفة ، قال الحسن :
وكان هذا الشيخ من خيار العامة شيخ صديق ، مقبول القول ، ثقة ثقة جدا عند
الناس ( 3 ) .
___________________________________________________________________
( 1 ) أمالى الصدوق ص 146 .
( 2 ) عيون أخبار الرضا " ع " ج 1 ص 96 .
( 3 ) أمالى الصدوق ص 149 .
[213]
11 ب : اليقطيني ، عن الحسن بن محمد بن بشار مثله ( 1 ) .
12 غط : الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن اليقطيني مثله ( 2 ) .
13 ن : الطالقاني ، عن محمد بن يحيى الصولي ، عن أحمد بن عبدالله
عن علي بن محمد بن سليمان ، عن إبراهيم بن أبي البلاد قال : كان يعقوب بن داود
يخبرني أنه قد قال بالامامة ، فدخلت إليه بالمدينة في الليلة التي اخذ فيها موسى بن
جعفر عليه السلام في صبيحتها فقال لي : كنت عند الوزير الساعة يعني يحيى بن خالد
فحدثنى أنه سمع الرشيد يقول عند رسول الله صلى الله عليه وآله كالمخاطب له : " بأبي أنت وامي
يارسول الله إني أعتذر إليك من أمر عزمت عليه ، وإني اريد أن آخذ موسى بن جعفر
فأحبسه ، لاني قد خشيت أن يلقي بين امتك حربا تسفك فيها دماؤهم " وأنا أحسب
أنه سيأخذه غدا فلما كان من الغد أرسل إليه الفضل بن الربيع وهو قائم يصلي
في مقام رسول الله صلى الله عليه وآله فأمر بالقبض عليه وحبسه ( 3 ) .
14 ن : الهمداني ، عن علي ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن صالح قال : حدثني
حاجب الفضل بن الربيع عن الفضل بن الربيع قال : كنت ذات ليلة في فراشي
مع بعض جواري فلما كان في نصف الليل سمعت حركة باب المقصورة فراعني
ذلك فقالت الجارية : لعل هذا من الريح ، فلم يمض إلا يسير حتى رأيت باب
البيت الذي كنت فيه قد فتح وإذا مسرور الكبير قد دخل علي فقال لي : أجب
الامير ، ولم يسلم علي .
فيئست من نفسي وقلت : هذا مسرور ودخل إلي بلا إذا ولم يسلم ، ماهو
إلا القتل ، وكنت جنبا فلم أجسر أن أسأله إنظاري حتى أغتسل فقالت لي الجارية :
لما رأت تحيري وتبلدي : ثق بالله عزوجل وانهض ، فنهضت ، ولبست ثيابي ، و
___________________________________________________________________
( 1 ) قرب الاسناد ص 192 .
( 2 ) غيبة الشيخ الطوسي ص 26 بتفاوت .
( 3 ) عيون أخبار الرضا " ع " ج 1 ص 73 .
[214]
خرجت معه حتى أتيت الدار فسلمت على أمير المؤمنين وهو في مرقده فرد علي
السلام فسقطت فقال : تداخلك رعب ؟ قلت : نعم ياأمير المؤمنين فتركني ساعة حتى
سكنت ثم قال لي : صر إلى حبسنا فأخرج موسى بن جعفر محمد وادفع إليه
ثلاثين ألف درهم ، واخلع عليه خمس خلع ، واحمله على ثلاثة مراكب ، وخيره
بين المقام معنا أو الرحيل عنا إلى أي بلد أراد وأحب .
فقلت : ياأمير المؤمنين تأمر باطلاق موسى بن جعفر ؟ قال : نعم فكررت
ذلك عليه ثلاث مرات فقال لي : نعم ويلك أتريد أن أنكث العهد ؟ فقلت : يا
أمير المؤمنين وما العهد ؟ قال : بينا أنا في مرقدي هذا إذ ساورني أسود مارأيت من
السودان أعظم منه ، فقعد على صدري وقبض على حلقي وقال لي : حبست موسى
ابن جعفر ظالما له ؟ فقلت : فأنا اطلقه وأهب له ، وأخلع عليه ، فأخذ علي عهد الله
عزوجل وميثاقه ، وقام عن صدري ، وقد كادت نفسي تخرج .
فخرجت من عنده ووافيت موسى بن جعفر عليه السلام وهو في حبسه فرأيته قائما
يصلي فجلست حتى سلم ثم أبلغته سلام أمير المؤمنين وأعلمته بالذي أمرني به في
أمره ، وأني قد أحضرت ماوصله به ، فقال : إن كنت امرت بشئ غير هذا فافعله ؟
فقلت : لا وحق جدك رسول الله ما امرت إلا بهذا فقال : لا حاجة لي في الخلع
والحملان والمال إذ كانت فيه حقوق الامة فقلت : ناشدتك بالله أن لا ترده فيغتاظ
فقال : اعمل به ماأحببت ، وأخذت بيده عليه السلام وأخرجته من السجن .
ثم قلت له : ياابن رسول الله أخبرني بالسبب الذي نلت به هذه الكرامة من
هذا الرجل ، فقد وجب حقي عليك لبشارتي إياك ، ولما أجراه الله عزوجل
على يدي من هذا الامر فقال عليه السلام : رأيت النبي صلى الله عليه وآله ليلة الاربعآء في النوم فقال
لي : ياموسى أنت محبوس مظلوم ؟ فقلت : نعم يارسول الله محبوس مظلوم ، فكرر
علي ذلك ثلاثا ثم قال : " وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين " ( 1 ) أصبح
غدا صائما وأتبعه بصيام الخميس والجمعة ، فاذا كان وقت الافطار فصل اثنتي عشرة
___________________________________________________________________
( 1 ) سورة الانبياء الاية : 111 .
[215]
ركعة تقرأ في كل ركعة الحمد واثنتي عشرة مرة قل هو الله أحد ، فاذا صليت
منها أربع ركعات فاسجد ثم قل : ياسابق الفوت ياسامع كل صوت يامحيي العظام
وهي رميم بعد الموت أسألك باسمك العظيم الاعظم أن تصلي على محمد عبدك ورسولك
وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وأن تعجل لي الفرج مما أنا فيه ، ففعلت فكان
الذي رأيت ( 1 ) .
بيان : ساوره واثبه .
15 ختص : حمدان بن الحسين النهاوندي ، عن إبراهيم بن إسحاق النهاوندي
عن أحمد بن إسماعيل ، عن عبيد الله بن صالح مثله ، وفيه فسرت إليه مرعوبا فقال
لي : يافضل أطلق موسى بن جعفر الساعة وهب له ثمانين ألف درهم ، واخلع عليه
خمس خلع ، واحمله على خمسة من الظهر ( 2 ) .
16 ن : الهمداني عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن الحسين المدني ، عن
عبدالله بن الفضل ، عن أبيه الفضل قال : كنت أحجب للرشيد فأقبل علي يوما
غضبانا وبيده سيف يقلبه فقال لي : يافضل بقرابتي من رسول الله لئن لم تأتني
بابن عمي لآخذن الذي فيه عيناك ، فقلت : بمن أجيئك ؟ فقال : بهذا الحجازي
قلت : وأي الحجازيين ؟ قال موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي
ابن أبي طالب .
قال الفضل : فخفت من الله عزوجل إن جئت به إليه ثم فكرت في النقمة
فقلت له : أفعل فقال : ائتني بسواطين وهبنازين ( 3 ) وجلادين قال : فأتيته بذلك
-بحار الانوار مجلد: 44 من ص 215 سطر 19 الى ص 223 سطر 18
ومضيت إلى منزل أبي إبراهيم موسى بن جعفر .
فأتيت إلى خربة فيها كوخ من جرائد النخل فاذا أنا بغلام أسود فقلت له :
استأذن لي على مولاك يرحمك الله فقال لي : لج ليس له حاجب ولا بواب ، فولجت
___________________________________________________________________
( 1 ) عيون أخبار الرضا " ع " ج 1 ص 73 .
( 2 ) الاختصاص ص 59 .
( 3 ) نسخة في هامش مطبوعة الكمبانى " هسارين " هصارين " .
[216]
إليه ، فاذا أنا بغلام أسود بيده مقص يأخذ اللحم من جبينه وعرنين أنفه من كثرة
سجوده فقلت له : السلام عليك ياابن رسول الله أجب الرشيد فقال : ماللرشيد و
مالي ؟ أما تشغله نعمته عني ؟ ثم قام مسرعا ، وهو يقول : لولا أني سمعت في خبر
عن جدي رسول الله صلى الله عليه وآله : أن طاعة السلطان للتقية واجبة إذا ماجئت .
فقلت له : استعد للعقوبة ياأبا إبراهيم رحمك الله فقال عليه السلام : أليس معي
من يملك الدنيا والآخرة ، ولن يقدر اليوم على سوء بي إنشآء الله قال الفضل بن
الربيع : فرأيته وقد أدار يده يلوح على رأسه ثلاث مرات فدخلت إلى الرشيد فاذا
هو كأنه امرأة ثكلى قائم حيران فلما رآني قال لي : يافضل فقلت : لبيك فقال :
جئتني بابن عمي ؟ قلت : نعم قال : لا تكون أزعجته ؟ فقلت : لا قال : لا تكون
أعلمته أني عليه غضبان ؟ فاني قد هيجت على نفسي مالم ارده ائذن له بالدخول
فأذنت له .
فلما رآه وثب إليه قائما وعانقه وقال له : مرحبا بابن عمي وأخي ، ووارث
نعمتي ، ثم أجلسه على فخذه وقال له : ما الذي قطعتك عن زيارتنا ؟ فقال : سعة
ملكك وحبك للدنيا فقال : ايتوني بحقة الغالية ، فاتي بها فغلفه بيده ثم أمره
أن يحمل بين يديه خلع وبدرتان دنانير فقال موسى بن جعفر عليه السلام : والله لو
لا أني أرى من ازوجه بها من عزاب بني أبي طالب لئلا ينقطع نسله أبدا ما قبلتها
ثم تولى عليه السلام وهو يقول : الحمد لله رب العالمين .
فقال الفضل : ياأمير المؤمنين أردت أن تعاقبه فخلعت عليه وأكرمته ؟ فقال
لي : يافضل إنك لما مضيت لتجيئني به رأيت أقواما قد أحوقوا بداري بأيديهم
حراب قد غرسوها في أصل الدار يقولون : إن آذى ابن رسول الله خسفنا به وإن
أحسن إليه انصرفنا عنه وتركناه .
فتبعته عليه السلام فقلت له : ماالذي قلت حتى كفيت أمر الرشيد ؟ فقال : دعآء
جدي علي بن أبي طالب عليه السلام كان إذا دعا به مابرز إلى عسكر إلا هزمه ، ولا
إلى فارس إلا قهره ، وهو دعآء كفاية البلاء قلت : وماهو ؟ قال : قلت : اللهم بك
[217]
اساور ، وبك احاول ، وبك احاور ، وبك أصول ، وبك أنتصر ، وبك أموت ، وبك
أحيا أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك ولا حول ولا قوة إلا الله العلي العظيم
اللهم إنك خلقتني ورزقتني وسترتني ، وعن العباد بلطف ماخولتني أغنيتني ، وإذا
هويت رددتني ، وإذا عرثت قومتني ، وإذا مرضت شفيتني ، وإذا دعوت أجبتني
ياسيدي ارض عني فقد أرضيتني ( 1 ) .
بيان : الكوخ بالضم بيت من قصب بلا كوة ، ولوح الرجل بثوبه وبسيفه
لمع به وحركه .
17 ن : يحيى بن المكتب عن الوراق ، عن علي بن هارون الحميري ، عن
علي بن محمد بن سليمان النوفلي ، عن أبيه ، عن علي بن يقطين قال : انهي الخبر
إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام وعنده جماعة من أهل بيته ، بما عزم عليه موسى
ابن المهدي في أمره فقال لاهل بيته : ما تشيرون ؟ قالوا : نرى أن تتباعد عنه ، وأن
تغيب شخصك منه ، فانه لايؤمن شره ، فتبسم أبوالحسن عليه السلام ثم قال :
زعمت سخينة أن ستغلب ربها وليغلبن مغلب الغلاب
ثم رفع عليه السلام يده إلى السمآء فقال : اللهم كم من عدو شحذلي ظبة
مديته ، وأرهف لي شبا حده وداف لي قواتل سمومه ، ولم تنم عني عين حراسته
فلما رأيت ضعفي عن احتمال الفوادح ، وعجزي عن ملمات الجوايح صرفت عني
ذلك بحولك وقوتك ، لا بحولي وقوتي ، فألقيته في الحفير الذي احتفره لي خائبا
مما أمله في دنياه متباعدا مما رجاه في آخرته فلك الحمد على ذلك قدر استحقاقك
سيدي اللهم فخذه بعزتك وافلل حده عني بقدرتك ، واجعل له شغلا فيما يليه
وعجزا عمن يناويه ، اللهم وأعدني عليه عدوى حاضرة تكون من غيظي شفآءا
ومن حقي عليه وفآءا وصل اللهم دعائي بالاجابة ، وانظم شكايتي بالتغيير ، وعرفه
عما قليل ماوعدت الظالمين ، وعرفني ماوعدت في إجابة المضطرين ، إنك ذو الفضل
___________________________________________________________________
( 1 ) عيون أخبار الرضا " ع " ج 1 ص 76 .
[218]
العظيم ، والمن الكريم " ( 1 ) .
قال : ثم تفرق القوم فما اجتمعوا إلا لقراءة الكتاب الوارد عليه بموت
موسى بن المهدي ، ففي ذلك يقول بعض من حضر موسى عليه السلام من أهل بيته :
وسارية لم تسر في الارض تبتغي محلا ولم يقطع بها البعد قاطع
سرت حيث لم تحد الركاب ولم تنخ لورد ولم يقصر لها البعد مانع
تمر وراء الليل والليل ضارب بجثمانه فيه سمير وهاجع
تفتح أبواب السمآء ودونها إذا قرع الابواب منهن قارع
إذا وردت لم يردد الله وفدها على أهلها والله راء وسامع
وإني لارجو الله حتى كأنما أرى بجميل الظن ماالله صانع ( 2 ) .
18 ما : الغضائري ، عن الصدوق ، عن ابن المتوكل ، عن علي ، عن أبيه
عن الحسين بن علي بن يقطين قال : وقع الخبر إلى موسى بن جعفر عليه السلام وعنده
جماعة من أهل بيته إلى قوله : فما اجتمعوا إلا لقراءة الكتب الواردة بموت
موسى بن المهدي ( 3 ) .
19 لى : ابن المتوكل ، عن علي ، عن أبيه مثله ( 4 ) .
بيان : وسارية أي ورب سارية من السرى ، وهو السير بالليل أي رب دعوة
لم تجر في الارض تطلب محلا ، بل صعدت إلى السمآء ، ولم يقطعها قاطع لبعد
المسافة جرت حيث لم تحد الركاب ، من حدى الابل ، ولم تنخذ من إناخة الابل
لورد أي ورود على المآء ، قوله : تمر وراء الليل أي تمر هذه الدعوة وراء ستر
الليل بحيث لايطلع عليها أحد .
قوله : والليل ضاب بجثمانه أي ضرب بجسده الارض ، وسكن واستقر
___________________________________________________________________
( 1 ) هو الدعاء المعروف بالجوشن الصغير .
( 2 ) عيون أخبار الرضا " ع " ج 1 ص 79 .
( 3 ) أمالي الطوسي ص 268 .
( 4 ) أمالي الصدوق ص 376 .
[219]
فيها وقال الجوهري ( 1 ) الضارب : الليل الذي ذهبت ظلمته يمينا وشمالا وملات
الدنيا قوله : لم يردد الله وفدها أي لم يرددها وافدة .
20 ن : ما جيلويه ، عن علي ، عن أبيه قال : سمعت رجلا من أصحابنا يقول :
لما حبس الرشيد موسى بن جعفر عليه السلام جن عليه الليل فخاف ناحية هارون أن
يقتله ، فجدد موسى عليه السلام طهوره واستقبل بوجهه القبلة وصلى لله عزوجل أربع
ركعات ثم دعا بهذه الدعوات فقال : ياسيدي نجني من حبس هارون ، وخلصني
من يده ، يامخلص الشجر من بين رمل وطين ومآء ، ويامخلص اللبن من بين
فرث ودم ، ويامخلص الولد من بين مشيمة ورحم ، ويا مخلص النار من بين الحديد
والحجر ، ويا مخلص الروح من بين الاحشآء والامعاء ، خلصني من يدي هارون .
قال : فلما دعا موسى عليه السلام بهذه الدعوات أتى هارون رجل أسود في
منامه وبيده سيف قد سله ، فوقف على رأس هارون وهو يقول : ياهارون أطلق عن
موسى بن جعفر وإلا ضربت علاوتك بسيفي هذا ، فخاف هارون من هيبته ثم دعا
الحاجب فجآء الحاجب فقال له : اذهب إلى السجن فأطلق عن موسى بن جعفر قال :
فخرج الحاجب فقرع باب السجن فأجابه صاحب السجن فقال : من ذا ؟ قال :
إن الخليفة يدعو موسى بن جعفر فأخرجه من سجنك ، وأطلق عنه ، فصاح السجان
ياموسى : إن الخليفة يدعوك .
فقام موسى عليه السلام مذعورا فزعا وهو يقول : لايدعوني في جوف هذا الليل إلا
لشر يريد بي ، فقام باكيا حزينا مغموما آيسا من حياته فجآء إلى هارون وهو
ترتعد فرائصه فقال : سلام على هارون فرد عليه السلام ثم قال له هارون : ناشدتك
بالله هل دعوت في جوف هذه الليلة بدعوات ؟ فقال : نعم ، قال : وماهن ؟ قال :
جددت طهورا وصليت لله عزوجل أربع ركعات ، ورفعت طرفي إلى السمآء و
قلت : ياسيدي خلصني من يد هارون وذكره وشره ، وذكر له ما كان من دعائه فقال
___________________________________________________________________
( 1 ) الصحاح ج 1 ص 169 .
[220]
هارون قد استجاب الله دعوتك ياحاجب أطلق عن هذا ، ثم دعا بخلع فخلع عليه ثلاثا
وحمله على فرسه وأكرمه وصيره نديما لنفسه ، ثم قال : هات الكلمات فعلمه
فأطلق عنه وسلمه إلى الحاجب ليسلمه إلى الدار ويكون معه ، فصار موسى بن
جعفر عليه السلام كريما شريفا عند هارون ، وكان يدخل عليه في كل خميس إلى
أن حبسه الثانية فلم يطلق عنه حتى سلمه إلى السندي بن شاهك وقتله بالسم ( 1 ) .
21 لى : مثله إلى قوله في كل يوم خميس ( 2 ) .
22 ما : الغضائري عن الصدوق مثله ( 3 ) .
23 قب : مرسلا مثله مع اختصار ثم قال : وفي رواية الفضل بن الربيع
أنه قال : صر إلى حبسنا وأخرج موسى بن جعفر وادفع إليه ثلاثين ألف درهم و
اخلع عليه خمس خلع ، واحمله على ثلاث مراكب ، وخيره إما المقام معنا ، أو
الرحيل إلى أي البلاد أحب ، فلما عرض الخلع عليه أبى أن يقبلها ( 4 ) .
بيان : العلاوة بالكسر أعلا الرأس .
24 ن : محمد بن علي بن محمد بن حاتم ، عن عبدالله بن بحر الشيباني قال :
حدثني الخرزي أبوالعباس بالكوفة قال : حدثني الثوباني قال : كنت لابي
الحسن موسى بن جعفر عليه السلام بضع عشرة سنة كل يوم سجدة بعد ابيضاض الشمس
إلى وقت الزوال قال : فكان هارون ربما صعد سطحا يشرف منه على الحبس الذي
حبس فيه أبا الحسن عليه السلام فكان يرى أبا الحسن عليه السلام ساجدا فقال للربيع : ماذاك
الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع ؟ قال : ياأمير المؤمنين ماذاك بثوب و
إنما هو موسى بن جعفر ، له كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال قال
الربيع : فقال لي هارون : أما إن هذا من رهبان بني هاشم ، قلت : فما لك فقد
___________________________________________________________________
( 1 ) عيون أخبار الرضا " ع " ج 1 ص 93 .
( 2 ) أمالى الصدوق ص 377 .
( 3 ) أمالى الطوسي ص 269 .
( 4 ) المناقب ج 3 ص 422 .